شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره

قَوْله
بَاب فِي لَيْلَة الْقدر إِنَّمَا سميت بهَا لِأَنَّهُ يقدر فِيهَا الارزاق وَيَقْضِي وَيكْتب الاجال والاحكام الَّتِي تكون فِي تِلْكَ السّنة لقَوْله تَعَالَى فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم وَقَوله تَعَالَى تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر وَالْقدر بِهَذَا الْمَعْنى يجوز فِيهِ تسكين اللَّام وَالْمَشْهُور تحريكه لمعات

قَوْله
[1766] إِنِّي اريت بِصِيغَة الْمَجْهُول من الرُّؤْيَا أَو من الروية أَي أبصرتها وَإِنَّمَا أرى علامتها وَهِي السُّجُود فِي المَاء والطين كَمَا وَقع فِي البُخَارِيّ عَيْني

قَوْله فِي الْعشْر الاواخر الخ قد اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا فَقيل هِيَ أول لَيْلَة من رَمَضَان وَقيل لَيْلَة سبع عشرَة وَقيل لَيْلَة ثَمَان عشرَة وَقيل لَيْلَة تسع عشرَة وَقيل لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَقيل لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين وَقيل لَيْلَة خمس وَعشْرين وَقيل لَيْلَة سبع وَعشْرين وَقيل لَيْلَة تسع وَعشْرين وَقيل آخر لَيْلَة من رَمَضَان وَقيل فِي اشفاع هَذِه الافراد وَقيل فِي السّنة كلهَا وَقيل فِي جَمِيع شهر رَمَضَان وَقيل يتَحَوَّل فِي اللَّيَالِي الْعشْر كلهَا وَذهب أَبُو حنيفَة الى أَنَّهَا فِي رَمَضَان تتقدم وتتأخر وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا تتقدم وَلَا تتأخر لَكِن غير مُعينَة وَقيل هِيَ عِنْدهمَا فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان وَعند الشَّافِعِي فِي الْعشْر الْأَخير لَا تنْتَقل وَلَا تزَال الى يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ هِيَ غير مَخْصُوصَة بِشَهْر من الشُّهُور وَبِه قَالَ الحنفيون وَفِي قاضيخان الْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة انها تَدور فِي السّنة وَقد تكون فِي رَمَضَان وَقد تكون فِي غَيره وَصَحَّ ذَلِك عَن بن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَغَيرهم فَإِن قلت مَا وَجه هَذِه الْأَقْوَال قلت لَا مُنَافَاة لِأَن مَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ وَعَن الشَّافِعِي وَالَّذِي عِنْدِي أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجيب على نَحْو مَا يسْأَل عَنهُ يُقَال لَهُ نلتمسها فِي لَيْلَة كَذَا فَيَقُول التمسوها فِي لَيْلَة كَذَا وَقيل ان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحدث بميقاتها جزما فَذهب كل وَاحِد من الصَّحَابَة بِمَا سَمعه والذاهبون الى سبع وَعشْرين هم الْأَكْثَرُونَ هَذَا مَا قَالَه الْعَيْنِيّ قَالَ فِي الْفَتْح وَجزم أبي بن كَعْب بِأَنَّهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين وَفِي التوشيح وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا على أَكثر من أَرْبَعِينَ قولا وارجاها اوتار الْعشْر الْأَخير وارجى الاوتار لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَثَلَاث وَعشْرين وَسبع وَعشْرين وَاخْتلف هَل هِيَ خَاص لهَذِهِ الْأمة أم لَا انْتهى

قَوْله
[1768] وَشد الميزر أَي إزَاره كَقَوْلِهِم ملحفة ولحاف وَهُوَ كِنَايَة اما عَن ترك الْجِمَاع وَإِمَّا عَن الاستعداد لِلْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَاد وَالزَّائِد على مَا هُوَ عَادَته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واما عَنْهُمَا كليهمَا مَعًا عُمْدَة الْقَارِي

قَوْله
[1769] اعْتكف عشْرين يَوْمًا قيل السَّبَب فِي ذَلِك انه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم بِانْقِضَاء أَجله فَأَرَادَ ان يستكثر من أَعمال الْخَيْر ليسن للْأمة الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل إِذا بلغُوا أقْصَى الْعُمر ليلقه الله على خير أَعْمَالهم وَقيل السَّبَب فِيهِ ان جِبْرَائِيل كَانَ يُعَارضهُ بالقران فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ عَارض بِهِ مرَّتَيْنِ فَلذَلِك اعْتكف قدر مَا كَانَ يعْتَكف مرَّتَيْنِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيّ يحْتَمل ان يكون سَبَب ذَلِك انه لما ترك الإعتكاف فِي الْعشْر الْأَخير بِسَبَب مَا قوع من أَزوَاجه وَاعْتَكف بدله عشرا من شَوَّال اعْتكف فِي الْعَام الَّذِي يَلِيهِ عشْرين ليتَحَقَّق قَضَاء الْعشْر فِي رَمَضَان انْتهى وَأقوى من ذَلِك إِنَّه إِنَّمَا اعْتكف فِي ذَلِك الْعَام عشْرين لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْعَام الَّذِي قبله مُسَافِرًا وَيحْتَمل تعدد هَذِه الْقِصَّة بِتَعَدُّد السَّبَب فَيكون مرّة بِسَبَب ترك الِاعْتِكَاف لعذر السّفر وَمرَّة بِسَبَب عرض الْقُرْآن مرَّتَيْنِ فتح الْبَارِي

قَوْله

(1/126)


[1771] إِذا أَرَادَ ان يعْتَكف صلى الصُّبْح الخ احْتج بِهِ من يَقُول يبْدَأ الِاعْتِكَاف من أول النَّهَار وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَاللَّيْث فِي أحد قوليه وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يدْخل فِيهِ قبيل غرُوب الشَّمْس إِذا أَرَادَ اعْتِكَاف شهر أَو اعْتِكَاف عشر وَأولُوا على انه دخل الْمُعْتَكف وَانْقطع فِيهِ وتخلى بِنَفسِهِ بعد صَلَاة الصُّبْح لَا أَن ذَلِك وَقت ابْتِدَاء الِاعْتِكَاف بل كَانَ من قبل الْمغرب معتكفا لَا يُنَافِي جملَة الْمَسْجِد فَلَمَّا صلى الْفجْر انْفَرد قَالَه النَّوَوِيّ قلت وَقد ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح إِذا اعْتكف اتخذ حجرَة من حَصِير فَيدْخل الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَة ثمَّ يدْخل فِي وَقت الصُّبْح فِي ذَلِك الْموضع أَي فِي الْحُجْرَة من الْحَصِير فَخر قَوْله فرط فِيهِ من التَّفْرِيط أَي قصر فِي ادائه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَمَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء أَي مَا قَصرنَا وَمَا تركنَا بل أحصينا جَمِيع الْأَشْيَاء فِيهِ إنْجَاح الْحَاجة قَوْله أَبُو بكر الْمدنِي ضَعِيف قَوْله عبد الله بن عبد الله الْأمَوِي لين الحَدِيث ت انجاح الْحَاجة لمولانا شاه عبد الْغَنِيّ المجددي الدهلوي

[1772] فَأمره ان يعْتَكف احْتج بِهِ الشَّافِعِي على ان الصَّوْم لَيْسَ بِشَرْط الِاعْتِكَاف لِأَن اللَّيْلَة لَيْسَ محلا لَهُ أَي للصَّوْم وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ قد جَاءَ فِي رِوَايَة صَحِيحَة أَنه قَالَ عمر اني نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة ان اعْتكف يَوْمًا كَمَا روى مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَقد جمع بن حبَان بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ نذر اعْتِكَاف يَوْم وَلَيْلَة فَمن اطلق لَيْلَة أَرَادَ بيومها وَمن اطلق يَوْمًا أَرَادَ بليلته وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك الْأَكْثَرُونَ يشْتَرط فِي الِاعْتِكَاف الصَّوْم فَلَا يَصح اعْتِكَاف مفطر وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة قَالَت السّنة على الْمُعْتَكف ان لَا يعود مَرِيضا الى ان قَالَت وَلَا اعْتِكَاف الا بِصَوْم الحَدِيث وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن بن عمر وَابْن عَبَّاس ان الْمُعْتَكف يَصُوم وَكَذَا روى عبد الرَّزَّاق عَن بن عَبَّاس انه قَالَ من اعْتكف لزم عَلَيْهِ الصَّوْم ولمواظبة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ أَكثر الْأَحَادِيث تدل على اشْتِرَاط الصَّوْم للمعتكف وَبِه قَالَ بن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة عَنْهُمَا (فَخر)

قَوْله
[1774] وَرَاء إسطوانة التَّوْبَة وَهِي الَّتِي أوثق بهما لبَابَة بن الْمُنْذر نَفسه حِين فشى سر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحكم على بني قُرَيْظَة بِقَتْلِهِم وَأَشَارَ الى حَلقَة وَنزل يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تخونوا الله وَالرَّسُول الْآيَة وَحلف ان لَا يحله الا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا نزلت تَوْبَته بعد ثَلَاثَة أَيَّام حلّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفسِهِ (إنْجَاح)

قَوْله
[1776] الا لحَاجَة وَفِي رِوَايَة مُسلم الا لحَاجَة الْإِنْسَان فَسرهَا الزُّهْرِيّ بالبول وَالْغَائِط وَكَذَا غسل الْجَنَابَة لوُجُوب خُرُوجه من الْمَسْجِد إِذْ ذَاك اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَقد اخْتلفُوا فِي غير مَا ذكر مثل العيادة وشهود الْجِنَازَة فَقَالَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة لَا يجوز الْخُرُوج لشَيْء مِنْهَا وَقَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ يجوز الْخُرُوج للمعتكف لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ أَكثر الْأَحَادِيث تدل على أَن لَا يجوز لَهُ الْخُرُوج للعيادة وشهود الْجِنَازَة وَغَيرهمَا الا مَا لَا بُد مِنْهُ من الْبَوْل وَالْغَائِط وَغسل الْجَنَابَة كَمَا روى أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة قَالَت السّنة على الْمُعْتَكف ان لَا يعود مَرِيضا وَلَا يشْهد جَنَازَة الحَدِيث قَالَ الطَّيِّبِيّ من خرج لقَضَاء حَاجته وَاتفقَ عِيَادَة الْمَرِيض وَالصَّلَاة على الْمَيِّت فَلم ينحرف عَن الطَّرِيق وَلم يقف فِيهِ وقوفا أَكثر من قدر الصَّلَاة على الْمَيِّت لم يبطل اعْتِكَافه عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة والا بَطل انْتهى قلت يُؤَيّد مَا قَالَ الطَّيِّبِيّ مَا روى أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود الْمَرِيض وَهُوَ معتكف فيمر هُوَ فَلَا يعرج يسْأَل عَنهُ أَي لَا يمْكث (فَخر)

قَوْله
[1777] الْمُعْتَكف يتبع الْجِنَازَة الخ هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ بن ماجة من السِّتَّة ذكره الْمزي فِي الْأَطْرَاف بِرِوَايَة أنس بن مَالك فَقَط وَقَالَ عبد الْخَالِق أحد المجاهيل قَالَ بن حجر عبد الْخَالِق غير مَنْسُوب عَن أنس مَجْهُول من الْخَامِسَة فَالْحَدِيث كَمَا ترى لَا يُعَارض أَحَادِيث الصِّحَاح وَهُوَ مَا روى أَصْحَاب السّنَن عَن عَائِشَة قَالَت السّنة للمعتكف ان لَا يعود مَرِيضا وَلَا يتبع جَنَازَة وَلَا يمس امْرَأَة وَلَا يُبَاشِرهَا الحَدِيث فَلَعَلَّ لفظ لَا سقط فِي رِوَايَة عبد الْخَالِق عَن أنس أَو يأول أَحَادِيث السّنَن بِأَن المُرَاد من السّنة الْأَوْلَوِيَّة وَفِي حَدِيث أنس بَيَان الْجَوَاز وَفِي التاتار خَانِية عَن الْحجَّة لَو شَرط وَقت النِّيَّة ان يخرج لعيادة الْمَرِيض أَو صَلَاة الْجِنَازَة أَو حُضُور مجْلِس الْعلم جَازَ ذَلِك كَمَا فِي الدّرّ (إنْجَاح)

قَوْله
[1779] على رِسْلكُمَا أَي اثبتا وَلَا تعجلا يُقَال لمن يَتَأَتَّى وَيعْمل الشَّيْء على هينته قَوْله انها صَفِيَّة الخ اخْرُج بن عَسَاكِر فِي تَارِيخه من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم ثَنَا مُحَمَّد بن روح عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي قَالَ كُنَّا فِي مجْلِس بن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ حَاضر فَحدث حَدِيث انها صَفِيَّة فَقَالَ بن عُيَيْنَة للشَّافِعِيّ مَا فقه هَذَا الحَدِيث يَا أَبَا عبد الله قَالَ ان كَانَ الْقَوْم اتهموا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا بتهمتهم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفَّارًا لَكِن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدب من بعده فَقَالَ إِذا كُنْتُم هَكَذَا فافعلوا هَكَذَا حَتَّى لَا يظنّ بكم ظن السوء لَا ان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهم وَهُوَ أَمِين الله فِي أرضه فَقَالَ بن عُيَيْنَة جَزَاك الله خيرا يَا أَبَا عبد الله (زجاجة)

قَوْله انها صَفِيَّة الخ قَالَ بن حجر ان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينسبهما الى أَنَّهُمَا يظنان بِهِ سوء لما تقرر عِنْده من صدق إيمانهما وَلَكِن خشِي عَلَيْهِمَا ان يوسوس لَهما الشَّيْطَان بذلك لِأَنَّهُمَا غير معصومين فقد يُفْضِي بهما ذَلِك الى الْهَلَاك فبادر الى اعلامهما حسما للمادة وتعليما لمن بعده إِذا وَقع لَهُ مثل ذَلِك كَمَا قَالَ الشَّافِعِي انْتهى فتح الْبَارِي

قَوْله

(1/127)


[1783] فَإِن هم اطاعوا لذَلِك فاعلمهم الخ يدل على ان الْكفَّار غير مخاطبين بالفروع وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْد الْحَنَفِيَّة وَقد تقرر ذَلِك فِي علم الْأُصُول وَيَنْبَغِي ان يعلم ان ثَمَرَة الْخلاف إِنَّمَا تظهر فِي عَذَاب الْآخِرَة فعندنا إِنَّمَا يُعَذبُونَ لترك الْإِيمَان فَقَط وَعند الشَّافِعِيَّة لَهُ ولترك الْأَعْمَال أَيْضا وَأما طلب الْأَعْمَال مِنْهُم فِي الدُّنْيَا فَلَا بالِاتِّفَاقِ لعدم صِحَّتهَا بِدُونِ الْإِيمَان كَمَا حقق فِي مَوْضِعه هَذَا وَأما تَقْدِيم الاعلام بالصلوات قبل الاعلام بِالزَّكَاةِ فلفضلها على سَائِر الْأَعْمَال لَا لاشتراطها بهَا لمعات

قَوْله فَإِن هم اطاعوا لذَلِك الخ من قبيل مَا حذف عَامله على شريطة التَّفْسِير كَقَوْلِه تَعَالَى وان أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره تَقْدِيره فَإِن اطاعوك الخ إنْجَاح الْحَاجة

[1787] فَقَالَ لَهُ قَول الله الَّذين يكنزون الخ هَذَا سوال من الْأَعرَابِي بِمَعْنى الْآيَة فحرف الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف أَي مَا معنى قَول الله عز وَجل وغرضه وَالله أعلم ان الْأَعرَابِي لما رأى بن عمر فِي الثروة من المَال فَعرض عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة جهلا مِنْهُ بِمَعْنَاهُ وَلذَا قَالَ بن عمر مَا أُبَالِي لَو كَانَ لي ذَهَبا مثل أحد الخ وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ كثير الْمِيرَاث والخيرات قَالَ بن حجر عتق الف عبد وَحمل على الف فرس فِي سَبِيل الله وَكَانَ مَعَ ذَلِك زاهدا فِي الدُّنْيَا لَا يقبل الْأَعْمَال من الْقَضَاء والخلافة وحاله أظهر من الشَّمْس (إنْجَاح)

قَوْله
[1789] لَيْسَ فِي المَال حق الخ ذكر فِي بعض الْحَوَاشِي أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن فَاطِمَة بنت قيس بِلَفْظ ان فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة وَلم يُبينهُ فِي الْأَطْرَاف على اخْتِلَاف روايتي التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَقد استدركه عَلَيْهِ الْحَافِظ بن حجر قلت استدرك بن حجر على الْمزي انه ترك ذكر الِاخْتِلَاف مَعَ هَذَا البون الْبعيد بَين النَّفْي والاثبات وَلَا يتَحَمَّل هَذَا الْموضع تَصْحِيف قلم النَّاسِخ فَإِن تَرْجَمَة بَاب التِّرْمِذِيّ تَقْتَضِي الاثبات حَيْثُ قَالَ بَاب مَا جَاءَ ان فِي المَال حَقًا سوى الزَّكَاة وترجمة بن ماجة نَفْيه حَيْثُ قَالَ بَاب مَا أدّى زَكَاة فَلَيْسَ بكنز غَايَته ان التِّرْمِذِيّ ضعف الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر يضعف وَنسب هَذَا القَوْل أَي ان فِي المَال لَحقا الخ الى الشّعبِيّ وَقَالَ هَذَا أصح وَحَاصِل الْكَلَام ان الاثبات وَالنَّفْي إِذا تَعَارضا كَانَ الاثبات أولى عِنْد التَّعَارُض وَيُؤَيّد قَول الله عز وَجل الَّذين هم يراءون وَيمْنَعُونَ الماعون فأوعد الله جلّ ذكره بِالْوَيْلِ لمن منع الماعون وَهُوَ الشَّيْء التافه كالقصعة والمغرفة فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء لَيْسَ لِلزَّكَاةِ فِيهَا مدخلًا الا ان يفرق بَينهمَا بِأَن الْحق الْمَفْرُوض يُؤدى بِالزَّكَاةِ وَلذَا قَالَ إِذا اديت زَكَاة مَالك فقد قضيت مَا عَلَيْك وَهَذِه الْأَشْيَاء وان كَانَت مأمورة بهَا لَكِن حكمهَا لَيْسَ كالفرض فَهَذِهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْمُؤمن لَا يكمل ايمانه الا بمكارم الْأَخْلَاق وَهَذَا الْقرب هُوَ الْمُسَمّى بِقرب النَّوَافِل عِنْد الصُّوفِيَّة وَذَلِكَ بِقرب الْفَرَائِض وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب بالنوافل حَتَّى أحببته فَإِذا احببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِي الحَدِيث فاحفظه فَإِن الْفرق غامض (إنْجَاح)

قَوْله
[1790] اني قد عَفَوْت عَنْكُم الخ قد يشْعر هَذَا الْكَلَام سبق الْوُجُوب ثمَّ نسخه وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي ذَلِك بل يَكْفِي فِي ذَلِك سبق ذَنْب من إمْسَاك المَال عَن الْإِنْفَاق وَسَيَجِيءُ تَأْوِيل الحَدِيث عِنْد أبي حنيفَة رح بخيل الْغُزَاة ورقيق الْخدمَة كَذَا فِي اللمعات (إنْجَاح)

قَوْله إِنِّي قد عَفَوْت عَنْكُم الخ قَالَ الشَّيْخ ذهب أَبُو حنيفَة الى ان الْخَيل إِذا كَانَت سَائِمَة ذُكُورا وإناثا فصاحبها بِالْخِيَارِ ان شَاءَ أعْطى من كل فرس دِينَارا وَإِن شَاءَ قَومهَا وَأعْطى من كل مِائَتَيْنِ خَمْسَة دَرَاهِم وَهُوَ قَول زفر وَقَالا زَكَاة فِي الْخَيل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ على الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فِي فرسه صَدَقَة وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل فرس سَائِمَة دِينَار وَتَأْويل مَا روياه فرس الْغَازِي وَهُوَ الْمَنْقُول عَن زيد بن ثَابت والتخيير بَين الدِّينَار والتقويم مأثور عَن عمر رض كَذَا فِي الْهِدَايَة وَفِي شرح بن الْهمام وَفِي فَتَاوَى قاضيخان قَالُوا الْفَتْوَى على قَوْلهمَا وَكَذَا رجح قَوْلهمَا فِي الاسرار وَأما شمس الْأَئِمَّة وَصَاحب التُّحْفَة فرجحا قَول أبي حنيفَة وَحَدِيث لَيْسَ على الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فرسه صَدَقَة رَوَوْهُ فِي الْكتب السِّتَّة وَزَاد مُسلم الا صَدَقَة الْفطر انْتهى وَقد جَاءَ فِي عدم وجوب زَكَاة الْخَيل أَخْبَار وآثار كَثِيرَة وَجَاء فِي تَأْوِيله بفرس الْغَازِي أَيْضا أَقْوَال من السّلف وَيُؤَيِّدهُ ظَاهر الْإِضَافَة فِي فرسه كَمَا فِي عَبده فَافْهَم وَأما إِذا كَانَ للتِّجَارَة فَلَا خلاف فِي وجوب الزَّكَاة لكَونهَا كَسَائِر أَمْوَال التِّجَارَة وَأما إِذا كَانَت سَائِمَة لَا للتِّجَارَة وَلَا للغزو فَفِيهِ الْخلاف وَجَاء فِي حَدِيث جَابر عِنْد الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْخَيل السَّائِمَة فِي كل فرس دِينَار والْحَدِيث الَّذِي ذكر فِي الْهِدَايَة رَوَاهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر وَالْكَلَام فِيهِ كثير ذكرنَا بَعْضًا مِنْهُ فِي شرح سفر السعادت لمعات