عمدة القاري شرح صحيح البخاري

71 - (كتابُ سُجُودِ القُرْآن)

1 - (أبْوَابُ سُجُودُ القُرآن)

أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي سُجُود الْقُرْآن، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: (بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُود الْقُرْآن وسنتها) أَي: سنة سَجْدَة التِّلَاوَة، وَوَقع للأصيلي: (وسنته) ، بتذكير الضَّمِير أَي: سنة السُّجُود، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر الْبَسْمَلَة.

7601 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الأسْودَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَرَأ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجْمَ بِمَكَّةَ سْجَدَ فِيهَا وسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرُ شَيْخٍ أخَذَ كَفَّا منْ حَصًى أوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِيني هاذا فَرَأيْتُهُ بَعْدَ ذالِكَ قُتِلَ كافِرا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة فِيمَا جَاءَ فِي سُجُود الْقُرْآن وَهَذِه السُّورَة أَعنِي سُورَة النَّجْم مِمَّا جَاءَت فِيهَا السَّجْدَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: الملقب ببندار الْبَصْرِيّ وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة على الْأَصَح وبالراء: وَهُوَ لقب مُحَمَّد ابْن جَعْفَر، مر فِي: بَاب ظلم دون ظلم. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي. الْخَامِس: الْأسود بن زيد النَّخعِيّ. السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وغندر بَصرِي أَيْضا وَشعْبَة واسطي وَأَبُو إِسْحَاق وَالْأسود كوفيان. وَفِيه: غنْدر مَذْكُور بلقبه، وَأَبُو إِسْحَاق بكنيته، وَشعْبَة وَالْأسود مذكوران بِغَيْر نِسْبَة، وَكَذَلِكَ عبد الله. وَفِيه: من يروي عَن زوج أمه وَهُوَ: غنْدر، لِأَنَّهُ ابْن امْرَأَة شُعْبَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب عَن حَفْص بن عمر الحوضي، وَفِي مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الْمَغَازِي عَن عبد الله عَن أَبِيه، وَفِي التَّفْسِير عَن نصر بن عَليّ، وَأخرجه مُسلم

(7/94)


فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الحوضي بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد عَن شُعْبَة بِهِ مُخْتَصرا قَرَأَ النَّجْم فَسجدَ فِيهَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ النَّجْم) أَي: سُورَة والنجم. قَوْله: (بِمَكَّة) أَي: فِي مَكَّة، ومحلها النصب على الْحَال. قَوْله: (وَسجد من مَعَه) أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّذِي. قَوْله: (غير شيخ) سَمَّاهُ فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق أُميَّة بن خلف، وَوَقع فِي سير ابْن إِسْحَاق أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لم يقتل، وَقيل: عتبَة بن ربيعَة، وَقيل: أَبُو أحيجة سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي النَّسَائِيّ: (عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي النَّجْم وَسجد النَّاس مَعَه، قَالَ الْمطلب فَلم أَسجد مَعَهم وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك) ، وَفِي لفظ: (فأبيت أَن أَسجد مَعَهم، وَلم يكن يَوْمئِذٍ أسلم، فَلَمَّا أسلم قَالَ: لَا أدع السُّجُود فِيهَا أبدا) . وَقَالَ ابْن بزيزة: كَانَ منافقا، وَفِيه نظر، لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَإِنَّمَا المُنَافِقُونَ فِي الْمَدِينَة، وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي النَّجْم إلاّ رجلَيْنِ من قُرَيْش، أَرَادَ بذلك الشُّهْرَة) . قَوْله: (فرأيته) الرَّائِي هُوَ عبد الله بن مَسْعُود، أَي: رَأَيْت الشَّيْخ الْمَذْكُور (بعد ذَلِك قتل كَافِرًا) ببدر، ويروى: (فرأيته بعدُ قتل كَافِرًا) بِضَم الدَّال، أَي: بعد ذَلِك.
ذكر مَا يتَعَلَّق بِحكم هَذَا الْبَاب: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِي أَن سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة، التِّلَاوَة فِي حق التَّالِي وَالسَّمَاع فِي حق السَّامع، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا خلاف فِي كَون التِّلَاوَة سَببا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي سَبَبِيَّة السماع، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ سَبَب لقَولهم السَّجْدَة على من سَمعهَا، وَهُوَ اخْتِيَار شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ السماع بِسَبَب، وَقَالَ الوبري: سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة ثَلَاثَة: التِّلَاوَة وَالسَّمَاع والاقتداء بِالْإِمَامِ وَإِن لم يسْمعهَا وَلم يَقْرَأها، وللشافعية ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَنه فِي حق السَّامع من غير قصد يسْتَحبّ، وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص فِي الْبُوَيْطِيّ وَغَيره، وَلَا يتَأَكَّد فِي حَقه. الْوَجْه الثَّانِي: هُوَ كالمستمع. وَالثَّالِث: لَا يسن لَهُ، وَبِه قطع أَبُو حَامِد والبندنيجي.
الثَّانِي: أَن سَجْدَة التِّلَاوَة أسنة أم وَاجِبَة؟ فَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى وُجُوبهَا على التَّالِي وَالسَّامِع، سَوَاء قصد سَماع الْقُرْآن، أَو لم يقْصد، وَاسْتدلَّ صَاحب (الْهِدَايَة) على الْوُجُوب بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السَّجْدَة على من سَمعهَا، السَّجْدَة على من تَلَاهَا) . ثمَّ قَالَ كلمة: على، للْإِيجَاب، والْحَدِيث غير مُقَيّد بِالْقَصْدِ. قلت: هَذَا غَرِيب لم يثبت، وَإِنَّمَا روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا) . وَفِي البُخَارِيّ (قَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع) . وَاسْتدلَّ أَيْضا بِالْآيَاتِ: {فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ وَإِذا قرىء عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق: 02، 12) . {فاسجدوا لله واعبدوا} (النَّجْم: 26) . واسجد واقترب} (العلق: 91) . وَقَالُوا: الذَّم لَا يتَعَلَّق إلاّ بترك وَاجِب، وَالْأَمر فِي الْآيَتَيْنِ للْوُجُوب، وروى ابْن أبي شيبَة (عَن حَفْص عَن حجاج عَن إِبْرَاهِيم وَنَافِع وَسَعِيد ابْن جُبَير: أَنهم قَالُوا: من سمع السَّجْدَة فَعَلَيهِ أَن يسْجد) . وَعَن إِبْرَاهِيم بِسَنَد صَحِيح: (إِذا سمع الرجل السَّجْدَة وَهُوَ يُصَلِّي فليسجد) ، وَعَن الشّعبِيّ: (كَانَ أَصْحَاب عبد الله إِذا سمعُوا السَّجْدَة سجدوا، فِي صَلَاة كَانُوا أَو غيرهآ) . وَقَالَ شُعْبَة: (سَأَلت حمادا عَن الرجل يُصَلِّي فَيسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: يسْجد) . وَقَالَ الحكم مثل ذَلِك، وَحدثنَا هشيم: أخبرنَا مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يَقُول فِي الْجنب: (إِذا سمع السَّجْدَة يغْتَسل، ثمَّ يقْرؤهَا فيسجدها، فَإِن كَانَ لَا يحسنها قَرَأَ غَيرهَا ثمَّ يسْجد) . وَحدثنَا حَفْص (عَن حجاج عَن فُضَيْل عَن إِبْرَاهِيم وَعَن حَمَّاد وَسَعِيد بن جُبَير قَالُوا: إِذا سمع الْجنب السَّجْدَة اغْتسل ثمَّ سجد) . وَحدثنَا عبيد الله ابْن مُوسَى عَن أبان الْعَطَّار عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب (عَن عُثْمَان فِي الْحَائِض تسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: تومىء برأسها، وَتقول: اللَّهُمَّ لَك سجدت) . (وَعَن الْحسن فِي رجل نسي السَّجْدَة من أول صلَاته فَلم يذكرهَا حَتَّى كَانَ فِي آخر رَكْعَة من صلَاته، قَالَ: يسْجد فِيهَا ثَلَاث سَجدَات، فَإِن لم يذكرهَا حَتَّى يقْضِي صلَاته غير أَنه لم يسلم مَعَه، قَالَ: يسْجد سَجْدَة وَاحِدَة مَا لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم اسْتَأْنف الصَّلَاة) . وَعَن إِبْرَاهِيم: (إِذا نسي السَّجْدَة فليسجدها مَتى مَا ذكرهَا فِي صلَاته) ، وَسُئِلَ مُجَاهِد فِي رجل شكّ فِي سَجْدَة وَهُوَ جَالس لَا يدْرِي سجدها أم لَا؟ قَالَ مُجَاهِد: إِن شِئْت فاسجدها، فَإِذا قضيت صَلَاتك فاسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس، وَإِن شِئْت فَلَا تسجدها واسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس فِي آخر صَلَاتك) . وَذهب الشَّافِعِي وَمَالك فِي أحد قوليه وَأحمد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد إِلَى: أَنَّهَا سنة، وَهُوَ قَول عمر وسلمان وَابْن عَبَّاس وَعمْرَان بن الْحصين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَدَاوُد. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة خلاف فِي كَونهَا سنة أَو فَضِيلَة، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي:

(7/95)


(إِن الله لم يكْتب علينا السُّجُود إلاّ أَن نشَاء) ، وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوب. قَالُوا: قَالَ عمر هَذَا القَوْل وَالصَّحَابَة حاضرون، وَالْإِجْمَاع السكوتي حجَّة عِنْدهم، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث زيد بن ثَابت الْآتِي، (قَالَ: قرىء على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنجم فَلم يسْجد فِيهَا) . وَبِحَدِيث الْأَعرَابِي: (هَل عَليّ غَيرهَا؟ قَالَ: لَا، إلاّ أَن تطوع) . أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَبِحَدِيث سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؛ (أَنه دخل الْمَسْجِد وَفِيه قوم يقرأون فقرأوا السَّجْدَة، فسجدوا فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا أَبَا عبد الله لَوْلَا أَتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم؟ فَقَالَ مَا لهَذَا غدونا) . رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة.
وَاسْتَدَلُّوا بالمعقول من وُجُوه: الأول: أَنَّهَا لَو كَانَت وَاجِبَة لما جَازَت بِالرُّكُوعِ كالصلبية. الثَّانِي: أَنَّهَا لَو كَانَت وَاجِبَة لما تداخلت. الثَّالِث: لما أدّيت بِالْإِيمَاءِ من رَاكب يقدر على النُّزُول. الرَّابِع: أَنَّهَا تجوز على الرَّاحِلَة، فَصَارَ كالتأمين. الْخَامِس: لَو كَانَت وَاجِبَة لبطلت الصَّلَاة بِتَرْكِهَا كالصلبية.
الْجَواب عَن حَدِيث زيد بن ثَابت أَن مَعْنَاهُ: أَنه لم يسْجد على الْفَوْر، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَنه لَيْسَ فِي النَّجْم سَجْدَة، وَلَا فِيهِ نفي الْوُجُوب. وَعَن حَدِيث الْأَعرَابِي: أَنه فِي الْفَرَائِض، وَنحن لم نقل: إِن سَجْدَة التِّلَاوَة فرض، وَمَا رُوِيَ عَن سلمَان وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فموقوف وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم.
وَالْجَوَاب: عَن دليلهم الْعقلِيّ. أما عَن الأول: فلَان أداءها فِي ضمن شَيْء لَا يُنَافِي وُجُوبهَا فِي نَفسهَا، كالسعي إِلَى الْجُمُعَة يتَأَدَّى بالسعي إِلَى الْجُمُعَة يتَأَدَّى بالسعي إِلَى التِّجَارَة. وَعَن الثَّانِي: إِنَّمَا جَازَ التَّدَاخُل لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا إِظْهَار الخضوع والخشوع، وَذَلِكَ يحصل بِمرَّة وَاحِدَة. وَعَن الثَّالِث: لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبت، فَإِن تلاوتها على الدَّابَّة مَشْرُوعَة فَكَانَ كالشروع على الدَّابَّة فِي التَّطَوُّع. وَعَن الرَّابِع: كَانَت تلاوتها مَشْرُوعَة على الرَّاحِلَة فَلَا يُنَافِي الْوُجُوب. وَعَن الْخَامِس: أَن الْقيَاس على الصلبية فَاسد، لِأَنَّهَا جُزْء فِي الصَّلَاة، وَسجْدَة التِّلَاوَة لَيست بِجُزْء الصَّلَاة.
الثَّالِث: فِي أَنهم اخْتلفُوا فِي عدد سُجُود الْقُرْآن على اثْنَي عشر قولا: الأول: مَذْهَبنَا أَنَّهَا: أَربع عشرَة سَجْدَة: فِي آخر الْأَعْرَاف، والرعد، والنحل، وَبني إِسْرَائِيل، وَمَرْيَم، وَالْأولَى فِي الْحَج، وَالْفرْقَان، والنمل، وآلم تَنْزِيل، وص، وحم السَّجْدَة، والنجم، وَإِذا السَّمَاء انشقت، واقرأ باسم رَبك. الثَّانِي: إِحْدَى عشرَة، بِإِسْقَاط الثَّلَاث من الْمفصل، وَبِه قَالَ الْحسن وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَعَطَاء وطاووس وَمَالك فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. الثَّالِث: خمس عشرَة، وَبِه قَالَ المدنيون عَن مَالك، فكملتها: ثَانِيَة الْحَج، وَهُوَ مَذْهَب عمر وَابْنه عبد الله وَاللَّيْث وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَرِوَايَة عَن أَحْمد، وَاخْتَارَهُ الْمروزِي وَابْن شُرَيْح الشافعيان. الرَّابِع: أَربع عشرَة، بِإِسْقَاط ص وَهُوَ أصح قولي الشَّافِعِي وَأحمد. الْخَامِس: أَربع عشرَة بِإِسْقَاط سَجْدَة النَّجْم، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر. السَّادِس: ثنتا عشرَة، بِإِسْقَاط: ثَانِيَة الْحَج، وص، والانشقاق، وَهُوَ قَول مَسْرُوق، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ. السَّابِع: ثَلَاث عشرَة، بِإِسْقَاط ثَانِيَة الْحَج والإنشقاق، وَهُوَ قَول عَطاء الْخُرَاسَانِي. الثَّامِن: أَن عزائم السُّجُود خمس: الْأَعْرَاف، وَبَنُو إِسْرَائِيل، والنجم، والإنشقاق، واقرأ باسم رَبك، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن أبراهيم عَنهُ. التَّاسِع: عَزَائِمه أَربع: آلم تَنْزِيل، وحم تَنْزِيل، والنجم، واقرأ باسم رَبك، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عَفَّان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن عبد الله بن عَبَّاس عَنهُ. الْعَاشِر: ثَلَاث، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَهِي: آلم تَنْزِيل، وحم تَنْزِيل، والنجم، واقرأ باسم رَبك، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن دَاوُد يَعْنِي ابْن أبي إِيَاس عَن جَعْفَر عَنهُ. الْحَادِي عشر: عزائم السُّجُود: آلم تَنْزِيل، والأعراف، وحم تَنْزِيل، وَبَنُو إِسْرَائِيل، وَهُوَ مَذْهَب عبد بن عُمَيْر. الثَّانِي عشر: عشر سَجدَات، قالته جمَاعَة. قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا أُسَامَة حَدثنَا ثَابت بن عمَارَة عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي أَن أشياخا من الهجيم بعثوا رَسُولا لَهُم إِلَى الْمَدِينَة وَإِلَى مَكَّة يسْأَل لَهُم عَن سُجُود الْقُرْآن، فَأخْبرهُم أَنهم أَجمعُوا على عشر سَجدَات، وَذهب ابْن حزم إِلَى أَنَّهَا تسْجد للْقبْلَة ولغير الْقبْلَة، وعَلى طَهَارَة وعَلى غير طَهَارَة، قَالَ: وثانية الْحَج لَا نقُول بهَا أصلا فِي الصَّلَاة، وَتبطل الصَّلَاة بهَا، يَعْنِي: إِذا سجدت. قَالَ لِأَنَّهَا لم تصح بهَا سنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أجمع عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أثر مُرْسل. قلت: الظَّاهِر أَنه غفل وَذهل، بل فِيهَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم، (عَن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن الْعَظِيم، مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمفصل. الرَّابِع: السَّجْدَة فِي آخر الْأَعْرَاف: {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} (الْأَعْرَاف: 602) . وَفِي الرَّعْد عِنْد: {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وظلالهم بِالْغُدُوِّ

(7/96)


وَالْآصَال} (الرَّعْد: 51) . وَفِي النَّحْل عِنْد قَوْله: {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة وَالْمَلَائِكَة وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم ويفعلون مَا يؤمرون} (النَّحْل: 94) . وَفِي بني إِسْرَائِيل عِنْد قَوْله: {ويخرون للأذقان يَبْكُونَ ويزيدهم خشوعا} (الْإِسْرَاء: 901) . وَفِي مَرْيَم عِنْد قَوْله: {إِذا تتلى عَلَيْهِم آيَات الرَّحْمَن خروا سجدا وبكيا} (مَرْيَم: 85) . وَفِي الأولى فِي الْحَج عِنْد قَوْله: {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله: {إِن الله يفعل مَا يَشَاء} (الْحَج: 08) . وَفِي الْفرْقَان عِنْد قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن} إِلَى قَوْله: {نفورا} (الْفرْقَان: 06) . وَفِي النَّمْل عِنْد قَوْله: {وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون} (النَّمْل: 52) . وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك عِنْد قَوْله: {رب الْعَرْش الْعَظِيم} (النَّمْل: 62) . وَفِي آلم تَنْزِيل عِنْد قَوْله: {إِنَّمَا يُؤمن بِآيَاتِنَا الَّذين إِذا ذكرُوا} إِلَى {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السَّجْدَة: 51) . وَفِي ص عِنْد قَوْله: {فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} (ص: 42) . وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك، وروى عَن مَالك عِنْد قَوْله: {وَحسن مآب (ص: 52) . وَفِي حم السَّجْدَة عِنْد قَوْله: {فَإِن استكبروا فَالَّذِينَ عِنْد رَبك} إِلَى {وهم لَا يسأمون} (فصلت: 83) . وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد، وَأحمد، وَقَالَ فِي الْقَدِيم عِنْد قَوْله: {إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} (فصلت: 73) . وَبِه قَالَ مَالك. وَفِي النَّجْم عِنْد قَوْله: {فاسجدوا لله} (النَّجْم: 26) . وَفِي {إِذا السَّمَاء انشقت} (الانشقاق: 1) . عِنْد قَوْله: {فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ وَإِذا قرىء عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق: 12) . وَعند ابْن حبيب الْمَالِكِي فِي آخر السُّورَة وَفِي: {اقْرَأ باسم رَبك} (العلق: 1) . عِنْد قَوْله: {واسجد واقترب} (العلق: 91) . وَفِي مُخْتَصر الْبَحْر لَو قَرَأَ: {واسجد} (العلق: 91) . وَسكت، وَلم يقل: {واقترب} (العلق: 91) . تلْزمهُ السَّجْدَة.

2 - (بابُ سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَجْدَة ألم تَنْزِيل السَّجْدَة.

8601 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَهَلْ أتَى عَلَى الإنْسَانِ.
(أنظر الحَدِيث 198) .
مطابقته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة لِأَن الحَدِيث يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر فِي يَوْم الْجُمُعَة هَاتين السورتين، وَلَكِن لَا يفهم مِنْهُ أَنه كَانَ يسْجد فِيهَا أَو لَا، مَعَ أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب مَا يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة، وَرَوَاهُ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان إِلَى آخِره نَحوه، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (ألم تَنْزِيل السَّجْدَة) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ {ألم تَنْزِيل} و {هَل أَتَاك} ، وَقَالَ زَاد الْحسن حَدِيث الغاشية، وَقَالَ: لم يذكر السَّجْدَة.

3 - (بابُ سَجْدَةِ ص)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَجْدَة سُورَة ص.

9601 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ وَأبُو النُّعْمَانِ قَالَا حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ ص لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وقَدْ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْجُدُ فِيهَا.
(الحَدِيث 9601 طرفه فِي: 2243) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأل: سُلَيْمَان بن حَرْب، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقد تقدم. الثَّانِي: أَبُو النُّعْمَان، بِضَم النُّون: مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَقد تقدم. الثَّالِث: حَمَّاد بن زيد، وَقد تقدم غير مرّة. الرَّابِع: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الْخَامِس: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَخْبَار الصَّحَابِيّ بِالرُّؤْيَةِ. وَفِيه: رِوَايَة البُخَارِيّ عَن اثْنَيْنِ من مشايخه. وَفِيه: أَحدهمَا مَذْكُور بكنيته. وَفِيه: أحد الروَاة مُفَسّر بنسبته. وَفِيه: إثنان بِلَا نِسْبَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ

(7/97)


أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عتبَة بن عبد الله عَن سُفْيَان بِمَعْنَاهُ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي ص {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الْأَنْعَام: 09) [/ ح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَيْسَ من عزائم السُّجُود) ، العزائم جمع عَزِيمَة، وَهِي الَّتِي أكدت على فعلهَا مثل صِيغَة الْأَمر، مثلا قَالَه بَعضهم، وَلَكِن التَّمْثِيل بِصِيغَة الْأَمر على الْإِطْلَاق لَا يَصح لِأَن الْأَمر فِي نَفسه يخْتَلف، فَتَارَة يدل على الْوُجُوب وَتارَة على الِاسْتِحْبَاب، وَغير ذَلِك كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، بل مَعْنَاهُ: لَيْسَ حق من حُقُوق السُّجُود وَلَا وَاجِب من واجباته، وَقَالَ الْكرْمَانِي: عزائم السُّجُود يَعْنِي لَيْسَ من السجدات الْمَأْمُور بهَا، والعزيمة فِي الأَصْل عقد الْقلب على الشَّيْء، ثمَّ اسْتعْمل لكل أَمر محتوم، وَفِي الِاصْطِلَاح ضد الرُّخْصَة الَّتِي هِيَ مَا ثَبت على خلاف الدَّلِيل لعذر. قلت: لَا يُقَال فِي الِاصْطِلَاح ضد الرُّخْصَة بل إِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِي اللُّغَة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: لَا خلاف بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فِي أَن ص فِيهَا سَجْدَة تفعل وَهُوَ أَيْضا مَذْهَب سُفْيَان وَابْن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَاق غير أَن الْخلاف فِي كَونهَا من العزائم أم لَا، فَعِنْدَ الشَّافِعِي لَيست من العزائم وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَة شكر تسْتَحب فِي غير الصَّلَاة، وَتحرم فِيهَا فِي الْأَصَح، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص عِنْده، وَبِه قطع جُمْهُور الشَّافِعِيَّة، وَعند أبي حنيفَة وَأَصْحَابه هِيَ من العزائم، وَبِه قَالَ ابْن شُرَيْح وَأَبُو إِسْحَاق الْمروزِي، وَهُوَ قَول مَالك أَيْضا. وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَالْمَشْهُور مِنْهُمَا كَقَوْل الشَّافِعِي، وَمثله قَالَ أَبُو دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود لَا سُجُود فِيهَا، وَقَالَ: هِيَ تَوْبَة نَبِي، وروى مثله عَن عَطاء وعلقمة، وَاحْتج الشَّافِعِي وَمن مَعَه بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، هَذَا وَلابْن عَبَّاس حَدِيث آخر فِي سُجُوده فِي ص أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عمر بن أبي ذَر عَن أبي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص فَقَالَ: سجدها دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تَوْبَة، ونسجدها شكرا) . وَله حَدِيث آخر أخرجه البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) فِي التَّفْسِير عَن عتبَة بن عبد الله عَن سُفْيَان وَلَفظه: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ص {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الْأَنْعَام: 09) . قُلْنَا: هَذَا كُله حجَّة لنا وَالْعَمَل بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى من الْعَمَل بقول ابْن عَبَّاس، وَكَونهَا تَوْبَة لَا يُنَافِي كَونهَا عَزِيمَة، وسجدها دَاوُد تَوْبَة، وَنحن نسجدها شكرا لما أنعم الله على دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام بالغفران والوعد بالزلفى وَحسن مآب، وَلِهَذَا لَا يسْجد عندنَا عقيب. قَوْله: {وأناب} (ص: 42) . بل عقيب قَوْله: {وَحسن مآب} وَهَذِه نعْمَة عَظِيمَة فِي حَقنا، فَكَانَت سَجْدَة تِلَاوَة لِأَن سَجْدَة التِّلَاوَة مَا كَانَ سَبَب وُجُوبهَا إلاّ التِّلَاوَة، وَسبب وجوب هَذِه السَّجْدَة تِلَاوَة هَذِه الْآيَة الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَار عَن هَذِه النعم على دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، وإطماعنا فِي نيل مثله، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن سعيد قَالَ: (قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر ص، فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة نزل فَسجدَ) . وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص) وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا كَذَلِك، وَفِي (المُصَنّف) قَالَ ابْن عمر: فِي ص سَجْدَة، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: كنت لَا أَسجد فِي ص حَتَّى حَدثنِي السَّائِب أَن عُثْمَان سجد فِيهَا، وَعَن سعيد بن جُبَير أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يسْجد فِي ص، وَكَانَ طَاوُوس يسْجد فِي، وَسجد فِيهَا الْحسن والنعمان بن بشير، ومسروق وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَالضَّحَّاك بن قيس (وَعَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سجدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ص) وَعَن عقبَة بن عَامر فِيهَا السُّجُود.

4 - (بابُ سَجْدَةِ النَّجْمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السَّجْدَة الَّتِي فِي سُورَة النَّجْم.
قالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: رَوَاهُ أَو حَكَاهُ عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِي سُورَة النَّجْم سَجْدَة، وتذكير الضَّمِير الْمَنْصُوب بِاعْتِبَار السُّجُود، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي عقيب هَذَا الْبَاب.

0701 - حدَّثنا حَفصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله

(7/98)


رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأ سُورَةَ النَّجْمَ بِهَا فَمَا بَقِيَ أحَدٌ مِنَ القَوْمِ إلاَّ سَجَدَ فأخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ كَفّا مِنْ حَصِيِّ أوْ تُرَابٍ فرَفَعَهُ إلَى وَجْهِهِ وقالَ يَكْفِينِي هاذا فَلَقَدْ رَأيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كافِرا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مر فِي أول أَبْوَاب سُجُود الْقُرْآن رَوَاهُ هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَهَهُنَا رَوَاهُ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَهُنَاكَ عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْأسود، وَهنا: عَن الْأسود، وَإسْنَاد الَّذِي هُنَاكَ سداسي لِأَن فِيهِ غندرا، وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بَين ابْن بشار وَشعْبَة، وَإسْنَاد هَذَا خماسي وَهُنَاكَ: قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجْم بِمَكَّة، وَهنا لم يذكر بِمَكَّة، وَهنا زَاد (فَمَا بَقِي أحد من الْقَوْم إلاّ سجد) أَي: من الْقَوْم الْحَاضِرين وَسُجُوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قِرَاءَة النَّجْم كَانَ بِمَكَّة، كَمَا بَينه البُخَارِيّ مُفَسرًا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَفِي حَدِيث مخرمَة بن نَوْفَل قَالَ: (لما أظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام أسلم أهل مَكَّة كلهم، وَذَلِكَ قبل أَن تفرض الصَّلَاة حَتَّى إِن كَانَ ليقْرَأ السَّجْدَة فيسجدون، حَتَّى مَا يَسْتَطِيع بَعضهم أَن يسْجد من الزحام، حَتَّى قدم رُؤَسَاء من قُرَيْش، الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَبُو جعل بن هِشَام وَغَيرهمَا وَكَانُوا بِالطَّائِف فِي أَرضهم فَقَالُوا: تدعون دين آبائكم؟) هَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) : قَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَلَا يَصح فَفِي إِسْنَاده عبد الله بن لَهِيعَة.

5 - (بابُ سُجُودِ المُسْلِمِينَ مَعَ المُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكُ نَجِسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سُجُود الْمُسلمين مَعَ الْمُشْركين. قَوْله: (والمشرك نجس) ، أَي: وَالْحَال أَن الْمُشرك نجس. بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا، وَقَالَ ابْن التِّين: ضبطناه بِالْفَتْح، وَقَالَ: الْقَزاز إِذا قَالُوهُ مَعَ الرجس اتَّبعُوهُ إِيَّاه، قَالُوا: رِجْس نجس، بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْجِيم، وَالنَّجس، فِي اللُّغَة: كل مستقذر
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بِحَذْف: غير، وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِحَالهِ لِأَنَّهُ لم يُوَافق ابْن عمر أحد على جَوَاز السُّجُود بِغَيْر وضوء إلاّ الشّعبِيّ، وَلَكِن الْأَصَح: على غير وضوء، لما روى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبيد بن الْحسن عَن رجل زعم أَنه كنفسه عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: (كَانَ ابْن عمر ينزل عَن رَاحِلَته فيهريق المَاء ثمَّ يركب فَيقْرَأ السَّجْدَة فَيسْجد وَمَا يتَوَضَّأ) ، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن زَكَرِيَّا (عَن الشّعبِيّ فِي الرجل يقْرَأ السَّجْدَة وَهُوَ على غير وضوء، فَكَانَ يسْجد) . وروى أَيْضا: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش عَن عَطاء (عَن أبي عبد الرَّحْمَن، قَالَ: كَانَ يقْرَأ السَّجْدَة وَهُوَ على غير وضوء، وَهُوَ على غير الْقبْلَة، وَهُوَ يمشي فيومىء بِرَأْسِهِ إِيمَاء ثمَّ يسلم) . فَإِن قلت: روى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن اللَّيْث عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: لَا يسْجد الرجل إلاّ وَهُوَ طَاهِر) . قلت: وفْق بَينهمَا بِأَن حمل قَوْله: (طَاهِر) ، على الطَّهَارَة الْكُبْرَى، أَو يكون هَذَا على حَالَة الِاخْتِيَار، وَذَلِكَ على حَالَة الضَّرُورَة، وَقَالَ ابْن بطال مُعْتَرضًا على البُخَارِيّ فِي هَذِه التَّرْجَمَة: إِن أَرَادَ الِاحْتِجَاج على قَول ابْن عمر بسجود الْمُشْركين فَلَا حجَّة فِيهِ، لِأَن سجودهم لم يكن على وَجه الْعِبَادَة لله تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ لما ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الغرانيق العلى، وَإِن شفاعتهم ترتجى، بعد قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . فسجدوا لما سمعُوا من تَعْظِيم آلِهَتهم، فَلَمَّا علم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ألْقى على لِسَانه حزن لَهُ فَأنْزل الله تَسْلِيَة عَمَّا عرض لَهُ (وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته) أَي إِذا تَلا ألْقى الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته، فَلَا يستنبط من سجودهم جَوَاز السُّجُود على غير الْوضُوء، لِأَن الْمُشرك نجس لَا يَصح لَهُ الْوضُوء وَلَا السُّجُود إلاّ بعد عقد الْإِسْلَام، وَإِن أَرَادَ الرَّد على ابْن عمر. بقوله: (والمشرك نجس) ، لَيْسَ لَهُ وضوء فَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ، وَأجَاب ابْن رشيد بِأَن مَقْصُود البُخَارِيّ تَأْكِيد مَشْرُوعِيَّة السُّجُود بِأَن الْمُشرك قد أقرّ على السُّجُود، وسمى الصَّحَابِيّ فعله

(7/99)


سجودا مَعَ عدم أَهْلِيَّته، فالمتأهل لذَلِك أَحْرَى بِأَن يسْجد على كل حَال وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن الَّذِي مَا سجد عُوقِبَ بِأَن قتل كَافِرًا، فَلَعَلَّ جَمِيع من وفْق للسُّجُود يَوْمئِذٍ ختم لَهُ بِالْحُسْنَى، فَأسلم ببركة السُّجُود. انْتهى.
قلت: فِيهِ بحث من وُجُوه:
الأول: أَن تقريرهم على السُّجُود لم يكن لاعْتِبَار سجودهم، وَإِنَّمَا كَانَ طَمَعا لإسلامهم.
الثَّانِي: أَن تَسْمِيَة الصَّحَابِيّ فعلهم سجودا بِالنّظرِ إِلَى الصُّورَة مَعَ علمه بِأَن سجودهم كلا سُجُود، لِأَن السُّجُود طَاعَة وَالطَّاعَة مَوْقُوفَة على الْإِيمَان.
الثَّالِث: أَن قَوْله: وَلَعَلَّ جَمِيع من وفْق إِلَى آخِره ظن وتخمين، فَلَا يبتنى عَلَيْهِ حكم، ثمَّ الَّذِي قَالَه ابْن بطال: إِنَّمَا كَانَ لما ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . إِلَى آخِره، مَوْجُود فِي كثير من التفاسير، ذكرُوا أَنه لما قَرَأَ سُورَة النَّجْم، وَوَقع فِي السُّورَة ذكر آلِهَتهم فِي قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . وسمعوا ذكر آلِهَتهم فِي الْقُرْآن فَرُبمَا ظنوه أَو بَعضهم أَن ذَلِك مدح لَهَا، وَقيل: إِنَّهُم سمعُوا بعد ذكر آلِهَتهم: تِلْكَ الغرانيق العلى، وَإِن شَفَاعَتهَا لترتجى، فَقيل: إِن بَعضهم هُوَ الْقَائِل لَهَا، أَي: بعض الْمُشْركين، لما ذكر آلِهَتهم خَشوا أَن يذمها، فبدر بَعضهم فَقَالَ ذَلِك، سَمعه من سَمعه وظنوا أَو بَعضهم أَن ذَلِك من قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل إِن إِبْلِيس لَعنه الله هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِك حِين وصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذِه اللآية فظنوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِك وَقيل: إِن إِبْلِيس أجْرى ذَلِك على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا بَاطِل قطعا. وَمَا كَانَ الله ليسلطه على نبيه وَقد عصمه مِنْهُ وَمن غَيره، وَكَذَلِكَ كَون إِبْلِيس قَالَهَا وَشبه صَوته بِصَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاطِل أَيْضا، وَإِذا كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يتشبه بِهِ فِي النّوم كَمَا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي الحَدِيث الصَّحِيح، وَهُوَ قَوْله: (من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتشبه بِي وَلَا يتَمَثَّل بِي) . فَإِذا كَانَ لَا يقدر على التَّشَبُّه بِهِ فِي الْمَنَام من الرَّائِي لَهُ، والنائم لَيْسَ فِي مَحل التَّكْلِيف والضبط، فَكيف يتشبه بِهِ فِي حَالَة إستيقاظ من يسمع قِرَاءَته؟ هَذَا من الْمحَال الَّذِي لَا يقبله قلب مُؤمن، وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكر فِيهِ ذكر ذَلِك أَكثر طرقه مُنْقَطِعَة معلولة، وَلم يُوجد لَهَا إِسْنَاد صَحِيح وَلَا مُتَّصِل إلاّ من ثَلَاثَة طرق. أَحدهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن حَمَّاد حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِيمَا أَحسب، أَشك فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ بِمَكَّة فَقَرَأَ سُورَة النَّجْم حَتَّى انْتهى إِلَى {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . فَجرى على لِسَانه: تِلْكَ الغرانيق العلى الشَّفَاعَة مِنْهُم ترتجى، قَالَ: فَسمع ذَلِك مشركو أهل مَكَّة فسروا بذلك، فَاشْتَدَّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إلاّ إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته} (الْحَج: 25) . ثمَّ قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلمهُ يرْوى بِإِسْنَاد مُتَّصِل يجوز ذكره، وَلم يسْندهُ عَن شُعْبَة إلاّ أُميَّة بن خَالِد، وَغَيره يُرْسِلهُ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: وَإِنَّمَا يعرف هَذَا من حَدِيث الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي تَفْسِير أبي بكر بن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير: لَا أعلمهُ إلاّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَرَأَ النَّجْم فَلَمَّا بلغ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: تِلْكَ الغرانيق العلى وشفاعتها ترتجى، فَلَمَّا بلغ آخرهَا سجد وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إلاّ إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} (الْحَج: 25) . إِلَى قَوْله: {عَذَاب يَوْم عقيم} (الْحَج: 55) . قَالَ يَوْم بدر. وَالطَّرِيق الثَّانِي رِوَايَة مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس. وَالطَّرِيق الثَّالِث: مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن كَامِل حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد حَدثنِي أبي حَدثنَا عمي حَدثنَا أبي عَن أَبِيه (عَن ابْن عَبَّاس قَوْله: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي أنزلت عَلَيْهِ آلِهَة الْعَرَب، فَسمع الْمُشْركُونَ يتلوها، وَقَالُوا إِنَّه يذكر آلِهَتنَا بِخَير، فدنوا فَبَيْنَمَا هُوَ يتلوها ألْقى الشَّيْطَان: تِلْكَ الغرانيق العلى مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى، فعلق يتلوها، فَنزل جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فنسخها ثمَّ قَالَ: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي. .} (الْحَج: 25) . الْآيَة، وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة الثَّالِثَة أَن الْآيَة أنزلت عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة، وَأَنه تَلا مَا أنزل عَلَيْهِ، وَأَن الشَّيْطَان ألْقى عَلَيْهِ هَذِه الزِّيَادَة، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علق يتلوها يظنّ أَنَّهَا أنزلت وَأَنه اشْتبهَ عَلَيْهِ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان بِوَحْي الْملك إِلَيْهِ، وَهَذَا أَيْضا مُمْتَنع فِي حَقه أَن يدْخل عَلَيْهِ فِيمَا حَقه الْبَلَاغ، وَكَيف يشْتَبه عَلَيْهِ مزج الذَّم بالمدح، فآخر الْكَلَام وَهُوَ قَوْله: {ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى} (النَّجْم: 12) . الْآيَات رد لما أَلْقَاهُ الشَّيْطَان على زعمهم، وَجَمِيع هَذِه المسانيد الثَّلَاثَة لَا يحْتَج بِشَيْء مِنْهَا: أما الْإِسْنَاد الأول: وَإِن كَانَ رِجَاله ثِقَات فَإِن الرَّاوِي شكّ فِيهِ كَمَا أخبر عَن نَفسه، فإمَّا شكّ

(7/100)


فِي رَفعه، فَيكون مَوْقُوفا. وَفِي وَصله فَيكون مُرْسلا، وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِحجَّة خُصُوصا فِيمَا فِيهِ قدح فِي حق الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بل لَو جزم الثِّقَة بِرَفْعِهِ وَوَصله حملناه على الْغَلَط وَالوهم، وَأما الْإِسْنَاد الثَّانِي: فَإِن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ، مَنْسُوب إِلَى الْكَذِب، وَقد فسر الْكَلْبِيّ فِي رِوَايَته الغرانقة العلى: بِالْمَلَائِكَةِ، لَا بآلهة الْمُشْركين، كَمَا يَقُولُونَ: إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله، وكذبوا على الله فَرد الله ذَلِك عَلَيْهِم بقوله: {ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى} (النَّجْم: 12) . فعلى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثمَّ نسخ لتوهم الْمُشْركين بذلك مدح آلِهَتهم. وَأما الْإِسْنَاد الثَّالِث: فَإِن مُحَمَّد بن سعد هُوَ الْعَوْفِيّ، وَهُوَ ابْن سعد بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، تكلم فِيهِ الْخَطِيب، فَقَالَ: كَانَ لينًا فِي الحَدِيث، وَأَبوهُ سعد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة، قَالَ فِيهِ أَحْمد: لم يكن مِمَّن يستأهل أَن يكْتب عَنهُ، وَلَا كَانَ موضعا لذَلِك، وَعم أَبِيه: هُوَ الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَطِيَّة، ضعفه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهم، وَالْحسن بن عَطِيَّة ضعفه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَهَذِه سلسلة ضعفاء، وَلَعَلَّ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ سَمعه من الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يروي عَنهُ ويكنيه بِأبي سعيد لضَعْفه، ويوهم أَنه: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. وَقَالَ عِيَاض: هَذَا حَدِيث لم يُخرجهُ أحد من أهل الصِّحَّة. وَلَا رُوَاة ثِقَة بِسَنَد سليم مُتَّصِل، وَإِنَّمَا أولع بِهِ وبمثله الْمُفَسِّرُونَ، والمؤرخون المولعون بِكُل قريب، المتلقنون من الصُّحُف كل صَحِيح وَسَقِيم. قلت: الْأَمر كَذَلِك، فَإِن غَالب هَؤُلَاءِ مثل الطرقية وَالْقصاص وَلَيْسَ عِنْدهم تَمْيِيز، يخبطون خبط عشواء، ويمشون فِي ظلمَة ظلماء، وَكَيف يُقَال مثل هَذَا وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على عصمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزاهته عَن مثل هَذِه الرذيلة؟ وَلَو وَقعت هَذِه الْقِصَّة لوجدت قُرَيْش على الْمُسلمين بهَا الصولة، ولأقامت عَلَيْهِم الْيَهُود بهَا الْحجَّة، كَمَا علم من عَادَة الْمُنَافِقين وعناد الْمُشْركين، كَمَا وَقع فِي قصَّة الْإِسْرَاء حَتَّى كَانَت فِي ذَلِك لبَعض الضُّعَفَاء ردة.

1701 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَة عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجَدَ بِالنَّجْمِ وسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ والإنْسُ.
(الحَدِيث 1701 طرفه فِي: 2684) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد تقدمُوا غير مرّة، وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي معمر، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن هَارُون بن عبد الله بن الْبَزَّار عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن أَبِيه بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَوْله: (سجد بِالنَّجْمِ) زَاد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من هَذَا الْوَجْه: بِمَكَّة، وَيُسْتَفَاد من ذَلِك أَن قصَّة ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود متحدة. قَوْله: (وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس) قَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه مَحْمُول على من كَانَ حَاضرا. قلت: يُعَكر عَلَيْهِ أَن الْألف وَاللَّام فِي الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين أبطلت الجمعية، صَارَت لاستغراق الْجِنْس وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فِي: الْجِنّ والأنس، للاستغراق، فَيشْمَل الْحَاضِر وَالْغَائِب، حَتَّى روى الْبَزَّار: (عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتبت عِنْده سُورَة النَّجْم،. فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة سجد وسجدنا مَعَه، وسجدت الدواة والقلم) ، وَإِسْنَاده صَحِيح. وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بآخر النَّجْم وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّجر) فَإِن قلت: من أَيْن علم الرَّاوِي أَن الْجِنّ سجدوا؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا بِإِخْبَار النَّبِي ... صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ، وَإِمَّا بِإِزَالَة الله تَعَالَى الْحجاب. قلت: قَالَ شَيخنَا زين الدّين: الظَّاهِر أَن الحَدِيث من مَرَاسِيل ابْن عَبَّاس عَن الصَّحَابَة، فَإِنَّهُ لم يشْهد تِلْكَ الْقِصَّة، خُصُوصا إِن كَانَت قبل فرض الصَّلَاة، كَمَا تقدم فِي حَدِيث مخرمَة، ومراسيل الصَّحَابَة مَقْبُولَة على الصَّحِيح، وَالظَّاهِر أَن ابْن عَبَّاس سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث بِهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لفظ الْإِنْس مُكَرر، بل لفظ الْجِنّ أَيْضا لِأَنَّهُ إِجْمَال بعد تَفْصِيل نَحْو: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} (الْبَقَرَة: 691) . وَقَالَ أَيْضا: فَإِن قلت: لِمَ سجد الْمُشْركُونَ وهم لَا يَعْتَقِدُونَ الْقُرْآن (قلت) قيل لأَنهم سمعُوا أَسمَاء أصنامهم حَيْثُ قَالَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى قَالَ القَاضِي عِيَاض كَانَ سَبَب سجودهم فِيمَا قَالَ ابْن مَسْعُود، أَنَّهَا أول سَجْدَة نزلت قلت: اسْتشْكل هَذَا بِأَن: إقرأ باسم رَبك، أول السُّور نزولاً، وفيهَا أَيْضا سَجْدَة، فَهِيَ سَابِقَة على النَّجْم. وَأجِيب: بِأَن السَّابِق من إقرأ أَولهَا، وَأما بقيتها فَنزلت بعد ذَلِك، بِدَلِيل قصَّة أبي جهل فِي نَهْيه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة، أَو المُرَاد: أول سُورَة استعلن بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والنجم، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره.

(7/101)


ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَعبد الله بن وهب وَابْن حبيب الْمَالِكِي على أَن سُورَة النَّجْم فِيهَا سَجْدَة، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعِكْرِمَة وطاووس وَمَالك: لَيْسَ فِي سُورَة النَّجْم سَجْدَة، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب، وَسَنذكر الْجَواب عِنْد ذكره، وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة. مِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة رَوَاهُ عَنهُ أَحْمد وَقَالَ: (سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي النَّجْم إلاّ رجلَيْنِ من قُرَيْش أَرَادَا بذلك الشُّهْرَة) . وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات. وَمِنْهُم: أَبُو الدَّرْدَاء أخرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أم الدَّرْدَاء عَنهُ. قَالَ: سجدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة سَجْدَة، مِنْهَا الَّتِي فِي النَّجْم. وَمِنْهُم: عبد الله بن عمر، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة مُصعب بن ثَابت عَن نَافِع (عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: والنجم، بِمَكَّة فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه حَتَّى إِن الرجل ليرْفَع إِلَى جَبينه شَيْئا من الأَرْض فَيسْجد عَلَيْهِ، وَحَتَّى يسْجد على الرجل) ، وَمصْعَب بن ثَابت مُخْتَلف فِيهِ، ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَوَثَّقَهُ ابْن أبي حبَان، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق كثير الْغَلَط. وَمِنْهُم: الْمطلب بن أبي ودَاعَة، أخرج النَّسَائِيّ حَدِيثه بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة ابْنه جَعْفَر بن الْمطلب عَنهُ، قَالَ: (قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة سُورَة النَّجْم فَسجدَ وَسجد من مَعَه، فَرفعت رَأْسِي وأبيت أَن أَسجد) ، وَلم يكن يَوْمئِذٍ أسلم الْمطلب. وَمِنْهُم: عَمْرو بن الْعَاصِ، أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَنهُ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن، مِنْهَا ثَلَاث فِي الْمفصل) . وَمِنْهُم: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أخرج حَدِيثهَا الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن بشير عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة قَالَت: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّجْمِ، فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة سجد) . وَعبد الرَّحْمَن بن بشير مُنكر الحَدِيث. وَمِنْهُم: عَمْرو الجني، أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة عُثْمَان بن صَالح، قَالَ: حَدثنِي عَمْرو الجني قَالَ: (كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ سُورَة النَّجْم فَسجدَ فِيهَا) . قَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَعُثْمَان بن أبي صَالح شيخ البُخَارِيّ لم يدْرك أحدا من الصَّحَابَة، فَإِنَّهُ توفّي سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، إلاّ أَنه ذكر أَن عمرا هَذَا من الْجِنّ، وَقد نسبه أَبُو مُوسَى فِي (ذيله) : من الصَّحَابَة عَمْرو بن طلق، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عَمْرو الجني، قيل: هُوَ ابْن طلق، أوردهُ أَبُو مُوسَى، وَقَالَ: وَالْعجب أَنهم يذكرُونَ الْجِنّ من الصَّحَابَة وَلَا يذكرُونَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل؟ قلت: لِأَن الْجِنّ آمنُوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُرْسل إِلَيْهِم، وَالْمَلَائِكَة ينزلون بالرسالة إِلَى الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَن رُؤْيَة الْإِنْس للجن لَا تنكر، وَأنْكرت الْمُعْتَزلَة رُؤْيَة الْإِنْس للجن، وَاسْتدلَّ بَعضهم بقوله تَعَالَى: {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} (الْأَعْرَاف: 72) . مَعَ قَوْله: {إلاّ إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} (فصلت: 05) . وَأجَاب أهل السّنة بِأَن هَذَا خرج مخرج الْغَالِب فِي عدم رُؤْيَة الْإِنْس الْجِنّ أَو الشَّيَاطِين، وَقد ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّيْطَان الَّذِي أَرَادَ أَن يقطع عَلَيْهِ صلَاته، وَأَنه خنقه حَتَّى وجد برد لِسَانه، وَأَنه قَالَ: (لَوْلَا دَعْوَة سُلَيْمَان لربطته إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد) الحَدِيث، وَثَبت فِي الصَّحِيح رُؤْيَة أبي هُرَيْرَة لَهُ لما دخل ليَسْرِق تمر الصَّدَقَة، وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة: (تَدْرِي من تخاطب مُنْذُ ثَلَاث؟) وَقَالَ فِيهِ: (صدقك وَهُوَ كذوب) ، لَكِن أَبَا هُرَيْرَة رَآهُ فِي صُورَة مِسْكين على هَيْئَة الْإِنْس، وَهُوَ دَال على أَن الشَّيَاطِين وَالْجِنّ يتشكلون فِي غير صورهم، كَمَا تتشكل الْمَلَائِكَة فِي هَيْئَة الْآدَمِيّين، وَقد نَص الله فِي كِتَابه على عمل الْجِنّ لِسُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ومخاطبتهم لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ عفريت من الْجِنّ: أَنا آتِيك بِهِ.} (النَّمْل: 93) . الْآيَة، وَمثل هَذَا لَا يُنكر مَعَ تَصْرِيح الْقُرْآن بذلك وَثُبُوت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
وَرَوَاهُ ابنُ طُهْمَانَ عنْ أيُّوبَ

أَي: روى هَذَا الحَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، بِفَتْح الطَّاء وَسُكُون الْهَاء وبالنون، وَقد مر فِي: بَاب تَعْلِيق الْقنْدِيل فِي الْمَسْجِد، رَوَاهُ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ مُتَابَعَته من حَدِيث حَفْص عَنهُ.

(7/102)


6 - (بابُ منْ قَرَأ السَّجْدَةَ ولَمْ يَسْجُدْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قَرَأَ السَّجْدَة، أَي: آيَة السَّجْدَة، وَالْحَال أَنه لم يسْجد. فَإِن قلت: مَا الْألف وَاللَّام فِي السَّجْدَة؟ قلت: لَا يجوز أَن تكون للْجِنْس، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي كثير من آيَات السَّجْدَة على مَا ورد، وَالظَّاهِر أَنَّهَا للْعهد، يرجع إِلَى السَّجْدَة الَّتِي فِي النَّجْم. يَعْنِي: قَرَأَ سَجْدَة النَّجْم وَلم يسْجد، والْحَدِيث فِيهِ، فَافْهَم.

2701 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ أبُو الرَّبيعِ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرَ قَالَ أخبرنَا يَزيدُ بنُ خُصَيْفَةَ عنِ ابنِ قُسَيْطٍ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ أنَّهُ أخْبرَهُ أنَّهُ سألَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فزَعَمَ أنَّهُ قَرَأَ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
(الحَدِيث 2701 طرفه فِي: 3701) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ، وَقد تقدم فِي: بَاب عَلَامَات الْمُنَافِق. الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي. الثَّالِث: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن خصيفَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، مر فِي: بَاب رفع الصَّوْت فِي الْمَسَاجِد. الرَّابِع: ابْن قسيط، بِضَم الْقَاف وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالطاء الْمُهْملَة: وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن قسيط، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة. الْخَامِس: عَطاء بن يسَار، وَقد تقدم غير مرّة. السَّادِس: زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه ذكره مكنى، وَفِيه: من ذكر بِأَنَّهُ ابْن فلَان. وَفِيه: من نسب إِلَى جده وَهُوَ: يزِيد بن خصيفَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي سُجُود الْقُرْآن عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر. أربعتهم عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن هناد عَن وَكِيع عَن ابْن أبي ذِئْب بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سَأَلَ (زيد بن ثَابت) ، فِيهِ المسؤول عَنهُ مَحْذُوف، وَالظَّاهِر أَنه هُوَ السُّجُود فِي النَّجْم، وَأجَاب بقوله: (أَنه قَرَأَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجْم فَلم يسْجد فِيهَا) . وَقَالَ بَعضهم: وَظَاهر السِّيَاق يُوهم أَن المسؤول عَنهُ السُّجُود فِي النَّجْم وَلَيْسَ كَذَلِك، وَقد بَينه مُسلم عَن عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: (سَأَلت زيد بن ثَابت عَن الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام، فَقَالَ: لَا قِرَاءَة مَعَ الإِمَام فِي شَيْء، وَزعم أَنه قَرَأَ النَّجْم. .) الحَدِيث فَحذف المُصَنّف الْمَوْقُوف لِأَنَّهُ لَيْسَ من غَرَضه فِي هَذَا الْمَكَان، وَلِأَنَّهُ يُخَالف زيد بن ثَابت فِي ترك الْقِرَاءَة خلف الإِمَام. قلت: هَذَا مَرْدُود من وُجُوه: الأول: قَوْله: يُوهم، لَيْسَ كَذَلِك، بل تحقق أَن المسؤول عَنهُ السُّجُود فِي النَّجْم، وَذَلِكَ لِأَن حسن تركيب الْكَلَام أَن يكون بعضه ملتئما بِالْبَعْضِ، وَرِوَايَة البُخَارِيّ هَكَذَا تَقْتَضِي ذَلِك. الثَّانِي: قَوْله: فَحذف المُصَنّف الْمَوْقُوف، لِأَنَّهُ لَيْسَ من غَرَضه فِي هَذَا الْمَكَان، كَلَام واهٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون البُخَارِيّ يتَصَرَّف فِي متن الحَدِيث بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان لأجل غَرَضه وَهُوَ بَرِيء من ذَلِك وَإِنَّمَا البُخَارِيّ روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي الرّبيع سُلَيْمَان وَسلم روى عَن أَرْبَعَة أنفس يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة بن سعيد وعَلى بن حجر، وهم وَسليمَان اتَّفقُوا على روايتهم عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، فسليمان روى عَنهُ بالسياق الْمَذْكُور، وَالْأَرْبَعَة رووا عَنهُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة، وَمَا الدَّاعِي للْبُخَارِيّ أَن يحذف تِلْكَ الزِّيَادَة لأجل غَرَضه؟ فَلَا ينْسب ذَلِك إِلَى البُخَارِيّ وحاشاه من ذَلِك. الثَّالِث: قَوْله: وَلِأَنَّهُ يُخَالف زيد بن ثَابت، كَلَام مَرْدُود أَيْضا، لِأَن مُخَالفَته لزيد بن ثَابت فِي ترك الْقِرَاءَة

(7/103)


خلف الإِمَام لَا يَسْتَدْعِي حذف مَا قَالَه زيد، لِأَن هَذَا الْموضع لَيْسَ فِي بَيَان مَوضِع قِرَاءَة الْمُقْتَدِي خلف الإِمَام، وَإِنَّمَا الْكَلَام والترجمة فِي السَّجْدَة فِي سُورَة النَّجْم، وَلَيْسَ من الْأَدَب أَن يُقَال: يُخَالف البُخَارِيّ مثل زيد بن ثَابت، كَذَا فِي التَّصْرِيح حَتَّى لَو سُئِلَ البُخَارِيّ: أَنْت تخَالف زيد بن ثَابت فِي قَوْله هَذَا؟ لَكَانَ يَقُول: زيد بن ثَابت ذهب إِلَى شَيْء لما ظهر عِنْده، وَأَنا ذهبت إِلَى شَيْء لما ظهر عِنْدِي، وَكَانَ يُرَاعِي الْأَدَب وَلَا يُصَرح بالمخالفة، وَأما متن حَدِيث مُسلم فَهَكَذَا: حَدثنَا يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة بن سعيد وَابْن حجر، قَالَ يحيى: أخبرنَا، وَقَالَ الْآخرُونَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، وَهُوَ ابْن جَعْفَر عَن يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن قسيط عَن عَطاء بن يسَار أَنه أخبرهُ أَنه سَأَلَ زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام، فَقَالَ: لَا قِرَاءَة مَعَ الإِمَام فِي شَيْء، وَزعم أَنه قَرَأَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والنجم إِذا هوى} فَلم يسْجد، فَفِي رِوَايَة مُسلم أجَاب زيد بن ثَابت عَمَّا سَأَلَهُ عَطاء بن يسَار، وَأفَاد بفائدة أُخْرَى زَائِدَة على مَا سَأَلَهُ، وَرِوَايَة البُخَارِيّ إِمَّا وَقعت مختصرة أَو كَانَ سُؤال عَطاء ابْتِدَاء عَن سَجْدَة النَّجْم، فَأجَاب عَن ذَلِك مُقْتَصرا عَلَيْهِ، وكلا الْوَجْهَيْنِ جائزان فَلَا يتَكَلَّف فِي تصرف الْكَلَام بالعسف. قَوْله: (فَزعم) ، هُوَ يُطلق على القَوْل الْمُحَقق وعَلى الْمَشْكُوك فِيهِ، وَالْأول هُوَ المُرَاد هُنَاكَ. قَوْله: (فَلم يسْجد فِيهَا) أَي: لم يسْجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَجْدَة النَّجْم.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: احْتج بِهِ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَأَبُو ثَوْر على: أَنه لَا يسْجد للتلاوة فِي آخر النَّجْم. وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَسَعِيد بن الْمسيب وَعِكْرِمَة وطاووس، ويحكى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وابي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك فَقَالَ: لَيْسَ فِي الحَدِيث دَلِيل على أَن لَا سُجُود فِيهَا لِأَنَّهُ قد يحْتَمل أَن يكون ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّجُود فِيهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ كَانَ على غير وضوء فَلم يسْجد لذَلِك، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَنَّهُ كَانَ وقتا لَا يحل فِيهِ السُّجُود، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَن الحكم عِنْده بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سجد وَإِن شَاءَ ترك، وَيحْتَمل أَن يكون تَركه لِأَنَّهُ لَا سُجُود فِيهَا، فَلَمَّا احْتمل تَركه السُّجُود هَذِه الِاحْتِمَالَات يحْتَاج إِلَى شَيْء آخر من الْأَحَادِيث نلتمس فِيهِ حكم هَذِه السُّورَة، هَل فِيهَا سُجُود أم لَا؟ فَوَجَدنَا فِيهَا حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود الَّذِي مضى فِيمَا قبل فِيهِ تَحْقِيق السُّجُود فِيهَا، فالأخذ بِهَذَا أولى، كَانَ تَركه فِي حَدِيث زيد لِمَعْنى من الْمعَانِي الَّتِي ذكرنَا. وَأجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يسْجد على الْفَوْر، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون فِيهِ سَجْدَة، وَلَا فِيهِ نفي الْوُجُوب.
الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن المستمع لَا يسْجد إلاّ إِذا سجد القارىء لآيَة السَّجْدَة، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَإِلَيْهِ ذهب الْقفال. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد والبغداديون: يسْجد المستمع وَإِن لم يسْجد القارىء، وَبِه قَالَت الْمَالِكِيَّة، وَعند أَصْحَابنَا: يجب على القارىء وَالسَّامِع جَمِيعًا، وَلَا يسْقط عَن أَحدهمَا بترك الآخر.
الثَّالِث: اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره على: أَن السَّامع لَا يسْجد مَا لم يكن مستمعا، قَالَ: وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ قَول الْمَالِكِيَّة والحنابلة. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي (مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ) : لَا أؤكده عَلَيْهِ كَمَا أؤكده على المستمع، وَإِن سجد فَحسن، وَمذهب أبي حنيفَة: وُجُوبه على السَّامع والمستمع والقارىء، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا. وَمن تعليقات البُخَارِيّ قَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع.

3701 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبي إِيَاس قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي ذئْبٍ قَالَ حدَّثنا يَزُيدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ قُسَيْطٍ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ زَيْدٍ بنِ ثابِتٍ قَالَ قَرَأتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
(أنظر الحَدِيث 2701) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث زيد بن ثَابت فَإِنَّهُ رَوَاهُ من طَرِيقين: الأول: عَن سُلَيْمَان عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن يزِيد بن خصيفَة عَن ابْن قسيط. الثَّانِي: هَذَا: عَن آدم بن أبي إِيَاس، واسْمه: عبد الرَّحْمَن من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ذِئْب عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط، وَبَين متنيهما بعض تفَاوت على مَا لَا يخفى.

(7/104)


7 - (بابُ سَجْدَةِ إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم سَجْدَة سُورَة إِذا السَّمَاء انشقت.

4701 - حدَّثنا مُسْلِم بنُ إبْرَاهِيمَ وَمَعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قالاَ أخبرنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيى عنْ أبي سَلَمَة قَالَ رَأيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَرَأَ إِذا السَّماءُ انْشَقَّتْ فَسَجدَ بِهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ألَمْ أرَكَ تَسْجُدُ قَالَ لَوْ لَمْ أرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْجُدُ لَمْ أسْجُدْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يبين أَن هَذِه السُّورَة فِيهَا السَّجْدَة، والترجمة فِي بَيَان هَذِه السَّجْدَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: معَاذ بن فضَالة أَبُو زيد الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي. الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير. الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: الرُّؤْيَة. وَفِيه: أَنه روى عَن شيخين. وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول من الروَاة بصريون وَالرَّابِع يمامي وَالْخَامِس مدنِي.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن المثني عَن ابْن أبي عدي عَن هِشَام، وَرُوِيَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة من طرق كَثِيرَة، فَأخْرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أبي رَافع واسْمه نفيع، قَالَ: (صليت مَعَ أبي هُرَيْرَة الْعَتَمَة فَقَرَأَ: إِذا السَّمَاء انشقت، فَسجدَ فِيهَا. فَقلت: مَا هَذِه؟ قَالَ: سجدت بهَا خلف أبي الْقَاسِم فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ) . وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن يزِيد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة سعيد بن مينا: (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و {اقْرَأ باسم رَبك} وَأخرج مُسلم من رِوَايَة صَفْوَان بن سليم وَعبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، وروى فِي هَذَا الْبَاب عَن غير أبي هُرَيْرَة، فَأخْرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: (عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} وَاخْتلف فِيهِ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وأختلف فِي سَماع أبي سَلمَة عَن أَبِيه، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة ذَر بن حُبَيْش (عَن صَفْوَان بن عَسَّال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} . وَإِسْنَاده ضَعِيف.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ: {إِذا السَّمَاء انشقت} ) أَي: قَرَأَ سُورَة: {إِذا السَّمَاء انشقت} . قَوْله: (فَسجدَ بهَا) أَي: سجد فِيهَا، وَالْبَاء للظرفية، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَسجدَ فِيهَا) . قَوْله: (لم أرك تسْجد) اسْتِفْهَام استخبار لَا اسْتِفْهَام إِنْكَار، كَمَا قَالَه الْبَعْض، وَهُوَ غير صَحِيح.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي على أَن فِي سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} سَجْدَة تِلَاوَة. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا أَزْهَر بن الْقَاسِم قَالَ مُحَمَّد: رَأَيْته بِمَكَّة، حَدثنَا أَبُو قدامَة عَن مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْجد فِي شَيْء من الْمفصل مُنْذُ تحول إِلَى الْمَدِينَة) ، وَذهب إِلَيْهِ مُجَاهِد وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَبَعض الشَّافِعِيَّة. فَقَالُوا: قد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي الْمفصل بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ترك ذَلِك، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَهَذَا ضَعِيف، وَلَو ثَبت لَكَانَ فَاسِدا، وَذَلِكَ أَن أَبَا هُرَيْرَة قد روينَا عَنهُ، وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب، وَغَيره مِمَّا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَهُوَ قَوْله: (سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و {اقْرَأ باسم رَبك} ) وَإِسْلَام أبي هُرَيْرَة ولقاؤه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قبل وَفَاته بِثَلَاث سِنِين، فَدلَّ ذَلِك على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ أهل تِلْكَ الْمقَالة. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا لَيْسَ بِقَوي، ويروى مُرْسلا، وَالصَّحِيح حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَأَبُو قدامَة لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه: وَأَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد قَالَ فِيهِ

(7/105)


ابْن حَنْبَل: مُضْطَرب الحَدِيث، وَضَعفه ابْن معِين، وَقَالَ السَّاجِي: صَدُوق وَعِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ شَيخا صَالحا وَكثر وهمه، ومطر الْوراق كَانَ سيىء الْحِفْظ حَتَّى كَانَ يشبه فِي سوء الْحِفْظ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَقد عيب على مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه.

8 - (بابُ منْ سَجَدَ لِسُجُودِ القَارىءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من سجد للتلاوة لأجل سُجُود القارىء، وَحكمه أَنه يَنْبَغِي أَن يسْجد لسجود القارىء حَتَّى قَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على أَن القارىء إِذا سجد لزم المستمع أَن يسْجد، كَذَا أطلق، وَلَكِن فِيهِ خلاف، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَنهم اخْتلفُوا فِي السَّامع الَّذِي لَيْسَ بمستمع، وَهُوَ الَّذِي لم يقْصد الِاسْتِمَاع، وَلم يجلس لَهُ فَقَالَ الشَّافِعِي فِي (مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ) : لَا أؤكده وَإِن سجد فَحسن، وَعند الْحَنَفِيَّة: يجب على القارىء وَالسَّامِع والمستمع، وَقد ذكرنَا دلائلهم عَن قريب، وَقَالَ بَعضهم: فِي التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن القارىء إِذا لم يسْجد لم يسْجد السَّامع. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن تعلق السَّجْدَة بالسامع، سَوَاء كَانَ من حَيْثُ الْوُجُوب أَو من حَيْثُ السّنيَّة، لَا يتَعَلَّق بِسَجْدَة القارىء، بل بِسَمَاعِهِ يجب عَلَيْهِ أَو يسن على الْخلاف، وَسَوَاء فِي ذَلِك سُجُود القارىء وَعَدَمه.
وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بنِ حَذْلَمٍ وَهْوَ غُلاَمٌ فَقَرأ عَلَيْهِ سَجْدةً فَقَالَ إسْجُدْ فإنَّكَ إمَامُنَا فِيهَا

تَمِيم، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وحذلم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام: أَبُو سَلمَة الضَّبِّيّ وَهُوَ تَابِعِيّ روى عَنهُ ابْنه أَبُو الْخَيْر، وَفِي (تذهيب التَّهْذِيب) : تَمِيم بن حذلم الضَّبِّيّ أَبُو سَلمَة، أدْرك أَبَا بكر وَعمر وَصَحب ابْن مَسْعُود وروى عَنهُ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسماك بن سَلمَة الضَّبِّيّ والْعَلَاء بن بدر وَآخَرُونَ، وروى لَهُ البُخَارِيّ فِي (كتاب الْأَدَب) ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور من رِوَايَة مُغيرَة (عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ تَمِيم بن حذلم: قَرَأت الْقُرْآن على عبد الله وَأَنا غُلَام فمررت بِسَجْدَة فَقَالَ عبد الله: أَنْت إمامنا فِيهَا) . وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) نَحوه حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي إِسْحَاق (عَن سليم ابْن حَنْظَلَة، قَالَ: قَرَأت على عبد الله بن مَسْعُود سُورَة بني إِسْرَائِيل، فَلَمَّا بلغت السَّجْدَة قَالَ عبد الله: إقرأها فَإنَّك إمامنا فِيهَا) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن بَشرَان أخبرنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ حَدثنَا إِسْحَاق الْأَزْرَق حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن سليم بن حَنْظَلَة، قَالَ: قَرَأت السَّجْدَة عِنْد ابْن مَسْعُود، فَنظر إِلَيّ فَقَالَ: إنت إمامنا فاسجد نسجد مَعَك، وَفِي (سنَن سعيد بن مَنْصُور) من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة عَن أبي هُرَيْرَة: (قَرَأَ رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَة فَلم يسْجد، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت قَرَأت، وَلَو سجدت سجدنا مَعَك) . وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَطاء بن يسَار قَالَ: (بَلغنِي أَن رجلا قَرَأَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة من الْقُرْآن فِيهَا سَجْدَة، فَسجدَ الرجل وَسجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه، ثمَّ قَرَأَ آخر آيَة فِيهَا سَجْدَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فانتظر الرجل أَن يسْجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يسْجد، فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله قَرَأت السَّجْدَة فَلم تسْجد؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت إمامنا فِيهَا، فَلَو سجدت سجدنا مَعَك) . قَوْله: (وَهُوَ غُلَام) جملَة حَالية. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: فِي السَّجْدَة، وَمعنى قَوْله: (إمامنا) أَي: متبوعنا، لتَعلق السَّجْدَة بِنَا من جهتك أَسجد أَنْت نسجد نَحن أَيْضا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: إِن لم تسْجد لَا نسجد، وَذَلِكَ لِأَن السَّجْدَة كَمَا تتَعَلَّق بالتالي تتَعَلَّق بالسامع، فَإِن لم يسْجد التَّالِي لَا تسْقط عَن السَّامع، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا. وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: يسْجد المستمع من دون السَّامع. وَقَالَت الْحَنَابِلَة: لَا يسْجد المستمع إلاّ إِذا سجد القارىء، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) : إِذا لم يسْجد التَّالِي فَلَا يسْجد السَّامع فِي أصح الْوَجْهَيْنِ، فَإِن كَانَ القارىء لَهَا فِي الصَّلَاة يسْجد إِن كَانَ مُنْفَردا أَو إِمَامًا وَيسْجد السَّامع لَهُ إِن كَانَ مَأْمُوما مَعَه وَسجد إِمَامه، فَإِن لم يسْجد إِمَامه لم يسْجد بِلَا خلاف، فَإِن سجد بطلت صلَاته عِنْدهم. وَعند أبي حنيفَة: يسْجد بعد فَرَاغه من الصَّلَاة بِنَاء على أَصله، فَإِن سجدها فِي الصَّلَاة لَا تبطل، وَلم تجزه عَن الْوُجُوب

(7/106)


وَعَلِيهِ إِعَادَتهَا خَارج الصَّلَاة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَفِي (النَّوَادِر) : أَنه تفْسد صلَاته بِالسُّجُود فِيهَا فِي هَذِه الْحَال. قَالَ) : وَقيل: هُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن. وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: يسْجد الْمُنْفَرد لقِرَاءَة نَفسه فِي النَّافِلَة، وَكَذَا إِذا كَانَ إِمَامًا فِيهَا دون الْفَرِيضَة.

5701 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافَعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي سُجُود الْقَوْم لسجدة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَعبد الله بن عمر بن حَفْص ابْن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن صَدَقَة بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله بن سعيد وَمُحَمّد بن الْمثنى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
قَوْله: (حَتَّى مَا يجد أَحَدنَا) أَي: بَعْضنَا، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ كل وَاحِد وَلَا وَاحِدًا معينا.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن السَّجْدَة وَاجِبَة عِنْد قِرَاءَة آيَة السَّجْدَة، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة على القارىء وَالسَّامِع، وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: الْحِرْص على فعل الْخَيْر والمسابقة إِلَيْهِ. وَفِيه: لُزُوم مُتَابعَة أَفعاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.