شرح النووي على
مسلم (كتاب الاعتكاف هُوَ فِي اللُّغَةِ
الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ وَفِي الشَّرْعِ
الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بصفة
مخصوصة ويسمى الاعتكاف جوارا وَمِنْهُ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي أَوَائِلِ
الِاعْتِكَافِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي
إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ
فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا)
(8/66)
حَائِضٌ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الْأَحَادِيثَ
فِي اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ
وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَفِيهَا
اسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ وَتَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِهِ
فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ
لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعَلَى أَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ فِي
الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّ
الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بَلْ
يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْفِطْرِ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ
سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَضَابِطُهُ
عِنْدَ أَصْحَابِنَا مُكْثُ يَزِيدَ عَلَى طُمَأْنِينَةِ
الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَفِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَلَنَا وَجْهٌ
أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ
مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي
لِكُلِّ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ
أَوْ لِشُغُلٍ آخَرَ مِنْ آخِرَةٍ أَوْ دُنْيَا أَنْ
يَنْوِيَ الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه مالم يَخْرُجْ مِنَ
الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ جَدَّدَ نِيَّةً
أُخْرَى وَلَيْسَ لِلِاعْتِكَافِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَا
فِعْلٌ آخَرُ سِوَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ
الِاعْتِكَافِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ دُنْيَا أَوْ
عَمِلَ صَنْعَةً مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ
يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالْأَكْثَرُونَ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ
فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مفطر وحتجوا بِهَذِهِ
الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِاعْتِكَافِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرِ
الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَبِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال يارسول اللَّهِ
إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً
(8/67)
فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ أَوْفِ
بِنَذْرِكَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَفِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ
إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجَهُ وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا
اعْتَكَفُوا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِي
مُلَازَمَتِهِ فَلَوْ جَازَ فِي الْبَيْتِ لفعلوه ولو مرة
لاسيما النِّسَاءُ لِأَنَّ حَاجَتَهُنَّ إِلَيْهِ فِي
الْبُيُوتِ أَكْثَرُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ
اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي
غَيْرِهِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ
وَالْمَرْأَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ
الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ
الْمُهَيَّأُ مِنْ بَيْتِهَا لِصَلَاتِهَا قَالَ وَلَا
يَجُوزُ لِلرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَكَمَذْهَبِ
أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ ضَعِيفٌ
عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ
وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْمَرْأَةِ
وَالرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِمَا ثُمَّ اخْتَلَفَ
الْجُمْهُورُ الْمُشْتَرِطُونَ الْمَسْجِدَ الْعَامَّ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُهُمْ يَصِحُّ
الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ
يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ
فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ
تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ يَخْتَصُّ بِالْجَامِعِ الَّذِي
تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَنَقَلُوا عَنْ حُذَيْفَةَ
بْنِ الْيَمَانِ الصَّحَابِيِّ اخْتِصَاصَهُ
بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وأجمعوا على أنه
لاحد لِأَكْثَرِ الِاعْتِكَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ
ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ
يَبْدَأُ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهِ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي
أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَدْخُلُ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ
اعْتِكَافَ عَشْرٍ وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى
(8/68)
أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ
فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ
الصُّبْحَ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ
الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ
مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ
فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ قَوْلُهُ
(وَأَنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ) قَالُوا
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ
لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ
فِيهِ مُدَّةَ اعتكافه مالم يضيق على الناس واذا اتخذه
يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ لِئَلَّا
يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ
وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ قَوْلُهُ (نَظَرَ فَإِذَا
الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ يردن فَأَمَرَ
بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ) قُوِّضَ بِالْقَافِ
الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أُزِيلَ
وَقَوْلُهُ آلْبِرَّ أَيِ الطَّاعَةَ قَالَ الْقَاضِي
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الكلام
انكار لِفِعْلِهِنَّ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ
كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَسَبَبُ
إِنْكَارِهِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ
مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَرَدْنَ
الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ
لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ فَكَرِهَ مُلَازَمَتَهُنَّ
الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ
وَيَحْضُرُهُ الْأَعْرَابُ وَالْمُنَافِقُونَ وَهُنَّ
مُحْتَاجَاتٌ إِلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ لِمَا
يَعْرِضْ لَهُنَّ فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ أَوْ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ
عِنْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحُضُورِهِ مَعَ
أَزْوَاجِهِ وَذَهَبَ الْمُهِمُّ مِنْ مَقْصُودِ
الِاعْتِكَافِ وَهُوَ التَّخَلِّي عَنِ الْأَزْوَاجِ
وَمُتَعَلِّقَاتِ الدُّنْيَا وَشِبْهِ ذَلِكَ أَوْ
لِأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
(8/69)
لِصِحَّةِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ
لَهُنَّ وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ
لِعَارِضٍ وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ
مِنَ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَبِهِ قَالَ
الْعُلَمَاءُ كَافَّةً فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ
لَهُ مَنْعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ
لِلْعُلَمَاءِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَدَاوُدَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكِهِ
وَإِخْرَاجُهُمَا مِنَ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ
وَمَنَعَهُمَا مَالِكٌ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ
إِخْرَاجَ الْمَمْلُوكِ دُونَ الزَّوْجَةِ
(باب الِاجْتِهَادِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ
شَهْرِ رَمَضَانَ
[1174] قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ
أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ
وَشَدَّ الْمِئْزَرَ
[1175] وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العشر
الأواخر مالم يَجْتَهِدْ فِي غَيْرِهِ) اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ)
(8/70)
فِي مَعْنَى شَدَّ الْمِئْزَرَ فَقِيلَ
هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ زِيَادَةً عَلَى
عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَيْرِهِ وَمَعْنَاهُ التَّشْمِيرُ فِي الْعِبَادَاتِ
يُقَالُ شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي أَيْ
تَشَمَّرْتُ لَهُ وَتَفَرَّغْتُ وَقِيلَ هُوَ
كِنَايَةٌ عَنِ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ لِلِاشْتِغَالِ
بِالْعِبَادَاتِ وَقَوْلُهَا أَحْيَا اللَّيْلَ أَيِ
اسْتَغْرَقَهُ بِالسَّهَرِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
وَقَوْلُهَا وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ أَيْ أَيْقَظَهُمْ
لِلصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ وَجَدَّ فِي الْعِبَادَةِ
زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ مِنَ الْعِبَادَاتِ
فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَاسْتِحْبَابُ إِحْيَاءِ لَيَالِيهِ بِالْعِبَادَاتِ
وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ قِيَامُ
اللَّيْلِ كُلِّهِ فَمَعْنَاهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَقُولُوا بِكَرَاهَةِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَتَيْنِ
وَالْعَشْرِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ
إِحْيَاءِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَالْمِئْزَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ
الْإِزَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
[1176] فِيهِ قَوْلُ عَائِشَةَ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا
فِي الْعَشْرِ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَصُمِ
الْعَشْرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هذا الحديث مما يوهم
كراهة صوم العشر وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ هُنَا
الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ
قَالُوا وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي
صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مستحبة
استحبابا شديدا لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ
يَوْمُ عَرَفَةَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي
فَضْلِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ
الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي
هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَائِلَ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ
الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ)
(8/71)
لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ
أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ
من ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ
هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي
الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ
وَالْخَمِيسَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا
لَفْظُهُ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي
رِوَايَتِهِمَا وَخَمِيسَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ (وَحَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الْأَعْمَشِ) وَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَفِي
بَعْضِهَا شُعْبَةُ بَدَلُ سُفْيَانَ وَكَذَا نَقَلَهُ
الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ
وَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ
لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
|