شرح النووي على
مسلم (كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكُسِفَا
بِضَمِّهَا وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا
بِمَعْنًى وَقِيلَ كَسْفُ الشَّمْسِ بِالْكَافِ وَخَسْفُ
الْقَمَرِ بِالْخَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَكْسَهُ
عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ
بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَسَفَ
الْقَمَرُ ثُمَّ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُمْ
عَلَى أَنَّ الْخُسُوفَ وَالْكُسُوفَ يَكُونُ لِذَهَابِ
ضَوْئِهِمَا كُلِّهُ وَيَكُونُ لِذَهَابِ بَعْضِهِ وَقَالَ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
الْخُسُوفُ فِي الْجَمِيعِ وَالْكُسُوفُ فِي بَعْضٍ
وَقِيلَ الْخُسُوفُ ذَهَابُ لَوْنِهِمَا وَالْكُسُوفُ
تَغَيُّرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رُوِيَتْ
عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْهَا
جُمْلَةً وَأَبُو دَاوُدَ أُخْرَى وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهَا
جَمَاعَةً وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فُرَادَى وَحُجَّةُ
الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ
فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ
وَأَمَّا السُّجُودُ فَسَجْدَتَانِ كَغَيْرِهِمَا
وَسَوَاءٌ تَمَادَى الْكُسُوفُ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ
مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ
الْكُوفِيُّونَ هُمَا رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ
عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي
بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ
حَدِيثُ عَائِشَةَ من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وبن
عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي
كُلِّ ركعة ركوعان وسجدتان قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا
أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ وَبَاقِي
الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ
وحملوا حديث بن سَمُرَةَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ
الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِهِ وَذَكَرَ
مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ وعن بن عَبَّاسٍ
وَعَنْ جَابِرٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثلاث
ركعات ومن رواية بن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ رَكْعَتَيْنِ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ)
(6/198)
رَكَعَاتٍ قَالَ الْحُفَّاظُ الرِّوَايَاتُ
الْأُوَّلُ أَصَحُّ وَرُوَاتُهَا أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ
رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ نَوْعٍ بَعْضُ
الصَّحَابَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا
الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ
هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَاتِ بِحَسَبِ
اخْتِلَافِ حَالِ الْكُسُوفِ فَفِي بَعْضِ الأوقات تأخر
انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وَفِي بَعْضِهَا أَسْرَعَ
الِانْجِلَاءُ فَاقْتَصَرَ وَفِي بَعْضِهَا تَوَسَّطَ
بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّأَخُّرِ فَتَوَسَّطَ فِي
عَدَدِهِ وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُونَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ
تَأَخُّرَ الِانْجِلَاءِ لَا يُعْلَمُ فِي أَوَّلِ
الْحَالِ وَلَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدِ
اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ
فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مَنْوِيٌّ مِنْ أَوَّلِ
الْحَالِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ
إسحاق بن راهويه وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ جَرَتْ صَلَاةُ
الْكُسُوفِ فِي أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا
مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ فَتَجُوزُ
صَلَاتُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ
الثَّابِتَةِ وَهَذَا قَوِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ
الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ
رَكْعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الثَّانِي
فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ
أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقِرَاءَتِهَا
فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ
الْمَالِكِيَّةِ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ
الثَّانِي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِي
وَالرُّكُوعَ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ وَكَذَا
الْقِيَامُ الثَّانِي وَالرُّكُوعُ الثَّانِي مِنَ
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقْصَرُ مِنَ الْأَوَّلِ
مِنْهُمَا مِنَ الثَّانِيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ
الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِيَةِ
هَلْ هُمَا أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الثَّانِي
وَالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى
وَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ
دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَدُونَ الرُّكُوعِ
الْأَوَّلِ أَمْ يَكُونَانِ سَوَاءً وَيَكُونُ قَوْلُهُ
دُونَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَيْ أَوَّلُ
قِيَامٍ وَأَوَّلُ رُكُوعٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى
اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ
فِيهِمَا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلَوِ اقْتَصَرَ
عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَأَدَّى
طُمَأْنِينَتَهُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ
إِطَالَةِ السُّجُودِ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا
يُطَوِّلُهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِهِ فِي سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ
يُسْتَحَبُّ إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي
قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي
الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ
رَفْعٍ مِنْ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ
يَقُولُ عَقِبَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِلَى آخِرِهِ
(6/199)
وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ
فِي ابْتِدَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَقِيلَ
يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُطْبَةِ لِصَلَاةِ
الْكُسُوفِ فقال الشافعي واسحاق وبن جَرِيرٍ وَفُقَهَاءُ
أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ
وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ
الْكُسُوفِ
[901] قَوْلُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدًّا وَأَطَالَ
الرُّكُوعَ جِدًّا ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ
الْقِيَامَ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَا
يُطَوِّلُ السُّجُودَ وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ الْأَحَادِيثُ
الْمُصَرِّحَةُ بِتَطْوِيلِهِ وَيُحْمَلُ هَذَا
الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ جِدًّا بِكَسْرِ
الْجِيمِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أي جد جِدًّا
قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ الصَّلَاةَ ثُمَّ انْصَرَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ
لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي اسْتِحْبَابِ
الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا سَبَقَ
بَيَانُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ
بِالِانْجِلَاءِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْخُطْبَةَ يَكُونُ أَوَّلُهَا الْحَمْدَ لِلَّهِ
وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ
لَفْظَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُتَعَيَّنَةٌ فَلَوْ قَالَ
مَعْنَاهَا لَمْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا
يخسفان لموت
(6/200)
أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ
أَنَّهُمْ قَالُوا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا
الْكَلَامَ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ
الْجَاهِلِيَّةِ الضُّلَّالَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ
مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ
هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا
النَّقْصُ وَالتَّغَيُّرُ كَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ
الضُّلَّالِ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ
لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ أَوْ نَحْوَ
ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُغْتَرُّ
بِأَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْتَ
إِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا
فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا
فِيهِ الْحَثُّ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ أَمْرُ
اسْتِحْبَابٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى هُوَ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنْ وَإِسْكَانِ
النُّونِ أَيْ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ
قَالُوا مَعْنَاهُ ليس أحدا مَنَعَ مِنَ الْمَعَاصِي مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَشَدَّ كَرَاهَةً لَهَا مِنْهُ
سُبْحَانَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا
مَعْنَاهُ لَوْ تَعْلَمُونَ مِنْ عِظَمِ انْتِقَامِ
اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ
عِقَابِهِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا
عَلِمْتُ وَتَرَوْنَ النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره
لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَقَلَّ ضَحِكُكُمْ لِفِكْرِكُمْ
فِيمَا عَلِمْتُمُوهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَعْنَاهُ مَا أَمَرْتُ
بِهِ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِمَّا أُرْسِلَ بِهِ
(6/201)
وَالْمُرَادُ تَحْرِيضُهُمْ عَلَى
تَحَفُّظِهِ وَاعْتِنَائِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ
بِإِنْذَارِهِمْ قَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ
فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فِيهِ إِثْبَاتُ
صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فِعْلِهَا فِي
الْمَسْجِدِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْمُصَلَّى
لِخَوْفِ فَوَاتِهَا بِالِانْجِلَاءِ فَالسُّنَّةُ
الْمُبَادَرَةُ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُهَا جَمَاعَةً
وَتَجُوزُ فُرَادَى وَتُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ
وَالْمُسَافِرِ وَسَائِرِ مَنْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ
قَوْلُهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَالَ فِي
الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِثْلَهُ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ
اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ
وَافَقَهُ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ سَائِرِ
الصَّلَاةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لِلْإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ
أَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي
كُلِّ رَفْعٍ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ سَوَاءٌ
الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا
فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلُّوا حَتَّى
يُفَرِّجُ اللَّهُ عَنْكُمْ مَعْنَاهُ بَادِرُوا
بِالصَّلَاةِ
(6/202)
وَأَسْرِعُوا إِلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ
عَنْكُمْ هَذَا الْعَارِضُ الَّذِي يُخَافُ كَوْنُهُ
مُقَدِّمَةَ عَذَابٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ
ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ
وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَمَعْنَاهُ أُقَدِّمُ
نَفْسِي أَوْ رِجْلِي وَكَذَا صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
بِضَبْطِهِ وَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَقْدُمُ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ
مِنَ الْإِقْدَامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ
فِيهِ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَعْنَى يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا
لِشِدَّةِ تَلْهِيبِهَا وَاضْطِرَابِهَا كَأَمْوَاجِ
الْبَحْرِ الَّتِي يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ فِيهَا
عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ
الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ فِي نَفْسِ جَهَنَّمَ
الْيَوْمَ عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ فِيهِ التَّأَخُّرُ عَنْ
مَوَاضِعِ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ قَوْلُهُ فَبَعَثَ
مُنَادِيًا بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً لَفْظَةُ جَامِعَةً
مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ
لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ
(6/203)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَادَى لِصَلَاةِ
الْكُسُوفِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا
يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ قَوْلُهُ جَهَرَ فِي
صَلَاةِ الْخُسُوفِ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَالْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ لِأَنَّ
مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ
يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ
الْقَمَرِ وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد واسحق
وَغَيْرُهُمْ يَجْهَرُ فِيهِمَا وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا
الْحَدِيثِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ
حَزَرُوا الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وغيرها ولو
كان جهرا لعلم قدرها بلا حزر وقال بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ سَوَاءٌ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي
مَنْ أُصَدِّقُ حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ هَكَذَا هُوَ
فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ
الْجُمْهُورِ وَعَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ مَنْ أُصَدِّقُ
حَدِيثَهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ
مُتَغَايِرٌ فَعَلَى
(6/204)
رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ لَهُ حُكْمُ
الْمُرْسَلِ إِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ
قَوْلَهُ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ
رَكْعَتَيْنِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَيْ في كل ركعة يركع
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعُ
سَجَدَاتٍ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ رُكُوعٌ ثلاث مرات وسجدتان
[903] قَوْلُهُ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ أَيْ بَيْنَهَا
قَوْلُهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ تَعْنِي
مَوْقِفَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي
صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ تَكُونَ فِي الْجَامِعِ وَفِي
جَمَاعَةٍ
(6/205)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ وَفِي
آخِرِهِ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ
إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ
أَهْلِ الْحَقِّ وَمَعْنَى تُفْتَنُونَ تُمْتَحَنُونَ
فَيُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ
الْمُؤْمِنُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ الْمُنَافِقُ
سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ هَكَذَا
جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ أَيْ فِتْنَةً
شَدِيدَةً جِدًّا وَامْتِحَانًا هَائِلًا وَلَكِنْ يثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت
[904] قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرٍ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ
ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ
طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ وَلَا
ذِكْرَ لَهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَلَا فِي رِوَايَةِ
جَابِرٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَقَدْ
نَقَلَ الْقَاضِي إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا
يُطَوِّلُ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ
وَحِينَئِذٍ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بجوابين
(6/206)
أَحَدُهُمَا أَنَّهَا شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ
لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطَالَةِ تَنْفِيسُ
الِاعْتِدَالِ وَمَدُّهُ قَلِيلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ
إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ
تُولَجُونَهُ أَيْ تَدْخُلُونَهُ مِنْ جَنَّةٍ وَنَارٍ
وَقَبْرٍ وَمَحْشَرٍ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ
وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُمَا رُؤْيَةَ
عَيْنٍ كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَزَالَ
الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّجَ لَهُ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حِينَ وَصَفَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْضِ هَذَا
الْحَائِطِ أَيْ فِي جِهَتِهِ وَنَاحِيَتِهِ أَوْ فِي
التَّمْثِيلِ لِقُرْبِ الْمُشَاهَدَةِ قَالُوا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُؤْيَةَ عِلْمٍ وَعَرْضَ
وَحْيٍ بِإِطْلَاعِهِ وَتَعْرِيفِهِ مِنْ أُمُورِهَا
تَفْصِيلًا مَا لَمْ يَعْرِفْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْ
عَظِيمِ شَأْنِهِمَا مَا زَادَهُ عِلْمًا بِأَمْرِهِمَا
وَخَشْيَةً وَتَحْذِيرًا وَدَوَامَ ذِكْرٍ وَلِهَذَا قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا
أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا
قَالَ الْقَاضِي وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى
وَأَشْبَهُ بِأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنَ
الْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ
كَتَنَاوُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْعُنْقُودَ وَتَأَخُّرِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ
لَفْحُ النَّارِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ
تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ مَعْنَى
تَنَاوَلْتُ مَدَدْتُ يَدَيَّ لِآخُذَهُ وَالْقِطْفُ
بِكَسْرِ الْقَافِ الْعُنْقُودُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى
مَفْعُولٍ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ
أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ
مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ وَأَنَّ فِي الْجَنَّةِ ثِمَارًا
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ
السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً
تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا أَيْ بِسَبَبِ
هِرَّةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ هَوَامُّهَا وَحَشَرَاتُهَا وَقِيلَ
صِغَارُ الطَّيْرِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَ الْخَاءِ
وَكَسْرَهَا وَضَمَّهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ
قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُؤَاخَذَةُ
بِالصَّغَائِرِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ
عَلَيْهَا بِالنَّارِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ
كَافِرَةً فَزِيدَ فِي عَذَابِهَا بِذَلِكَ هَذَا
كَلَامُهُ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلِ الصَّوَابُ
الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ
بِسَبَبِ الْهِرَّةِ
(6/207)
وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا رَبَطَتْهَا
وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ وَالْإِصْرَارُ
عَلَى الصَّغِيرَةِ يَجْعَلُهَا كَبِيرَةً كَمَا هُوَ
مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كُفْرَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ
قُصْبَهُ فِي النَّارِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ
الصَّادِ وَهِيَ الْأَمْعَاءُ قَوْلُهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ
وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا
إِلَى النِّسَاءِ ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ
مَعَهُ حَتَّى قَامَ
(6/208)
فِي مَقَامِهِ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ
الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَضَبَطَ أَصْحَابُنَا
الْقَلِيلَ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ
وَقَالُوا الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَاتٍ تُبْطِلُهَا
وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ
الْخُطُوَاتِ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لَا مُتَوَالِيَةً
وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ
خُطْوَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ انْتَهَيْنَا إِلَى
النِّسَاءِ يُخَالِفُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ
الْكُسُوفِ لِلنِّسَاءِ وَفِيهِ حُضُورُهُنَّ وَرَاءَ
الرِّجَالِ قَوْلُهُ آضَتِ الشَّمْسُ هُوَ بِهَمْزَةٍ
مَمْدُودَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ
بِبِلَادِنَا وَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي قَالُوا
وَمَعْنَاهُ رَجَعَتْ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ قَبْلَ
الْكُسُوفِ وَهُوَ مِنْ آضَ يَئِيضُ إِذَا رَجَعَ وَمِنْهُ
قَوْلُهُمْ أَيْضًا وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ
يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا أَيْ مِنْ ضَرْبِ لَهَبِهَا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى تلفح وجوههم النار أَيْ
يَضْرِبُهَا لَهَبُهَا قَالُوا وَالنَّفْحُ دُونَ
اللَّفْحِ قال الله ... ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك أَيْ
أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ
فِيهَا
(6/209)
صَاحِبَ الْمِحْجَنِ هُوَ بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَهُوَ عَصَا مُغَفَّفَةُ الطَّرْفِ
[905] قَوْلُهَا فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ
فِيهِ امْتِنَاعُ الْكَلَامِ بِالصَّلَاةِ وَجَوَازُ
الْإِشَارَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ
لِحَاجَةٍ قَوْلُهَا تَجَلَّانِي الْغَشْيُ هُوَ بِفَتْحِ
الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَرُوِيَ أَيْضًا بِكَسْرِ
الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُمَا بِمَعْنَى
الْغِشَاوَةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَحْصُلُ بِطُولِ
الْقِيَامِ فِي الْحَرِّ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا جَعَلَتْ تَصُبُّ عَلَيْهَا
الْمَاءَ وَفِيهِ أَنَّ الْغَشْيَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا قَوْلُهَا فَأَخَذْتُ
قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي فَجَعَلْتُ أَصُبُّ
عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ هَذَا
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهَا
مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا كَثُرَتْ
مُتَوَالِيَةً أَبْطَلَتِ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ مَا
عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
الْمَلَكَانِ السَّائِلَانِ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا
الرَّجُلِ وَلَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ امْتِحَانًا لَهُ
وَإِغْرَابًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ مِنْهُمَا
إِكْرَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَفْعَ مَرْتَبَتِهِ فَيُعَظِّمُهُ هُوَ تَقْلِيدًا
لَهُمَا لَا اعْتِقَادًا وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُ
هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ المنافق لا أدري فيثبت
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ
(6/210)
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
قَوْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا تَقُلْ كَسَفَتِ
الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُلْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ هَذَا قَوْلٌ
لَهُ انْفَرَدَ بِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي
أول الباب
(6/211)
قَوْلُهُ فَفَزِعَ قَالَ الْقَاضِي
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ
الْخَوْفُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَخْشَى أَنْ
تَكُونَ السَّاعَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ
الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الشَّيْءِ
فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ
مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِشِدَّةِ سُرْعَتِهِ وَاهْتِمَامِهِ
بِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ دِرْعَ
بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ سَهْوًا وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ
لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِأَمْرِ الْكُسُوفِ فَلَمَّا
عَلِمَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّهُ تَرَكَ رِدَاءَهُ
لَحِقَهُ بِهِ إِنْسَانٌ
[907] قَوْلُهُ فِي الرواية الأولى من حديث بن عَبَّاسٍ
فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَدْرَ نَحْوَ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ
(6/212)
قَدْرَ نَحْوَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوِ
اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفْرِهِنَّ
قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ بِكُفْرِ الْعَشِيرِ
وَبِكُفْرِ الْإِحْسَانِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِكُفْرِ
بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَارَّةِ وَضَمِّ الْكَافِ
وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ
عَلَى كُفْرَانِ الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
الشَّخْصُ كَافِرًا بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ
شَرْحُ هَذَا اللَّفْظِ مَرَّاتٍ وَالْعَشِيرُ
الْمُعَاشِرُ كَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ذَمُّ
كُفْرَانِ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا قَوْلُهُ
تَكَعْكَعْتَ أَيْ تَوَقَّفْتَ وَأَحْجَمْتَ قَالَ
الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ تَكَعْكَعَ الرَّجُلُ
وَتَكَاعَى وكع وكوعا إذا أحجم وجبن
[908] قوله ثمان ركعات في أربع
(6/213)
سجدات أي ركع ثمان مَرَّاتٍ كُلُّ أَرْبَعٍ
فِي رَكْعَةٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الْكِتَابِ فِي الرِّوَايَةِ
الثَّانِيَةِ
[910] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بن عَمْرٍو فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ أَيْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ
وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَةِ رَكْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِإِطْلَاقِ السَّجْدَةِ عَلَى
رَكْعَةٍ قَوْلُهَا مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ وَلَا
سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَامَ يُصَلِّي
بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمَا رَأَيْتُهُ
يَفْعَلُهُ فِي صَلَاةٍ قَطُّ فِيهِمَا دَلِيلٌ
لِلْمُخْتَارِ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ السُّجُودِ
فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ
الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهِمَا تَطْوِيلُ السُّجُودِ
لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ مَعَ
أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ
جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَهُ
مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى
وَرَوَاهُ الْبُخَاريُّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ
وَأَبُو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طُرُقُهُ
وَتَعَاضَدَتْ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ
(6/214)
بِهِ
[912] قَوْلُهُ فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ
السَّاعَةُ هَذَا قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ أَنَّ
السَّاعَةَ لَهَا مُقَدِّمَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا بُدَّ مِنْ
وُقُوعِهَا وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَالنَّارِ
وَالدَّجَّالِ وَقِتَالِ التُّرْكِ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ لَا
بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا قَبْلَ الساعة كفتوح الشام والعراق
ومصر وغيرهما وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى فِي سَبِيلِ
اللَّهِ تَعَالَى وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا لعل
هذا الكسوف
(6/215)
قَبْلَ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّانِي
لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَكُونَ بَعْضَ مُقَدِّمَاتِهَا
الثَّالِثِ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ تَكُونَ
السَّاعَةُ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِ أَنْ يَكُونَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشِيَ
ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعْجِلًا مُهْتَمًّا بِالصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْرِ الْكُسُوفِ مُبَادِرًا إِلَى
ذَلِكَ وَرُبَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ نَوْعَ عُقُوبَةٍ
كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
هُبُوبِ الرِّيحِ تُعْرَفُ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِهِ
وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ
كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ فَظَنَّ الرَّاوِي خِلَافَ ذَلِكَ
وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ
[913] قَوْلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ
يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ
حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ
وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ
يَدَيْهِ فَجَعَلَ يسبح ويهلل
(6/216)
وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيَدْعُو حَتَّى
حَسِرَ قَالَ فَلَمَّا حَسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ
وَيُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَلَاةَ
الْكُسُوفِ بَعْدَ انْجِلَاءِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهَا بَعْدَ
الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ
وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيعَ
مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَكْبِيرٍ
وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَقِرَاءَةِ
سُورَتَيْنِ فِي الْقِيَامَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلرَّكْعَةِ
الثَّانِيَةِ وَكَانَتِ السُّورَتَانِ بَعْدَ
الِانْجِلَاءِ تَتْمِيمًا لِلصَّلَاةِ فَتَمَّتْ جُمْلَةُ
الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلُهَا فِي حَالِ الْكُسُوفِ
وَآخِرُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الَّذِي
ذَكَرْتُهُ مِنْ تقديره لابد مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ
لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ
وَلِرِوَايَاتِ بَاقِي الصَّحَابَةِ وَالرِّوَايَةُ
الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِيَتَّفِقَ
الرِّوَايَتَانِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ
أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ
تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ الْكُسُوفِ
لِأَنَّهَا صَلَاةَ كُسُوفٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ
لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ
فَجَعَلَ يُسَبِّحُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَدْعُو فِيهِ
دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي
الْقُنُوتِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا تُرْفَعُ
الْأَيْدِي فِي دَعَوَاتِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ حَسِرَ
عَنْهَا أَيْ كَشَفَ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُولَى جُلِّيَ عَنْهَا قَوْلُهُ كُنْتُ
أَرْتَمِي بَأَسْهُمٍ أَيْ أَرْمِي كَمَا قَالَهُ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُولَى يُقَالُ أَرْمِي وَأَرْتَمِي
وَتَرَامَى وَتَرَمَّى كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ
الأخيرة قوله
(6/217)
[915] زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ
الْعَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ الشمس والقمر آيتان لا يكسفان
لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا
فَصَلُّوا فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ
فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ
الصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ
كُسُوفِ الشَّمْسِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو
حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ هَكَذَا
وَإِنَّمَا تُسَنُّ رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ
فُرَادَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(6/218)
|