عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 23 - (بابُ ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر أم سليط بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَهِي امْرَأَة من المبايعات
حضرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
أحد.
4071 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ: وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بنُ
أبِي مالِكٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَسَمَ مُرُوطاً بَيْنَ نِساءٍ مِنْ أهْلِ
المَدِينَةِ فبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جيِّدٌ فَقال لَهُ
بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أعْطِ
هاذَا بِنْتَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الَّتِي عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كَلْثُومٍ بِنْتَ
عَلِيٍّ فَقالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ أحَقُّ بِهِ مِنْهَا
وأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِساءِ الأنْصَارِ مِمَّنْ بايَعَ
رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُمَرُ
فإنَّهَا كانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ.
(انْظُر الحَدِيث 2881) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجِهَاد فِي بَاب حمل النِّسَاء الْقرب إِلَى النَّاس
فِي الْغَزْو فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
(17/156)
عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس الخ
نَحوه وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله: مروطاً جمع
مرط وَهُوَ كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ وَرُبمَا
تلقيه الْمَرْأَة على رَأسهَا وتتلفع بِهِ قَوْله تزفر
بالزاي وَالْفَاء وَالرَّاء قَالَ البُخَارِيّ تخيط
وَقَالَ الْخطابِيّ تحمل وَقَالَ عِيَاض تحمل الْقرْبَة
ملأى على ظهرهَا فتسقى النَّاس مِنْهَا والزفر الْحمل على
الظّهْر والزفر الْقرْبَة أَيْضا وَقَالَ كِلَاهُمَا
بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْفَاء يُقَال مِنْهُ زفر
وأزفر.
24 - (بابُ قَتْلِ حَمْزَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل حَمْزَة عَم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قتل حَمْزَة
بِدُونِ لَفْظَة بَاب وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ قتل
حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء ووردت هَذِه اللَّفْظَة فِي
حَدِيث مَرْفُوع أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أصبغ بن
بنانة عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سيد الشُّهَدَاء حَمْزَة بن عبد الْمطلب
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4072 - حدَّثني أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله
حدَّثنا حُجَيْنُ بنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبِي سلَمَةَ عنْ عَبْدِ
الله بنِ الْفَضْلِ عنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسارٍ عنْ
جَعفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ
خرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ الله بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيارِ
فلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ الله بنُ
عَدِيٍّ هلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْألُهُ عنْ قَتْلِ
حَمْزَةَ قُلْتُ نَعَمْ وكانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنْ حِمْصَ
فسَألْنَا عنْهُ فَقيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ
قَصْرِهِ كأنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ فَجِئْنَا حتَّى وقَفْنَا
علَيْهِ بِيَسيرٍ فسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ
وَعُبَيْدُ الله مُعْتَجِرٌ بِعَمَامَتِهِ مَا يَرَى
وَحْشِيٌّ إلاَّ عَيْنَيْهِ ورِجْلَيْهِ فَقَالَ عُبَيْدُ
الله يَا وَحْشِيُّ أتَعْرِفُنِي قَالَ فنَظَرَ إلَيْهِ
ثُمَّ قالَ لاَ وَالله إلاَّ أنِّي لاَ أعْلَمُ أنَّ
عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأةً يُقَالُ لَهَا
أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أبي العِيصِ فوَلَدَتْ لَهُ غُلامَاً
بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ
الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إيَّاهُ
فَلَكأنِّي نَظَرْتُ إلَى قَدَمَيْكَ قَالَ فكَشَفَ
عُبَيْدُ الله عنْ وَجْهِه ثُمَّ قَالَ ألاَ تُخْبِرَنا
بِقَتْلِ حَمْزَةَ قَالَ نَعَمْ إنَّ حَمْزَةَ قتَلَ
طُعَيْمَةَ بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ فَقَالَ لي
مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ
بِعَمِّي فأنْتَ حُرٌّ قَالَ فلَمَّا أنْ خَرَجَ النَّاسُ
عامَ عَيْنَيْنِ وعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيال أُحُدٍ
بَيْنَهُ وبَيْنَهُ وادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إلَى
القِتَالِ فلَمَّا أنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خرَجَ
سِباغٌ فَقال هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ قَالَ فخَرَجَ إلَيْهِ
حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فقالَ يَا سِباغُ يَا
ابنَ أُمِّ أنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ أتُحَادُّ الله
ورَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثُمَّ شَدَّ
علَيْهِ فَكانَ كأمْسِ الذَّاهبِ قَالَ وكَمَنْتُ
لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي
رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فأضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى
خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وِرْكَيْهِ قَالَ فَكانَ ذَاكَ
العَهْدَ بِهِ فلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ
فأقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإسْلاَمُ ثُمَّ
خَرَجْتُ إلَى الطَّائِفِ فأرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولاً فَقِيلَ لِي إنَّهُ لاَ
يَهِيجُ رَسُولاً قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حتَّى
قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فلَمَّا رآنِي قَالَ أنْتَ وَحْشِي قُلْتُ نَعَمْ قَالَ
أنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قُلْتُ قَدْ كانَ مِنَ الأمْر مَا
قَدْ بَلَغَكَ قَالَ فهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّبَ
وَجْهَكَ عَنِّي قَالَ فَخَرَجْتُ فلَمَّا قُبِضَ رسولُ
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَجَ مُسَيْلَمَةُ
الكَذَّابُ قُلْتُ لأخْرُجَنَّ إلَى مُسَيْلَمَةَ لَعَلِّي
أَقْتُلُهُ فأُكَافِيءَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ فَخَرَجْتُ
مَعَ النَّاسِ فكانَ
(17/157)
مِنْ أمْرِهِ مَا كانَ قَالَ فإذَا رَجُلٌ
قائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كأنَّهُ جَمَلٌ أوْرَقُ
ثَائِرُ الرَّأسِ قَالَ فرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فأضَعُهَا
بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ
قَالَ وَوثَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِي فضَرَبَهُ
بالسَّيْفِ على هامَتِهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله بنُ
الفَضْلِ فأخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ يَسارٍ أنَّهُ
سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ يَقُولُ فَقالَتْ جارِيَةٌ
علَى ظَهْرِ بَيْتٍ وأمِيرَ المُؤْمِنِينَ قتَلَهُ
العَبْدُ الأسْوَدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد
بن عبد الله بن الْمُبَارك المخرمي، بِضَم الْمِيم وَفتح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْبَغْدَادِيّ،
ونسبته إِلَى محلّة من محَال بَغْدَاد، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وروى عَنهُ هُنَا وَفِي الطَّلَاق، وحجين،
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن الْمثنى، أَصله من
الْيَمَامَة وَسكن بَغْدَاد وَولي قَضَاء خُرَاسَان
وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع،
وَعبد الله بن الْفضل بن عَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث
بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي الْمدنِي من صغَار
التَّابِعين، وَسليمَان بن يسَار ضد الْيَمين أَخُو عَطاء
التَّابِعِيّ، وجعفر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي،
بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء:
نِسْبَة إِلَى ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة،
وَعَمْرو بن أُميَّة هُوَ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبيد الله بن عدي، بِفَتْح
الْمُهْملَة الأولى: ابْن الْخِيَار ضد الأشرار ابْن عدي
بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَقد مضى ذكره فِي مَنَاقِب
عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حمص) ، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون
الْمِيم: مَدِينَة مَشْهُورَة قديمَة إِحْدَى قَوَاعِد
الشَّام ذَات بساتين، مشربها من نهر العَاصِي، سميت بحمص
بن الْمهْر بن ألحاف بن مكتف من العماليق، وَهِي بَين حماة
ودمشق، وَقَالَ الْبكْرِيّ: لَا يجوز فِيهَا الصّرْف كَمَا
يجوز فِي هِنْد لِأَنَّهُ اسْم أعجمي. قلت: يجوز صرفهَا
مثل: هود ونوح، لِأَن سُكُون وَسطهَا يُؤثر فِي منع
إِحْدَى العلتين فَيبقى على عِلّة وَاحِدَة. قَوْله: (فِي
وَحشِي) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف: ابْن حَرْب ضد الصُّلْح كَانَ من سودان مَكَّة،
قَالَ أَبُو عمر: مولى لطعيمة بن عدي، وَيُقَال: مولى
جُبَير بن مطعم بن عدي، كَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق،
وَكَانَ يكنى أَبَا رسمة، وَكَانَ يَرْمِي بِحَرْبَة فَلَا
يكَاد يخطىء، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: مَاتَ وَحشِي بن
حَرْب فِي الْخمر وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من سمي باسمه
غَيره. قَوْله: (نَسْأَلهُ عَن قتل حَمْزَة) ، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: نَسْأَلهُ عَن قَتله حَمْزَة.
قَوْله: (فسألنا عَنهُ فَقيل لنا) وَفِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: قَالَ لنا رجل وَنحن نسْأَل عَنهُ: إِنَّه غلبت
عَلَيْهِ الْخمر، فَإِن تجداه صَاحِيًا تجداه عَرَبيا
يحدثكما بِمَا شئتما، وَإِن تجداه على غير ذَلِك، فانصرفا
عَنهُ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ نَحوه، وَقَالَ
فِيهِ: وَإِن أدركتماه شارباً فَلَا تسألاه. قَوْله:
(كَأَنَّهُ حميت) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر
الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره تَاء
مثناة من فَوق، وَهُوَ الزق الَّذِي لَا شعر عَلَيْهِ،
وَهُوَ للسمن، وَيجمع على: حمت، قَالَ ابْن الْأَثِير:
وَهُوَ النحي والزق الَّذِي يكون فِيهِ السّمن أَو
الزَّيْت وَنَحْوهمَا، والنحي يجمع على أنحاء، وَقيل:
أَكثر مَا يُقَال: الحميت، فِي أوعية السّمن وَالزَّيْت،
وَقيل: هُوَ الزق مُطلقًا، وَقَالَ أَبُو عبيد: أما الزق
الَّذِي يَجْعَل فِيهِ اللَّبن فَهُوَ الوطب، وَجمعه
أوطاب، وَمَا كَانَ للشراب فَهُوَ الزق، وَاسم الزق يجمع
ذَلِك كُله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيُشبه الرجل السمين
الجسيم بالحميت. قَوْله: (معتجر) ، من الاعتجار وَهُوَ لف
الْعِمَامَة على الرَّأْس من غير تحنيك. قَوْله: (أم قتال)
، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أم قبال) ، بِالْبَاء
الْمُوَحدَة، وَالْأول أصح، وَهِي عمَّة عتاب بن أسيد بن
أبي الْعيص بن أُميَّة. قَوْله: (بنت أبي الْعيص) ،
بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره صَاد مُهْملَة: ابْن أُميَّة بن عبد
شمس، أم عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا. قَوْله: أسترضع
لَهُ) أَي: اطلب لَهُ من يرضعه، وَزَاد فِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: وَالله مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ناولتك أمك السعدية
الَّتِي أَرْضَعتك بِذِي طوى، فَإِنِّي ناولتكها وَهِي على
بَعِيرهَا فأخذتك، فلمعت لي قدمك حِين رفعتك، فَمَا هُوَ
إلاَّ أَن وقفت عَليّ فعرفتهما، وَهَذَا يُوضح قَوْله فِي
حَدِيث الْبَاب: فلكأني نظرت إِلَى قَدَمَيْك، يَعْنِي
أَنه شبه قَدَمَيْهِ بقدمي الْغُلَام الَّذِي حمله،
وَكَانَ هُوَ هُوَ، وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ قريب من خمسين
سنة، فَدلَّ ذَلِك على ذكاء مفرط وَمَعْرِفَة تَامَّة
بالقيافة. قَوْله: (طعيمة) ، مصغر: طعمة، قَوْله: (جُبَير)
، بِضَم الْجِيم مصغر: جبر ضد الْكسر
(17/158)
ابْن مطعم، بِضَم الْمِيم على وزن اسْم
فَاعل من الْإِطْعَام: ابْن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف
بن قصي الْقرشِي النَّوْفَلِي، أسلم جُبَير يَوْم
الْفَتْح، وَقيل: عَام خَيْبَر، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة
سبع وَخمسين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَكَانَت وَفَاة
الْمطعم بن عدي فِي صفر سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة قبل
بدر بِنَحْوِ سَبْعَة أشهر. قَوْله: (عدي بن الْخِيَار) ،
قَالَ الدمياطي: صَوَابه عدي بن نَوْفَل، كَمَا
ذَكرْنَاهُ، والمطعم وَالْخيَار ابْنا عدي. قَوْله:
(فَلَمَّا أَن خرج النَّاس) ، ويروى: (فَلَمَّا خرج
النَّاس) ، بِدُونِ لَفْظَة: إِن وَالْمرَاد بِالنَّاسِ:
قُرَيْش وَمن مَعَهم. قَوْله: (عَام عينين) أَي: عَام أحد،
ثمَّ فسر الْعَينَيْنِ بقوله: وعينين: جبل بحيال إحد أَي
من نَاحيَة أحد، يُقَال: فلَان بحيال كَذَا، بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف:
أَي بمقابله، وَهَذَا تَفْسِير من بعض الروَاة، وَإِنَّمَا
قَالَ: عَام عينين دون عَام أحد لِأَن قُريْشًا كَانُوا
نزلُوا عِنْده، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: نزلُوا بعينين جبل
بِبَطن السبخة من قناة على شَفير الْوَادي مُقَابل
الْمَدِينَة. قلت: عينين، تَثْنِيَة عين، قَالَ
الْكرْمَانِي ضد الْمثنى ويروى بِلَفْظ الْجمع، وعَلى
التَّقْدِيرَيْنِ النُّون تعتقب الْإِعْرَاب منصرفاً وَغير
منصرف. قَوْله: (خرجت) جَوَاب: لما. قَوْله: (خرج سِبَاع)
بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة وَهُوَ اسْم لِابْنِ عبد الْعُزَّى
الْخُزَاعِيّ. قَوْله: (يَا ابْن أم أَنْمَار) بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون النُّون، وَهِي أمة كَانَت مولاة لشريق
بن عَمْرو الثَّقَفِيّ وَالِد الْأَخْنَس. قَوْله: (مقطعَة
البظور) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة والظاء الْمُعْجَمَة:
جمع بظر، وَهُوَ هنة فِي الْفرج وَهِي اللحمة الكائنة بَين
شفري الْفرج تقطع عِنْد الْخِتَان، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق:
كَانَت أمه ختانة بِمَكَّة تختن النِّسَاء. انْتهى.
وَالْعرْف تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم والشتم،
وإلاَّ قَالُوا: ختانة. قَوْله: (أتحاد الله) بِفَتْح
همزَة الِاسْتِفْهَام وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، وَأَصله:
تحادد، من المحادة وَهِي أَن يكون ذَا فِي حد وَذَا فِي
حد، ثمَّ اسْتعْمل فِي المعاندة والمعاداة. قَوْله: (ثمَّ
شدّ عَلَيْهِ) ، أَي: ثمَّ شدّ حَمْزَة على سِبَاع.
قَوْله: (فَكَانَ كالأمس الذَّاهِب) ، وَهَذَا كِنَايَة
عَن إعدامه إِيَّاه بِالْقَتْلِ فِي الْحَال. قَوْله:
(الذَّاهِب) صفة لَازِمَة مُؤَكدَة. قَوْله: (قَالَ:
وكمنت) أَي: قَالَ وَحشِي: وكمنت، بِفَتْح الْمِيم أَي:
اختفيت، وَفِي رِوَايَة ابْن عَائِذ: عِنْد شَجَرَة، وروى
ابْن أبي شيبَة من مُرْسل عَمْرو بن إِسْحَاق: أَن حَمْزَة
عثر فانكشف الدرْع عَن بَطْنه فَأَبْصَرَهُ العَبْد الحبشي
فَرَمَاهُ بالحربة. قَوْله: (فِي ثنته) بِضَم الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون وَهِي: الْعَانَة وَقيل
مَا بَين السُّرَّة والعانة، وَيُقَال: الثَّاء مُثَلّثَة،
وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: (فَجعلت ألوذ من حَمْزَة
بشجرة وَمَعِي حربتي إِذا اسْتَمْكَنت مِنْهُ هززت الحربة
حَتَّى رضيت مِنْهَا ثمَّ أرسلتها فَوَقَعت بَين ثندوتيه،
وَذهب يقوم فَلم يسْتَطع، والثندوة بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَسُكُون النُّون وَضم الدَّال الْمُهْملَة
وبالواو الْخَفِيفَة: وَهِي من الرجل مَوضِع الثدي من
الْمَرْأَة. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك الْعَهْد بِهِ)
كِنَايَة عَن مَوته. قَوْله: (فَلَمَّا رَجَعَ النَّاس) ،
أَي: قُرَيْش إِلَى مَكَّة. قَوْله: (حَتَّى فشى فِيهَا
الْإِسْلَام) أَي: أَقمت بِمَكَّة إِلَى أَن ظهر فِيهَا
الْإِسْلَام، ثمَّ خرجت مِنْهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: فَلَمَّا افْتتح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، مَكَّة هربت مِنْهَا إِلَى الطَّائِف. قَوْله:
(رَسُولا) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي
الْوَقْت، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: رسلًا، بِالْجمعِ.
قَوْله: (فَقيل لي إِنَّه لَا يهيج الرُّسُل) أَي: لَا
ينالهم مِنْهُ إزعاج. قَوْله: (مَا قد بلغك) ، يَعْنِي: من
أَمر حَمْزَة وَقَتله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(فَهَل تَسْتَطِيع أَن تغيب وَجهك عني) وَفِي رِوَايَة
الطَّيَالِسِيّ: غيب وَجهك عني فَلَا أَرَاك. قَوْله:
(فأكافيء بِهِ) بِالْهَمْزَةِ أَي: فأساوي بقتل مُسَيْلمَة
قتل حَمْزَة. قَوْله: (فِي ثلمة جِدَار) أَي: فِي خلله.
قَوْله: (جمل أَوْرَق) أَي: لَونه مثل الرماد، وَكَانَ
ذَلِك من غُبَار الْحَرْب، قَالَه بَعضهم قلت: بل كَانَ
ذَلِك من سَواد كفره وإنهماكه فِي الْبَاطِل، قَوْله:
(ثَائِر الرَّأْس) أَي: منتشر شعر رَأسه. قَوْله: (فأضعها
بَين ثديبه) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
غَيره: فَوَضَعتهَا. قَوْله: (رجل من الْأَنْصَار) هُوَ
عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، وَجزم بِهِ
الْوَاقِدِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْحَاكِم،
وَقيل: هُوَ عدي بن سهل، وَجزم بِهِ سيف فِي (كتاب
الرِّدَّة) وَقيل: أَبُو دُجَانَة، وَأغْرب وثيمة فِي
(كتاب الرِّدَّة) فَزعم أَنه شن، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: ابْن عبد الله، وَقَالَ
ابْن عبد الْبر: إِن الَّذِي قَتله خلاس بن بشير بن
الْأَصَم.
قَوْله: (قَالَ: قَالَ عبد الله بن الْفضل) هُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا، وفاعل: قَالَ، الأول
عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن سَلمَة الْمَذْكُور، أَي:
قَالَ عبد الله بن الْفضل: أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن يسَار
الْمَذْكُور فِيهِ أَنه سمع عبد الله بن عمر يَقُول ...
إِلَى آخِره. قَوْله: (وأمير الْمُؤمنِينَ) مَنْدُوب.
قَوْله: (قَتله العَبْد الْأسود) وأرادت بِهِ الوحشي،
وَقَالَ بَعضهم فِي قَول الْجَارِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ،
نظر لِأَن مُسَيْلمَة كَانَ يَدعِي أَنه نَبِي مُرْسل من
الله، فَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: رَسُول الله وَنَبِي
الله. والتلقيب
(17/159)
بأمير الْمُؤمنِينَ حدث بعد ذَلِك، وَأول
من لقب بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذَلِكَ بعد
قتل مُسَيْلمَة بِمدَّة. انْتهى. قلت: قَالَ ابْن التِّين:
كَانَ مُسَيْلمَة يُسمى تَارَة بِالنَّبِيِّ وَتارَة بأمير
الْمُؤمنِينَ، ورد عَلَيْهِ هَذَا الْقَائِل بقوله: فَإِن
كَانَ يَعْنِي ابْن التِّين أَخذه من هَذَا الحَدِيث
فَلَيْسَ بجيد، وإلاَّ فَيحْتَاج إِلَى نقل بذلك. انْتهى.
قلت: قَوْله: لَيْسَ بجيد، غير جيد، لِأَن فِي الحَدِيث
التَّصْرِيح بذلك، لِأَنَّهَا إِنَّمَا قَالَت بذلك لما
رَأَتْ أَن أُمُور أَصْحَابه كلهَا كَانَت إِلَيْهِ،
فَلذَلِك أطلقت عَلَيْهِ الإمرة، وَأما نسبتها إِلَى
الْمُؤمنِينَ فباعتبار أَنهم كَانُوا آمنُوا بِهِ فِي
زعمهم الْبَاطِل، وَقَوله: أول من لقب بِهِ عمر، لَا
يُنَافِي ذَلِك، لِأَن هَذِه الأولية بِالنّظرِ إِلَى أبي
بكر حَيْثُ لم يطلقوا عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ،
اكْتِفَاء بِلَفْظ الْخلَافَة، وَمَعَ هَذَا كَانَ هُوَ
أَيْضا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
25 - (بابُ مَا أصابَ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الجِرَاح يَوْمَ
أحُدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا أصَاب ... إِلَى آخِره.
4073 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عبْدُ
الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أبَا
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى
قَوْمٍ فعَلُوا بِنَبِيِّهِ يُشِيرُ إلَى رَباعِيَتِهِ
اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ الله. (الحَدِيث 4074
طرفه فِي: 4076) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لما جرح يَوْم أحد وشج فِي وَجهه
وَكلمت شفته وَكسرت رباعيته وَأَقْبل ابي ابْن خلف
الجُمَحِي، وَقد حلق ليقْتلن مُحَمَّدًا، فَقَالَ: بل أَنا
أَقتلهُ، فَقَالَ: يَا كَذَّاب! أَيْن تَفِر؟ فَحمل
عَلَيْهِ فطعنه فِي جيب الدرْع فَوَقع يخور خوار الثور،
فاحتملوه فَلم يلبث إلاَّ بعض يَوْم حَتَّى راحت روحه
إِلَى الهاوية، قَالَ فِي ذَلِك الْوَقْت: اشْتَدَّ غضب
الله على رجل يقْتله رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة.
وَأخرجه أَيْضا مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن
رَافع.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر
البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد فَقيل
لَهُ: السَّعْدِيّ، يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام
الْيَمَانِيّ عَن معمر بن رَاشد عَن همام، بتَشْديد
الْمِيم: ابْن مُنَبّه.
قَوْله: (وَاشْتَدَّ غضب الله) ، مَعْنَاهُ أَن ذَلِك من
أعظم السَّيِّئَات عِنْده، ويجازى عَلَيْهِ وَلَيْسَ
المُرَاد مِنْهُ الْغَضَب الَّذِي هُوَ عرض، لِأَن
الْقَدِيم لَا تحله الْأَعْرَاض لِأَنَّهَا حوادث، فيستحيل
وجودهَا فِيهِ. قَوْله: (بِنَبِيِّهِ) أَي: بِنَبِي الله،
عز وَجل. قَوْله: (رباعيته) ، بِفَتْح الرَّاء وبتخفيف
الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَهِي السن الَّتِي تلِي الثَّنية من كل جَانب، وللإنسان
أَربع رباعيات.
4074 - حدَّثني مَخْلَدُ بنُ مالِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ الأمَوِيُّ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ
دِينارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ
قتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ
الله اشْتَدَّ غَضَبُ الله على قَوْمٍ دَمَّوْا وجْهَ
نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومخلد، بِفَتْح الْمِيم
وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: ابْن
مَالك أَبُو جَعْفَر الْحمال النَّيْسَابُورِي، أَصله رازي
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَوهم الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ: روى
عَنهُ مُسلم، لِأَن أحدا لم يذكرهُ فِي رِجَاله، وَيحيى بن
سعيد ابْن أبان الْأمَوِي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم،
يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، والْحَدِيث
مثل الَّذِي قبله من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، لِأَن ابْن
عَبَّاس لم يشْهد الْوَقْعَة وَلَا أَبُو هُرَيْرَة،
فكأنهما حملاه عَمَّن شَهِدَهَا أَو سمعاه من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك.
قَوْله: (فِي سَبِيل الله) : احْتِرَاز مِمَّن يقْتله فِي
حد أَو قصاص، فَإِن من يقْتله فِي سَبِيل الله كَانَ
قَاصِدا لقتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (دموا) بتَشْديد الْمِيم أَي: جرحوه حَتَّى خرج
مِنْهُ الدَّم، فأصله: دميوا، حذفت الْيَاء بعد نقل حركتها
إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يُقَال: دموا، بِالتَّخْفِيفِ
لِأَنَّهُ غير مُتَعَدٍّ، يُقَال: دمّى وَجهه.
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي
كثير من النّسخ لفظ: بَاب.
4074 - حدَّثني مَخْلَدُ بنُ مالِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ الأمَوِيُّ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ
دِينارٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى مَنْ
قتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيلِ
الله اشْتَدَّ غَضَبُ الله على قَوْمٍ دَمَّوْا وجْهَ
نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومخلد، بِفَتْح الْمِيم
وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: ابْن
مَالك أَبُو جَعْفَر الْحمال النَّيْسَابُورِي، أَصله رازي
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَوهم الْحَاكِم حَيْثُ قَالَ: روى
عَنهُ مُسلم، لِأَن أحدا لم يذكرهُ فِي رِجَاله، وَيحيى بن
سعيد ابْن أبان الْأمَوِي، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم،
يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، والْحَدِيث
مثل الَّذِي قبله من مَرَاسِيل الصَّحَابَة، لِأَن ابْن
عَبَّاس لم يشْهد الْوَقْعَة وَلَا أَبُو هُرَيْرَة،
فكأنهما حملاه عَمَّن شَهِدَهَا أَو سمعاه من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك.
قَوْله: (فِي سَبِيل الله) : احْتِرَاز مِمَّن يقْتله فِي
حد أَو قصاص، فَإِن من يقْتله فِي سَبِيل الله كَانَ
قَاصِدا لقتل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (دموا) بتَشْديد الْمِيم أَي: جرحوه حَتَّى خرج
مِنْهُ الدَّم، فأصله: دميوا، حذفت الْيَاء بعد نقل حركتها
إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يُقَال: دموا، بِالتَّخْفِيفِ
لِأَنَّهُ غير مُتَعَدٍّ، يُقَال: دمّى وَجهه.
(17/160)
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي
كثير من النّسخ لفظ: بَاب.
4076 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ
حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ
عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاس قَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ الله
علَى مَنْ قتَلَهُ نَبِيٌّ واشْتَدَّ غَضَبُ الله علَى
مَنْ دَمَّى وجْهَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(انْظُر الحَدِيث 4074) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور
آنِفا أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن أبي حَفْص
الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وروى مُسلم عَنهُ أَيْضا،
وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الْمَعْرُوف بالنبيل،
وَابْن جريج قد مر الْآن، وَالله أعلم.
26 - (بابٌ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ} (آل
عمرَان: 173) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {الَّذين
اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} (آل عمرَان: 173) . وَفِي
بَيَان سَبَب نُزُولهَا لِأَنَّهَا تتَعَلَّق بغزوة أحد.
4077 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حدَّثنا أبُو مُعاوِيَةَ عنْ
هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ مِنْ
بَعْدِ مَا أصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا
مِنْهُمْ واتَّقُوا أجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمرَان: 173) .
قالَتْ لِعُرْوَةَ يَا ابْنَ أُخْتِي كانَ أبُوكَ مِنْهُمْ
الزُّبَيْرُ وأبُو بَكْرٍ لَمَّا أصَابَ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وانْصَرَفَ
عَنْهُ المُشْرِكُونَ خافَ أنْ يَرْجِعُوا قَالَ مَنْ
يَذْهَبُ فِي إثْرِهِمْ فانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ
رَجُلاً قَالَ كانَ فِيهِمْ أبُو بَكْرٍ والزُّبَيْرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سَلام، قَالَ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) : أرَاهُ ابْن
سَلام، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم التَّمِيمِي
السَّعْدِيّ الضَّرِير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن
الزبير بن الْعَوام يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أم
الْمُؤمنِينَ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (الَّذين) مُبْتَدأ وَخَبره. قَوْله: (للَّذين
أَحْسنُوا) وَيجوز أَن يكون صفة للْمُؤْمِنين الَّذين قبله
{وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ} (آل عمرَان: 171)
. وَيجوز أَن يكون نصبا على الْمَدْح، والاستجابة
الْإِجَابَة وَالطَّاعَة، والقرح الْجرْح. قَوْله: (يَا
ابْن أُخْتِي) وَذَلِكَ لِأَن عُرْوَة بن أَسمَاء
(17/161)
أُخْت عَائِشَة، وَالزُّبَيْر أَبوهُ،
وَأَبُو بكر عطف على أَبوك، ويروى: أَبَوَاك، فَأَبُو بكر
عطف على الزبير، وَأطلق الْأَب على أبي بكر وَهُوَ جده
مجَازًا. قَوْله: (انتدب) يُقَال: نَدبه لأمر فَانْتدبَ
أَي: دَعَاهُ لَهُ فَأجَاب. قَوْله: (سَبْعُونَ رجلا)
مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وعمار بن يَاسر
وَطَلْحَة وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف
وَذكر عبد الرَّزَّاق من مُرْسل عُرْوَة عبد الله بن
مَسْعُود، وَفِي حَدِيث الْبَاب: الزبير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنِي مُحَمَّد بن
سعد حَدثنِي أبي حَدثنِي عمي حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِن الله قذف فِي قلب أبي سُفْيَان
الرعب يَوْم أحد بعد الَّذِي كَانَ مِنْهُ، مَا كَانَ
فَرجع إِلَى مَكَّة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِن أَبَا سُفْيَان قد أصَاب مِنْكُم طرفا وَقد
رَجَعَ وَقذف الله فِي قلبه الرعب، وَكَانَت وقْعَة أحد
فِي شَوَّال وَكَانَ التُّجَّار يقدمُونَ الْمَدِينَة فِي
ذِي الْقعدَة فينزلون ببدر الصُّغْرَى فِي كل سنة مرّة
وَأَنَّهُمْ قدمُوا بعد وقْعَة أحد وَكَانَ أصَاب
الْمُؤمنِينَ الْقرح واشتكوا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الَّذِي
أَصَابَهُم، وَأَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
ندب النَّاس لِيَنْطَلِقُوا مَعَه ويتبعوا مَا كَانُوا
متبعين، وَقَالَ: إِنَّمَا يرتحلون الْآن فَيَأْتُونَ
الْحَج وَلَا يقدرُونَ على مثلهَا حَتَّى عَام مقبل، فجَاء
الشَّيْطَان فخوف أولياءه فَقَالَ: {إِن النَّاس قد جمعُوا
لكم} (آل عمرَان: 173) . فَأبى عَلَيْهِ النَّاس أَن
يتبعوه فَقَالَ: إِنِّي ذَاهِب، وَإِن لم يَتبعني أحد
لأحضض، فَانْتدبَ مَعَه أَبُو بكر فذُكر من ذَكَرْنَاهُمْ
الْآن وَفِيهِمْ زِيَادَة: حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو
عُبَيْدَة بن الْجراح فِي سبعين رجلا، فَسَارُوا فِي طلب
أبي سُفْيَان فطلبوه حَتَّى بلغُوا الصَّفْرَاء فَأنْزل
الله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} (آل عمرَان:
173) . الْآيَة.
27 - (بَاب من قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
مِنْهُمْ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ واليَمَانُ
وأنَسُ بنُ النَّضْرِ ومُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قتل من الْمُسلمين يَوْم
غَزْوَة أحد، مِنْهُم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر بَيَانه فِي
بَاب مُفْرد، وَمِنْهُم: الْيَمَان، بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم وَبعد الْألف نون وَالِد
حُذَيْفَة وَهُوَ لقبه، واسْمه حسل، بِكَسْر الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره
لَام، وَقد تقدم فِي آخر: بَاب {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ}
(آل عمرَان: 122) . وَمِنْهُم أنس بن النَّضر، وَقد تقدم
فِي أَوَائِل الْغَزْوَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر النَّضر
بن أنس، وَكَذَا وَقع عِنْد النَّسَائِيّ وَهُوَ خطأ،
وَالصَّوَاب: أنس بن النَّضر وَأما النَّضر بن أنس فَهُوَ
وَلَده، وَكَانَ إِذْ ذَاك صَغِيرا، وعاش بعد ذَلِك
زَمَانا، وَمِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد
منَاف وَقد تقدم أَيْضا.
4078 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا مُعَاذُ بنُ
هِشَامٍ قَالَ حدَّثني أبي عنْ قَتَادَةَ قَالَ مَا
نَعْلَمُ حَيَّاً مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ أكْثَرَ
شَهِيدَاً أعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأنْصَارِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، وَعَمْرو بن
عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي،
ومعاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن هِشَام بن أبي عبد الله
الدستوَائي الْبَصْرِيّ سكن نَاحيَة الْيمن، يروي عَن
أَبِيه عبد الله واسْمه سُفْيَان، قَالَ عَمْرو بن عَليّ:
مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة. قَوْله: (أعز) ،
بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي من الْعِزَّة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: (أغر) ، بالغين الْمُعْجَمَة
وَالرَّاء، وانتصابه على أَنه صفة أَو بدل أَو عطف بَيَان،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَازَ حذف حرف الْعَطف كَمَا فِي:
التَّحِيَّات المباركات وَفِيه نظر.
قَالَ قَتَادَةُ وحدَّثنا أنَسُ بنُ مَالِكٍ أنَّهُ قُتِلَ
مِنْهُمْ يَوْمَ أُحدٍ سَبْعُونَ ويَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ
سَبْعُونَ ويَوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ قالَ وكانَ
بِئْرُ مَعُونَةَ علَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ويَوْمُ اليَمَامَةِ علَى عَهْدِ أبِي
بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ
(17/162)
هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور،
وَأَرَادَ قَتَادَة بذلك اعتضاد كَلَامه الأول.
قَوْله: (قتل مِنْهُم) أَي: من الْأَنْصَار، هَذَا ظَاهر
الْكَلَام إلاَّ أَن الَّذِي قتل من الْمُهَاجِرين قَلِيل،
وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبد الله بن جحش وشمسا بن
عُثْمَان وَمصْعَب بن عُمَيْر، وَهَؤُلَاء ذكرهم ابْن
إِسْحَاق لِأَنَّهُ ذكر من اسْتشْهد من الْمُسلمين بِأحد
فبلغوا خَمْسَة وَسِتِّينَ مِنْهُم أَرْبَعَة من
الْمُهَاجِرين وهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ، وروى ابْن
مَنْدَه من حَدِيث أبي بن كَعْب، قَالَ: قتل من
الْأَنْصَار يَوْم أحد أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَمن
الْمُهَاجِرين سِتَّة، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَقد ذكر
مُوسَى بن عقبَة سَعْدا مولى حَاطِب وَالسَّادِس ثَقِيف بن
عَمْرو الْأَسْلَمِيّ حَلِيف بني عبد شمس. قَوْله:
(وَيَوْم بِئْر مَعُونَة) ، أَي: قتل يَوْم بِئْر
مَعُونَة، بِفَتْح الْمِيم وَضم الْعين الْمُهْملَة
وبالنون، وَهُوَ مَاء لبني سليم وَهُوَ بَين أَرض بني
عَامر وَأَرْض بني سليم، وَذكر الْكِنْدِيّ أَن بِئْر
مَعُونَة من جبال ليلى فِي طَرِيق المصعد من الْمَدِينَة
إِلَى مَكَّة، وَقَالَ ابْن دحْيَة: هِيَ بِئْر بَين
مَكَّة وَعُسْفَان وَأَرْض هُذَيْل، وَجزم ابْن التِّين:
بِأَنَّهَا على أَربع مراحل من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَعْنِي بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا
الْحجَّة وَالْمحرم ثمَّ بعث أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة فِي
صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن
عقبَة: وَكَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو،
وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَأغْرب مَكْحُول حَيْثُ
قَالَ: إِنَّهَا كَانَت بعد الخَنْدَق، وَسَيَأْتِي أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سبعين رجلا لِحَاجَتِهِ
يُقَال لَهُم: الْقُرَّاء، فتعرض لَهُم حيَّان من بني
سليم: رعل وذكوان عِنْد بِئْر مَعُونَة فَقَتَلُوهُمْ،
فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شهرا
فِي صَلَاة الْغَدَاء، وَذَاكَ بَدْء الْقُنُوت. قَوْله:
(وَيَوْم الْيَمَامَة) ، أَي: قتل يَوْم الْيَمَامَة
سَبْعُونَ، واليمامة مَدِينَة من الْيمن على مرحلَتَيْنِ
من الطَّائِف، وَلما تولى أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، الْخلَافَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أرسل جَيْشًا إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي
ادّعى النُّبُوَّة، وَجعل خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أَمِيرا عَلَيْهِم، وقصته طَوِيلَة،
وملخصها أَن خَالِدا لما قرب من مُسَيْلمَة وتواجه
الْفَرِيقَانِ وَقع حَرْب عَظِيم وصبر الْمُسلمُونَ صبرا
لم يعْهَد مثله حَتَّى فتح الله عَلَيْهِم، وَولى
الْكفَّار الأدبار وَدخل أَكْثَرهم الحديقة وأحاط بهم
الصَّحَابَة، ثمَّ دخلوها من حيطانها وأبوابها فَقتلُوا من
فِيهَا من الْمُرْتَدَّة من أهل الْيَمَامَة حَتَّى خلصوا
إِلَى مُسَيْلمَة لَعنه الله فَتقدم إِلَيْهِ وَحشِي بن
حَرْب قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَرَمَاهُ بِحَرْبَة فأصابته وَخرجت من الْجَانِب الآخر،
وسارع إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَضَربهُ
بِالسَّيْفِ فَسقط، وَكَانَ جملَة من قتلوا فِي الحديقة
وَفِي المعركة قَرِيبا من عشرَة آلَاف مقَاتل، وَقيل: أحد
وَعِشْرُونَ ألفا، وَقتل من الْمُسلمين سِتّمائَة، وَقيل:
خَمْسمِائَة، وَالله أعلم. وَفِيهِمْ من الصَّحَابَة
سَبْعُونَ رجلا، وَيُقَال: كَانَ عمر مُسَيْلمَة يَوْم قتل
مائَة وَأَرْبَعين سنة.
4079 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيد حدَّثنا اللَّيْثُ
عنِ ابنِ شِهاب عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ
مالِكٍ أنَّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما أخبرَهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ
فِي ثَوْبٍ واحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذَاً
لِلْقُرْآنِ فإذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أحَدٍ قَدَّمَهُ فِي
اللَّحْدِ وَقَالَ أنَا شَهِيدٌ علَى هاؤُلاءِ يَوْمَ
القِيَامَةِ وأمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ ولَمْ
يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ولَمْ يُغَسَّلُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ يجمع بَين
الرجلَيْن من قَتْلَى أحد) . والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي: بَاب من يقدم فِي اللَّحْد، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن مقَاتل عَن عبد الله عَن لَيْث بن
سعد عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
4080 - وقَالَ أبُو الوَلِيدِ عنْ شُعْبَةَ عنِ ابنِ
الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَاً قَالَ لَمَّا
قُتِلَ أبِي جَعَلْتُ أبْكِي وأكْشِفُ الثَّوْبَ عنْ
وَجْهِهِ فجَعَلَ أصْحَابُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَنْهَوْنِي والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَمْ يَنْهَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لاَ تَبْكِيهِ أوْ مَا تَبْكِيهِ مَا زَالَتِ
المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بأجْنِحَتِهَا حتَّى رُفِعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن وَالِد جَابر هُوَ
عبد الله مِمَّن قتل بِأحد، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام
بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَابْن الْمُنْكَدر
(17/163)
هُوَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بن عبد الله
الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله
الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا أَبُو خَليفَة حَدثنَا أَبُو
الْوَلِيد ... إِلَخ، والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي:
بَاب مَا يكره من النِّيَاحَة على الْمَيِّت بأتم مِنْهُ،
أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن ابْن
الْمُنْكَدر.
قَوْله: (ينهوني) بِحَذْف نون الْجمع على لُغَة، ويروى:
يلهونني، على الأَصْل. قَوْله: (لم ينْه) أَي: لم ينْه
جَابِرا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا ينهاني. قَوْله: (لَا تبكيه) ظَاهره يَقْتَضِي أَن
النَّهْي لجَابِر، وَبِه صرح الْكرْمَانِي، وَلِأَن
قَوْله: لَا تبكيه، خطاب بِصِيغَة الْمُذكر فَيكون
النَّهْي لجَابِر. قَوْله: (أَو مَا تبكيه؟) شكّ من
الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: كلمة: مَا، للاستفهام
يَعْنِي: لم تبكيه، وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَن النَّهْي
لجَابِر وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا النَّهْي لفاطمة بنت
عَمْرو وعمة جَابر، وَقد أخرجه مُسلم من طَرِيق غنْدر عَن
شُعْبَة بِلَفْظ: قتل أبي فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ:
وَجعلت بنت عَمْرو عَمَّتي تبكيه، فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تبكيه، وَكَذَا تقدم عِنْد
المُصَنّف فِي الْجَنَائِز نَحْو هَذَا. انْتهى. قلت:
الَّذِي تقدم عِنْد المُصَنّف فِي الْجَنَائِز لَيْسَ
كَذَلِك، لِأَن لَفظه هُنَاكَ: فَذَهَبت أُرِيد أَن أكشف
عَنهُ فنهاني قومِي، ثمَّ ذهبت أُرِيد أَن أكشف عَنهُ
فنهاني قومِي، فَأمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَرفع فَسمع صَوت صائحة، فَقَالَ: من هَذِه؟
فَقَالُوا: بنت عَمْرو، أَو أُخْت عَمْرو، قَالَ: فَلم
تبْكي أَو لَا تبْكي ... الحَدِيث، وَكَيف يتْرك صَرِيح
النَّهْي لجَابِر وَيُقَال: النَّهْي هُنَا لفاطمة بنت
عَمْرو وَلَيْسَ لَهَا هُنَا ذكر؟ وَهَذَا تصرف عَجِيب،
وَإِن كَانَ أصل الحَدِيث وَاحِدًا، فَلَا يمْنَع أَن يكون
النَّهْي هُنَا لجَابِر وَهُنَاكَ لفاطمة، وَبِهَذَا قَالَ
الْكرْمَانِي، وَمر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب مَا يكره من
النِّيَاحَة، لَكِن ثمَّة رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ لعمة عبد الله: لم تبْكي أَو لَا تبْكي،
وَهَهُنَا قَالَه لجَابِر.
4081 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ
عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أرَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفَاً
فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَي
فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ بِهِ الله
مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ ورَأيْتُ فِيهَا
بَقَرَاً خَيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا هُوَ مَا
أُصِيب من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد) وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا: اسْمه عَامر، وَقيل:
غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وبريد هَذَا يروي عَن جده
أبي بردة وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد
الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع فِي
الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير.
قَوْله: (أرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا
وَقع فِي الْأُصُول، وَهُوَ بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى:
أَظن. قَالَ بَعضهم: الْقَائِل ذَلِك هُوَ البُخَارِيّ.
فَكَأَنَّهُ شكّ هَل سمع من شَيْخه صِيغَة الرّفْع أم لَا؟
قلت: يحْتَمل أَن يكون قَائِله شَيْخه مُحَمَّد بن
الْعَلَاء. قَوْله: (رَأَيْت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
أريت، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سَيْفا) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: سَيفي، وَقد تقدم فِي أول الْغَزْوَة
أَنه ذُو الفقار. قَوْله: (فَانْقَطع صَدره) وَعند ابْن
إِسْحَاق: وأريت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا، وَعند أبي
الْأسود فِي الْمَغَازِي عَن عُرْوَة: رَأَيْت سَيفي ذَا
الفقار قد انقصم من عِنْد ظبته، وَكَذَا عِنْد ابْن سعد.
قَوْله: (بقرًا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَفِي
رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: بقرًا تذبح، وَكَذَا
فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أبي يعلى. قَوْله: (وَالله
خير) كَذَا بِالرَّفْع فيهمَا على أَنه مُبْتَدأ وَخبر
وَفِيه حذف تَقْدِيره: وثواب الله خير، أَو صنع الله
بالمقتولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ
السُّهيْلي: مَعْنَاهُ رَأَيْت بقرًا تنحر وَالله عِنْده
خير، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِنِّي رَأَيْت وَالله
خيرا، رَأَيْت بقرًا، قَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي
رِوَايَة: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم
تَأْوِيل الرُّؤْيَا: إِذْ نحر الْبَقر هُوَ قتل
الصَّحَابَة بِأحد.
119 - (حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا
الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن خباب رَضِي
(17/164)
الله عَنهُ قَالَ هاجرنا مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن نبتغي وَجه
الله فَوَجَبَ أجرنا على الله فمنا من مضى أَو ذهب لم
يَأْكُل من أجره شَيْئا كَانَ مِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر
قتل يَوْم أحد فَلم يتْرك إِلَّا نمرة كُنَّا إِذا غطينا
بهَا رَأسه خرجت رِجْلَاهُ وَإِذا غطي بهَا رجلَيْهِ خرج
رَأسه فَقَالَ لنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - غطوا بهَا رَأسه وَاجْعَلُوا على رجلَيْهِ
الْإِذْخر أَو قَالَ ألقوا على رجلَيْهِ من الْإِذْخر
وَمنا من أينعت لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يهد بهَا) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فمنا من مضى الخ وَزُهَيْر هُوَ
ابْن مُعَاوِيَة وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وشقيق هُوَ
ابْن سَلمَة والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل بَاب غَزْوَة أحد
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن
وَمثل هَذَا يُطلق عَلَيْهِ حَقِيقَة التّكْرَار فَافْهَم
(بَاب أحد يحبنا ونحبه)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أحد يحبنا يَعْنِي جبل أحد
يحبنا وَفِي بعض النّسخ بَاب جبل أحد يحبنا قَالَ
الْكرْمَانِي أَي يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة وَيجوز
أَن تسند الْمحبَّة إِلَى نفس أحد حَقِيقَة بِأَن يخلقها
الله فِيهِ وَالله على كل شَيْء قدير
(قَالَه عَبَّاس بن سهل عَن أبي حميد عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) عَبَّاس بن سهل بن
سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ.
وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ اسْمه عبد
الرَّحْمَن وَقيل الْمُنْذر وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ عَم
سهل بن سعد وَهَذَا تَعْلِيق قَالَ صَاحب التَّلْوِيح
أخرجه البُخَارِيّ مُسْندًا فِي كتاب الْحَج حَدثنَا
خَالِد بن مخلد حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو
بن يحيى عَن عَبَّاس بن سهل بِهِ قلت لَيْسَ فِيهِ أحد
يحبنا وَإِنَّمَا لَفظه عَن أبي حميد أَقبلنَا مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
تَبُوك حَتَّى أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة فَقَالَ هَذِه
طابة أخرجه فِي أَوَاخِر الْحَج فِي بَاب الْمَدِينَة طابة
وَإِنَّمَا هَذَا طرف من حَدِيث وَصله الْبَزَّار
120 - (حَدثنِي نصر بن عَليّ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن
قُرَّة بن خَالِد عَن قَتَادَة سَمِعت أنسا رَضِي الله
عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة وَنصر بن عَليّ بن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي
الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا يروي عَن
أَبِيه وَأَبوهُ يروي عَن قُرَّة بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد
السدُوسِي الْبَصْرِيّ والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي
الْمَنَاسِك عَن عبيد الله بن معَاذ عَن القواريري
121 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن
عَمْرو مولى الْمطلب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
طلع لَهُ أحد فَقَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه اللَّهُمَّ
إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا
بَين لابتيها) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث
قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب فضل الْخدمَة فِي
الْغَزْو بأتم مِنْهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
قَوْله لابتيها تَثْنِيَة لابة بتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة
122 - (حَدثنِي عَمْرو بن خَالِد حَدثنَا اللَّيْث عَن
يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج
يَوْمًا فصلى على أهل أحد صلَاته على الْمَيِّت ثمَّ
انْصَرف إِلَى -
4081 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي بُرْدَةَ
عنْ جَدِّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوساى رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أرَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ رأيْتُ فِي رُؤْيَايَ أنِّي هَزَزْتُ سَيْفَاً
فانْقَطَعَ صَدْرُهُ فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَي
فَعادَ أحْسَنَ مَا كانَ فإذَا هُوَ مَا جاءَ بِهِ الله
مِنَ الفَتْحِ واجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ ورَأيْتُ فِيهَا
بَقَرَاً خَيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا هُوَ مَا
أُصِيب من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد) وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا: اسْمه عَامر، وَقيل:
غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وبريد هَذَا يروي عَن جده
أبي بردة وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد
الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي غير مَوضِع فِي
الْمَغَازِي وعلامات النُّبُوَّة وَالتَّعْبِير.
قَوْله: (أرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا
وَقع فِي الْأُصُول، وَهُوَ بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى:
أَظن. قَالَ بَعضهم: الْقَائِل ذَلِك هُوَ البُخَارِيّ.
فَكَأَنَّهُ شكّ هَل سمع من شَيْخه صِيغَة الرّفْع أم لَا؟
قلت: يحْتَمل أَن يكون قَائِله شَيْخه مُحَمَّد بن
الْعَلَاء. قَوْله: (رَأَيْت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
أريت، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سَيْفا) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: سَيفي، وَقد تقدم فِي أول الْغَزْوَة
أَنه ذُو الفقار. قَوْله: (فَانْقَطع صَدره) وَعند ابْن
إِسْحَاق: وأريت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا، وَعند أبي
الْأسود فِي الْمَغَازِي عَن عُرْوَة: رَأَيْت سَيفي ذَا
الفقار قد انقصم من عِنْد ظبته، وَكَذَا عِنْد ابْن سعد.
قَوْله: (بقرًا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَفِي
رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: بقرًا تذبح، وَكَذَا
فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أبي يعلى. قَوْله: (وَالله
خير) كَذَا بِالرَّفْع فيهمَا على أَنه مُبْتَدأ وَخبر
وَفِيه حذف تَقْدِيره: وثواب الله خير، أَو صنع الله
بالمقتولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ
السُّهيْلي: مَعْنَاهُ رَأَيْت بقرًا تنحر وَالله عِنْده
خير، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِنِّي رَأَيْت وَالله
خيرا، رَأَيْت بقرًا، قَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي
رِوَايَة: رَأَيْت بقرًا تنحر، وبهذه الزِّيَادَة يتم
تَأْوِيل الرُّؤْيَا: إِذْ نحر الْبَقر هُوَ قتل
الصَّحَابَة بِأحد.
28 - (بابٌ أحُدٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: أحد يحبنا يَعْنِي: جبل أحد
يحبنا، وَفِي بعض النّسخ: بَاب جبل أحد يحبنا، قَالَ
الْكرْمَانِي: أَي: يحبنا أَهله، وهم أهل الْمَدِينَة،
وَيجوز أَن تسند الْمحبَّة إِلَى نفس أحد حَقِيقَة بِأَن
يخلقها الله فِيهِ، وَالله على كل شَيْء قدير.
قالَهُ عَبَّاسُ بنُ سَهْلٍ عنْ أبِي حُمَيْدٍ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَبَّاس بن سهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ
الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ. وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ
الْأنْصَارِيّ اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر،
وَقيل: غير ذَلِك، وَهُوَ عَم سهل بن سعد، وَهَذَا
تَعْلِيق قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : أخرجه البُخَارِيّ
مُسْندًا فِي كتاب الْحَج: حَدثنَا خَالِد بن مخلد حَدثنَا
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو بن يحيى عَن عَبَّاس بن
سهل بِهِ. قلت: لَيْسَ فِيهِ: أحد يحبنا، وَإِنَّمَا
لَفظه: عَن أبي حميد: أَقبلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من تَبُوك حَتَّى أَشْرَفنَا على
الْمَدِينَة، فَقَالَ: هَذِه طابة، أخرجه فِي أَوَاخِر
الْحَج فِي: بَاب الْمَدِينَة طابة، وَإِنَّمَا هَذَا طرف
من حَدِيث وَصله الْبَزَّار.
4083 - حدَّثني نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ أخبرَني أبي عنْ
قُرَّةَ بنِ خالِدٍ عنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَنصر بن عَليّ بن نصر بن
عَليّ الْجَهْضَمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا. يروي عَن أَبِيه، وَأَبوهُ يروي عَن قُرَّة
بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد السدُوسِي الْبَصْرِيّ،
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْمَنَاسِك عَن عبيد
الله ابْن معَاذ عَن القواريري.
4084 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مالِكٌ
عنْ عَمْرو مَوْلَى المُطَّلِبِ عنْ أنَسِ بنِ مالِك رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم طلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هاذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا
ونُحِبُّهُ أللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ
وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مضى فِي
كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب فضل الْخدمَة فِي الْغَزْو بأتم
مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لابتيها)
تَثْنِيَة: لابة، بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي
الْحرَّة.
4085 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ
يَزِيدَ بنِ أبِي حَبِيبٍ عنْ أبِي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ
أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً
فَصَلَّى علَى أهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ علَى المَيِّتِ
ثُمَّ انْصَرَفَ
(17/165)
إلَى المِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ
لَكُمْ وأنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وإنِّي عَلَيْكُمْ وإنِّي
لأنْظُرُ إلَى حَوْضِي الآنَ وإنِّي أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ
خَزَائِنَ الأرْضَ أوْ مَفاتِيحَ الأَرْضِ وإنِّي وَالله
مَا أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي ولاكِنِّي
أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَنَافَسُوا فِيهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تَأتي إلاَّ من حَيْثُ إِن أحدا
مَذْكُور فِيهِ، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بن عبد
الله الْيَزنِي الْمصْرِيّ، وَعقبَة بِالْقَافِ هُوَ عقبَة
بن عَامر الْجُهَنِيّ، والْحَدِيث قد مضى فِي أول: بَاب
غَزْوَة أحد، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
29 - (بابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ ورِعْلٍ وذَكْوَانَ
وبِئْرِ مَعُونَةَ وحَدِيثِ عَضَلٍ والقارَة وعاصِمِ بنِ
ثَابِتٍ وخُبَيْبٍ وأصْحَابِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الرجيع ... إِلَخ،
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلَفظ: بَاب، والرجيع،
بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَهُوَ اسْم مَوضِع
من بِلَاد هُذَيْل، وَكَانَت الْوَقْعَة بِالْقربِ مِنْهُ
فسميت بِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الرجيع على ثَمَانِيَة
أَمْيَال من عسفان وَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع، وَجزم
ابْن التِّين بِأَن غَزْوَة الرجيع فِي آخر سنة ثَلَاث،
وغزوة بِئْر مَعُونَة سنة أَربع، وغزوة بني لحيان سنة خمس.
قَوْله: (ورعل) أَي: وغزوة رعل، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وباللام، وَهُوَ بطن من بني سليم
ينسبون إِلَى رعل بن عَوْف بن مَالك بن امرىء الْقَيْس بن
بهثة بن سليم. قَوْله: (وذكوان) ، بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَهُوَ أَيْضا بطن من بني سليم، ينسبون إِلَى
ذكْوَان بن ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم، فنسبت الْغَزْوَة
إِلَيْهَا. قَوْله: (وبئر مَعُونَة) بِفَتْح الْمِيم وَضم
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون: وَهُوَ
مَوضِع فِي بِلَاد هُذَيْل بَين مَكَّة وَعُسْفَان.
قَوْله: (وَحَدِيث عضل والقارة) أَي: وَفِي بَيَان
حَدِيثهمَا، أما عضل، فبالعين الْمُهْملَة وَالضَّاد
الْمُعْجَمَة المفتوحتين وَهُوَ بطن من بني الْهون بن
خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر ينتسبون إِلَى
عضل بن الديش بن محلم بن غَالب بن عائذة بن يشيع بن مليح
بن الْهون بن خُزَيْمَة، قَالَ الرشاطي: يُقَال لَهُم:
القارة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: الديش هم لقارة، وَأما
القارة، فبالقاف وَتَخْفِيف الرَّاء: وَهُوَ بطن من الْهون
ينتسبون إِلَى الديش الْمَذْكُور، وَقَالَ ابْن دُرَيْد:
القارة أكمة سَوْدَاء فِيهَا حِجَارَة كَأَنَّهُمْ نزلُوا
عِنْدهَا فسموا بهَا. قَوْله: (وَعَاصِم بن ثَابت) أَي:
وَحَدِيث عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح، بِالْقَافِ
والحاء الْمُهْملَة الْأنْصَارِيّ، وخبيب أَي: وَحَدِيث
خبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: وَأَصْحَابه أَي:
أَصْحَاب خبيب، وهم الْعشْرَة. وَأعلم أَن غَزْوَة الرجيع
وبئر مَعُونَة شَيْء وَاحِد على سِيَاق هَذِه
التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن غَزْوَة الرجيع،
كَانَت سَرِيَّة عَاصِم وخبيب فِي عشرَة أنفس وَهِي مَعَ
عضل، والقارة، وبئر مَعُونَة كَانَت سَرِيَّة الْقُرَّاء
السّبْعين، وَهِي مَعَ رعل وذكوان، وَأعلم أَيْضا أَنه لم
يَقع ذكر عضل والقارة عِنْد البُخَارِيّ صَرِيحًا،
وَإِنَّمَا وَقع ذَلِك عِنْد ابْن إِسْحَاق.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عاصِمُ بنُ عُمَرَ أنَّهَا
بَعْدَ أُحُدٍ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) :
حَدثنَا عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري
الْأنْصَارِيّ الأوسي، كَانَ عَلامَة بالمغازي. قَوْله:
(أَنَّهَا) أَي: أَن غَزْوَة الرجيع كَانَت بعد غَزْوَة
أحد، فَإِنَّهُ لما استوفى قصَّة أحد ذكر يَوْم الرجيع:
حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر قَالَ: قدم على رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد رَهْط من عضل والقارة،
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! إِن فِينَا إسلاماً فَابْعَثْ
مَعنا نَفرا من أَصْحَابك يفقهوننا، فَبعث مَعَهم سِتَّة
من أَصْحَابه وهم: مرْثَد بن أبي مرْثَد الغنوي حَلِيف
حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَهُوَ أَمِير الْقَوْم، وخَالِد
بن بكير اللَّيْثِيّ حَلِيف بني عدي أَخُو بني جحجبي، وثات
بن أبي الْأَفْلَح، وخبيب بن عدي، وَزيد بن الدثنة، وَعبد
الله بن طَارق، فَذكر الْقِصَّة.
4086 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامُ
بنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَمْرِو
ابنِ أبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّةً عَيْنَاً
(17/166)
وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عاصِمَ بنَ ثَابِتٍ
وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ
فانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كانَ بَيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ
ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو
لِحْيَانَ فتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مَائَةِ رَامٍ
فاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ
فوَجَدُوا فِيهِ نَوَي تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ
المَدِينَةِ فقالُوا هاذا تَمْرُ يَثْرِبَ فتَبِعُوا
آثَارَهُمْ حتَّى لَحِقُوهُمْ فلَمَّا انْتَهَى عاصِمٌ
وأصْحَابَهُ لَجؤُا إِلَى فَدْفَدٍ وجاءَ القَوْمُ
فأحَاطُوا بِهِمْ فَقالُوا لَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ
إنْ نَزَلْتُمْ إلَيْنَا أنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ
رَجُلاً فَقَالَ عاصِمٌ أمَّا أنَا فَلا أنْزِلُ فِي
ذِمَّةِ كافِرٍ أللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ
فَقاتَلُوهُمْ حتَّى قَتَلُوا عاصِمَاً فِي سَبْعَةِ
نَفَرٍ بالنَّبْلِ وبَقِيَ خُبَيْبٌ وزَيْدٌ ورَجُلٌ آخَرُ
فأعْطُوهُمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ فلَمَّا أعْطَوْهُمُ
العَهْدَ والمِيثَاقَ نَزَلُوا إلَيْهِمْ فلَمَّا
اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ
فرَبَطُوهُمْ بِهَا فقَالَ الرُّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي
مَعَهُمَا هاذَا أوَّلُ الغَدْرِ فأبَى أنْ يَصْحَبَهُمْ
فجَرَّرُوهُ وعالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فلَمْ
يَفْعَلْ فقَتَلُوهُ وانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وزَيْدٍ
حتَّى باعُوهُما بِمَكَّةَ فاشْتَرَى خُبَيْبَاً بَنُو
الحَارِثِ بنِ عامِرِ بنِ نَوْفَلٍ وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ
قتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فمَكَثَ عِنْدَهُمْ
أسِيرَاً حتَّى إذَا أجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتعارَ مُوساى
مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا
فأعَارَتْهُ قالَتْ فغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فدَرَجَ
إلَيْهِ حتَّى أتَاهُ فوَضَعَهُ علَى فَخِذِهِ فلَمَّا
رأيْتُهُ فزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذااكَ مِنِّي وَفِي
يَدِهِ المُوساى فَقَالَ أتَخْشَيْنَ أنْ أقْتُلَهُ مَا
كُنْتُ لاَِفْعَلَ ذالِكَ إنْ شَاءَ الله وكانَتْ تقُولُ
مَا رأيْتُ أسِيرَاً قَط خَيْرَاً مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ
رأيْتُهُ يأكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ
يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ وإنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ
وَمَا كانَ إلاَّ رِزْقٌ رزَقَهُ الله فخَرَجُوا بِهِ مِنَ
الحَرَمَ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ دَعُونِي أصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انصَرَفَ إلَيْهِمْ فَقَالَ لَوْلا أنْ
تَرَوْا أنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ المَوْتِ لَزِدْتُ
فَكانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ
هُوَ ثُمَّ قَالَ أللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدَاً ثُمَّ
قالَ:
(مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً ... علَى أيِّ
شِقٍّ كانَ لله مَصْرَعِي)
(وذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلاهِ وإنْ يَشَأ ... يُبَارِكْ علَى
أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)
ثُمَّ قامَ إلَيْهِ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ فقَتَلَهُ
وبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عاصِمٍ لِيُؤْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ
جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عاصِمٌ قتَلَ عَظِيمَاً
مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْر فبَعَثَ الله علَيْهِ
مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ
رُسُلِهِمْ فلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ علَى شَيْءٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا الحَدِيث قد مر
فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب هَل يستأسر الرجل؟ فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ الخ، ثمَّ أخرجه أَيْضا فِي أثْنَاء أَبْوَاب
غَزْوَة بدر عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم
عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ، ولنتكلم على بعض شَيْء أَيْضا.
قَوْله: (عَن عَمْرو بن سُفْيَان) عَمْرو، بِفَتْح الْعين،
هَكَذَا تقدم فِي الْجِهَاد: عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن
أسيد بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ، وَهُوَ حَلِيف لبني زهرَة،
وَكَانَ من أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة، وَإِبْرَاهِيم ابْن
سعد يَقُول: عَن الزُّهْرِيّ عَن عمر، بِضَم الْعين،
وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) :
عَمْرو أصح. قَوْله: (سَرِيَّة) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: بسرية، بِزِيَادَة بَاء مُوَحدَة فِي أَوله،
وَقد مضى فِيمَا تقدم فِي غَزْوَة بدر: بعث عشرَة عينا
أَي: يتجسسون لَهُ، وَفِي رِوَايَة
(17/167)
أبي الْأسود عَن عُرْوَة بَعثهمْ عيُونا
إِلَى مَكَّة ليأتوه بِخَبَر قُرَيْش. قَوْله: (وأمَّرَ)
بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (عَاصِم بن ثَابت) وَفِي
السّير: أَمر عَلَيْهِم مرْثَد بن أبي مرْثَد. قَوْله:
(وَهُوَ جد عَاصِم بن عمر) وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَنه
خَال عَاصِم لَا جده، وَقَالَ الْكرْمَانِي: جد عَاصِم
عِنْد بَعضهم، وَأما الْأَكْثَرُونَ فَيَقُولُونَ: هُوَ
خَاله لَا جده. قَوْله: (عسفان) بِضَم الْعين وَسُكُون
السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: وَهِي قَرْيَة على مرحلَتَيْنِ
من مَكَّة، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: (ذكرُوا) على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (بَنو لحيان) بِكَسْر اللاَّم، وَقيل
بِفَتْحِهَا، ولحيان هُوَ ابْن هُذَيْل نَفسه، وهذيل هُوَ
ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، وَزعم الْهَمدَانِي
النسابة أَن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلُوا فِي
هُذَيْل فنسبوا إِلَيْهِم، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِن
سَبَب خُرُوج بني لحيان عَلَيْهِم قتل سُفْيَان بن نتيج
الْهُذلِيّ، وَكَانَ قتل سُفْيَان هَذَا على يَد عبد الله
بن أنيس، وَذكر أَبُو دَاوُد قصَّته بِإِسْنَاد حسن.
قَوْله: (فَاقْتَصُّوا آثَارهم) أَي: اتبعوها شَيْئا
فَشَيْئًا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت لأخته
قصيه} (الْقَصَص: 11) أَي: اتبعي أَثَره، وَيجوز
بِالسِّين. قَوْله: (إِلَى فدفد) ، بِفَتْح الفاءين
وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى، وَهُوَ الرابية المشرفة،
وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: إِلَى قردد، بقاف وَرَاء
ودالين، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الْموضع
الْمُرْتَفع، وَقيل: الأَرْض المستوية، وَالْأول أصح.
قَوْله: (أللهم أخبر نبيك) ، ويروي: (أللهم أخبر عَنَّا
رَسُولك) ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ: عَن
إِبْرَاهِيم بن سعد: فَاسْتَجَاب الله لعاصم، فَأخْبر
رَسُوله خَبره فَأخْبر أَصْحَابه بذلك يَوْم أصيبوا.
قَوْله: (فِي سَبْعَة) ، أَي: فِي جملَة سَبْعَة. قَوْله:
(وَبَقِي خبيب) ، هُوَ ابْن عدي. قَوْله: (وَزيد) ، هُوَ
ابْن الدثنة، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون. قَوْله: (وَرجل آخر) ، هُوَ
عبد الله بن طَارق الظفري، بَين ذَلِك ابْن إِسْحَاق فِي
رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: فَأَما خبيب بن عدي وَزيد بن
الدثنة وَعبد الله بن طَارق فاستأسروا. قَوْله: (فَقَالَ
الرجل الثَّالِث) هُوَ عبد الله بن طَارق. قَوْله: (حَتَّى
باعوهما) أَي: خبيباً وزيداً، وَفِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: فَأَما زيد فابتاعه صَفْوَان بن أُميَّة فَقتله
بِأَبِيهِ، وَقَالَ ابْن سعد: الَّذِي تولى قَتله نسطاس
مولى صَفْوَان. قَوْله: (فَاشْترى خبيباً بَنو الْحَارِث)
، بيّن ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي اشْتَرَاهُ جحير بن أبي
أهاب التَّمِيمِي حَلِيف بني نَوْفَل، وَكَانَ أَخا
الْحَارِث بن عَامر لأمه، وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَة بن
سُفْيَان بِأَنَّهُم اشْتَروا خبيباً بِأمة سَوْدَاء،
وَقَالَ ابْن هِشَام: باعوهما بأسيرين من هُذَيْل كَانَا
بِمَكَّة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِإِمْكَان الْجمع.
قَوْله: (وَكَانَ خبيب هُوَ الَّذِي قتل الْحَارِث يَوْم
بدر) هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، فِي حَدِيث
أبي هُرَيْرَة، فَذكر خبيب بن عدي فِيمَن شهد بَدْرًا،
وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي، لم يذكر أحد من أهل
الْمَغَازِي أَن خبيب بن عدي شهد بَدْرًا وَلَا قتل
الْحَارِث بن عَامر، وَإِنَّمَا ذكرُوا أَن الَّذِي قتل
الْحَارِث بن عَامر ببدر خبيب ابْن أساف، وَهُوَ غير خبيب
بن عدي وَهُوَ خزرجي، وخبيب بن عدي أوسي. قَوْله: (من بعض
بَنَات الْحَارِث) ذكر فِي (الْأَطْرَاف) لخلف: أَن
اسْمهَا زَيْنَب بنت الْحَارِث، وَهِي أُخْت عقبَة بن
الْحَارِث الَّذِي قتل خبيباً، وَقيل: امْرَأَته. قَوْله:
(وَكَانَت تَقول) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى بعض بِنَا
الْحَارِث وَهُوَ زَيْنَب، كَمَا ذكرنَا، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: عَن عبد الله بن أبي نجيح، قَالَ: حدثت عَن
ماوية مولاة جحير، بالراء فِي آخِره: ابْن أبي إهَاب،
وَكَانَت قد أسلمت، قَالَت: حبس خبيب فِي بَيْتِي وَلَقَد
أطلعت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِن فِي يَده لقطفاً من عِنَب
مثل رَأس الْحَبل يَأْكُل مِنْهُ قيل أَن كَانَ هَذَا
مَحْفُوظًا احْتمل أَن يكون كل من ماوية وَزَيْنَب رَأَتْ
القطف فِي يَده يَأْكُلهُ وَإِن الَّتِي حبس فِي بَيتهَا
ماوية، وَالَّتِي كَانَت تحرسه زَيْنَب، جمعا بَين
الرِّوَايَتَيْنِ، وَذكر ابْن بطال: أَن اسْم الْمَرْأَة
جوَيْرِية، قَالَ بَعضهم: فَيحْتَمل أَن يكون لما رأى قَول
ابْن إِسْحَاق، إِنَّهَا مولاة جحير بن أبي إهَاب أطلق
عَلَيْهَا جوَيْرِية لكَونهَا أمته، أَو يكون وَقعت لَهُ
رِوَايَة فِيهَا أَن اسْمهَا جويرة؟ قلت: الِاحْتِمَال
الثَّانِي لَهُ وَجه، وَالْأول بعيد. قَوْله: (عَن صبي لي)
، ذكر الزبير بن بكار أَن هَذَا الصَّبِي هُوَ أَبُو
حُسَيْن بن الْحَارِث بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف،
وَهُوَ جد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن
الْمَكِّيّ الْمُحدث، وَهُوَ من أَقْرَان الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (من قطف عِنَب) بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ العنقود.
قَوْله: (لموثق) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي:
مُقَيّد بالحديد. قَوْله: (فَخَرجُوا بِهِ من الْحرم) ،
قَالَ ابْن إِسْحَاق: أَخْرجُوهُ إِلَى التَّنْعِيم.
قَوْله: (دَعونِي أُصَلِّي) بِالْيَاءِ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أصلِّ، بِغَيْر
يَاء. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: إِنَّه صلى رَكْعَتَيْنِ
فِي مَوضِع مَسْجِد التَّنْعِيم. قَوْله: (أللهم إحصهم
عددا) دُعَاء عَلَيْهِم بالاستئصال والهلاك بِحَيْثُ لَا
يبْقى مِنْهُم أحد، وَزَاد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن
سعد: (واقتلهم بدداً) . أَي: مُتَفَرّقين (وَلَا تبْق
مِنْهُم أحدا) ويروى أَنه لما رفع على الْخَشَبَة اسْتقْبل
الدُّعَاء، فلبد رجل بِالْأَرْضِ خوفًا من
(17/168)
دُعَائِهِ، وَأَنه لم يحل الْحول وَمِنْهُم
أحد غير ذَلِك الرجل الَّذِي لبد بِالْأَرْضِ. قَوْله:
(قتل عَظِيما من عظمائهم يَوْم بدر) ، قيل: لَعَلَّ
الْعَظِيم الْمَذْكُور عقبَة بن أبي معيط، فَإِن عَاصِمًا
قَتله صبرا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد
أَن انصرفوا من بدر. قَوْله: (مثل الظلة) ، بِضَم الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَهِي السحابة. قَوْله: (من الدبر) بِفَتْح
الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي:
الزنابير، وَقيل: ذُكُور النَّحْل، وَلَا وَاحِد لَهُ من
لَفظه. قَوْله: (فحمته) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَالْمِيم: أَي: منعته مِنْهُم فَلم يقدروا مِنْهُ على
شَيْء، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَلم يقدروا أَن يقطعوا من
لَحْمه شَيْئا، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة:
فَبعث الله عَلَيْهِم الدبر يطير فِي وُجُوههم ويلدغهم
فحالت بَينهم وَبَين أَن يقطعوا.
4087 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَاً يقُولُ الَّذِي
قَتَلَ خُبَيْبَاً هُوَ أبُو سِرْوَعَةَ.
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار
وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله، وَأَبُو سروعة، بِكَسْر
السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو
وَالْعين الْمُهْملَة: كنية عقبَة بن الْحَارِث.
4088 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقالُ لَهُمْ
القُرَّاءُ فعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
رِعْلٌ وذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقالُ لَهَا بِئْرُ
مَعُونَةَ فَقَالَ القَوْمُ وَالله مَا إيَّاكُمْ أرَدْنَا
إنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلْنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقَتَلُوهُمْ فدَعَا النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ شَهْرَاً فِي صَلاَةِ
الغَدَاةِ وذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ وَمَا كُنَّا
نَقْنُتُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن
صُهَيْب. قَوْله: (لحَاجَة) ، فسر قَتَادَة الْحَاجة فِي
الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، بقوله: عَن أنس أَن رعلاً
وذكوان وَبني لحيان استمدوا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على عَدو فَأَمَدَّهُمْ بسبعين من
الْأَنْصَار. قَوْله: (يُقَال لَهُم الْقُرَّاء) وَفِي
الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: (كُنَّا نسميهم الْقُرَّاء فِي
زمانهم) . قَوْله: (حَيَّان) ، تَثْنِيَة حَيّ. قَوْله:
(من بني سليم) ، بِضَم السِّين. قَوْله: (رعل) أَي:
أَحدهمَا رعل وَالْآخر ذكْوَان. قَوْله: (وَذَلِكَ بَدْء
الْقُنُوت) ، أَي: ابْتِدَاء الْقُنُوت فِي الصَّلَاة،
وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة. قَوْله: (وَمَا
كُنَّا نقنت) ، أَي: قبل ذَلِك.
قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ وسألَ رَجُلٌ أنَسَاً عَنِ
القُنُوتِ أبَعْدَ الرُّكُوعِ أوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ
القِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ
القِرَاءَةِ
عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْمَذْكُور، وَقَول أنس
هَذَا صَرِيح فِي أَن قِرَاءَة الْقُنُوت قبل الرُّكُوع.
4088 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقالُ لَهُمْ
القُرَّاءُ فعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
رِعْلٌ وذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقالُ لَهَا بِئْرُ
مَعُونَةَ فَقَالَ القَوْمُ وَالله مَا إيَّاكُمْ أرَدْنَا
إنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلْنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقَتَلُوهُمْ فدَعَا النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ شَهْرَاً فِي صَلاَةِ
الغَدَاةِ وذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ وَمَا كُنَّا
نَقْنُتُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن
صُهَيْب. قَوْله: (لحَاجَة) ، فسر قَتَادَة الْحَاجة فِي
الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، بقوله: عَن أنس أَن رعلاً
وذكوان وَبني لحيان استمدوا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على عَدو فَأَمَدَّهُمْ بسبعين من
الْأَنْصَار. قَوْله: (يُقَال لَهُم الْقُرَّاء) وَفِي
الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: (كُنَّا نسميهم الْقُرَّاء فِي
زمانهم) . قَوْله: (حَيَّان) ، تَثْنِيَة حَيّ. قَوْله:
(من بني سليم) ، بِضَم السِّين. قَوْله: (رعل) أَي:
أَحدهمَا رعل وَالْآخر ذكْوَان. قَوْله: (وَذَلِكَ بَدْء
الْقُنُوت) ، أَي: ابْتِدَاء الْقُنُوت فِي الصَّلَاة،
وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة. قَوْله: (وَمَا
كُنَّا نقنت) ، أَي: قبل ذَلِك.
قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ وسألَ رَجُلٌ أنَسَاً عَنِ
القُنُوتِ أبَعْدَ الرُّكُوعِ أوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ
القِرَاءَةِ قَالَ لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ
القِرَاءَةِ
عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْمَذْكُور، وَقَول أنس
هَذَا صَرِيح فِي أَن قِرَاءَة الْقُنُوت قبل الرُّكُوع.
4090 - حدَّثني عَبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا
يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عنْ
أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رِعْلاً
وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي لِحْيَانَ اسْتَمَدُّوا
رسُولَ الله صلى
(17/169)
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى عَدُوٍّ
فأمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ كُنَّا
نُسَمِّيهِمِ القُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كانُوا
يَحْتَطِبُونَ بالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ باللَّيْلِ حتَّى
كانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ
فبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذالِكَ
فقَنَتَ شَهْرَاً يَدْعُو فِي الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ
مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ
وبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أنَسٌ فقَرَأنَا فِيهِمْ قُرْآنَاً
ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا
أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا.
.
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب العون
بالمدد، من وَجه آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن
أبي عدي وَسَهل بن يُوسُف عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس
إِلَى آخِره، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَعصيَّة، بِضَم
الْغَيْن: مصغر عَصا. قَوْله: (وَبني لحيان) ، قيل: ذكر
بني لحيان فِي هَذِه الْقِصَّة وهمٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَنو
لحيان فِي قصَّة خبيب فِي قصَّة الرجيع الَّتِي تقدّمت.
قَوْله: (قُرْآنًا) ، أَرَادَ بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن
بِالْكتاب، وَلذَلِك قَالَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي
الْآن: قُرْآنًا كتابا. قَوْله: (ثمَّ إِن ذَلِك رفع) ،
أَرَادَ بِهِ نسخ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة
بِلَفْظ: (ثمَّ نسخ ذَلِك بلغُوا عَنَّا) ، إِلَى آخِره
بَيَان قَوْله: (قُرْآنًا) .
وعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ حدَّثَهُ أنَّ
نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَنَتَ شَهْرَاً فِي
صَلاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو علَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ
العَرَبِ علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ وعُصَيَّةَ وبَنِي
لِحْيَانَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة عَن أنس ... إِلَى
آخِره.
زَادَ خَلِيفَةُ حدَّثنا ابنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ
عنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أنَسٌ أنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ
مِنَ الأنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ
هَذِه رِوَايَة أُخْرَى عَن قَتَادَة، وَالْحَاصِل أَنه
روى عَن أنس ثَلَاث رِوَايَات. الأولى: رِوَايَة عبد
الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس. وَالثَّانيَِة: رِوَايَة
سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالثَّالِثَة: عَن قَتَادَة
أَيْضا عَن أنس، زَاد فِيهَا خَليفَة بن خياط أحد شُيُوخ
البُخَارِيّ: عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي
عرُوبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره.
قُرْآنَاً كِتَابَاً نَحْوَهُ
غَرَضه تَفْسِير الْقُرْآن بِالْكتاب كَمَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (نَحوه) ، أَي: نَحْو رِوَايَة عبد الْأَعْلَى بن
حَمَّاد عَن يزِيد ابْن زُرَيْع ... إِلَى آخِره.
4091 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا هَمَّامٌ
عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ قَالَ
حدَّثني أنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعَثَ خالَهُ أخٌ لامِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ راكِبَاً
وكانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ
خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاثِ خِصَالٍ فَقال يَكُونُ لَكَ أهْلُ
السَّهْلِ ولِي أهْلُ المَدَر أوْ أكُونُ خَلِيفَتَكَ أوْ
أغْزُوكَ بأهْلِ غَطَفَانَ بألْف وألْفٍ فَطُعِنَ عامِرٌ
فِي بَيْتِ أُمِّ فُلانٍ فَقال غُدَّةٌ كغدةِ البَكْرِ فِي
بَيْتِ امْرَأةٍ مِنْ آلِ فُلانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي
فَمَاتَ علَى ظَهْرِ فرَسِهِ فانْطَلَقَ حَرَامٌ أخُو
أُمِّ سُلَيْم وهْوَ رَجُلٌ أعْرَجٌ ورَجُلٌ مِنْ بَنِي
فُلانٍ قَالَ كُونَا قَرِيبَاً حتَّى آتِيَهُمْ فإنْ
آمَنُونِي كُنْتُمْ
(17/170)
قرِيبَاً وَإِن قتَلُونِي أتَيْتُمْ
أصْحَابَكُمْ فَقال أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسالَةَ
رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ
يُحَدِّثُهُمْ وأوْمَؤا إِلَى رَجُلٍ فأتَاهُ مِنْ
خَلْفِهِ فطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أحْسُبُهُ حتَّى
أنْفَذَهُ بالرُّمْحِ قَالَ الله أكْبَرُ فُزْتُ ورَبِّ
الكَعْبَةِ فلُحِقَ الرَّجُلُ فقُتِلُوا كُلُّهُمْ غيْرَ
الأعْرَجِ كانَ فِي رأسِ جَبَلٍ فأنْزَلَ الله تعَالَى
علَيْنَا ثُمَّ كَانِ مِنَ المَنْسُوخِ إنَا قَدْ لَقِينَا
رَبَّنَا فرَضِيَ عَنَّا وأرْضَانَا فدَعَا النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَيْهِمْ ثَلاثِينَ صَبَاحاً علَى
رِعْلٍ وذَكْوَانَ وبَنِي لَحْيَانَ وعُصَيَّةَ الَّذِينَ
عصَوُوا الله ورَسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث،
وَهَمَّام: بتَشْديد الْمِيم: هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار
الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب
من ينكب فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
حَفْص بن عمر عَن همام عَن إِسْحَاق وَفِيهِمَا من
الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.
قَوْله: (بعث خَاله) أَي: خَال أنس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ واسْمه حرَام ضد حَلَال ابْن ملْحَان، وَاسم ملْحَان
مَالك بن خَالِد بن زيد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن
غنم بن مَالك النجار الْأنْصَارِيّ، شهد بَدْرًا مَعَ
أَخِيه سليم بن ملْحَان، وشهداً أحدا. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَوْله: (خَاله) الضَّمِير لأنس أَو
للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ كَانَ خَاله
إِمَّا من جِهَة الرضَاعَة وَإِمَّا من جِهَة النّسَب،
وَإِن كَانَ بَعيدا. قَوْله: (أَخ لأم سليم) أَي: هُوَ أَخ
لأم سليم فَيكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف،
ويروى: (أَخا لأم سليم) ، بِالنّصب على أَنه بدل من
قَوْله: خَاله، الَّذِي هُوَ مفعول: بعث، وَأم سليم، بِضَم
السِّين بنت ملْحَان كَانَت تَحت مَالك بن النَّضر أَبُو
أنس بن مَالك فِي الْجَاهِلِيَّة، فَولدت لَهُ أنس بن
مَالك، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أسلمت مَعَ قَومهَا
وَعرضت الْإِسْلَام على زَوجهَا فَغَضب عَلَيْهَا وَخرج
إِلَى الشَّام فَهَلَك هُنَاكَ، ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده
أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلف
فِي إسم أم سليم: فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل: رمية،
وَقيل: مليكَة، وَيُقَال: الغميصاء والرميصاء. قَوْله:
(فِي سبعين رَاكِبًا) يتَعَلَّق بقوله: بعث. قَوْله:
(عَامر بن الطُّفَيْل) ، بِضَم الطَّاء مصغر الطِّفْل ابْن
مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ ابْن أخي برَاء عَامر بن
مَالك. قَوْله: (خير) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم،
وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عَامر وَالْمَفْعُول
مَحْذُوف أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَى
عَلَيْهِ السّلم وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من
رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد عَن مُوسَى بن اسماعيل شيخ
البُخَارِيّ وَلَفظه وَكَانَ أَتَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: أخيرك بَين ثَلَاث خِصَال،
فَذكر الحَدِيث. قَوْله: (أهل السهل) ، أَي: الْبَوَادِي،
وَأهل الْمدر أهل الْبِلَاد. قَوْله: (بِأَهْل غطفان) ،
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة
وَالْفَاء، قَالَ الرشاطي: غطفان فِي قيس غيلَان غطفان بن
سعد بن قيس، وَفِي حذام غطفان بن سعد إِبْنِ إِيَاس بن
حرَام بن حذام، وَفِي جُهَيْنَة غطفان بن قيس بن
جُهَيْنَة، قَالَ ابْن دُرَيْد: غطفان فعلان من الغطف
وَهُوَ قلَّة هدب الْعَينَيْنِ. قَوْله: (بِأَلف وَألف) ،
وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد بِأَلف أشقر وَألف شقراء.
قَوْله: (فطعن عَامر) ، بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر
الْعين أَي: أَصَابَهُ الطَّاعُون وطلع لَهُ فِي أصل
أُذُنه غُدَّة عَظِيمَة كالغدة الَّتِي تطلع على الْبكر.
قَوْله: (غده) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الدَّال، قَالَ الْأَصْمَعِي: من أدواء الْإِبِل الغدة،
يُقَال: أغد الْبَعِير فَهُوَ مغد، وناقة مغد بِغَيْر
هَاء، وَيُقَال: جمل مغدود وناقة مغدودة، وكل قِطْعَة صلبة
بَين القصبة والسلعة يركبهَا الشَّحْم فَهِيَ غُدَّة، تكون
فِي الْعُنُق وَفِي سَائِر الْجَسَد. قَوْله: (الْبكر) ،
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف: وَهُوَ
الْفَتى من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْغُلَام من النَّاس،
وَالْأُنْثَى بكرَة، وَقد يستعار للنَّاس. قَوْله: (فِي
بَيت امْرَأَة من آل فلَان) ، وَقد بيّنت هِيَ فِي حَدِيث
سهل بن سعد أخرجه الطَّبَرَانِيّ، فَقَالَ: امْرَأَة من آل
سلول، وَفِي حَدِيث أَيْضا: وَأَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا عَلَيْهِ أَي: على عَامر، فَقَالَ:
أللهم إكفني عَامِرًا، قَالَ: فجَاء إِلَى بَيت امْرَأَة
من آل سلول، قلت: سلول هِيَ بنت ذهل بن شَيبَان وَزوجهَا
مرّة بن صعصعة أَخُو عَامر بن صعصعة فنسب بنوه إِلَيْهَا.
قَوْله: (فَانْطَلق حرَام) ، وَهُوَ خَال أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَهُوَ رجل أعرج) ، الْوَاو
فِيهِ للْحَال على حسب مَا وَقع هُنَا على أَن الْأَعْرَج
صفة حرَام وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْأَعْرَج غَيره لِأَن
حَرَامًا لم يكن أعرج، والأعرج غَيره، وَحرَام قتل والأعرج
لم يقتل وَالصَّوَاب: فَانْطَلق حرَام هُوَ وَرجل أعرج،
فَكَانَ الْكَاتِب قدم الْوَاو سَهوا، وَاسم الْأَعْرَج:
كَعْب بن زيد من بني دِينَار بن النجار.
(17/171)
قَالَ الذَّهَبِيّ: بَدْرِي قتل مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الخَنْدَق،
وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَانْطَلق حرَام
ورجلان مَعَه: رجل أعرج وَرجل من بني فلَان، وَبَين ابْن
هِشَام أَن اسْم الرجل الَّذِي من بني فلَان: الْمُنْذر بن
مُحَمَّد بن عقبَة بن أحيحة ابْن الجلاح الخزرجي. قَوْله:
(كونا) ، أَي: قَالَ حرَام للرجل الْأَعْرَج وللرجل
الَّذِي من بني فلَان، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى:
كونُوا، بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان. قَوْله:
(كُنْتُم) ، أَي: ثبتمْ، و: كَانَ، تَامَّة فَلَا تحْتَاج
إِلَى خبر. وَقَالَ بَعضهم: فَإِن آمنوني كُنْتُم، وَقع
هَذَا بطرِيق الِاكْتِفَاء. قلت: إِن أَرَادَ اكْتِفَاء
كَانَ عَن الْخَبَر فَلَا يجوز إلاَّ إِذا كَانَ: كَانَ،
تَامَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد: فَإِن
آمنوني كُنْتُم كَذَا، وَوَقع لأبي نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) : فَإِن آمنوني كُنْتُم قَرِيبا مني. قلت:
كَانَ، نَاقِصَة على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ على مَا لَا
يخفى. قَوْله: (فَقَالَ: أتومنوني؟) أَي: فَقَالَ حرَام:
أتعطوني الأمَان؟ والهمزة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل
الاستعلام، ويروى: أتومنونني؟ على الأَصْل. قَوْله: (أبلغ)
بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام. قَوْله:
(فَجعل يُحَدِّثهُمْ) أَي: جعل حرَام يحدث الْمُشْركين
الَّذين أَتَى إِلَيْهِم، و: جعل من أَفعَال المقاربة
وَهُوَ من الْقسم الثَّالِث مِنْهَا وَهُوَ مَا وضع لدنو
الْخَبَر على وَجه الشُّرُوع فِيهِ وَالْأَخْذ فِي فعله.
قَوْله: (وأومؤا) أَي: أشاروا. قَوْله: (قَالَ همام) ،
هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد. قَوْله: (أَحْسبهُ) ، أَي:
أَظن الطعْن أنفذه من جَانب إِلَى جَانب. قَوْله:
(بِالرُّمْحِ) ، يتَعَلَّق بقوله: فطعنه، قَوْله: (قَالَ:
الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ
حرَام، وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ على
مَا يَأْتِي وَمعنى. قَوْله: (فزت) يَعْنِي
بِالشَّهَادَةِ. قَوْله: (فلحق الرجل) ، فِي ضَبطه مَعَ
مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن يكون: لحق، على
صِيغَة الْمَعْلُوم وَالرجل فَاعله، وَالْمرَاد بِهِ الرجل
الَّذِي كَانَ رَفِيق حرَام، وَيكون فِيهِ حذف تَقْدِيره:
فلحق الرجل بِالْمُسْلِمين. الثَّانِي: أَن يكون: لحق، على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَالتَّقْدِير: لحق الرجل الَّذِي
هُوَ رَفِيق حرَام، يَعْنِي: صَار ملحوقاً فَلم يقدر أَن
يبلغ الْمُسلمين قبل بُلُوغ الْمُشْركين إِلَيْهِم.
الثَّالِث: أَن يكون لفظ: الرجل، بِسُكُون الْجِيم وَفتح
اللاَّم وَيكون جمع: الراجل، وَيكون الْمَعْنى: فلحق
الرِّجَال الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين فقاتلوهم وَقتل
الْمُسلمُونَ كلهم، أَي: قتل السبعون الَّذين أرسلهم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير الْأَعْرَج،
فَإِنَّهُ كَانَ فِي رَأس جبل، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن
عمر عَن همام، تقدم فِي الْجِهَاد: فَقَتَلُوهُمْ إلاَّ
رجلا أعرج صعد الْجَبَل، قَالَ همام: وَآخر مَعَه. قَوْله:
(فَأنْزل الله علينا) ، الْمنزل هُوَ قَوْله: (إِنَّا قد
لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا) وَقَوله: (ثمَّ
كَانَ من الْمَنْسُوخ) جملَة مُعْتَرضَة أَي: مِمَّا نسخت
تِلَاوَته. وَقَالَ ابْن التِّين: إِمَّا أَن يكون كَانَ
يُتْلَى ثمَّ نسخ رسمه، أَو كَانَ النَّاس يكثرون ذكره
وَهُوَ من الْوَحْي ثمَّ تقادم حَتَّى صَار لَا يذكر إلاَّ
خَبرا. قَوْله: (ثَلَاثِينَ صباحاً) يَعْنِي: فِي صَلَاة
الْفجْر، وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) : لما أُصِيب أهل بِئْر
مَعُونَة جَاءَت الْحمى إِلَى رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إذهبي إِلَى رعل وذكوان وَعصيَّة
عَصَتْ الله وَرَسُوله، فَاتَتْهُمْ فقتلت مِنْهُم
سَبْعمِائة رجل لكل رجل من الْمُسلمين عشرَة.
4092 - حدَّثني حِبَّانُ أخْبرَنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ قَالَ حدَّثنِي ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ
أنَسٍ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ يَقُولُ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ وكانَ
خالَهُ يَوْمَ بِئْرِ معُونَةَ قَالَ بالدَّمِ هاكَذَا
فنَضَحَهُ علَى وجْهِهِ ورَأسِهِ ثُمَّ قَالَ فُزْتُ
ورَبِّ الكَعْبَةِ. .
هَذَا من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن حبَان،
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي عَن عبد الله بن
الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر بن رَاشد عَن ثُمَامَة،
بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عبد
الله قَاضِي الْبَصْرَة، يروي عَن جده أنس بن مَالك.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن
حَاتِم بن نعيم عَن حبَان بن مُوسَى بِهِ.
قَوْله: (كَانَ خَاله) أَي: وَكَانَ حرَام بن ملْحَان خَال
أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (يَوْم) ظرف
لقَوْله: طعن. قَوْله: (قَالَ بِالدَّمِ) ، هَكَذَا هَذَا
من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل فَمَعْنَاه: أَخذ الدَّم
من مَوضِع الطعْن فنضحه أَي: رشه على وَجهه وَرَأسه.
4093 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا
أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله
(17/172)
تَعَالَى عنهَا قالَتِ اسْتَأذَنَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو بَكْرٍ فِي
الخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ علَيْهِ الأذَى فَقال لَهُ أقِمْ
فَقالَ يَا رَسُولَ الله أتَطْمَعُ أنْ يُؤْذَنَ لَكَ
فَكانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ
إنِّي لأرْجُو ذالِكَ قَالَتْ فانْتَظَرَهُ أبُو بَكْرٍ
فأتَاهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ يَوْمٍ
ظُهْرَا فَنَادَاهُ فَقَالَ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقالَ
أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ فَقالَ أشَعَرْتَ
أنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ فقَالَ يَا رسُولَ
الله الصُّحْبَةُ فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الصُّحْبَةُ قَالَ يَا رسُولَ الله عِنْدِي
ناقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فأعْطَى
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَاهُمَا وهْيَ
الجَدْعَاءُ فرَجُ إلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ
يَفْطُنُ بِهِ أحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ فلَمَّا خَرَجَا
خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ
فَقُتِلَ عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقتل عَامر بن
فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة) . وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن
الزبير يروي عَن أَبِيه عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (فِي الْخُرُوج) يَعْنِي: فِي الْهِجْرَة من
مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (الْأَذَى) يَعْنِي من
كفار مَكَّة. قَوْله: (أتطمع؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام
على سَبِيل الاستعلام. قَوْله: (أَن يُؤذن) على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (ظهرا) يَعْنِي: فِي وَقت الظّهْر.
قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(أخرج) بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج (وَمن عنْدك) فِي
مَحل النصب على المفعولية. قَوْله: (إِنَّمَا هما ابنتاي)
أَرَادَ بهما: أَسمَاء وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا. قَوْله: (أشعرت؟) مَعْنَاهُ إعلم، لِأَن
الْهمزَة هُنَا خرجت عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ،
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {ألم نشرح لَك صدرك} (الشَّرْح:
1) . أَي: شرحنا، وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ: ووضعنا. قَوْله:
(قد أذن لي) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (الصُّحْبَة) مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي:
أَتُرِيدُ الصُّحْبَة، أَي: المرافقة فِي الْهِجْرَة،
وَالتَّقْدِير فِي الصُّحْبَة الثَّانِيَة؟ نعم أُرِيد
الصُّحْبَة. قَوْله: (هِيَ الجدعاء) أَي: النَّاقة الَّتِي
أَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ الَّتِي
تسمى بالجدعاء، وَهِي المقطوعة الْأذن، وَمِنْه: خطب على
نَاقَته الجدعاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قيل: لم تكن
نَاقَته مَقْطُوعَة الْأَذَان، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا
اسْما لَهَا. قَوْله: (بثور) بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِمَكَّة مُسَمّى باسم
الْحَيَوَان الْمَشْهُور. قَوْله: (فتواريا) أَي: اختفيا
فِيهِ، من التواري. قَوْله: (عَامر بن فهَيْرَة) ، هُوَ
أَبُو عَمْرو كَانَ مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن
سَخْبَرَة فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر فَأعْتقهُ، وَأسلم قبل
أَن يدْخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار
الأرقم وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ مولداً من مولدِي
الأزد أسود اللَّوْن، شهد بَدْرًا وأحداً. والآن نذْكر
وَفَاته. قَوْله: (لعبد الله بن طفيل) كَذَا وَقع هُنَا،
وَقَالَ الدمياطي: صَوَابه: الطُّفَيْل بن عبد الله بن
سَخْبَرَة بن جرثومة بن عائذة بن مرّة بن جشم بن الْأَوْس
بن عَامر بن حَفْص بن النمر بن عُثْمَان بن نصر بن زُهَيْر
ابْن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن
كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَقَالَ
أَبُو عمر: الطُّفَيْل بن عبد الله بن سَخْبَرَة الْقرشِي،
قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: لَا أَدْرِي من أَي قُرَيْش
هُوَ؟ قَالَ: وَهُوَ أَخُو عَائِشَة لأمها. وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: وَكَانَت أم رُومَان أم عَائِشَة تَحت عبد
الله بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ، وَكَانَ قدم
بهَا مَكَّة فحالف أَبَا بكر قبل الْإِسْلَام وَتُوفِّي
عَن أم رُومَان وَقد ولدت لَهُ الطُّفَيْل، ثمَّ خلف
عَلَيْهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَولدت
لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، فهما أخوا الطُّفَيْل
هَذَا لأمه. قَوْله: (أَخُو عَائِشَة لأمها) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: أخي عَائِشَة، وَجه الأول على أَنه
خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أَخُو عَائِشَة، وَوجه
الثَّانِي على أَنه بدل من قَوْله: عبد الله بن
الطُّفَيْل. منحة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون؛ وَهِي
نَاقَة يدر مِنْهَا اللَّبن. قَوْله: (يروح بهَا
وَيَغْدُو) أَي: يروح عَامر بالمنحة الْمَذْكُورَة، وَيروح
من الرواح وَهُوَ الذّهاب والمجيء بعد الزَّوَال،
وَيَغْدُو بالغين الْمُعْجَمَة خلاف الرواح، وَقد غَدا
يَغْدُو غدواً. قَوْله: (فيدلج) من الإدلاج من بَاب
الافتعال، أَي: يسير من آخر اللَّيْل، يُقَال: أدْلج،
بِالتَّخْفِيفِ إِذا سَار من أول اللَّيْل، وادَّلج
بِالتَّشْدِيدِ إِذا سَار من آخِره، وَالِاسْم
(17/173)
مِنْهُ: دلجة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح،
وَمِنْهُم من يَجْعَل الإدلاج السّير فِي اللَّيْل كُله.
قَوْله: (ثمَّ يسرح) أَي: ثمَّ يذهب بهَا إِلَى المرعى،
يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة، وسرحتها أَنا
لَازِما ومتعدياً. قَوْله: (فَلَا يفْطن بِهِ) أَي: فَلَا
يدْرِي بِهِ (أحد من الرعاء) وَهُوَ جمع راعٍ. قَوْله:
(فَلَمَّا خرجا) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (خرج مَعَهُمَا)
أَي: خرج عَامر بن فهَيْرَة مَعَهُمَا إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: (يعقبانه) بِضَم الْيَاء، وَقَالَ بَعضهم،
يعقبانه، وَفِيه: يركبانه عقبَة، وَهُوَ أَن ينزل
الرَّاكِب ويركب رَفِيقه ثمَّ ينزل الآخر ويركب الْمَاشِي.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي يردفانه بالنوبة، يَعْنِي:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يردف عَامِرًا
نوبَة وَأَبُو بكر يردفه نوبَة. قلت: الَّذِي قَالَه
الْكرْمَانِي أولى وأوجه، لِأَن الَّذِي قَالَه الْبَعْض
يسْتَلْزم أَن يمشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
ويركب عَامر. وَهَذَا لَا شكّ أَن عَامِرًا كَانَ لَا يرضى
بذلك وَلَا أَبُو بكر وَلَا هُوَ من الْأَدَب والمروءة،
وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْكرْمَانِي مَا قَالَه ابْن
إِسْحَاق: لما ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَأَبُو بكر أرْدف أَبُو بكر عَامِرًا مَوْلَاهُ خلقه
ليخدمهما فِي الطَّرِيق. قلت: هَذَا لَا يُنَافِي إِلَّا
عِقَاب. قَوْله: (فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر
مَعُونَة) وَكَانَ يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة
أَربع، وَقد مر بَيَانه.
وعَنْ أبِي أُسَامَةَ قَالَ قَالَ لي هِشامُ بنُ عُرْوَةَ
فَأَخْبرنِي أبي قَالَ لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ
مَعُونَةَ وأُسِرَ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ
قَالَ لَهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هاذَا فأشَارَ
إلَى قَتيلٍ فَقال لَهُ عَمْرُو بنُ أُمَيَّةَ هاذا عامِرُ
بنُ فُهَيْرَةَ فَقال لَقَدْ رأيْتُهُ بعدَ مَا قُتِلَ
رُفِعَ إِلَى السَّماءِ حتَّى إنِّي لأنْظُرُ إِلَى
السَّمَاءِ بيْنَهُ وبَيْنَ الأرْضِ ثُمَّ وُضِعَ فأتَى
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرُهُمْ فنَعَاهُمْ
فَقال إنَّ أصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وإنَّهُمْ قدْ
سألُوا ربَّهُمْ فَقَالُوا ربَّنَا أخْبِرْ عَنَّا
إخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ ورَضيتَ عَنَّا
فأخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ وأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فيهِمْ
عُرْوَةُ بنُ أسْمَاءَ بنِ الصَّلْتِ فسُمِّيَ عُرْوَةُ
بِهِ ومُنْذِرُ بنُ عَمْرٍ ووسُمِّيَ بِه مُنْذِراً
وَعَن أبي أُسَامَة، مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا عبيد
الله بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَإِنَّمَا
فَصله ليميز الْمَوْصُول من الْمُرْسل، لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة ذكر عَائِشَة، بِخِلَاف قصَّة
الْهِجْرَة. فَإِن فِيهَا ذكر عَائِشَة، كَمَا مضى الْآن
قبل هَذَا. قَوْله: (لما قتل الَّذين ببئر مَعُونَة) ، وهم
الْقُرَّاء الَّذين سبق ذكرهم. قَوْله: (وَأسر عَمْرو بن
أُميَّة) ، بَين ذَلِك عُرْوَة فِي (الْمَغَازِي) من
رِوَايَة الْأسود عَنهُ، بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ إِلَى بِئْر
مَعُونَة وَبعث مَعَه الْمطلب السّلمِيّ ليدلهم على
الطَّرِيق، فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو وَأَصْحَابه
إِلَّا عَمْرو بن أُميَّة، فَإِنَّهُم أسروه واستحيوه،
وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) : أَن
عَامر بن الطُّفَيْل اجتز ناصيته وَأعْتقهُ عَن رَقَبَة
كَانَت على أمه، وَعند العسكري: بعث النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عمروا اميرا على أَرْبَعِينَ
من الْأَنْصَار لَيْسَ فيهم غَيرهم الأعمر بن أُميَّة
وَذَلِكَ ان أَبَا برَاء بعث ابْن أَخِيه إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِلّة وجدهَا فَدَعَا
لَهُ بالشفاء وَبَارك فِيمَا أنفذه إِلَيْهِ، فبرىء، فَبعث
إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إبعث
إِلَى أهل نجد من شِئْت فَإِنِّي جارٍ لَهُم، وَفِي
(الْمَغَازِي) لأبي معشر: كَانَ أَبُو برَاء كتب إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إبعث إِلَيّ رجَالًا
يعلمُونَ الْقُرْآن وهم فِي ذِمَّتِي وجواري، فَبعث
إِلَيْهِ الْمُنْذر بن عَمْرو وَفِي أَرْبَعَة عشر رجلا من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَلَمَّا سَارُوا إِلَيْهِم
بَلغهُمْ أَن أَبَا برَاء مَاتَ، فَبعث الْمُنْذر إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستمد فأمده
بِأَرْبَعِينَ نَفرا أَمِيرهمْ عَمْرو بن أُميَّة،
وَقَالَ: إِذا اجْتمع الْقَوْم كَانَ عَلَيْهِم الْمُنْذر،
فَلَمَّا وصلوا بِئْر مَعُونَة كتبُوا إِلَى ربيعَة بن أبي
الْبَراء: نَحن فِي ذِمَّتك وَذمَّة أَبِيك، فنقدم عَلَيْك
أم لَا؟ قَالَ: أَنْتُم فِي ذِمَّتِي فاقدموا. وَفِي
آخِره: قدم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر بِئْر
مَعُونَة وَأَصْحَاب الرجيع، وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة فِي
لَيْلَة وَاحِدَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت سَرِيَّة
الْمُنْذر بن عَمْرو السَّاعِدِيّ الْمُعْتق للْمَوْت
إِلَى بشر مَعُونَة فِي صفر على رَأس سِتَّة وَثَلَاثِينَ
شهرا من الْهِجْرَة، قَالُوا: قدم عَامر بن مَالك بن
جَعْفَر أَبُو برَاء ملاعب الأسنة الْكلابِي على رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ فَلم يقبل
مِنْهُ، وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَلم يسلم وَلم يبعد،
وَقَالَ: لَو بعثت معي نَفرا من أَصْحَابك إِلَى قومِي
لرجوت أَن يجيبوا دعوتك، فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِم
أهل نجد، قَالَ: أَنا لَهُم جارٍ، فَبعث مَعَه سبعين من
الْأَنْصَار شبيبة يسمون الْقُرَّاء وأمَّر عَلَيْهِم
الْمُنْذر، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قدمُوا حرَام
بن ملْحَان بِكِتَاب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَامر
(17/174)
ابْن الطُّفَيْل فَقتل حَرَامًا واستصرخ
عَلَيْهِم بَنو عَامر فَأَبَوا، وَقَالُوا: لَا تخفر أَبَا
برَاء، فاستصرخ عَلَيْهِم قبائل من بني سليم: عصية ورعل
وذكوان ورعب والقارة ولحيان، فنفروا مَعَه فَقتل
الصَّحَابَة كلهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، إلاَّ
عَمْرو بن أُميَّة فَأخْبرهُ جِبْرِيل وَمِنْهَا: بخبرهم
وَخبر مصاب خبيب ومرثد تِلْكَ اللَّيْلَة. قلت: الْمُنْذر
بن عَمْرو بن خُنَيْس بن حَارِثَة بن لوذان بن عبد ود بن
زيد بن ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ
السَّاعِدِيّ، وَهُوَ الْمَعْرُوف: بالمعتق للْمَوْت، شهد
الْعقبَة وبدراً وأحداً وَكَانَ أحد السّبْعين الَّذين
بَايعُوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة
الْعقبَة، وَأحد النُّقَبَاء الإثني عشر، وَكَانَ يكْتب
فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو عمر:
وَكَانَ على الميسرة يَوْم أحد، وَقتل بعد أحد بأَرْبعَة
أشهر وَنَحْوهَا، وَذَلِكَ سنة أَربع فِي أَولهَا يَوْم
بِئْر مَعُونَة شَهِيدا. قَوْله: (قَالَ لَهُ عَامر بن
الطُّفَيْل) ، أَي: قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة عَامر بن
الطُّفَيْل: (من هَذَا) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَتِيل،
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عُرْوَة: إِن
عَامر بن الطُّفَيْل قَالَ لعَمْرو بن أُميَّة: هَل تعرف
أَصْحَابك؟ قَالَ: نعم، فَطَافَ فِي الْقَتْلَى فَجعل
يسْأَله عَن أنسابهم. قَوْله: (فَقَالَ: لقد رَأَيْته)
أَي: فَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل: لقد رَأَيْت عَامر بن
فهَيْرَة بَعْدَمَا قتل. إِلَى قَوْله: (ثمَّ وضع)
والفائدة من الرّفْع والوضع تَعْظِيم عَامر بن فهَيْرَة
وَبَيَان قدره وتخويف الْكفَّار وترهيبهم، قَالَ أَبُو
عمر: ويروى عَن عَامر بن الطُّفَيْل أَنه قَالَ: رَأَيْت
أول طعنة طعنت عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا، وَذكر
ابْن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قَالَ:
لما قدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: من الرجل الَّذِي لما قتل
رَأَيْته رفع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى رَأَيْت
السَّمَاء دونه ثمَّ وضع؟ فَقَالَ لَهُ: عَامر بن
فهَيْرَة، وَذكر ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق
جَمِيعًا عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، قَالَ:
طلب عَامر بن فهَيْرَة يومئذٍ فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد،
قَالَ عُرْوَة: فيرون أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته أَو
رفعته. قَوْله: (فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خبرُهم) وَبَين فِي حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أَن الله أخبرهُ بذلك على لِسَان جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (فنعاهم) من نعى الْمَيِّت
ينعاه نعياً ونعياً إِذا أذاع مَوته وَأخْبر بِهِ، وَإِذا
أندبه. قَوْله: (وَأُصِيب يَوْمئِذٍ فيهم عُرْوَة بن
أَسمَاء) ، على وزن حَمْرَاء ابْن الصَّلْت بن حبيب بن
حَارِثَة السّلمِيّ حَلِيف بني عَمْرو بن عَوْف، وَذكره
الْوَاقِدِيّ فِي أَصْحَاب بِئْر مَعُونَة، وَقَالَ:
حَدثنِي مُصعب بن ثَابت عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة
قَالَ: حرص الْمُشْركُونَ يَوْم بِئْر مَعُونَة لعروة بن
الصَّلْت أَن يؤمنوه فَأبى، وَكَانَ دَاخِلَة لعامر بن
الطُّفَيْل مَعَ أَن قومه بني سليم حرصوا على ذَلِك فَأبى،
وَقَالَ: لَا أقبل لَهُم أَمَانًا وَلَا أَرغب بنفسي عَن
مصرعهم، ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل شَهِيدا. قَوْله:
(فَسُمي عُرْوَة بِهِ) ، أَي: فَسمى عُرْوَة بن الزبير بن
الْعَوام باسم عُرْوَة بن أَسمَاء الْمَذْكُور، يَعْنِي:
أَن الزبير بن الْعَوام لما ولد لَهُ عُرْوَة سَمَّاهُ
باسم عُرْوَة بن أَسمَاء، وَكَانَ بَين قتل عُرْوَة بن
أَسمَاء ومولد عُرْوَة ابْن الزبير بضع عشرَة سنة. قَوْله:
(وَمُنْذِر بن عَمْرو) أَي: وَأُصِيب أَيْضا فيهم مُنْذر
بن عَمْرو بن خُنَيْس الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
قَوْله: (سمي بِهِ) أَي: الْمُنْذر بن عَمْرو الْمَذْكُور
مُنْذر بن الزبير بن الْعَوام أَخُو عُرْوَة. قَوْله:
(منذراً) كَذَا هُوَ بِالنّصب فِي النّسخ، وَالصَّوَاب:
مُنْذر، بِالرَّفْع على مَا لَا يخفى، وَقَالَ بَعضهم:
يحْتَمل أَن تكون الرِّوَايَة بِفَتْح السِّين على الْبناء
للْفَاعِل وَالْفَاعِل مَحْذُوف، وَالْمرَاد بِهِ الزبير.
قلت: لَا يعْمل بِهَذَا الِاحْتِمَال فِي إِثْبَات
الرِّوَايَة، وَفِيه أَيْضا إِضْمَار قبل الذّكر فَافْهَم،
وَحَاصِله: أَن الزبير سمى ابْنه هَذَا منذراً باسم
الْمُنْذر بن عَمْرو هَذَا، وَوجه التَّسْمِيَة فيهمَا
بِعُرْوَة وَمُنْذِر للتفاءل باسم من رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ، وَأعلم أَن أَسمَاء من الْأَعْلَام
الْمُشْتَركَة فَهِيَ اسْم أم عُرْوَة بن الزبير، وَاسم
أبي عُرْوَة السّلمِيّ الْمَذْكُور.
4094 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله أخبرنَا
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عنْ أبِي مِجْلَز عنْ أنَسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَنَتَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو
علَى رِعْلٍ وذَكْوَانَ ويَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ الله
ورَسُولَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان التَّيْمِيّ،
وَأَبُو مجلز، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح
الَّلام وَفِي آخِره زَاي: واسْمه لَاحق بن حميد، وَفِيه
رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ،
والْحَدِيث قد مر فِي الْوتر عَن أَحْمد بن يُونُس عَن
زَائِدَة.
(17/175)
4095 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنَا مالِك عنْ
إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ قَالَ دعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
علَى الَّذِينَ قتَلُوا يَعْنِي أصْحَابَهُ بِبِئْرِ
مَعُونَةَ ثَلاثِينَ صَبَاحاً حِينَ يَدْعُو علَى رِعْلٍ
ولِحْيَانَ وعُصَيَّةَ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنَسٌ فأنْزَلَ الله تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِينَ
قُتِلُوا أصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآناً قَرَأنَاهُ
حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا
رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا ورَضِينَا عَنْهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجِهَاد فِي: بَاب فضل قَول الله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن
الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} (آل عمرَان:
169) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد
الله عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ حِين يَدْعُو يرْوى حَتَّى يَدْعُو.
4096 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا عبْدُ
الوَاحِدِ حدَّثنا عاصِمٌ الأحْوَلُ قَالَ سألْتُ أنَسَ
بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ القُنُوتِ فِي
الصَّلاةِ فَقَالَ نعَمْ فقُلْتُ كانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ
أوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قُلْتُ فإنَّ فُلاَنَاً
أخبرَنِي عَنْكَ أنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ قَالَ كذَبَ
إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً أنَّهُ بَعَثَ نَاسا يُقالُ
لَهُمُ القُرَّاءُ وهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً إلَى نَاسٍ
مِنَ المُشْرِكِينَ وبَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ قِبَلَهُمْ فظَهَرَ هَؤلاَءِ
الَّذِينَ كانَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَهْدٌ فقَنَتَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرَاً يَدْعُو
علَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن
زِيَاد، والْحَدِيث مضى فِي الْوتر فِي: بَاب الْقُنُوت
قبل الرُّكُوع وَبعده، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (كذب) أَي: أَخطَأ. قَوْله: (عهد) عهد وميثاق،
والعهد يَجِيء لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى: الْيَمين والأمان
والذمة وَالْحِفْظ ورعاية الْحُرْمَة وَالْوَصِيَّة،
وَيسْتَعْمل كل معنى فِي مَحل يَقْتَضِي ذَلِك الْمَعْنى،
قيل: كَيفَ جَازَ بعث الْجَيْش إِلَى المعاهدين؟ وَأجِيب:
بِأَن قَوْله: (بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عهد) جملَة ظرفية حَالية، وَتَقْدِير
الْكَلَام: بعث إِلَى نَاس من الْمُشْركين غير المعاهدين،
وَالْحَال أَن بَين نَاس مِنْهُم هم مُقَابل الْمَبْعُوث
عَلَيْهِم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عهد، فغلب المعاهدون وغدروا فَقتلُوا الْقُرَّاء المبعوثين
لإمدادهم على عدوهم، وَذكر مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب
أَسمَاء الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَن أَصْحَاب الْعَهْد هم
بَنو عَامر ورأسهم أَبُو برَاء عَامر بن مَالك بن جَعْفَر،
وَقد مر ذكره عَن قريب، وَأَن الطَّائِفَة الْأُخْرَى من
بني سليم وهم رعل وذكوان وَعصيَّة. قَوْله: (قبلهم) ،
بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: قبل
الْمَبْعُوث عَلَيْهِم كَمَا ذكرنَا أَي: من جهتهم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبلهم ضد بعدهمْ، وَلم يذكر
غَيره هَذَا إلاَّ ابْن التِّين. قَوْله: (فَظهر) ، أَي:
غلب. |