شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة، هنا في رواية
كريمة، وسقطت لغيرها، وهي ثابتة في اليونينية.
16 - كتاب الكسوف
هو بالكاف: للشمس والقمر، أو بالخاء: للقمر، وبالكاف:
للشمس، خلاف يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، حيث عقد
المؤلّف له بابًا.
والكسوف هو التغير إلى السواد، ومنه: كسف وجهه إذا تغير،
والخسوف بالخاء المعجمة: النقصان، قاله الأصمعي. والخسف
أيضًا: الذال، والجمهور على أنهما يكونان لذهاب ضوء الشمس
والقمر بالكلية، وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء في
الانتهاء. وقيل بالكاف: لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه.
وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف: لتغيره.
وزعم بعض علماء الهيئة أن كسوف الشمس لا حقيقة له، فإنها
لا تتغير في نفسها، وإنما القمر يحول بيننا وبينها ونورها
باق، وأما كسوف القمر فحقيقة، فإن ضوءه من ضوء الشمس،
وكسوفه بحيلولة ظل الأرض بين الشمس وبينه بنقطة التقاطع،
فلا يبقى فيه ضوء البتة، فخسوفه ذهاب ضوئه حقيقة. اهـ.
وأبطله ابن العربي بأنهم: زعموا أن الشمس أضعاف القمر،
وكيف يحجب الأصغر الأكبر إذا قابله.
وفي أحكام الطبري في الكسوف فوائد: ظهور التصرف في هذين
الخلقين العظيمين، وإزعاج القلوب الغافلة، وإيقاظها، وليرى
الناس نموذج القيامة، وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان،
فيكون تنبيهًا على خوف المكر، ورجاء العفو، والإعلام بأنه
قد يؤاخذ من لا ذنب له، فكيف من له ذنب؟.
وللمستملي: أبواب الكسوف بدل: كتاب الكسوف.
1 - باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
(باب) مشروعية (الصلاة في كسوف الشمس) وهي: سنة مؤكدة
لفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمره، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى.
والصارف
(2/259)
عن الوجوب ما سبق في العيد، وقول الشافعي
في الأم: لا يجوز تركها، حملوه على الكراهة لتأكدها،
ليوافق كلامه في مواضع أخر، والمكروه قد يوصف بعدم الجواز
من جهة إطلاق الجائز على مستوى الطرفين، وصرح أبو عوانة في
صحيحه بوجوبها، وإليه ذهب بعض الحنفية. واختاره صاحب
الأسرار.
1040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ
قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجُرُّ
رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا،
فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ،
فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ،
فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى
يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». [الحديث 1040 - أطرافه في: 1048،
1062، 1063، 5785].
وبه قال: (حدَّثنا عمرو بن عون) بفتح العين الواسطي (قال:
حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي (عن يونس) بن عبيد
(عن الحسن عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه،
والحسن هو: البصري، كما عند البخاري وشيخه ابن المديني.
خلافًا للدارقطني، حيث انتقد على المؤلّف: بأن الحسن
البصري إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة، وتأوّله أنه:
الحسن بن علي.
وأجيب: بأنه قد وقع التصريح بسماع الحسن البصري من أبي
بكرة، في باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "يخوف الله عباده بالكسوف" حيث قال: وتابعه
موسى، عن مبارك عن الحسن، قال: أخبرني أبو بكرة. وفي باب:
قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن بن
علي: "ابني هذا سيد" حيث قال فيه: فقال الحسن: ولقد سمعت
أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ....
ثم قال المؤلّف فيه: قال لي علي بن عبد الله، أي المديني
إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث، يعني
لتصريحه فيه بالسماع. (قال):
(كنا عند رسول الله) ولأبي ذر: عند النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فانكسفت الشمس) بوزن انفعلت، وهو
يردّ على القزاز حيث أنكره (فقام النبي) ولأبوي ذر،
والوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
حال كونه (يجرّ رداءه) من غير عجب ولا خيلاء، حاشاه الله
من ذلك زاد في اللباس من وجه آخر، عن يونس: مستعجلاً.
وللنسائي: من العجلة (حتى دخل المسجد، فدخلنا) معه، (فصلّى
بنا ركعتين) زاد النسائي كما تصلون.
واستدلّ به الحنفية على أنها كصلاة النافلة، وأيّده صاحب
عمدة القاري، منهم، بحديث ابن مسعود عند ابن خزيمة في
صحيحه، وابن سمرة عبد الرحمن عند مسلم، والنسائي، وسمرة بن
جندب عند أصحاب السنن الأربعة، وعبد الله بن عمرو بن العاص
عند الطحاوي، وصححه الحاكم وغيرهم، وكلهم مصرحة بأنها
ركعتان.
وحمله ابن حبان والبيهقي، من الشافعية، على أن المعنى: كما
كانوا يصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل
البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان، في كل ركعة
ركوعان، كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما.
ويؤيد ذلك: أن في رواية عبد الوارث عن يونس، الآتية في
أواخر الكسوف، أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثبت في حديث
جابر عند مسلم مثله، وقال فيه: إن في كل ركعة ركوعين، فدلّ
ذلك على اتحاد القصة. وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة.
وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى،
ووقع في أكثر الطرق، عن عائشة أيضًا: أن في كل ركعة
ركوعين. قاله في فتح الباري؛ وتعقبه العيني بأن حمل ابن
حبان والبيهقي على أن المعنى: كما يصلون في الكسوف، بعيد
وظاهر الكلام يرده، وبأن حديث أبي بكرة، عن الذي شاهده من
صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس
فيه خطاب أصلاً، ولئن سلمنا أنه خاطب بذلك من الخارج، فليس
معناه كما حمله ابن حبان والبيهقي، لأن المعنى: كما كانت
عادتكم فيما إذا صليتم ركعتين بركوعين وأربع سجدات. على ما
تقرر من شأن الصلاة.
نعم، مقتضى كلام أصحابنا الشافعية كما في المجموع، أنه: لو
صلاها كسنة الظهر صحت، وكان تاركًا فضل، أخذًا من حديث
قبيصة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاها
بالمدينة ركعتين؟ وحديث النعمان: أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل يصلّي ركعتين ركعتين ويسأل عنها
حتى انجلت، رواهما أبو داود، وغيره، بإسنادين صحيحين.
وكأنهم لم ينظروا إلى احتمال أنه صلاها ركعتين بزيادة ركوع
في كل ركعة، كما في حديث عائشة وجابر وابن عباس وغيرهم،
حملاً للمطلق على المقيد، لأنه خلاف الظاهر، وفيه نظر، فإن
الشافعي لما نقل ذلك قال: يحمل المطلق على المقيد، وفد
نقله عنه البيهقي في المعرفة، وقال: الأحاديث على بيان
الجواز، ثم قال: وذهب
(2/260)
جماعة من أئمة الحديث، منهم ابن المنذر،
إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات، وحملوها على أنه صلاها
مرات، وأن الجميع جائز. والذي ذهب إليه الشافعي ثم
البخاري، من ترجيح أخبار الركوعين، بأنها أشهر وأصح، وأولى
لما مر من أن الواقعة واحدة. اهـ.
لكن، روى ابن حبان في الثقات: أنه، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى لخسوف القمر، فعليه الواقعة
متعددة، وجرى عليه السبكي والأذرعي، وسبقهما إلى ذلك
النووي في شرح مسلم، فنقل فيه عن ابن المنذر وغيره: أنه
يجوز صلاتها على كل واحدة من الأنواع الثابتة، لأنها جرت
في أوقات، واختلاف صفاتها محمول على جواز الجميع، قال:
وهذا أقوى. اهـ.
وقد وقع لبعض الشافعية، كالبندنيجي: أن صلاتها ركعتين
كالنافلة لا تجزي.
(حتى انجلت الشمس) بالنون بعد همزة الوصل أي صفت وعاد
نورها. واستدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء، ولا
تكون الإطالة إلا بتكرار الركعات وعدم قطعها إلى الانجلاء.
وزاد ابن خزيمة: فلما كشف عنا خطبنا (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الشمس والقمر) آيتان من آيات الله (لا ينكسفان) بالكاف
(لموت أحد). قاله عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه
إبراهيم. وقال الناس: إنما كسفت لموته إبطالاً لما كان أهل
الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض (فإذا
رأيتموهما) بميم بعد الهاء بتثنية الضمير أي: الشمس
والقمر، ولأبي الوقت: رأيتموها بالإفراد، أي: الكسفة التي
يدل عليها قوله: لا ينكسفان، أو: الآية، لأن الكسفة آية من
الآيات، (فصلوا وادعوا) الله (حتى ينكشف ما بكم) غاية
للمجموع من الصلاة والدعاء.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، ورواته كلهم بصريون إلا
خالدًا، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: صلاة الكسوف، واللباس
والنسائي: في الصلاة، والتفسير.
1041 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قال: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ
مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا».
[الحديث 1041 - طرفاه في: 1057، 3204].
وبه قال: (حدّثنا شهاب بن عباد) العبدي الكوفي، المتوفى
سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا) ولأبي ذر في نسخة:
أخبرنا (إبراهيم بن حميد) الرؤاسي، بضم الراء ثم همزة
خفيفة وسين مهملة (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو:
ابن أبي حازم (قال: سمعت أبا مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة
الأنصاري، رضي الله عنه، حال كونه (يقول: قال النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الشمس والقمر لا ينكسفان) بالكاف بعد النون الساكنة
(لموت أحد من الناس) لم يقل في هذه: ولا لحياته، وسيأتي
قريبًا إن شاء الله تعالى ما فيها، (ولكنهما) أي انكسافهما
(آيتان) علامتان (من آيات الله) الدالة على وحدانيته،
وعظيم قدرته، أو: على تخويف عباده من بأسه وسطوته (فإذا
رأيتموهما) كذا، بالتثنية للكشميهني، أي: كسوف كل واحد
منهما على انفراده، لاستحالة وقوعهما
معًا في وقت واحد عادة، واستدلّ به على مشروعية صلاة كسوف
القمر، ولغير الكشميهني، فإذا رأيتموها، بالإفراد، أي:
الآية التي يدل عليها قوله آيتان (فقوموا فصلوا).
اتفقت الروايات على أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، بادر إليها، فلا وقت لها معين إلا رؤية الكسوف
في كل وقت من النهار، وبه قال الشافعي وغيره. لأن المقصود
إيقاعها قبل الانجلاء. وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد
الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله، فيفوت
المقصود.
واستثنى الحنفية أوقات الكراهة، وهو مشهور مذهب أحمد.
وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال
كالعيدين، فلا تصلّى قبل ذلك لكراهة النافلة حينئذ، نص
عليه الباجي، ونحوه في المدوّنة ..
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة
والقول، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه
المؤلّف في الكسوف أيضًا، و: بدء الخلق، ومسلم في: الخسوف،
وكذا النسائي وابن ماجة.
1042 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا».
[الحديث 1042 - طرفه في: 3201].
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج المصري، بالميم (قال:
أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري، بالميم أيضًا
(قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين، ابن
الحرث المصري أيضًا (عن عبد الرحمن بن القاسم) أنه (حدثه
عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله
عنهم،
(2/261)
(عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما،
أنه كان يخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
(أن الشمس والقمر لا يخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله،
على أنه لازم، ويجوز الضم على أنه متعد. لكن نقل الزركشي
عن ابن الصلاح أنه حكى منعه، ولم يبين لذلك دليلاً. والذي
في اليونينية: فتح التحتية والسين وكسرها، فلينظر. أي: لا
يذهب الله نورهما (لموت أحد) من العظماء (ولا لحياته)
تتميم للتقسيم، إلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد، أو
ذكر لدفع توهم من يقول: لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد
أن لا يكون سببًا للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا
التوهم. (ولكنهما) أي: خسوفهما (آيتان من آيات الله) يخوف
الله بخسوفهما عباده (فإذا رأيتموهما) بالتثنية،
وللكشميهني والأصيلي: فإذا رأيتموها، بالإفراد (فصلوا)
ركعتين، في كل ركعة ركوعان أو ركعتين، كسنة الظهر.
ورواة هذا الحديث ثلاثة مصريون بالميم، والباقي مدنيون،
وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا: في بدء الخلق، ومسلم في الصلاة، وكذا النسائي.
1043 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتِ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ
النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ
يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ». [الحديث 1043 -
طرفاه في: 1060، 6199].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا
هاشم بن القاسم) هو أبو النضر الليثي (قال: حدّثنا شيبان
أبو معاوية) النحوي (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة
وتخفيف اللام وبالقاف (عن المغيرة بن شعبة) رضي الله تعالى
عنه (قال):
(كسفت الشمس على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، يوم مات) ابنه من مارية القبطية (إبراهيم)
بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة، كما عليه جمهور أهل
السير، في ربيع الأوّل، أو في رمضان، أو ذي الحجة في عاشر
الشهر، وعليه الأكثر. أو: في رابعه أو رابع عشره، ولا يصح
شيء منها على قول: ذي الحجة، لأنه قد ثبت أنه عليه الصلاة
والسلام شهد وفاته من غير خلاف، ولا ريب أنه عليه الصلاة
والسلام كان إذ ذاك بمكة، في حجة الوداع.
لكن قيل: إنه كان في سنة تسع، فإن ثبت، صح ذلك.
وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية، وبأنه كان حينئذ
بالحديبية، ويجاب بأنه رجع منها في آخر القعدة، فلعلها
كانت في أواخر الشهر، وفيه رد على أهل الهيئة، لأنهم
يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة.
(فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم) بفتح الكاف والسين
والفاء (فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن الشمس والقمر لا ينكسفان) بسكون النون بعد المثناة
التحتية المفتوحة وكسر السين (لموت أحد ولا لحياته، فإذا
رأيتم) شيئًا من ذلك فحذف المفعول (فصلوا وادعوا الله)
تعالى.
وإنما ابتدأ المؤلّف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير
تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال، وإن
كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل، والله أعلم.
ورواة هذا الحديث ما بين بخاري وخراساني وبغدادي وبصري
وكوفي، وفيه: التحديث بالعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من
أفراده، وأخرجه أيضًا في: الأدب، ومسلم: في: الصلاة.
2 - باب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ
(باب الصدقة في) حالة (الكسوف).
1044 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ
الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ
قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ -وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ
الأَوَّلِ- ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهْوَ
دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ
السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ
انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ
يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا
وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا. ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ
اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".
[الحديث 1044 - أطرافه في: 1046، 1047، 1050، 1056، 1058،
1064، 1065، 1066، 1212، 3203، 4624، 5221، 6631].
- وبه قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن
مالك) هو: ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن
أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها
قالت):
(خسفت الشمس) بفتح الخاء وتالييها (في عهد رسول الله) أي:
زمنه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم مات ابنه
إبراهيم (فصلّى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، بالناس) صلاة الخسوف (فقام فأطال القيام) لطول
القراءة فيه، وفي رواية ابن شهاب الآتية، قريبًا إن شاء
الله تعالى: فاقترأ قراءة طويلة (ثم ركع فأطال الركوع)
بالتسبيح، وقدروه بمائة آية من البقرة (ثم قام) من الركوع
(فأطال القيام، وهو دون القيام الأول) الذي ركع منه (ثم
ركع) ثانيًا (فأطال الركوع) بالتسبيح أيضًا (وهو دون
الركوع الأول) وقدروه بثمانين آية (ثم سجد فأطال السجود)
كالركوع (ثم فعل) عليه الصلاة والسلام (في الركعة الثانية)
ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: في الركعة الأخرى (مثل ما
فعل في الأولى) من إطالة الركوع، لكنهم قدروه في الثالث
بسبعين آية، بتقديم
(2/262)
السين على الموحدة، وفي الرابع: بخمسين
تقريبًا في كلها ثبوت التطويل من الشارع بلا تقدير.
لكن قال الفاكهاني: إن في بعض الروايات تقدير القيام الأول
بنحو سورة: البقرة، والثاني بنحو سورة: آل عمران، والثالث
بنحو: سورة النساء، والرابع بنحو: سورة المائدة.
واستشكل تقدير الثالث: بالنساء، مع كون المختار أن يكون
القيام الثالث أقصر من القيام الثاني، والنساء أطول من آل
عمران. ولكن الحديث الذي ذكره غير معروف، إنما هو من قول
الفقهاء.
نعم، قالوا: يطول القيام الأول نحوًا من سورة البقرة،
لحديث ابن عباس الآتي في باب صلاة الكسوف جماعة، وإن
الثاني دونه، وإن القيام الأول من الركعة الثانية نحو
القيام الأول. وكذا الباقي.
نعم، في الدارقطني، من حديت عائشة أنه قرأ في الأول:
بالعنكبوت والروم، وفي الثاني: بيس.
(ثم انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (وقد انجلت
الشمس) بنون بعد ألف الوصل، أي: صفت وعاد نورها، ولأبي ذر:
تجلت، بالمثناة الفوقية وتشديد اللام (فخطب الناس) خطبتين
كالجمعة (فحمد الله وأثنى عليه) زاد النسائي، من حديث
سمرة: وشهد أنه عبد الله ورسوله، (ثم قال):
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله. لا ينخسفان) بنون
ساكنة بعد المثناة التحتية وبالخاء مع كسر السين، ولأبوي
ذر، والوقت، وابن عساكر: لا يخسفان، بإسقاط النون (لموت
أحد) من الناس (ولا لحياته) وإنما يخوف الله بكسوفهما
عباده (فإذا رأيتم ذلك) الكسوف في أحدهما (فادعوا الله)
وللحموي، والمستملي: فاذكروا الله بدل رواية الكشميهني:
فادعو الله (وكبروا وصلوا) كما مر (وتصدقوا) وهذا موضع
الترجمة.
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده
أو تزني أمته) برفع أغير، صفة لأحد، باعتبار المحل، والخبر
محذوف منصوب أي موجودًا على أن: ما، حجازية، أو يكون: أحد
مبتدأ، أو: أغير، خبره. على أن: ما، تميمية.
ويجوز نصب: أغير، على أنها خبر: ما، الحجازية. ومن زائدة
للتأكيد، وأن يكون مجرورًا بالفتحة على الصفة للمجرور
باعتبار اللفظ، والخبر المحذوف مرفوع على أن: ما، تميمية.
وقوله: "أن يزني" متعلق "بأغير" وحذف من قبل: أن، قياس
مستمر.
واستشكل نسبة الغيرة إلى الله لكونها ليست من الصفات
اللائقة به تعالى، إذ، هي: هيجان الغضب بسبب هتك من يذب
عنه، والله تعالى منزه عن كل تغيير.
وأجيب: تأويله بلازم الغيرة، وهو المنع. وزيادة الغيرة
معناها زيادة المنع، والزيادة هنا حقيقة، لأن صفات الأفعال
حادثة عندنا، تقبل التفاوت، أو يؤول بإرادة الانتقام،
ليكون من صفات الذات. أو التفضيل هنا مجازي، لأن القديم لا
يتفاوت إلا أن يراد باعتبار المتعلق.
وتأوله ابن فورك على الزجر والتحريم، وابن دقيق العيد: على
شدّة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة، ومجاز
الملازمة يحتمل كلاًّ من التأويلين، لأن ذلك، إما من إطلاق
اللازم على الملزوم،
أو الملزوم على اللازم. على كل حال فاستعمل هذا اللفظ
جاريًا على ما ألف من كلام العرب.
قال الطيبي: ووجه اتصال هذا المعنى بما تقدم من قوله
فاذكروا الله ... الخ، هو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، لما خوّف أمته من الكسوفين، وحرضهم على الفزع
والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء، والصلاة
والصدقة، أراد أن يردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب حدوث
البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها. والنفس إليه أميل،
وخص العبد والأمة بالذكر، رعاية لحسن الأدب.
ثم كرر الندبة فقال:
(يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم) من عظمة الله
وعظيم انتقامه من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة
وما بعدها (لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا)، لتفكركم فيما
علمتموه:
والقلة هنا بمعنى العدم، كما في قوله: قليل التشكي. أي
عديمه وقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا
كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي غير منقطع.
واستدلّ بهذا الحديث على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من
التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره، ومن زيادة
ركوع في كل ركعة.
وقد وافق عائشة على رواية ذلك، عبد الله بن عباس، وعبد
الله بن عمر، ومثله عن أسماء بنت أبي بكر، كما مر
(2/263)
في صفة الصلاة، وعن جابر عند مسلم، وعن علي
عند أحمد، وعن أبي هريرة عند النسائي، وعن ابن عمر عند
البزار، وعن أم سفيان عند الطبراني، وفي رواياتهم زيادة
رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها.
وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى، فعند مسلم، من وجه
آخر عن عائشة، وآخر عن جابر: أن في كل ركعة ثلاث ركوعات.
وعنده من وجه آخر، عن ابن عباس: أن في كل ركعة أربع
ركوعات، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب، والبزار من حديث
علي: أن في كل ركعة خمس ركوعات. ولا يخلو إسناد منها عن
علة:
ونقل ابن القيم عن الشافعي، وأحمد والبخاري: أنهم كانوا
يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطًا من بعض
الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض،
ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم، وإذا اتحدت القصة
تعين الأخذ بالراجح. قاله في فتح الباري.
3 - باب النِّدَاءِ بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ
(باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف) بنصب: الصلاة جامعة،
على الحكاية فيهما، أي: بهذا اللفظ.
وحروف الجر لا يظهر عملها في باب الحكاية، ومعمولها محذوف،
تقديره: باب النداء بقوله: الصلاة جامعة. ونصب الصلاة في
الأصل على الإغراء، وجامعة على الحال. ويجوز رفع الصلاة
على الابتداء، وجامعة على الخبر، أي: الصلاة تجمع الناس في
المسجد الجامع. ويجوز أن تكون الصلاة ذات جماعة، أي: تصلّى
جماعة لا منفردة، كسنن الرواتب فالإسناد مجازي: كنهر جار،
وطريق سائر.
1045 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمِ
بْنِ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله
عنهما- قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ". [الحديث 1045 -
طرفه في: 1051].
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر، والوقت: حدّثني
(إسحاق) غير منسوب، فقال الجياني: هو ابن منصور الكوسج،
وقال أبو نعيم: هو ابن راهويه (قال أخبرنا يحيى بن صالح)
الوحاظي، بضم الواو، والحاء المهملة نسبة إلى: وحاظ، بطن
من حمير، وهو حمصي من شيوخ البخاري، وربما أخرج عنه
بالواسطة كما هنا (قال: حدّثنا معاوية بن سلام بن أبي
سلام) بفتح السين وتشديد اللام فيهما (الحبشي) بفتح الحاء
المهملة والموحدة وكسر الشين المعجمة، نسبة إلى بلاد
الحبشة، أو: حي من حمير، ونسب إلى الأصيلي ضبطها هنا: بضم
الحاء وسكون الموحدة كعجم: بفتحتين، وعجم: بضم العين وسكون
الجيم. قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم، (الدمشقي، قال:
أخبرنا يحيي بن أبي كثير) بالمثلثة (قال أخبرني) بالإفراد
(أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، عن عبد الله بن
عمرو) هو: ابن العاصي (رضي الله عنهما، قال: لما كسفت
الشمس) بفتح الكاف والسين (على عهد رسول الله، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نودي) بضم أوله مبنيًا
للمفعول، وفي الصحيحين من حديث عائشة: أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث مناديًا فنادى (إن الصلاة
جامعة) بفتح الهمزة وتخفيف النون، وهي المفسرة.
وفي رواية: إن الصلاة، بكسر الهمزة وتشديد النون والخبر
محذوف تقديره: إن الصلاة ذات جماعة حاضرة، ويروى: برفع
جامعة، على أنه الخبر، وهو الذي في الفرع وأصله،
وللكشميهني: نودي بالصلاة جامعة، وفيه ما تقدم في لفظ
الترجمة، وجوز بعضهم في الصلاة جامعة النصب فيهما، والرفع
فيهما، ورفع الأول ونصب الثاني، والعكس.
وظاهر الحديث أنس ذلك كان قبل اجتماع الناس، وليس فيه: أنه
بعد اجتماعهم نودي بالصلاة جامعة، حتى يكون ذلك بمنزلة
الإقامة التي يعقبها الفرض. ومن ثم لم يعول في الاستدلال
على أنه لا يؤذن لها، وأنه يقال فيها: الصلاة جامعة، إلا
على ما أرسله الزهري. قال في الأم: ولا أذان لكسوف، ولا
لعيد، ولا لصلاة غير مكتوبة. وإن أمر الإمام من يفتتح
الصلاة جامعة، أحببت
ذلك له، فإن الزهري يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر المؤذن في صلاة العيدين أن يقول:
الصلاة جامعة.
وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث
بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في: الكسوف: ومسلم في: الصلاة، وكذا النسائي.
4 - باب خُطْبَةِ الإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: خَطَبَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب خطبة الإمام في الكسوف).
(وقالت عائشة وأسماء) بنتا أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم:
(خطب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، في
الكسوف. وحديث عائشة سبق موصولاً في باب: الصدقة في
الكسوف، وحديث أسماء يأتي،
(2/264)
إن شاء الله تعالى بعد أحد عشر بابًا.
1046 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "خَسَفَتِ
الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَفَّ
النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِرَاءَةً
طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً،
ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَامَ
وَلَمْ يَسْجُدْ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ
أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ
وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ أَدْنَى مِنَ
الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ
قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ
فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ،
وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. ثُمَّ
قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ
قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ
يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". وَكَانَ
يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ
خَسَفَتِ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ
خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ
مِثْلَ الصُّبْحِ، قَالَ: أَجَلْ، لأَنَّهُ أَخْطَأَ
السُّنَّةَ.
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو: يحيى بن عبد الله
بن بكير، بضم الموحدة وفتح الكاف، المصري. وللأصيلي:
حدّثنا ابن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد
المصري (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف، الأيلي (عن ابن
شهاب) الزهري. (ح) للتحويل.
(وحدّثني) بالإفراد (أحمد بن صالح) أبو جعفر البصري، عرف
بابن الطبراني (قال: حدّثني عنبسة) بفتح العين والموحدة
بينهما نون ساكنة والسين مهملة، ابن خالد بن يزيد الأيلي
(قال: حدّثنا
يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني)
بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة زوج النبى، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت):
(خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (في حياة النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فخرج) من الحجرة (إلى
المسجد) لا الصحراء لخوف الفوت بالانجلاء، والمبادرة إلى
الصلاة مشروعة (فصف) بالفاء، ولابن عساكر: وصف (الناس
وراءه) برفع الناس، فاعل: صف (فكبر) تكبيرة الإحرام
(فاقترأ) بالفاء فيهما (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قراءة طويلة) في قيامه نحوًا من سورة
البقرة بعد الفاتحة، والتعوذ، ولأبي داود: قالت: فقام
فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة (ثم كبر، فركع
ركوعًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة (ثم
قال):
(سمع الله لمن حمده) ربنا ولك الحمد.
(فقام) من الركوع (ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة) في قيامه
(هي أدنى من القراءة الأولى) نحوًا من سورة: آل عمران بعد
قراءة الفاتحة والتعوذ، ولأبي داود: قالت فحزرت قراءته
فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران (ثم كبر، وركع ركوعًا طويلاً
وهو) بالواو، ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: بإسقاطها
(أدنى من الركوع الأول) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية (ثم
قال):
(سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) كذا ثبتت: ربنا ولك
الحمد، هنا دون الأولى.
ولأبي داود: فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبر، فركع ركوعًا
طويلاً، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك
الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة
الأولى، ثم كبر، فركع ركوعًا طويلاً، هو أدنى من الركوع
الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ...
الحديث (ثم سجد) مسبحًا قدر مائة آية (ثم قال) أي: فعل (في
الركعة الآخرة) بمد الهمزة من غير ياء بعد الخاء (مثل ذلك)
أي: مثل ما فعل في الركعة الأولى. لكن القراءة في أولهما:
كالنساء، وفي ثانيهما: كالمائدة. وهذا نص الشافعي في
البويطي.
قال السبكي: وقد ثبت بالإخبار تقدير القيام الأول بنحو
البقرة، وتطويله على الثاني والثالث، ثم الثالث على
الرابع. وأما نقص الثالث عن الثاني، أو زيادته عليه فلم
يرد فيه شيء فيما أعلم، فلأجله لا يعد في ذكر سورة النساء
فيه وآل عمران في الثاني. نعم، إذا قلنا بزيادة ركوع ثالث
فيكون أقصر من الثاني كما ورد في الخبر. اهـ.
والتسبيح في أولها قدر سبعين، والرابع خمسين. قال الأذرعي:
وظاهر كلامهم استحباب هذه الإطالة، وإن لم يرض بها
المأمومون، وقد يفرق بينهما وبين المكتوبة بالندرة، أو: أن
يقال: لا يطيل بغير رضا المحصورين، لعموم حديث: "إذا صلّى
أحدكم بالناس فليخفف". وتحمل إطالته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنه علم رضا أصحابه، أو أن ذلك
مغتفر لبيان تعليم الأكمل بالفعل.
(فاستكمل) عليه الصلاة والسلام (أربع ركعات في) ركعتين و
(أربع سجدات) وسمي الزائد ركوعًا باعتبار المعنى اللغوي،
وإن كانت الركعة الشرعية إنما هي الكاملة: قيامًا وركوعًا
وسجودًا.
(وانجلت الشمس) بنون قبل الجيم، أي: صفت (قبل أن ينصرف) من
صلاته.
(ثم قام) أي خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله) وهذا
موضع الترجمة.
ولم يقع التصريح في هذا الحديث بالخطبة. نعم، صرح بها في
حديث عائشة من رواية هشام المعلق هنا، الموصول قبل بباب،
وأورد المؤلّف حديثها هذا من طريق ابن شهاب ليبين أن
الحديث واحد، وأن الثناء المذكور في طريق ابن شهاب هذه كان
في الخطبة:
واختلف فيها فيه. فقال الشافعي: يستحب أن يخطب لها بعد
الصلاة
(2/265)
وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحد ذلك؟
وقال الحنفية والمالكية: لا خطبة فيها، وعلله صاحب الهداية
من الحنفية: بأنه لم ينقل.
وأجيب: بأن الأحاديث ثابتة فيه، وهي ذات كثرة على ما لا
يخفى.
وعلله بعضهم بأن خطبته عليه الصلاة والسلام، إنما كانت
للرد عليهم في قولهم: إن ذلك لموت إبراهيم، فعرفهم أن ذلك
لا يكون لموت أحد ولا لحياته. وعورض بما في الأحاديث
الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد،
والثناء، والموعظة، وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم
يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع.
والخصائص لا تثبت إلا بدليل، والمستحب أن تكون خطبتين
كالجمعة في الأركان، فلا تجزئ واحدة.
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام في الخطبة:
(هما) أي كسوف الشمس والقمر (آيتان من آيات الله لا يخسفان
لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها) أي: كسوف الشمس
والقمر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر:
رأيتموها، بالإفراد، أي: الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي، أي
التجئوا وتوجهوا (إلى الصلاة) المعهودة الخاصة، السابق
فعلها منه عليه الصلاة والسلام، قبل الخطبة، لأنها ساعة
خوف.
ورواة هذا الحديث كلهم: مصريون بالميم، إلا الزهري، وعروة:
فمدنيان، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا
في: الصلاة، ومسلم: في الكسوف، وكذا أبو داود والنسائي
وابن ماجة.
قال الزهري، عطفًا على قوله: حدّثني عروة (وكان يحدث كثير
بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير،
وهو بالمثلثة والرفع: اسم كان، وخبرها يحدث مقدمًا، أي:
وكان كثير يحدث (أن) أخاه لأبيه (عبد الله بن عباس، رضي
الله عنهما، كان يحدث يوم خسفت
الشمس) بفتح الخاء والسين (بمثل حديث عروة) بن الزبير (عن
عائشة) رضي الله عنها في مسلم، عن عروة، عنها أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهر في صلاة الخسوف بقراءته،
فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.
قال الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى أربع ركعات
في ركعتين وأربع سجدات ... الحديث.
قال الزهري (فقلت لعروة) بن الزبير بن العوام الفقيه
التابعي، المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة: (إن أخاك) أي عبد
الله بن الزير بن العوام الصحابي، رضي الله عنه، (يوم خسفت
الشمس بالمدينة) بفتح الخاء والسين (لم يزد على) صلاة
(ركعتين مثل) صلاة (الصبح) في العدد والهيئة.
(قال) عروة: (أجل) يعني: نعم، صلّى كذلك (لأنه أخطأ السنة)
ولأبي الوقت من غير اليونينية: إنه أخطأ السنة، أي: جاوزها
سهوًا، أو عمدًا بأن أدى اجتهاده إلى ذلك، لأن السنة أن
يصلّي في كل ركعة ركوعان. نعم، ما فعله عبد الله يتأدى به
أصل السنة، وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة.
فإن قلت: الأولى الأخذ بفعل عبد الله لكونه صحابيًا، لا
بقول أخيه عروة التابعي.
أجيب: بأن قول عروة: السنة كذا، وإن قلنا إنه مرسل على
الصحيح. لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك، وهو خبر عائشة
المرفوع، فانتفى عنه احتمال كونه موقوفًا أو منقطعًا.
فترجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه
بالخطأ بالنسبة إلى الكمال. والله أعلم.
5 - باب هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ؟
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:
8]
هذا (باب) بالتنوين (هل يقول) القائل (كسفت الشمس) بالكاف
(أو) يقول (خسفت) بالخاء المعجمة. زاد ابن عساكر فقال: أو
خسفت الشمس.
قيل أورده ردًا على المانع من إطلاقه بالكاف على الشمس.
رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح موقوف عن عروة من طريق
الزهري بلفظ: لا تقولوا: كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت.
والأصح أن الكسوف والخسوف المضافين للشمس والقمر بمعنى
يقال: كسفت الشمس والقمر، وخسفتا بفتح الكاف والخاء
مبنيًّا للفاعل، و: كسفًا وخسفًا: بضمهما مبنيًّا للمفعول
وانكسفا وانخسفا، انفعل، ومعنى المادتين واحد، أو يختص ما
بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر.
وهو المشهور على ألسنة الفقهاء.
واختاره ثعلب، وادعى الجوهري أفصحيته، ونقل عياض عكسه،
وعورض بقوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8]
ويدل
(2/266)
للقول الأول إطلاق اللفظين في المحل الواحد
في الأحاديث.
قال الحافظ عبد العظيم المنذري، ومن قبله القاضي أبو بكر
بن العربي: حديث الكسوف رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعة عشر نفسًا، رواه جماعة منهم
بالكاف، وجماعة بالخاء. وجماعة باللفظين جميعًا. اهـ.
ولا ريب أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف، لأن
الكسوف، بالكاف: التغير إلى سواد، والخسوف، بالخاء النقص
والذل. كما مر. في أول كتاب الكسوف.
فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت، لأنها تتغير ويلحقها
النقص ساغ ذلك، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف
والخسوف مترادفان.
(وقال الله تعالى) في سورة القيامة ({وَخَسَفَ الْقَمَرُ})
[القيامة: 8] في إيراده لها إشعار باختصاص القمر بخسف الذي
بالخاء، واختصاصها بالذي بالكاف كما اشتهر عند الفقهاء، أو
أنه يجوز الخاء في الشمس كالقمر لاشتراكهما في التغير
الحاصل لكل منهما.
1047 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ
خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً
طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.
وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً
وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ
الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ
فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ
-وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ- فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ
فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ
وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا
إِلَى الصَّلاَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو: سعيد بن كثير،
بالمثلثة، ابن عفير، بضم العين وفتح الفاء، الأنصاري
البصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد
(عقيل) بضم العين، المصري (عن ابن شهاب) الزهري (قال:
أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام، التابعي (أن
عائشة) رضي الله عنها (زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أخبرته).
(أن رسول الله) وللأصيلي: أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم خسفت الشمس) بالخاء
المفتوحة (فقام فكبر) للإحرام (فقرأ) بعد الفاتحة (قراءة
طويلة، ثم ركع) بعد أن كبر، (ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه)
من الركوع (فقال):
(سمع الله لمن حمده) ربنا لك الحمد (وقام) بالواو ولأبي ذر
في نسخة: فقام (كما هو، ثم قرأ قراءة طويلة، وهي أدنى من
القراءة الأولى، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً وهي) أي:
الركعة (أدنى من الركعة الأولى، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم
فعل في الركعة الآخرة) بمد الهمزة بغير ياء قبل الراء (مثل
ذلك) من طول القراءة وزيادة الركوع بعد، لكنه أدنى قراءة
وركوعًا من الأولى، والرابعة أدنى من الثالثة.
فيستحب أن يقرأ في الأربعة السور الأربعة الطوال: البقرة،
وآل عمران، والنساء، والمائدة. ويسبح في الركوع الأول
والسجود، في كل منهما، قدر مائة آية من البقرة، وفي الثاني
قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين
تقريبًا كما مر. ولا يطيل في غير ذلك من الاعتدال بعد
الركوع الثاني، والتشهد والجلوس بين السجدتين. لكن قال في
الروضة، بعد نقله عن قطع الرافعي وغيره: إنه لا يطيل
الجلوس.
وقد صح في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد، فلم يكد يرفع،
ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم فعل في
الركعة الأخرى مثل ذلك. ومقتضاه كما قال في شرح المهذّب:
استحباب إطالته، واختاره في الأذكار.
(ثم سلم -وقد تجلت الشمس-) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام
(فخطب الناس، فقال في كسوف الشمس والقمر) بالكاف:
(إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته)
بفتح المثناة التحتية وكسر السين بينهما خاء معجمة. وهذا
موضع الترجمة، لأنه استعمل كل واحد من الكسوف والخسوف في
كل واحد من القمرين.
وقول ابن المنير، متعقبًا المصنف في استدلاله بقوله:
يخسفان، على جواز إطلاق ذلك على كل من الشمس والقمر، حيث
قال: أما الاستشهاد على الجواز في حال الانفراد بالإطلاق
في التثنية فغير متجه، لأن التثنية باب تغليب، فلعله غلب
أحد الفعلين كما غلب أحد الاسمين.
تعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن التغليب مجاز، فدعواه على
خلاف الأصل، فالاستدلال بالحديث متأت، وقوله: كما غلب أحد
الاسمين إن أراد في هذا الحديث الخاص، فممنوع. وإن أراد
فيما هو خارج: كالقمرين، فلا يفيده بل ولو كان في هذا
الحديث ما يقتضي تغليب أحد الاسمين لم يلزم منه تغليب أحد
الفعلين. اهـ.
(فإذا رأيتموهما) بضمير التثنية، ولأبي ذر في نسخة: فإذا
رأيتموها، بالإفراد (فافزعوا إلى الصلاة) بفتح الزاي،
وبالعين
(2/267)
المهملة، أي: توجهوا إليها.
واستنبط منه: أن الجماعة ليست شرطًا في صحتها لأن فيه
إشعار بالمبادرة إلى الصلاة
والمسارعة إليها، وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها أو
إلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة. نعم، يستحب لها الجماعة.
وفي قوله: ثم سجد سجودًا طويلاً، الرد على من زعم أنه يسن
تطويل السجود في الكسوف: ويأتي البحث فيه حيث ذكره المؤلّف
في باب مفرد.
6 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ»
قَالَهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يخوف الله عباده بالكسوف قاله أبو موسى) كذا للأربعة،
ولغيرهم: وقال أبو موسى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف، بعد ثمانية
أبواب.
1048 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ
يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ». وَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ
وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ: «يُخَوِّفُ بِهَا
عِبَادَهُ».وَتَابَعَهُ أشعثُ عن الحسنِ. وَتَابَعَهُ
مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا
عِبَادَهُ».
وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي البغلاني،
وسقط: ابن سعيد، لأبي ذر في نسخة، ولأبي الوقت، وابن
عساكر، والأصيلي: (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم
الأزدي الجهضمي البصري (عن يونس) بن عبيد (عن الحسن)
البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما
كسفت الشمس، وقالوا: إنما كسفت لموت إبراهيم:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) أي: كسوفهما، لأن
التخويف إنما هو بخسوفهما، لا بذاتهما، وإن كان كل شيء من
خلقه آية من آياته.
ولذا قال الشافعي، فيما رأيته في سنن البيهقي، في قوله:
{وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37] الآية وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}
[البقرة: 164] مع ما ذكر الله من الآيات في كتابه، ذكر
الله الآيات ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر،
فأمر بأن لا يسجد لهما. وأمر بأن يسجد له، فاحتمل أمره أن
يسجد له عند ذكر حادث في الشمس والقمر. واحتمل أن يكون
إنما نهى عن السجود لهما، كما نهى عن عبادة ما سواه، فدلّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على: أن
يصلّى لله عند كسوفهما، ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات
غيرهما .. اهـ.
(لا ينكسفان لموت أحد) إذ هما خلقان مسخران، ليس لهما
سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما، وزاد أبو
ذر هنا: ولا لحياته. بلام قبل الحاء، وله في أخرى: ولا
حياته بحذفها (ولكن الله تعالى يخوف بها) أي بالكسفة،
وللأصيلي، وابن عساكر: بهما (عباده) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: ولكن يخوف الله بهما عباده. ولأبي ذر عن
الكشميهني: ولكن الله يخوّف بها عباده.
فالكسوف من آياته تعالى المخوّفة. أما إنه آية من آيات
الله فلأن الخلق عاجزون عن ذلك، وأما إنه من الآيات
المخوفة فلأن تبديل النور بالظلمة تخويف، والله تعالى إنما
يخوف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا لطاعته التي بها
فوزهم، وأفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة.
وفيه رد على أهل الهيئة حيث قالوا: إن الكسوف أمر عادي لا
تأخير فيه ولا تقديم. لأنه لو كان كما زعموا لم يكن فيه
تخويف ولا فزع، ولم يكن للأمر بالصلاة والصدقة معنى:
ولئن سلمنا ذلك، فالتخويف باعتبار أنه يذكر القيامة لكونه
إنموذخًا قال الله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7 - 8] ... ومن ثم، قام
عليه الصلاة والسلام فزعًا، فخشي أن تكون الساعة، كما في
رواية أخرى.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا اشتد هبوب الرياح تغير ودخل
وخرج خشية أن تكون كريح عاد، وإن كان هبوب الرياح أمرًا
عاديًا. وقد كان أرباب الخشية والمراقبة يفزعون من أقل من
ذلك إذ كل ما في العالم، علويه وسفليه، دليل على نفوذ قدرة
الله تعالى، وتمام قهره.
فإن قلت: التخويف عبارة عن إحداث الخوف بسبب، ثم قد يقع
الخوف وقد لا يقع، وحينئذ يلزم الخلف في الوعيد.
فالجواب كما في المصابيح: المنع، لأن الخلف وضده من عوارض
الأقوال، وأما الأفعال، فلا. إنما هي من جنس المعاريض،
والصحيح عندنا فيما يتميز به الواجب، أنه التخويف ولهذا لم
يلزم الخلف على تقدير المغفرة.
فإن قيل: الوعيد لفظ فكيف يخلص من الخلف؟.
فالجواب: أن لفظ الوعيد عام أريد به الخصوص، غير أن كل
واحد يقول: لعلي داخل في العموم، فيحصل له التخويف، فيحصل
الخوف وإن كان الله تعالى لم يرده في العموم، ولكن أراد
تخويفه بإيراد العموم، وستر العاقبة عنه في بيان أنه
(2/268)
خارج منه، فيجتمع حينئذ الوعيد والمغفرة،
ولا خلف. ومصداقه في قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ
بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] قاله
الدماميني.
(وقال أبو عبد الله) أيّ البخاري، وسقط ذلك كله للأربعة
(لم) ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ولم (يذكر عبد
الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد
النون، البصري
فيما أخرجه المؤلّف في صلاة كسوف القمر (وشعبة) بن الحجاج،
مما سيأتي إن شاء الله تعالى في كسوف القمر (وخالد بن عبد
الله) الطحان الواسطي، مما سبق في أول الكسوف (وحماد بن
سلمة) بفتح اللام، ابن دينار الربعي، مما وصله الطبراني من
رواية حجاج بن منهال عنه (عن يونس) بن عبيد المذكور:
(ويخوف الله بها) وللحموي: بهما (عباده). وسقطت الجلالة
لغير أبي ذر.
(وتابعه) أي: تابع يونس في روايته عن الحسن (أشعث) بفتح
الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة وبالمثلثة، ابن عبد
الملك الحمراني، بضم الحاء المهملة، البصري، مما وصله
النسائي (عن الحسن) البصري يعني في حذف قوله: "يخوّف الله
بهما عباده".
(وتابعه موسى) هو: ابن إسماعيل التبوذكي، كما جزم به المزي
أو هو: ابن داود الضبي، كما قاله الدمياطي، لكن رجح الحافظ
ابن حجر الأول بأن ابن إسماعيل معروف في رجال البخاري،
بخلاف ابن داود (عن مبارك) بضم الميم وفتح الموحدة، هو ابن
فضالة بن أبي أمية القرشي العدوي البصري، وقد روى هذا
الطبراني من رواية أبي الوليد، وقاسم بن أصبغ من رواية
سليمان بن حرب، كلاهما عن مبارك (عن الحسن، قال: أخبرني)
بالإفراد (أبو بكرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الله تعالى يخوّف بهما) أي: بالكسوفين، ولابن عساكر:
بها أي: بالكسفة، ولأبي الوقت: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخوّف الله بهما، ولأبي ذر كذلك إلا
أنه قال: يخوّف بهما (عباده) فأسقط لفظ الجلالة بعد:
يخوّف، ولفظ: إن الله تعالى، قبلها، كأبي الوقت.
وفي هذه المتابعة الرد على ابن خيثمة، حيث نفى سماع الحسن
من أبي بكرة، فإنه قال فيها: أخبرني أبو بكرة، والمثبت
مقدم على النافي، وقد سبق مزيد لذلك قريبًا.
ووقع في اليونينية في رواية غير أبي ذر متابعة أشعث عن
الحسن عقب قوله في آخر متابعة موسى: يخوّف بهما عباده قال
في الفتح: والصواب تقديمها لخلو رواية أشعث من قوله: يخوّف
بهما عباده. نعم في بعض النسخ سقوط متابعة أشعث، وثبتت في
هامش اليونينية، لأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر
متقدمة على متابعة موسى، والله أعلم.
7 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي
الْكُسُوفِ
(باب التعوذ) بالله (من عذاب القبر في) صلاة (الكسوف) حين
يدعو فيها، أو بعد الفراغ منها.
1049 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ يَهُودِيَّةً
جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ
مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ -رضي الله
عنها- رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ". [الحديث 1049
- أطرافه في: 1055، 1372، 6366].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح اللام،
القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة، الأصبحي (عن يحيى بن سعيد)
القطان (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم (بنت عبد الرحمن)
بن سعد بن زرارة، الأنصارية المدنية (عن عائشة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رضي الله عنها.
(أن) امرأة (يهودية) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على
اسمها، (جاءت تسألها) عطية (فقالت لها: أعاذك الله) أي:
أجارك (من عذاب القبر، فسألت عائشة رضي الله عنها رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مستفهمة منه عن
قول اليهودية ذلك، لكونها لم تعلمه قبل: (أيعذب الناس في
قبورهم؟) بضم الياء بعد همزة الاستفهام، وفتح الذال
المعجمة المشدّدة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عائذًا بالله) على وزن فاعل، وهو من
الصفات القائمة مقام المصدر، وناصبه محذوف أي يعود عياذًا
به، كقولهم: عوفي عافية، أو منصوب على الحال المؤكدة،
النائبة مناب المصدر، والعامل فيه محذوف أي: أعوذ حال كوني
عائذًا بالله (من ذلك) أي من عذاب القبر.
وفي رواية مسروق عن عائشة عند المؤلّف في الجنائز فسألت
عائشة رضي الله عنها رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، عن عذاب القبر، فقال: "نعم عذاب القبر حق".
قالت عائشة: فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد صلّى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر.
ومناسبة التعوّذ عند الكسوف، أن ظلمة النهار بالكسوف،
تشابه ظلمة القبر، وإن كان نهارًا
(2/269)
والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف
من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة
الآخرة. قاله ابن المنير في الحاشية.
فإن قلت: هل كان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك ولا يتعوّذ؟
أو كان يعوذّ ولم تشعر به عائشة؟ أو سمع ذلك عن اليهودية
فتعوّذ؟.
أجاب التوربشتي: بأن الطحاوي نقل: أنه، عليه الصلاة
والسلام، سمع اليهودية بذلك، فارتاع ثم أوحي إليه بعد ذلك
بفتنة القبر، أو: أنه عليه الصلاة والسلام، لما رأى
استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية، وسألته عنه، أعلن
به بعد ما كان يسر، ليرسخ ذلك في عقائد أمته، ويكونوا منه
على خيفة. اهـ.
1050 - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتِ
الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى. فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ ظَهْرَانَىِ
الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ
وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ،
ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ،
ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ
الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، وَانْصَرَفَ
فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ
أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
(ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذات غداة مركبًا) بفتح الكاف، وذات غداة هو من إضافة
المسمى إلى
اسمه، أو: ذات، زائدة (فخسفت الشمس) بالخاء والسين
المفتوحتين (فرجع ضحى) بضم الضاد المعجمة مقصورًا منوّنًا
ارتفاع النهار، ولا دلالة فيه على أنها لا تفعل في وقت
الكراهة، لأن صلاته لها في الضحى وقع اتفاقًا فلا يدل على
منع ما سواه (فمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بين ظهراني الحجر) بفتح الظاء المعجمة والنون
على التثنية، والحجر بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع:
حجرة بسكون الجيم. والألف والنون زائدتان، أي: ظهر الحجر،
أو الكلمة كلها زائدة (ثم قام يصلّي) صلاة الكسوف (وقام
الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً) قرأ فيه نحو سورة
البقرة (ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحو مائة آية (ثم رفع) من
الركوع (فقام قيامًا طويلاً) نحو آل عمران، ولأبي ذر، في
نسخة، والأصيلي: ثم قام قيامًا. وسقط في رواية ابن عساكر:
ثم رفع (وهو) أي: القيام (دون القيام) وفي نسخة: دون قيام
(الأوّل، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً) نحو ثمانين آية
(وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع) منه (فسجد) بفاء التعقيب،
وهو يدل على عدم إطالة الاعتدال بعد الركوع الثاني، وتقدم
(ثم قام) من سجوده، ولأبي ذر: ثم رفع (فقام قيامًا طويلاً)
نحو سورة النساء (وهو دون القيام الأوّل، ثم رجع) ثالثًا
(ركوعًا طويلاً) نحو سبعين آية، (وهو دون الركوع الأوّل،
ثم رفع فسجد) ظاهره: أن الثانية لم يقم فيها قيامين، ولا
ركع ركوعين. والظاهر أن الراوي اختصره.
نعم، في فرع اليونينية، كهي، مما رقم عليه علامة السقوط.
(ثم قام) أي من الركوع، ولأبي ذر ثم رفع فقام قيامًا
طويلاً نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأوّل).
اختلف هل المراد به الأوّل من الثانية، أو يركع إلى الجميع
فيكون كل قيام دون الذي قبله؟ ومن ثم اختلف في القيام
الأوّل من الثانية، وركوعه. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله
تعالى في: باب الركعة الأولى في الكسوف أطول.
(ثم ركع) رابعًا (ركوعًا طويلاً) نحو خمسين آية (وهو دون
الركوع الأوّل، ثم رفع فسجد) بفاء التعقيب أيضًا.
(وانصرف) من صلاته بعد التشهد بالسلام (فقال) عليه الصلاة
والسلام (ما شاء الله أن يقول)
مما ذكر في حديث عروة، من أمره لهم بالصلاة والصدقة
والذكر، وغير ذلك (ثم أمرهم أن يتعوّذوا من عذاب القبر)
وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.
وفي الحديث: أن اليهودية كانت عارفة بعذاب القبر، ولعله من
كونه فى التوراة، أو شيء من كتبهم؟ وإن عذاب القبر حق يجب
الإيمان به.
وقد دل القرآن في مواضع على أنه حق، فخرّج ابن حبان في
صحيحه، من حديث أبي هريرة، عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في قوله {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه:
124] قال: عذاب القبر. وفي الترمذي، عن علي: قال ما زلنا
في شك من عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ
(1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1 - 2].
وقال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى:
{سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] أن أحدهما في
الدنيا والآخر عذاب القبر.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجنائز، وكذا مسلم
والنسائي.
8 - باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ
(باب طول السجود في) صلاة (الكسوف) أراد به الرد على من
نفى تطويله.
1051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا كَسَفَتِ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ.
فَرَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ
عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله
عنها-: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ
مِنْهَا".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
شيبان) بفتح المعجمة والموحدة بينهما مثناة تحتية ساكنة
(2/270)
آخره نون، ابن عبد الرحمن التميمي البصري،
سكن الكوفة (عن يحيى) بن أبي كثير اليمامي (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) وهو ابن
العاص، وللكشميهني: عمر، بضم العين أي ابن الخطاب، قال
الحافظ ابن حجر: وهو وهم (أنه قال):
(لما كسفت الشمس) بالكاف المفتوحة (على عهد رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (نودي) بضم
النون مبنيًّا للمفعول: (إن الصلاة جامعة) بالرفع، خبر إن،
والصلاة اسمها، ولأبي الوقت: أن الصلاة، بفتح الهمزة
وتخفيف النون، ورفع الصلاة وجامعة. وقد مر مزيد لذلك
قريبًا (فركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
ركعتين في سجدة) أي في ركعة، وقد يعبر بالسجود عن الركعة
من باب إطلاق الجزء على الكل (ثم قام) من السجود (فركع
ركعتين في سجدة) أي: في ركعة كذلك (ثم جلس، ثم جلي عن
الشمس)
بضم الجيم وتشديد اللام المكسورة مبنيًا للمفعول، من
التجلية أي: كشف عنها بين جلوسه في التشهد والسلام، ولأبي
ذر في نسخة: ثم جلس حتى جلي، أي: إلى أن جلي عنها.
(قال) أبو سلمة، أو: عبد الله بن عمرو: (وقالت عائشة رضي
الله عنها: ما سجدت سجودًا قط كان أطول منها) عبرت بالسجود
عن الصلاة كلها.
كأنها قالت: ما صليت صلاة قط أطول منها، غير أنها أعادت
الضمير المستكن في كان على السجود اعتبارًا بلفظه، وهو
مذكر، وأعادت ضمير منها عليه اعتبارًا بمعناه إذ هو مؤنث،
أو يكون قولها: منها، على حذف مضاف، أي: من سجودها. قاله
في المصابيح.
ولا يقال هذا لا يدل على تطويل السجود لاحتمال أن يراد
بالسجدة الركعة، كما مر، لأن الأصل الحقيقة، وإنما حملنا
لفظ السجدة فيما مر أوّلاً على الركعة للقرينة الصارفة عن
إرادة الحقيقة، إذ لا يتصوّر ركعتان في سجدة وهاهنا لا
ضرورة في الصرف عنها، قاله الكرماني.
واختلف في استحباب إطالة السجود في الكسوف، وصحح الرافعي
عدم إطالته كسائر الصلوات، وعليه جمهور أصحاب الشافعي.
وصحح النووي التطويل، وقال: إنه المختار. بل الصواب؛ وعليه
المحققون من أصحابنا للأحاديث الصحيحة الصريحة، وقد نص
عليه الشافعي في مواضع قال: وعليه فالمختار ما قاله
البغوي: إن السجدة الأولى كالركوع الأوّل، والثانية
كالثاني. وهو مشهور مذهب المالكية.
9 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً
وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ.
وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ.
(باب) مشروعية (صلاة الكسوف جماعة).
(وصلّى ابن عباس) رضي الله عنهما (بهم) بالقوم، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي: وصلّى لهم ابن عباس (في صفة زمزم) وصله
الإمام الأعظم الشافعي، وسعيد بن منصور، بلفظ: كسفت الشمس،
فصلّى ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات.
(وجمع) بتشديد الميم، وفي اليونينية؛ بالتخفيف (علي بن عبد
الله بن عباس) التابعي، المدعوّ بالسجاد، لأنه كان يسجد كل
يوم ألف سجدة، وهو جد الخلفاء العباسيين. ولد ليلة قتل علي
بن أبي طالب، فسمي باسمه، أي: جمع الناس لصلاة الكسوف.
(وصلى ابن عمر) بن الخطاب صلاة الكسوف بالناس، وهذا وصله
ابن أبي شيبة بمعناه، ومراد المؤلّف بذلك كله الاستشهاد
على مشروعية الجماعة في صلاة الكسوف.
1052 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
"انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ
قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ
رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ
الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ،
ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً
وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ
انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ،
رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ
رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ
عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا
بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ
مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ. وَرَأَيْتُ
أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ. قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ. قِيلَ: يَكْفُرْنَ
بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ
الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ
الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) بمثناة
تحتية، وسين مهملة مخففة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله
عنهما (قال انخسفت الشمس) بنون بعد ألف الوصل ثم خاء، (على
عهد رسول الله) أي: زمنه، ولأبي ذر، في نسخة، والأصيلي،
وأبي الوقت: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي: بل الجماعة ليدل على الترجمة (فقام قيامًا
طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة) وهو يدل على أن
القراءة كانت سرًا، ولذا قالت عائشة، كما في بعض الطرق
عنها: فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة.
وأما قول بعضهم: إن ابن عباس كان صغيرًا، فمقامه آخر
الصفوف، فلم يسمع القراءة، فحزر المدة. فمعارض بأن في بعض
طرقه: قمت إلى جانب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فما سمعت منه حرفًا.
ذكره أبو عمر.
(ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من مائة آية (ثم رفع) من
(2/271)
الركوع (فقام قيامًا طويلاً) نحوًا من
قراءة آل عمران (وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا
طويلاً) نحوًا من ثمانين آية (وهو دون الركوع الأول، ثم
سجد) أي: سجدتين (ثم قام قيامًا طويلاً) نحوًا من النساء
(وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من
سبعين آية (وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قيامًا
طويلاً) نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأول، ثم ركع
ركوعًا طويلاً) نحوًا من خمسين آية (وهو دون الركوع الأول،
ثم سجد) سجدتين (ثم انصرف) من الصلاة (وقد تجلت الشمس) أي:
بين جلوسه في التشهد والسلام. كما دل عليه قوله في الباب
السابق: ثم جلس، ثم جلي عن الشمس.
(قال) بالفاء، وللأصيلي: وقال: "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-"
(إن الشمس والقمر) كسوفهما (آيتان من آيات الله لا يخسفان)
بفتح الياء وسكون الخاء وكسر السين (لموت أحد، ولا لحياته،
فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله قالوا: يا رسول الله! رأيناك
تناولت شيئًا في مقامك) كذا للأكثر: تناولت بصيغة الماضي،
وللكشميهني: تناول، بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، وضم اللام
بالخطاب، وللمستملي: تتناول، بإثباتها (ثم رأيناك كعكعت)
بالكافين المفتوحتين والممهملتين الساكنتين، وللكشميهني:
تكعكعت، بزيادة مثناة فوقية أوّله، أي: تأخرت، أو تقهقرت.
وقال أبو عبيدة: كعكعته فتكعكع، وهو يدل على: أن كعكع
متعد، وتكعكع لازم. وكعكع يقتضي مفعولاً، أي: رأيناك كعكعت
نفسك. ولمسلم رأيناك كففت نفسك من الكف وهو المنع.
(قال) ولأبي ذر في نسخة: (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إني رأيت الجنة) أي: رؤيا عين كشف له عنها، فرآها على
حقيقتها، وطويت المسافة بينهما كبيت المقدس حين وصفه
لقريش.
وفي حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة ما يشهد له،
حيث قال فيه: دانت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم
بقطاف من قطافها، أو مثلت له في الحائط كانطباع الصور في
المرآة، فرأى جميع ما فيها.
وفي حديث أنس الآتي، إن شاء الله تعالى، في التوحيد، ما
يشهد له حيث قال فيه: عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا في عرض
هذا الحائط، وأنا أصلي.
وفي رواية: لقد مثلت، ولمسلم: صوّرت، ولا يقال الانطباع
إنما هو في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن
تنخرق العادة خصوصًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
(فتناولت) أي: في حال قيامه الثاني من الركعة الثانية، كما
رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم (عنقودًا)
منها أي: من الجنة: أي: وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على
تحويله، لكن لم يقدّر لي قطفه (ولو أصبته) أي: لو تمكنت من
قطفه. في حديث عقبة بن عامر، عند ابن خزيمة، ما يشهد لهذا
التأويل، حيث قال فيه: أهوى بيده ليتناول شيئًا (لأكلتم
منه) أي: من العنقود (ما بقيت الدنيا).
وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان حبة تنقطف حبة أخرى، كما
هو المروي في خواص ثمر الجنة، والخطاب عام في كل جماعة
يتأتى مهم السماع، والأكل إلى يوم القيامة لقوله: ما بقيت
الدنيا. وسبب تركه، عليه الصلاة والسلام، تناول العنقود،
قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفنى والدنيا
فانية ولا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى.
وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم
بالشهادة لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، قال تعالى:
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ
نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ} [الأنعام: 158]
وقال غيره: لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء لا يقع إلا في
الآخرة.
(ورأيت النار) بضم الهمزة وكسر الراء، مبنيًا للمفعول،
وأقيم المفعول الذي هو الرائي في الحقيقة مقام الفاعل،
والنار نصب مفعول ثانٍ لأن أريت من الإراءة، وهو يقتضي
مفعولين، ولغير أبي ذر كما في الفتح: ورأيت بتقديم الراء
على الهمزة مفتوحتين.
وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة، كما يدل له رواية عبد
الرزاق حيث قال فيها: عرضت على النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النار، فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس
ليركب بعضهم بعضًا، وإذ رجع عرضت عليه الجنة، فذهب يمشي
حتى وقف في مصلاه.
ويؤيده حديث مسلم، حيث قال فيه: قد جيء بالنار، وذلك حين
رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني
(2/272)
من لفحها. وفيه: ثم جيء بالجنة، حين
رأيتموني تقدّمت حتى قمت مقامي ... الحديث.
واللام في النار للعهد، أي: رأيت نار جهنم.
(فلم أر منظرًا كاليوم قط) منظرًا نصب بـ "أَرَ" وقط
بتشديد الطاء وتخفيفها، ظرف للماضي، وقوله: (أفظع) أقبح
وأشنع وأسوأ صفة للمنصوب، وكاليوم قط اعتراض بين الصفة
والموصوف، وأدخل كاف التشبيه عليه لبشاعة ما رأى فيه.
وجوّز الخطابي في: أفظع وجهين: أن يكون بمعنى فظيع، كأكبر
بمعنى كبير، وأن يكون أفعل تفضيل على بابه على تقدير منه.
فصفة أفعل التفضيل محذوفة.
قال ابن السيد:
العرب تقول: ما رأيت كاليوم رجلاً، وما رأيت كاليوم
منظرًا. والرجل والمنظر لا يصح أن يشبها باليوم.
والنحاة تقول: معناه ما رأيت كرجل أراه اليوم رجلاً: وما
رأيت كمنظر رأيته اليوم منظرًا، وتلخيصه: ما رأيت كرجل
اليوم رجلاً، وكمنظر اليوم منظرًا، فحذف المضاف وأقيم
المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم
لتعلقهما به، وملابستهما له، باعتبار رؤيتهما فيه.
وقال غيره: الكاف هنا اسم، وتقديره: ما رأيت مثل منظر هذا
اليوم منظرًا. ومنظرًا تمييز.
ومراده باليوم: الوقت الذي هو فيه، ذكره الدماميني
والبرماوي؛ لكن تعقب الدماميني الأخير، وهو قوله: وقال
غيره ... الخ، بأن اعتباره في الحديث يلزم منه تقدم
التمييز على عامله، والصحيح منعه، فالظاهر في إعرابه أن
منظرًا: مفعول أر، وكاليوم: ظرف مستقر، صفة له وهو
بتقدير مضاف محذوف، كما تقدم أي: كمنظر اليوم، وقط: ظرف
لأر، وأفظع: حال من اليوم على ذلك التقدير، والمفضل عليه
وجاره محذوفان، أي كمنظر اليوم حال كونه أفظع من غيره.
انتهى.
وللحموي والمستملي: فلم أنظر كاليوم قط أفظع.
(ورأيت أكثر أهلها النساء) استشكل مع حديث أبي هريرة: إن
أدنى أهل الجنة منزلة من له زوجتان من الدنيا، ومقتضاه أن
النساء ثلثا أهل الجنة.
وأجيب: بحمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار،
وأنه خرج مخرج التغليظ والتخويف، وعورض بإخباره عليه
الصلاة والسلام بالرؤية الحاصلة.
وفي حديث جابر: "وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي، إن
ائتمنّ أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين
لم يشكرن. فدلّ على أن المرئي في النار منهن من اتصف بصفات
ذميمة.
(قالوا: بم يا رسول الله؟) أصله: بما، بالألف، وحذفت
تخفيفًا (بكفرهن قيل: يكفرن بالله) وللأربعة: أيكفرن
بالله؟ بإثبات همزة الاستفهام (قال) عليه الصلاة والسلام
(يكفرن العشير) الزوج أي: إحسانه لا ذاته، وعدي الكفر
بالله بالباء ولم يعد كفر العشير بها، لأن كفر العشير لا
يتضمن معنى الاعتراف. ثم فسر كفر العشير بقوله: (ويكفرن
الإحسان) فالجملة مع الواو مبينة للجملة الأولى، على طريق:
أعجبني زيد وكرمه، وكفر الإحسان تغطيته وعدم الاعتراف به،
أو جحده وإنكاره، كما يدل عليه قوله: (لو أحسنت إلى إحداهن
الدهر كله) عمر الرجل، أو الزمان جميعه، لقصد المبالغة،
نصب على الظرفية (ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق غرضها
في أي شيء كان (قالت: ما رأيت منك خيرًا قط). وليس المراد
من قوله: أحسنت، خطاب رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه
الرؤية، فهو خطاب خاص لفظًا، عام معنى.
10 - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي
الْكُسُوفِ
(باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف).
1053 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ
امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهَا قَالَتْ:
"أَتَيْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَسَفَتِ
الشَّمْسُ -فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا
هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي. فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟
فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ:
سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَىْ
نَعَمْ. قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ،
فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ
قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ
رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ
وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ
أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ
قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدَّجَّالِ (لاَ أَدْرِي
أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ)، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ
فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا
الْمُؤْمِنُ -أَوِ الْمُوقِنُ- (لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ
قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا
وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ
عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ
-أَوِ الْمُرْتَابُ- (لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ
أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ
يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن
العوّام (عن امرأته، فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن
العوام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق، جدة فاطمة وهشام
لأبويهما (رضي الله عنهما أنها قالت):
(أتيت عائشة) بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما (زوج
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين خسفت
الشمس) بالخاء المفتوحة (فإذا الناس قيام يصلون، وإذا)
بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فإذا (هي قائمة تصلي، فقلت: ما
للناس) قائمين فزعين؟ (فأشارت) عائشة (بيدها إلى السماء)
تعني: انكسفت الشمس (وقالت: سبحان الله. فقلت: آية؟) أي
علامة لعذاب الناس (فأشارت أي: نعم)
(2/273)
وللكشميهني: أن نعم، بالنون بدل الياء.
(قالت) أسماء: (فقمت حتى تجلاني) بالجيم وتشديد اللام: أي
غطاني (الغشي) من طول تعب الوقوف، بفتح الغين وسكون الشين
المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة، وبكسر الشين وتشديد
المثناة: مرض قريب من الإغماء، (فجعلت أصب فوق رأسي الماء)
ليذهب الغشي، وهو يدل على أن حواسها كانت مجتمعة، وإلا
فالإغماء الشديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع.
(فلما انصرف رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) من الصلاة (حمد الله، وأثنى عليه) من عطف
العام على الخاص (ثم قال):
(ما من شيء) من الأشياء (كنت لم أره إلا قد) ولأبي ذر: وقد
(رأيته) رؤيا عين (في مقامي هذا) بفتح الميم الأولى، وكسر
الثانية (حتى الجنة والنار) بالرفع فيهما على أن حتى
ابتدائية، والجنة مبتدأ حذف خبره، أي: حتى الجنة مرئية،
والنار عطف عليه، والنصب على أنها عاطفة عطفت الجنة على
الضمير المنصوب في رأيته، والجر على أنها جارة.
واستشكل في المصابيح الجر بأنه لا وجه له إلا العطف على
المجرور المتقدم، وهو ممتنع لما يلزم عليه من زيادة: من،
مع المعرفة والصحيح منعه.
(ولقد أوحي إلي أنكم) بفتح الهمزة (تفتنون) أي: تمتحنون
(في القبور مثل) فتنة (-أو قريبًا- من فتنة) المسيح
(الدجال) بغير تنوين في: مثل، وإثباته في: قريبًا.
قالت فاطمة: (لا أدري أيتهما) بالمثناة التحتية والفوقية،
أي: لفظ مثل أو قريبًا. (قالت أسماء):
(يؤتى أحدكم) في قبره (فيقال له: ما علمك) مبتدأ خبره قوله
(بهذا الرجل) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولم يقل رسول الله لأنه يصير تلقينًا لحجته (فأما المؤمن
-أو الموقن-) ولأبي ذر، والأصيلي، أو: قال الموقن (لا أدري
أي ذلك قالت أسماء) الشك من فاطمة بنت المنذر.
(فيقول:) هو، (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) هو (جاءنا بالبينات) بالمعجزات الدالة على
نبوته (والهدى) الموصل إلى المراد (فأجبنا وآمنا) بحذف
ضمير المفعول للعلم به، أي: قبلنا نبوته معتقدين مصدقين
(واتبعنا. فيقال له: نم) حال كونك (صالحًا، فقد علمنا إن
كنت) بكسر الهمزة (لموقنًا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي:
لمؤمنًا.
(وأما المنافق) الغير المصدق بقلبه لنبوته (أو المرتاب)
الشاك، قالت فاطمة: (لا أدري أيتهما) بالمثناة الفوقية بعد
التحتية، ولأبي ذر في نسخة ولأبي الوقت، والأصيلي: أيهما
بإسقاط الفوقية (قالت أسماء):
(فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته).
قال ابن بطال، فيما ذكره في المصابيح: فيه ذم التقليد،
وأنه لا يستحق اسم العلم التام على الحقيقة.
ونازعه ابن المنير بأن ما حكي عن حال هذا المجيب لا يدل
على أنه كان عنده تقليد معتبر، وذلك لأن التقليد المعتبر
هو الذي لا وهن عند صاحبه، ولا حصول شك. وشرطه أن يعتقد
كونه عالمًا. ولو شعر بأن مستنده كون الناس قالوا شيئًا
فقاله لانحل اعتقاده، ورجع شكًا. فعلى هذا لا يقول المعتقد
المصمم يومئذ سمعت الناس يقولون، لأنه يموت على ما عاش
عليه، وهو في حال الحياة قد قررنا أنه لا يشعر بذلك، بل
عبارته هناك، إن شاء الله، مثلها هنا من التصميم،
وبالحقيقة فلا بد أن يكون للمصمم أسباب حملته على التصميم
غير مجرد القول، وربما لا يمكن التعبير عن تلك الأسباب كما
تقول في العلوم العادية، أسبابها لا تنضبط. انتهى.
11 - باب مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
(باب من أحب العتاقة في) حال (كسوف الشمس) بالكاف.
والعتاقة بفتح العين، تقول: أعتق العبد يعتق بالكسر عتقًا
وعتاقًا وعتاقة.
1054 - حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ
قَالَتْ: "لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ
الشَّمْسِ".
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر في نسخة، ولأبي
الوقت، والأصيلي: حدّثني (ربيع بن يحيى) البصري المتوفى
سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن
هشام) هو: ابن عروة بن الزبير بن العوام (عن) زوجته
(فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام (عن أسماء) بنت
أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، (قالت):
(لقد أمر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر
ندب (بالعتاقة في كسوف الشمس) بالكاف، ليرفع الله بها
البلاء عن عباده، ولأبي ذر: بالعتاقة
(2/274)
في الكسوف، وهل يقتصر على العتاقة، أو هي
من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى؟ الظاهر الثاني لقوله
تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}
[الإسراء: 59] وإذا كانت من التخويف، فهي داعية إلى التوبة
والمسارعة إلى جميع أفعال البر، كل على قدر طاقته.
ولما كان أشد ما يتوقع من التخويف: النار، جاء الندب بأعلى
شيء يتقي به النار، لأنه قد جاء: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق
الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، فمن لم يقدر على
ذلك فليعمل بالحديث العام، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة". ويأخذ من وجوه البر ما أمكنه،
قاله ابن أبي جمرة.
12 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب صلاة الكسوف في المسجد).
1055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها: "أَنَّ
يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ
اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِذًا
بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ".
وبالسند قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن
عمرة) بفتح العين، وسكون الميم (بنت) ولأبي ذر، في نسخة،
ولأبي الوقت: ابنة (عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية (عن
عائشة رضي الله عنها):
(أن يهودية جاءت تسألها) عطية (فقالت) لها (أعاذك الله من
عذاب القبر، فسألت عائشة) رضي الله عنها (رسول
الله،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أيعذب الناس في
قبورهم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(عائذًا) أي: أعوذ عياذًا، أو: أعوذ حال كوني عائذًا
(بالله) ولأبي ذر في نسخة: عائذ بالرفع، خبر لمحذوف أي:
أنا عائذ بالله (من ذلك) أي من عذاب القبر.
1056 - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَكَسَفَتِ
الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ ظَهْرَانَىِ
الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَقَامَ النَّاسُ
وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ،
ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ قَامَ
فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ
الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً
وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ
وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ. ثُمَّ انْصَرَفَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ
أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
(ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذات غداة مركبًا) بسبب موت ابنه إبراهيم (فكسفت الشمس)،
بفتح الكاف كمركبًا (فرجع) من الجنازة (ضُحًى) بالتنوين.
قال في الصحاح: تقول لقيته ضحى، وضحى إذا أردت به ضحى يومك
لم تنوّنه، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع
النهار الأعلى.
(فمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين
ظهراني الحجر) بفتح النون، ولا تقل: ظهرانيهم، بكسرها.
والألف
والنون زائدتان، والحجر: بضم الحاء وفتح الجيم، بيوت
أزواجه عليه الصلاة والسلام، وكانت لاصقة بالمسجد.
وعند مسلم من رواية سليمان بن بلال: عن يحيى، عن عمرة:
فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد، فأتى النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من مركبه حتى انتهى
إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه ...
الحديث؛ فصرح بكونها في المسجد.
ودل على سنيتها فيه كونه رجع إلى المسجد، ولم يصلها في
الصحراء. ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية
الانجلاء. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.
(ثم قام) عليه الصلاة والسلام (فصلّى) صلاة الكسوف (وقام
الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً، ثم ركع ركوعًا
طويلاً، ثم رفع فقام) ولأبي ذر في نسخة: وقام (قيامًا
طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو
دون الركوع الأول) من الركعة الأولى (ثم رفع، فسجد) ولأبي
ذر في نسخة: ثم سجد (سجودًا طويلاً، ثم قام) إلى الركعة
الثانية (فقام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام الأول) من
الركعة الأولى (ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع
الأول) من الأولى (ثم قام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام
الأول) من هذه الثانية (ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو دون
الركوع الأول) من هذه الثانية، وسقط لأبي ذر من قوله: ثم
ركع إلى قوله (ثم سجد وهو دون السجود الأول) من الركعة
الأولى، وندب قراءة البقرة بعد الفاتحة، ثم موالياتها في
القيامات كما مر.
(ثم انصرف) من الصلاة بعد التشهد بالتسليم (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما شاء الله أن
يقول) من أمره لهم: بالصدقة، والعتاقة، والذكر والصلاة (ثم
أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) لعظم هوله، وأيضًا: فإن
ظلمة الكسوف إذا عمت الشمس تناسب ظلمة القبر.
13 - باب لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ
لِحَيَاتِهِ
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم.
هذا (باب) بالتنوين: (لا تنكسف الشمس) بالكاف (لموت أحد
ولا) تنكسف (لحياته).
(رواه) أي قوله: "لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته"،
هؤلاء الصحابة (أبو بكرة) نفيع بن الحرث (والمغيرة) بن
شعبة، كما تقدم حديثهما في أول باب الكسوف، (وأبو موسى)
عبد الله بن قيس الأشعري، كما سيأتي في الباب التالي (وابن
عباس) عبد الله كما تقدم
(2/275)
في باب صلاة الكسوف جماعة (وابن عمر): عبد
الله بن عمر بن الخطاب، كما تقدم في الباب الأول (رضي الله
عنهم).
1057 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي
مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ
يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ،
وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا».
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد
(قال: حدّثنا يحيى) القطان البصري، وللأصيلي: يحيى بن سعيد
(عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (قال: حدّثني)
بالإفراد (قيس عن أبي مسعود) عقبة بن عامر الأنصاري
البدري، رضي الله عنه، أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الشمس والقمر لا ينكسفان) بالنون بعد المثناة التحتية ثم
الكاف (لموت أحد ولا لحياته).
لما كانت الجاهلية تعتقد أنهما ينخسفان لموت عظيم،
والمنجمون يعتقدون تأثيرهما في العالم، وكثير من الكفرة
يعتقد تعظيمهما لكونهما أعظم الأنوار حتى أفضى الحال إلى
أن عبدهما كثير منهم، خصهما -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالذكر، تنبيهًا على سقوطهما عن هذه المرتبة،
لما يعرض لهما من النقص، وذهاب ضوئهما الذي عظما في النفوس
من أجله.
وسقط للأربعة لفظ: ولا لحياته، وقد مر أنه من باب التتميم،
وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد.
(ولكنهما) أي: كسوفهما، (آيتان من آيات الله، فإذا
رأيتموهما) بالتثنية، ولأبي ذر: رأيتموها بالإفراد، أي:
كسفة أحدهما (فصلوا).
1058 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَسَفَتِ الشَّمْسُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ،
ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ
فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، وَهْيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ
الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ
رُكُوعِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ
وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ
فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا
هشام) هو: ابن يوسف الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) بفتح
اليمين وسكون العين المهملة بينهما، ابن راشد (عن) ابن
شهاب (الزهري، وهشام بن عروة) بن الزبير، كلاهما (عن عروة)
أبي هشام (عن عائشة رضي الله عنها، قالت):
(كسفت الشمس) بفتح الكاف والسين (على عهد رسول الله) ولأبي
ذر، والأصيلي: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي: زمنه (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى بالناس) صلاة الكسوف (فأطال
القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه) من الركوع
قائمًا (فأطال القراءة، وهي) أي: القراءة وللكشميهني
والمستملي: وهو، أي: القيام، أو المقروء (دون قراءته
الأولى، ثم ركع) ثانيًا (فأطال الركوع) وهو (دون ركوعه
الأول، ثم رفع رأسه) قائمًا (فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في
الركعة الثانية مثل ذلك) المذكور من الركوعين وطوّلهما
وطول القراءة في القيامين، ثم انصرف من صلاته (ثم قام)
خطيبًا (فقال) بعد الحمد والثناء:
(إن الشمس والقمر لا يخسفان) بفتح أوله وسكون الخاء وكسر
السين (لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) فيجب تكذيب من زعم
أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياته (ولكنهما آيتان من
آيات الله يريهما عباده) ليتفرغوا لعبادته ويتقربوا إليه
بأنواع قرباته، ولذا قال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا) بفتح
الزاي، أي: فالجأوا (إلى الصلاة) وغيرها من الخيرات،
كالصدقة، وفك الرقاب، لأنها تقي أليم العذاب.
14 - باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ، رَوَاهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
(باب الذكر في الكسوف، رواه) أي: الذكر عند كسوف الشمس
(ابن عباس، رضي الله عنهما) عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما سبق في صلاة كسوف الشمس جماعة
ولفظه "فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله".
1059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
"خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ
السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ
قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ
وَقَالَ: هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لاَ
تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ
وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة، الكوفي (عن بريد) بضم الموحدة وفتح
الراء (ابن عبد الله) بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
الكوفي (عن أبي بردة) الحرث بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد
الله بن قيس الأشعري (قال):
(خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (فقام النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرغًا) بكسر الزاي: صفة
مشبهة، أو
بفتحها: مصدر بمعنى الصفة، أو: مفعول لمقدر (يخشى) أي:
يخاف (أن تكون) في موضع نصب مفعول يخشى (الساعة) رفع: على
أن تكون تامة، أو: على أنها ناقصة والخبر محذوف، أي: أن
تكون الساعة قد حضرت، أو: نصب: على أنها ناقصة واسمها
محذوف، أي: تكون هذه الآية الساعة، أي: علامة حضورها.
واستشكل هذا بكون الساعة لها مقدمات كثيرة لم تكن وقعت:
كفتح البلاد، واستخلاف الخلفاء، وخروج الخوارج، ثم
الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها،
(2/276)
والدابة، والدجال، والدخان، وغير ذلك ....
وأجيب: باحتمال أن يكون هذا قبل أن يعلمه الله تعالى بهذه
العلامات، فهو يتوقع الساعة كل لحظة.
وعورض: بأن قصة الكسوف متأخرة جدًّا، فقد تقدم أن موت
إبراهيم كان في العاشرة، كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد
أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكثير من
الأشراط والحوادث قبل ذلك.
وقيل هو من باب التمثيل من الراوي، كأنه قال: فزغًا
كالخاشي أن تكون القيامة وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عالم بأن الساعة لا تقوم وهو بين
أظهرهم أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك لقرينة قامت عنده،
لكن لا يلزم من ظنه أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خشي ذلك حقيقة، قال في المظهر: لم يعلم أبو
موسى ما في قلبه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
اهـ.
وأجيب: بأن تحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك
إلا بتوقيف. وقيل إنه، عليه الصلاة والسلام، جعل ما سيقع
كالواقع إظهارًا لتعظيم شأن الكسوف، وتنبيهًا لأمته أنه
إذا وقع لهم ذلك كيف يخشون ويفزعون إلى ذكر الله، والصلاة،
والصدقة ليدفع عنهم البلايا.
(فأتى المسجد، فصلّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط
يفعله) بدون كلمة: ما، وقط، بفتح القاف وضم الطاء، لكن لا
يقع، قط، إلا بعد الماضي المنفي، فحرف النفي هنا مقدر
كقوله تعالى: {تَفْتَؤ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أي:
لا تفتؤ، ولا تزال تذكره تفجعًا، فحذف: لا، أو أن لفظ
أطول، فيه معنى عدم المساواة، أي: بما لم يساو قط قيامًا
رأيته يفعله، أو: قط، بمعنى حسب أي: صلّى في ذلك اليوم
فحسب بأطول قيام رأيته يفعله، وتكون بمعنى: أبدًا لكن إذا
كانت بمعنى: حسب، تكون القاف مفتوحة والطاء ساكنة.
قال في المصابيح: وموضع: رأيته، جر على الصفة، أما للمعطوف
الأخير، وهو: سجود، وإما للمعطوف عليه أولاً، وهو قيام.
وحذف رأيته من الأول الذي هو القيام لدلالة الثاني، أو
بالعكس، قال: وإنما قلنا ذلك لأنه ليس في هذه الجملة ضمير
غيبة إلا ما هو للواحد الذكر.
وقد تقدمت ثلاثة أشياء، فلا تصلح من حيث هي ثلاثة أن تكون
معادًا له. وضمير الغيبة في: رأيته، يحتمل عوده على النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما أن فاعل: يفعله،
يعود الضمير عليه، ويحتمل أن يعود على ما عاد عليه المنصوب
من: يفعله.
فإن قلت لِمَ لم تجعل الجملة صفة لأطول قيام وركوع وسجود،
وأطول مفرد مذكر يصح عود الضمير المذكر عليه، ولا حاجة إلى
الحذف؟
إذن قلت: لأنه يلزم أن يكون المعنى: أنه فعل في قيام
الصلاة لكسوف الشمس وركوعها وسجودها مثل أطول شيء كان
يفعله في ذلك في غيرها من الصلوات، ولم يفعل طولاً زائدًا
على ما عهد منه في سواها، وليس كذلك، اللهم إلا أن يكون
صلّى قبل هذه المرة لكسوف آخر، فيصدق حينئذ أنه فعل مثل
أطول شيء كان يفعله لكنه يحتاج إلى ثبت فحرره. اهـ.
قلت: في أوائل الثقات لابن حبان: إن الشمس كسفت في السنة
السادسة، فصلّى عليه الصلاة والسلام صلاة الكسوف، وقال:
"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ... " الحديث. ثم
كسفت في السنة العاشرة، يوم مات ابنه إبراهيم، (وقال) عليه
الصلاة والسلام:
(هذه الآيات) أي: كسوف النيرين، والزلزلة، وهبوب الريح
الشديدة (التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته،
ولكن يخوف الله به) أي: بالكسوف، وللأربعة: بهما، أي:
بالكسفة أو الآيات (عباده) قال الله تعالى: {وَمَا
نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]
(فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره) بفتح زاي:
افزعوا، وللحموي والمستملي: إلى ذكر الله. وهذا موضع
الترجمة كما لا يخفى (ودعائه واستغفاره).
15 - باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب الدعاء في الخسوف) كذا بالخاء، وعزاه الحافظ ابن حجر
لكريمة وأبي الوقت، وفي الفرع وأصله عن أبي ذر والأصيلي في
الكسوف وبالكاف.
(قاله) أي الدعاء فيه (أبو موسى) الأشعري، في حديثه السابق
قريبًا (وعائشة) في حديثها الآتي، إن شاء الله تعالى في
الباب الآتي (رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
1060 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ:
"انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ،
فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ
لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ
وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي.
(قال: حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين وبالقاف، الثعلبي،
بالمثلثة ثم المهملة، الكوفي. وللأصيلي: عن
(2/277)
زياد بن علاقة (قال: سمعت المغيرة بن شعبة)
الثقفي، المتوفى سنة خمسين عند الأكثر، رضي الله عنه، حال
كونه (يقول):
(انكسفت الشمس) بنون ساكنة بعد ألف الوصل، ثم كاف (يوم مات
إبراهيم) ابنه عليه الصلاة والسلام (فقال الناس: انكسفت
لموت إبراهيم، فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-،) رادًّا عليهم:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) مخلوقتان له، لا صنع
لهما (لا ينكسفان) بنون بعد المثناة التحتية، ثم كاف (لموت
أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما) بضمير التثنية أي: الشمس
والقمر: باعتبار كسوفهما. وللحموي والمستملي: رأيتموها،
بالإفراد أي: الآية (فادعوا الله).
ولأبي داود، من حديث أبي بن كعب: ثم جلس كما هو مستقبل
القبلة يدعو:
وقد ورد الأمر بالدعاء أيضًا في حديث أبي بكرة وغيره، كما
هنا، وقد حمله بعضهم على الصلاة لكونه كالذكر من أجزائها،
والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة كما هنا،
حيث قال:
(وصلوا حتى ينجلي) بالمثناة التحتية لأبي ذر، أي: يصفو،
وفي الفرع تنجلي بالفوقية من غير عزو، وعند سعيد بن منصور
من حديث ابن عباس، فاْذكرو الله، وكبروه، وسبحوه، وهللوه،
وهو من عطف الخاص على العام.
16 - باب قَوْلِ الإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ:
أَمَّا بَعْدُ
(باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد) هي من الظروف
المقطوعة المبنية على الضم.
1061 - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ
قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ
أَسْمَاءَ قَالَتْ: "فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ،
فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ".
(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي، مما ذكره موصولاً
مطوّلاً في كتاب الجمعة، (حدّثنا
هشام) هو: ابن عروة بن الزبير بن العوام (قال: أخبرتني)
بتاء التأنيث والإفراد (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن
العوّام.
ووقع عند ابن السكن: حدّثنا هشام عن عروة بن الزبير عن
فاطمة. قال الجياني: وهو وهم، والصواب حذف عروة بن الزبير.
لكن اعتذر الحافظ ابن حجر عن ابن السكن باحتمال أنه كان
عنده: هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت من الناسخ، فصارت:
عن وإلاّ فابن السكن من كبار الحفاظ. اهـ.
(عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما (قالت):
(فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
من الصلاة (وقد تجلت الشمس) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام
(فخطب) عليه الصلاة والسلام (فحمد الله بما هو أهله، ثم
قال):
(أما بعد) ليفصل بين الحمد السابق، وبين ما يريده من
الموعظة والإعلام بما ينفع السامع.
وقد قال أبو جعفر النحاس، عن سيبويه: إن معنى: أما بعد
مهما يكن من شيء بعد.
17 - باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ
(باب) مشروعية (الصلاة في كسوف القمر) بالكاف.
1062 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْكَسَفَتِ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمود) المروزي وللأصيلي: محمود بن
غيلان، بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية (قال:
حدّثنا سعيد بن عامر) بكسر العين بعد السين، الضبعي، بضم
الضاد المعجمة وفتح الموحدة، البصري (عن شعبة) بن الحجاج
(عن يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع
بن الحرث (رضي الله عنه قال):
(انكسفت الشمس) بنون بعد الألف وبالكاف (على عهد رسول
الله) أي: زمنه، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: على عهد
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى
ركعتين) بزيادة ركوع في كل ركعة منهما، كما مر.
واعترض الإسماعيلي على المؤلّف: بأن هذا الحديث لا مدخل له
في هذا الباب، لأنه لا ذكر للقمر فيه، لا بالتنصيص، ولا
بالاحتمال.
وأجيب: بأن ابن التين ذكر: أن في رواية الأصيلي في هذا
الحديث: انكسف القمر، بدل قوله: الشمس، لكن نوزع في ثبوت
ذلك. وحينئذٍ فيجاب: بأن هذا الحديث مختصر من الحديث
اللاحق له، فأراد المؤلّف أن يبين أن المختصر بعض المطوّل،
والمطوّل يؤخذ منه المقصود، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله
تعالى.
وقد روى ابن أبي شيبة هذا الحديث بلفظ: انكسفت الشمس أو
القمر. وفي رواية هشيم: انكسف: الشمس والقمر.
1063 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى
إِلَى الْمَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى
بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ:
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ،
وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ
مَا بِكُمْ. وَذَاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ يُقَالُ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَاكَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن
عمرو المقعد المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف،
البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال:
حدّثنا يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة)
نفيع بن الحرث، رضي الله عنه (قال):
(خسفت الشمس) بالخاء المفتوحة
(2/278)
(على عهد رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فخرج يجر
رداءه) لكونه مستعجلاً (حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس
إليه) بالمثلثة أي: اجتمعوا إليه (فصلّى بهم ركعتين)
بزيادة ركوع في كل ركعة (فانجلت الشمس) بنون بعد الألف
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان)
بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء وكسر السين (لموت أحد)
ولأبي الوقت في غير اليونينية: (وإذا) بالواو، ولأبي ذر:
فإذا (كان ذاك) أي الكسوف فيهما، وللأربعة: ذلك، باللام
(فصلوا وادعوا، حتى يكشف ما بكم) بضم أوله وفتح الشين.
وفي رواية حتى ينكشف، بفتح أوّله، وزيادة نون ساكنة وكسر
الشين، غاية لمقدر، أي: صلوا من ابتداء الخسوف منتهين إما
إلى الانجلاء، أو: إحداث الله أمرًا.
وهذا موضع الترجمة، إذ أمر بالصلاة بعد قوله: "إن الشمس
والقمر .. ".
وعند ابن حبان، من طريق نوح بن قيس، عن يونس بن عبيد في
هذا الحديث: "فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا ... " وهو
أدخل في الباب من قوله هنا "فإذا كان ذلك ... " لأن الأول
نص، وهذا محتمل لأن تكون الإشارة عائدة إلى كسوف الشمس،
لكن الظاهر عود ذلك إلى خسوفهما معًا.
وأصرح من ذلك ما وقع في حديث أبي مسعود السابق: كسوف أيهما
انكسف.
وعند ابن حبان من طريق النضر بن شميل، عن أشعث بإسناده في
هذا الحديث: صلّى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم
... وفيه رد على من أطلق، كابن رشيد: أنه، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل فيه.
وأول بعضهم قوله: صلّى، أي: أمر بالصلاة، جمعًا بين
الروايتين. وذكر صاحب جمع العدة، أن خسوف القمر وقع في
السنة الرابعة، في جمادى الآخرة، ولم يشتهر أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع له الناس للصلاة.
وقال صاحب الهدى: لم ينقل أنه صلّى في كسوف القمر في
جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له: أن القمر خسف في
السنة الخامسة، فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأصحابه الكسوف، فكانت أول صلاة كسوف في
الإسلام.
قال في فتح الباري: وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور.
وقال مالك والكوفيون: يصلّى في كسوف القمر فرادى ركعتين،
كسائر النوافل، في كل ركعة ركوع واحد، ولا يجمع لها بل،
يصلونها أفرادًا، إذ لم يرد أنه عليه الصلاة والسلام صلاها
في جماعة، ولا دعا إلى ذلك.
ولأشهب جواز الجمع، قال اللخمي: وهو أبين. والمذهب أن
الناس يصلونها في بيوتهم، ولا يكلفون الخروج لئلا يشق ذلك
عليهم.
(وذاك) وللأربعة: وذلك، بل للام (أن اْبنًا للنبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مات، يقال له: إبراهيم، فقال
الناس في ذاك) ولأبي ذر، والأصيلي في ذلك، باللام أي:
قالوا ما كانوا يعتقدونه من أن النيرين يوجبان تغيرًا في
العالم من موت وضرر، فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن ذلك باطل.
18 - باب الرَّكْعَةُ الأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ
(باب الركعة الأولى في الكسوف أطول) من الثانية، والثانية
أطول من الثالثة، وهي أطول من الرابعة. وللحموي والكشميهني
باب الركعة في الكسوف تطوّل.
1064 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ
عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي
سَجْدَتَيْنِ، الأَوَّلُ الأَوَّلُ أَطْوَلُ".
وبه قال: (حدّثنا)، ولأبي ذر: أخبرنا (محمود)، ولأبي ذر
والأصيلي: محمود بن غيلان (قال:
حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري الأسدي الكوفي
(قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري
(عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن عائشة رضي الله
عنها):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى بهم
في كسوف الشمس) بالكاف (أربع ركعات، في سجدتين) أي: ركعتين
(الأول والأول) بفتح الهمزة فيهما، وتشديد الواو. وفي
نسخة: الأول فالأول، بالفاء أي: الركوع الأول (أطول) من
الثاني.
قال ابن بطال: لا خلاف أن الركعة الأولى بقياميها وركوعيها
أطول من الركعة الثانية بقياميها وركوعيها، واتفقوا على أن
القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه
فيهما.
واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه، وسبب هذا
الخلاف فهم معنى قوله: وهو دون القيام الأول. هل المراد
به: الأول من الثانية، أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام
دون الذي قبله؟
(2/279)
ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه
أيضًا أنه: لو كان المراد من قوله: القيام الأول: أول قيام
من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتًا عن
مقدارهما، فالأول أكثر فائدة. قاله في فتح الباري.
وفي رواية أبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، كما في فرع
اليونينية، وعزاها في فتح الباري لرواية الإسماعيلي
الأولى: فالأولى بضم الهمزة فيهما، أي: الركعة الأولى أطول
من الثانية.
ووقع في رواية المستملي، باب: صب المرأة على رأسها الماء
إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى. بدل قوله:
الركعة الأولى في الكسوف أطول الثابت في رواية الكشميهني،
والحموي، والظاهر: أن المصنف ترجم لها، وأخلى بياضًا ليذكر
لها حديثًا كعادته، فلم يتفق، فضم بعضهم الكتابة بعضها إلى
بعض، فوقع الخلط.
ووقع في رواية أبي علي بن شبويه، عن الفربري: أنه ذكر باب
صب المرأة أوّلاً. وقال في الحاشية: ليس فيه حديث، ثم ذكر
باب: الركعة الأولى أطول، وأورد فيه حديث عائشة هذا.
وكذا في مستخرج الإسماعيلي: قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا
فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر، من اقتصار بعضهم على إحدى
الترجمين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى: وهو
المستملي، فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة. وأما
الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلاً، وكأنهما
استشكلاها فحذفاها. وكذا حذفت من رواية كريمة أيضًا عن
الكشميهني. وكذا من رواية الأكثر.
19 - باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ
(باب الجهر بالقراءة في) صلاة (الكسوف) بالكاف.
1065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ
سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي
الله عنها:- "جَهَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا
فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ
مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ
فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي
رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مهران) بكسر الميم، الجمال،
بالجيم، الرازي (قال: حدّثنا الوليد) القرشي الأموي
الدمشقي، ولأبي ذر، والأصيلي: ابن مسلم (قال: أخبرنا)
ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا (ابن نمر) بفتح النون وكسر
الميم، عبد الرحمن الدمشقي، وثقه دحيم الذهلي وابن البرقي،
وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد، وليس له في
الصحيحين غير هذا الحديث. وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره
أنه (سمع ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام
(عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت:
(جهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في صلاة
الخسوف) بالخاء (بقراءته).
حمل الشافعية والمالكية وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء هذا
الإطلاق على صلاة خسوف القمر لا الشمس، لأنها نهارية،
بخلاف الأولى، فإنها ليلية: وتعقب بأن الإسماعيلي روى حديث
الباب من وجه آخر عن الوليد، بلفظ كسفت الشمس في عهد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... فذكر
الحديث.
واحتج الإمام الشافعي بقول ابن عباس: قرأ نحوًا من قراءة
سورة البقرة، لأنه لو جهر لم يحتج إلى التقدير.
وعورض باحتمال أن يكون بعيدًا منه.
وأجيب: بأن الإمام الشافعي ذكر تعليقًا عن ابن عباس: أنه
صلّى بجنب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الكسوف، فلم يسمع منه حرفًا، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق
أسانيدها واهية.
وأجيب: على تقدير صحتها بأن مثبت الجهر معه قدر زائد
فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد فيكون عليه الصلاة والسلام
فعل ذلك لبيان الجواز.
قال ابن العربي: والجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى
لها ويخطب، فأشبهت العيد، والاستسقاء.
وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل: يجهر فيها،
وتمسكوا بهذا الحديث (فإذا فرغ من قراءته، كبر فركع، وإذا
رفع) رأسه (من الركعة قال):
(سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بالواو (ثم يعاود
القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع
سجدات) بنصب أربع عطفًا على أربع السابق.
1066 - وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ سَمِعْتُ
الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها-: "أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ
مُنَادِيًا بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ
سَجَدَاتٍ". قَالَ الوَلِيد وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلاَّ
رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى
بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ أَخْطَأَ
السُّنَّةَ. تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي
الْجَهْرِ.
(وقال الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمر وهو معطوف على قوله:
حدّثنا ابن نمر لأنه مقول الوليد (وغيره) أي: وقال غير
الأوزاعي أيضًا (سمعت) ابن شهاب (الزهري) فيما وصله مسلم
عن محمد بن مهران، عن الوليد بن مسلم، حدّثنا الأوزاعي عن
الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله
عنها):
(أن الشمس خسفت) بفتح الخاء المعجمة والسين (على عهد رسول
الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبعث مناديًا)
يقول: (الصلاة جامعة) كذا للكشميهني، أي: أحضروا الصلاة
حال كونها جامعة. وروي برفعهما: مبتدأ وخبر.
(2/280)
ولغير الكشميهني: مناديًا بالصلاة جامعة، بإدخال الموحدة
مع الوجهين على الحكاية.
(فتقدم) عليه الصلاة والسلام (فصلّى أربع ركعات في ركعتين،
وأربع سجدات) بنصب أربع عطفًا على السابق.
وليس في رواية الأوزاعي تصريح بالجهر نعم، ثبت الجهر في
رواية عند أبي داود والحاكم بلفظ: قرأ قراءة طويلة فجهر
بها.
(قال الوليد) ثبت: قال الوليد في نسخة (وأخبرني عبد الرحمن
بن نمر) بكسر الميم بعد النون المفتوحة: بكذا وأخبرني أنه
(سمع ابن شهاب) الزهري (مثله) أي مثل الحديث الأول.
(قال الزهري) ابن شهاب (فقلت) لعروة: (ما صنع أخوك ذلك،
عبد الله بن الزبير؟) برفع عبد الله، عطف بيان لقوله:
أخوك، المرفوع على الفاعلية لصنع، والإشارة في قوله: ذلك،
لفعل أخيه المشار إليه بقوله: (ما صلّى إلا ركعتين مثل
الصبح إذ) أي: حين (صلّى بالمدينة) النبوية في الكسوف
بركعتين. (قال: أجل) بفتح الجيم وسكون اللام، أي: نعم
(إنه) بكسر الهمزة للابتداء (أخطأ السنة) وللكشميهني قال:
من أجل أنه بسكون الجيم وفتح الهمزة للإضافة.
(تابعه) أي: تابع ابن نمر (سفيان بن حسين) فيما وصله
الترمذي (وسليمان بن كثير) بالمثلثة العبدي، بالموحدة
الساكنة فيما وصله أحمد (عن الزهري في الجهر) وسفيان
وسليمان ضعيفان، لكن تابعهما على ذكر الجهر عن الزهري عقيل
عند الطحاوي، وإسحاق بن راشد عند الدارقطني وغيرهما
فاعتضدا وقويا. ولله الحمد. |