عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 8 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُحِلَّتْ لَكُمُ الغَنَائِمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (أحلّت لكم الْغَنَائِم أَي وَلم تحل لأحد
غَيْركُمْ) .
وَقَالَ الله تَعالى: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ
كَثِيَرَةً تأخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}
(الْفَتْح: 021) .
تَمام الْآيَة: {وكف أَيدي النَّاس عَنْكُم ولتكون آيَة
للْمُؤْمِنين وَيهْدِيكُمْ صراطاً مُسْتَقِيمًا}
(الْفَتْح: 02) . قَوْله: {وَعدكُم الله مَغَانِم
كَثِيرَة} (الْفَتْح: 02) . هِيَ مَا أصابوها مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعده إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة. قَوْله: (فَعجل لكم هَذِه) ، يَعْنِي
غَنَائِم خَيْبَر. قَوْله: (وكف أَيدي النَّاس عَنْكُم)
أَي: أَيدي قُرَيْش كفهم الله بِالصُّلْحِ، وَقَالَ
قَتَادَة: أَيدي الْيَهُود، وَقَالَ مقَاتل: إِنَّهُم أَسد
وغَطَفَان حلفاء أهل خَيْبَر جَاءُوا لينصروا أهل خَيْبَر،
فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فانصرفوا.
9113 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ قَالَ
حدَّثنا حُصَيْنٌ عنْ عامِرٍ عَن عُرْوَةَ البَارِقِيِّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَيْلُ معْقُودٌ فِي نَوَاصِيها
الخَيْرُ الأجْرُ والمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والمغنم) وخَالِد هُوَ
ابْن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان، وحصين، بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة: ابْن عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَعُرْوَة بن
الْجَعْد، وَيُقَال: أبي الْجَعْد الْبَارِقي، بِالْبَاء
الْمُوَحدَة وبالراء وَالْقَاف: الْأَزْدِيّ. والْحَدِيث
قد مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الْخَيل مَعْقُود فِي
نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ: عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن حُصَيْن
وَابْن أبي سفر عَن الشّعبِيّ عَن عُرْوَة بن الْجَعْد عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِيهِ
لَفْظَة: والمغنم، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب الْجِهَاد
ماضٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَفِيه: الْأجر والمغنم.
0213 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ
قَالَ حدَّثنا أَبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ
كِسْرَى بَعْدَهُ وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ
بَعْدَهُ والَّذِي نفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ
كُنُوزَهُما فِي سَبِيلِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لتنفقن كنوزهما
فِي سَبِيل الله) لِأَن كنوزهما كَانَت مَغَانِم، وَأَبُو
الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي
حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله
بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (فَلَا كسْرَى بعده) ، أَي: فِي الْعرَاق. (وَلَا
قَيْصر) أَي: فِي الشَّام، وَكلمَة: لَا، هُنَا بِمَعْنى:
لَيْسَ، فَلَا يلْزم التكرير، وَقَالَ الْخطابِيّ: أما
كسْرَى فقد قطع الله دابره وانفقت كنوزه فِي سَبِيل الله،
وَأما قَيْصر فَكَانَ الشَّام منشأه وَبهَا بَيت
الْمُقَدّس، وَهُوَ الَّذِي لَا يتم لِلنَّصَارَى نسك
إلاَّ فِيهِ، وَلَا يملك أحد على الرّوم من مُلُوكهمْ
حَتَّى يكون قد دخله سرا أَو جَهرا، وَقد أجلى عَنْهَا
وافتتحت خزائنه الَّتِي فِيهَا وَلم يخلفه أحد من القياصرة
بعده إِلَى أَن ينجز الله تَمام وعده فِي فتح قسطنطينية
فِي آخر الزَّمَان.
1213 - حدَّثنا إسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيراً عنْ عَبْدِ
المَلِكِ عنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إذَا هلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَي بَعْدَهُ وإذَا هَلَكَ
قيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ والَّذِي نفْسِي بِيَدِهِ
لَتُنْفِقَنَّ كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الَّذِي قبله.
وَإِسْحَاق هَذَا قَالَ الجياني: لم أره مَنْسُوبا إِلَى
أحد، وَنسبه أَبُو نعيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. قلت:
ثَلَاثَة أنفس كل وَاحِد مِنْهُم يُسمى: إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم، وروى البُخَارِيّ عَن كل وَاحِد مِنْهُم:
فإسحاق بن إِبْرَاهِيم من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، وَجَرِير
بن عبد الحميد، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات
النُّبُوَّة عَن قبيصَة بن عقبَة وَفِي الْإِيمَان
وَالنُّذُور عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه مُسلم فِي
الْفِتَن عَن قُتَيْبَة عَن جرير بِهِ.
2213 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنان قالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ
قَالَ أخبرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ الْفَقِير
(15/41)
ُ قَالَ حدَّثنا جابِرُ بنُ عَبْدِ الله
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رسوُلُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ. (انْظُر
الحَدِيث 533 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وهشيم، بِضَم الْهَاء:
ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الوَاسِطِيّ،
وسيار، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف ابْن أبي سيار، واسْمه وردان أَبُو الحكم
الوَاسِطِيّ، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن صُهَيْب
الْكُوفِي الْمَعْرُوف بالفقير، قَالَ الْكرْمَانِي:
الْفَقِير ضد الْغَنِيّ. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا
هُوَ من فقار الظّهْر لَا من المَال، وَهُوَ الَّذِي
أُصِيب فِي فقار ظَهره، وَهُوَ خرزاته، الْوَاحِدَة فقارة.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب أول
التَّيَمُّم، بأتم مِنْهُ عَن مُحَمَّد بن سِنَان عَن هشيم
وَعَن سعيد بن النَّضر عَن هشيم عَن سيار عَن يزِيد
الْفَقِير ... الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَأحلت لي الْغَنَائِم) هِيَ من خَصَائِصه، فَلم
تحل لأحد غَيره وَغير أمته، على مَا ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ.
3213 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ أبِي
الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسوُلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ تَكَفَّلَ الله لِمَنْ جاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا
يُخْرِجُهُ إلاَّ الجهادُ فِي سَبِيلِه وتَصْدِيقُ
كَلِمَاتِهِ بِأنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرْجِعَهُ
إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ أجْرٍ أوْ
غَنِيمَةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو غنيمَة)
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن
أنس، وَقد تكَرر ذكره، والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب
الْإِيمَان فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن حرمي بن حَفْص عَن عبد
الْوَاحِد إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَو يرجعه) ، بِفَتْح الْيَاء، لِأَن رَجَعَ
يتَعَدَّى بِنَفسِهِ. قَوْله: (أَو غنيمَة) ، يَعْنِي لَا
يَخْلُو عَن أَحدهمَا مَعَ جَوَاز الِاجْتِمَاع بَينهمَا،
بِخِلَاف: أَو: الَّتِي فِي: أَو، يرجعه فَإِنَّهَا تفِيد
منع الْخُلُو وَمنع الْجمع كليهمَا.
4213 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا
ابنُ المُبَارَكِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزَا نَبِي
مِنَ الأَنْبِيَاءٍ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْني
رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأة وهْوَ يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ
بِها ولَمَّا يَبْنِ بِهَا ولاَ أحَدٌ بَنَى بُيُوتَاً
ولَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً
أوْ خَلِفَاتٍ وهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا فغَزَا فَدَنا
مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أوْ قَرِيباً مِنْ
ذَلِكَ فَقَالَ لِلْشَّمْسِ إنَّكِ مأمُورَةٌ وَأَنا
مأمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حتَّى
فتَحَ لله علَيْهِ فجَمَعَ الغَنَائِمَ فجاءَتْ يَعْنِي
النَّارَ لِتأكُلَهَا فلَمُ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إنَّ
فِيكُمْ غُلُولاً فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ
رَجُلٌ فلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ
الْغُلُولُ فَلْيُبايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فلَزِقَتْ يَدُ
رَجُلَيْنِ أوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ
الغُلُولُ فَجاؤا بِرَأسٍ مِثْلَ رأسِ بَقَرَةٍ مِنَ
الذَّهَبِ فوَضَعُوهَا فَجاءَتِ النَّارُ فأكَلَتْهَا
ثُمَّ أحَلَّ الله لَنا الغَنَائِمَ رأى ضَعْفَنا
وعَجْزَنا فأحَلَّهَا لَنا. (الحَدِيث 4213 طرفه فِي:
7515) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ أحل لنا
الْغَنَائِم) .
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي
الْكُوفِي: وَابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك
الْمروزِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح،
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي كريب أَيْضا عَن
ابْن الْمُبَارك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء)
قَالَ ابْن إِسْحَاق: هَذَا النَّبِي هُوَ يُوشَع بن نون،
وَلم تحبس الشَّمْس، إلاَّ لَهُ ولنبينا مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَة الْإِسْرَاء حِين انتظروا العير
الَّتِي أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدومها عِنْد شروق
الشَّمْس فِي ذَلِك الْيَوْم. وأصل ذَلِك أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لما توجه من بَيت الْمُقَدّس بعد
نُزُوله من الْإِسْرَاء لَقِي عير بني فلَان بضجنان، وَلما
دخل مَكَّة أخبر بذلك
(15/42)
وَقَالَ: الْآن تصوب عيرهم من ثنية
التَّنْعِيم الْبَيْضَاء. يقدمهَا جمل أَوْرَق عَلَيْهِ
غِرَارَتَانِ إِحْدَاهمَا سَوْدَاء وَالْأُخْرَى برقاء،
قَالَ: فابتدر الْقَوْم الثَّنية فوجدوا مثل مَا أخبر، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. وَعَن السّديّ: أَن الشَّمْس كَادَت
أَن تغرب قبل أَن يقدم ذَلِك العير فَدَعَا الله، عز وَجل،
فحبسها حَتَّى قدمُوا كَمَا وصف لَهُم قَالَ: فَلم تحبس
الشَّمْس على أحد إلاَّ عَلَيْهِ ذَلِك الْيَوْم، وعَلى
يُوشَع بن نون، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ. قلت: حبست أَيْضا
فِي الخَنْدَق حِين شغل عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى
غَابَتْ الشَّمْس فَصلاهَا، ذكره عِيَاض فِي (إكماله)
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: رُوَاته ثِقَات، وَوَقع لمُوسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، تَأْخِير طُلُوع الْفجْر،
روى إِبْنِ إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ من حَدِيث يحيى بن
عُرْوَة عَن أَبِيه، أَن الله عز وَجل، أَمر مُوسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالْمَسِيرِ ببني
إِسْرَائِيل، وَأمره بِحمْل تَابُوت يُوسُف وَلم يدل
عَلَيْهِ حَتَّى كَاد الْفجْر يطلع، وَكَانَ وعد بني
إِسْرَائِيل أَن يسير بهم إِذا طلع الْفجْر، فَدَعَا ربه
أَن يُؤَخر طلوعه حَتَّى يفرغ من أَمر يُوسُف فَفعل الله،
عز وَجل، ذَلِك. وبنحوه ذكر الضَّحَّاك فِي (تَفْسِيره
الْكَبِير) وَقد وَقع ذَلِك أَيْضا للْإِمَام عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه الْحَاكِم عَن أَسمَاء بنت
عُمَيْس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام على فَخذ
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى غَابَتْ
الشَّمْس، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: يَا رَسُول الله {إِنِّي لم أصل الْعَصْر}
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم إِن عَبدك عليا
احْتبسَ بِنَفسِهِ على نبيك، فَرد عَلَيْهِ شرقها. قَالَت
أَسمَاء: فطلعت الشَّمْس حَتَّى وَقعت على الْجبَال وعَلى
الأَرْض، ثمَّ قَامَ عَليّ فَتَوَضَّأ وَصلى الْعَصْر،
وَذَلِكَ بالصهباء، وَذكره الطَّحَاوِيّ فِي (مُشكل
الْآثَار، قَالَ: وَكَانَ أَحْمد بن صَالح يَقُول: لَا
يَنْبَغِي لمن سَبيله الْعلم أَن يتَخَلَّف عَن حفظ حَدِيث
أَسمَاء لِأَنَّهُ من أجل عَلَامَات النُّبُوَّة. وَقَالَ:
وَهُوَ حَدِيث مُتَّصِل، وَرُوَاته ثِقَات وإعلال ابْن
الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ وَقع لِسُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: سَأَلت
عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن هَذِه
الْآيَة {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي
حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} (ص: 23) . فَقَالَ: مَا بلغك
فِي هَذَا يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت لَهُ: سَمِعت كَعْب
الْأَحْبَار يَقُول: إِن سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، اشْتغل ذَات يَوْم بِعرْض الأفراس وَالنَّظَر
إِلَيْهَا حَتَّى تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب ردوهَا عَليّ
يَعْنِي الأفراس، وَكَانَت أَرْبَعَة عشر، فردوها عَلَيْهِ
فَأمر بِضَرْب سوقها وأعناقها بِالسَّيْفِ، فَقَتلهَا،
وَإِن الله تَعَالَى سلب ملكه أَرْبَعَة عشر يَوْمًا
لِأَنَّهُ ظلم الْخَيل بقتلها، فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: كذب كَعْب، لَكِن سُلَيْمَان اشْتغل
بِعرْض الأفراس ذَات يَوْم لِأَنَّهُ أَرَادَ جِهَاد عَدو
حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب، فَقَالَ يَأْمر الله
للْمَلَائكَة الموكلين بالشمس، ردوهَا عَليّ، يَعْنِي
الشَّمْس، فردوها عَلَيْهِ حَتَّى صلى الْعَصْر فِي
وَقتهَا، وَأَن أَنْبيَاء الله لَا يظْلمُونَ وَلَا يأمرون
بالظلم، وَلَا يرضون بالظلم لأَنهم معصومون مطهرون.
قَوْله: (ملك بضع امْرَأَة) ، بِضَم الْبَاء، وَهُوَ
النِّكَاح أَي ملك عقدَة نِكَاحهَا، وَهُوَ أَيْضا يَقع
على الْجِمَاع وعَلى الْفرج. قَوْله: (وَهُوَ يُرِيد)
الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أَن يَبْنِي بهَا) أَي:
يدْخل عَلَيْهَا وتزف إِلَيْهِ، ويروى: أَن يبتني، من
الابتناء من بَاب الافتعال. قَوْله: (وَلما يبن بهَا) أَي:
وَالْحَال أَنه لم يدْخل عَلَيْهَا. قَوْله: (أَو: خلفات)
، جمع خلفة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام
وَفتح الْفَاء. وَقَالَ ابْن فَارس: هِيَ النَّاقة
الْحَامِل، وَقيل: جمعهَا مَخَاض على غير قِيَاس، كَمَا
يُقَال لوَاحِدَة النِّسَاء: امْرَأَة، وَقيل: هِيَ
الَّتِي استكملت سنة بعد النِّتَاج، ثمَّ حمل عَلَيْهَا
فلقحت، وَقيل: الخلفة الَّتِي توهم أَن بهَا حملا، ثمَّ لم
تلقح. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَلَا تزَال خلفة حَتَّى تبلغ
عشرَة أشهر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي الخلفة، بِكَسْر اللَّام
الْمَخَاض من النوق، الْوَاحِدَة خلفة. وَفِي (المغيث) :
يُقَال: خلفت إِذا حملت، وَاخْتلفت إِذا حَالَتْ وَلم
تحمل. قَوْله: (فَدَنَا من الْقرْيَة) قيل: هِيَ أرِيحَا.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لما مَاتَ مُوسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَانْقَضَت الْأَرْبَعُونَ سنة بعث يُوشَع بن
نون نَبيا، فَأخْبر بني إِسْرَائِيل أَنه نَبِي الله،
وَأَن الله قد أمره بِقِتَال الجبارين فصدقوه
وَبَايَعُوهُ، فَتوجه ببني إِسْرَائِيل إِلَى أرِيحَا
وَمَعَهُ تَابُوت الْمِيثَاق، فأحاط بِمَدِينَة أرِيحَا
سِتَّة أشهر فَلَمَّا كَانَ السَّابِع نفخوا فِي الْقُرُون
ضج الشّعب ضجة وَاحِدَة، فَسقط سور الْمَدِينَة،
فَدَخَلُوهَا وَقتلُوا الجبارين، وَكَانَ الْقِتَال يَوْم
الْجُمُعَة، فَبَقيت مِنْهُم بَقِيَّة، وكادت الشَّمْس
تغرب وَتدْخل لَيْلَة السبت فخشي يُوشَع أَن يعْجزُوا
فَقَالَ: أللهم أردد الشَّمْس عَليّ، فَقَالَ لَهَا:
إِنَّك فِي طَاعَة الله، وَأَنا فِي طَاعَة الله، وَهُوَ
معنى قَوْله: إِنَّك مأمورة وَأَنا مَأْمُور، يَعْنِي:
إِنَّك مأمورة بالغروب وَأَنا مَأْمُور بِالصَّلَاةِ أَو
الْقِتَال قبل الْغُرُوب. قَوْله: (فَلم تطعمها) ، أَي:
فَلم تطعم النَّار الْغَنَائِم، وَإِنَّمَا قَالَ: فَلم
تطعمها وَلم يقل فَلم تأكلها للْمُبَالَغَة، إِذْ
مَعْنَاهُ: لم تذق طعمها، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن لم
يطعمهُ فَإِنَّهُ مني} (الْبَقَرَة: 942) . قَوْله: (إِن
فِيكُم غلولاً) ، وَهُوَ الْخِيَانَة فِي الْمغنم، وَكَانَ
من خَصَائِص الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين
(15/43)
أَن يجمعوا الْغَنَائِم فِي مربد فتأتي
نَار من السَّمَاء فتحرقها، فَإِن كَانَ فِيهَا غلُول أَو
مَا لَا يحل لم تأكلها، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ
فِي قرابينهم كَانَ المتقبل تَأْكُله النَّار، وَمَا لَا
يتَقَبَّل يبْقى على حَاله وَلَا تَأْكُله، ففضل الله
هَذِه الْأمة وَجعلهَا خير أمة أخرجت للنَّاس
وَأَعْطَاهُمْ مَا لم يُعْط أحدا غَيرهم، وَأحل لَهُم
الْغَنَائِم، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الحَدِيث بقوله:
رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا رَحْمَة من الله علينا،
وَهِي من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن
قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أكل النَّار غنائمهم والتحليل
لنا؟ قلت: جعل هَذَا فِي حَقهم حَتَّى لَا يكون قِتَالهمْ
لأجل الْغَنِيمَة لقصورهم فِي الْإِخْلَاص، وَأما تحليلها
فِي حق هَذِه الْأمة فلكون الْإِخْلَاص غَالِبا عَلَيْهِم،
فَلم يحْتَج إِلَى باعث آخر.
9 - (بَاب الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون الْغَنِيمَة لمن شهد،
أَي: حضر الْوَقْعَة أَي: صدمة الْعَدو، وَهَذَا قَول عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَلِيهِ جمَاعَة
الْفُقَهَاء. فَإِن قلت: قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لجَعْفَر بن أبي طَالب، وَلمن قدم فِي سفينة أبي
مُوسَى من غَنَائِم خَيْبَر لمن لم يشهدها؟ قلت: إِنَّمَا
فعل ذَلِك لشدَّة احتياجهم فِي بَدْء الْإِسْلَام
فَإِنَّهُم كَانُوا للْأَنْصَار تَحت منح من النخيل
والمواشي لحاجتهم، فضاقت بذلك أَحْوَال الْأَنْصَار،
وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي ذَلِك فِي شغل فَلَمَّا فتح
الله خَيْبَر عوض الشَّارِع الْمُهَاجِرين ورد إِلَى
الْأَنْصَار منائحهم، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: رَحمَه الله
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استطاب أنفس أهل
الْغَنِيمَة، وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة كَمَا
يَجِيء عَن قريب.
5213 - حدَّثنا صَدَقَةُ قَالَ أخبَرَنا عبْدُ الرَّحْمانِ
عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدٍ بنَ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ
عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَوْلاَ آخِرُ
الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إلاَّ قَسَمْتُهَا
بَيْنَ أهْلِهَا كَما قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَيْبَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إلاَّ قسمتهَا
بَين أَهلهَا) وَصدقَة بِلَفْظ أُخْت الزَّكَاة ابْن
الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده وَعبد
الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي الْبَصْرِيّ، وَأسلم مولى عمر
بن الْخطاب يكنى أَبَا خَالِد كَانَ من سبي الْيمن.
قَوْله: (لَوْلَا آخر الْمُسلمين) ، الْمَعْنى: لَو قسمت
كل قَرْيَة على الفاتحين لما بَقِي شَيْء لمن يَجِيء
بعدهمْ من الْمُسلمين، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ حَقهم لم
لَا يقسم عَلَيْهِم، فَأجَاب بِأَنَّهُ يسترضيهم بِالْبيعِ
وَنَحْوه ويوقفه على الْكل، كَمَا فعل بِأَرْض الْعرَاق
وَغَيرهَا. قَوْله: (كَمَا قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَيْبَر) ، وَلم يكن قسم خَيْبَر بكمالها، وَلكنه
قسم مِنْهَا طَائِفَة وَترك طَائِفَة لم يقسمها، وَالَّذِي
قسم، مِنْهَا هُوَ الشق والنطاءة، وَترك سائرها فللإمام
أَن يفعل من ذَلِك مَا رَآهُ صلاحاً، وَاحْتج عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ترك قسْمَة الأَرْض. بقوله
تَعَالَى: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} (الْحَشْر: 7) .
إِلَى قَوْله: {وَالَّذين جاؤا من بعدهمْ} (الْحَشْر: 7) .
الْآيَة، وَقَالَ عمر: هَذِه الْآيَة قد استوعبت النَّاس
كلهم فَلم يبْق أحد مِنْهُم إلاَّ وَله فِي هَذَا المَال
حق حَتَّى الرَّاعِي بعدِي، وَقَالَ أَبُو عبيد: وَإِلَى
هَذِه الْآيَة ذهب عَليّ ومعاذ، رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما، وَأَشَارَ عمر بِإِقْرَار الأَرْض لمن يَأْتِي
بعده.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي حكم الأَرْض، فَقَالَ أَبُو
عبيد: وجدنَا الْآثَار عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده قد جَاءَت فِي افْتِتَاح الأَرْض
ثَلَاثَة أَحْكَام. أَرض أسلم أَهلهَا عَلَيْهَا فَهِيَ
لَهُم ملك، وَهِي أَرض عشر لَا شَيْء فِيهَا غَيره.
وَأَرْض افتتحت صلحا على خراج مَعْلُوم فهم على مَا صولحوا
عَلَيْهِ لَا يلْزمهُم أَكثر مِنْهُ. وَأَرْض أخذت عنْوَة
وَهِي الَّتِي أختلف فِيهَا الْمُسلمُونَ، فَقَالَ بَعضهم:
سبيلهم سَبِيل الْغَنِيمَة فَيكون أَرْبَعَة أخماسها حصصاً
بَين الَّذين افتتحوها خَاصَّة، وَالْخمس الْبَاقِي لمن
سمى االله، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهَذَا قَول
الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَبِه أَشَارَ الزبير بن
الْعَوام على عَمْرو بن الْعَاصِ حِين افْتتح مصر، قَالَ
أَبُو عبيد: وَقَالَ بَعضهم: بل حكمهَا وَالنَّظَر فِيهَا
إِلَى الإِمَام إِن رأى أَن يَجْعَلهَا غنيمَة فيخمسها
ويقسمها، كَمَا فعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذَلِك لَهُ، وَإِن رأى أَن يَجْعَلهَا مَوْقُوفَة على
الْمُسلمين مَا بقوا كَمَا فعل عمر فِي السوَاد، فَذَلِك
لَهُ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَالثَّوْري فِيمَا
حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ وَقَالَ مَالك: يجْتَهد فِيهَا
الإِمَام وَقَالَ فِي الْقنية: الْعَمَل فِي أَرض العنوة
على فعل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن لَا تقسم
وتقر بِحَالِهَا، وَقد ألح بِلَال، وَأَصْحَاب لَهُ على
عمر فِي قسم الأَرْض بِالشَّام، فَقَالَ: اللَّهُمَّ
أكفنيهم فَمَا أَتَى الْحول وَقد بَقِي مِنْهُم أحد.
(15/44)
01 - (بابُ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ
يَنْقُصُ مِنْ أجْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من قَاتل لأجل حُصُول
الْغَنِيمَة، هَل ينقص أجره وَجَوَابه أَنه لَيْسَ لَهُ
أجر فضلا عَن النُّقْصَان، لِأَن الْمُجَاهِد الَّذِي
يُجَاهد فِي سَبِيل الله هُوَ الَّذِي يُجَاهد لإعلاء كلمة
الله.
6213 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا
غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ
سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ قَالَ حدَّثنا أبُو مُوسى
الأشْعَرِيُّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
أعْرَابِيٌّ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ والرَّجُلُ يُقَاتِلُ
لِيَذْكُرَ ويُقَاتِلُ لِيُرَي مَكانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ
الله فقالَ مَنْ قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ
العُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الرجل يُقَاتل للمغنم)
وغندر، بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون لقب مُحَمَّد بن
جَعْفَر، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: هُوَ ابْن مرّة،
وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَأَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار
الْأَشْعَرِيّ. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي:
بَاب من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن
عَمْرو، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى آخِره نَحوه غير
أَن هُنَاكَ: جَاءَ رجل، وَهنا: جَاءَ أَعْرَابِي. قَوْله:
(ليذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: ليذكر بالشجاعة
عِنْد النَّاس. قَوْله: (ليرى) على صِيغَة الْمَجْهُول
أَيْضا. قَوْله: (مَكَانَهُ) أَي: مرتبته. قَوْله: (من فِي
سَبِيل الله) كلمة: من، للاستفهام.
11 - (بابُ قِسْمَةِ الإمامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ
ويَخْبَاُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أوْ يَغِيبُ عَنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قسْمَة الإِمَام مَا يقدم
عَلَيْهِ من هَدَايَا الْمُشْركين بَين أَصْحَابه. قَوْله:
(ويخبأ) ، من خبأت الشَّيْء أخبؤه خبأ إِذا أخفيته، والخبء
والخبيء، والخبيئة الشَّيْء المخبوء. قَوْله: (لمن لم
يحضرهُ) أَي: لأجل من لم يحضر مَجْلِسه أَو يغيب عَنهُ
حَاصِل الْمَعْنى، يقسم مَا يقدم عَلَيْهِ بَين
الْحَاضِرين والغائبين بِأَن يُعْطي شَيْئا للحاضرين ويخبأ
شَيْئا للغائبين.
35 - (حَدثنَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ حَدثنَا
حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عبد الله ابْن أبي مليكَة
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أهديت لَهُ أقبية من ديباج مزررة بِالذَّهَب فَقَسمهَا فِي
أنَاس من أَصْحَابه وعزل مِنْهَا وَاحِدًا لمخرمة بن
نَوْفَل فجَاء وَمَعَهُ ابْنه الْمسور بن مخرمَة فَقَامَ
على الْبَاب فَقَالَ ادْعُه لي فَسمع النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَوته فَأخذ قبَاء
فَتَلقاهُ بِهِ فَاسْتَقْبلهُ بأزراره فَقَالَ يَا أَبَا
الْمسور خبأت هَذَا لَك يَا أَبَا الْمسور خبأت هَذَا لَك
وَكَانَ فِي خلقه شدَّة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة
وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي
الْبَصْرِيّ وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن
أبي مليكَة بِضَم الْمِيم التَّيْمِيّ الْأَحول القَاضِي
على عهد ابْن الزبير وَهُوَ من التَّابِعين وَلَيْسَت لَهُ
صُحْبَة وَحَدِيثه من مَرَاسِيل التَّابِعين وَهَذَا
الحَدِيث قد مر مُسْندًا فِي كتاب الشَّهَادَات فِي بَاب
شَهَادَة الْأَعْمَى أخرجه عَن زِيَاد بن يحيى عَن حَاتِم
بن وردان عَن أَيُّوب عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن
الْمسور بن مخرمَة قَالَ " قدمت على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقبية " الحَدِيث وَهَذَا
مُسْند لِأَن الْمسور بِكَسْر الْمِيم وأباه مخرمَة
بِفَتْح الميمين كليهمَا صَحَابِيّ والأقبية جمع قبَاء
والديباج الثِّيَاب المتخذة من الأبريسم وَهُوَ مُعرب وَقد
ذكر غير مرّة قَوْله " مزررة " من زررت الْقَمِيص إِذا
اتَّخذت لَهُ أزرارا ويروى مزردة من الزرد وَهُوَ تدَاخل
حلق الدروع بَعْضهَا فِي بعض قَوْله " فَقَالَ ادْعُه لي "
أَي فَقَالَ مخرمَة لِابْنِهِ الْمسور ادْع النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعْنَاهُ عرفه
أَنِّي حضرت فَلَمَّا سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَوته خرج فَتَلقاهُ بِهِ أَي بذلك
الْوَاحِد من الأقبية وَفِي الحَدِيث الْمَاضِي
(15/45)
فَخرج وَمَعَهُ قبَاء وَهُوَ يُرِيد محاسنه
قَوْله " فَتَلقاهُ بِهِ " فَاسْتَقْبلهُ بأزراره
وَإِنَّمَا استقبله بأزراره ليريه محاسنه كَمَا نَص
عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الْمَاضِي وَإِنَّمَا فعل هَذَا
ليرضيه لِأَنَّهُ كَانَ شرس الْخلق وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي
الحَدِيث بقوله وَكَانَ فِي خلقه شدَّة
(وَرَوَاهُ ابْن علية عَن أَيُّوب وَقَالَ حَاتِم بن وردان
قَالَ حَدثنَا أَيُّوب عَن ابْن أبي مليكَة عَن الْمسور
قَالَ قدمت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أقبية) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور
إِسْمَاعِيل بن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح
اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْبَصْرِيّ
وَعَلِيهِ أمه وَقد ذكر غير مرّة وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ وَأسْندَ البُخَارِيّ رِوَايَة أَيُّوب
فِي بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى حَيْثُ قَالَ حَدثنَا زِيَاد
بن يحيى حَدثنَا حَاتِم بن وردان حَدثنَا أَيُّوب عَن عبد
الله بن أبي مليكَة عَن الْمسور بن مخرمَة الحَدِيث
(تَابعه اللَّيْث عَن ابْن أبي مليكَة) أَي تَابع أَيُّوب
اللَّيْث بن سعد عَن عبد الله ابْن أبي مليكَة وَقد أسْند
البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْهِبَة فِي
بَاب كَيفَ يقبض الْمَتَاع وَقَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن
سعيد حَدثنَا اللَّيْث عَن ابْن أبي مليكَة عَن الْمسور بن
مخرمَة الحَدِيث
21 - (بابٌ كَيْفَ قسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ وَمَا أعْطَى مِنْ ذَلِكَ
فِي نَوَائِبِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة قسْمَة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قُرَيْظَة، بِضَم الْقَاف، وَالنضير،
بِفَتْح النُّون: وهما قبيلتان من الْيَهُود وَلم يبين
كَيْفيَّة الْقِسْمَة، وَهِي التَّرْجَمَة طلبا للاختصار،
وَفِي بَقِيَّة الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهَا أَو يَجْعَل
قَوْله: (وَمَا أعْطى من ذَلِك فِي نوائبه) كالعطف
التفسيري لقَوْله: (كَيفَ قسم) وأصل ذَلِك أَن الْأَنْصَار
كَانُوا يجْعَلُونَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، من عقارهم نخلات لتصرف فِي نوائبه، وَهِي
الْمُهِمَّات الْحَادِثَة، وَكَذَلِكَ لما قدم
الْمُهَاجِرُونَ قاسمهم الْأَنْصَار أَمْوَالهم، فَلَمَّا
وسع الله الْفتُوح عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يرد عَلَيْهِم نخلاتهم.
8213 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ قَالَ
حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ
مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ كانَ الرَّجُلُ
يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
النَّخْلاَتِ حِينَ افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ
فكانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَعبد
الله بن أبي الْأسود اسْمه: حميد أَبُو بكر، ابْن أُخْت
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ وَهُوَ من
أَفْرَاده، ومعتمر، على وزن اسْم الْفَاعِل من الاعتمار:
ابْن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن
عبد الله بن أبي الْأسود، وَفِيه: حَدثنِي خَليفَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر وحامد بن عمر
وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (كَانَ الرجل) ، أَي: من الْأَنْصَار. قَوْله:
(حِين افْتتح قُرَيْظَة) ، أَي: حِين افْتتح حصناً كَانَ
لقريظة، وَحين أجلى بني النَّضِير، لِأَن الِافْتِتَاح لَا
يصدق على القبيلتين. فَإِن قلت: بَنو النَّضِير أجلاهم
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمَدِينَة،
فَمَا معنى الْفَتْح فِيهِ؟ قلت: هُوَ من بَاب:
(علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا)
بِأَن المُرَاد الْقدر الْمُشْتَرك بَين التعليف والسقي،
وَهُوَ الْإِعْطَاء مثلا، أَو ثمَّة إِضْمَار أَي: وَأجلى
بني النَّضِير، أَو الإجلاء مجَاز عَن الْفَتْح، وَهَذَا
الَّذِي كَانُوا يجعلونه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَكَانَ من بَاب الْهَدِيَّة لَا من بَاب
الصَّدَقَة، لِأَنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِ وعَلى آله، أما
الْمُهَاجِرُونَ فَكَانُوا قد نزل كل وَاحِد مِنْهُم على
رجل من الْأَنْصَار، فواساه وقاسمه، فَكَانُوا كَذَلِك
إِلَى أَن فتح الله الْفتُوح على رَسُوله، فَرد عَلَيْهِم
ثمارهم، فَأول ذَلِك النَّضِير كَانَت مِمَّا أَفَاء الله
على رَسُوله، مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب،
وانجلى عَنْهَا أَهلهَا بِالرُّعْبِ فَكَانَت خَالِصَة
لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دون سَائِر
النَّاس، وَأنزل الله فيهم: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله}
(الْحَشْر: 7) .
(15/46)
الْآيَة، فحبس مِنْهَا رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لنوائبه وَمَا يعروه وَقسم
أَكْثَرهَا فِي الْمُهَاجِرين خَاصَّة دون الْأَنْصَار،
وَذَلِكَ أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
للْأَنْصَار: إِن شِئْتُم قسمت أَمْوَال بني النَّضِير
بَيْنكُم وَبينهمْ، وأقمتم على مواساتهم فِي ثماركم، وَإِن
شِئْتُم أعطيتهَا الْمُهَاجِرين دونكم، وقطعتم عَنْهُم مَا
كُنْتُم تعطونهم من ثماركم قَالُوا: بلَى تعطيهم دُوننَا
وَنُقِيم على مواساتهم فَأعْطى رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمُهَاجِرين دونهم، فاستغنى الْقَوْم
جَمِيعًا اسْتغنى الْمُهَاجِرُونَ بِمَا أخذُوا،
وَاسْتغْنى الْأَنْصَار بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِم من ثمارهم.
31 - (بابُ بَرَكَةِ الغَازِي فِي مالِهِ حيَّاً ومَيِّتاً
مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووُلاَةِ
الأمْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بركَة الْغَازِي ... إِلَى
آخِره. الْبركَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَأْخُوذَة فِي
الأَصْل من: برك الْبَعِير إِذا: ناخ فِي مَوضِع،
فَلَزِمَهُ وَيُطلق أَيْضا على الزِّيَادَة وَفِي ديوَان
الْأَدَب: الْبركَة الزياة والنمو، وتبرك بِهِ أَي: تيمن،
وَقيل: صحفها بَعضهم فَقَالَ: تَرِكَة الْغَازِي،
بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ
وَإِن كَانَ متجهاً بِاعْتِبَار أَن فِي الْقِصَّة ذكر مَا
خَلفه الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَكِن قَوْله:
(حَيا وَمَيتًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وولاة الْأَمر) يدل على أَن الصَّوَاب مَا وَقع عِنْد
الْجُمْهُور بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: هَذَا يشبه أَن
يكون من بَاب الْقلب، لِأَن الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال:
بَاب بركَة مَال الْغَازِي، قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا
لِأَن الْمَعْنى: بَاب الْبركَة الْحَاصِلَة للغازي فِي
مَاله. قَوْله: (حَيا) ، نصب على الْحَال أَي: فِي حَال
كَونه حَيا. وَقَوله: (وَمَيتًا) عطف عَلَيْهِ أَي: وَفِي
حَال مَوته قَوْله مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يتَعَلَّق بقوله: الْغَازِي، والولاة، بِالضَّمِّ جمع
وَالِي.
37 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ قلت لأبي
أُسَامَة أحدثكُم هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد
الله بن الزبير قَالَ لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني
فَقُمْت إِلَى جنبه فَقَالَ يَا بني إِنَّه لَا يقتل
الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم وَإِنِّي لَا أَرَانِي
إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما وَإِن من أكبر همي لديني
أفترى يبقي ديننَا من مالنا شَيْئا فَقَالَ يَا بني بِعْ
مَا لنا فَاقْض ديني وأوصي بِالثُّلثِ وَثلثه لِبَنِيهِ
يَعْنِي عبد الله بن الزبير يَقُول ثلث الثُّلُث فَإِن فضل
من مالنا فضل بعد قَضَاء الدّين شَيْء فثلثه لولدك قَالَ
هِشَام وَكَانَ بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير
خبيب وَعباد وَله يَوْمئِذٍ تِسْعَة بَنِينَ وتسع بَنَات
قَالَ عبد الله فَجعل يوصيني بِدِينِهِ وَيَقُول يَا بني
إِن عجزت عَنهُ فِي شَيْء فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مولَايَ
قَالَ فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت يَا
أَبَة من مَوْلَاك قَالَ الله قَالَ فوَاللَّه مَا وَقعت
فِي كربَة من دينه إِلَّا قلت يَا مولى الزبير اقْضِ عَنهُ
دينه فيقضيه فَقتل الزبير رَضِي الله عَنهُ وَلم يدع
دِينَارا وَلَا درهما إِلَّا أَرضين مِنْهَا الغابة
وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ ودارين
بِالْبَصْرَةِ ودارا بِالْكُوفَةِ ودارا بِمصْر قَالَ
وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ
يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه فَيَقُول الزبير
لَا وَلكنه سلف فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة وَمَا
ولي إِمَارَة قطّ وَلَا جباية خراج وَلَا شَيْئا إِلَّا
أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان
رَضِي الله عَنْهُم. قَالَ عبد الله بن الزبير فحسبت مَا
عَلَيْهِ من الدّين فَوَجَدته ألفي ألف ومائتي ألف قَالَ
فلقي حَكِيم بن حزَام عبد الله بن الزبير فَقَالَ يَا ابْن
أخي كم على أخي من الدّين فكتمه فَقَالَ مائَة ألف فَقَالَ
حَكِيم وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع
(15/47)
لهَذِهِ فَقَالَ لَهُ عبد الله أفرأيتك إِن
كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف قَالَ مَا أَرَاكُم تطيقون
هَذَا فَإِن عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي قَالَ
وَكَانَ الزبير اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف
فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف ثمَّ قَامَ
فَقَالَ من كَانَ لَهُ على الزبير حق فليوافنا
بِالْغَابَةِ فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر وَكَانَ لَهُ
على الزبير أَرْبَعمِائَة ألف فَقَالَ لعبد الله إِن
شِئْتُم تركتهَا لكم قَالَ عبد الله لَا قَالَ فَإِن
شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخرتم فَقَالَ عبد
الله لَا قَالَ قَالَ فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة فَقَالَ عبد
الله لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا قَالَ فَبَاعَ مِنْهَا
فَقضى دينه فأوفاه وَبَقِي مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف
فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان
وَالْمُنْذر بن الزبير وَابْن زَمعَة فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَة كم قومت الغابة قَالَ كل سهم مائَة ألف قَالَ
كم بَقِي قَالَ أَرْبَعَة أسْهم وَنصف قَالَ الْمُنْذر بن
الزبير قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف قَالَ عَمْرو بن
عُثْمَان قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف وَقَالَ ابْن زَمعَة
قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف فَقَالَ مُعَاوِيَة كم بَقِي
فَقَالَ سهم وَنصف قَالَ أَخَذته بِخَمْسِينَ وَمِائَة ألف
قَالَ وَبَاعَ عبد الله بن جَعْفَر نصِيبه من مُعَاوِيَة
بستمائة ألف فَلَمَّا فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه
قَالَ بَنو الزبير اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا قَالَ لَا
وَالله لَا أقسم بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ
أَربع سِنِين أَلا من كَانَ لَهُ على الزبير دين فليأتنا
فلنقضه قَالَ فَجعل كل سنة يُنَادي بِالْمَوْسِمِ فَلَمَّا
مضى أَربع سِنِين قسم بَينهم قَالَ فَكَانَ للزبير أَربع
نسْوَة وَرفع الثُّلُث فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف
وَمِائَتَا ألف فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف
وَمِائَتَا ألف) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله
وَمَا ولي إِمَارَة إِلَى قَوْله وَعُثْمَان رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ أَن الْبركَة الَّتِي كَانَت فِي
مَال الزبير من كَونه غازيا مَعَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَعمر
وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكَون الْبركَة
فِي حَيَاته وَبعد مَوته تظهر عِنْد التَّأَمُّل فِي
قصَّته (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول إِسْحَق بن
إِبْرَاهِيم بن مخلد يعرف بِابْن رَاهَوَيْه الْحَنْظَلِي
الْمروزِي الثَّانِي أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة
اللَّيْثِيّ الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن
الْعَوام الرَّابِع عُرْوَة بن الزبير الْخَامِس عبد الله
بن الزبير السَّادِس الزبير بن الْعَوام أحد الْعشْرَة
المبشرة بِالْجنَّةِ وحواري رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْن عمته صَفِيَّة بنت عبد
الْمطلب شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَاجَر الهجرتين
وَأسلم وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَهُوَ أول من سل
سَيْفا فِي سَبِيل الله وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع مَعَ
الِاسْتِفْهَام وَهُوَ قَوْله أحدثكُم هِشَام وَفِيه
رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَرِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ
لِأَن عُرْوَة وَعبد الله أَخَوان ابْنا الزبير بن
الْعَوام (ذكر رجال هَذَا الحَدِيث) هَذَا من أَفْرَاد
البُخَارِيّ وَذكره أَصْحَاب الْأَطْرَاف فِي مُسْند
الزبير وَالْأَشْبَه أَن يكون من مُسْند ابْنه عبد الله
وَكله مَوْقُوف غير قَوْله وَمَا ولي إِمَارَة وَلَا جباية
خراج وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهَذَا
الْمِقْدَار فِي حكم الْمَرْفُوع وَرَوَاهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن جوَيْرِية حَدثنَا أَبُو أُسَامَة
حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن عبد الله وروى
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عُرْوَة قَالَ أوصى الزبير إِلَى
ابْنه عبد الله صَبِيحَة الْجمل فَقَالَ مَا مني عُضْو
إِلَّا وَقد جرح مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى انْتهى ذَلِك إِلَى فرجه
وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي طبقاته فِي قتل الزبير ووصيته
بِدِينِهِ
(15/48)
وَثلث مَاله عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة نَحْو حَدِيث البُخَارِيّ وَطوله غير أَنه خَالفه
فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ قَوْله أصَاب كل امْرَأَة من
نِسَائِهِ ألف ألف وَمِائَة ألف لَا كَمَا فِي البُخَارِيّ
مِائَتَا ألف وعَلى هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصح
قسْمَة خمسين ألف ألف ومائتي ألف على دينه ووصيته وورثته
وَإِنَّمَا يَصح قسمتهَا أَن لَو كَانَ لكل امْرَأَة ألف
ألف فَيكون الثّمن أَرْبَعَة آلَاف ألف فَتَصِح قسْمَة
الْوَرَثَة من اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألف ألف ثمَّ يُضَاف
إِلَيْهَا الثُّلُث سِتَّة عشرَة ألف ألف فَتَصِير
الجملتان ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ألف ألف ثمَّ يُضَاف
إِلَيْهَا الدّين ألف ألف وَمِائَتَا ألف وَمِنْهَا تصح
وَرِوَايَة ابْن سعد تصح من خَمْسَة وَخمسين ألف ألف
وَرِوَايَة البُخَارِيّ تصح من تِسْعَة وَخمسين أَو
اثْنَيْنِ وَخمسين ألف ألف ومائتي ألف فَهَذِهِ تركته
عِنْد مَوته لَا مَا زَاد عَلَيْهَا بعد مَوته من غلَّة
الْأَرْضين والدور فِي مُدَّة أَربع سِنِين قبل قسْمَة
التَّرِكَة وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن
أبي بكر بن سُبْرَة عَن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ كَانَ
قيمَة مَا ترك الزبير أحدا وَخمسين أَو اثْنَيْنِ وَخمسين
ألف ألف وروى ابْن سعد عَن القعْنبِي عَن ابْن عُيَيْنَة
قَالَ قسم مِيرَاث الزبير على أَرْبَعِينَ ألف ألف وَذكر
الزبير بن بكار عَن عبد الله بن مُصعب بن ثَابت بن عبد
الله بن الزبير فِي بني عدي عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن
نفَيْل زوج الزبير أَن عبد الله بن الزبير أرسل إِلَيْهَا
بِثَمَانِينَ ألف دِرْهَم وقبضتها وصالحت عَلَيْهَا قَالَ
الدمياطي وَبَين قَول الزبير بن بكار هَذَا وَبَين قَول
غَيره بون بعيد وَالْعجب من الزبير مَعَ سَعَة علمه فِيهِ
وتنفيره عَنهُ كَيفَ خَفِي عَلَيْهِ وَمَا تصدى لتحرير
ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي (ذكر بَيَان قصَّة وقْعَة الْجمل)
ملخصة مختصرة كَانَت وقْعَة الْجمل عَام سِتَّة
وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ قتل عُثْمَان بن
عَفَّان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَكَانَت عَائِشَة بِمَكَّة
وَكَذَلِكَ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قد خرجن إِلَى الْحَج
فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ فِرَارًا من الْفِتْنَة وَلما
بلغ أهل مَكَّة أَن عُثْمَان قد قتل أقمن بِمَكَّة ثمَّ
لما بُويِعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ أحظى
النَّاس عِنْده بِحكم الْحَال لَا عَن اخْتِيَار عَليّ
لذَلِك رُؤْس أُولَئِكَ الَّذين قتلوا عُثْمَان رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ وفر جمَاعَة من بني أُميَّة وَغَيرهم إِلَى
مَكَّة وَخرج طَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الاعتمار وتبعهم
خلق كثير وجم غفير وَقدم إِلَى مَكَّة أَيْضا فِي هَذِه
الْأَيَّام يعلى بن أُميَّة وَمَعَهُ سِتّمائَة ألف ألف
دِرْهَم وسِتمِائَة بعير فَأَنَاخَ بِالْأَبْطح وَقيل
كَانَ مَعَه سِتّمائَة ألف دِينَار وَقدم ابْن عَامر من
الْبَصْرَة بِأَكْثَرَ من ذَلِك فَاجْتمع بَنو أُميَّة
بِالْأَبْطح وَقَامَت عَائِشَة فِي النَّاس تحضهم على
الْقيام بِطَلَب دم عُثْمَان وطاوعوها فِي ذَلِك وَخَرجُوا
وتوجهوا نَحْو الْبَصْرَة وَكَانَت عَائِشَة تحمل فِي هودج
على جمل اسْمه عَسْكَر اشْتَرَاهُ يعلى بن أُميَّة من رجل
من عرينة بِمِائَتي دِينَار وَكَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي
يدلهم على الطَّرِيق وَكَانُوا لَا يَمرونَ على مَاء وَلَا
وَاد إِلَّا سَأَلُوهُ عَنهُ حَتَّى وصلوا إِلَى مَوضِع
يُسمى حوءب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو
وَفتح الْهمزَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَهُوَ مَاء
قريب من الْبَصْرَة فنبحت كلابه فَقَالُوا أَي مَاء هَذَا
قَالَ الدَّلِيل هَذَا مَاء الحوءب فحين سَمِعت عَائِشَة
بذلك صرخت بِأَعْلَى صَوتهَا وَضربت عضد بَعِيرهَا فأناخته
فَقَالَت أَنا وَالله صَاحِبَة الحوءب ردوني ردوني تَقول
ذَلِك فأناخوا حولهَا وهم على ذَلِك وَهِي تأبى الْمسير
حَتَّى إِذا كَانَت السَّاعَة الَّتِي أناخت فِيهَا من
الْغَد جاءها عبد الله بن الزبير فَقَالَ النَّجَاء
النَّجَاء فقد أدرككم عَليّ ابْن أبي طَالب فَعِنْدَ ذَلِك
رحلوا وَأما حَدِيث الحوءب فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده
عَن عَائِشَة قَالَت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لي ذَات يَوْم كَيفَ بإحداكن
إِذا نبحتها كلاب الحوءب فَعرفت الْحَال عِنْد ذَلِك
فَأَرَادَتْ الرُّجُوع وَأما عَليّ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ فَإِنَّهُ خرج فِي آخر شهر ربيع الآخر فِي سنة سِتّ
وَثَلَاثِينَ من الْمَدِينَة فِي تِسْعمائَة مقَاتل وَقيل
لما بلغ عليا مسير عَائِشَة وَطَلْحَة وزبير إِلَى
الْبَصْرَة سَار نحوهم فِي أَرْبَعَة آلَاف من أهل
الْمَدِينَة فيهم أَرْبَعمِائَة مِمَّن بَايعُوا تَحت
الشَّجَرَة وَثَمَانمِائَة من الْأَنْصَار ورايته مَعَ
ابْنه مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وعَلى ميمنته الْحسن بن
عَليّ وعَلى ميسرته الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْخَيل
عمار بن يَاسر وعَلى الرجالة مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق
وعَلى مقدمته عبد الله بن عَبَّاس ثمَّ اجْتَمعُوا كلهم
عِنْد قصر عبيد الله بن زِيَاد وَنزل النَّاس فِي كل
نَاحيَة وَقد اجْتمع مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
عشرُون ألفا والتفت على عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا وَمن مَعهَا نَحْو من ثَلَاثِينَ ألفا وَقَامَت
الْحَرْب على سَاقهَا فتصافوا وتصاولوا وتجاولوا وَكَانَ
من جملَة من يبارز الزبير وعمار فَحمل عمار نَحوه
بِالرُّمْحِ
(15/49)
وَالزُّبَيْر كَاف عَنهُ لقَوْل رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقتلك الفئة
الباغية وَقتل نَاس كثير وَرجع الزبير عَن الْقِتَال
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَ زِمَام الْجمل بيد كَعْب بن
سور وَمَا كَانَ يَأْخُذ زِمَام الْجمل إِلَّا من هُوَ
مَعْرُوف بالشجاعة مَا أَخذه أحد إِلَّا قتل وَحمل
عَلَيْهِ عدي بن حَاتِم وَلم يبْق إِلَّا عقره ففقئت عين
عدي وَاجْتمعَ بَنو ضبة عِنْد الْجمل وقاتلوا دونه قتالا
لم يسمع مثله فَقطعت عِنْده ألف يَد وَقتل عَلَيْهِ ألف
رجل مِنْهُم وَقَالَ ابْن الزبير جرحت على زِمَام الْجمل
سَبْعَة وَثَلَاثِينَ جِرَاحَة وَمَا أحد أَخذ بِرَأْسِهِ
إِلَّا قتل أَخذه عبد الرَّحْمَن بن عتاب فَقتل ثمَّ أَخذه
الْأسود بن البحتري فَقتل وعد جمَاعَة وَغلب ابْن الزبير
من الْجِرَاحَات فَألْقى نَفسه بَين الْقَتْلَى ثمَّ وصلت
النبال إِلَى هودج أم الْمُؤمنِينَ فَجعلت تنادي الله الله
يَا بني اذْكروا يَوْم الْحساب وَرفعت يَديهَا تَدْعُو على
أُولَئِكَ الْقَوْم من قتلة عُثْمَان فَضَجَّ النَّاس
مَعهَا بِالدُّعَاءِ وَأُولَئِكَ النَّفر لَا يقلعون عَن
رشق هودجها بالنبال حَتَّى بَقِي مثل الْقُنْفُذ فَجعلت
الْحَرْب تَأْخُذ وَتُعْطِي فَتَارَة لأهل الْبَصْرَة
وَتارَة لأهل الْكُوفَة وَقتل خلق كثير وَلم تَرَ وقْعَة
أَكثر من قطع الْأَيْدِي والأرجل فِيهَا من هَذِه
الْوَقْعَة ثمَّ حملت عَلَيْهِ السائبة وَالْأَشْتَر
يقدمهَا وَحمل بجير بن ولجة الضَّبِّيّ الْكُوفِي وَقطع
بطانه وعقره وَقطع ثَلَاث قَوَائِم من قوائمه فبرك وَوَقع
الهودج على الأَرْض ووقف عَلَيْهَا عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أُمَّاهُ
فَقَالَت وَعَلَيْك السَّلَام يَا بني فَقَالَ يغْفر الله
لَك فَقَالَت وَلَك وَانْهَزَمَ من كَانَ حوله من النَّاس
وَأمر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يحملوا الهودج
من بَين الْقَتْلَى وَأمر مُحَمَّد بن أبي بكر وعمار بن
يَاسر أَن يضربا عَلَيْهِ قبَّة وَلما كَانَ آخر اللَّيْل
خرج مُحَمَّد بعائشة فَأدْخلهَا الْبَصْرَة وأنزلها فِي
دَار عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ وبكت عَائِشَة بكاء
شَدِيدا وَقَالَت وددت أَنِّي مت قبل هَذَا الْيَوْم
بِعشْرين سنة وَجَاء وُجُوه النَّاس من الْأُمَرَاء
والأعيان يسلمُونَ عَلَيْهَا ثمَّ أَن عليا رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أَقَامَ بِظَاهِر الْكُوفَة ثَلَاثَة
أَيَّام وَصلى على الْقَتْلَى من الْفَرِيقَيْنِ وَقَالَ
ابْن الْكَلْبِيّ قتل من أَصْحَاب عَائِشَة ثَمَانِيَة
آلَاف وَقيل ثَلَاثَة عشر ألفا وَمن أَصْحَاب عَليّ ألف
وَقيل قتل من أهل الْبَصْرَة عشرَة آلَاف وَمن أهل
الْكُوفَة خَمْسَة آلَاف وَكَانَ فِي جملَة الْقَتْلَى
طَلْحَة بن عبيد الله أحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ
ثمَّ دخل على الْبَصْرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثمَّ جهز
عَائِشَة أحسن الجهاز بِكُل شَيْء يَنْبَغِي لَهَا من مركب
وَزَاد ومتاع وَأخرج مَعهَا كل من نجا من الْوَقْعَة
مِمَّن خرج مَعهَا وَاخْتَارَ لَهَا أَرْبَعِينَ امْرَأَة
من نسَاء أهل الْبَصْرَة المعروفات ووقف عَليّ مَعهَا
حَتَّى ودعها وَكَانَ خُرُوجهَا يَوْم السبت غرَّة رَجَب
سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وشيعها عَليّ أميالا وسرح بنيه
مَعهَا يَوْمًا وَقَالَ الْوَاقِدِيّ أَمر عَليّ النِّسَاء
اللَّاتِي خرجن مَعَ عَائِشَة بِلبْس العمائم وتقليد
السيوف ثمَّ قَالَ لَهُنَّ لَا تعلمنها أنكن نسْوَة وتلثمن
مثل الرِّجَال وَكن حولهَا من بعيد وَلَا تقربنها وسارت
عَائِشَة على تِلْكَ الْحَالة حَتَّى دخلت مَكَّة وأقامت
حَتَّى حجت وَاجْتمعَ إِلَيْهَا نسَاء أهل مَكَّة يبْكين
وَهِي تبْكي وسئلت عَن مسيرها فَقَالَت لقد أعْطى عَليّ
فَأكْثر وَبعث معي رجَالًا وَبلغ النِّسَاء فأتينها وكشفن
عَن وجوههن وعرفنها الْحَال فسجدت وَقَالَت وَالله مَا
يزْدَاد ابْن أبي طَالب إِلَّا كرما (ذكر مقتل الزبير
وَبَيَان سيرته) لما انْفَصل الزبير رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ من عَسْكَر عَائِشَة كَمَا ذكرنَا تبعه عَمْرو بن
جرموز وفضالة بن حَابِس من غواة بني تَمِيم وأدركوه
وتعاونوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَيُقَال بل أدْركهُ عَمْرو
بن جرموز فَقَالَ لَهُ إِن لي إِلَيْك حَاجَة فَقَالَ ادن
فَقَالَ مولى الزبير واسْمه عَطِيَّة إِن مَعَه سِلَاحا
فَقَالَ وَإِن كَانَ فَتقدم إِلَيْهِ فَجعل يحدثه وَكَانَ
وَقت الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ الزبير الصَّلَاة الصَّلَاة
فَقَالَ الصَّلَاة فَتقدم الزبير ليُصَلِّي بهما فطعنه
عَمْرو بن جرموز فَقتله وَيُقَال بل أدْركهُ عَمْرو بوادي
السبَاع وَهُوَ نَائِم فِي القائلة فهجم عَلَيْهِ فَقتله
وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَشْهر وَأخذ رَأسه وَذهب بِهِ
إِلَى عَليّ فَقيل لعَلي هَذَا ابْن جرموز قد أَتَاك
بِرَأْس الزبير فَقَالَ بشروا قَاتل الزبير بالنَّار
فَقَالَ عَمْرو
(أتيت عليا بِرَأْس الزبير ... وَقد كنت أحسبها زلقتي)
(فبشر بالنَّار قبل العيان ... فبئس الْبشَارَة والتحفة)
(وسيان عِنْدِي قتل الزبير ... وضرطة عنزة بِذِي
الْجحْفَة)
(15/50)
وَأما سيرته فقد ذكرنَا عَن قريب أَنه أحد
الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وَأَنه شهد جَمِيع مشَاهد
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ
عَلَيْهِ يَوْم بدر ملاءة صفراء فَنزلت الْمَلَائِكَة على
سيمائه وَثَبت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَوْم أحد وَبَايَعَهُ على الْمَوْت وَقَالَ
مُصعب بن الزبير قَاتل أبي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعمره اثْنَا عشر سنة
وَقَالَ الزبير بن بكار بِإِسْنَادِهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ
قَالَ كَانَ للزبير ألف مَمْلُوك يودون الضريبة لَا يدْخل
بَيت مَاله مِنْهَا دِرْهَم بل يتَصَدَّق بهَا وَقَالَ
الزبير بن بكار بِإِسْنَادِهِ عَن جوَيْرِية قَالَت بَاعَ
الزبير دَارا بستمائة ألف فَقيل لَهُ غبنت فَقَالَ كلا
وَالله لتعلمن أنني لم أغبن هِيَ فِي سَبِيل الله وَرُوِيَ
عَن هِشَام بن عُرْوَة فَقَالَ أوصى إِلَى الزبير جمَاعَة
من الصَّحَابَة مِنْهُم عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن
عَوْف وَابْن مَسْعُود والمقداد وَكَانَ يحفظ عَلَيْهِم
أَمْوَالهم وَينْفق على أَوْلَادهم من مَاله وَكَانَ
الزبير رجلا لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل إِلَى الخفة مَا
هُوَ فِي اللَّحْم ولحيته خَفِيفَة أسمر اللَّوْن أشعر
وَحكى الْوَاقِدِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ رُبمَا أخذت
بالشعر على منْكب الزبير وَأَنا غُلَام فأتعلق بِهِ على
ظَهره وَحكى أَبُو الْيَقظَان عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ
كَانَ جدي الزبير إِذا ركب تخط الأَرْض رِجْلَاهُ وَلَا
يُغير شَيْبه. وَاخْتلفُوا فِي سنه حكى ابْن سعد عَن
الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُرْوَة بن الزبير قَالَ
قتل أبي يَوْم الْجمل وَقد زَاد على السِّتين بِأَرْبَع
سِنِين وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ فِي الصفوة ثَلَاثَة
أَقْوَال. أَحدهَا أَنه قتل وَهُوَ ابْن بضع وَخمسين سنة.
وَالثَّانِي ابْن سِتِّينَ سنة. وَالثَّالِث ابْن خَمْسَة
وَسِتِّينَ (ذكر مَعَاني الحَدِيث) قَوْله " قلت لأبي
أُسَامَة أحدثكُم هِشَام بن عُرْوَة " لم يذكر جَوَاب
الِاسْتِفْهَام وَقد ذكره فِي مُسْنده إِسْحَق بن
إِبْرَاهِيم بن رَاهَوَيْه بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالَ
فِي آخِره نعم قَوْله (يَوْم الْجمل) يَعْنِي يَوْم وقْعَة
كَانَت بَين عَليّ وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا وَهِي فِي هودج على جمل كَمَا ذَكرْنَاهُ
وَكَانَت الْوَقْعَة على بَاب الْبَصْرَة فِي جُمَادَى
الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَإِنَّمَا أضيفت الْوَقْعَة
إِلَى الْجمل لكَون عَائِشَة عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَرْب
كَانَ أول حَرْب وَقعت بَين الْمُسلمين قَوْله " لَا يقتل
الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم " قَالَ ابْن بطال
مَعْنَاهُ ظَالِم عِنْد خَصمه مظلوم عِنْد نَفسه لِأَن كلا
الْفَرِيقَيْنِ كَانَ يتَأَوَّل أَنه على الصَّوَاب
وَقَالَ ابْن التِّين مَعْنَاهُ أَنهم إِمَّا صَحَابِيّ
متأول فَهُوَ مظلوم وَإِمَّا غير صَحَابِيّ قَاتل لأجل
الدُّنْيَا فَهُوَ ظَالِم وَقَالَ الْكرْمَانِي المُرَاد
ظَالِم أهل الْإِسْلَام هَذَا لفظ الْكرْمَانِي فِي شَرحه
وَقَالَ بَعضهم قَالَ الْكرْمَانِي أَن قيل جَمِيع الحروب
كَذَلِك فَالْجَوَاب أَنَّهَا أول حَرْب وَقعت بَين
الْمُسلمين ثمَّ قَالَ قلت وَيحْتَمل أَن يكون أَو للشَّكّ
من الرَّاوِي وَأَن الزبير إِمَّا قَالَ لَا يقتل الْيَوْم
إِلَّا ظَالِم بِمَعْنى أَنه ظن أَن الله يعجل للظالم
مِنْهُم الْعقُوبَة أَو لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا مظلوم
بِمَعْنى أَنه ظن أَن يعجل لَهُ الشَّهَادَة وَظن على
التَّقْدِيرَيْنِ أَنه كَانَ يقتل مَظْلُوما إِمَّا
لاعْتِقَاده أَنه كَانَ مصيبا وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ
سمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَا سمع عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ قَوْله
لما جَاءَهُ قَاتل الزبير بشر قَاتل ابْن صَفِيَّة
بالنَّار وَرَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره من
طَرِيق زرين حُبَيْش عَن عَليّ بِإِسْنَاد صَحِيح انْتهى
قلت الأَصْل أَن لَا تكون أَو للشَّكّ وَالِاحْتِمَال لَا
يثبت ذَلِك وَكلمَة أَو على مَعْنَاهُ للتقسيم هُنَا لِأَن
الْمَقْتُول يَوْمئِذٍ لم يكن إِلَّا من أحد الْقسمَيْنِ
على مَا ذكره ابْن بطال وَأَيْضًا إِنَّمَا أَرَادَ الزبير
بقوله هَذَا أَن تقَاتل الصَّحَابَة لَيْسَ كتقاتل أهل
الْبَغي والعصبية لِأَن الْقَاتِل والمقتول مِنْهُم ظَالِم
لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا
التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار "
لِأَنَّهُ لَا تَأْوِيل لوَاحِد مِنْهُم يعْذر بِهِ عِنْد
الله وَلَا شُبْهَة لَهُ من الْحق يتَعَلَّق بهَا فَلَيْسَ
أحد مِنْهُم مَظْلُوما بل كلهم ظَالِم وَكَانَ الزبير
وَطَلْحَة وَجَمَاعَة من كبار الصَّحَابَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم خَرجُوا مَعَ عَائِشَة لطلب قتلة
عُثْمَان وَإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم وَلم يخرجُوا
لقِتَال عَليّ لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين الْأمة أَن عليا
كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ من جَمِيع أهل زَمَانه وَكَانَ
قتلة عُثْمَان لجؤا إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
فَرَأى عَليّ أَنه لَا يَنْبَغِي إسْلَامهمْ للْقَتْل على
هَذَا الْوَجْه حَتَّى يسكن حَال الْأمة وتجري الْأَشْيَاء
على وجوهها حَتَّى ينفذ الْأُمُور على مَا أوجب الله
عَلَيْهِ فَهَذَا وَجه منع عَليّ رَضِي الله عَنهُ
المطلوبين بِدَم عُثْمَان فَكَانَ مَا قدر الله مِمَّا جرى
بِهِ الْقَلَم فِي الْأُمُور الَّتِي وَقعت وَقَالَ الزبير
لِابْنِهِ مَا قَالَ لما رأى من شدَّة الْأَمر وَأَنَّهُمْ
لَا ينفصلون إِلَّا عَن تقَاتل فَقَالَ لَا أَرَانِي
إِلَّا سأقتل مَظْلُوما لِأَنَّهُ لم ينْو على قتال وَلَا
عزم عَلَيْهِ وَلما التقى الْجَمْعَانِ فر فَتَبِعَهُ ابْن
جرموز فَقتله فِي طَرِيقه كَمَا ذكرنَا قَوْله " وَإِنِّي
لأراني " بِضَم الْهمزَة أَي لَا أَظن وَيجوز بِفَتْح
الْهمزَة بِمَعْنى لَا أعتقد وَقد
(15/51)
تحقق ظَنّه فَقتل مَظْلُوما قَوْله " لديني
" اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَهُوَ خبر أَن
وَمَعْنَاهُ لَيْسَ عَليّ تبعة سوى ديني قَوْله " أفترى "
على صِيغَة الْمَجْهُول بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أَي
أفتظن قَوْله " يبْقى " بِضَم الْيَاء من الْإِبْقَاء
وَقَوله ديننَا بِالرَّفْع فَاعله وشيئا بِالنّصب
مَفْعُوله قَوْله " وَأوصى بِالثُّلثِ " أَي بِثلث مَاله
مُطلقًا لمن شَاءَ وَلما شَاءَ قَوْله " وَثلثه لِبَنِيهِ
" أَي وبثلث الثُّلُث لبني عبد الله خَاصَّة وَقد فسره
بقوله يَعْنِي بني عبد الله بن الزبير وهم حفدة الزبير
قَوْله " فَإِن فضل من مالنا " فضل بعد قَضَاء الدّين
شَيْء فثلثه لولدك " قَالَ الْمُهلب مَعْنَاهُ ثلث ذَلِك
الْفضل الَّذِي أوصى بِهِ للْمَسَاكِين من الثُّلُث
لِبَنِيهِ وَحكى الدمياطي عَن بعض الْعلمَاء أَن قَوْله
فثلثه بتَشْديد اللَّام على صِيغَة الْأَمر من التَّثْلِيث
يَعْنِي ثلث ذَلِك الْفضل الَّذِي أوصى بِهِ للْمَسَاكِين
من الثُّلُث لِبَنِيهِ قَالَ بَعضهم هَذَا أقرب يَعْنِي من
كَلَام الْمُهلب وَقَالَ الدمياطي فِيهِ نظر يَعْنِي
فِيمَا حَكَاهُ عَن بعض الْعلمَاء قَوْله " قَالَ هِشَام "
هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير قَوْله " قد وازى " بالزاي
الْمُعْجَمَة أَي سَاوَى أَي حاذاهم فِي السن وَأنكر
الْجَوْهَرِي اسْتِعْمَال هَذَا بِالْوَاو فَقَالَ يُقَال
آزيته أَي حازيته وَلَا يُقَال وازيته وَالَّذِي جَاءَ
هُنَا حجَّة عَلَيْهِ قَوْله " خبيب " بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى رُوِيَ مَرْفُوعا
على أَنه بدل أَو بَيَان لقَوْله للْبَعْض فِي قَوْله
وَكَانَ بعض ولد عبد الله وَرُوِيَ مجرورا بِاعْتِبَار
الْوَلَد وَقَالَ بَعضهم يجوز جَرّه على أَنه بَيَان
للْبَعْض (قلت) هَذَا غلط لِأَن لفظ بعض فِي موضِعين
أَحدهمَا وَهُوَ الأول مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ
وَالْآخر مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول قَوْله وازى قَوْله "
وَعباد " بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
قَوْله " وَله يَوْمئِذٍ " قَالَ الْكرْمَانِي أَي لعبد
الله يَوْم وَصِيَّة الزبير تِسْعَة بَنِينَ أحدهم خبيب
وَعباد (قلت) لَيْسَ كَذَلِك بل معنى قَوْله وَله أَي
للزبير تِسْعَة بَنِينَ وتسع بَنَات وَلم يكن لعبد الله
يَوْمئِذٍ إِلَّا خبيب وَعباد وهَاشِم وثابت وَأما سَائِر
وَلَده فولدوا بعد ذَلِك أما تِسْعَة بَنِينَ فهم عبد الله
وَعُرْوَة وَالْمُنْذر أمّهم أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَمْرو وخَالِد أمهما أم
خَالِد بنت خَالِد بن سعيد وَمصْعَب وَحَمْزَة أمهما
الربَاب بنت أنيف وَعبيدَة وجعفر أمهما زَيْنَب بنت بشر
وَسَائِر ولد الزبير غير هَؤُلَاءِ مَاتُوا قبله وَأما
التسع الْإِنَاث فهن خَدِيجَة الْكُبْرَى وَأم الْحسن
وَعَائِشَة أمهن أَسمَاء بنت أبي بكر وحبيبة وَسَوْدَة
وَهِنْد أمهن أم خَالِد ورملة أمهَا الربَاب وَحَفْصَة
أمهَا زَيْنَب وَزَيْنَب أمهَا أم كُلْثُوم بنت عقبَة
قَوْله " مِنْهَا الغابة " بالغين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة قَالَ الْكرْمَانِي اسْم مَوضِع
بالحجاز (قلت) هَذَا لَيْسَ بتفسير وَاضح وتفسيرها أَرض
عَظِيمَة شهيرة من عوالي الْمَدِينَة وَقَالَ ياقوت الغابة
مَوضِع بَينه وَبَين الْمَدِينَة أَرْبَعَة أَمْيَال من
نَاحيَة الشَّام والغابة أَيْضا قَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ
وَقَالَ فِي كتاب الْأَمْكِنَة وَالْجِبَال للزمخشري
الغابة بريد من الْمَدِينَة بطرِيق الشَّام وَقَالَ
الْبكْرِيّ الغابة غابتان الْعليا والسفلى وَقَالَ الرشاطي
الغابة مَوضِع عِنْد الْمَدِينَة والغابة أَيْضا فِي آخر
الطَّرِيق من الْبَصْرَة إِلَى الْيَمَامَة وَفِي
الْمطَالع الغابة مَال من أَمْوَال عوالي الْمَدِينَة
وَفِي تَرِكَة الزبير كَانَ اشْتَرَاهَا بسبعين وَمِائَة
ألف وبيعت فِي تركته بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف وَقد صحفه
بعض النَّاس فَقَالَ الْغَايَة بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف
وَذَلِكَ غلط فَاحش والغابة فِي اللُّغَة الشّجر الملتف
والأجم من الشّجر وَشبههَا قَوْله " فَيَقُول الزبير لَا "
أَي لَا يكون وَدِيعَة وَلكنه دين وَهُوَ معنى قَوْله سلف
وَكَانَ غَرَضه بذلك أَنه كَانَ يخْشَى على المَال أَن
يضيع فيظن بِهِ التَّقْصِير فِي حفظه فَرَأى أَن يَجعله
مَضْمُونا وليكون أوثق لصَاحب المَال وَأبقى لمروءته
وَقَالَ ابْن بطال وليطيب لَهُ ربح ذَلِك المَال قَوْله "
وَمَا ولي إِمَارَة قطّ " بِكَسْر الْهمزَة قَوْله " وَلَا
جباية خراج " أَي وَلَا ولي أَيْضا جباية خراج وَلَا
شَيْئا أَي وَلَا ولي شَيْئا من الْأُمُور الَّتِي
يتَعَلَّق بهَا تحصل المَال أَرَادَ أَن كَثْرَة مَاله
لَيْسَ من هَذِه الْجِهَات الَّتِي يظنّ فِيهَا السوء
بأصحابها وَإِنَّمَا كَانَ كَسبه من الْغَنَائِم مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ
مَعَ أبي بكر ثمَّ مَعَ عمر ثمَّ مَعَ عُثْمَان رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم فَبَارك الله لَهُ فِي مَاله لطيب أَصله
وَربح أرباحا بلغت أُلُوف الألوف قَوْله " قَالَ عبد الله
بن الزبير " هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور
قَوْله " فحسبت " بِفَتْح السِّين من حسبت الشَّيْء
أَحْسبهُ بِالضَّمِّ حسابا وحسابة وحسبا وحسبانا
بِالضَّمِّ أَي عددته وَأما حسبته بِالْكَسْرِ أَحْسبهُ
بِالْفَتْح محسبة بِفَتْح السِّين ومحسبة بِكَسْر السِّين
وحسبانا بِكَسْر الْحَاء أَي ظننته قَوْله " فلقي حَكِيم
بن حزَام " بِالرَّفْع على أَنه فَاعل لَقِي وَعبد الله بن
الزبير بِالنّصب مَفْعُوله قَوْله " يَا ابْن أخي "
إِنَّمَا جعل الزبير أَخا لَهُ بِاعْتِبَار أخوة الدّين
قَالَ
(15/52)
الْكرْمَانِي أَو بِاعْتِبَار قرَابَة
بَينهمَا لِأَن الزبير بن الْعَوام بن خويلد ابْن عَم
حَكِيم قلت حَكِيم بن حزَام بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الزَّاي ابْن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى
بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى أَبَا خَالِد وَهُوَ ابْن
أخي خَدِيجَة بنت خويلد زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح وعاش فِي
الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام سِتِّينَ
سنة وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة
أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة
وَالزُّبَيْر بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد
الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي فعلى هَذَا فالعوام
يكون أَخا حزَام فَيكون الزبير ابْن عَم حَكِيم قَوْله "
فكتمه " يَعْنِي كتم أصل الدّين فَقَالَ مائَة ألف
وَالْأَصْل ألفا ألف وَمِائَتَا ألف قَالَ الْكرْمَانِي
مَا كذب إِذْ لم ينف الزَّائِد على الْمِائَة وَمَفْهُوم
الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ وَفِي التَّوْضِيح هَذَا
لَيْسَ بكذب لِأَنَّهُ صدق فِي الْبَعْض وكتم بَعْضًا
وللإنسان إِذا سُئِلَ عَن خبر أَن يخبر عَنهُ بِمَا شَاءَ
وَله أَن لَا يخبر بِشَيْء مِنْهُ أصلا وَقَالَ ابْن بطال
إِنَّمَا قَالَ لَهُ مائَة ألف وكتم الْبَاقِي لِئَلَّا
يستعظم حَكِيم مَا استدانه فيظن بِهِ عدم الحزم وَبِعَبْد
الله عدم الْوَفَاء بذلك فَينْظر إِلَيْهِ بِعَين
الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا استعظم حَكِيم أمره
بِمِائَة ألف احْتَاجَ عبد الله أَن يذكر لَهُ الْجَمِيع
ويعرفه أَنه قَادر على وفائه قَوْله " تسع لهَذِهِ " أَي
تَكْفِي لوفاء مائَة ألف قَوْله " فَقَالَ لَهُ عبد الله "
أَي فَقَالَ لحكيم عبد الله بن الزبير أفرأيتك إِن كَانَت
ألفي ألف ومائتي ألف قَوْله " فليوافنا " أَي فليأتنا
يُقَال وافى فلَان إِذا أَتَى قَوْله " عبد الله بن
جَعْفَر " أَي عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب بَحر
الْجُود وَالْكَرم قَوْله فَقَالَ لعبد الله أَي فَقَالَ
عبد الله بن جَعْفَر لعبد الله بن الزبير قَوْله " قَالَ
عبد الله لَا " أَي قَالَ عبد الله بن الزبير لعبد الله بن
جَعْفَر لَا نَتْرُك دينك فَإِنَّهُ ترك بِهِ وَفَاء
قَوْله " قَالَ قَالَ " أَي قَالَ عبد الله بن الزبير
قَالَ عبد الله بن جَعْفَر قَوْله فَقدم على مُعَاوِيَة
أَي فَقدم عبد الله بن الزبير على مُعَاوِيَة بن أبي
سُفْيَان وَهُوَ فِي دمشق وَقَالَ بَعضهم فَقدم على
مُعَاوِيَة أَي فِي خِلَافَته وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ
ذكر أَنه أخر الْقِسْمَة أَربع سِنِين اسْتِبْرَاء للدّين
كَمَا سَيَأْتِي فَيكون آخر الْأَرْبَع فِي سنة
أَرْبَعِينَ وَذَلِكَ قبل أَن يجْتَمع النَّاس على
مُعَاوِيَة انْتهى قلت هَذَا النّظر إِنَّمَا يتَوَجَّه
بقوله أَي فِي خِلَافَته فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا
لِأَنَّهُ قيد الْمُطلق بِغَيْر وَجه على أَنه يجوز أَن
يكون قدومه عَلَيْهِ قبل اجْتِمَاع كل النَّاس عَلَيْهِ
قَوْله " عَمْرو بن عُثْمَان " بِفَتْح الْعين فِي عَمْرو
وَهُوَ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان وَالْمُنْذر بِلَفْظ
اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار وَهُوَ التخويف ابْن الزبير
بن الْعَوام أَخُو عبد الله بن الزبير قَوْله " وَابْن
زَمعَة " وَهُوَ عبد الله بن زَمعَة بالزاي وَالْمِيم
وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات وَقيل بِسُكُون الْمِيم
وَهُوَ عبد الله بن زَمعَة بن قيس بن عبد شمس وَهُوَ أَخُو
سَوْدَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - لأَبِيهَا قَوْله " كل سهم مائَة ألف " بِنصب
الْمِائَة بِنَزْع الْخَافِض أَي قومت الغابة وَجَاء كل
سهم بِمِائَة ألف قَوْله " قَالَ لَا " أَي لَا أقسم
وَالله وَقَوله لَا أقسم بعد ذَلِك تَفْسِير لما قبله
وَلَيْسَ فِيهِ منع الْمُسْتَحق من حَقه وَهُوَ الْقِسْمَة
وَالتَّصَرُّف فِي نصِيبه لِأَنَّهُ كَانَ وَصِيّا
وَلَعَلَّه ظن بَقَاء الدّين فالقسمة لَا تكون إِلَّا بعد
وَفَاء الدّين جَمِيعه قَوْله " بِالْمَوْسِمِ " أَي موسم
الْحَج وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم يجْتَمع النَّاس لَهُ
والوسمة الْعَلامَة قَوْله " أَربع سِنِين " فَائِدَة
تَخْصِيص المناداة بِأَرْبَع سِنِين هِيَ أَن الْغَالِب
أَن الْمسَافَة الَّتِي بَين مَكَّة وأقطار الأَرْض تقطع
بِسنتَيْنِ فَأَرَادَ أَن تصل الْأَخْبَار إِلَى الأقطار
ثمَّ تعود إِلَيْهِ أَو لِأَن الْأَرْبَع هِيَ الْغَايَة
فِي الْآحَاد بِحَسب مَا يُمكن أَن يتركب مِنْهُ العشرات
لِأَنَّهُ يتَضَمَّن وَاحِدًا واثنين وَثَلَاثَة
وَأَرْبَعَة وَهِي عشرَة قَوْله " أَربع نسْوَة " أَي
مَاتَ عَنْهُن وَهن أم خَالِد والرباب وَزَيْنَب وعاتكة
بنت زيد أُخْت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة المبشرة
بِالْجنَّةِ وَأما أَسمَاء وَأم كُلْثُوم فَكَانَ قد
طلقهما قَوْله " وَدفع الثُّلُث " أَي الَّذِي أوصى بِهِ
قَوْله " فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف
ألف " قد مر فِي أول الحَدِيث الْكَلَام فِيهِ وَلَكِن
الْكرْمَانِي ذكر هُنَا مَا يرفع الخباط فِي الْحساب
فَقَالَ فَإِن قلت إِذا كَانَ الثّمن أَرْبَعَة آلَاف ألف
وَثَمَانمِائَة ألف فالجميع ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ ألف
ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف وَإِن أضفت إِلَيْهِ الثُّلُث
وَهُوَ خَمْسُونَ ألف ألف وَتِسْعَة آلَاف ألف
وَثَمَانمِائَة ألف فعلى التقادير الْحساب غير صَحِيح قلت
لَعَلَّ الْجَمِيع كَانَ قبل وفائه هَذَا الْمِقْدَار
فَزَاد من غلات أَمْوَاله فِي هَذِه الْأَرْبَع سِنِين
إِلَى سِتِّينَ ألف ألف إِلَّا مِائَتي ألف فَيصح مِنْهُ
إِخْرَاج الدّين وَالثلث وَيبقى الْمبلغ الَّذِي مِنْهَا
لكل امْرَأَة مِنْهُ ألف ألف وَمِائَتَا ألف
(15/53)
(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْوَصِيَّة عِنْد
الْحَرْب لِأَنَّهُ سَبَب مخوف كركوب الْبَحْر وَاخْتلف
لَو تصدق حِينَئِذٍ أَو حرر هَل يكون من الثُّلُث أَو من
رَأس المَال وَفِيه أَن للْوَصِيّ تَأْخِير قسْمَة
الْمِيرَاث حَتَّى يُوفي دُيُون الْمَيِّت وَينفذ
وَصَايَاهُ إِن كَانَ لَهُ ثلث وَيُؤَخر الْقِسْمَة بِحَسب
مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَلَكِن إِذا وَقع
الْعلم بوفاء الدّين وصمم الْوَرَثَة على الْقِسْمَة
أُجِيب إِلَيْهَا فَلَا يتربص إِلَى أَمر موهوم فَإِذا
ثَبت بعد ذَلِك شَيْء يُؤْخَذ مِنْهُم وَفِيه جَوَاز
الْوَصِيَّة للأحفاد إِذا كَانَ من يحجبهم وَفِيه جَوَاز
شِرَاء الْوَارِث من التَّرِكَة وَكَذَلِكَ شِرَاء
الْوَصِيّ إِذا كَانَ بِالْقيمَةِ وَفِيه أَن الْهِبَة لَا
تملك إِلَّا بِالْقَبْضِ وَفِيه بَيَان جود عبد الله بن
جَعْفَر فَلذَلِك سمي بَحر الْكَرم وَفِيه إِطْلَاق
اللَّفْظ الْمُشْتَرك لمن يظنّ بِهِ معرفَة المُرَاد
والاستفهام لمن لم يتَبَيَّن لَهُ لِأَن الزبير قَالَ
لِابْنِهِ اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمولاي وَلَفظ الْمولى
مُشْتَرك بَين معَان كَثِيرَة فَظن عبد الله أَنه يُرِيد
بعض عتقائه فاستفهم فَعرف مُرَاده وَفِيه منزلَة الزبير
عِنْد نَفسه وَأَنه فِي تِلْكَ الْحَالة كَانَ فِي غَايَة
الوثوق بِاللَّه والإقبال عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِحكمِهِ
والاستعانة بِهِ وَفِيه قُوَّة نفس عبد الله بن الزبير
لعدم قبُوله مَا سَأَلَهُ حَكِيم بن حزَام من المعاونة
وَفِيه كرم حَكِيم أَيْضا وسماحة نَفسه وَفِيه أَن الدّين
إِنَّمَا يكره لمن لَا وَفَاء لَهُ أَو لمن يصرفهُ إِلَى
غير وَجهه وَفِيه النداء فِي دُيُون من يعرف بِالدّينِ
وَفِيه النداء فِي المواسم لِأَنَّهَا مجمع النَّاس وَفِيه
طَاعَة بني الزبير لأخيهم فِي تَأْخِير الْقِسْمَة لأجل
الدّين المتوهم وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من
اتِّخَاذ النِّسَاء وَفِيه أَن أجل الْمَفْقُود
وَالْغَائِب أَربع سِنِين وَبِه احْتج مَالك وَفِيه نظر
لَا يخفى - |