عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 2 - (بابٌ: {وَلما جاءَ مُوسَى لمِياقتِنا
وكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ
قَالَ لَنْ تَرَاني ولاكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فإِنِ
اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فسَوْفَ تَرَاني فَلمَّا تَجَلَّى
رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوساى صَعِقاً
فَلَمَّا أفاقَ قَالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وَأَنا
أولُ المُؤْمِنِينَ} (الْأَعْرَاف: 143)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلما جَاءَ مُوسَى
لِمِيقَاتِنَا} إِلَى آخِره. قَوْله: (الْآيَة) ، أَي:
الْآيَة بِتَمَامِهَا، وَقد سَاق فِي بعض النّسخ
بِتَمَامِهَا: (قَالَ لن تراني وَلَكِن انْظُر إِلَى
الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني فَلَمَّا
تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر مُوسَى صعقاً فَلَمَّا
أَفَاق قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول
الْمُؤمنِينَ) . قَوْله: (لِمِيقَاتِنَا) ، قَالَ
الثَّعْلَبِيّ: الْمِيقَات مفعال من الْوَقْت كالميعاد
والميلاد انقلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا.
قلت: أَصله: موقات، لِأَنَّهُ من الْوَقْت وَإِنَّمَا
انقلبت يَاء لِأَن الْيَاء أُخْت الكسرة. قَوْله: (وَكلمَة
ربه) ، حَتَّى سمع صرير الأقلام، وَكَانَ على طور سيناء
وَلما ادناه ربه وناجاه اشتاق إِلَى رُؤْيَته، وَقَالَ:
{رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} فَقَالَ الله عز وَجل: {لن
تراني} يَعْنِي: لَيْسَ لبشر أَن يُطيق النّظر إِلَيّ فِي
الدُّنْيَا (من نظر إِلَيّ فِي الدُّنْيَا مَاتَ) ، قَالَ
مُوسَى: إلهي قد سَمِعت كلامك فاشتقت إِلَى النّظر إِلَيْك
فأرني أنظر إِلَيْك، فَلِأَن أنظر إِلَيْك ثمَّ أَمُوت أحب
إِلَى من أَن أعيش فَلَا أَرَاك، قَالَ الله تَعَالَى:
{أنظر إِلَى الْجَبَل} وَهُوَ أعظم جبل بمدين يُقَال لَهُ:
زبير {فَإِن اسْتَقر} أَي: ثَبت بمكانه {فَسَوف تراني بحلى
ربه} ، قَالَ ابْن عَبَّاس: تجليه ظُهُور نوره، وَقَالَ
كَعْب الْأَحْبَار وَعبد الله بن سَلام: مَا تجلى من
عَظمَة الله إِلَّا مثل سم الْخياط، وَقَالَ السّديّ: قدر
الْخِنْصر، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن أنس رَضِي الله
عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قَوْله:
{فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ: هَكَذَا، يَعْنِي أَنه
أخرج طرف الْخِنْصر الحَدِيث، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
أَيْضا، وَقَالَ:
(18/238)
حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، وَعَن سهل بن
سعد: أَن الله تَعَالَى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر
الدِّرْهَم فَجعل الْجَبَل كأقواله (جعله دكا) قَالَ ابْن
عَبَّاس: تُرَابا، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: ساخ
الْجَبَل فِي الأَرْض حَتَّى وَقع فِي الْبَحْر فَهُوَ
يذهب مَعَه، وَعَن أبي بكر الْهُذلِيّ: دكا انقعر فَدخل
تَحت الأَرْض فَلَا يظْهر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة،
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي مَالك عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لما تجلى الله
للجبل طارت لعظمته سِتَّة أجبل فَوَقَعت ثَلَاثَة
بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَة بِمَكَّة، بِالْمَدِينَةِ: أحد
وورقان ورضوى، وبمكة حراء وثبير وثور) . قَالَ ابْن كثير:
هَذَا حَدِيث غَرِيب بل مُنكر، وَقَالَ عَطِيَّة
الْعَوْفِيّ: دكاً صَار رملاً هائلاً، وَاخْتلف الْقُرَّاء
فِي دكاً فَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة بِالْقصرِ
والتنوين وَهُوَ اخْتِيَار أبي حَاتِم وَأبي عبيد
الْقَاسِم بن سَلام، وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة بِالْمدِّ أَي
جعله مثل الأَرْض وَهِي الناتئة لَا تبلغ أَن تكون جبلا.
قَوْله: (وخر مُوسَى صعقاً) أَي: خر مغشياً عَلَيْهِ يَوْم
الْخَمِيس وَكَانَ يَوْم عَرَفَة وَأعْطِي التَّوْرَاة
يَوْم الْجُمُعَة، وَهُوَ يَوْم النَّحْر، وَفِي
(التَّلْوِيح) : وصعق مُوسَى مَوته، نظيرها قَوْله فِي
سُورَة النِّسَاء: {فَأَخَذتهم الصاعقة} (النِّسَاء: 153)
يَعْنِي: الْمَوْت، وَفِي الزمر: {فَصعِقَ من فِي
السَّمَوَات} يَعْنِي: مَاتَ، وَفِي تَفْسِير ابْن كثير:
وَالْمَعْرُوف أَن الصَّعق هُوَ الغشي هَهُنَا كَمَا فسره
ابْن عَبَّاس وَغَيره لَا كَمَا فسره قَتَادَة بِالْمَوْتِ
وَإِن كَانَ ذَلِك صَحِيحا فِي اللُّغَة. قَوْله:
(فَلَمَّا أَفَاق) أَي: من الغشي، قَالَ مُحَمَّد بن
جَعْفَر: شغله الْجَبَل حِين تجلى وَلَوْلَا ذَلِك لمات
صعقاً بِلَا إفاقة. قَوْله: (قَالَ سُبْحَانَكَ) تَنْزِيها
وتعظيماً وإجلالاً أَن يرَاهُ أحد فِي الدُّنْيَا إلاَّ
مَاتَ. قَوْله: (تبت إِلَيْك) يَعْنِي عَن سُؤال
الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا، وَقيل: تبت إِلَيْك من
الْإِقْدَام على الْمَسْأَلَة قبل الْإِذْن فِيهَا، وَقيل:
من اعْتِقَاد جَوَاز الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا، وَقيل:
المُرَاد بِالتَّوْبَةِ هُنَا الرُّجُوع إِلَى الله
تَعَالَى لَا على ذَنْب سبق، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك
على جِهَة التَّسْبِيح وَهُوَ عَادَة الْمُؤمنِينَ عِنْد
ظُهُور الْآيَات الدَّالَّة على عظم قدرته. قَوْله:
(وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ) ، أَي: بأنك لَا ترى فِي
الدُّنْيَا، قَالَ مُجَاهِد: وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ من
بني إِسْرَائِيل، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، وَعَن ابْن
عَبَّاس: وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ أَنه لَا يراك أحد،
وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة. وتعلقت نفاة رُوَاة
الرُّؤْيَة بِهَذِهِ الْآيَة، فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
لن، لتأكيد النَّفْي الَّذِي تعطيه: لَا، وَذَلِكَ أَن:
لَا تَنْفِي الْمُسْتَقْبل، تَقول: لَا أفعل غَدا، فَإِن
أكدت نَفيهَا قلت: لن أفعل غَدا، وَقَالَ ابْن كثير: وَقد
أشكل حرف: لن، هَهُنَا على كثير لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة
للنَّفْي للتأبيد، فاستدلت بِهِ الْمُعْتَزلَة على نفي
الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَأجِيب: بِأَن
الْأَحَادِيث قد تَوَاتَرَتْ عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِأَن الْمُؤمنِينَ يرَوْنَ الله فِي
الدَّار الْآخِرَة. وَقيل إِنَّهَا لنفي التَّأْبِيد فِي
الدُّنْيَا جمعا بَين هَذِه وَبَين الدَّلِيل الْقَاطِع
على صِحَة الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة، وَقيل: إِن لن لَا
توجب التَّأْبِيد لَكِن توجب التَّوْقِيت، كَقَوْلِه عز
وَجل: {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} (الْبَقَرَة: 95)
يَعْنِي: الْمَوْت، وَقَالَ عَليّ بن مهْدي: لَو كَانَ
سُؤال مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، مستحيلاً لما أقدم
عَلَيْهِ مَعَ كَمَال مَعْرفَته بِاللَّه عز وَجل، وَقَالَ
المتكلمون من أهل السّنة: لما علق الله الرُّؤْيَة
باستقرار الْجَبَل دلّ على جَوَاز الرُّؤْيَة لِأَن
استقراره غير مُسْتَحِيل، أَلا ترى أَن دُخُول الْكفَّار
الْجنَّة لما كَانَ مستحيلاً علقه بِشَيْء مُسْتَحِيل
فَقَالَ: {لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي
سم الْخياط} (الْأَعْرَاف: 40) أَي: فِي خرق الإبرة.
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ أرِني أعْطِني
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن
أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رب أَرِنِي
أنظر إِلَيْك} (الْأَعْرَاف: 143) قَالَ أَعْطِنِي.
4638 - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ
عنْ عَمْروِ بنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ عنْ أبِيهِ عنْ أبي
سَعيد الخدْرِيِّ رضيَ الله عنهُ قَالَ جاءَ رَجُلٌ منَ
اليَهُودِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ
لُطِمَ وجْهُهُ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ رجُلاً منْ
أصْحابِكَ منَ الأنْصارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي قَالَ
ادْعُوهُ فَدَعَوْهُ قَالَ لِم لَطَمْتَ وجْهَهُ قَالَ يَا
رسُولَ الله إنِّي مَرَرْتُ بالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ والَّذِي اصْطَفَى موساى عَلَى البَشَرِ فقُلْتُ
وعَلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ وعَلَى مُحَمَّدٍ فأخذَتْني
غضْبَةٌ فَلَطَمْتهُ قَالَ: لَا تُخَيِّرُوني مِنْ بَيْنِ
الأنْبِياءِ فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ
القِيَامَةِ فأكونُ أوَّلَ مَنْ يُفُيقُ فإِذَا أَنا
بمُوسى آخِذٌ بِقائِمَةٍ منْ قوَائِم العَرْشِ
(18/239)
فَلا أدْرِي أفاقَ قَبْلِي أمْ جُوزِيَ
بِصَعْقَةِ الطورِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أم جوزي بصعقة
الطّور، والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب الْأَشْخَاص
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن
وهيب عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (لَا تخيروني) ، أَي: لَا تفضلُونِي بِحَيْثُ
يلْزم نقص أَو غَضَاضَة على غَيره أَو يُؤَدِّي إِلَى
الْخُصُومَة، أَو قَالَه تواضعاً، وَقيل: قَالَ ذَلِك قبل
أَن يعلم تفضيله على الْكل، وَقد روى الْحَافِظ أَبُو بكر
بن أبي الدُّنْيَا: أَن الَّذِي لطم الْيَهُودِيّ فِي
هَذِه الْقِصَّة هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ،
وَمَا ذكره البُخَارِيّ هُوَ الْأَصَح. قَوْله: (فَإِن
النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة) الظَّاهِر أَن هَذَا
الصَّعق يكون يَوْم الْقِيَامَة حِين يَأْتِي الرب عز وَجل
لفصل الْقَضَاء ويتجلى فيصعقون حينئذٍ أَي: يغشى
عَلَيْهِم، وَلَيْسَ المُرَاد من الصَّعق الْمَوْت.
قَوْله: (أم جوزى) كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: جزى، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور فِي غير
هَذَا الْموضع.
المَنُّ والسَّلْوَى
أَي: هَذَا فِي ذكر الْمَنّ والسلوى وَلَيْسَ فِي الحَدِيث
ذكر السلوى، وَإِنَّمَا ذكره رِعَايَة للفظ الْقُرْآن،
وَفِي بعض النّسخ: {وأنزلنا عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى}
(الْبَقَرَة: 57) قَالَ الله تَعَالَى: {وظللنا عَلَيْهِم
الْغَمَام وأنزلنا عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى}
(الْأَعْرَاف: 160) وَقد مر تَفْسِير ذَلِك فِي سُورَة
الْبَقَرَة.
3 - (بابٌ: {قُلْ يَا أيُّها النَّاسُ إنِّي رسولُ الله
إلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لهُ لهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ
والأرْضِ لَا إلاهَ إلاَّ هُوَ يُحْيِي ويُمِيتُ فآمِنُوا
بِاللَّه ورسُولِهِ النبيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمنُ
بِاللَّه وكَلِماتِهِ واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ} (الْأَعْرَاف: 158)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {قل يَا أَيهَا
النَّاس} قَوْله: (الْآيَة) ، أَي الْآيَة بِتَمَامِهَا،
وَهُوَ قَوْله: {لَا إِلَه إلاَّ هُوَ يحيي وَيُمِيت
فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي
يُؤمن بِاللَّه وكلماته واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون} وَفِي
بعض النّسخ جَمِيع هَذِه مَذْكُور. قَوْله: (قل يَا أَيهَا
النَّاس) ، يَقُول الله لنَبيه وَرَسُوله مُحَمَّد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: قل يَا مُحَمَّد: يَا أَيهَا النَّاس
وَهَذَا خطاب للأحمر وَالْأسود والعربي والعجمي: (إِنِّي
رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا) أَي: جميعكم. قَوْله:
(الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، صفة الله فِي
قَوْله: (إِنِّي رَسُول الله) أَي الَّذِي أَرْسلنِي هُوَ
خَالق كل شَيْء وربه ومليكه الَّذِي بِيَدِهِ الْملك
والإحياء والإماتة. قَوْله: (فآمنوا بِاللَّه) لما
أخْبرهُم بِأَنَّهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَمرهم بِالْإِيمَان بِهِ وباتباع رَسُوله النَّبِي
الْأُمِّي الَّذِي
(18/240)
وعدتم بِهِ وبشرتم بِهِ فِي الْكتب
الْقَدِيمَة فَإِنَّهُ منعوت بذلك فِي كتبهمْ. قَوْله:
(واتبعوه) أَي: اسلكوا طَرِيقه واقتفوا أَثَره
(لَعَلَّكُمْ تهتدون) إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم.
4640 - ح دَّثنا عبْدُ الله حَدثنَا سُلَيْمانُ بنُ عبْدِ
الرحْمانِ ومُوساى بنُ هارُونَ قالاَ حَدثنَا الوَلِيدُ
بنُ مُسْلِمٍ حَدثنَا عبْدُ الله بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ
قَالَ حدّثني بُسْرُ بنُ عُبَيْدِ الله قَالَ حدّثني أبُو
إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا
الدَّرْدَاءِ يَقُولُ كانَتْ بَيْنَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ
مُحاوَرَةٌ فأغْضَبَ أبُو بَكْرٍ عُمَرَ فانْصَرَفَ عنهُ
عُمَرُ مُغْضَباً فاتَّبَعَهُ أبُو بَكْرٍ يَسْألُهُ أنْ
يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتّى أغْلَقَ بابَهُ
فِي وَجْهِهِ فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ إِلَى رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ ونَحْنُ
عِنْدَهُ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أمّا صاحِبُكُمْ هاذَا فَقَدْ غامَرَ قَالَ ونَدِمَ عُمَرُ
عَلَى مَا كانَ مِنْهُ فأقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وجَلَسَ
إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَصَّ عَلَى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَبَرَ قَالَ أبُو
الدَّرْدَاءِ وغَضِبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وجَعَلَ أبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَالله يَا رسُولَ الله لاَنا
كُنْتُ أظْلَمَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم هَلْ أنْتُمْ تارِكُو لِي صاحبِي هَلْ أنْتُمْ
تارِكُو لي صاحبِي إنِّي قُلْتُ يَا أيُّها النَّاسُ إنِّي
رسُولُ الله إلَيْكُمْ جَمِيعاً فقُلْتُمْ كذَبْتَ وَقَالَ
أبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّاس
إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} (الْأَعْرَاف:
158) وَعبد الله وَقع كَذَا غير مَنْسُوب فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد ابْن السكن عَن الْفربرِي عَن
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن حَمَّاد، وَبِذَلِك جزم
الكلاباذي وَطَائِفَة وَهُوَ عبد الله بن حَمَّاد بن
الطُّفَيْل أَبُو عبد الرَّحْمَن الآملي، بِالْمدِّ وَضم
الْمِيم الْخَفِيفَة، آمل جيحون. قَالَ الْأصيلِيّ: هُوَ
من تلامذة البُخَارِيّ، وَكَانَ يورق بَين يَدَيْهِ،
وَقيل: شَارك البُخَارِيّ فِي كثير من شُيُوخه وَكَانَ من
الْحفاظ، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: ذكر ابْن يُونُس أَنه مَاتَ
يَوْم الْأَرْبَعَاء لتسْع خلون من الْمحرم سنة ثَلَاث
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقيل: مَاتَ بآمل حِين خرج من
سَمَرْقَنْد، وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن ابْن إبنة
شُرَحْبِيل بن أَيُّوب الدِّمَشْقِي، روى عَنهُ
البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ، ومُوسَى بن هَارُون البني، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد النُّون، من أَفْرَاد البُخَارِيّ،
والوليد بن مُسلم الدِّمَشْقِي أَبُو الْعَبَّاس، مَاتَ
سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة، وَعبد الله بن الْعَلَاء بن
زبر، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالراء الربعِي بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين
الْمُهْملَة وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة وبالراء: ابْن عبيد الله
الْحَضْرَمِيّ الشَّامي، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله إسم
فَاعل من العوذ، بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال
الْمُعْجَمَة: الْخَولَانِيّ، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون. وَأَبُو
الدَّرْدَاء عُوَيْمِر الْأنْصَارِيّ، وَهَؤُلَاء
الْخَمْسَة كلهم شَامِيُّونَ.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَنَاقِب أبي بكر رَضِي الله
عَنهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هِشَام بن عمار عَن
صَدَقَة بن خَالِد عَن زيد بن وَاقد عَن بسر بن عبيد الله
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (غامر) بالغين الْمُعْجَمَة من بَاب المفاعلة،
أَي: سبق بِالْخَيرِ أَو وَقع فِي أَمر أَو زاحم وَخَاصم
والمغامر الَّذِي يَرْمِي نَفسه فِي الْأُمُور الْمهْلكَة،
وَقيل: هُوَ من الْغمر بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الحقد الَّذِي
حاقد غَيره. قَوْله: (تاركو لي صَاحِبي) بِحَذْف النُّون
من: تاركون لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى قَوْله: صَاحِبي، لَكِن
وَقع الْجَار وَالْمَجْرُور أَعنِي قَوْله: (لي) فاصلاً
بَين الْمُضَاف. والمضاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِز وَقد
وَقع فِي كَلَام الْعَرَب كثيرا ويروى تاركون بالنُّون على
الأَصْل.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله غامَرَ سَبَقَ بالخَيْرِ
هَذَا لَيْسَ بموجود فِي بعض النّسخ. وَأَبُو عبد الله
هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، فسر قَوْله: (غامر) بقوله: سبق
بِالْخَيرِ، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن.
(18/241)
4 - (بابٌ قوْلِهِ وقُولُو حِطَّةٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا حطة
وادخلوا الْبَاب سجدا} (الْأَعْرَاف: 161) وَلَيْسَ لفظ:
بَاب، مَذْكُورا فِي بعض النّسخ.
4641 - ح دَّثنا إسْحاقُ أخبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أخْبرنا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ أنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ يَقُولُ قَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا البابَ سُجَّداً وقُولوا حِطَّةٌ
تٍ غْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا
يَزْحَفُونَ عَلَى أسْتاهِهِمْ وقالُوا حبَّةٌ فِي
شَعَرَةٍ. (انْظُر الحَدِيث 3402 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي بن رَاهَوَيْه، وَمعمر، بِفَتْح
الميمين: ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى
ابْن مُنَبّه على وزن اسْم الْفَاعِل من التَّنْبِيه.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن
بن مهْدي عَن ابْن الْمُبَارك عَن معمر إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فبدلوا) ، أَي، غيروا. قَوْله: (فِي شَعْرَة) ،
بِفتْحَتَيْنِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: فِي شعيرَة، بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْيَاء
آخرِ الْحُرُوف.
5 - (بابٌ: {خُذِ العَفْوَ وأمُرْ بالْعُرْفِ وأعْرضْ عنِ
الجاهِلِينَ} (الْأَعْرَاف: 199)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذ الْعَفو} وَقد
أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثَة
أَشْيَاء: الْأَخْذ بِالْعَفو وَالْأَمر بِالْعرْفِ
والإعراض عَن الْجَاهِلين، وَرُوِيَ الطَّبَرِيّ عَن
مُجَاهِد: خُذ الْعَفو من أَخْلَاق النَّاس وأعمالهم من
غير تجسيس عَلَيْهِم، وَقَالَ ابْن الزبير: مَا أنزل الله
تَعَالَى هَذِه الْآيَة إلاَّ فِي أَخْلَاق النَّاس، وَعَن
ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَالسُّديّ: خُذ الْعَفو من
أَمْوَال الْمُسلمين وَهُوَ الْفضل، وَقَالَ ابْن جرير:
أَمر بذلك قبل نزُول الزَّكَاة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ:
صَدَقَة كَانَت تُؤْخَذ قبل الزَّكَاة ثمَّ نسخت بهَا،
وَقيل: هَذَا أَمر من الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْعَفو عَن الْمُشْركين وَترك الغلظة
عَلَيْهِم، وَذَلِكَ قبل فرض الْقِتَال. وَتَفْسِير الْعرف
يَأْتِي الْآن. قَوْله: (وأغرض عَن الْجَاهِلين) أَي: عَن
أبي جهل وَأَصْحَابه، وَقَالَ ابْن زيد: نسختها آيَة
السَّيْف، وَقيل: لَيست بمنسوخة إِنَّمَا أَمر بِاحْتِمَال
من ظلم.
العُرْفُ المَعْرُوفُ
أَرَادَ أَن الْعرف، الْمَأْمُور بِهِ فِي الْآيَة
الْكَرِيمَة هُوَ الْمَعْرُوف، وَوَصله عبد الرَّزَّاق من
طَرِيق همام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَكَذَا أخرجه
الطَّبَرِيّ من طَرِيق السّديّ وَقَتَادَة، وَفِي
الْمَعْرُوف صلَة الرَّحِم وَإِعْطَاء من حرم وَالْعَفو
عَمَّن ظلم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْعرف
وَالْمَعْرُوف مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل، وَقَالَ
الثَّعْلَبِيّ: الْعرف وَالْمَعْرُوف والعارفة كل خصْلَة
حميدة، وَقَالَ عَطاء: الْأَمر بِالْعرْفِ بِلَا إِلَه
إلاَّ الله.
164 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قدم
عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة فَنزل على ابْن أَخِيه
الْحر بن قيس وَكَانَ من النَّفر الَّذين يدنيهم عمر
وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مجَالِس عمر ومشاورته كهولا
كَانُوا أَو شبانا فَقَالَ عُيَيْنَة لِابْنِ أَخِيه يَا
ابْن أخي لَك وَجه عِنْد هَذَا الْأَمِير فَاسْتَأْذن لي
عَلَيْهِ قَالَ سأستأذن لَك عَلَيْهِ قَالَ ابْن عَبَّاس
فَاسْتَأْذن الْحر لعيينة فَأذن لَهُ عمر فَلَمَّا دخل
عَلَيْهِ قَالَ هِيَ يَا ابْن الْخطاب فوَاللَّه مَا
تُعْطِينَا الجزل وَلَا تحكم بَيْننَا بِالْعَدْلِ فَغَضب
(18/242)
عمر حَتَّى هم بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحر يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خُذ الْعَفو وَأمر
بِالْمَعْرُوفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين وَإِن هَذَا من
الْجَاهِلين وَالله مَا جاوزنا عمر حِين تَلَاهَا عَلَيْهِ
وَكَانَ وقافا عِنْد كتاب الله) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَهَذَا
الْإِسْنَاد على هَذَا النمط قد سبق كثيرا والْحَدِيث من
أَفْرَاده وَأخرجه أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس قَوْله " مشاورته " بِلَفْظ
الْمصدر عطفا على مجَالِس وبلفظ الْمَفْعُول وَالْفَاعِل
عطفا على أَصْحَاب قَوْله " كهولا " بِضَم الْكَاف جمع كهل
وَهُوَ الَّذِي وخطه الشيب قَالَه ابْن فَارس وَقَالَ
الْمبرد هُوَ ابْن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة قَوْله " أَو
شبانا " بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة جمع شَاب هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني شبَابًا بِفَتْح الشين
وبالباءين الموحدتين أولاهما مُخَفّفَة قَوْله " هِيَ "
بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء كلمة التهديد وَيُقَال
هُوَ ضمير وثمة مَحْذُوف أَي هِيَ داهية أَو الْقِصَّة
هَذِه ويروى هيه بهاء أُخْرَى فِي آخِره ويروى إيه من
أَسمَاء الْأَفْعَال تَقول للرجل إِذا استزدته هن حَدِيث
أَو عمل إيه بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء وَكسر
الْهَاء قَوْله " مَا تُعْطِينَا الجزل " بِفَتْح الْجِيم
وَسُكُون الزَّاي أَي مَا تُعْطِينَا الْعَطاء الْكثير
وأصل الجزل مَا عظم من الْحَطب ثمَّ استعير مِنْهُ أجزل
لَهُ فِي الْعَطاء أَي أَكْثَره قَوْله " مَا جاوزها " أَي
مَا جَاوز الْآيَة الْمَذْكُورَة يَعْنِي لم يَتَعَدَّ عَن
الْعَمَل بهَا قَوْله " وَكَانَ " أَي عمر وقافا مُبَالغَة
فِي وَاقِف وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا سمع كتاب الله يقف
عِنْده وَلَا يتَجَاوَز عَن حكمه -
4643 - ح دَّثنا يَحْيَى حدّثنا وكِيعٌ عنْ هِشامٍ عنْ
أبِيهِ عنْ عبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ خُذِ العَفْوِ
وأْمُرْ بالْعُرْفِ قَالَ مَا أنْزَلَ الله إلاَّ فِي
أخْلاَقِ النَّاسِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {خُذ الْعَفو
وَأمر بِالْعرْفِ} وَيحيى شيخ البُخَارِيّ مُخْتَلف فِيهِ،
فَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: هُوَ يحيى بن مُوسَى بن عبد
ربه أَبُو زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي، يُقَال
لَهُ خت، وَقَالَ الْمُسْتَمْلِي: هُوَ يحيى بن جَعْفَر بن
أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي، رَحمَه الله،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يرْوى عَن أَبِيه عُرْوَة
وَعُرْوَة يروي عَن أَخِيه عبد الله بن الزبير، وَهَذَا
مَوْقُوف.
قَوْله: (خُذ الْعَفو) ، يَعْنِي هَذِه الْآيَة مَا
أنزلهَا الله إلاَّ فِي أَخْلَاق النَّاس. وَقَوله:
(قَالَ) معترض بَين الجملتين، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب
مُقَدّر فِي مَا أنزل كَمَا قدرناه، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن
جرير عَن ابْن وَكِيع عَن أَبِيه بِلَفْظ: مَا أنزل الله
هَذِه الْآيَة إلاَّ فِي أَخْلَاق النَّاس، والأخلاق جمع
خلق بِالضَّمِّ وَهُوَ ملكة تصدر بهَا الْأَفْعَال بِلَا
روية، وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق: لَيْسَ فِي الْقُرْآن
آيَة أجمع لمكارم الْأَخْلَاق مِنْهَا، وَلَعَلَّ ذَلِك
لِأَن الْمُعَامَلَة إِمَّا مَعَ نَفسه أَو مَعَ غَيره،
والغير إِمَّا عَالم أَو جَاهِل أَو لِأَن أُمَّهَات
الْأَخْلَاق ثَلَاث لِأَن القوى الإنسانية ثَلَاث:
الْعَقْلِيَّة والشهوية والغضبية، وَلكُل قُوَّة فَضِيلَة
هِيَ وَسطهَا، للعقلية الْحِكْمَة وَبهَا الْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ، وللشهوية الْعِفَّة وَمِنْهَا أَخذ
الْعَفو، وللغضبية الشجَاعَة وَمِنْهَا: الْإِعْرَاض عَن
الْجُهَّال.
(وَقَالَ عبد الله بن براد حَدثنَا أَبُو أُسَامَة حَدثنَا
هِشَام عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ أَمر الله
نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَأْخُذ
الْعَفو من أَخْلَاق النَّاس أَو كَمَا قَالَ) هَذَا
تَعْلِيق أخرجه عَن عبد الله بن براد وَفِي التَّوْضِيح لم
يرو عَنهُ غير هَذَا التَّعْلِيق وَلَعَلَّه أَخذه عَنهُ
مذاكرة وَأكْثر عَنهُ مُسلم مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ بِالْكُوفَةِ وبراد بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ اسْم جده وَهُوَ عبد
الله بن عَامر بن براد بن يُوسُف بن أبي بردة بن أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة وَقد تكَرر ذكره قيل اخْتلف فِي هَذَا عَن هِشَام
فَمنهمْ من وَصله مِنْهُم الْإِسْمَاعِيلِيّ رَوَاهُ من
حَدِيث الطفَاوِي عَن هِشَام وَمِنْهُم من وَقفه مِنْهُم
معمر وَابْن أبي الزِّنَاد وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام
بن عُرْوَة عَن أَبِيه من قَوْله مَوْقُوفا -
(18/243)
8 - (سورَةُ الأنْفالِ)
أَي: هَذَا بعض تَفْسِير سُورَة الْأَنْفَال وَهِي
مَدَنِيَّة إلاَّ خمس آيَات مَكِّيَّة، وَهِي قَوْله: {إِن
شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله} (الْأَنْفَال: 22 و 55) إِلَى
آخر الْآيَتَيْنِ، وَقَوله: {وَإِذ يمكر بك الَّذين
كفرُوا} إِلَى قَوْله: {بِعَذَاب أَلِيم} (الْأَنْفَال:
33) ، وفيهَا آيَة أُخْرَى اخْتلف فِيهَا، وَهِي قَوْله:
{وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله
معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} (الْأَنْفَال: 30) وَقَالَ
الْحصار فِي كِتَابه: {النَّاسِخ والمنسوخ} : مَدَنِيَّة
بِاتِّفَاق، وَحكى الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس:
مَدَنِيَّة إلاَّ سبع آيَات من قَوْله: {وَإِذ يمكر بك
الَّذين كفرُوا} إِلَى آخر سبع آيَات، وَقَالَ مقَاتل:
مَدَنِيَّة وفيهَا من الْمَكِّيّ: {وَإِذ يمكر بك الَّذين
كفرُوا} إِلَى آخر الْآيَة، وَقَالَ السخاوي: نزلت قبل آل
عمرَان وَبعد الْبَقَرَة وآياتها أَرْبَعُونَ وست آيَات،
وكلماتها ألف كلمة وسِتمِائَة كلمة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ
كلمة، وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَأَرْبَعَة
وَتسْعُونَ حرفا.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
1 - (بابٌ قوْلُهُ: {يَسألُونَكَ عنِ الأنْفالِ قُلِ
الأنْفالُ لله والرَّسولِ فاتقُوا الله وأصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنَكُمْ} (الْأَنْفَال: 1)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن
الْأَنْفَال} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ
لفظ: بَاب. قَوْله: (يَسْأَلُونَك) ، يَعْنِي: يَسْأَلك
أَصْحَابك يَا مُحَمَّد عَن الْغَنَائِم الَّتِي غنمتها
أَنْت وَأَصْحَابك يَوْم بدر لمن هِيَ، فَقيل: هِيَ لله
وَرَسُوله، وَقيل: هِيَ أنفال السَّرَايَا، وَقيل: هِيَ
مَا شدّ من الْمُشْركين إِلَى الْمُسلمين من عبد أَو
دَابَّة وَمَا أشبه ذَلِك، وَقيل: هِيَ مَا أَخذ مِمَّا
يسْقط من الْمَتَاع بعد مَا تقسم الْغَنَائِم فَهُوَ نفل
لله وَرَسُوله، وَقيل: النَّفْل الْخمس الَّذِي جعله الله
تَعَالَى لأهل الْخمس، وَقَالَ النّحاس: فِي هَذِه الْآيَة
أَقْوَال فأكثرهم على أَنَّهَا مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى:
{وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه}
(الْأَنْفَال: 41) وَقَالَ بَعضهم: هِيَ محكمَة وللأئمة
أَن يعملوا بهَا فينفلوا من شاؤوا إِذا كَانَ ذَلِك صَلَاح
الْمُسلمين، وَفِي تَفْسِيره مكي: أَكثر النَّاس على
أَنَّهَا محكمَة، وَمِمَّنْ قَالَه أَيْضا ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (فَاتَّقُوا الله) ، الْآيَة أَي: خَافُوا من الله
بترك مُخَالفَة رَسُوله. قَوْله: (وَأَصْلحُوا ذَات
بَيْنكُم) ، أَي: أَحْوَال بَيْنكُم حَتَّى تكون أَحْوَال
ألفة ومحبة، والبين: الْوَصْل كَقَوْلِه: لقد تقطع
بَيْنكُم.
{قَالَ ابنُ عبّاسٍ: الأنْفالُ المَغانِمُ}
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ
بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الْأَنْفَال
الْمَغَانِم كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَالِصَة لَيْسَ لأحد فِيهَا شَيْء.
قَالَ قَتادَةُ رْيحُكُمْ الحَرْبُ
أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنازعوا فتفشلوا
وَتذهب ريحكم} (الْأَنْفَال: 8) وَفسّر قَتَادَة الرّيح
بِالْحَرْبِ، وروى هَذَا التَّعْلِيق عبد الرَّزَّاق فِي
(تَفْسِيره) عَن معمر عَنهُ، وَفِي التَّفْسِير: وَتذهب
ريحكم أَي قوتكم وحدتكم وَمَا كُنْتُم من الاقبال.
يُقالُ نافِلَةٌ عَطِيَّةٌ
إِنَّمَا ذكر هَذَا اسْتِطْرَادًا لِأَن فِي معنى
الْأَنْفَال الَّتِي هِيَ الْمَغَانِم معنى الْعَطِيَّة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: النَّفْل والنافلة عَطِيَّة
التَّطَوُّع من حَيْثُ لَا تجب، وَمِنْه نَافِلَة
الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة} (الْإِسْرَاء: 79)
أَي: غنيمَة.
4645 - ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ حدّثنا
سعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ أخبرَنا هُشَيْمٌ أخبرنَا أَبُو
بِشْرٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ ل ابنِ
عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا سورَةُ الأنْفَالِ قَالَ
نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد
الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ صَاعِقَة،
وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ الْمَشْهُور
بسعدويه، وهشيم مصغر الهشم بن بشير الو اسطي، وَأَبُو بشر،
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة:
جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه
(18/244)
إِيَاس الوَاسِطِيّ.
قَوْله: (سُورَة الْأَنْفَال) أَي: مَا سَبَب نزُول سُورَة
الْأَنْفَال؟ قَوْله: (قَالَ نزلت فِي بدر) أَي: قَالَ
ابْن عَبَّاس: نزلت سُورَة الْأَنْفَال فِي قَضِيَّة بدر،
وَهَذَا أحد الْأَقْوَال وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد
بِإِسْنَادِهِ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: لما كَانَ
يَوْم بدر وَقتل أخي عُمَيْر وَقتلت سعيد بن الْعَاصِ
وَأخذت سَيْفه، وَكَانَ يُسمى ذَا الكثيفة، فَأتيت بِهِ
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إذهب
فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبْض. قَالَ: فَرَجَعت وَبِي مَا لَا
يُعلمهُ إلاَّ الله من قتل أخي وَأخذ سَلبِي، قَالَ: فَمَا
جَاوَزت إلاَّ يَسِيرا حَتَّى نزلت سُورَة الْأَنْفَال،
فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذهب
فَخذ سَيْفك، قلت: الكثيفة، بِضَم الْكَاف وَفتح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء،
وَالْقَبْض، بِفتْحَتَيْنِ: بِمَعْنى الْمَقْبُوض وَهُوَ
مَا جمع من الْغَنِيمَة قبل أَن يقسم، وَقيل: إِنَّهَا
نزلت هَذِه الْآيَة لِأَن بعض الصَّحَابَة سَأَلَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمغنم شَيْئا قبل قسمته فَلم
يُعْطه إِيَّاه إِذْ كَانَ شركا بَين الْجَيْش، وَقَالَ
مقَاتل: نزلت فِي أبي الْيُسْر إِذْ قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أعطنا مَا وعدتنا من الْغَنِيمَة،
وَكَانَ قتل رجلَيْنِ وَأسر رجلَيْنِ: الْعَبَّاس بن عبد
الْمطلب وَآخر يُقَال لَهُ سعد بن معَاذ، وَقَالَ ابْن أبي
نجيح عَن مُجَاهِد: إِنَّهُم سَأَلُوا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْخمس بعد الْأَرْبَعَة
أَخْمَاس، فَنزلت {يَسْأَلُونَك} (الْأَنْفَال: 1) .
الشَّوْكَةُ الحَدُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ يَعدكُم الله
إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم وتودون أَن غير
ذَات الشَّوْكَة تكون لكم} (الْأَنْفَال: 7) وَفسّر
الشَّوْكَة بقوله: (الْحَد) وَفِي التَّفْسِير: أَي تحبون
أَن الطَّائِفَة الَّتِي لَا حد لَهَا وَلَا مَنْعَة وَلَا
قتال تكون لكم وَهِي العير، وَهَذِه اللَّفْظَة أَعنِي
قَوْله: (الشَّوْكَة الْحَد) لم تثبت لأبي ذَر.
مُرْدَفِينَ فوْجاً بعْدَ فوْجٍ رَدِفَنِي وأرْدَفَني جاءَ
بَعْدِي
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي مُمِدكُمْ
بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} (الْأَنْفَال: 9)
وَفسّر مُردفِينَ بقوله: فوجاً بعد فَوْج، وَعَن ابْن
عَبَّاس: مُردفِينَ مُتَتَابعين، وَعنهُ: المردفون المدد،
وَعنهُ: وَرَاء كل ملك ملك، وَعنهُ: بَعضهم على إِثْر بعض،
وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة، وَقَالَ ابْن جرير:
حَدثنِي الْمثنى حَدثنَا إِسْحَاق حَدثنَا يَعْقُوب بن
مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن
الزمعِي عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد ابْن جُبَير
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام، وَفِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميمنة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفيهَا أَبُو بكر رَضِي الله
عَنهُ، وَنزل مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فِي ألف من
الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأَنا فِي الميسرة، وَقَالَ ابْن كثير: وَهَذَا
يَقْتَضِي، لَو صَحَّ إِسْنَاده، أَن الْألف مردوفه
بِمِثْلِهَا، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعضهم مُردفِينَ، بِفَتْح
الدَّال. قَوْله: (ردفني وأردفني) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى
أَن ردف بِكَسْر الدَّال وَأَرْدَفَ بِمَعْنى وَاحِد،
قَالَ الطَّبَرِيّ: الْعَرَب تَقول: أردفته وردفته
بِمَعْنى، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ردفه بِالْكَسْرِ أَي
تبعه، والردف المرتدف وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب،
وأردفته أَنا إِذا أركبته مَعَك، وَذَلِكَ الْموضع الَّذِي
يركبه رداف، فَكل شَيْء تبع شَيْئا فَهُوَ ردفه، والترادف
التَّتَابُع.
ذُوقُوا باشِرُوا وجَرِّبُوا ولَيْسَ هَذا مِنْ ذَوْقِ
الفَمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُم فذوقوه
وَإِن للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار} (الْأَنْفَال: 14)
وَفسّر: ذوقوا، بقوله: باشروا وجربوا وَهَذَا من الْمجَاز
أَن يسْتَعْمل الذَّوْق وَهُوَ مِمَّا يتَعَلَّق بالأجسام
فِي الْمعَانِي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فذاقوا وبال
أَمرهم} (الْحَشْر: 15 والتغابن: 5) وَلِهَذَا قيد بقوله:
وَلَيْسَ هَذَا من ذوق الْفَم، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب
فِي: فذوقوه، يرجع إِلَى الْعقَاب الْمَذْكُور قبله،
وَهُوَ قَوْله: {فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب} (الْبَقَرَة:
211 والأنفال: 13) .
فيَرْكُمُهُ يَجْمَعُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {ليميز الله الْخَبيث من
الطّيب وَيجْعَل الْخَبيث بعضه على بعض فيركمه}
(الْأَنْفَال: 37) وَفسّر: يركمه، بقوله: يجمعه، وَكَذَا
فسره أَبُو عُبَيْدَة، فَقَالَ: يجمعه بعضه فَوق بعض،
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد القراطيسي عَن
إصبغ عَن ابْن زيد، والركم جمع الشَّيْء بعضه على بعض،
كَمَا قَالَ فِي السَّحَاب: ثمَّ يَجعله ركاماً أَي:
متراكباً، وَالْمعْنَى: ليميز الله الْفَرِيق الْخَبيث من
الْكفَّار من الْفَرِيق
(18/245)
الطّيب من الْمُؤمنِينَ فَيجْعَل الْفَرِيق
الْخَبيث بعضه على بعض فيركمه جَمِيعًا حَتَّى يتراكبوا
فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي:
فيركمه، يرجع إِلَى الْفَرِيق الْخَبيث.
شَرِّدْ فَرِّقْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فإمَّا تثقفنهم فِي
الْحَرْب فشرد بهم من خَلفهم لَعَلَّهُم يذكرُونَ}
(الْأَنْفَال: 57) وَفسّر لفظ: شرد بقوله: فرق، وَكَذَا
فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ الزّجاج: تفعل بهم فعلا من
الْقَتْل والتفريق، قَالَ: وَهُوَ بذال مُعْجمَة ومهملة
لُغَتَانِ، وَفِي التَّفْسِير: أَي نكل بهم، كَذَا فسره
ابْن عُيَيْنَة، وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن
وَالضَّحَّاك وَالسُّديّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي:
مَعْنَاهُ غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهُم من
الْأَعْدَاء من الْعَرَب وَغَيرهم.
وإِنْ جَنَحُوا طَلَبُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن جنحوا للسلم
فاجنح لهاوتوكل على الله} (الْأَنْفَال: 61) وَفسّر:
جنحوا، بقوله: طلبُوا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَي إِن
رجعُوا إِلَى المسالمة وطلبوا الصُّلْح، وَفِي
التَّفْسِير: أَي وَإِن مالوا إِلَى المسالمة والمهادنة
فاجنح لَهَا أَي، مل إِلَيْهَا وَاقْبَلْ مِنْهُم ذَلِك.
يُثْخِنَ يَغْلِبَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لنَبِيّ
أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض}
(الْأَنْفَال: 67) وَفسّر قَوْله: يثخن، بقوله: يغلب،
وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن
منْجَاب بن الْحَارِث عَن بشر بن عمَارَة عَن أبي روق عَن
الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: يظْهر على الأَرْض.
وَقَالَ مجاهِدٌ مُكاءً إدْخالُ أصابِعِهِمْ فِي
أفْوَاهِهِمْ: وتَصْدِيَةَ الصَّفِيرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ صلَاتهم
عِنْد الْبَيْت إلاَّ مكاء وتصدية فَذُوقُوا الْعَذَاب
بِمَا كُنْتُم تكفرون} (الْأَنْفَال: 35) وَفسّر: المكاء،
بقوله: إِدْخَال أَصَابَهُم فِي أَفْوَاههم، قَالَه عبد
الله بن عَمْرو ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة
وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو رَجَاء العطاردي وَمُحَمّد بن
كَعْب الْقرظِيّ وَحجر بن عَنْبَس ونبيط بن شريط
وَقَتَادَة بن زيد بن أسلم: المكاء، الصفير وَزَاد
مُجَاهِد: وَكَانُوا يدْخلُونَ أَصَابِعهم فِي أَفْوَاههم،
والتصدية فَسرهَا البُخَارِيّ بقوله: الصفير، وَكَذَا
فَسرهَا مُجَاهِد رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي
نجيح عَنهُ، وَفَسرهُ أَبُو عُبَيْدَة بالتصفيق حَيْثُ
قَالَ: التصدية صفق الأكف، وَقَالَ ابْن جرير
بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر: المكاء الصفير والتصدية
التصفيق، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى
ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: كَانَت قُرَيْش تَطوف
بِالْبَيْتِ عُرَاة تصفر وتصفق.
لِيُثْبِتُوكَ ليَحْبِسوكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {وَإِذا يمكر بك
الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك}
(الْأَنْفَال: 30) الْآيَة وَفسّر قَوْله: (ليثبتوك)
بقوله: ليحبسوك، وَبِه فسر عَطاء وَابْن زيد، وَقَالَ
السّديّ: الْإِثْبَات هُوَ الْحَبْس والوثاق، وَقَالَ ابْن
عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة: ليثبتوك ليقيدوك، وَقَالَهُ
سنيد عَن حجاج عَن ابْن جريج، قَالَ عَطاء: سَمِعت عبيد بن
عُمَيْر يَقُول: لما ائْتَمرُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ليثبتوه أَو يقتلوه أَو يخرجوه قَالَ لَهُ
عَمه أَبُو طَالب: هَل تَدْرِي مَا ائتمر بك؟ قَالَ:
يُرِيدُونَ أَن يسجروني أَو يقتلوني أَو يُخْرِجُونِي،
قَالَ: من خبرك بِهَذَا؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: نعم الرب
رَبك اسْتَوْصِ بِهِ خيرا، قَالَ: أَنا أستوصي بِهِ؟ بل
هُوَ يستوصي بِي. وَرَوَاهُ ابْن جرير أَيْضا
بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبيد بن عُمَيْر عَن الْمطلب بن أبي
ودَاعَة نَحوه، وَقَالَ ابْن كثير: ذكر أبي طَالب هُنَا
غَرِيب جدا بل مُنكر لِأَن هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة ثمَّ
إِن هَذِه الْقِصَّة واجتماع قُرَيْش على هَذَا الائتمار
والمشاورة على الْإِثْبَات أَو النَّفْي أَو الْقَتْل
إِنَّمَا كَانَ لَيْلَة الْهِجْرَة سَوَاء، وَكَانَ ذَلِك
بعد موت أبي طَالب بِنَحْوِ من ثَلَاث سِنِين لما تمكنوا
مِنْهُ واجترؤوا عَلَيْهِ بِسَبَب موت عَمه أبي طَالب
الَّذِي كَانَ يحوطه وينصره وَيقوم بأعبائه، وَاعْلَم أَن
هَذِه الْأَلْفَاظ وَقعت فِي كثير من النّسخ مُخْتَلفَة
بِحَسب تَقْدِيم بَعْضهَا على بعض وَتَأْخِير بَعْضهَا عَن
بعض.
(18/246)
إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله
الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
هَذَا يعم جَمِيع من أشرك بِاللَّه عز وَجل من حَيْثُ
الظَّاهِر وَإِن كَانَ سَبَب نُزُوله خَاصّا على مَا
رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَن المُرَاد بهؤلاء نفر من بني عبد
الدَّار من قُرَيْش، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هم
المُنَافِقُونَ، وَأخْبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَن هَذَا
الضَّرْب من بني آدم سيء الْخلق والخليفة، فَقَالَ: إِن
شَرّ الدَّوَابّ الصم أَي عَن سَماع الْحق إِلَيْكُم عَن
فهمه وَلِهَذَا قَالَ: لَا يعْقلُونَ، فَهَؤُلَاءِ شَرّ
الْبَريَّة لِأَن كل دَابَّة مِمَّا سواهُم مطيعة لله
تَعَالَى فِيمَا خلقهَا لَهُ، وَهَؤُلَاء خلقُوا
لِلْعِبَادَةِ فَكَفرُوا وَلِهَذَا شبههم بالأنعام فِي
قَوْله: {أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا}
(الْأَعْرَاف: 179) .
4646 - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يوسُفَ حَدثنَا ورْقاءُ عنِ
ابنِ نَجِيحٍ عنْ مُجاهِدٍ عنِ ابنِ عبّاسٍ إنَّ شَرَّ
الدَّوابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ
يَعْقِلُونَ قَالَ هُمْ نَفَرٌ منْ بَني عَبْدِ الدَّار.
2 - (بَاب: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا اسْتَجِيبُوا لله
ولِلرَّسولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا
أنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأنّهُ
إلَيْه تُحْشَرُونَ} (الْأَنْفَال: 24)
(اسْتجِيبُوا) بِمَعْنى: اجيبوا لله تَعَالَى، يُقَال:
استجبت لَهُ وأجبته، والاستجابة هُنَا بِمَعْنى
الْإِجَابَة. قَوْله: (إِذا دعَاكُمْ) أَي: إِذا
طَلَبكُمْ. قَوْله: الْآيَة أَي: الْآيَة بِتَمَامِهَا،
وَهِي قَوْله: (وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء
وَقَلبه وأنكم إِلَيْهِ تحشرون) ، وَفِي بعض النّسخ ذكر من
قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى قَوْله:
{تحشرون} قَوْله: (يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه) قَالَ ابْن
عَبَّاس: يحول بَين الْمُؤمن وَبَين الْكفْر وَبَين
الْكَافِر وَبَين الْإِيمَان، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي:
(مُسْتَدْركه) مَوْقُوفا، وَقَالَ: صَحِيح وَلم يخرجَاهُ،
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر مَرْفُوعا وَلَا
يَصح لضعف إِسْنَاده، وَالْمَوْقُوف أصح، وَعَن مُجَاهِد:
يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه حَتَّى يتْركهُ لَا يعقل،
وَقَالَ السّديّ: يحول بَين الْإِنْسَان وَقَلبه فَلَا
يَسْتَطِيع أَن يُؤمن وَلَا يكفر إلاَّ بِإِذْنِهِ.
اسْتَجِيبُوا أجِيبُوا لِمَا يُحْيِيكُمْ يُصْلِحُكُمْ
قد مر الْآن أَن: استجيبو، بِمَعْنى أجِيبُوا، وَكَذَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (لما يُحْيِيكُمْ) فسره
بقوله: يصلحكم، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ
مُجَاهِد: لما يُحْيِيكُمْ للحق، وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ
هَذَا الْقُرْآن فِيهِ النجَاة والبقاء والحياة، وَقَالَ
السّديّ: لما يُحْيِيكُمْ فِي الْإِسْلَام بعد مَوْتهمْ
بالْكفْر، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن
جَعْفَر ابْن الزبير عَن عُرْوَة بن الزبير: إِذا دعَاكُمْ
لما يُحْيِيكُمْ، أَي: للحرب الَّتِي أعزكم بهَا بعد الذل،
وقواكم بهَا بعد الضعْف، ومنعكم من عَدوكُمْ بعد الْقَهْر
مِنْهُم لكم.
4647 - ح دَّثني إسْحاقُ أخبرَنا رَوْحٌ حدّثنا شُعْبَةُ
عنْ خُبَيْبِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ سَمِعتُ حَفْصَ بنَ
عاصِمٍ يُحَدِّثُ عنْ أبي سَعِيدِ بنِ المُعَلَّى رَضِي
الله عنهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعاني فَلَمْ آتهِ حَتَّى
صَلَّيْتُ ثُمَّ أتَيْتُهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أنْ تأتَى
ألَمْ يَقُلِ الله {يَا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا
اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ، ثُمَّ قَالَ
لأُعَلِّمَنَّكَ أعْظَمَ سورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أنْ
أخْرُجَ فَذَهَبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ليَخْرُج فذَكَرتُ لهُ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق كَذَا وَقع فِي
غَالب النّسخ غير مَنْسُوب، وَفِي نُسْخَة مروية عَن
طَرِيق أبي ذَر: إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه، وَذكر أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَخلف
الوَاسِطِيّ أَنه إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَكَذَا نَص
عَلَيْهِ الْحَافِظ
(18/247)
الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) ، وروح، بِفَتْح الرَّاء ابْن
عبَادَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف الخزرجي، وَأَبُو سعيد اسْمه حَارِث أَو رَافع
أَو أَوْس بن الْمُعَلَّى بِلَفْظ إسم الْمَفْعُول من
التعلية بِالْمُهْمَلَةِ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة إِلَى
آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أعظم سُورَة) أَي فِي الثَّوَاب على قرَاءَتهَا
وَذَلِكَ لما يجمع هَذِه السُّورَة من الثَّنَاء
وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال. قَوْله: (قبل أَن أخرج) ، أَي:
من الْمَسْجِد، وَبِه صرح فِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي
تَفْسِير الْفَاتِحَة. قَوْله: (فَذكرت لَهُ) ، أَي:
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَوْله:
لأعلمنك أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن، وَفِي الَّذِي مضى فِي
تَفْسِير الْفَاتِحَة قلت لَهُ: ألم تقل لأعلمنك سُورَة
هِيَ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن؟ قَالَ: (الْحَمد لله رب
الْعَالمين هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم
الَّذِي أُوتِيتهُ) .
وَقَالَ مُعاذٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ خُبَيْبٍ سَمِعَ
حفْصاً سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلاً منْ أصْحابِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهاذَا وَقَالَ هِيَ الحَمْدُ
لله رَبِّ العَالَمِينَ السَّبْعُ المَثانِي.
هَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ معَاذ بن معَاذ الْعَنْبَري
بِسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة عَن شُعْبَة
بن الْحجَّاج عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي
الحَدِيث الْمَاضِي عَن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب
أبي سعيد بن الْمُعَلَّى، وَوَصله الْحسن بن سُفْيَان فِي
مُسْنده عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة
إِلَى آخِره، وَفَائِدَة إِيرَاد هَذَا التَّعْلِيق مَا
وَقع فِيهِ من تَصْرِيح سَماع حَفْص بن عَاصِم عَن أبي
سعيد بن الْمُعَلَّى. قَوْله: (رجلا) ، بدل من أبي سعيد.
قَوْله: (بِهَذَا) ، أَي: بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هِيَ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن الْحَمد لله رب الْعَالمين
السَّبع المثاني بدل قَوْله: (رب الْعَالمين) ، أَو عطف
بَيَان وَهِي سبع آيَات وَسميت بالمثاني لِأَنَّهَا تئني
فِي الصَّلَاة، والمثاني من التَّثْنِيَة وَهِي التكرير
لِأَن الْفَاتِحَة تَتَكَرَّر فِي الصَّلَاة، أَو من
الثَّنَاء لاشتمالها على الثَّنَاء على الله تَعَالَى. |