عمدة القاري شرح صحيح البخاري

73 - (كِتَابُ الإجَارَة)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْإِجَارَة وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْإِجَارَات، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ قَوْله: فِي الْإِجَارَات، وَكَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة البَاقِينَ لفظ: كتاب الْإِجَارَة، وَالْإِجَارَة على وزن فعالة، بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة اسْم للأجرة، وَهُوَ كِرَاء الْأَجِير، وَقد أجره إِذا أعطَاهُ أجرته من بَابي طلب وَضرب فَهُوَ آجر، وَذَاكَ مأجور، وَفِي كتاب (الْعين) : آجرت مملوكي أَو جَرّه إيجارا فَهُوَ موجر، وَفِي (الأساس) : أجرني دَاره فاستأجرتها، وَهُوَ مؤجر، وَلَا تقل مؤاجر فَإِنَّهُ خطأ فَاحش، وَتقول: أجره إِذا أعطَاهُ أجرته، وَإِذا نقلته إِلَى بَاب الإفعال تَقول: أجر، بِالْمدِّ لِأَن أَصله: اءجر، بهمزتين إِحْدَاهمَا فَاء الْفِعْل وَالْأُخْرَى همزَة أفعل، فقلبت الْهمزَة الثَّانِيَة ألفا للتَّخْفِيف فَصَارَ: آجر، على وزن أفعل، فاسم الْفَاعِل من الأول: آجر، وَمن الثَّانِي: مؤجر، وَفِي الشَّرْع: الْإِجَارَة عقد الْمَنَافِع بعوض، وَقيل: تمْلِيك الْمَنَافِع بعوض، وَقيل: بيع مَنْفَعَة مَعْلُومَة بِأَجْر مَعْلُوم، وَهَذَا أحسن.

1 - (بابٌ فِي استِئْجارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان استيجار الرجل الصَّالح، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة مُوسَى مَعَ ابْنة شُعَيْب، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {إنَّ خَيْرَ منِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ} (الْقَصَص: 62) .
وَقَوله الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فِي استيجار الرجل الصَّالح، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن خير من اسْتَأْجَرت. .} (الْقَصَص: 62) . الْآيَة. وَقَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي (تَفْسِيره) : هَذَا قَول صفوراء ابْنة شُعَيْب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهِي الَّتِي تزَوجهَا مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَت توأمة عبوراء، ولدت صفوراء قبلهَا بِنصْف يَوْم، وَكَانَ بَين الْمَكَان الَّذِي سقى فِيهِ الْغنم وَبَين شُعَيْب ثَلَاثَة أَمْيَال فَمشى مَعهَا وأمرها أَن تمشي خَلفه وتدله على الطَّرِيق، كَرَاهِيَة أَن ينظر إِلَيْهَا وهما على غير جادة، فَقَالَ شُعَيْب لابنته: من أَيْن علمت قوته وأمانته؟ فَقَالَت: أَزَال الْحجر عَن رَأس الْبِئْر، وَكَانَ لَا يطيقه إلاَّ رجال، وَقيل: أَرْبَعُونَ رجلا. وَذكرت أَنه أمرهَا أَن تمشي خَلفه كَرَاهَة أَن ينظر إِلَيْهَا، وسأوضح لَك هَذِه الْقِصَّة حَتَّى تقف على حَقِيقَتهَا مَعَ اخْتِصَار غير مخل.
لما قتل مُوسَى القبطي كَمَا أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن، فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ، فَأصْبح فِي الْمَدِينَة خَائفًا يترقب الْأَخْبَار، وَأمر فِرْعَوْن الذباحين بقتل مُوسَى، فَجَاءَهُ رجل من شيعته يُقَال لَهُ: خربيل، وَكَانَ قد آمن بإبراهيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَصدق مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ ابْن عَم فِرْعَوْن، وَقَالَ لَهُ: إِن الْمَلأ يأتمرون بك، أَي: يتشاورون فِي قَتلك فَاخْرُج من هَذِه الْمَدِينَة إِنِّي لَك من الناصحين، فَخرج وَلم يدر أَيْن يذهب، فَجَاءَهُ ملك ودله على الطَّرِيق، فهداه إِلَى مَدين وَبَينهَا وَبَين مصر مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام، وَقيل: عشرَة، وَكَانَ يَأْكُل من ورق الشّجر وَيَمْشي حافيا حَتَّى ورد مَاء مَدين وَنزل عِنْد الْبِئْر، وَإِذا بجنبه أمة من النَّاس يسقون، وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ تذودان أَي: تمنعان أغنامهما عَن الِاخْتِلَاط بأغنام النَّاس، فَقَالَ لَهما: {مَا خطبكما قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء} (الْقَصَص: 32) . لأَنا ضعفاء لَا نقدر على مزاحمتهم {وأبونا شيخ كَبِير} (الْقَصَص: 52) . تعنيان شعيبا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور أَنه شُعَيْب النَّبِي،، وَقيل: إِنَّه ابْن أخي شُعَيْب، ذكره أَحْمد فِي (تَفْسِيره) وَذكر السُّهيْلي أَن شعيبا هُوَ شيرون بن ضيفون بن مَدين بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيُقَال: شُعَيْب بن ملكاين، وَقيل: شيرون ابْن أخي شُعَيْب، وَقيل: ابْن عَم شُعَيْب، وَقَالَ وهب: اسْم ابْنَته الْكُبْرَى صفوراء، وَاسم الصُّغْرَى عبوراء،، وَقيل: اسْم إحديهما شرفا، وَقيل: ليا، وَالْمَقْصُود: لما جَاءَ إِلَى شُعَيْب بعد أَن فعل مَا ذكرنَا، قصَّ عَلَيْهِ الْقَصَص، قَالَ: {لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين} (الْقَصَص: 62) . و {قَالَت إِحْدَاهمَا} (الْقَصَص: 32) . وَهِي صفوراء {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} (الْقَصَص: 62) . فَقَالَ لَهَا شُعَيْب، وَمَا علمك بِهَذَا؟ فَأخْبرت بِالَّذِي فعله مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ شُعَيْب: {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} (الْقَصَص: 72) . إِلَى آخر الْآيَة، وَكَانَ فِي شرعهم: يجوز تَزْوِيج الْمَرْأَة على رعي الْغنم، وَأما فِي شرعنا فَفِيهِ خلاف مَشْهُور، وَقَالَ مُوسَى: {ذَلِك بيني وَبَيْنك ... } (الْقَصَص: 82) . الْآيَة.

(12/77)


والخَازِنُ الأمِينُ ومنْ لَمْ يَسْتعْملْ مَنْ أرَادَهُ
هَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة، وَلها جزآن: أَحدهمَا: قَوْله: والخازن الْأمين. وَالْآخر: قَوْله: وَمن لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ، وَقد ذكر بعد لكل وَاحِد حَدِيثا، فَالْحَدِيث الأول للجزء الأول وَالثَّانِي للثَّانِي، وَمعنى: من لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ الإِمَام الَّذِي لم يسْتَعْمل الَّذِي أَرَادَ الْعَمَل، لِأَن الَّذِي يُريدهُ يكون طلبه لِحِرْصِهِ فَلَا يُؤمن عَلَيْهِ.

1622 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى عَن قرَّةَ بنِ خالِدٍ قَالَ حدَّثني حُمَيْدُ بنُ هِلال قَالَ حدَّثنا أبُو بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أقْبَلْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعِي رَجلانِ منَ الأشْعَرِيِّينَ فَقُلْتُ مَا عَلِمْتُ أنَّهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ فقالَ لَنْ أوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنَا مَنْ أرَادَهُ. .

مطابقته لقَوْله: وَمن لم يسْتَعْمل من أَرَادَهُ، ظَاهِرَة وَأما وَجه دُخُوله فِي هَذَا الْبَاب فَلِأَن الَّذِي يطْلب الْعَمَل إِنَّمَا يَطْلُبهُ غَالِبا لتَحْصِيل الْأُجْرَة الَّتِي شرعت لَهُ، وَهَذَا كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان، وَأما الَّذِي يطْلب الْعَمَل فِي زَمَاننَا هَذَا فَلَا يَطْلُبهُ إلاَّ لتَحْصِيل الْأَمْوَال، سَوَاء كَانَ من الْحَلَال أَو الْحَرَام، وللأمر وَالنَّهْي بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي، بل غَالب من يطْلب الْعَمَل إِنَّمَا يَطْلُبهُ بالبراطيل والرشوة، وَلَا سِيمَا فِي مصر، فَإِن الْأَمر فَاسد جدا فِي الْعمَّال فِيهَا حَتَّى إِن أَكثر الْقُضَاة يتولون بالرشوة وَهَذَا غير خَافَ على أحد، فنسأل الله الْعَفو والعافية.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد، وَأَبُو خَالِد السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن هِلَال بن هُبَيْرَة الْعَدوي الْهِلَالِي الْبَصْرِيّ مر فِي: بَاب يرد الْمُصَلِّي من بَين يَدَيْهِ، وَأَبُو بردة عَامر، وَقد مضى الْآن.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا وَمُطَولًا فِي الْإِجَارَة وَالْأَحْكَام وَفِي استنابة الْمُرْتَدين عَن مُسَدّد عَن يحيى وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن عبد الله بن الصَّباح. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي قدامَة وَمُحَمّد بن حَاتِم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن حَنْبَل ومسدد بِتَمَامِهِ وَفِي القضايا عَن أَحْمد بن حَنْبَل

(12/78)


بِبَعْضِه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة وَفِي الْقَضَاء عَن عَمْرو بن عَليّ، خمستهم عَن يحيى بن سعيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ومعى) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (من الْأَشْعَرِيين) أَي: من الْجَمَاعَة الْأَشْعَرِيين، والأشعري نِسْبَة إِلَى الْأَشْعر وَهُوَ نبت بن أدد بن يشحب بن عريب بن يزِيد بن كهلان، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْأَشْعَرِيّ، لِأَن أمه وَلدته وَهُوَ أشعر. قَوْله: (فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَي: فَقلت: يَا رَسُول الله! مَا علمت أَنَّهُمَا أَي: أَن الرجلَيْن يطلبان الْعَمَل. وَسَيَجِيءُ فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَفِيه: معي رجلَانِ من الْأَشْعَرِيين وَكِلَاهُمَا سَأَلَا، أَي: الْعَمَل، فَقلت: وَالَّذِي بَعثك مَا أطلعت على مَا فِي أَنفسهمَا وَلَا علمت أَنَّهُمَا يطلبان الْعَمَل ... الحَدِيث. قَوْله: (فَقَالَ: لن أَو لَا) أَي: فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لن نستعمل على عَملنَا من أَرَادَهُ) ، وَقَوله: أوَ، لَشك الرَّاوِي، أَي: لَا نولي من أَرَادَ الْعَمَل. وَذكر ابْن التِّين أَنه ضبط فِي بعض النّسخ: لن أولي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة، مضارع فعل من التَّوْلِيَة. وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي: فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون لفظ: نستعمل، زَائِد، أَو يكون تَقْدِير الْكَلَام: لن أولى على عَملنَا، وَقد وَقع هَذَا الحَدِيث فِي الْأَحْكَام من طَرِيق بريد بن عبد الله عَن أبي بردة بِلَفْظ: إِنَّا لَا نولي على عَملنَا، وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكره الشَّيْخ قطب الدّين، رَحمَه الله. وَقَالَ ابْن بطال: لما كَانَ طلب العمالة دلَالَة على الْحِرْص وَجب أَن يحْتَرز من الْحَرِيص عَلَيْهَا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا نهي، وَظَاهره التَّحْرِيم، كَمَا قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تسْأَل الْإِمَارَة وَإِنَّا وَالله لَا نولي على عَملنَا هَذَا أحدا يسْأَله ويحرص عَلَيْهِ) ، فَلَمَّا أعرض عَنْهُمَا وَلم يولهما لحرصهما، ولى أَبَا مُوسَى الَّذِي لَا يحرص عَلَيْهَا والسائل الْحَرِيص يُوكل إِلَيْهَا وَلَا يعان عَلَيْهَا.

2 - (بابُ رَعْي الغَنمِ عَلى قَرَارِيطَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رعي الْغنم على قراريط، وَهُوَ جمع قراط بتَشْديد الرَّاء فأبدل أحد حرفي التَّضْعِيف يَاء، وَمثل هَذَا كثير فِي لُغَة الْعَرَب، والقيراط نصف دانق، وَقيل: هُوَ نصف عشر الدِّينَار، وَقيل: هُوَ جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا، وَقَالَ بَعضهم: على، هُنَا بِمَعْنى: الْبَاء، وَهِي للسَّبَبِيَّة أَو الْمُعَاوضَة، وَقيل: إِنَّهَا للظرفية. قلت: تَجِيء، على، بِمَعْنى: الْبَاء، نَحْو: حقيق عَليّ أَن لَا أَقُول، وَقد قَرَأَهُ أبي بِالْبَاء، وَلَكِن كَونهَا للسَّبَبِيَّة غير بعيد، وَكَذَلِكَ كَونهَا للمعاوضة، إِلَّا أَن كَونهَا للظرفية بعيد أللهم إلاَّ أَن يُقَال: إِن القراريط، إسم مَوضِع.

2622 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ قَالَ حدَّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ جَدِّهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا بَعَثَ الله نَبِيَّا إلاَّ رَعَى الغَنَمَ فَقَالَ أصْحَابُهُ وأنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أرْعَاهَا عَلى قرَاريطَ لأِهْلِ مَكَّةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كنت أرعاها على قراريط لأهل مَكَّة) .
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْأَزْرَقِيّ، وَيُقَال: الزرقي. الثَّانِي: عَمْرو بن يحيى بن سعيد. الثَّالِث: جده سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي. الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه من أَفْرَاده، وهما مكيان، وَأَن سعيد بن عَمْرو جد عَمْرو بن يحيى مدنِي الأَصْل، كَانَ مَعَ أَبِيه إِذْ غلب على دمشق، فَلَمَّا قتل أَبوهُ سيره عبد الْملك بن مَرْوَان مَعَ أهل بَيته إِلَى الْحجاز ثمَّ سكن الْكُوفَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مر فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي التِّجَارَات عَن سُوَيْد بن سعيد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إلاَّ راعي الْغنم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إلاَّ راعي الْغنم. قَوْله: (وَأَنت) ، أَي: وَأَنت أَيْضا رعيت الْغنم، فَقَالَ: نعم. قَوْله: (على قراريط) ، وَاخْتلف فِي القراريط، فَقيل: هِيَ قراريط النقط، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن سُوَيْد بن سعيد عَن عَمْرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مَكَّة بالقراريط، وَقَالَ سُوَيْد: شيخ ابْن ماجة، يَعْنِي: كل شَاة بقيراط، يَعْنِي:

(12/79)


القيراط الَّذِي هُوَ جُزْء من الدِّينَار أَو الدِّرْهَم وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ قراريط اسْم مَوضِع بِمَكَّة قرب جِيَاد وَلم يرد القراريط من النَّقْد وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الَّذِي قَالَه الْحَرْبِيّ أصح وَهُوَ تبع فِي ذَلِك شَيْخه ابْن نَاصِر فَإِنَّهُ خطأ سويدا فِي تَفْسِيره وَقَالَ بَعضهم لَكِن رجح الأول لِأَن أهل مَكَّة لَا يعْرفُونَ مَكَانا يُقَال لَهُ قراريط (قلت) وَكَذَلِكَ لَا يعْرفُونَ القيراط الَّذِي هُوَ من النَّقْد وَلذَلِك جَاءَ فِي الصَّحِيح " ستفتحون أَرضًا يذكر فِيهَا القراط " وَلَكِن لَا يلْزم من عدم معرفتهم القراريط الَّذِي هُوَ اسْم مَوضِع والقراريط الَّتِي من النَّقْد لَا يكون للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك علم فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أخبر بِأَنَّهُ رعى الْغنم على قراريط علمُوا فِي ذَلِك الْوَقْت أَنَّهَا اسْم مَوضِع وَلم يَكُونُوا علمُوا بِهِ قبل ذَلِك لكَون هَذَا الِاسْم قد هجر اسْتِعْمَاله من قديم الزَّمَان فأظهره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِك الْوَقْت وَيدل على تأييد ذَلِك شَيْئَانِ أَحدهمَا أَن كلمة على فِي أصل وَضعهَا للاستعلاء والاستعلاء حَقِيقَة لَا يكون إِلَّا على القراريط الَّذِي هُوَ اسْم مَوضِع وعَلى القراريط من النَّقْد يكون بطرِيق الْمجَاز فَلَا يُصَار إِلَى الْمجَاز إِلَّا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة وَلَا تعذر هُنَا وَالثَّانِي جَاءَ فِي رِوَايَة كنت أرعى غنم أَهلِي بجياد وَهُوَ مَوضِع بِأَسْفَل مَكَّة فَهَذَا يدل على أَنه يرْعَى تَارَة بجياد وَتارَة بقراريط الَّذِي هُوَ الْمَكَان وَهَذَا يدل أَيْضا أَنه مَا كَانَ يرْعَى بِأُجْرَة فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا دخل للقراريط من النَّقْد فِي هَذَا الْموضع فَإِن قلت مَتى كَانَ هَذَا الرَّعْي فِي عمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (قلت) علم بالاستقراء من كَلَام ابْن إِسْحَاق والواقدي أَنه كَانَ وَعَمه نَحْو الْعشْرين سنة (فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِيهِ (قلت) التقدمة والتوطئة فِي تَعْرِيفه سياسة الْعباد وَحُصُول التمرن على مَا سيكلف من الْقيام بِأَمْر أمته (فَإِن قلت) مَا وَجه تَخْصِيص الْغنم فِيهِ (قلت) لِأَنَّهَا أَضْعَف من غَيرهَا وأسرع انقيادا وَهِي من دَوَاب الْجنَّة (فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي ذكره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك (قلت) إِظْهَار تواضعه لرَبه مَعَ كَونه أكْرم الْخلق عَلَيْهِ وتنبيه أمته على مُلَازمَة التَّوَاضُع وَاجْتنَاب الْكبر وَلَو بلغ أقْصَى الْمنَازل الدنياوية وَفِيه أَيْضا اتِّبَاع لأخوته من الرُّسُل الَّذين رعوا الْغنم وَفِي حَدِيث للنسائي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعث مُوسَى وَهُوَ راعي غنم وَبعث دَاوُد وَهُوَ راعي غنم عَلَيْهِمَا وَعَلِيهِ صلوَات الله وَسَلَامه دَائِما أبدا

(بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة أَو إِذا لم يُوجد أهل الْإِسْلَام)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم استيجار الْمُسلمين أهل الشّرك عِنْد الضَّرُورَة وَهَذِه التَّرْجَمَة تشعر بِأَنَّهُ لَا يرى اسْتِئْجَار الْمُشرك سَوَاء كَانَ من أهل الذِّمَّة أَو من غَيرهم عِنْد عدم الضَّرُورَة إِلَّا عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى أحد مِنْهُم لأجل الضَّرُورَة نَحْو عدم وجود أحد من أهل الْإِسْلَام يَكْفِي ذَلِك أَو عِنْد عَدمه أصلا وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَإِذا لم يُوجد أهل الْإِسْلَام وَقَوله " لم يُوجد " على صِيغَة الْمَجْهُول وَفِي بعض النّسخ " وَإِذا لم يجد على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي وَإِذا لم يجد الْمُسلم أحدا من أهل الْإِسْلَام لِأَن يستأجره وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف يعلم مِمَّا قبله لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ وَقد قَرَّرْنَاهُ (وعامل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهود خَيْبَر) مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامل يهود خَيْبَر على الْعَمَل فِي أرْضهَا إِذْ لم يُوجد من الْمُسلمين من يَنُوب منابهم فِي عمل الأَرْض فِي ذَلِك الْوَقْت وَلما قوي الْإِسْلَام اسْتغنى عَنْهُم حَتَّى أجلاهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَسقط بذلك قَول بَعضهم وَفِي استشهاده بِقصَّة مُعَاملَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهود خَيْبَر على أَن يزرعوها نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيح بِالْمَقْصُودِ (قلت) كَيفَ يَنْفِي التَّصْرِيح بِالْمَقْصُودِ فِيهِ فَإِن مُعَامَلَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يهود خَيْبَر على الزِّرَاعَة فِي معنى استئجاره إيَّاهُم صَرِيحًا
4 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا واستأجر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل ثمَّ من بني عبد بن عدي هاديا خريتا. الخريت الماهر بالهداية قد غمس يَمِين حلف فِي آل العَاصِي

(12/80)


ابْن وَائِل وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فأمناه فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما ووعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال فأتاهما براحلتيهما صَبِيحَة لَيَال ثَلَاث فارتحلا وَانْطَلق مَعَهُمَا عَامر بن فهَيْرَة وَالدَّلِيل الديلِي فَأخذ بهم وَهُوَ على طَرِيق السَّاحِل) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي " واستأجر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل " وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ استأجرا هَذَا الرجل وَهُوَ مُشْرك إِذْ لم يجدا أحدا من أهل الْإِسْلَام وَقَول بَعضهم وَفِي استشهاده باستئجار الدَّلِيل الْمُشرك على ذَلِك نظر قَول واه صادر من غير ترو وَلَا تَأمل على مَا لَا يخفى وَهَذَا الحَدِيث يَأْتِي كَامِلا فِي أَوَاخِر كتاب الْإِجَارَة قَوْله " واستأجر " بواو الْعَطف إِنَّمَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي الْوَقْت وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا وَقع " اسْتَأْجر " بِدُونِ حرف الْعَطف وَهِي ثَابِتَة فِي الأَصْل فِي نفس الحَدِيث الطَّوِيل لِأَن الْقِصَّة معطوفة على قصَّة قبلهَا وَقَالَ الْكرْمَانِي واستأجر ذكر بِالْوَاو إشعارا بِأَنَّهُ قد تقدم لَهَا كَلِمَات أخر فِي حِكَايَة هِجْرَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعطف هَذَا عَلَيْهَا (قلت) نسب بَعضهم الْكرْمَانِي فِي قَوْله هَذَا إِلَى الْوَهم حَيْثُ قَالَ وَوهم من زعم أَن المُصَنّف زَاد الْوَاو للتّنْبِيه على أَنه اقتطع هَذَا الْقدر من الحَدِيث انْتهى (قلت) هَذَا الْقَائِل وهم فِي نَقله كَلَام الْكرْمَانِي على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ لم يقل بِأَن المُصَنّف زَاد الْوَاو إِلَى آخِره على هَذَا الْوَجْه وَمَا غر هَذَا الْقَائِل فِيمَا قَالَه إِلَّا قَول الْكرْمَانِي إشعارا وَقَوله فعطف هَذَا عَلَيْهَا وَأخذ مِنْهُمَا مَا ذهب إِلَيْهِ وهمه فنسبه إِلَى الْوَهم وَمعنى قَوْله إشعارا يَعْنِي للإشعار بِأَنَّهُ وَاو الْعَطف حَيْثُ قَالَ قد تقدم لَهَا كَلِمَات أخر يَعْنِي من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَمعنى قَوْله فعطف هَذَا عَلَيْهَا يَعْنِي أظهر وَاو الْعَطف على الْكَلِمَات الَّتِي تقدّمت لَا أَنه زَاد المُصَنّف من عِنْده وَاو الْعَطف قَوْله " رجلا من بني الديل " وَاسم هَذَا الرجل عبد الله بن أَرقم فِيمَا قَالَه ابْن إِسْحَق وَقَالَ ابْن هِشَام عبد الله بن أريقط وَقَالَ مَالك اسْمه رقيط والديلي بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام وَقَالَ الرشاطي الديل فِي الأزد الديلِي بن هداء بن زيد وَفِي ثَعْلَب الديل بن زيد وَفِي إياد الديل بن أُميَّة وَفِي ضبة الديل بن ثَعْلَبَة وَفِي عبد الْقَيْس الديل بن عَمْرو وَالنِّسْبَة إِلَى ذَلِك كُله الديل بِكَسْر الدَّال وَإِسْكَان الْيَاء من دَال يديل إِذا تعلق الشَّيْء وتحرك وَيُقَال مِنْهُ اندال يندال وَقَالَ ابْن هِشَام رجلا من بني الديلِي بن بكر وَكَانَت أمه من بني سهم بن عَمْرو وَكَانَ مُشْركًا قَوْله " من بني الديل " جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله رجلا قَوْله " ثمَّ من بني عبد بن عدي " وَعبد خلاف الْحر وعدي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال وَتَشْديد الْيَاء من بني بكر قَوْله " هاديا " صفة لرجلا أَيْضا من هداه الطَّرِيق إِذا أرشده إِلَيْهِ قَوْله " خريتا " أَيْضا صفة بعد صفة والخريت بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق وَهُوَ الماهر الَّذِي يَهْتَدِي لأخرات الْمَفَازَة وَهِي طرقها الْخفية ومضايقها وَقيل أَرَادَ بِهِ أَنه يَهْتَدِي لمثل خرت الإبرة من الطَّرِيق أَي ثقبها وَحكى الْكسَائي خرتنا الأَرْض إِذا عرفناها وَلم تخف علينا طرقها قَوْله " الخريت الماهر " بالهداية مدرج من قَول الزُّهْرِيّ قَوْله " قد غمس يَمِين حلف " أَي دخل فِي جُمْلَتهمْ وغمس نَفسه فِي ذَلِك وَالْحلف بِكَسْر الْحَاء الْعَهْد الَّذِي يكون بَين الْقَوْم وَإِنَّمَا قَالَ غمس إِمَّا لِأَن عَادَتهم أَنهم كَانُوا يغمسون أَيْديهم فِي المَاء وَنَحْوه عِنْد التَّحَالُف وَإِمَّا أَنه أَرَادَ بالغمس الشدَّة قَوْله " الْعَاصِ بن وَائِل " بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف وباللام وَيُقَال العَاصِي بِالْيَاءِ وبدونه وَآل الْعَاصِ هم بَنو سهم رَهْط من قُرَيْش قَوْله " فأمناه " أَي فأمن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر الرجل من أمنت فلَانا فَهُوَ آمن وَذَاكَ مَأْمُون قَوْله " راحلتيهما " تَثْنِيَة رَاحِلَة وَهِي من الْإِبِل الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَالتَّاء فِيهَا للْمُبَالَغَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اشتراهما بثمانمائة دِرْهَم وَكَانَ حبسهما فِي دَاره يعلفها إعدادا للسَّفر قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قرب أَبُو بكر الراحلتين إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدم لَهُ أفضلهما فَقَالَ اركب يَا رَسُول الله فدَاك أبي وَأمي فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي لَا أركب بَعِيرًا لَيْسَ لي قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُول الله بِأبي وَأمي قَالَ مَا الثّمن الَّذِي ابتعتها بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ أَخَذتهَا بذلك " قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُول الله وروى الْوَاقِدِيّ أَنه أَخذ

(12/81)


القصوى وروى ابْن عَسَاكِر بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت هِيَ الجدعاء فركبا وانطلقا وَأَرْدَفَ أَبُو بكر عَامر بن فهَيْرَة مَوْلَاهُ خَلفه للْخدمَة فِي الطَّرِيق قَوْله " غَار ثَوْر " الْغَار بالغين الْمُعْجَمَة الْكَهْف وثور اسْم الْحَيَوَان الْمَشْهُور جبل بِأَسْفَل مَكَّة وَفِيه الْغَار الَّذِي بَات فِيهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر لما هاجرا قَوْله " مَعَهُمَا " أَي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " عَامر بن فهَيْرَة " بِضَم الْفَاء وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء الْأَزْدِيّ وَكَانَ أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر الصّديق مِنْهُ فَأعْتقهُ وَكَانَ دُخُوله فِي الْإِسْلَام قبل دُخُول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَار الأرقم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَهَاجَر مَعَهُمَا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ ثالثهما قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة بِفَتْح الْمِيم وبالنون سنة أَربع من الْهِجْرَة قَوْله " فَأخذ بهم " أَي فَأخذ الدَّلِيل الديلِي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وعامر بن فهَيْرَة أَي ملتبسا بهم قَوْله " وَهُوَ على طَرِيق السَّاحِل " أَي طَرِيق سَاحل الْبَحْر ويروى فَأخذ بهم طَرِيق سَاحل الْبَحْر (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ اسْتِئْجَار الْمُسلم الْكَافِر على هدايته الطَّرِيق قلت وعَلى غَيرهَا أَيْضا. وَفِيه اسْتِئْجَار الرجلَيْن الْوَاحِد على عمل وَاحِد لَهما. وَفِيه اسْتِئْجَار الرجل على أَن يدْخل فِي الْعَمَل بعد أَيَّام مَعْلُومَة فَيصح عقدهما قبل الْعَمَل وَقِيَاسه أَن يسْتَأْجر منزلا مُدَّة مَعْلُومَة قبل مَجِيء السّنة بأيام وَأَجَازَ مَالك وَأَصْحَابه اسْتِئْجَار الْأَجِير على أَن يعْمل بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو مَا قرب هَذَا إِذا نَقده الْأُجْرَة وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليعْمَل بعد شهر أَو سنة وَلم ينقده فَأَجَازَهُ مَالك وَابْن الْقَاسِم وَقَالَ أَشهب لَا يجوز وَوَجهه أَنه لَا يدْرِي أيعيش الْمُسْتَأْجر أَو الدَّابَّة وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز فِي الرَّاحِلَة الْمعينَة والأجير الْمعِين وَأما إِذا كَانَ كِرَاء مَضْمُونا فَيجوز فِيهِ ضرب الْأَجَل الْبعيد وَتَقْدِيم رَأس المَال وَلَا يجوز أَن يتَأَخَّر رَأس المَال إِلَى الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لِأَنَّهُ إِذا تَأَخّر كَانَ من بَاب بيع الدّين بِالدّينِ وَتَفْسِير الْكِرَاء الْمَضْمُون أَن يستأجره على حَملَة بِعَينهَا على غير دَابَّة مُعينَة وَالْإِجَارَة الْمَضْمُونَة أَن يستأجره على بِنَاء بَيت لَا يشْتَرط عَلَيْهِ عمل يَده ويصف لَهُ طوله وَعرضه وَجَمِيع آلَته على أَن الْمُؤْنَة فِيهِ كلهَا على الْعَامِل مَضْمُونا عَلَيْهِ حَتَّى يتمه فَإِن مَاتَ قبل تَمَامه كَانَ ذَلِك فِي مَاله وَلَا يضرّهُ بعد الْأَجَل وَفِيه ائتمان أهل الشّرك على السِّرّ وَالْمَال إِذا عهد مِنْهُم وَفَاء ومروءة كَمَا استأمن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الْمُشرك لما كَانُوا عَلَيْهِ من بَقِيَّة دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن كَانَ من الْأَعْدَاء لكنه علم مِنْهُ مُرُوءَة وائتمنه من أجلهَا على سره فِي الْخُرُوج من مَكَّة وعَلى الناقتين اللَّتَيْنِ دفعهما إِلَيْهِ ليوافيهما بهما بعد ثَلَاث فِي غَار ثَوْر

(بَاب إِذا اسْتَأْجر أَجِيرا ليعْمَل لَهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام أَو بعد شهر أَو بعد سِتَّة أشهر أَو بعد سنة جَازَ وهما على شَرطهمَا الَّذِي اشترطاه إِذا جَاءَ الْأَجَل)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اسْتَأْجر شخص أَجِيرا إِلَى آخِره قَوْله " جَازَ " جَوَاب إِذا قَوْله " وهما " أَي الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر على شَرطهمَا قَوْله " إِذا جَاءَ الْأَجَل " أَي الْأَجَل الْمَضْرُوب الْمَذْكُور وَقد ذكرنَا خلاف مَالك وَأَصْحَابه فِيهِ
5 - (حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل قَالَ ابْن شهَاب فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت واستأجر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما وواعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال براحلتيهما صبح ثَلَاث) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اسْتِئْجَار النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الرجل الْمَذْكُور على أَن ينظر فِي أَمر راحلتيهما ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن يحضرهما بعد ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد غَار ثَوْر ثمَّ خدمهما بِمَا قصداه من الدّلَالَة على الطَّرِيق بعد تِلْكَ الثَّلَاثَة

(12/82)


الْأَيَّام فَهَذَا بِعَيْنِه ظَاهر التَّرْجَمَة وَلَكِن فِيهَا ابْتِدَاء الْعَمَل بعد الثَّلَاثَة وقاس عَلَيْهَا البُخَارِيّ إِذا كَانَ ابْتِدَاء الْعَمَل بعد شهر أَو بعد سنة وقاس الْأَجَل الْبعيد على الْأجر الْقَرِيب إِذْ لَا قَائِل بِالْفَصْلِ فَجعل الحَدِيث دَلِيلا على جَوَاز الْأَجَل مُطلقًا وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق هَهُنَا فَلَا يرد اعْتِرَاض من قَالَ أَنه لَيْسَ فِي الْخَبَر أَنَّهُمَا استأجراه على أَن لَا يعلم إِلَّا بعد ثَلَاث بل الَّذِي فِي الْخَبَر أَنَّهُمَا استأجراه وابتدأ فِي الْعَمَل من وقته بتسليمهما إِلَيْهِ راحلتيهما وبحفظهما فَكَانَ خروجهما وَخُرُوجه بعد ثَلَاث على الراحلتين اللَّتَيْنِ قَامَ بأمرهما إِلَى ذَلِك الْوَقْت انْتهى قلت هَذَا الْقَائِل صدر كَلَامه هَذَا أَولا بقوله ظن البُخَارِيّ ظنا فَعمل عَلَيْهِ بل هُوَ الَّذِي ظن
ظنا فَعمل عَلَيْهِ، بل هُوَ الَّذِي ظن ظنا فَعمل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ظن أَن ابْتِدَاء الْإِجَارَة من أول مَا تسلم الرجل الراحلتين، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل أول الْإِجَارَة بعد الثَّلَاث، وَلم تكن إجارتهما إِيَّاه لخدمة الراحلتين، بل كَانَت الْإِجَارَة لأجل الدّلَالَة على الطَّرِيق، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ تسليمهما الراحلتين إِيَّاه لأجل مُجَرّد النّظر فيهمَا، وَلأَجل حفظهما إِلَى مُضِيّ الثَّلَاث، فَإِن ادّعى هَذَا الْمُعْتَرض بِبُطْلَان الْإِجَارَة إِذا لم يشرع فِي الْعَمَل من حِين الْإِجَارَة فَيحْتَاج إِلَى إِقَامَة برهَان، وَلَا يرد أَيْضا اعْتِرَاض من قَالَ: إِن الإبتداء فِي الْعَمَل بعد شهر أَو سنة غرر، فَلَا يدْرِي هَل يعِيش الرجل أم لَا، واغتفر الأمد الْيَسِير لِأَن العطبفيه نَادِر، وَالْغَالِب السَّلامَة. انْتهى. قلت: يكون الحكم فِي الأمد الْكثير بعروض الْمَوْت مثل مَا يكون فِي الأمد الْقصير بعروضه، لِأَن عدم الْعرُوض فِيهِ غير مُحَقّق، فَلَا غرر حِينَئِذٍ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَالْحكم فِي الْمَوْت وجوب الضَّمَان فيهمَا، وَالله أعلم.

5 - (بابُ الأجِيرِ فِي الْغَزْوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اسْتِئْجَار الْأَجِير فِي الْغَزْو، وَقَالَ ابْن بطال: اسْتِئْجَار الْأَجِير للْخدمَة وكفاية مؤونة الْعَمَل فِي الْغَزْو وَغَيره سَوَاء، وَيحْتَمل أَن يكون أَشَارَ إِلَى أَن الْجِهَاد، وَإِن كَانَ القصدبه تَحْصِيل الْأجر، فَلَا يُنَافِي ذَلِك الِاسْتِعَانَة بالخادم، خُصُوصا لمن لَا يقدر على معاطاة الْأُمُور بِنَفسِهِ.
6 - (حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية قَالَ أخبرنَا ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلى عَن يعلى بن أُميَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَيش الْعسرَة فَكَانَ من أوثق أعمالي فِي نَفسِي فَكَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا إِصْبَع صَاحبه فَانْتزع إصبعه فأندر ثنيته فَسَقَطت فَانْطَلق إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأهدر ثنيته وَقَالَ أفيدع إصبعه فِي فِيك تقضمها قَالَ أَحْسبهُ قَالَ كَمَا يقضم الْفَحْل) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَكَانَ لي أجِير. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير الدَّوْرَقِي الثَّانِي إِسْمَاعِيل بن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَعليَّة اسْم أمه وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم بن مقسم الْأَسدي الثَّالِث عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الرَّابِع عَطاء بن أبي رَبَاح الْخَامِس صَفْوَان بن يعلى بن أُميَّة التَّمِيمِي أَو التَّيْمِيّ حَلِيف لقريش السَّادِس يعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام مَقْصُورا ابْن أُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَيُقَال لَهُ ابْن منية بِضَم الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ اسْم أمه وَالْأول اسْم أَبِيه أَبُو صَفْوَان (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه بغدادي وَإِنَّمَا قيل لَهُ الدَّوْرَقِي لِأَنَّهُ وأقاربه كَانُوا يلبسُونَ قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إِلَيْهَا وَلَيْسوا من بلد دورق وَإِسْمَاعِيل بَصرِي والبقية كلهم مكيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَفِيه عَن عَطاء عَن صَفْوَان وَفِي رِوَايَة همام الْمَاضِيَة فِي الْحَج حَدثنِي صَفْوَان بن يعلى

(12/83)


(ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي الْمَغَازِي عَن عبيد الله بن سعيد وَفِي الدِّيات مُخْتَصرا عَن أبي عَاصِم أربعتهم عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عَمْرو بن زُرَارَة وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن شَيبَان بن فروخ وَعَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار وَعَن أبي غَسَّان وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقصاص وَعَن عبد الْجَبَّار وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فرقهما وَعَن عبد الْجَبَّار وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَيْضا وَعَن أبي بكر بن إِسْحَاق (ذكره مَعْنَاهُ) قَوْله " جَيش الْعسرَة " بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَهِي غَزْوَة تَبُوك وتعرف أَيْضا بالفاضحة وَقيل لَهَا الْعسرَة لِأَن الْحر كَانَ فِيهَا شَدِيدا والجدب كثيرا وَحين طابت الثِّمَار وَكَانَ النَّاس يحبونَ الْمقَام فِي ثمارهم وظلالهم وَكَانَت فِي رَجَب قَالَ ابْن سعد يَوْم الْخَمِيس وَقَالَ ابْن التِّين خرج فِي أول يَوْم من رَجَب وَرجع فِي سلخ شَوَّال وَقيل رَمَضَان من سنة تسع من الْهِجْرَة قَوْله " فَكَانَ من أوثق أعمالي فِي نَفسِي " أَي مَكَان الْغَزْو من أحكم أعمالي فِي نَفسِي وأقواها اعْتِمَادًا عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ مِنْهُ ذكر الرجل الصَّالح عمله قَوْله " فَكَانَ لي أجِير " وَهُوَ الَّذِي يخْدم بِالْأُجْرَةِ قَوْله " فقاتل " أَي الْأَجِير إنْسَانا وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم " أَن يعلى قَاتل رجلا " قَالَ مُسلم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار وَاللَّفْظ لِابْنِ الْمثنى قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ قَاتل يَعْنِي ابْن منية أَو ابْن أُميَّة رجلا فعض أَحدهمَا صَاحبه فَانْتزع يَده من فِيهِ فَنزع ثنيته وَقَالَ ابْن الْمثنى ثنتيه فاختصما إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ " يعَض أحدكُم كَمَا يعَض الْفَحْل لَا دِيَة لَك " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَرِوَايَة البُخَارِيّ " أَن أَجِيرا ليعلى " هُوَ الأولى إِذْ لَا يَلِيق بيعلى مَعَ جلالته وفضله ذَلِك الْفِعْل وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح الْمَعْرُوف فِيمَا قَالَه الْحفاظ أَنه أجِير يعلى لَا يعلى وَيحْتَمل أَنَّهُمَا قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره فِي وَقت أَو فِي وَقْتَيْنِ انْتهى قَوْله " يَده " ويروى " ذراعه " قَوْله " أصْبع صَاحبه " فِي الْأصْبع تسع لُغَات والعاشر أصبوع قَوْله " فندر ثنيته " أَي أسقطها بجذبه والثنية مقدم الْأَسْنَان وللإنسان أَربع ثنايا ثِنْتَانِ من فَوق وثنتان من أَسْفَل قَوْله " أفيدع " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار قَوْله " فيقضمها " بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة من القضم وَهُوَ الْأكل بأطراف الْأَسْنَان يُقَال قضمت الدَّابَّة شعيرها بِالْكَسْرِ تقضمه وَفِي الواعي أصل القضم الدق وَالْكَسْر وَلَا يكون إِلَّا فِي الشَّيْء الصلب وماضيه على مَا ذكره ثَعْلَب بِكَسْر الْعين وَحكى ثَابت وَابْن طَلْحَة فتح الْعين وَقَالَ ابْن التِّين القضم هُوَ الْأكل بِأَدْنَى الأضراس قَوْله " الْفَحْل " الذّكر من الْإِبِل وَنَحْوه (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَبِه احْتج أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين فِي أَن المعضوض إِذا جبذ يَده فَسَقَطت أَسْنَان العاض أَو فك لحييْهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا صال الْفَحْل على رجل فَدفعهُ فَأتى عَلَيْهِ لم يلْزمه قِيمَته وَعند مَالك يضمن المعضوض قَالَ الْقُرْطُبِيّ لم يقل أحد بِالْقصاصِ فِي ذَلِك فِيمَا علمت وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الضَّمَان فأسقطه أَبُو حنيفَة وَبَعض أَصْحَابنَا وَضَمنَهُ الشَّافِعِي وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك قَالَ وَنزل بعض أَصْحَابنَا القَوْل بِالضَّمَانِ على مَا إِذا أمكنه نزع يَده بِرِفْق فانتزعها بعنف وَحمل بعض أَصْحَابنَا الحَدِيث على أَنه كَانَ متحرك الثنايا وَقَالَ أَبُو عبد الْملك لم يَصح الحَدِيث عِنْد مَالك وَفِيه اسْتِئْجَار الْأَجِير للْخدمَة وكفاية مُؤنَة الْعَمَل فِي الْغَزْو وَغَيره سَوَاء وَأما الْقِتَال فَلَا يسْتَأْجر عَلَيْهِ لِأَن على كل مُسلم أَن يُقَاتل حَتَّى تكون كلمة الله هِيَ الْعليا
(قَالَ ابْن جريج وحَدثني عبد الله بن أبي مليكَة عَن جده بِمثل هَذِه الصّفة أَن رجلا عض يَد رجل فأندر ثنيته فأهدرها أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ) ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَعبد الله بن أبي مليكَة تَصْغِير ملكة مَنْسُوب إِلَى جده وَقيل إِلَى جد أَبِيه فَإِنَّهُ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة واسْمه زُهَيْر بن عبد الله بن جدعَان وَله صُحْبَة وَمِنْهُم من زَاد فِي نِسْبَة عبد الله بَين عبيد الله وَزُهَيْر وَقَالَ أَن الَّذِي يكنى أَبَا مليكَة هُوَ عبد الله بن زُهَيْر فعلى الأول فَالْحَدِيث من رِوَايَة زُهَيْر بن عبد الله عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعَلى الثَّانِي من رِوَايَة عبد الله بن زُهَيْر فَالضَّمِير فِي جده على الأول يعود على عبد الله

(12/84)


فَيكون الحَدِيث مُتَّصِلا وعَلى الثَّانِي يعود على زُهَيْر فَيكون مُنْقَطِعًا قَالَ بَعضهم قَوْله قَالَ ابْن جريج إِلَى آخِره هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِ وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي الكنى عَن أبي بكر بن أبي دَاوُد حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أَبِيه عَن جده عَن أبي بكر أَن رجلا عض يَد رجل فأندر ثنيته فأهدرها أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح عبد الله بن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله بن جدعَان قَاضِي الطَّائِف لِابْنِ الزبير توفّي بِمَكَّة سنة أَربع عشرَة وَمِائَة وَقد خَالف البُخَارِيّ ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَأَبُو عمر فَرَوَوْه فِي كتب الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله بن جدعَان من حَدِيث ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن أَبِيه عَن جده عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " بِمثل هَذِه الصّفة " بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة بعْدهَا الْفَاء ويروى بِمثل هَذِه الْقَضِيَّة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف -