عمدة القاري شرح صحيح البخاري

01 - (بابُ الدُّعَاءِ إذَا تقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء إِذا انْقَطَعت السبل لأجل كَثْرَة الْمَطَر، وَفِي بعض النّسخ: إِذا انْقَطَعت.

7101 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالَكٌ عنْ شَرِيكِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي نَمِرٍ عنْ أنَس بنِ مالِكٍ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله هَلَكَتِ المَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ الله فدَعَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمُطِرُوا مِنْ جُمُعَةٍ إلَى جُمُعَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ وتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ المَوَاشي فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ عَلَى رُؤُوسِ الجِبَالِ وَالآكَامِ وبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ فانْجَابَتْ عنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ..
أعَاد هَذَا الحَدِيث أَيْضا لما ذكرنَا، وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس. وَفِيه: مَا يدل على أَن الرجل الثَّانِي غير الرجل الأول، وَهَذَا ظَاهر. قَوْله: (انجياب الثَّوْب) أَي: كانجياب الثَّوْب.

(7/43)


11 - (بابُ مَا قِيلَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره. فَإِن قلت: خبر التَّحْوِيل صَحِيح، فَكيف قَالَ بقوله: بَاب مَا قيل؟ قلت: لِأَن قَوْله فِي الحَدِيث: (وَلم يذكر أَنه حول رِدَاءَهُ) يحْتَمل أَن يكون الْقَائِل بِهِ هُوَ الرَّاوِي عَن أنس، أَو يكون من دونه، فلأجل هَذَا التَّرَدُّد ذكر بِهَذِهِ الصِّيغَة.

8101 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ بِشْرٍ قَالَ حدَّثنا مُعَافَى بنُ عِمْرَانَ عنِ الأوزَاعِيِّ عنْ إسْحَاقَ ابنِ عَبْدِ الله عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَجُلاً شكا إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلاَكَ المَالِ وجَهْدِ العِيَالِ فدَعَا الله يَسْتَسْقِي ولَمْ يَذْكُرْ أنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ولاَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلم يذكر أَنه حول رِدَاءَهُ) . فَإِن قلت: كَيفَ الْمُطَابقَة وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذكر يَوْم الْجُمُعَة؟ قلت: هَذَا الحَدِيث بِرِوَايَة إِسْحَاق عَن أنس مُخْتَصر من حَدِيث مطول يَأْتِي ذكره بعد أَبْوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه ذكر يَوْم الْجُمُعَة على مَا تقف عَلَيْهِ، وَشَيخ البُخَارِيّ: الْحسن بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو عَليّ البَجلِيّ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم المفتوحتين: الْكُوفِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، والمعافى، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء: وَهُوَ اسْم مفعول من المعافاة، ابْن عمرَان أَبُو مَسْعُود الْموصِلِي، قَالَ الثَّوْريّ: هُوَ ياقوتة الْعلمَاء، مَاتَ سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَالْأَوْزَاعِيّ: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، يكنى أَبَا يحيى.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي الاسْتِسْقَاء أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن دَاوُد بن رشيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مَحْمُود بن خَالِد.
قَوْله: (هَلَاك المَال) أَي: من قلَّة المَاء. قَوْله: (وَجهد الْعِيَال) ، أَي: من الْقَحْط، والجهد، بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا: الطَّاقَة، لَكِن الرِّوَايَة بِالْفَتْح، وَقَالَ الْفراء، بِالضَّمِّ: الطَّاقَة، وبالفتح: الْمَشَقَّة. قَوْله: (وَلم يذكر) أَي: الرَّاوِي عَن أنس، أَو من دونه، كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يذكر أَي أنس وَفِيه شَيْئَانِ: أَحدهمَا: عدم التَّحْوِيل، وَالْآخر: عدم اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: عدم التَّحْوِيل والاستقبال مُتَّفق عَلَيْهِمَا إِذا كَانَ الاسْتِسْقَاء فِي غير الصَّحرَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف فِيهَا؟ قلت: عدم التَّحْوِيل كَيفَ يكون مُتَّفقا عَلَيْهِ وَفِيه خلاف أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يحْتَج بِهَذَا الحَدِيث على عدم سنية التَّحْوِيل مُطلقًا، وَالله تَعَالَى أعلم.

21 - (بابُ إذَا اسْتَشْفَعُوا إلَى الإمَامِ لِيَسْتَسْقِي لَهُمْ ولَمْ يَرُدُّهُمْ)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا استشفعوا ... إِلَى آخِره، أَي: إِذا استشفع النَّاس أَو الْقَوْم إِلَى الإِمَام يَسْتَسْقِي لأجلهم، وَقَوله: يَسْتَسْقِي يجوز أَن يكون من الْأَحْوَال المنتظرة، وَفِي بعض النّسخ: ليستسقي، بلام التَّعْلِيل، وَالْوَاو فِي (وَلم يردهم) للْعَطْف، وَيصْلح أَن يكون للْحَال. فَإِن قلت: قد ذكر فِي بَاب سُؤال النَّاس الإِمَام الاسْتِسْقَاء إِذا قحطوا، فَمَا فَائِدَة هَذَا الْبَاب؟ قلت: ذَلِك لبَيَان مَا على النَّاس أَن يَفْعَلُوا إِذا احتاجوا إِلَى الاسْتِسْقَاء، وَهَذَا الْبَاب لبَيَان مَا على الإِمَام من إِجَابَة سُؤَالهمْ.

9101 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرَنا مالِكٌ عنْ شَرِيكِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي نَمِرٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّهُ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَالَ يَا رسولَ الله هَلَكَتِ المَوَاشِي وتَقَطَّعَتِ السّبُلُ فادْعُ الله فَدَعَا الله فمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إلَى الجُمُعَةِ فَجَاءَ رَجلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ يَا رَسُول الله تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ وتَقَطَّعَتِ السّبُلُ وهَلَكَتِ المَواشِي فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الجِبَالِ والآكَامِ وبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ فانْجَابَتْ عنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ..
أعَاد حَدِيث شريك أَيْضا لأجل هَذِه التَّرْجَمَة، ولبيان مُغَايرَة شَيْخه وَشَيخ شَيْخه. قَوْله: (اللَّهُمَّ على ظُهُور الْجبَال) أَي:

(7/44)


يَا ألله أنزل الْمَطَر على ظُهُور الْجبَال. قَوْله: (منابت الشّجر) المنابت جمع منبت على وزن مفعل بِكَسْر الْعين، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ يُمكن وُقُوع الْمَطَر عَلَيْهَا؟ ثمَّ أجَاب: بِأَن المُرَاد مَا حولهَا أَو مَا يصلح أَن يكون منبتا.
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: دَلِيل على أَن للْإِمَام إِذا سُئِلَ الْخُرُوج إِلَى الاسْتِسْقَاء أَن يُجيب إِلَيْهِ لما فِيهِ من الضراعة إِلَى الله تَعَالَى، فِي إصْلَاح أَحول عباده، وَكَذَا فِي كل مَا فِيهِ صَلَاح الرّعية أَن يُجِيبهُمْ إِلَى ذَلِك، لِأَن الإِمَام رَاع ومسؤول عَن رَعيته فَيلْزمهُ حياطتهم.

31 - (بابٌ إذَا اسْتَشْفَعَ المُشْرِكُونَ بِالمُسْلِمِينَ عِنْدَ القَحْطِ)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا استشفع ... إِلَى آخِره، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، اكْتِفَاء بِمَا وَقع فِي الحَدِيث، لِأَن فِيهِ أَن أَبَا سُفْيَان استشفع بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَأَلَهُ أَن يَدْعُو الله ليرْفَع عَنْهُم مَا ابْتَلَاهُم بِهِ من الْقَحْط، وَأَبُو سُفْيَان إِذْ ذَاك كَانَ كَافِرًا. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث التَّصْرِيح بِدُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يعلم مِنْهُ حكم الْبَاب، فَكيف الِاكْتِفَاء بِهِ؟ قلت: سَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة ص بِلَفْظ: (فَاسْتَسْقَى لَهُم فسقوا) ، والْحَدِيث وَاحِد وَأَيْضًا صرح بذلك فِي زِيَادَة أَسْبَاط على مَا يَأْتِي الْآن، لَا يُقَال كَانَ استشفاعه عقيب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم، لأَنا نقُول: هَذَا لَا يضر بِالْمَقْصُودِ، لِأَن المُرَاد مِنْهُ استشفاع الْكَافِر بِالْمُؤمنِ مُطلقًا، وَقد وجد فِي الحَدِيث ذَلِك على أَنه لَا فرق بَين الْوَجْهَيْنِ، لِأَن فِيهِ إِظْهَار التضرع والخضوع مِنْهُم ووقوعهم فِي الذلة، وَفِيه عزة للْمُؤْمِنين. وَقَالَ بَعضهم: لَا دلَالَة فِيمَا وَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْقَضِيَّة على مَشْرُوعِيَّة ذَلِك لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ الظَّاهِر أَن ذَلِك من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأطلاعه على الْمصلحَة فِي ذَلِك، بِخِلَاف من بعده من الْأَئِمَّة انْتهى. قلت: لَا دَلِيل هُنَا على الخصوصية، وَهِي لَا تثبت بِالِاحْتِمَالِ على أَن ابْن بطال قَالَ: استشفاع الْمُشْركين بِالْمُسْلِمين جَائِز إِذا رجى رجوعهم إِلَى الْحق، وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة.

0201 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ عنْ سُفْيَانَ. قَالَ حدَّثنا مَنْصُورٌ وَالأعْمَشُ عنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوق قَالَ أتَيْتُ ابنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ إنَّ قُرَيْشا أبْطَؤا عنِ الإسْلاَمِ فَدَعَا عَلَيْهِمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخَذَتْهُم سَنةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وأكَلُوا المَيْتَةَ وَالعِظَامَ فَجَاءَهُ أبُو سُفْيَانَ فقالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وإنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا فادْعِ الله تعَالى فَقَرَأَ: {فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدُّخان: 01) . ثُمَّ عادُوا إلَى كُفْرِهِمْ فَذالِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} . (الدُّخان: 01) . يَوْمَ بَدْرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد سلف هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إجعلها سِنِين كَسِنِي يُوسُف) ، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ: عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق، وَهَهُنَا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن كثير الْعَبْدي الْبَصْرِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش، كِلَاهُمَا عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.
قَوْله: (أتيت ابْن مَسْعُود) أَي: عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (أبطؤوا) أَي: تَأَخَّرُوا عَن الْإِسْلَام وَلم يبادروا إِلَيْهِ. قَوْله: (سنة) ، بِفَتْح السِّين. أَي: جَدب وقحط. قَوْله: (فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان) ، يَعْنِي: وَالِد مُعَاوِيَة، وَاسم أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي، وَكَانَ مَجِيئه قبل الْهِجْرَة، لقَوْل ابْن مَسْعُود: ثمَّ عَادوا، فَذَلِك قَوْله: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} (الدُّخان: 61) . يَوْم بدر وَلم ينْقل أَن أَبَا سُفْيَان قدم الْمَدِينَة قبل بدر. قَوْله: (جِئْت تَأمر بصلَة الرَّحِم) يَعْنِي: الَّذين هَلَكُوا بدعائك من ذَوي رَحِمك، فَيَنْبَغِي أَن تصل رَحِمهم بِالدُّعَاءِ لَهُم، وَلم يَقع دعاؤه لَهُم بالتصريح فِي هَذَا السِّيَاق. قَوْله: ( {بِدُخَان مُبين. .} ) (الدُّخان: 01) . الْآيَة لَيْسَ فِي رِوَايَة ابي ذَر ذكر لفظ: الْآيَة. قَوْله: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} (الدُّخان: 61) . زَاد الْأصيلِيّ، فِي رِوَايَته بَقِيَّة الْآيَة. قَوْله: (ثمَّ عَادوا) ، يَعْنِي: لما كشف الله تَعَالَى عَنْهُم عَادوا إِلَى كفرهم فَابْتَلَاهُمْ الله بِيَوْم البطشة، أَي: يَوْم بدر.
قَالَ وزَادَ أسْبَاطٌ عنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسُقُوا الغَيْثَ فأطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعا وشَكا النَّاسُ كَثْرَةَ المَطَرِ. فقالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولاَ عَلَيْنَا فانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عنْ رَأسِهِ فَسُقُوا النَّاسَ حَوْلَهُمْ

(7/45)


هَذَا تَعْلِيق يَعْنِي: زَاد أَسْبَاط عَن مَنْصُور بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور قبله إِلَى ابْن مَسْعُود، وَقد وَصله الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَليّ بن ثَابت عَن أَسْبَاط بن نصر عَن مَنْصُور عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق (عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّاس إدبارا) فَذكر نَحْو الَّذِي قبله، وَزَاد: (فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان وأناس من أهل مَكَّة، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد إِنَّك تزْعم أَنَّك بعثت رَحْمَة، وَأَن قَوْمك هَلَكُوا فَادع الله لَهُم، فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقوا الْغَيْث) الحَدِيث، وأسباط، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره طاء مُهْملَة، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَسْبَاط هَذَا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقَاص أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي مَوْلَاهُم الْكُوفِي، ضعفه الْكُوفِيُّونَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، مَاتَ فِي الْمحرم سنة مِائَتَيْنِ قلت: ذكر فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ أَنه أَسْبَاط بن نصر، وَهُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ أَسْبَاط بن نصر الْهَمدَانِي أَبُو يُوسُف، وَيُقَال: أَبُو نصر الْكُوفِي، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَتوقف فِيهِ أَحْمد، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَاعْترض على البُخَارِيّ بِزِيَادَة أَسْبَاط هَذَا، فَقَالَ الدَّاودِيّ: أَدخل قصَّة الْمَدِينَة فِي قصَّة قُرَيْش وَهُوَ غلط، وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: الَّذِي زَاده أَسْبَاط وهم واختلاط لِأَنَّهُ ركب سَنَد عبد الله ابْن مَسْعُود على متن حَدِيث أنس بن مَالك، وَهُوَ قَوْله: (فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقوا الْغَيْث) إِلَى آخِره، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي، وَقَالَ: وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود كَانَ بِمَكَّة وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا، وَالْعجب من البُخَارِيّ كَيفَ أورد هَذَا وَكَانَ مُخَالفا لما رَوَاهُ الثِّقَات، وَقد ساعد بَعضهم البُخَارِيّ بقوله: لَا مَانع أَن يَقع ذَلِك مرَّتَيْنِ وَفِيه نظر لَا يخفى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قصَّة قُرَيْش والتماس أبي سُفْيَان كَانَت فِي مَكَّة لَا فِي الْمَدِينَة؟ قلت: الْقِصَّة مَكِّيَّة إلاّ الْقدر الَّذِي زَاد أَسْبَاط، فَإِنَّهُ وَقع فِي الْمَدِينَة. قَوْله: (فسقوا) ، بِضَم السِّين وَالْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأَصله: سقيوا، استثقلت الضمة على الْيَاء بعد سلب حَرَكَة مَا قبلهَا فَصَارَ: سقوا، على وزن فعوا. قَوْله: (الْغَيْث) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ثَان. قَوْله: (فسقوا النَّاس حَولهمْ) الْكَلَام فِي: سقوا، قد مر الْآن، و: النَّاس، مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص أَي: أَعنِي النَّاس الَّذين حول الْمَدِينَة وَأَهْلهَا، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (فاسقى النَّاس حَولهمْ) ، وَزَاد بعد هَذَا: قَالَ يَعْنِي ابْن مَسْعُود لقد مرت آيَة الدُّخان.