عمدة القاري شرح صحيح البخاري

93 - (كتابُ الأحْكامِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْأَحْكَام، وَهُوَ جمع حكم، وَهُوَ إِسْنَاد أَمر إِلَى آخر إِثْبَاتًا أَو نفيا، وَفِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير. وَأما خطاب السُّلْطَان للرعية وخطاب السَّيِّد لعَبْدِهِ فوجوب طَاعَته هُوَ بِحكم الله تَعَالَى.

1 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {يَ اأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} )

لم يثبت لفظ: بَاب، إلاَّ لأبي ذَر، وَلَا يُوجد فِي كثير من النّسخ، والطعة هِيَ الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ والانتهاء عَن الْمنْهِي عَنهُ،

(24/220)


وَالْمَعْصِيَة خِلَافه، وَالْمرَاد من قَوْله: {يَ اأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} الْأُمَرَاء. قَالَه أَبُو هُرَيْرَة. وَقَالَ الْحسن: الْعلمَاء، وَقَالَ مُجَاهِد: الصَّحَابَة، وَقَالَ زيد بن أسلم: هم الْوُلَاة، وَقَرَأَ مَا قبلهَا {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الاحَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} وَقَالَ بَعضهم: فِي هَذَا إِشَارَة من المُصَنّف إِلَى تَرْجِيح القَوْل الصائر إِلَى أَن الْآيَة نزلت فِي طَاعَة الْأُمَرَاء، خلافًا لمن قَالَ: نزلت فِي الْعلمَاء. قلت: لَيْت شعري مَا دَلِيله على مَا قَالَه، لِأَن فِي هَذَا أقوالاً كَمَا ترى، فترجيح قَول مِنْهَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل.

7137 - حدّثنا عَبْدَانُ، أخْبرنا عَبْدُ الله، عنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أخبرنَا أبُو سَلَمَةَ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ أطاعَنِي فَقَدْ أطاعَ الله، ومَنْ عَصاني فَقَدْ عَصَى الله، ومنْ أطاعَ أمِيرِي، فَقَدْ أطاعَنِي، ومَنْ عَصى أمِيرِي فَقَدْ عَصاني
انْظُر الحَدِيث 2957
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي الطَّاهِر وحرملة.
قَوْله: من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} لِأَن الله أَمر بِطَاعَتِهِ، فَإِذا أطاعه فقد أطَاع الله. قَوْله: وَمن أطَاع أَمِيري إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة همام والأعرج وَغَيرهمَا: وَمن أطَاع الْأَمِير، وَقَالَ ابْن التِّين، قيل: كَانَت قُرَيْش وَمن يَليهَا من الْعَرَب لَا يعْرفُونَ الْإِمَارَة، فَكَانُوا يمتنعون على الْأُمَرَاء فَقَالَ هَذَا القَوْل يحثهم على طَاعَة من يُؤمر عَلَيْهِ والانقياد لَهُم إِذا بَعثهمْ فِي السَّرَايَا، وَإِذا ولاهم الْبِلَاد فَلَا يخرجُوا عَلَيْهِم لِئَلَّا تفترق الْكَلِمَة.

7138 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عنْ رِعِيَّتِهِ، فالإمامُ الذِي عَلى النَّاسِ راعٍ وهْوَ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ عَلى أهْلِ بَيْتِهِ وهْوَ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأةُ راعِيَةٌ عَلى أهْلِ بَيْتِ زَوْجِها وَوَلَدَهِ وهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وعَبْدُ الرَّجُلِ راعٍ عَلى مالِ سَيِّدِهِ وهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة تدل على وجوب طَاعَة الْأَئِمَّة وَإِقَامَة حُقُوقهم، فَكَذَلِك هُنَا على وجوب أَمر الرّعية على الْأَئِمَّة فَفِي هَذَا الْمِقْدَار كِفَايَة لوجه الْمُطَابقَة.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجُمُعَة فِي بَاب الْجُمُعَة فِي الْقرى والمدن، مطولا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إلاَّ بِفتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيف اللَّام كلمة تَنْبِيه وافتتاح. قَوْله: عَن رَعيته الرّعية كل من شَمله حفظ الرَّاعِي وَنَظره، وأصل الرِّعَايَة حفظ الشَّيْء وَحسن التعهد فِيهِ لَكِن تخْتَلف، فرعاية الإِمَام هِيَ ولَايَة أُمُور الرّعية وَإِقَامَة حُقُوقهم، ورعاية الْمَرْأَة حسن التعهد فِي أَمر بَيت زَوجهَا، ورعاية الْخَادِم هُوَ حفظ مَا فِي يَده وَالْقِيَام بِالْخدمَةِ وَنَحْوهَا، وَمن لم يكن إِمَامًا وَلَا لَهُ أهل وَلَا سيد وَلَا أَب وأمثال ذَلِك، فرعايته على أصدقائه وَأَصْحَاب معاشرته. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شَيْخي فِي هَذَا الحَدِيث: إِن الرَّاعِي لَيْسَ مَطْلُوبا لذاته، وَإِنَّمَا أقيم لحفظ مَا استرعاه فَيَنْبَغِي أَن لَا يتَصَرَّف إلاَّ بِمَا أذن الشَّارِع فِيهِ، وَهُوَ تَمْثِيل لَيْسَ فِي الْبَاب ألطف وَلَا أجمع وَلَا أبلغ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أجمل أَولا ثمَّ فصل، وأتى بِحرف التَّنْبِيه مكرراً، قَالَ: وَالْفَاء فِي قَوْله: أَلا فكلكم جَوَاب شَرط مَحْذُوف، وَختم بِمَا يشبه الفذلكة إِشَارَة إِلَى اسْتِيفَاء التَّفْصِيل.

2 - (بابٌ الأُمَراءُ مِنْ قُرَيْشٍ)

أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله: الْأُمَرَاء من قُرَيْش الْأُمَرَاء مُبْتَدأ، أَو من قُرَيْش خَبره، أَي: الْأُمَرَاء كائنون من قُرَيْش، وَقَالَ عِيَاض، نقل عَن ابْن أبي صفرَة: الْأَمر أَمر قُرَيْش، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيف. قلت: وَقع فِي نُسْخَة لأبي ذَر عَن الْكشميهني مثل ذَلِك، لَكِن الأول هُوَ الْمَعْرُوف، قيل: لفظ التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه يَعْقُوب بن سُفْيَان، وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مِسْكين

(24/221)


ابْن عبد الْعَزِيز حَدثنَا سيار بن سَلامَة أَبُو الْمنْهَال قَالَ: دخلت مَعَ أبي عَليّ أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: الْأُمَرَاء من قُرَيْش، وَرُوِيَ عَن أنس بِلَفْظ: الْأَئِمَّة من قُرَيْش مَا إِذا حكمُوا فعدلوا، رَوَاهُ الْبَزَّار، وَرُوِيَ عَن أنس بطرق مُتعَدِّدَة مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة قَتَادَة عَنهُ بِلَفْظ: إِن الْملك فِي قُرَيْش، وَأخرجه أَحْمد بِهَذَا اللَّفْظ عَن أبي هُرَيْرَة.

7139 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ يحَدِّثُ أنَّهُ بَلَغَ مُعاوِيَةَ وهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ ويُحَدِّثُ أنَّهُ سَيَكُونُ ملِكٌ مِنْ قَحْطانَ، فَغَضِبَ فقامَ فأثْنَى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ رِجالاً مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أحادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتابِ الله، وَلَا تُوْثَرُ عنْ رسولِ الله وأُولائِكَ جُهَّالُكُمْ فإيَّاكُمْ والأمانِيَّ الّتِي تُضِلُّ أهْلَها، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ إنَّ هاذا الأمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعادِيهِمْ أحَدٌ إلاّ كَبَّهُ الله فِي النَّارِ عَلى وَجْهِهِ مَا أقامُوا الدِّين.
انْظُر الحَدِيث 3500
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَشَيخ البُخَارِيّ وَاثْنَانِ بعده قد ذكرُوا عَن قريب. وَمُحَمّد بن جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل بن عدي بن عبد منَاف الْقرشِي الْمدنِي مَاتَ بِالْمَدِينَةِ زمن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَه الْوَاقِدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي مَنَاقِب قُرَيْش عَن أبي الْيَمَان أَيْضا.
قَوْله: وَهُوَ عِنْده أَي: وَالْحَال أَن مُحَمَّد بن جُبَير عِنْد مُعَاوِيَة، ويروى: وهم عِنْده، أَي: مُحَمَّد بن جُبَير وَمن كَانَ مَعَه من الْوَفْد الَّذين كَانُوا مَعَه، أرسلهم أهل الْمَدِينَة إِلَى مُعَاوِيَة ليبايعوه، وَذَلِكَ حِين بُويِعَ لَهُ بالخلافة لما سلم لَهُ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: إِن عبد الله بن عَمْرو فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل، بلغ، وَمُعَاوِيَة بِالنّصب مَفْعُوله، وَعَمْرو بِالْوَاو وَهُوَ ابْن الْعَاصِ. قَوْله: يحدث جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: إِن. قَوْله: أَنه أَي: أَن الشان سَيكون ملك من قحطان قد مر أَن قحطان أَبُو الْيمن. قَوْله: فَغَضب أَي: مُعَاوِيَة، قَالَ ابْن بطال: سَبَب إِنْكَار مُعَاوِيَة أَنه حمل حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على ظَاهره، وَقد يكون مَعْنَاهُ أَن قحطانياً يخرج فِي نَاحيَة من النواحي فَلَا يُعَارض حَدِيث مُعَاوِيَة. قَوْله: أَحَادِيث جمع حَدِيث على غير قِيَاس، قَالَ العزيزي: إِن وَاحِد الْأَحَادِيث أحدوثة ثمَّ جَعَلُوهُ جمعا للْحَدِيث، والْحَدِيث الْخَبَر الَّذِي يَأْتِي على قَلِيل وَكثير. قَوْله: وَلَا تُؤثر على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا تنقل عَن رَسُول الله، وَلَا تروي. قَوْله: وَأُولَئِكَ جهالكم بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْهَاء جمع جَاهِل. قَوْله: فإياكم والأماني أَي: احْذَرُوا الْأَمَانِي بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها، وَهِي جمع أُمْنِية، وَأَصله من منى يمنى إِذا قدر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فلَان يتَمَنَّى الْأَحَادِيث أَي: يفتعلها مقلوب من المين وَهُوَ الْكَذِب قَوْله: الَّتِي تضل أَهلهَا صفة للأماني، وتُضل بضمّ التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة من الإضلال، وَرُوِيَ بِفَتْح أَوله، وَرفع أَهلهَا. قَوْله: إِن هَذَا الْأَمر أَي: الْخلَافَة. قَوْله: لَا يعاديهم أحد أَي: لَا ينازعهم أحد فِي الْأَمر إلاَّ كَبه الله فِي النَّار على وَجهه يَعْنِي: إلاَّ كَانَ مقهوراً فِي الدُّنْيَا معذباً فِي الْآخِرَة. قَوْله: كَبه الله من الغرائب، إِذْ: أكب، لَازم: و: كب، مُتَعَدٍّ عكس الْمَشْهُور. قَوْله: مَا أَقَامُوا الدّين أَي: مُدَّة إقامتهم أُمُور الدّين.
قيل: يحْتَمل أَن يكون مَفْهُومه: فَإِذا لم يقيموه فَلَا يسمع لَهُم، وَقيل: يحْتَمل أَن لَا يُقَام عَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يجوز إبقاؤهم على ذَلِك، ذكرهمَا ابْن التِّين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا يَعْنِي مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَة لَا يُنَافِي كَلَام عبد الله، يَعْنِي ابْن عَمْرو لَا مَكَان ظُهُوره عِنْد عدم إقامتهم الدّين. قلت: غَرَضه أَن لَا اعْتِبَار لَهُ إِذْ لَيْسَ فِي كتاب وَلَا فِي سنة. فَإِن قلت: مر فِي تَغْيِير الزَّمَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله، قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج رجل من قحطان يَسُوق النَّاس بعصاه؟ قلت: هَذَا رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَرُبمَا لم يبلغ مُعَاوِيَة، وَأما عبد الله فَلم يرفعهُ. انْتهى. قلت: قد ذكرنَا فِيهِ مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي: بَاب تَغْيِير الزَّمَان، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: خلا زَمَاننَا عَن خلافتهم. قلت: لم يخل إِذْ فِي الغرب خَليفَة مِنْهُم على مَا قيل، وَكَذَا فِي مصر. انْتهى. قلت: لم يشْتَهر أصلا أَن فِي الغرب خَليفَة من بني الْعَبَّاس، وَلَكِن كَانَ فِيهِ من الحفصيين من ذُرِّيَّة أبي حَفْص صَاحب ابْن

(24/222)


تومرت، وَقد انتسبوا إِلَى عمر بن الْخطاب وَهُوَ قرشي، وَفِي مصر مَوْجُود من بني الْعَبَّاس وَلَكِن لَيْسَ بحاكم بل تَحت حكم.
تابَعَهُ نُعَيْمٌ عنِ ابنِ المُبارَكِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ الزُّهْرِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْر.
أَي: تَابع شعيباً فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير نعيم بن حَمَّاد عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير، إِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا تَقْوِيَة لصِحَّة رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير، وَقَالَ صَالح الْحَافِظ الملقب بجزرة: لم يقل أحد فِي رِوَايَته: عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير، إلاَّ مَا وَقع فِي رِوَايَة نعيم بن حَمَّاد الَّذِي ذكره البُخَارِيّ، قَالَ: وَلَا أصل لَهُ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك، وَكَانَت عَادَة الزُّهْرِيّ إِذا لم يسمع الحَدِيث يَقُول: كَانَ فلَان يحدث، ورد عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ بِمَا أخرجه من طَرِيق يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن حجاج بن أبي منيع الرصافي عَن جده عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، وَأخرجه الْحسن بن رَشِيق فِي فَوَائده من طَرِيق عبد الله بن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير.

3 - (بابُ أجْرِ مَنْ قَضَى بالحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أجر من قضى بالحكمة، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: بَاب من قضى بالحكمة، بِدُونِ لفظ أجر، أَي من قضى بِحكم الله تَعَالَى، وَلِهَذَا لَو قضى بِغَيْر حكم الله فسق لقَوْله تَعَالَى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وَاقْتصر البُخَارِيّ من الْآيَة على مَا ذكره وَلم يذكر {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاَْنْفَ بِالاَْنْفِ وَالاُْذُنَ بِالاُْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وَلَا {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالاَْنْفَ بِالاَْنْفِ وَالاُْذُنَ بِالاُْذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لِأَنَّهُ قيل: إِنَّمَا أنزل ذَلِك فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَقَالَ النّحاس: وَأحسن مَا قيل فِيهِ أَنَّهَا كلهَا فِي الْكفَّار، وَلَا شكّ أَن من رد حكما من أَحْكَام الله تَعَالَى فقد كفر، وَقيل: الْآيَة عَامَّة فِي الْمُسلمين وَالْكفَّار.

7141 - حدّثنا شِهابُ بنُ عَبَّادٍ، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حُمَيْدٍ، عنْ إسْماعِيلَ، عنْ قَيْسٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وآخَرُ آتَاهُ الله حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بهَا ويُعَلِّمُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أَتَاهُ الله حِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا
وشهاب ابْن عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْعَبْدي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَإِبْرَاهِيم بن حميد الرواسِي بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْهمزَة وبالسين الْمُهْملَة، وَإِسْمَاعِيل

(24/223)


بن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام أَيْضا عَن شهَاب الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ أَي: خَصْلَتَيْنِ. قَوْله: رجل قَالَ بَعضهم: رجل، بِالْجَرِّ وَسكت عَلَيْهِ وَلم يبين وَجهه، وَبينا وَجهه فِي كتاب الْعلم وَوجه الرّفْع وَالنّصب أَيْضا. قَوْله: آتَاهُ الله أَي: أعطَاهُ الله. قَوْله: على هَلَكته بالمفتوحات أَي: على هَلَاكه. قَوْله: وَآخر أَي: وَرجل آخر. قَوْله: حِكْمَة أَي: علما وافياً، وَالْمرَاد بِهِ علم الدّين، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقيل: الْقُرْآن، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي الْعلم.

4 - (بابُ السَّمْعِ والطّاعَةِ للإمامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب السّمع وَالطَّاعَة للْإِمَام، وَإِنَّمَا قَيده بِالْإِمَامِ، وَإِن كَانَ فِي أَحَادِيث الْبَاب الْأَمر بِالطَّاعَةِ لكل أَمِير، وَلَو لم يكن إِمَامًا، لِأَن طَاعَة الْأُمَرَاء الَّذين تأمروا من جِهَة الإِمَام طَاعَة للْإِمَام، وَالطَّاعَة للْإِمَام بِالْأَصَالَةِ، وَلمن أمره الإِمَام بالتبعية. قَوْله: مَا لم تكن أَي: السّمع وَالطَّاعَة مَعْصِيّة لِأَنَّهُ لَا طَاعَة للمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق، وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة للأئمة مَا لم يكن خلافًا لأمر الله تَعَالَى وَرَسُوله، فَإِذا كَانَ خلاف ذَلِك فَغير جَائِز لأحد أَن يُطِيع أحدا فِي مَعْصِيّة الله ومعصية رَسُوله، وَبِنَحْوِ ذَلِك قَالَت عَامَّة السّلف.

7142 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ شُعْبَةَ، عنْ أبي التَّيَّاحِ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمَعُوا وأطِيعوا وَإِن اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عبْدٌ حَبَشِيٌّ كأنَّ رأسَهُ زِبَيبَةٌ
انْظُر الحَدِيث 693 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه يزِيد من الزِّيَادَة ابْن حميد الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة عَن بنْدَار وَعَن مُحَمَّد بن أبان.
قَوْله: وَإِن اسْتعْمل على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: جعل عَاملا بِأَن أَمر إِمَارَة عَامَّة على بلد مثلا أَو ولي فِيهَا ولَايَة خَاصَّة كالإمامة فِي الصَّلَاة أَو جباية الْخراج أَو مُبَاشرَة الْحَرْب، فقد كَانَ فِي أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من تجمع لَهُ الْأُمُور الثَّلَاثَة وَمن يخْتَص بِبَعْضِهَا. قَوْله: حبشِي مَرْفُوع بقوله: وَإِن اسْتعْمل الْمَجْهُول، ويروى: حَبَشِيًّا، بِالنّصب على أَن يكون: اسْتعْمل على بِنَاء الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الإِمَام بِدلَالَة الْقَرِينَة، والحبشي بياء النِّسْبَة مَنْسُوب إِلَى الْحَبَشَة، وهم جيل مَشْهُور من السودَان. قَوْله: زبيبة هِيَ وَاحِدَة الزَّبِيب الْمَشْهُور، وَجه التَّشْبِيه فِي تجمع رَأسه وَسَوَاد شعره وَهُوَ تَمْثِيل فِي الحقارة وبشاعة الصُّورَة على سَبِيل الْمُبَالغَة، وَهَذَا فِي الْأُمَرَاء والعمال دون الْخُلَفَاء، لِأَن الحبشي لَا يتَوَلَّى الْخلَافَة، لِأَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش. وَقَالَ الْخطابِيّ: قد يضْرب الْمثل بِمَا لَا يَقع فِي الْوُجُود وَهَذَا من ذَاك أطلق العَبْد الحبشي مُبَالغَة فِي الْأَمر بِالطَّاعَةِ، وَإِن كَانَ لَا يتَصَوَّر شرعا أَن يَلِي ذَلِك، وَقَالَ الْخطابِيّ أَيْضا: الْعَرَب لَا يعْرفُونَ الْإِمَارَة فحضهم رَسُول الله، على طاعتهم والانقياد لَهُم فِي الْمَعْرُوف إِذا بَعثهمْ فِي السَّرَايَا وَإِذا ولاهم الْبلدَانِ لِئَلَّا تتفرق الْكَلِمَة.

7142 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ شُعْبَةَ، عنْ أبي التَّيَّاحِ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمَعُوا وأطِيعوا وَإِن اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عبْدٌ حَبَشِيٌّ كأنَّ رأسَهُ زِبَيبَةٌ
انْظُر الحَدِيث 693 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه يزِيد من الزِّيَادَة ابْن حميد الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة عَن بنْدَار وَعَن مُحَمَّد بن أبان.
قَوْله: وَإِن اسْتعْمل على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: جعل عَاملا بِأَن أَمر إِمَارَة عَامَّة على بلد مثلا أَو ولي فِيهَا ولَايَة خَاصَّة كالإمامة فِي الصَّلَاة أَو جباية الْخراج أَو مُبَاشرَة الْحَرْب، فقد كَانَ فِي أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من تجمع لَهُ الْأُمُور الثَّلَاثَة وَمن يخْتَص بِبَعْضِهَا. قَوْله: حبشِي مَرْفُوع بقوله: وَإِن اسْتعْمل الْمَجْهُول، ويروى: حَبَشِيًّا، بِالنّصب على أَن يكون: اسْتعْمل على بِنَاء الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الإِمَام بِدلَالَة الْقَرِينَة، والحبشي بياء النِّسْبَة مَنْسُوب إِلَى الْحَبَشَة، وهم جيل مَشْهُور من السودَان. قَوْله: زبيبة هِيَ وَاحِدَة الزَّبِيب الْمَشْهُور، وَجه التَّشْبِيه فِي تجمع رَأسه وَسَوَاد شعره وَهُوَ تَمْثِيل فِي الحقارة وبشاعة الصُّورَة على سَبِيل الْمُبَالغَة، وَهَذَا فِي الْأُمَرَاء والعمال دون الْخُلَفَاء، لِأَن الحبشي لَا يتَوَلَّى الْخلَافَة، لِأَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش. وَقَالَ الْخطابِيّ: قد يضْرب الْمثل بِمَا لَا يَقع فِي الْوُجُود وَهَذَا من ذَاك أطلق العَبْد الحبشي مُبَالغَة فِي الْأَمر بِالطَّاعَةِ، وَإِن كَانَ لَا يتَصَوَّر شرعا أَن يَلِي ذَلِك، وَقَالَ الْخطابِيّ أَيْضا: الْعَرَب لَا يعْرفُونَ الْإِمَارَة فحضهم رَسُول الله، على طاعتهم والانقياد لَهُم فِي الْمَعْرُوف إِذا بَعثهمْ فِي السَّرَايَا وَإِذا ولاهم الْبلدَانِ لِئَلَّا تتفرق الْكَلِمَة.

7143 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حَدثنَا حَمَّادٌ، عنِ الجَعْدِ، عنْ أبي رجاءٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيه قَالَ: قَالَ النبيُّ مَنْ رأى مِنْ أمِيرِه شَيْئاً فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فإنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُفارِقُ الجَماعَةِ شِبْراً فَيَمُوتُ إلاّ ماتَ مِيتَةً جاهِليَّةً
انْظُر الحَدِيث 7053 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فليصبر إِلَى آخِره، لِأَنَّهُ يدل على وجوب السّمع وَالطَّاعَة للأئمة.
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، والجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن دِينَار الصَّيْرَفِي، وَأَبُو رَجَاء ضد الْيَأْس اسْمه عمرَان العطاردي.

(24/224)


والْحَدِيث مضى فِي الْفِتَن عَن أبي النُّعْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن حسن بن الرّبيع وَغَيره.
يرويويه فَائِدَته الْإِشْعَار بِأَن الرّفْع إِلَى النَّبِي أَعم من أَن يكون بالواسطة أَو بِدُونِهَا. قَوْله: شبْرًا أَي: قدر شبر. قَوْله: فَيَمُوت بِالنّصب وَالرَّفْع نَحْو: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا، قَوْله: ميتَة بِكَسْر الْمِيم أَي: كالميتة الْجَاهِلِيَّة، حَيْثُ لَا إِمَام لَهُم وَلَا يُرَاد بِهِ أَن يكون كَافِرًا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

7144 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيدٍ، عنْ عُبَيْدِ الله حدّثني نافِعٌ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: السَّمْعُ والطَّاعَةُ عَلى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيما أحَبَّ أَو كَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلَا طاعَةَ
انْظُر الحَدِيث 2955
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن مُسَدّد أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُسَدّد.
قَوْله: على الْمَرْء الْمُسلم أَي: ثَابت عَلَيْهِ، أَو وَاجِب. قَوْله: فِيمَا أحب أَو كره هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِيمَا أحب وَكره. قَوْله: فَإِذا أَمر على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فَلَا سمع أَي: حينئذٍ وَلَا طَاعَة لما مر فِيمَا مضى.

7145 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ عَلِيَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَعَثَ النبيُّ سَرِيَّة وأمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ وأمَرَهُمْ أنْ يُطِيعُوُه، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: ألَيْسَ قَدْ أمرَ النبيُّ أنْ تُطِيعُونِي؟ قالُوا: بَلاى. قَالَ: عَزَمْتُ عَليْكُمْ لَما جَمَعْتُمُ حَطَباً وأوْقَدتُمْ نَارا ثُمَّ دَخْلْتُمْ فِيها، فَجَمَعُوا حَطَباً فأوْقَدُوا فَلمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقامَ ينْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضَهُمْ: إنَّما تَبِعْنا النبيَّ فِراراً مِنَ النَّارِ أفَنَدْخُلُها؟ فَبَيْنَما هُمْ كَذالِكَ إذْ خَمَدَتِ النَّارُ وسَكنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ للنبيِّ فَقَالَ: لوْ دَخَلُوها مَا خَرَجُوا مِنْها أبدا، إنَّما الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ
انْظُر الحَدِيث 4340 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَسعد بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَبُو حَمْزَة بالزاي ختن أبي عبد الرحمان الَّذِي يروي عَنهُ، وَأَبُو عبد الرحمان اسْمه عبد الله بن حبيب السّلمِيّ ولأبيه صُحْبَة. وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث النَّبِي خَالِد بن الْوَلِيد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش عَن سعد بن عُبَيْدَة ... إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: سَرِيَّة هِيَ قِطْعَة من الْجَيْش نَحْو ثَلَاثمِائَة أَو أَرْبَعمِائَة. قَوْله: رجلا هُوَ عبد الله بن حذافة السَّهْمِي. قَوْله: لما جمعتم بِالتَّخْفِيفِ وَجَاء بِالتَّشْدِيدِ أَي: إلاَّ جمعتم، وَجَاء: لما، بِمَعْنى كلمة: إلاَّ، للاستثناء، وَمَعْنَاهُ: مَا أطلب مِنْكُم إلاَّ جمعكم، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل قَوْله: أفندخلها؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: خمدت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم، وَقَالَ ابْن التِّين فِي بعض الرِّوَايَات بِكَسْر الْمِيم وَلَا يعرف فِي اللُّغَة. قَالَ: وَمعنى خمدت سكن لهيبها وَإِن لم يطفأ جمرها. فَإِن طفى قيل: همدت. قَوْله: لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا أبدا قَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد تِلْكَ النَّار لأَنهم يموتون بتحريقها فَلَا يخرجُون مِنْهَا أَحيَاء، وَلَيْسَ المُرَاد بالنَّار نَار جَهَنَّم، وَلَا أَنهم يخلدُونَ فِيهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: لما خَرجُوا فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُلَازمَة؟ قلت: الدُّخُول فِيهَا مَعْصِيّة فَإِذا استحلوها كفرُوا، وَهَذَا جَزَاء من جنس الْعَمَل. قَوْله: إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف يَعْنِي: تجب الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف لَا فِي الْمعْصِيَة، وَقد مر.

5 - (بابٌ مَنْ لَمْ يَسْألِ الإمارَةَ أعانَهُ الله)

(24/225)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من لم يسْأَل الْإِمَارَة. قَوْله: أَعَانَهُ الله جَوَاب: من ويروى فِي بعض النّسخ: أَعَانَهُ الله عَلَيْهَا.

7146 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ، عنِ الحَسَنِ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ لَا تَسْألِ الإمارَةَ فإنَّكَ إنْ أُعْطِيتَها عنْ مَسْألة وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُعْطِيتها عنْ غَيْرِ مَسألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وَإِذا حَلفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرَأيْتَ غيْرَها خَيْراً منْها فَكَفِّرْ يَمِينكَ، وأْتِ الذِي هُوَ خَيْرٌ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي النذور عَن أبي النُّعْمَان وَفِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن عبد الله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: وكلت على صِيغَة الْمَجْهُول بِالتَّخْفِيفِ وَمَعْنَاهُ: صرف إِلَيْهَا وَمن وكل إِلَى نَفسه هلك، وَمِنْه الدُّعَاء: وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي. ووكله بِالتَّشْدِيدِ استحفظه، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن طلب مَا يتَعَلَّق بالحكم مَكْرُوه وَإِن من حرص على ذَلِك لَا يعان. فَإِن قلت: يُعَارضهُ فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: من طلب قَضَاء الْمُسلمين حَتَّى يَنَالهُ ثمَّ غلب عدله جوره فَلهُ الْجنَّة، وَمن غلب جوره عدله فَلهُ النَّار. قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَونه لَا يعان بِسَبَب طلبه أَن لَا يحصل مِنْهُ الْعدْل إِذا ولي، أَو يحمل الطّلب هُنَا على الْقَصْد وَهُنَاكَ على التَّوْلِيَة. قَوْله: وَإِذا حَلَفت إِلَى آخِره، تقدم فِي كتاب ... الْيَمين، وَفِيه الْكَفَّارَة قبل الْإِتْيَان، وَكَذَا فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعده.

6 - (بابٌ مَنْ سَألَ الإمارَةُ وُكِلَ إلَيْها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من سَأَلَ الْإِمَارَة. قَوْله: وكل على صِيغَة الْمَجْهُول جَوَاب: من، وَمَعْنَاهُ: لم يعن على مَا أعْطى.

7147 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ، حدّثنا يُونُسُ، عنِ الحَسَنِ قَالَ: حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سَمْرَةَ قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ سَمُرَةَ لَا تَسْألِ الإمارَةَ، فإنْ أُعْطيتها عنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُعْطِيتَها عنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وَإِذا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرَأيْتَ غَيْرَها خَيْراً مِنْها فَأتِ الّذي هُوَ خَيْرٌ، وكَفِّرْ عنْ يَمِينِكَ

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد غير أَنه جعل لَهُ ترجمتين بِاعْتِبَار اخْتِلَاف رُوَاته وَبِاعْتِبَار قسمته على شطرين، فَجعل لكل شطر تَرْجَمَة.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَيُونُس بن يزِيد، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَهنا صرح الْحسن بِالتَّحْدِيثِ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة.

7 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى الإمارَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة الْحِرْص على طلب الْإِمَارَة وتحصيلها لِأَن من حرص عَلَيْهَا وسولت لَهُ نَفسه أَنه قَائِم بهَا يخذل فِي أغلب الْأَحْوَال.

7148 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: إنَّكمْ سَتَحْرِصُونَ عَلى الإمارَة وستَكُونُ نَدامَةً يَوْمَ القِيامَةِ فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ.

(24/226)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، واسْمه هِشَام الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَضَائِل وَفِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن مُحَمَّد بن آدم بِهِ.
قَوْله: إِنَّكُم ستحرصون بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شَبابَة عَن ابْن أبي ذِئْب: ستعرضون، بِالْعينِ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا خطأ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي الْحِرْص الجشع ثمَّ فسر الجشع بقوله: الجشع أَشد الْحِرْص، تَقول مِنْهُ جشع بِالْكَسْرِ. قَوْله: على الْإِمَارَة بِكَسْر الْهمزَة وَيدخل فِيهَا الْإِمَارَة الْعُظْمَى وَهِي الْخلَافَة، وَالصُّغْرَى وَهِي الْولَايَة على الْبَلدة. قَوْله: وستكون أَي: الْإِمَارَة ندامة يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي: لمن لم يعْمل فِيهَا بِمَا يَنْبَغِي. قَوْله: فَنعم الْمُرضعَة وبئست الفاطمة قَالَ الْكرْمَانِي: نعم الْمُرضعَة أَي: نعم أَولهَا وبئست الفاطمة أَي: بئس آخرهَا، وَذَلِكَ لِأَن مَعهَا المَال والجاه وَاللَّذَّات الحسية والوهمية أَولا، لَكِن آخرهَا الْقَتْل والعزل ومطالبات التَّبعَات فِي الْآخِرَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: نعمت الْمُرضعَة فِي الدُّنْيَا وبئست الفاطمة أَي: بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ يصير إِلَى المحاسبة على ذَلِك، فَيصير كَالَّذي يفطم قبل أَن يَسْتَغْنِي فَيكون ذَلِك هَلَاكه.
اعْلَم أَن: نعم وَبئسَ فعلان لَا يتصرفان لِأَنَّهُمَا أزيلا عَن موضوعهما، فَنعم مَنْقُول من قَوْلك: نعم فلَان إِذا أصَاب نعْمَة، وَبئسَ مَنْقُول من بئس إِذا أصَاب بؤساً، فنقلا إِلَى الْمَدْح والذم. فشابها الْحُرُوف. وَقيل: إنَّهُمَا استعملا للْحَال بِمَعْنى الْمَاضِي، وَفِي: نعم، أَربع لُغَات: بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه وكسرهما وَسُكُون الْعين وَكسر النُّون وَفتحهَا وَسُكُون الْعين، تَقول: نعم الْمَرْأَة هِنْد، وَإِن شِئْت نعمت الْمَرْأَة هِنْد، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا لم تلْحق التَّاء بنعم لِأَن الْمُرضعَة مستعارة للإمارة، وتأنيثها غير حَقِيقِيّ فَترك إِلْحَاق التَّاء بهَا، وألحقت بئس نظرا إِلَى كَون الْإِمَارَة حينئذٍ داهية دهياء، قَالَ: وَإِنَّمَا أَتَى بِالتَّاءِ فِي الفاطمة والمرضعة، إِشَارَة إِلَى تَصْوِير تينك الْحَالَتَيْنِ المتجددتين فِي الْإِرْضَاع والفطام.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: حدّثنا عَبْدُ الله بنُ حُمْرانَ حدّثنا عَبْدُ الحميدِ بنُ جَعْفَرٍ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ.
مُحَمَّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: بنْدَار، وَعبد الله بن حمْرَان بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَبعد الْألف نون الْبَصْرِيّ صَدُوق، وَقَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات مخطىء وَمَاله فِي الصَّحِيح إلاَّ هَذَا الْموضع، وَعبد الحميد بن جَعْفَر الْمدنِي لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ إلاَّ تَعْلِيقا، وَعمر بن الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن ثَوْبَان الْمدنِي الثِّقَة أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي غير هَذَا الْموضع تَعْلِيقا، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت قد وَقع بَين سعيد المَقْبُري وَبَين أبي هُرَيْرَة، بِخِلَاف الطَّرِيقَة السَّابِقَة. قَوْله: عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله أَي: مَوْقُوفا عَلَيْهِ.

7149 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ بُرَيْدٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوساى، رَضِي الله عَنهُ، دَخَلْتُ عَلى النبيِّ أَنا ورَجُلانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أحَدُ الرَّجُلَيْنِ، أمِّرْنا يَا رسولَ الله وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ. فَقَالَ: إنَّا لَا نُوَلِّي هاذا مَنْ سَألَهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَيُرِيد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر اه. والْحَارث، وبريد يروي عَن جده أبي بردة، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر وَأبي كريب كِلَاهُمَا عَن أبي أُسَامَة.
قَوْله: أمرنَا بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَكْسُورَة، وَهُوَ صِيغَة أَمر من التأمير، أَرَادوا لنا موضعا. قَوْله: حرص عَلَيْهِ بِفَتْح الرَّاء.

8 - (بابُ مَنِ اسْتُرْعِي رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من استرعى على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي جعل رَاعيا على رعية، قَالَ الْكرْمَانِي: استحفظ وَلم ينصح

(24/227)


الرّعية إِمَّا بتضييعه تعريفهم مَا يلْزمهُم من دينهم، وَإِمَّا بإهمال حدودهم وحقوقهم أَو ترك حماية حوزتهم أَو ترك الْعدْل فيهم، وَجَوَاب من مَحْذُوف اكْتفى عَن ذكره بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب.

7150 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا أبُو الأشْهَبِ، عنِ الحَسَنِ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ زِيادٍ عادَ مَعْقِلَ ابنَ يَسارٍ فِي مَرَضِهِ الّذِي ماتَ فِيهِ، فَقَالَ لهُ مَعْقِلٌ: إنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ الله رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْها بِنَصِحيَةٍ إلاّ لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَأَبُو الْأَشْهب جَعْفَر بن حَيَّان بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة العطاردي، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَعبيد الله بن زِيَاد بن أبي سُفْيَان الَّذِي كَانَ أَمِير الْبَصْرَة فِي زمن مُعَاوِيَة وَولده يزِيد، وَمَعْقِل بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْعين وَكسر الْقَاف ابْن يسَار ضد الْيَمين الْمُزنِيّ بالزاي وَالنُّون سكن الْبَصْرَة، وابتنى بهَا دَارا وَإِلَيْهِ ينْسب نهر معقل الَّذِي بِالْبَصْرَةِ، شهد بيعَة الْحُدَيْبِيَة وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة، وَقيل: إِنَّه توفّي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا وَعَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: استرعاه أَي: استحفظه. قَوْله: فَلم يحطهَا بِفَتْح الْيَاء وَضم الْحَاء وَسُكُون الطَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ من الحياطة وَهِي الْحِفْظ والتعهد أَي: لم يحفظها وَلم يتعهد أمرهَا. قَوْله: بنصيحة كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره: بنصحه، بِضَم النُّون وَضم الصَّاد وبالضمير فِي آخِره. قَوْله: إلاَّ لم يجد رَائِحَة الْجنَّة وَفِي رِوَايَة مُسلم إلاَّ حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل: وَعرفهَا يُوجد يَوْم الْقِيَامَة من مسيرَة سبعين عَاما، ويروى بِدُونِ لفظ: إلاَّ، وَهُوَ مُشكل لِأَن مَفْهُوم الحَدِيث أَنه يجدهَا وَهُوَ عكس الْمَقْصُود. قَالَ الْكرْمَانِي: إِن إلاَّ مقدرَة أَي: إلاَّ لم يجد، أَو الْخَبَر مَحْذُوف أَي: مَا من عبد كَذَا إلاَّ حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة. وَقَوله: لم يجد اسْتِئْنَاف كالمفسر لَهُ أَو: مَا، لَيْسَ للنَّفْي جَازَ زِيَادَة: من، للتَّأْكِيد عِنْد بعض النُّحَاة، وَالْكَلَام عِنْد وجود إلاَّ ظَاهر.

7151 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ قَالَ زائِدَةُ: ذَكَرَهُ عنْ هِشامٍ، عنِ الحَسَنِ، قَالَ: أتَيْنا مَعْقِلَ بنَ يَسارٍ نَعُودُهُ، فَدَخَلَ عَليْنا عُبَيْدُ الله فَقَالَ لهُ مَعْقِلٌ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله فَقَالَ: مَا مِنْ والٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِميِنَ فَيَمُوتُ وهْوَ غَاشٌّ لهُمْ، إلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أبي يَعْقُوب الْمروزِي عَن حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف، ابْن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك.
قَوْله: قَالَ زَائِدَة أَي: ابْن قدامَة، وَفِيه: قَالَ، الثَّانِيَة مَحْذُوف تَقْدِيره قَالَ: الْحُسَيْن الْجعْفِيّ: قَالَ زَائِدَة ذكره أَي الحَدِيث الَّذِي سَيَأْتِي هِشَام بن حسان عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا عَن حُسَيْن الْجعْفِيّ بالعنعنة فِي جَمِيع السَّنَد. قَوْله: مَا من والٍ وَفِي رِوَايَة أبي الْمليح: مَا من أَمِير، بدل: وَال، وَقَالَ فِيهِ: ثمَّ لَا يجد لَهُ بجيم ودال مُشَدّدَة من الْجد بِالْكَسْرِ ضد الْهزْل، وَقَالَ فِيهِ: إلاَّ لم يدْخل مَعَهم الْجنَّة. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا وَعِيد شَدِيد على أَئِمَّة الْجور مِمَّن ضيع من استرعاه الله أَو خَانَهُمْ أَو ظلمهم، فقد توجه إِلَيْهِ الطّلب بمظالم الْعباد يَوْم الْقِيَامَة، فَكيف يقدر على التَّحَلُّل من ظلم أمة عَظِيمَة؟ ، وَمعنى حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة أَي: أنفذ الله عَلَيْهِ الْوَعيد وَلم يرض عَنهُ

(24/228)


المظلومين، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ نَحوه، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا فِي حق الْكَافِر لِأَن الْمُؤمن لَا بُد لَهُ من نصيحة. قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد جدا، وَالتَّعْلِيل بالكافر مَرْدُود لِأَن الْكَافِر لَا يدْخل الْجنَّة، وَلَو كَانَ ناصحاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي: معنى حرم الله أَي: فِي أول الْحَال، أَو هُوَ للتغليظ أَو عِنْد الاستحلال.

9 - (بابٌ مَنْ شاقَّ شَقَّ الله عَلَيْهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من شاق على النَّاس شقّ الله عَلَيْهِ لِأَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل، وَمعنى: شقّ الله عَلَيْهِ، ثقل الله عَلَيْهِ، يُقَال: شققت عَلَيْهِ أَي: أدخلت عَلَيْهِ الْمَشَقَّة، وأصل شاق شاقق لِأَنَّهُ من بَاب المفاعلة فأدغمت الْقَاف فِي الْقَاف هَكَذَا، رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: من شقّ.

7152 - حدّثنا إسْحَاقُ الواسِطِيُّ، حدّثنا خالِدٌ، عنِ الجُرَيْرِيِّ، عنْ طَرِيفٍ أبي تَمِيمَةَ قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوانَ وجُنْدَباً وأصْحابَهُ وهْوَ يُوصِيهِمْ، فَقالُوا: هَلْ سَمِعْتُ مِنْ رسولِ الله شَيْئاً قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ قَالَ: ومَنْ يُشاقِقْ يَشْققِ الله عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَقالُوا: أوْصِنا، فَقَالَ: إنَّ أوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإنْسان بَطْنَهُ، فَمَنِ اسْتطاعَ أنْ لَا يَأْكلُ إلاّ طَيِّباً فَلْيَفْعَلْ، ومَنِ اسْتطاعَ أنْ لَا يُحالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجَنةِ بِمِلْءٍ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ.
قُلْتُ لأبي عَبْدِ الله: مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رسولَ الله جُنْدُبُ قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ.
انْظُر الحَدِيث 6499
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ هُوَ إِسْحَاق بن شاهين أَبُو بشر الوَاسِطِيّ روى عَنهُ فِي مَوَاضِع وَلم يزدْ على قَوْله: حَدثنَا إِسْحَاق الوَاسِطِيّ، يروي هُنَا عَن خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان، والجريري بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي الْحَارِث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل، وَمن المنسوبين إِلَيْهِ هُوَ سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، وطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة على وزن كريم ابْن مجَالد بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الْجِيم الجهيمي بِالْجِيم مُصَغرًا نِسْبَة إِلَى بني جهيم بطن من تَمِيم، وَكَانَ مَوْلَاهُم وَهُوَ بَصرِي وَمَاله فِي البُخَارِيّ عَن أحد من الصَّحَابَة إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر مضى فِي الْأَدَب من رِوَايَته عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ. قَوْله: أبي تَمِيمَة كنية طريف.
هُوَ ابْن مُحرز بن زِيَاد التَّابِعِيّ الثِّقَة الْمَشْهُور من أهل الْبَصْرَة. قَوْله: وجندباً هُوَ ابْن عبد الله البَجلِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور. قَوْله: وَأَصْحَابه أَي أَصْحَاب صَفْوَان. قَوْله: وَهُوَ يوصيهم أَي: صَفْوَان بن مُحرز يوصيهم، كَذَا قَالَه بَعضهم فَجعل الضَّمِير رَاجعا، إِلَى صَفْوَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ ابْن جُنْدُب كَانَ يُوصي أَصْحَابه. فَجعل الضَّمِير رَاجعا إِلَى جُنْدُب، وَالصَّوَاب مَعَ الْكرْمَانِي يدل عَلَيْهِ أَيْضا مَا ذكره الْمزي فِي الْأَطْرَاف بِلَفْظ: شهِدت صَفْوَان وَأَصْحَابه وجندباً يوصيهم. قَوْله: فَقَالُوا أَي: فَقَالَ صَفْوَان وَأَصْحَابه لجندب: هَل سَمِعت من رَسُول الله شَيْئا قَالَ: أَي جُنْدُب: سمعته، أَي سَمِعت النَّبِي يَقُول: من سمع بِالتَّشْدِيدِ أَي: من عمل للسمعة يظْهر الله للنَّاس سَرِيرَته ويملأ أسماعهم بِمَا ينطوي عَلَيْهِ من خبث السرائر جَزَاء لفعله، وَقيل: أَي يسمعهُ الله ويريه ثَوَابه من غير أَن يُعْطِيهِ، وَقيل: من أَرَادَ بِعِلْمِهِ النَّاس أسمعهُ الله النَّاس وَذَلِكَ ثَوَابه فَقَط. وَفِيه أَن الْجَزَاء من جنس الذَّنب، وَقَالَ الْخطابِيّ: من رأى بِعَمَلِهِ وَسمع النَّاس يعظموه بذلك: شهره الله يَوْم الْقِيَامَة وفضحه حَتَّى يرى النَّاس ويسمعون مَا يحل بِهِ من الفضيحة عُقُوبَة على مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا من الشُّهْرَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي من سمع بِمُؤْمِن شَيْئا بشهرته أَقَامَهُ الله يَوْم الْقِيَامَة مقَاما يسمع بِهِ. وَقَالَ صَاحب الْعين سَمِعت بِالرجلِ إِذا أذعت عَنهُ عَيْبا، والسمعة مَا يسمع بِهِ من طَعَام أَو غَيره ليرى وَيسمع. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث الْبَاب: من سمع الله بِعَمَلِهِ سمع الله بِهِ خلقه وحقره وصغره. قَوْله: وَمن يُشَاقق يشقق الله عَلَيْهِ كَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي بِصِيغَة الْمُضَارع وَفك الْقَاف فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَمن شاق شقّ الله عَلَيْهِ

(24/229)


بِصِيغَة الْمَاضِي والإدغام فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن أَحْمد بن زُهَيْر عَن إِسْحَاق بن شاهين شيخ البُخَارِيّ: وَمن شاقق يشق الله عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَاضِي فِي الأول والمضارع فِي الثَّانِي، وَالْمعْنَى: أَن يضل النَّاس ويحملهم على مَا يشق من الْأَمر، وَقيل: الْمَعْنى أَن يكون ذَلِك من شقَاق الْخلاف وَهُوَ بِأَن يكون فِي شقّ مِنْهُم، وَفِي نَاحيَة من جَمَاعَتهمْ، وَقيل: الْمَعْنى النَّهْي عَن القَوْل الْقَبِيح فِي الْمُؤمنِينَ وكشف مساويهم وعيوبهم. قَوْله: فَقَالَ أَي: جُنْدُب: إِن أول مَا ينتن من الْإِنْسَان بَطْنه وَهَذَا مَوْقُوف وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن جُنْدُب مَوْقُوفا قَوْله: ينتن بِضَم الْيَاء وَسُكُون النُّون من الإنتان وماضيه أنتن، وَالنَّتن الرَّائِحَة الكريهة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: نَتن الشَّيْء وأنتن بِمَعْنى فَهُوَ منتن ومنتن بِكَسْر الْمِيم اتبَاعا لكسرة التَّاء. قَوْله: إِلَّا طيبا أَي: حَلَالا. قَوْله: أَن لَا يُحَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن لايحول. قَوْله: بملء كَفه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ملْء كَفه، بِغَيْر بَاء مُوَحدَة. قَوْله: كَفه كَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة بالضمير، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا. بملء كف، بِدُونِ الضَّمِير. قَوْله: من دم كلمة: من، بَيَانِيَّة. قَوْله: أهراقه أَي: صبه، وَقَالَ ابْن التِّين: وَقع فِي روايتنا: إهراقه، وَالْأَصْل: أراقه، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة. قَوْله: وَأَن لَا يُحَال ... إِلَى آخِره، مَوْقُوف أَيْضا، وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن عَن جُنْدُب مَوْقُوفا، وَزَاد الْحسن بعد قَوْله: قَوْله: أهراقه كَأَنَّمَا يذبح دجَاجَة، كلما يقدم لباب من أَبْوَاب الْجنَّة حَال بَينه وَبَينه، وَوَقع مَرْفُوعا عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن الْحسن عَن جُنْدُب، وَلَفظه: تعلمُونَ أَنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول: يحول بَين أحدكُم وَبَين الْجنَّة، وَهُوَ يَرَاهَا بملء كفَّ دم من مُسلم أهراقه بِغَيْر حلّه وَهَذَا لَو لم يرد مُصَرحًا بِرَفْعِهِ فَكَأَنَّهُ فِي حكم الْمَرْفُوع لِأَنَّهُ لَا يُقَال بِالرَّأْيِ، وَهُوَ وَعِيد شَدِيد لقتل الْمُسلم.
قَوْله: قلت لأبي عبد الله أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، وَالْقَائِل لَهُ هُوَ الْفربرِي، وَلَيْسَ هَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.

10 - (بابُ القَضاءِ والفُتْيا فِي الطَّرِيقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقَضَاء أَي الحكم والفتيا بِضَم الْفَاء يُقَال: استفتيت الْفتيا فأفتاني، وَالِاسْم الْفتيا وَالْفَتْوَى. قَوْله: فِي الطَّرِيق، أَي: حَال كَون الْقَضَاء والفتيا فِي الطَّرِيق. وَقَالَ الْمُهلب: الْفَتْوَى فِي الطَّرِيق على الدَّابَّة وَمَا يشاكلها من التَّوَاضُع لله، فَإِن كَانَت لضعيف أَو جَاهِل فمحمودة عِنْد الله وَالنَّاس، وَإِن تكلّف ذَلِك لرجل من أهل الدُّنْيَا وَلمن يخْشَى لِسَانه فمكروه أَن ينزل مَكَانَهُ. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي الْقَضَاء سائراً أَو مَاشِيا، فَقَالَ أَشهب: لَا بَأْس بذلك إِذا لم يشْغلهُ السّير أَو الْمَشْي عَن الْفَهم، وَقَالَ سَحْنُون: لَا يَنْبَغِي أَن يقْضِي وَهُوَ يسير أَو يمشي، وَقَالَ ابْن حبيب: مَا كَانَ من ذَلِك يَسِيرا كَالَّذي يَأْمر بسجن من وَجب عَلَيْهِ، أَو يَأْمر بِشَيْء، أَو يكف عَن شَيْء فَلَا بَأْس بذلك، وَأما الِابْتِدَاء بِالنّظرِ وَنَحْوه فَلَا، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ حسن، وَقَول أَشهب أشبه بِالدَّلِيلِ، وَقَالَ ابْن التِّين: لَا يجوز الحكم فِي الطَّرِيق فِيمَا يكون غامضاً.
وقَضَى يحْياى بنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ.
يعمر بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وبالراء التَّابِعِيّ الْجَلِيل الْمَشْهُور، وَكَانَ من أهل الْبَصْرَة فانتقل إِلَى مرو بِأَمْر الْحجَّاج فولي قَضَاء مرو لقتيبة بن مُسلم، وَكَانَ من أهل الفصاحة والورع، وَقَالَ الحكم: وَقضى فِي أَكثر مدن خُرَاسَان، وَكَانَ إِذا تحول إِلَى بَلْدَة اسْتخْلف فِي الَّتِي انْتقل مِنْهَا. وَفِي التَّوْضِيح يحيى بن يعمر قضى فِي الطَّرِيق لَعَلَّه فِيمَا كَانَ فِيهِ نَص أَو مَسْأَلَة لَا تحْتَاج إِلَى فكر دون مَا غامض. قَوْله: فِي الطَّرِيق أَي: حَال كَونه فِي الطَّرِيق، وَوصل هَذَا مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن شَبابَة عَن مُوسَى بن يسَار، قَالَ: رَأَيْت يحيى بن يعمر على الْقَضَاء بمرو، فَرُبمَا رَأَيْته يقْضِي فِي السُّوق وَفِي الطَّرِيق، وَرُبمَا جَاءَهُ الخصمان وَهُوَ على حمَار فَيَقْضِي بَينهمَا.
وقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلى بابِ دَارِهِ.

(24/230)


الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل بن عبد الله أَبُو عمر، ونسبته إِلَى شعب من هَمدَان، مَاتَ فِي أول سنة سِتّ وَمِائَة وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وَقَالَ مَنْصُور بن عبد الرحمان الفداني عَن الشّعبِيّ: أدْركْت خَمْسمِائَة من أَصْحَاب رَسُول الله يَقُولُونَ عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الْجنَّة، وروى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم الإِمَام أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: على بَاب دَاره أَي: حَال كَونه على بَاب دَاره، وَقَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أخبرنَا أَبُو نعيم أخبرنَا ابْن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو إِسْرَائِيل، رَأَيْت الشّعبِيّ يقْضِي عِنْد بَاب الْفِيل بِالْكُوفَةِ.

7153 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ، حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْد، حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، بَيْنما أَنا والنبيُّ خارِجانِ مِنَ المَسْجِدِ فَلَقِينا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله مَتَّى السَّاعَةَ؟ قَالَ النبيُّ مَا أعْدَدْتَ لَها فكأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ الله مَا أعْدَدْتُ لَها كَثِيرَ صِيامٍ وَلَا صَلاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، ولاكِنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. قَالَ: أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: عِنْد سدة الْمَسْجِد لِأَن السدة فِي قَوْله هِيَ الساحة أَمَام الْبَيْت. وَقيل: هِيَ بَاب الدَّار، وَقيل: هِيَ المظلة على الْبَاب لوقاية الْمَطَر وَالشَّمْس، وَقيل: عتبَة الدَّار، وَقيل لإسماعيل بن عبد الرحمان: السّديّ، لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيع المقانع عِنْد سدة مَسْجِد الْكُوفَة، وَهِي بِضَم السِّين وَتَشْديد الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ.
وَعُثْمَان شيخ البُخَارِيّ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسَالم بن أبي الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَاسم أبي الْجَعْد رَافع الْأَشْجَعِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي، مَاتَ فِي سنة تسع أَو ثَمَان وَتِسْعين فِي ولَايَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا عددت، بِالتَّشْدِيدِ مثل أَي: مَا هيأت للساعة واستعددت لَهَا؟ قَوْله: استكان أَي: خضع وَهُوَ من بَاب استفعل من السّكُون الدَّال على الخضوع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي: سكن. وَقَالَ الْكرْمَانِي: استكان افتعل من السّكُون، فالمد شَاذ، وَقيل: استفعل من السّكُون فالمد قِيَاس. قَوْله: كثير صِيَام بالثاء الْمُثَلَّثَة عِنْد الْبَعْض وَعند الْأَكْثَرين بِالْبَاء الْمُوَحدَة.

11 - (بابُ مَا ذُكِرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَكُنْ لهُ بَوَّابٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ذكر أَن النَّبِي لم يكن لَهُ بواب ليمنع النَّاس. وَقَالَ الْمُهلب: لم يكن للنَّبِي، بواب راتب. فَإِن قلت: قد تقدم أَن أَبَا مُوسَى كَانَ بواباً للنَّبِي لما جلس على القف. قلت: الْجمع بَينهمَا أَنه إِذا لم يكن فِي شغل من أَهله وَلَا انْفَرد لشَيْء من أمره أَنه كَانَ يرفع حجابه بَينه وَبَين النَّاس ويبرز لطَالب الْحَاجة إِلَيْهِ، وَقد تقدم فِي النِّكَاح أَنه كَانَ فِي وَقت خلوته يتَّخذ بواباً.

7154 - حدّثنا إسْحَاقُ، أخبرنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حدّثنا شُعْبَة، حدّثنا ثابِتٌ البُنانِيُّ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ يَقُولُ لامْرَأةٍ مِنْ أهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلانَة؟ قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فإنَّ النبيَّ مَرَّ بِها وهْيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: اتَّقِي الله واصْبِرِي فقالَتْ إلَيْكَ عَنِّي فإنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي، قَالَ: فَجاوَزَها ومَضَى، فَمَر بِها رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله قالَتْ مَا عَرَفْتُهُ. قَالَ: إنّهُ لَرَسولُ الله قَالَ: فَجاءَتْ إِلَى بابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّاباً، فقالَتْ: يَا رسولَ الله وَالله مَا عَرَفْتُكَ فَقَالَ النبيُّ الصَّبْرُ عِنْدَ أوَّلِ صَدْمَةٍ

(24/231)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَجَاءَت إِلَى بَابه فَلم تَجِد عَلَيْهِ بواباً
وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن مَنْصُور، وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن آدم بن أبي إِيَاس وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: عِنْد قبر وَكَانَ قبر ابْنهَا. قَوْله: وَهِي تبْكي الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: فُلَانَة غير منصرف كِنَايَة عَن أَعْلَام إناث الأناسي. قَوْله: إِلَيْك عني أَي: تَنَح عني وكف نَفسك عني. قَوْله: خلو بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْخَالِي. قَوْله: فَمر بهَا رجل هُوَ الْفضل بن عَبَّاس. قَوْله: الصَّبْر ويروى: إِن الصَّبْر. قَوْله: عِنْد أول صدمة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عِنْد الصدمة الأولى. أَي: عِنْد فورة الْمُصِيبَة وشدتها، والصدم ضرب الشَّيْء الصلب بِمثلِهِ، والصدمة الْمرة مِنْهُ.
وَاخْتلف فِي مَشْرُوعِيَّة الْحَاجِب للْحَاكِم، فَقَالَ الشَّافِعِي وَجَمَاعَة. يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن لَا يتَّخذ حاجباً، وَذهب آخَرُونَ إِلَى جَوَازه، وَقَالَ آخَرُونَ: بل يسْتَحبّ ذَلِك لترتيب الْخُصُوم وَمنع المستطيل وَدفع الشرير، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ: الَّذِي أحدثه بعض الْقُضَاة من شدَّة الْحجاب وَإِدْخَال بطائق الْخُصُوم لم يكن من فعل السّلف، وَلنْ يَأْتِي آخر هَذِه الْأمة بِأَفْضَل مَا أَتَى بِهِ أَولهَا، وَهَذَا من التكبر، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرقد فِي الأفنية نَهَارا.