عمدة القاري شرح صحيح البخاري

35 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} حقٌّ {وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} باللّعبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} هَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} الْآيَة. وَقَالَ ابْن بطال: أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَأَحَادِيث بَابهَا مَا أَرَادَ فِي الْأَبْوَاب قبلهَا: أَن كَلَام الله تَعَالَى صفة قَائِمَة بِهِ وَأَنه لم يزل متكلماً وَلَا يزَال. انْتهى. وَمعنى قَوْله: {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} هُوَ أَن الْمُنَافِقين تخلفوا عَن الْخُرُوج مَعَ رَسُول الله إِلَى غَزْوَة تَبُوك وَاعْتَذَرُوا بِمَا علم الله إفكهم فِيهِ، وَأمر الله رَسُوله أَن يقْرَأ عَلَيْهِم قَوْله: {فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِىَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ} فأعلمهم بذلك وَقطع أطماعهم بخروجهم مَعَه، فَلَمَّا رَأَوْا الفتوحات قد تهيأت لرَسُول الله أَرَادوا الْخُرُوج مَعَه رَغْبَة مِنْهُم فِي الْمَغَانِم، فَأنْزل الله {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} الْآيَة فَهَذَا معنى الْآيَة: أَن يبدلوا أمره لَهُ بِأَن لَا يخرجُوا مَعَه بِأَن يخرجُوا مَعَه، فَقطع الله أطماعهم من ذَلِك مُدَّة أَيَّامه، بقوله: {فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِىَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ} قَوْله: {لقَوْل فصل} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {وَإنَّهُ لقَوْل فصل} وَفسّر قَوْله: فصل بقوله: حق وَفِي غير رِوَايَة أبي ذَر ثَبت حق بِغَيْر ألف وَلَام، وَسقط من رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي، وَفسّر قَوْله: {وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} باللعب كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.

7491 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حَدثنَا سُفْيانُ، حَدثنَا الزُّهْرِيُّ، عنْ سَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى: {يُؤْذِيني ابنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهرَ وَأَنا الدهْرُ، بِيَدِي الأمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ}
انْظُر الحَدِيث 4826 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي إِثْبَات إِسْنَاد القَوْل إِلَى الله تَعَالَى. وَهَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث القدسية.
قَوْله: يُؤْذِينِي من المتشابهات وَكَذَلِكَ الْيَد والدهر، فإمَّا أَن يُفَوض وَإِمَّا أَن يؤول، وَالْمرَاد من الْإِيذَاء النِّسْبَة إِلَيْهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيق لَهُ، وتؤول الْيَد بِالْقُدْرَةِ والدهر بالمدهر أَي: مُقَلِّب الدهور. قَوْله: أَنا الدَّهْر يرْوى بِالنّصب أَي: أَنا ثَابت فِي الدَّهْر باقٍ فِيهِ.
والْحَدِيث مضى أَولا: فِي تَفْسِير سُورَة الجاثية وَثَانِيا: فِي كتاب الْأَدَب.

7492 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا الأعْمَشُ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُولُ الله عَزَّ وجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنا أجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وأكْلهُ وشُرْبَهُ مِنْ أجْلِي، والصَّوْمُ جُنَّةٌ، ولِلصَّائِمِ فَرْحَتانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: يَقُول الله
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن يروي هُنَا عَن الْأَعْمَش، كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة إلاّ أَن أَبَا عَليّ بن السكن قَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان الْأَعْمَش، زَاد فِيهِ: سُفْيَان الثَّوْريّ، قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: الصَّوَاب قَول من خَالفه من سَائِر الروَاة، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَابَيْنِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الصَّوْم لي سَائِر الْعِبَادَات لله تَعَالَى وَوجه التَّخْصِيص بِهِ هُوَ أَنه لم يعبد أحد غير الله بِهِ إِذْ لم تعظم الْكفَّار فِي عصر من الْأَعْصَار معبوداً لَهُم بالصيام، بِخِلَاف السُّجُود وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهمَا. قَوْله: يدع أَي: يتْرك. قَوْله: جنَّة بِضَم الْجِيم أَي: ترس. قَوْله: حِين يلقى ربه يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة. وَفِيه إِثْبَات رُؤْيَة الله تَعَالَى. قَوْله: ولخلوف بِضَم الْخَاء على الْأَصَح، وَقيل بِفَتْحِهَا، وَهُوَ رَائِحَة الْفَم المتغيرة. قَوْله: أطيب عِنْد الله لَا يتَصَوَّر الطّيب على الله إلاَّ بطرِيق الْفَرْض، أَي: لَو تصور الطّيب عِنْد الله لَكَانَ الخلوف أطيب.

7493 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، عبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّامٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ

(25/158)


عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنَما أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْياناً خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَناداهُ ربُّهُ: يَا أيُّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا ربِّ، ولاكِنْ لَا غِنَى بِي عنْ بَرَكَتِكَ
انْظُر الحَدِيث 279 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فناداه ربه: يَا أَيُّوب
وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب من اغْتسل عُريَانا.
قَوْله: رجل جَراد بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُ كالجماعة الْكَثِيرَة من النَّاس. قَوْله: فناداه ربه أَي: قَالَ الله لَهُ. قَوْله: أغنيتك من الإغناء.

7494 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي عَبْدِ الله الأغَرِّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَنْزِلُ ربُّنا تَبارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللّيلِ الآخِرُ، فَيَقولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مِنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ؟
انْظُر الحَدِيث 1145 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: فَيَقُول
وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَأَبُو عبد الله الْأَغَر بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء واسْمه سلمَان الْجُهَنِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب الدُّعَاء فِي الصَّلَاة من آخر اللَّيْل.
وَلم يزل من النُّزُول كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يتنزل من بَاب التفعل، وَهَذَا من بَاب المتشابهات وَالْأَمر فِيهَا قد علم أَنه إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا التَّأْوِيل بنزول ملك الرَّحْمَة، وَمن الْقَائِلين فِي إِثْبَات هَذَا وَإنَّهُ لَا يقبل التَّأْوِيل أَبُو إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيّ، وَأورد هَذَا الحَدِيث من طرق كَثِيرَة فِي كِتَابه الْفَارُوق مثل حَدِيث عَطاء مولى أم صبية عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِذا ذهب ثلث اللَّيْل ... . فَذكر الحَدِيث وَزَاد: فَلَا يزَال بهَا حَتَّى يطلع الْفجْر، فَيَقُول: هَل من داعٍ فيستجاب لَهُ؟ أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَحَدِيث ابْن مَسْعُود وَفِيه: فَإِذا طلع الْفجْر صعد إِلَى الْعَرْش أخرجه ابْن خُزَيْمَة. وَأخرجه أَبُو إِسْمَاعِيل من طَرِيق أُخْرَى عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: جَاءَ رجل من بني سليم إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: عَلمنِي ... فَذكر الحَدِيث وَفِيه: فَإِذا انفجر الْفجْر صعد وَمن حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت، وَفِي آخِره: ثمَّ يَعْلُو رَبنَا على كرسيه وَمن حَدِيث جَابر وَفِيه: ثمَّ يَعْلُو رَبنَا إِلَى السَّمَاء الْعليا، إِلَى كرسيه وَمن حَدِيث أبي الْخطاب أَنه سَأَلَ النَّبِي عَن الْوتر، فَذكر الحَدِيث وَفِي آخِره: حَتَّى إِذا طلع الْفجْر ارْتَفع قَالَ بَعضهم: هَذِه الطّرق كلهَا ضَعِيفَة. قلت: ألم يعلم هُوَ أَن الحَدِيث إِذا رُوِيَ من طرق كَثِيرَة ضَعِيفَة تشتد فيشد بَعْضهَا بَعْضًا؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب. وَأَمْثَاله إلاَّ التَّسْلِيم والتفويض إِلَى مَا أَرَادَ الله من ذَلِك، فَإِن الْأَخْذ بِظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إِلَى التجسيم، وتأويله يُؤَدِّي إِلَى التعطيل، والسلامة فِي السُّكُوت والتفويض.
فِيهِ: التحريض على قيام آخر اللَّيْل. قَالَ تَعَالَى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالاَْسْحَارِ} وَمن جِهَة الْعقل أَيْضا هُوَ وَقت صفاء النَّفس لخفة الْمعدة لانهضام الطَّعَام وانحداره عَن الْمعدة وَزَوَال كلال الْحَواس وَضعف الْقوي وفقدان المشوشات وَسُكُون الْأَصْوَات وَنَحْو ذَلِك.

7495 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حَدثنَا أَبُو الزِّناد أنَّ الأعْرَجَ حدَّثَهُ أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أنّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم القِيامَةِ وبِهاذَا الإسْنادِ: قَالَ الله: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله وَهُوَ من الْأَحَادِيث القدسية.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع يروي عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة من حَدِيث مُسْتَقل.
وَقَوله: أنْفق أنْفق عَلَيْك حَدِيث آخر مُسْتَقل، وَقد سبق مرَارًا مثله وَهُوَ إِمَّا أَنه سَمعه من رَسُول الله مَعَ الَّذِي بعده فِي سِيَاق وَاحِد فنقله كَمَا سَمعه، أَو سمع الرَّاوِي من أبي هُرَيْرَة كَذَلِك فَرَوَاهُ كَمَا سَمعه، وَقيل: كَانَ

(25/159)


هَذَا فِي أول صحيفَة بعض الروَاة عَن أبي هُرَيْرَة بِالْإِسْنَادِ مُتَقَدما على الْأَحَادِيث فَلَمَّا أَرَادَ نقل حَدِيث مِنْهَا ذَكرُوهُ مَعَ الْإِسْنَاد.
قَوْله: نَحن الْآخرُونَ أَي: فِي الدُّنْيَا السَّابِقُونَ فِي الْآخِرَة.
قَوْله: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد أَي: الْإِسْنَاد الْمَذْكُور، وَهُوَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان ... إِلَى آخِره. قَوْله: أنْفق بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الْإِنْفَاق أَي: أنْفق على عباد الله. قَوْله: أنْفق بِضَم الْهمزَة فعل الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع جَوَاب الْأَمر، فَإِذا أنْفق العَبْد أعطَاهُ الله عوضه بل أَكثر مِنْهُ أضعافاً مضاعفة.

7497 - حدّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، حَدثنَا ابنُ فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ، عَن أبي زُرْعَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: هاذِهِ خَدِيجَةُ أتتْكَ بإناءٍ فِيهِ طَعامٌ أوْ إناءٍ فِيهِ شَرَابٌ فأقْرِئْها مِنْ رَبِّها السّلاَمَ وبَشِّرْها بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
انْظُر الحَدِيث 3820
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فأقرئها من رَبهَا السَّلَام وَهُوَ بِمَعْنى التَّسْلِيم عَلَيْهَا.
وَابْن فُضَيْل بِالتَّصْغِيرِ اسْمه مُحَمَّد، وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة اسْمه هرم البَجلِيّ.
وَمضى الحَدِيث فِي المناقب فِي: بَاب تَزْوِيج النَّبِي خَدِيجَة وفضلها، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: فَقَالَ هَذِه خَدِيجَة أتتك الْقَائِل هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد تقدم فِي المناقب: أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أَتَى جِبْرِيل النَّبِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه خَدِيجَة قد أَتَت ... الحَدِيث. وهذاك يُوضح هَذَا. وَنقل الْكرْمَانِي هَذَا هَكَذَا، ثمَّ قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَالْحَدِيث غير مَرْفُوع بل هُوَ مَوْقُوف، يَعْنِي بِالنّظرِ إِلَى صُورَة هَذَا فَقَوْل بَعضهم: جزم الْكرْمَانِي أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف غير مَرْفُوع، مَرْدُود مُجَرّد تشنيع عَلَيْهِ بِلَا وَجه لِأَن مَقْصُوده بِالنّظرِ إِلَى مَا ورد هُنَا مُخْتَصرا، وَلم يجْزم بِأَنَّهُ مَوْقُوف. قَوْله: أتتك وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: تَأْتِيك، بِصِيغَة الْمُضَارع، وَتقدم هُنَاكَ: أَتَت، بِغَيْر ضمير. قَوْله: بِإِنَاء فِيهِ طَعَام أَو إِنَاء فِيهِ شراب هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر: بِإِنَاء فِيهِ طَعَام أَو إِنَاء أَو شراب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى مَا قَالَه ثَانِيًا: أَو إِنَاء؟ ثمَّ أجَاب: يَعْنِي قَالَ: إِنَاء فِيهِ طَعَام أَو أطلق الْإِنَاء وَلم يذكر مَا فِيهِ، وَلم يُوجد فِي بعض النّسخ الثَّانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَو أدام، مَكَانَهُ، وَهَذَا الترديد شكّ من الرَّاوِي: أَو شراب، بِالرَّفْع والجر. قَوْله: بِبَيْت فِي التَّوْضِيح بَيت الرجل قصره وبيته دَاره وبيته شرفه. قَوْله: من قصب قَالَ الْكرْمَانِي: يُرِيد بِهِ قصب الدّرّ المجوف، وَقيل: اصْطِلَاح الجوهريين أَن يَقُولُوا: قصب من الدّرّ وقصب من الْجَوْهَر، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: أَرَادَ بقصر من زمردة مجوفة أَو من لؤلؤة مجوفة. قَوْله: لَا صخب فِيهِ أَي: لَا صياح وَلَا جلبة. قَوْله: وَلَا نصب أَي: وَلَا تَعب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي لاعوج.

7498 - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
ومعاذ بِضَم الْمِيم وبالذال ابْن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة روى عَن عبد الله بن مبارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة السَّجْدَة من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَذَا من الْأَحَادِيث القدسية.
قَوْله: أَعدَدْت أَي: هيأت. قَوْله: لعبادي الْإِضَافَة فِيهِ للتشريف أَي: لعبادي المخلصين، ويروى: لعبادي. فَقَط.

7499 - حدّثنا مَحْمُودٌ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ، أَخْبرنِي سُلَيْمانُ الأحْوَلُ أنَّ طاوُساً أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كانَ النبيُّ إِذا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْل قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْت نورُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْت قَيِّمُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ ربُّ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، أنْتَ الحقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وقَوْلُكَ الحقُّ ولِقاؤُكَ الحَقُّ، والجَنَّةُ حقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والنَّبِيُّونَ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْت وعَلَيْكَ

(25/160)


تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنْبَتُ وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، أنْتَ إلاهِي لَا إلاهَ إلاَّ أنْتَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وقولك الْحق وَمعنى الْحق الثَّابِت اللَّازِم.
ومحمود هُوَ ابْن غيلَان الْمروزِي، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب التَّهَجُّد وَمضى أَيْضا بِالْقربِ من أَوَائِل التَّوْحِيد فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} ، {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُو اْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

7500 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حدّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ الإيْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ بن المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ عائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَّأها الله مِمَّا قَالُوا، وكُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ الَّذِي حدّثني عنْ عائِشَةَ قالَتْ: ولاكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أظُنُّ أنَّ الله يُنْزِلُ فِي براءَتِي وَحْياً يُتْلاى، ولَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أحْقَرَ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بِأمْرٍ يُتْلَى، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَراى رسولُ الله فِي النَّوْمِ رُؤْيا يُبَرِّئُنِي الله بِها، فأنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} العَشْرَ الْآيَات.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أَن يتَكَلَّم الله وَهَذَا طرف من قصَّة الْإِفْك، وَقد ذكر مِنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد قطعا يسيرَة فِي مَوَاضِع مِنْهَا فِي الْجِهَاد والشهادات وَالتَّفْسِير، وَسَاقه بِتَمَامِهِ فِي الشَّهَادَات وَفِي تَفْسِير سُورَة النُّور.
وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة.
قَوْله: وكل أَي: كل وَاحِد من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين حَدثنِي طَائِفَة أَي: بَعْضًا. قَوْله: ينزل بِالضَّمِّ من الْإِنْزَال.

7501 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا المُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُولُ الله إِذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوها عَلَيْهِ حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها بِمِثْلِها. وإنْ تَرَكَها مِنْ أجْلِي فاكْتُبُوها لَهُ حَسَنَةً، وَإِذا أرادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْها فاكْتُبُوها لهُ حَسَنَةً، فَإِن عَمِلَها فاكْتبُوها لهُ بِعَشْرِ أمْثالِها إِلَى سَبَعْمِائَةٍ ضِعْف
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: يَقُول الله
وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن.
وَهُوَ من الْأَحَادِيث القدسية وَمضى فِي كتاب الرقَاق فِي: بَاب من هم بحسنة أَو بسيئة ... مثله من حَدِيث ابْن عَبَّاس.
قَوْله: من أَجلي أَي: امتثالاً لحكمي وخالصاً لي أَقُول: من أَجلي، يَعْنِي: خوفًا مني.

7502 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ عنْ مُعاوِيَةَ بنِ أبي مُزَرِّدٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رضِي الله عَنهُ، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خَلَقَ الله الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ؟ قالَتْ: هاذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، فَقَالَ: ألاَ تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلاى يَا رَبِّ قَالَ: فَذالِكَ لَكِ ثُمَّ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُو اْ أَرْحَامَكُمْ}
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ فِي ثَلَاث مَوَاضِع.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله وكنية عبد الله أَبُو أويس، وَمُعَاوِيَة بن أبي مزرد بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالدال الْمُهْملَة، وَاسم أبي مزرد عبد الرَّحْمَن بن يسَار أخي سعيد بن يسَار. ضد

(25/161)


الْيَمين الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْأَدَب.
قَوْله: فرغ مِنْهُ أَي: أتم خلقه وَهُوَ تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن. وَقَالَ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: الرَّحِم الَّتِي توصل وتقطع إِنَّمَا هِيَ معنى من الْمعَانِي لَا يَأْتِي مِنْهَا الْكَلَام إِذْ هِيَ قرَابَة تجمعها رحم وَاحِدَة فيتصل بَعْضهَا بِبَعْض، فَالْمُرَاد تَعْظِيم شَأْنهَا وفضيلة واصلها وتأثيم قاطعها على عَادَة الْعَرَب فِي اسْتِعْمَال الاستعارات. قَوْله: مَه أما كلمة ردع وزجر وَإِمَّا للاستفهام، فتقلب الْألف هَاء. قَوْله: هَذَا مقَام العائذ أَي المعتصم الملتجىء المستجير بك من قطع الْأَرْحَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ بَعضهم: فَإِن قيل: الْفَاء فِي: فَقَالَ، يُوجب كَون قَول الله عقيب قَول الرَّحِم، فَيكون حَادِثا. قلت: لما دلّ الدَّلِيل على قدمه وَجب حمله على معنى إفهامه إِيَّاهَا، أَو على قَول ملك أُمُور يَقُول لَهَا: قَالَ، وَقَول الرَّحِم: مَه؟ وَمَعْنَاهُ الزّجر مَال توجهه فَوَجَبَ توجهه إِلَى من عاذت الرَّحِم بِاللَّه من قطعه إِيَّاهَا، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول: منشأ الْكَلَام الأول قلَّة عقله، ومنشأ الثَّانِي فَسَاد نَقله.

7503 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ صالِحٍ عنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النبيُّ فَقَالَ: قَالَ الله أصْبَحَ: مِنْ عِبادي كافِرٌ بِي ومُؤْمِنٌ بِي

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الاسْتِسْقَاء.
قَوْله: مطر النَّبِي بِضَم الْمِيم أَي: وَقع الْمَطَر بدعائه، قد ذكرنَا أَن مطر فِي الرَّحْمَة وأمطر فِي الْعَذَاب. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الْعَرَب تَقول: مطرَت السَّمَاء وأمطرت، يَعْنِي: بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: أصبح من عبَادي بَينه فِي الحَدِيث الآخر قَالَ: فَمن قَالَ مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته فَذَلِك مُؤمن بِي وَكَافِر بالكوكب، وَمن قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، فَهُوَ مُؤمن بالكوكب كَافِر بِي.

7504 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: إذَا أحَبَّ عَبْدِي لِقائِي أحْبَبْتُ لِقاءَهُ، وإذَا كَرِهَ لِقائِي كَرِهْتُ لِقاءَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الرقَاق فِي: بَاب من أحب لِقَاء الله.
قَوْله: لقائي أَي: الْمَوْت.

7505 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
انْظُر الحَدِيث 7405 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله، والأعرج عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل التَّوْحِيد فِي: بَاب {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذاَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} أَي: إِن كَانَ مستظهر برحمتي وفضلي فارحمه بِالْفَضْلِ.

7506 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فإذَا ماتَ فَحَرِّقُوهُ واذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ ونِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَالله لَئِنْ قَدَرَ الله عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَهُ عَذَاباً لَا يُعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالِمَينَ، فأمَرَ الله البَحْرُ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وأمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وأنْتَ أعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ
انْظُر الحَدِيث 3481
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثمَّ قَالَ: لم فعلت؟
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي بني إِسْرَائِيل وَفِي الرقَاق.
قَوْله: قَالَ رجل هُوَ كَانَ نباشاً فِي بني إِسْرَائِيل. قَوْله: فَإِذا مَاتَ فِيهِ الْتِفَات وَمُقْتَضى الْكَلَام أَن يُقَال: فَإِذا مت. قَوْله: وَأَنت أعلم جملَة حَالية أَو مُعْتَرضَة. قَوْله: فغفر لَهُ قيل: إِن كَانَ مُؤمنا فَلم شكّ فِي قدرَة الله، وَإِن كَانَ كَافِرًا فَكيف غفر لَهُ؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ مُؤمنا بِدَلِيل الخشية، وَمعنى: قدر، مخففاً ومشدداً: حكم وَقضى أَو ضيق. كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن

(25/162)


يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَقيل أَيْضا على ظَاهره وَلكنه قَالَه وَهُوَ غير ضَابِط لنَفسِهِ، بل قَالَه فِي حَال دُخُول الدهش وَالْخَوْف عَلَيْهِ فَصَارَ كالغافل لَا يُؤَاخذ بِهِ، أَو أَنه جهل صفة من صِفَات الله وجاهل الصّفة كفره مُخْتَلف فِيهِ، أَو أَنه كَانَ فِي زمَان يَنْفَعهُ مُجَرّد التَّوْحِيد، أَو كَانَ فِي شرعهم جَوَاز الْعَفو عَن الْكَافِر، أَو مَعْنَاهُ: لَئِن قدر الله على مُجْتَمع صَحِيح الْأَعْضَاء ليعذبني وَحسب أَنه إِذا قدر عَلَيْهِ محترقاً مفترقاً لَا يعذبه.

7507 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إسْحاقَ، حدّثنا عَمُرُو بنُ عاصِمٍ، حَدثنَا هَمَّامٌ، حَدثنَا إسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله سَمِعْتُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنَ أبي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ قَالَ: إنَّ عَبْداً أصابَ ذَنْباً ورُبَّما قَالَ: أذْنَبَ ذَنْباً فَقَالَ: ربِّ أذْنَبْتُ ذَنْباً، ورُبَّما قَالَ: أصَبْتُ فاغْفِر لي. فَقَالَ ربُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ ربّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أصابَ ذَنْباً أوْ أذْنَبَ ذَنْباً فَقَالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ أوْ أصَبْتُ آخَرَ فاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شاءَ الله ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْباً ورُبَّما قَالَ: أصابَ ذَنْباً قَالَ: قَالَ رَبِّ أصَبْتُ أوْ أذْنَبْتُ آخَرَ فاغْفِرْهُ لي. فَقَالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، ويَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثاً فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَقَالَ ربه وَفِي قَوْله: فَقَالَ: أعلم عَبدِي؟
وَأحمد بن إِسْحَاق بن الْحصين بن جَابر بن جندل أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري نِسْبَة إِلَى سرمارة قَرْيَة من قرى بُخَارى، وَعَمْرو بن عَاصِم الكلاباذي الْبَصْرِيّ حدث عَنهُ البُخَارِيّ بِلَا وَاسِطَة فِي كتاب الصَّلَاة وَغَيرهَا، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة تَابِعِيّ جليل من أهل الْمَدِينَة لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عشرَة أَحَادِيث غير هَذَا الحَدِيث، وَاسم أَبِيه كنيته، وَهُوَ أَنْصَارِي صَحَابِيّ، وَيُقَال: إِن لعبد الرَّحْمَن رُؤْيَة، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: لَيست لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد بن حميد وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور.
قَالَ ربه: أعلم؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَالْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: يَأْخُذ بِهِ أَي: يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ. قَوْله: ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَي: من الزَّمَان. قَوْله: فاغفره لي أَي: اغْفِر الذَّنب لي واعف عني. قَوْله: فليعمل مَا شَاءَ مَعْنَاهُ: مَا دمت تذنب فتتوب غفرت لَك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الحَدِيث: إِن الذُّنُوب وَلَو تَكَرَّرت مائَة مرّة بل ألفا وَأكْثر وَتَابَ فِي كل مرّة قبلت تَوْبَته، أَو تَابَ عَن الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة صحت تَوْبَته.

7508 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَد، حدّثنا مُعَتَمرٌ، سَمِعْتُ أبي، حَدثنَا قَتادَةُ عَن عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الغافِرِ، عنْ أبي سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ أوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي: أعْطاهُ الله مَالا ووَلَداً، فَلمَّا حَضَرَتِ الوَفاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالُوا: خَيْرَ أبٍ. قَالَ: فإنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ الله خَيْراً، وإنْ يَقْدِرِ الله عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فانْظُرُوا إِذا مُتُّ فأحْرِقُونِي حتَّى إِذا صِرْتُ فَحْماً فاسْحَقْونِي أوْ قَالَ: فاسْحَكُوني فَإِذا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عاصِفٍ فأذْرونِي فِيها، فَقَالَ نَبِيُّ الله فأخَذَ مَواثِيقَهُمْ عَلى ذالِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا، ثُمَّ أذْرَوْهُ فِي يَوْمِ عَاصِفٍ، فَقَالَ الله عَزَّ وجلَّ: كُنْ فَإِذا هُوَ رَجُلٌ قائِمٌ، قَالَ الله: أيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلى أنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَو فَرَقٌ مِنْكَ قَالَ: فَما تَلافاهُ أنْ رَحِمَهُ عِنْدَها وَقَالَ

(25/163)


مَرَّةً أُخْراى: فَما تَلاَفاهُ غَيْرُها.
فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هاذَا مِنْ سَلْمانَ غَيْرَ أنَّهُ زَادَ فِيهِ: أذْرُونِي فِي البَحْرِ، أوْ كَمَا حَدَّثَ.
انْظُر الحَدِيث 3468 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله. أَي عَبدِي
وَشَيخ البُخَارِيّ عبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود الْبَصْرِيّ ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ، وَعقبَة بن عبد الغافر أَبُو نَهَار الْأَزْدِيّ العوذي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ، وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الرقَاق عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ على نسق.
قَوْله: أَو فِيمَن كَانَ شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: قَالَ كلمة أَي قَالَ النَّبِي، كلمة. قَوْله: يَعْنِي: أعطَاهُ الله مَالا وَولدا تَفْسِير لقَوْله: كلمة، وَهُوَ صفة لقَوْله: رجلا قَوْله: أَي أَب كنت لكم؟ لفظ: أَي، مَنْصُوب بقوله: كنت وَجَاز تَقْدِيمه لكَونه استفهاماً. وَيجوز الرّفْع. قَوْله: قَالُوا: خير أَب بِالنّصب على تَقْدِير: كنت خير أَب، وَيجوز الرّفْع بِتَقْدِير أَنْت خير أَب. قَوْله: لم يبتئر من الافتعال من بأر بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء أَي: لم يقدم خبيئة خير وَلم يدّخر، يُقَال فِيهِ: بارت الشَّيْء وابتارته أباره وابتئره. قَوْله: أَو لم يبتئز بالزاي مَوضِع الرَّاء، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقيل: ينْسب هَذَا إِلَى أبي زيد الْمروزِي. قَوْله: فاسحقوني من سحق الدَّوَاء دقه وَمِنْه مسك سحيق. قَوْله: أَو قَالَ: فاسحكوني شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، ويروى: فاسهكوني بِالْهَاءِ بدل الْحَاء الْمُهْملَة وَقَالَ الْخطابِيّ، ويروى فأسحلوني، يَعْنِي: بِاللَّامِ، ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ أبردوني بالمسحل وَهُوَ الْمبرد، وَيُقَال للبرادة سحالة. قَوْله: فأذروني فِيهَا أَي: الرّيح من ذرى الرّيح الشَّيْء وأذرته أطارته. قَوْله: وربي قسم من الْمخبر بِذَاكَ عَنْهُم تَأْكِيد لصدقه. قَوْله: أَو فرق شكّ من الرَّاوِي أَي: خوف مِنْك. قَوْله: فَمَا تلافاه بِالْفَاءِ أَي: فَمَا تَدَارُكه. قَوْله: أَن رَحمَه أَي: بِأَن رَحمَه. قَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُومه عكس الْمَقْصُود، ثمَّ قَالَ: مَا، مَوْصُولَة أَي: الَّذِي تلافاه هُوَ الرَّحْمَة أَو نَافِيَة وَكلمَة الِاسْتِثْنَاء محذوفة عِنْد من جوز حذفهَا، أَو المُرَاد مَا تلافى عدم الابتئار لأجل أَن رَحمَه الله، أَو بِأَن رَحمَه.
قَوْله: فَحدثت بِهِ أَبَا عُثْمَان وَهُوَ عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ وَالْقَائِل بِهِ هُوَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَقَالَ بَعضهم: ذهل الْكرْمَانِي فَجزم بِأَنَّهُ قَتَادَة. قلت: لم أر هَذَا فِي شَرحه، وَلَئِن كَانَ مَوْجُودا فَلهُ أَن يَقُول: أَنْت ذهلت لِأَنَّهُ لم يبرهن على مَا قَالَه. قَوْله: من سلمَان هُوَ سلمَان الْفَارِسِي الصَّحَابِيّ، وَأَبُو عُثْمَان مَعْرُوف بالرواية عَنهُ.
حدّثنا مُوسَى حَدثنَا مُعْتَمرٌ، وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدثنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ، فَسَّرَهُ قَتادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ.
مُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي حدث عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، وَقَالَ: لم يبتئر، يَعْنِي بالراء وَقد سَاقه بِتَمَامِهِ فِي الرقَاق. قَوْله: وَقَالَ خَليفَة أَي: ابْن خياط أحد شُيُوخ البُخَارِيّ حدث عَن مُعْتَمر، وَقَالَ: لم يبتئز بالزاي. قَوْله: فسره أَي: فسر لفظ لم يبتئز قَتَادَة بِأَن مَعْنَاهُ لم يدّخر.

36 - (بابُ كَلاَمِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ الأنْبِياءِ وغَيْرِهِمْ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان كَلَام الرب عز وَجل ... الخ لما بَين كَلَام الرب مَعَ الْمَلَائِكَة الْمُشَاهدَة لَهُ ذكر فِي هَذَا الْبَاب كَلَامه مَعَ الْبشر يَوْم الْقِيَامَة بِخِلَاف مَا حرمهم فِي الدُّنْيَا. لحجابه الْأَبْصَار عَن رُؤْيَته فِيهَا، فيرفع فِي الْآخِرَة ذَلِك الْحجاب عَن أَبْصَارهم ويكلمهم على حَال الْمُشَاهدَة، كَمَا قَالَ، لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان، وَفِي جَمِيع أَحَادِيث الْبَاب كَلَام الْعَرَب عز وَجل مَعَ عباده.

7509 - حدّثنا يُوسفُ بنُ راشِدٍ، حَدثنَا أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا أبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاش، عنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً، رَضِي الله عَنهُ: قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ

(25/164)


شُفِّعْتُ فَقُلْتُ: يَا ربِّ أدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ؛ فَيَدْخُلونَ، ثُمَّ أقُولُ: أدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أدْنَى شَيْءٍ
فَقَالَ أنَسٌ: كأنِّي أنْظُرُ إِلَى أصابِعِ رسولِ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن السِّيَاق يدل عَلَيْهَا من التشفيع وَقَوله: يَا رب والإجابة مَعَ أَن الحَدِيث مُخْتَصر.
ويوسف بن رَاشد هُوَ يُوسُف بن موساى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي نزيل بَغْدَاد، ونسبته لجده أشهر، وَأحمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي روى عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة فِي الْوضُوء وَغَيره، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش بِالْعينِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْأَسدي القارىء، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
قَوْله: شفعت على صِيغَة الْمَجْهُول كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بفتحه مخففاً فَالْأول من التشفيع وَهُوَ تَفْوِيض الشَّفَاعَة إِلَيْهِ وَالْقَبُول مِنْهُ. قَوْله: أَدخل الْجنَّة بِفَتْح الْهمزَة من الإدخال. قَوْله: من كَانَ مَفْعُوله. قَوْله: خردلة أَي: من الْإِيمَان.
وَقَالَ بَعضهم وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: صِحَة القَوْل بتجزيء الْإِيمَان وزيادته ونقصانه. قلت: الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يقبل الشدَّة والضعف، فَكيف يتجزىء؟ وَلَفظ الخردلة والذرة والشعيرة تَمْثِيل.
قَوْله: كَأَنِّي أنظر إِلَى أَصَابِع رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَعْنِي: عِنْد قَوْله: أدنى شَيْء يضم أَصَابِعه وَيُشِير بهَا.

7510 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، حَدثنَا مَعْبَدُ بنُ هِلاَلٍ العَنَزِيُّ قَالَ: اجْتَمَعْنا ناسٌ مِنْ أهْلِ البَصْرَةِ فَذَهَبْنا إِلَى أنَسِ بنِ مالِكٍ وذَهَبْنا مَعَنا بِثابتٍ إلَيْهِ يَسْألُهُ لَنا عنْ حَدِيثِ الشّفاعَةِ، فإذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْناهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فاسْتأْذَنَّاهُ فأذِنَ لَنا وهُوَ قاعِدٌ عَلى فِرَاشِهِ، فَقُلْنا لِثابتٍ: لَا تَسْألْهُ عنْ شَيْءٍ أوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفاعَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَة هاؤُلاَءِ إخْوَانُكَ مِنْ أهْلِ البَصْرَةِ جاؤُوكَ يَسْألُونَكَ عنْ حَدِيثِ الشّفاعَةِ. فَقَالَ: حدّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ: إذَا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ ماجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيأْتُونَ آدَمَ فَيقُولونَ: اشْفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإبْرَاهِيمَ فَإنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمانِ، قَالَ: فَيأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوساى فإنَّهُ كَلِيمُ الله، فَيأْتُونَ مُوساى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فإنَّهُ رُوحُ الله وكَلِمَتُهُ، فَيأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لسْتُ لَهَا، ولَكِنْ عَليْكُمْ بِمُحَمَّدٍ فَيأْتُوني فأقُولُ: أَنا لَهَا. فأسْتَأذِنُ عَلى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي ويُلْهِمُني مَحامِدَ أحْمَدُهُ بِها لَا تَحْضُرُني الآنَ، فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ وأخرُّ لهُ ساجِداً، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فأقُولُ: يَا ربِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيُقالُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مِنْها مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إيمانٍ، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ، ثُمَّ أعُودُ فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ ثُمَّ أخرُّ لهُ ساجِداً فَيُقالُ: يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيُقَال: انْطَلِقْ فأخرِجْ مِنْها مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ أوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمانٍ، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ، ثُمَّ أعُودُ. فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لهُ ساجِداً فيقالُ: يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَان فأخْرِجُه مِنَ النَّار، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ
فَلمَّا خَرَجْنا مِنْ عِنْدَ أنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضٍ أصْحابِنا: لوْ مرَرْنا بِالحَسَنِ وهْوَ مُتَوارٍ فِي مَنْزِلِ أبي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْناهُ بِما حدّثنا أنَسُ بنُ

(25/165)


مالِكٍ فأتَيْناهُ فَسَلَّمْنا عَلَيْهِ فأذِنَ لَنا، فَقُلْنا لهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْناكَ مِنْ عِنْدِ أخِيكَ أنَسِ بنِ مالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حدَّثَنا فِي الشَّفاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَحَدَّثْناهُ بِالحدِيثِ فانْتهاى إِلَى هاذَا المَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَقُلْنا: لَمْ يَزِدْ لَنا عَلى هاذا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدّثني وهْوَ جَميعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلا أدْرِي أنَسِيَ أمْ كَرِهَ أنْ تَتَّكِلُوا؟ قُلْنا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنا. فَضَحِكَ وَقَالَ خُلقَ الإنْسانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنا أُرِيدُ أنْ أُحَدِّثَكُمْ: حَدَّثَني كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ أعُودُ الرَّابِعَةَ فأحمَدُهُ بِتلْكَ المَحامِدِ ثُمَّ أخِرُّ لهُ ساجِداً فَيقُالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ وقلْ يُسْمَعْ وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله، فَيَقُولُ: وعِزَّتِي وَجلالِي وكِبْرِيائي وعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْها مَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن فِيهِ سُؤَالَات من النَّبِي والأجوبة من الله عز وَجل.
ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن هِلَال الْعَنزي نِسْبَة إِلَى عنز بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالنون وَالزَّاي، وَهُوَ عبد الله بن وَائِل بن قاسط يَنْتَهِي إِلَى ربيعَة بن نزار، وَهُوَ بَصرِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره. قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لم يرو فِي البُخَارِيّ إلاَّ حَدِيث الشَّفَاعَة هَذَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي ربيع الزهْرَانِي وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن يحيى بن جُنْدُب وَلم يذكر فِيهِ حَدِيث الْحسن.
قَوْله: نَاس من أهل الْبَصْرَة بَيَان لقَوْله: اجْتَمَعنَا وَهُوَ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وهم نَاس، أَو: وَنحن نَاس من أهل الْبَصْرَة، يَعْنِي: لَيْسَ فيهم أحد من غير أَهلهَا. قَوْله: بِثَابِت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن أسلم الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبنانِيّ، نِسْبَة إِلَى بنانة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى، وَكَانَت أمة لسعد بن لؤَي حضنت بنته، وَقيل: زَوجته وَنسب إِلَيْهَا ولد سعد، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب لَيْسَ مَنْسُوبا إِلَى الْقَبِيلَة، وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْبنانِيّ لِأَنَّهُ كَانَ ينزل سكَّة بنانة بِالْبَصْرَةِ، وَعلي بن إِبْرَاهِيم الْبنانِيّ مَنْسُوب إِلَى بنانة نَاحيَة من نواحي الشاهجان. قَوْله: يسْأَله أَي: يسْأَل ثَابت أنسا وَهُوَ من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: فِي قصره كَانَ قصر أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِموضع يُسمى الزاوية على نَحْو فرسخين من الْبَصْرَة. قَوْله: أول أَي: أسبق ووزنه أفعل أَو فوعل فِيهِ اخْتِلَاف بَين عُلَمَاء التصريف. قَوْله: يَا أَبَا حَمْزَة أَصله: يَا أَبَا حَمْزَة، حذفت الْألف للتَّخْفِيف، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي كنية أنس. قَوْله: فَقَالَ: حَدثنَا أَي: فَقَالَ أنس: حَدثنَا مُحَمَّد قَوْله: ماج النَّاس أَي: اضْطَرَبُوا واختلطوا من هَيْبَة ذَلِك الْيَوْم، يُقَال: ماج الْبَحْر اضْطَرَبَتْ أمواجه. قَوْله: لست لَهَا أَي: لَيْسَ لي هَذِه الْمرتبَة. قَوْله: عَلَيْكُم بإبراهيم لم يذكر فِيهِ نوحًا فَإِنَّهُ سبق فِي الرِّوَايَات الْأُخَر، قَالَ آدم: عَلَيْكُم بِنوح، ونوح قَالَ: عَلَيْكُم بإبراهيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ آدم قَالَ: ائْتُوا غَيْرِي نوحًا وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا، قلت: لَيْسَ فِيهِ مَا يُغني عَن الْجَواب، وَيُمكن أَن يكون آدم ذكر نوحًا أَيْضا وَذهل عَنهُ الرَّاوِي هُنَا. قَوْله: فَإِنَّهُ كليم الله كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَإِنَّهُ كلم الله بِلَفْظ الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: فَيُقَال: يَا مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَيَقُول، فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة. قَوْله: أَنا لَهَا أَي: للشفاعة يَعْنِي: أَنا أتصدى بِهَذَا الْأَمر. قَوْله: فَأَقُول: يَا رب أمتِي أمتِي قيل الطالبون للشافعة مِنْهُ عَامَّة الْخَلَائق وَذَلِكَ أَيْضا للإراحة من هول الْموقف لَا للإخراج من النَّار، وَأجَاب القَاضِي عِيَاض وَقَالَ: المُرَاد فَيُؤذن لي فِي الشَّفَاعَة الْمَوْعُود بهَا فِي إِزَالَة الهول، وَله شفاعات أخر خَاصَّة بأمته، وَفِيه اخْتِصَار. وَقَالَ الْمُهلب: فَأَقُول: يَا رب أمتِي أمتِي مِمَّا زَاد سُلَيْمَان بن حَرْب على سَائِر الروَاة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا. لِأَن الْخَلَائق اجْتَمعُوا واستشفعوا وَلَو كَانَت هَذِه الْأمة لم تذْهب إِلَى غير نبيها، وَأول هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مُتَّصِلا بِآخِرهِ، وَإِنَّمَا أَتَى فِيهِ بِأول الْأَمر وَآخره وَفِيمَا بَينهمَا ليذْهب كل أمة من كَانَ يعبد، وَحَدِيث: يُؤْتى بجهنم، وَحَدِيث ذكر الموازين والصراط وتناثر الصُّحُف وَالْخِصَام بَين يَدي الرب، جلّ جَلَاله، وَأكْثر أُمُور يَوْم الْقِيَامَة هِيَ فِيمَا بَين أول هَذَا الحَدِيث وَآخره. قَوْله: ذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة

(25/166)


وَتَشْديد الرَّاء، وصحف شُعْبَة فَرَوَاهُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف. قَوْله: أدنى أَي: أقل، وَفَائِدَة التّكْرَار التَّأْكِيد، وَيحْتَمل أَن يُرَاد التَّوْزِيع على الْحبَّة والخردلة وَالْإِيمَان أقل حَبَّة من أقل خردلة من أقل إِيمَان.
قَوْله: بالْحسنِ أَي: الْبَصْرِيّ. قَوْله: وَهُوَ متوارٍ أَي: مختف فِي منزل أبي خَليفَة الطَّائِي الْبَصْرِيّ خوفًا من الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ. قَوْله: من عِنْد أَخِيك أَي: فِي الدّين والمؤمنون إخْوَة. قَوْله: فَقَالَ: هيه؟ بِكَسْر الهاءين وَهِي كلمة استزادة فِي الحَدِيث وَقد تنون، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِكَسْر الْهَاء من غير تَنْوِين وَمَعْنَاهُ: زد من هَذَا الحَدِيث، وَالْهَاء بدل من الْهمزَة، كَمَا أبدلت فِي هراق وَأَصله أرقاق، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا قلت إيه يَا رجل؟ تُرِيدُ بِكَسْر الْهَاء غير منونة فَإِنَّمَا تَأمره أَن يزيدك من الحَدِيث الْمَعْهُود. كَأَنَّك قلت: هَات الحَدِيث، وَإِن نونت كَأَنَّك قلت: هَات حَدِيثا مَا. قَوْله: وَهُوَ جَمِيع أَي: مُجْتَمع أَرَادَ أَنه كَانَ حينئذٍ شَابًّا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الرجل الْمُجْتَمع الَّذِي بلغ أشده وَلَا يُقَال ذَلِك للْأُنْثَى. قَوْله: مُنْذُ عشْرين سنة مُنْذُ ومذ يَصح أَن يَكُونَا حرفي جر وَيصِح أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ فَترفع مَا بعدهمَا على التَّارِيخ أَو على التَّوْقِيت. تَقول فِي التَّارِيخ: مَا رَأَيْته مذ يَوْم الْجُمُعَة، أَي: أول انْقِطَاع الرُّؤْيَة يَوْم الْجُمُعَة، وَفِي التَّوْقِيت مَا رَأَيْته مُنْذُ سنة أَي: أمد ذَلِك سنة. قَوْله: أَن تتكلوا أَي: تعتمدوا على الشَّفَاعَة فتتركون الْعَمَل. قَوْله: وَعِزَّتِي لَا فرق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ وَأَنَّهَا مترادفة، وَقيل: نقيض الْعِزَّة الذل ونقيض الْكبر الصغر ونقيض العظمة الحقارة ونقيض الْجَلِيل الدَّقِيق وبضدها تتبين الْأَشْيَاء وَإِذا أطلقت على الله فَالْمُرَاد لوازمها بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، وَقيل: الْكِبْرِيَاء يرجع إِلَى كَمَال الذَّات، وَالْعَظَمَة إِلَى كَمَال الصِّفَات، والجلال إِلَى كمالها. قَوْله: لأخْرجَن مِنْهَا من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله فَإِن قلت: لَو لم يقل: مُحَمَّد رَسُول الله، لكفاه. قلت: لَا، وَهَذَا إِشْعَار كَمَال الْكَلِمَة وتمامها كإطلاق: الْحَمد لله رب الْعَالمين وَإِرَادَة السُّورَة بِتَمَامِهَا.

7511 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ، حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنْ إسْرَائِيلَ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْراهيمَ، عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله إنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ وآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً فَيقُولُ لهُ رَبَّهُ ادْخُلِ الجَنَةَ فَيَقُولُ رَبِّ الجَنّةُ مَلْأى، فَيَقُولُ لهُ ذالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْه: الجَنَّةُ مَلْأى، فَيقُولُ: إنَّ لَكَ مثْلَ الدُّنْيا عَشْرَ مِرارٍ
انْظُر الحَدِيث 6571
مطابقه للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: فَيَقُول لَهُ ربه
وَمُحَمّد بن خَالِد، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الذهلي بِضَم الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء. قلت: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس نسب لجد أَبِيه وَبِذَلِك جزم الْحَاكِم والكلاباذي وَأَبُو مَسْعُود، وَقيل: مُحَمَّد بن خَالِد بن جبلة الرافقي، وَبِذَلِك جزم أَبُو أَحْمد بن عدي وَخلف الوَاسِطِيّ فِي الْأَطْرَاف وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: مُحَمَّد بن مخلد، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، وَلم يذكر أحد مِمَّن صنف رجال البُخَارِيّ وَلَا فِي رجال الْكتب السِّتَّة أحدا اسْمه مُحَمَّد بن مخلد، وَهُوَ يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى الْكُوفِي وَكَثِيرًا يروي البُخَارِيّ عَنهُ بِلَا وَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين ابْن عَمْرو السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي صفة الْجنَّة عَن عُثْمَان عَن جرير، وَمضى مطولا فِي الرقَاق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
فِيهِ قَوْله (حبواً) وَهُوَ الْمَشْي على الْيَدَيْنِ وعَلى الْبَطن أَو على الأست. قَوْله: فَكل ذَلِك بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: كل ذَلِك، بِدُونِ الْفَاء. قَوْله: عشر مرار وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عشر مَرَّات.

7512 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرِ، أخبرنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ خَيْثَمَة، عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ سيُكَلِّمُهُ ربُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ

(25/167)


تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَن مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، ويَنْظرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلاَ يَرَى إلاّ النّارَ تِلْقاءَ وَجِههِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
قَالَ الأعْمَشُ: وحدّثني عَمْرُو بنُ مُرَّةَ عنْ خَيْثَمَةَ مِثْلُهُ، وزادَ فِيهِ: ولَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن حجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم السَّعْدِيّ الْمروزِي، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وخيثمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ.
قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مضى فِي الرقَاق عَن عمر بن حَفْص وَإِنَّمَا أخرجه فِي الزَّكَاة مُسلم.
قَوْله: ترجمان بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم وبفتحهما وضمهما. قَوْله: أَيمن مِنْهُ الْأَيْمن الميمنة. قَوْله: أشأم مِنْهُ الأشام المشئمة.
قَوْله: قَالَ الْأَعْمَش مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.

7513 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ، حدّثنا جَريرٌ، عنْ مَنْصُور، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَبْيدَةَ، عنْ عبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: إنَّهُ إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ جَعَلَ الله السَّماوَاتِ عَلى إصْبَعٍ، والأرَضينَ عَلى إصْبَعٍ والماءَ والثَّرَى عَلى إصْبَعٍ والخَلاَئِقَ عَلى إصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ أَنا المَلِكُ، فَلَقَدْ رَأيْتُ النَّبِي يَضْحكُ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّباً وتَصْدِيقاً لِقَوْلِه، ثُمَّ قَالَ النبيُّ إِلَى قَوْله {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاَْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك أَنا الْملك
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعبيدَة السَّلمَانِي. وَكلهمْ كوفيون.
والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاب بِسِتَّة عشر بَابا فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَقد قُلْنَا: إِن الحَدِيث من المتشابهات وَالْأَمر فِيهِ إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا التَّأْوِيل، وَالْمَقْصُود بَيَان استحقار الْعَالم عِنْد قدرته إِذْ يسْتَعْمل الْحمل بالإصبع عِنْد الْقُدْرَة بالسهولة وحقارة الْمَحْمُول، كَمَا تَقول لمن اسْتَقل شَيْئا: أَنا أحملهُ بخنصري.
قَوْله: ثمَّ يَهُزهُنَّ وَفِيه إِشَارَة أَيْضا إِلَى حقارتها أَي: لَا يثقل عَلَيْهِ لَا إِِمْسَاكهَا وَلَا تحريكها وَلَا قبضهَا وَلَا بسطها.

7514 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عنْ قَتادَةَ، عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحرِزٍ أنَّ رجُلاً سألَ ابنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رسولَ الله يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: يَدْنُو أحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، ويَقُولُ: أعمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيا وَأَنا أغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ
وَقَالَ آدَمُ: حدّثنا شَيْبانُ حدّثنا قَتادَةُ حَدثنَا صَفْوَانُ عنِ ابنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ النبيَّ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَيَقُول فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَصَفوَان بن مُحرز على صِيغَة اسْم فَاعل من الْإِحْرَاز بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي الْمَازِني.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْمَظَالِم.
قَوْله: فِي النَّجْوَى أَي: التناجي الَّذِي بَين الله وَعَبده الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: يدنو من الدنو وَالْمرَاد بِهِ الْقرب الرتبي لَا المكاني. قَوْله: كنفه بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ السَّاتِر أَي: حَتَّى تحيط بِهِ عنايته التَّامَّة وَهُوَ أَيْضا من المتشابهات وَفِيه فضل عَظِيم من الله عز وَجل على عباده الْمُؤمنِينَ. قَوْله: فيقرره أَي: يَجعله مقرا بذلك أَو مُسْتَقرًّا عَلَيْهِ ثَابتا.
قَوْله: وَقَالَ آدم هُوَ ابْن أبي إِيَاس ذكر هَذِه الرِّوَايَة لتصريح قَتَادَة فِيهَا بقوله: حَدثنَا صَفْوَان وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن.

(25/168)


37 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} )

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْله عز وَجل: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب مَا جَاءَ {وكلم الله مُوسَى تكليماً} ولغيرهما: بَاب قَوْله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَأورد البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة مستدلاً بِأَن الله مُتَكَلم، وَأجْمع أهل السّنة على أَن الله تَعَالَى كلم مُوسَى بِلَا وَاسِطَة وَلَا ترجمان، وأفهمه مَعَاني كَلَامه وأسمعه إِيَّاه إِذْ الْكَلَام مِمَّا يَصح سَمَاعه، وَهَذِه الْآيَة أقوى مَا ورد فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة.
وَقَالَ ابْن التِّين: اخْتلف المتكلمون فِي سَماع كَلَام الله فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: كَلَام الله الْقَائِم بِذَاتِهِ يسمع عِنْد تِلَاوَة كل تالٍ وَعند قِرَاءَة كل قارىء، وَقَالَ الباقلاني: إِنَّمَا تسمع التِّلَاوَة دون المتلو وَالْقِرَاءَة دون المقروء.

7515 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، حَدثنَا عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب، حَدثنَا حُمَيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ قَالَ: احْتَجَّ آدمُ ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي أخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ آدَمُ: أنْتَ مُوسَى الّذِي اصْطَفاكَ الله بِرِسالاتِهِ وبِكَلاَمِهِ، بِمَ تَلُومُنِي عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اصطفاك الله برسالته وبكلامه
وَعقيل بِالضَّمِّ هُوَ ابْن خَالِد. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْقدر.
قَوْله: احْتج آدم ومُوسَى أَي: تحاجا وتناظرا. قَوْله: أخرجت ذريتك من الْجنَّة أَي: كنت سَببا لخروجهم بِوَاسِطَة أكل الشَّجَرَة. قَوْله: وبكلامه كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني: بِكَلَامِهِ، بِالْبَاء وَفِي رِوَايَة غَيره: كَلَامه، بِلَا بَاء. قَوْله: بِمَ أَصله بِمَا تلومني؟ ويروى: ثمَّ تلومني؟ بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: فحج أَي: غلب آدم مُوسَى بِالْحجَّةِ.

7516 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حَدثنَا هِشامٌ، حَدثنَا قَتادَةُ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُجْمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنا إِلَى رَبِّنا فَيُريحُنا مِنْ مَكانِنا هاذَا فَيأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لهُ: أنْتَ آدَمُ أبُو البَشَرِ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وأسْجَدَ لَكَ الملائِكَةَ وعَلْمَكَ أسْماءَ كلِّ شَيْءٍ، فاشْفَعْ لَنا إِلَى ربِّنا حتَّى يُرِيحَنا. فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُناكُم ... فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الّتي أصابَ
ا
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث أنس طَوِيل، وَقد مضى فِي الرقَاق.
وَهِشَام هُوَ الدستوَائي: قَالَ الْكرْمَانِي: أَيْن التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: تَمام الحَدِيث وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام؛ عَلَيْكُم بمُوسَى فَإِنَّهُ كليم الله، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ؛ أَرَادَ ذكر مُوسَى، قَالُوا لَهُ: وكلمك الله ... فَلم يذكرهُ.

7517 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني سُلَيمانُ عَن شَرِيكِ بنِ عَبدِ الله أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ مالِكٍ يَقُولُ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ الله مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ إنّهُ جاءَهُ ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَن يُوحَى إلَيْهِ وهْوَ نائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحرامِ، فَقَالَ أوَّلُهُمْ: أيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حتَّى أتَوْهُ لَيْلَةً أُخْراى فِيما يَراى قَلْبُهُ، وتَنامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنامُ قَلْبُهُ، وكَذالِكَ الأنْبِيَاءُ تَنامُ أعْيُنُهُمْ وَلَا تَنامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ

(25/169)


نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حتَّى فَرَغَ مِنْ صدْرِهِ وجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حتَّى أنْقاى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوّاً إِيمَانًا وحِكْمَةً، فَحَشا بِهِ صَدْرَهُ ولَغادِيدَهُ يَعْني: عُرُوقَ حَلْقِهِ ثُمَّ أطْبقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، فَضَرَبَ بَابا مِنْ أبْوابِها فَنادَاهُ أهْلُ السَّماءِ: مَنْ هاذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قالُوا: ومَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: وقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالُوا: فَمَرْحَباً بِهِ وأهْلاً، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أهْلُ السَّماءِ لَا يَعْلَمُ أهْلُ السَّماءِ مَا يُرِيدُ الله بِهِ فِي الأرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّماءِ الدُّنْيا آدَمَ، فَقَالَ لهُ جِبْرِيلُ: هاذا أبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ورَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ: مَرَحْباً وأهْلاً بِابْنِي نِعْمَ الابْنُ أنْتَ، فَإِذا هُوَ فِي السَّماءِ الدُّنْيا بِنَهْرَيْنِ يَطِردانِ، فَقَالَ: مَا هاذانِ النَّهَرانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هاذانِ النَّيلُ والفُراتُ عُنْصُرُهُما، ثُمَّ مَضاى بِهِ فِي السَّماءِ فَإِذا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذا هُوَ مِسْكٌ أذْفَرُ، قَالَ: مَا هاذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هاذا الكَوْثَرُ الّذِي خَبَأ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الثَّانِيَةِ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ لهُ مِثْلَ مَا قالَت لهُ الأُولَى: مَنْ هاذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قالُوا: ومَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قالُوا: وقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالُوا: مرْحباً بِهِ وأهْلاً، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الثَّالِثَةِ وقالُوا لهُ مِثْلَ مَا قالَتِ الأُولَى والثانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الخامِسَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ السَّابِعَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، كُلُّ سَماءٍ فِيها أنْبِياءٌ قَدْ سَمَّاهُمْ، فأوْعَيْتُ مِنْهُمْ: إدْرِيسَ فِي الثانِيَةِ، وهارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وآخَرَ فِي الخامِسَةِ لَمْ أحْفَظِ اسْمهُ، وإبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، ومُوساى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلامِ الله، فَقَالَ مُوساى: رَبِّ لَمْ أُظُنَّ أنْ يَرْفَعَ عَلَيَّ أحَدٌ. ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْق ذالِكَ بِما لَا يَعْلَمُهُ إلاَّ الله حتَّى جاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهاى، ودَنا الجَبَّارُ رَبُّ العزةِ فَتَدَلّى حتَّى كانَ مِنْهُ قابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَى فأوْحاى الله فِيما أوْحاى إلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلاةً عَلى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، ثمَّ هَبَطَ حتَّى بَلَغَ مُوساى فاحْتَبَسَهُ مُوساى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إلَيْكَ ربُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، قَالَ: إنَّ أمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذالِكَ، فارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وعَنْهُمْ، فالْتَفَتَ النبيُّ إِلَى جِبْرِيلَ كأنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذالِكَ، فأشارَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ؛ أنْ نَعَمْ، إنْ شِئْتَ. فَعَلا بِهِ إِلَى الجَبَّارِ فَقَالَ وهْوَ مَكانَهُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا، فإنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هاذا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَواتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوساى فاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُه مُوساى إِلَى رَبِّهِ حتَّى صارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوات، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوساى عِنْدَ الخَمْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالله لَقَدْ راوَدْتُ بَنِي إسْرائِيلَ قَوْمِي عَلى أدْنَى مِنْ هاذا فَضَعفُوا فَتَرَكُوهُ، فأُمَّتَكَ أضْعَفُ أجْساداً وقُلُوباً وأبْداناً وأبْصاراً وأسْماعاً، فارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كلَّ ذالِكَ يَلْتَفِتُ النبيُّ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَهُ ذالِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخامِسَةَ فَقَالَ: يَا رَبّ

(25/170)


ِ إنَّ أُمَّتِي ضُعَفاءُ أجْسادُهُمْ وقُلُوبُهُمْ وأسْماعُهُمْ وأبْدانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا؟ . فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ قَالَ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ. قَالَ: إنّهُ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتابِ. قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أمْثالِها فَهْيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتاب، وهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوساى فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أعْطانا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثالِها. قَالَ مُوساى: قَدْ وَالله رَاوَدْتُ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى أدْنَى مِنْ ذالِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أيْضاً: قَالَ رسولُ الله يَا مُوساى قَدْ وَالله اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلفْتُ إلَيْهِ. قَالَ: فاهْبِطْ بِسْمِ الله. قَالَ: واسْتَيْقَظَ وهْوَ فِي مَسْجِدِ الحَرامِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ومُوسَى فِي السَّابِعَة بتفضيل كَلَام الله
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَشريك بن عبد الله بن أبي نمر بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم الْمدنِي التَّابِعِيّ، وَهُوَ أكبر من شريك بن عبد الله النَّخعِيّ القَاضِي وَقَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي رِوَايَة شريك أَوْهَام أنكرها الْعلمَاء من جُمْلَتهَا أَنه قَالَ ذَلِك قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ، وَهُوَ غلط لم يُوَافق عَلَيْهِ، وَأَيْضًا: الْعلمَاء أَجمعُوا على أَن فرض الصَّلَاة كَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء، فَكيف يكون قبل الْوَحْي؟ قَوْله: ابْن مَالك هُوَ أنس بن مَالك، كَذَا وَقع فِي كثير من النّسخ، وَصرح فِي بَعْضهَا: أنس بن مَالك، رَضِي الله عَنهُ.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ أورد حَدِيث الْإِسْرَاء من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن أبي ذَر فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، وَأوردهُ من رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس عَن مَالك بن صعصعة فِي بَدْء الْخلق وَفِي أَوَائِل الْبعْثَة قبيل الْهِجْرَة وَفِي صفة النَّبِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي.
قَوْله أَنه جَاءَهُ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذْ جَاءَهُ. قَوْله: ثَلَاثَة نفر أَي: من الْمَلَائِكَة. قَوْله: قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ أنكرها الْخطابِيّ وَابْن حزم وَعبد الْحق وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ، وَقد مضى الْآن مَا قَالَه النَّوَوِيّ، وَقد صرح هَؤُلَاءِ المذكورون بِأَن شَرِيكا تفرد بذلك. قيل: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ وَافقه كثير بن خُنَيْس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون عَن أنس كَمَا أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي من طَرِيقه. قَوْله: وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قد أكد هَذَا بقوله فِي آخر الحَدِيث فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَوْله: أَيهمْ هُوَ؟ أَي: مُحَمَّد، وَكَانَ عِنْد رَسُول الله رجلَانِ آخرَانِ. قيل إنَّهُمَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَمه وجعفر بن أبي طَالب ابْن عَمه. قَوْله: فَقَالَ أحدهم أَي: أحد النَّفر الثَّلَاثَة. قَوْله: أوسطهم هُوَ خَيرهمْ أَي: مطلوبك هُوَ خير هَؤُلَاءِ. قَوْله: خُذُوا خَيرهمْ لأجل أَن يعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء. قَوْله: وَكَانَت أَي: كَانَت هَذِه الْقِصَّة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لم يَقع شَيْء آخر فِيهَا. قَوْله: فَلم يرهم أَي: بعد ذَلِك حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى لم يعين الْمدَّة الَّتِي بَين المجيئين فَيحمل على أَن الْمَجِيء الثَّانِي كَانَ بَدْء الْوَحْي إِلَيْهِ وحينئذٍ وَقع الْإِسْرَاء والمعراج، وَإِذا كَانَ بَين المجيئين مُدَّة فَلَا فرق بَين أَن تكون تِلْكَ الْمدَّة لَيْلَة وَاحِدَة أَو ليَالِي كَثِيرَة أَو عدَّة سِنِين، وَبِهَذَا يرْتَفع الْإِشْكَال عَن رِوَايَة شريك وَيحصل الْوِفَاق أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة بعد الْبعْثَة وَقبل الْهِجْرَة، فَيسْقط تشنيع الْخطابِيّ وَابْن حزم وَغَيرهمَا بِأَن شَرِيكا خَالف الْإِجْمَاع فِي دَعْوَاهُ أَن الْمِعْرَاج كَانَ قبل الْبعْثَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ثَبت فِي الرِّوَايَات الْأُخَر أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة. وَأجَاب بقوله: إِن قُلْنَا بتعدده فَظَاهر، وَإِن قُلْنَا باتحاده فَيمكن أَن يُقَال: كَانَ فِي أول الْأَمر فِي الْيَقَظَة وَآخره فِي النّوم، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَونه نَائِما فِي الْقِصَّة كلهَا. قَوْله: حَتَّى احتملوه أَي: احْتمل هَؤُلَاءِ النَّفر الثَّلَاثَة النَّبِي فوضعوه عِنْد بِئْر زَمْزَم فَإِن قلت: فِي حَدِيث أبي ذَر: فرج سقف بَيْتِي، وَفِي حَدِيث مَالك بن صعصعة: أَنه كَانَ فِي الْحطيم. قلت: إِذا تعدد الْإِسْرَاء فَلَا إِشْكَال، وَإِذا اتَّحد فالإشكال باقٍ على حَاله. قَوْله: إِلَى لبته بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ مَوضِع القلادة من الصَّدْر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِلَى لبته: إِلَى عانته، لِأَن اللبة الْعَانَة. وَقَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ الْأَشْبَه، وَفِيه الرَّد على من أنكر شقّ الصَّدْر عِنْد الْإِسْرَاء، وَزعم أَن ذَلِك إِنَّمَا وَقع وَهُوَ صَغِير، وَثَبت ذَلِك فِي غير رِوَايَة شريك فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي ذَر، وَوَقع الشق أَيْضا عِنْد الْبعْثَة كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد

(25/171)


الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة قَوْله: ثمَّ أَتَى بطست بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا وَيُقَال بِالْإِدْغَامِ طس، وَهُوَ الْإِنَاء الْمَعْرُوف. قَوْله: فِيهِ تور بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وبالراء وَهُوَ إِنَاء يشرب فِيهِ. قَوْله: محشواً كَذَا وَقع بِالنّصب على الْحَال، وَقَالَ بَعضهم: حَال من الضَّمِير فِي الْجَار وَالْمَجْرُور، وَالتَّقْدِير: بطست كَائِن من ذهب، فَنقل الضَّمِير من اسْم الْفَاعِل إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور. انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام من لم يشم شَيْئا من الْعَرَبيَّة، وَالَّذِي يتَصَدَّى لشرح مثل هَذَا الْكتاب يتَكَلَّم فِي أَلْفَاظ الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة مثل هَذَا الْكَلَام أَفلا يعلم أَنه يعرض مَا يَقُوله على ذَوي الْأَلْبَاب والبصائر؟ وَالَّذِي يُقَال: إِن محشواً حَال من التور الْمَوْصُوف بقوله: من ذهب قَوْله: إِيمَانًا قَالَ بَعضهم: مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَهَذَا أَيْضا تصرف واهٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مفعول قَوْله: محشواً لِأَن اسْم الْمَفْعُول يعْمل عمل فعله. وَقَوله: وَحِكْمَة عطف عَلَيْهِ قبل الْإِيمَان وَالْحكمَة مَعْنيانِ فَكيف يحشى بهما؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ أَن الطست كَانَ فِيهِ شَيْء يحصل بِهِ كَمَا لَهما، فَالْمُرَاد سببهما مجَازًا. قَوْله: فحشا بِهِ صَدره حَشا على بِنَاء الْمَعْرُوف وَفِيه ضمير يرجع إِلَى جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وصدره مَنْصُوب على المفعولية، وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حشي، على بِنَاء الْمَجْهُول وصدره مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: ولغاديده بِفَتْح اللَّام وبالغين الْمُعْجَمَة وبالدالين الْمُهْمَلَتَيْنِ جمع لغد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اللغاديد هِيَ اللحمات يَعْنِي الَّتِي بَين الحنك وصفحة الْعُنُق، وَاحِدهَا لغدود أَو لغديد، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: لغد، وَجمعه: ألغاد. وَقد فَسرهَا فِي الحَدِيث بقوله: يَعْنِي عروق حلقه قَوْله: ثمَّ عرج بِهِ بِفَتْح الرَّاء أَي صعد بِهِ. قَوْله: إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ مَجِيئه من عِنْد بِئْر زَمْزَم بعد الشق والإطباق إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا؟ قلت: إِن كَانَت الْقِصَّة مُتعَدِّدَة فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَت متحدة فَفِي الْكَلَام حذف كثير تَقْدِيره: ثمَّ أركبه الْبراق إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ أَتَى بالمعراج. قَوْله: مَا يُرِيد الله بِهِ فِي الأَرْض كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِمَا يُرِيد، أَي: على لِسَان من شَاءَ كجبريل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: يطردان أَي: يجريان. فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف حَدِيث مَالك بن صعصعة فَإِن فِيهِ بعد ذكر سِدْرَة الْمُنْتَهى، فَإِذا فِي أَصْلهَا أَرْبَعَة أَنهَار. قلت: أصل نبعهما من تَحت سِدْرَة الْمُنْتَهى ومقرهما فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَمِنْهَا ينزلان إِلَى الأَرْض: فالنيل نهر مصر والفرات بِالتَّاءِ الممدودة فِي الْخط وصلا ووقفاً فَهُوَ عَلَيْهِ ريف الْعرَاق. قَوْله: عنصرهما أَي: عنصر النّيل والفرات، وَقَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَهُوَ مَرْفُوع بالبدلية. قَوْله: أذفر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالفاء وَالرَّاء مسك جيد إِلَى الْغَايَة شَدِيد ذكاء الرّيح. فَإِن قلت: الْكَوْثَر فِي الْجنَّة وَالْجنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة لما روى أَحْمد عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس رَفعه: دخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا نهر حافتاه خيام اللُّؤْلُؤ فَضربت بيَدي مجْرى مَائه فَإِذا مسك أذفر، فَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك الله تَعَالَى قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون فِي هَذَا الْموضع شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره: ثمَّ مضى بِهِ من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة، وَفِيه تَأمل. قَوْله: إِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة ومُوسَى فِي السَّابِعَة قيل: مر فِي آخر كتاب الْفَضَائِل أَن مُوسَى كَانَ فِي السَّادِسَة وَإِبْرَاهِيم فِي السَّابِعَة. وَأجِيب: بِأَن النَّوَوِيّ قَالَ: إِن كَانَ الْإِسْرَاء مرَّتَيْنِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَ مرّة وَاحِدَة فَلَعَلَّهُ وجده فِي السَّادِسَة ثمَّ ارْتقى هُوَ أَيْضا إِلَى السَّابِعَة. قَوْله: بتفضيل كَلَام الله أَي: بِسَبَب أَن لَهُ فضلا بِكَلَام الله إِيَّاه، وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِفضل كَلَام الله. قَوْله: فَقَالَ موساى: رب لم أَظن أَن يرفع عَليّ أحد، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن يرفع، على صِيغَة الْمَجْهُول، و: أحد، بِالرَّفْع بِهِ وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن ترفع عَليّ، صِيغَة الْمَعْلُوم خطاب الله عز وَجل، وَاحِدًا مفعول: ترفع. وَقَالَ ابْن بطال: فهم مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، من اخْتِصَاصه بِكَلَام الله عز وَجل لَهُ فِي الدُّنْيَا دون غَيره من الْبشر بقوله تَعَالَى: {قَالَ ياَمُوسَى إِنْى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَآ ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ} أَن المُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا الْبشر كلهم، فَلَمَّا فضل الله مُحَمَّدًا عَلَيْهِ بِمَا أعطَاهُ من الْمقَام الْمَحْمُود وَغَيره ارْتَفع على مُوسَى وَغَيره بذلك. قَوْله: ثمَّ علا بِهِ أَي: ثمَّ علا جِبْرِيل بِالنَّبِيِّ، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا لَا يُعلمهُ إلاَّ الله حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى أَي: مُنْتَهى علم الْمَلَائِكَة. أَو مُنْتَهى صعودهم، أَو أَمر الله تَعَالَى أَو أَعمال الْعباد. قَوْله: ودنا الْجَبَّار قيل: مجَاز عَن قربه الْمَعْنَوِيّ وَظُهُور مَنْزِلَته عِنْد الله وتدلى أَي: طلب زِيَادَة الْقرب وقاب قوسين هُوَ مِنْهُ، عبارَة عَن لطف الْمحل وإيضاح الْمعرفَة، وَمن الله إجَابَته ورفيع دَرَجَته إِلَيْهِ: و: القاب، مَا بَين

(25/172)


مقبض الْقوس والسية بِكَسْر السِّين وخفة التَّحْتَانِيَّة وَهِي مَا عطف من طرفيها، وَلكُل قَوس قابان، وَقيل: أَصله قابي قَوس. وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْكتاب حَدِيث أبشع مذاقاً مِنْهُ لقَوْله: ودنا الْجَبَّار فَتَدَلَّى فَإِن الدنو يُوجب تَحْدِيد الْمسَافَة والتدلي يُوجب التَّشْبِيه بالمخلوق الَّذِي تعلق من فَوق إِلَى أَسْفَل، وَلقَوْله: وَهُوَ مَكَانَهُ لَكِن إِذا اعْتبر النَّاظر لَا يشكل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الرُّؤْيَا فبعضها مثل ضرب ليتأول على الْوَجْه الَّذِي يجب أَن يصرف إِلَيْهِ معنى التَّعْبِير فِي مثله، ثمَّ إِن الْقِصَّة إِنَّمَا حَكَاهَا بحليتها أنس بعبارته من تِلْقَاء نَفسه لم يعزها إِلَى رَسُول الله ثمَّ إِن شَرِيكا كثير التفرد بمناكير لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا سَائِر الروَاة، ثمَّ إِنَّهُم أولُوا التدلي فَقيل: تدلى جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، بعد الِارْتفَاع حَتَّى رَآهُ النَّبِي، متدلياً كَمَا رَآهُ مرتفعاً، وَقيل: تدلى مُحَمَّد شاكراً لرَبه على كرامته، وَلم يثبت فِي شَيْء صَرِيحًا أَن التدلي: مُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، ثمَّ أولُوا مَكَانَهُ بمَكَان النَّبِي، قَوْله: مَاذَا عهد إِلَيْك رَبك؟ أَي: أَمرك أَو أَوْصَاك؟ قَالَ: عهد إليّ خمسين صَلَاة فِيهِ حذف تَقْدِيره: عهد إِلَيّ أَن أُصَلِّي وآمر أمتِي أَن يصلوا خمسين صَلَاة. قَوْله: أَن نعم هَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَي نعم، وَكلمَة: أَن، بِالْفَتْح وَسُكُون النُّون مفسرة. فَهِيَ فِي الْمَعْنى هُنَا مثل: أَي. قَوْله: إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي قيل: مَا تَقول فِي النّسخ فَإِنَّهُ تَبْدِيل القَوْل؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا تبديلاً بل هُوَ بَيَان انتهاه الحكم. قَوْله: فِي أم الْكتاب هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ. قَوْله: قد وَالله راودت قيل: قد حرف لَازم دُخُوله على الْفِعْل، وَأجِيب بِأَنَّهُ دَاخل عَلَيْهِ وَالْقسم مقحم بَينهمَا لتأكيده، وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف أَي: وَالله قد راودت. قَوْله: راودت بني إِسْرَائِيل من المراودة وَهِي الْمُرَاجَعَة. قَوْله: أبداناً وَالْفرق بَين الْبدن والجسم أَن الْبدن من الْجَسَد مَا دون الرَّأْس والأطراف. قَوْله: كل ذَلِك يلْتَفت وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يلْتَفت. قَوْله: فرفعه وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: يرفعهُ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالْأول أولى. قَوْله: عِنْد الْخَامِسَة أَي: عِنْد الْمرة الْخَامِسَة. قَالَ الْكرْمَانِي: إِذا خفف كل مرّة عشر فَفِي الْمرة الْأَخِيرَة خمس تكون هَذِه الدفعة سادسة، ثمَّ أجَاب بقوله: لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْحصْر، فَرُبمَا خفف بِمرَّة وَاحِدَة خَمْسَة عشرا وَأَرَادَ بِهِ عِنْد تَمام الْخَامِسَة، وَقيل: هَذَا التَّنْصِيص على الْخَامِسَة على أَنَّهَا الْأَخِيرَة يُخَالف رِوَايَة ثَابت عَن أنس أَنه وضع عَنهُ فِي كل مرّة خمْسا، وَأَن الْمُرَاجَعَة كَانَت تسع مَرَّات. قلت: كَأَن الْكرْمَانِي لم يقف على رِوَايَة ثَابت، فَلذَلِك أغفلها. قَوْله: ارْجع إِلَى رَبك فليخفف عَنْك هَذَا أَيْضا بعد قَوْله: إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي قَالَ الدَّاودِيّ: لَا يثبت هَذَا لتواطؤ الرِّوَايَات على خِلَافه، وَمَا كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، ليأمره بِالرُّجُوعِ بعد أَن يَقُول الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك. قَوْله: قَالَ: فاهبط بِسم الله ظَاهر السِّيَاق يشْعر بِأَن الْقَائِل بقوله اهبط بِالْخِطَابِ للنَّبِي، أَنه مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْقَائِل بذلك هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَبِذَلِك جزم الدَّاودِيّ. قَوْله: واستيقظ أَي رَسُول الله وَالْحَال أَنه فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون استيقاظاً من نومَة نامها بعد الْإِسْرَاء، لِأَن إسراءه لم يكن طول ليلته وَإِنَّمَا كَانَ بَعْضهَا، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: أَفَقْت مِمَّا كنت فِيهِ مِمَّا خامر بَاطِنه من مُشَاهدَة الْمَلأ الْأَعْلَى لقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ رَأَى مِنْءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فَلم يرجع إِلَى حَال بشريته إلاَّ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام، وَأما قَوْله فِي أَوله: بَينا أَنا نَائِم فمراده فِي أول الْقِصَّة وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد ابْتَدَأَ نَومه فَأَتَاهُ الْملك فأيقظه. وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بَينا أَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. أَتَانِي الْملك، إِشَارَة إِلَى أَنه لم يكن استحكم فِي نَومه. فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بالقضية الْمَذْكُورَة دون غَيره مِمَّن لقِيه النَّبِي من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام؟ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ فِي السَّابِعَة فَهُوَ أول من وصل إِلَيْهِ أَو لِأَن أمته أَكثر من أمة غَيره وإيذاءهم لَهُ أَكثر من غَيره، أَو لِأَن دينه فِيهِ الْأَحْكَام الْكَثِيرَة والتشريعات الْعَظِيمَة الوافرة إِذا الْإِنْجِيل مثلا أَكثر مواعظ. فَإِن قلت: فِي حَدِيث مَالك بن صعصعة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه لقِيه فِي الصعُود فِي السَّادِسَة؟ قلت: يحْتَمل أَن مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، صعد إِلَى السَّابِعَة من السَّادِسَة فَلَقِيَهُ النَّبِي فِي الهبوط فِي السَّابِعَة.

38 - (بابُ كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ مَعَ أهْلِ الجَنَّةِ)

(25/173)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَلَام الرب مَعَ أهل الْجنَّة، أَي: بعد دُخُولهمْ الْجنَّة، وَقد تقدم بَيَان كَلَام الرب، جلّ جَلَاله، مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ شرع يبين فِي هَذَا كَلَامه مَعَ أهل الْجنَّة.

7518 - حدّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ: حدّثني مالِكٌ، عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله يقُولُ لِأهْلِ الجَنّةِ: يَا أهْلَ الجَنّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُون: وَمَا لَنا لَا نَرْضاى يَا رَبِّ وقَدْ أعْطَيْتَنا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَلا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذالِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وأيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِنْ ذالِكَ؟ فَيقولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رُضِوَانِي فَلاَ أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً
انْظُر الحَدِيث 6549
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سلميان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي سكن مصر وَسمع عبد الله بن وهب.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب صفة الْجنَّة عَن معَاذ بن أَسد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَالْخَيْر فِي يَديك قيل: الشَّرّ أَيْضا فِي يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا مُؤثر إلاَّ الله. وَأجِيب: بِأَنَّهُ خصصه رِعَايَة للأدب وَالْكل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى خير، وَكَذَا قَوْله: بِيَدِك الْخَيْر قيل: ظَاهر الحَدِيث أَن اللِّقَاء أفضل من الرِّضَا. وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يقل: أفضل من كل شَيْء، بل أفضل من الْإِعْطَاء، فَجَاز أَن يكون اللِّقَاء أفضل من الرِّضَا وَهُوَ من الْإِعْطَاء، أَو اللِّقَاء مُسْتَلْزم للرضا، فَهُوَ من بَاب إِطْلَاق اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَقيل: الْحِكْمَة فِي ذكر دوَام رِضَاهُ بعد الِاسْتِقْرَار لِأَنَّهُ لَو أخبر بِهِ قبل الِاسْتِقْرَار لَكَانَ خيرا من علم الْيَقِين، فَأخْبر بِهِ بعد الِاسْتِقْرَار ليَكُون من بَاب عين الْيَقِين. قَوْله: فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا فِيهِ أَن لله تَعَالَى إِن سخط على أهل الْجنَّة لِأَنَّهُ من متفضل عَلَيْهِم بالإنعامات كلهَا سَوَاء كَانَت دنيوية أَو أخروية، وَكَيف لَا وَالْعَمَل المتناهي لَا يَقْتَضِي إلاَّ الْجَزَاء المتناهي، وَفِي الْجُمْلَة لَا يجب على الله شَيْء.

7519 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنان، حدّثنا فُلَيْحٌ، حدّثنا هِلالٌ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَوْماً يُحَدِّثُ، وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ البادِيةِ: أنَّ رَجُلاً مِنْ أهْلِ الجَنّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لهُ: أوَ لَسْتَ فِيما شِئْتَ؟ قَالَ: بَلاى ولاكِنِّي أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، فأسْرَعَ وبَذَرَ، فَتَبادَرَ الطَّرْفَ نَباتُهُ واسْتِواؤُهُ واسْتِحْصادُهُ وتَكْوِيرُهُ أمْثالَ الجِبالِ، فَيقُولُ الله تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابنَ آدَمَ فإنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ
فَقَالَ الأعْرابِيُّ: يَا رسولَ الله لَا تَجِدُ هاذا إلاّ قُرَشِيّاً أوْ أنْصارِيّاً، فإنَّهُمْ أصْحابُ زَرْعٍ، فأمَّا نَحْنُ فَلَسْنا بِأصْحابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رسولُ الله
انْظُر الحَدِيث 2348
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى، وفليح مُصَغرًا ابْن سُلَيْمَان، وَقد مر غير مرّة، وهلال هُوَ ابْن عَليّ، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب.
قَوْله: وَعِنْده الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: أَن رجلا هُوَ مفعول: يحدث. قَوْله: أَو لست الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف أَي: أَو مَا رضيت بِمَا أَنْت فِيهِ من النعم؟ قَوْله: فتبادر الطّرف بِالنّصب. وَقَوله: نَبَاته بِالرَّفْع فَاعل: تبادر، يَعْنِي: نبت قبل طرفَة عين واستوى واستحصد. قَوْله: وتكويره أَي: جمعه كَمَا فِي البيدر. قَوْله: دُونك أَي: خُذْهُ. قَوْله: فَإِنَّهُ لَا يشبعك شَيْء من الإشباع كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَا يسعك، من الوسع قبل: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} معَارض لهَذَا. وَأجِيب: بِأَن نفي الشِّبَع لَا يُنَافِي الْجُوع لِأَن بَينهمَا وَاسِطَة وَهِي الْكِفَايَة. قيل: يَنْبَغِي أَن لَا يشْبع لِأَن

(25/174)


الشِّبَع يمْنَع طول الْأكل المستلذ مِنْهُ مُدَّة الشِّبَع، وَالْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان حرصه وَترك القناعة كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يشْبع عَيْنك شَيْء. وَيُقَال: وَاخْتلف فِي الشِّبَع فِي الْجنَّة، وَالصَّوَاب: أَن لَا يشْبع فِيهَا، إِذْ لَو كَانَ لمنع دوَام الْأكل المستلذ وَأكل أهل الْجنَّة لَا عَن جوع فِيهَا.
قَوْله: فَقَالَ الْأَعرَابِي مُفْرد الْأَعْرَاب. قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه تَأمل، والأعراب جنس من الْعَرَب يسكنون الْبَوَادِي لَا زرع لَهُم وَلَا استنبات.

39 - (بابُ ذِكْرِ الله بالأمْرِ وذِكْرِ العِبادِ بالدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ والرِّسالَةِ والإبْلاَغِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ يكون بأَمْره لَهُم بِعِبَادَتِهِ والتزام طَاعَته، وَيكون مَعَ رَحمته لَهُم وإنعامه عَلَيْهِم إِذا أطاعوه أَو بعذابه إِذا عصوه. قَوْله: وَذكر الْعباد لَهُ بِأَن يَدعُوهُ ويتضرعوا لَهُ ويبلغوا رسَالَته إِلَى الْخَلَائق يَعْنِي: المُرَاد بذكرهم الْكَمَال لأَنْفُسِهِمْ والتكميل للْغَيْر، وَقيل: الْبَاء فِي قَوْله: بِالْأَمر بِمَعْنى: مَعَ. قَوْله: والإبلاغ هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة غير الْكشميهني وَفِي رِوَايَته: والبلاغ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياَقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُو اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو اْ إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
احْتج البُخَارِيّ بقوله تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} أَن العَبْد إِذا ذكر الله بِالطَّاعَةِ يذكرهُ الله عز وَجل بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة. وَعَن ابْن عَبَّاس، فِي هَذِه الْآيَة: إِذا ذكر العَبْد ربه وَهُوَ على طَاعَته ذكره برحمته، وَإِذا ذكره وَهُوَ على مَعْصِيَته ذكره بلعنته. وَذكر الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا مَعَاني كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا الْموضع مَحل ذكرهَا.
قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ نوح} قَالَ ابْن بطال: أَشَارَ إِلَى أَن الله تَعَالَى ذكر نوحًا، عَلَيْهِ السَّلَام، بِمَا بلغ بِهِ من أمره وَذكر بآيَات ربه، وَكَذَلِكَ فرض على كل نَبِي تَبْلِيغ كِتَابه وشريعته. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَي يَا مُحَمَّد اقْرَأ على الْمُشْركين خبر نوح أَي: قصَّته، وَفِيه دَلِيل على نبوته حَيْثُ أخبر عَن قصَص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَلم يكن يقْرَأ الْكتب. قَوْله: {إِذا قَالَ} أَي: حِين قَالَ لِقَوْمِهِ: {إِن كانبحير} أَي عظم وَثقل وشق {عَلَيْكُم مقَامي} أَي مكثي بَين أظْهركُم. وَقَالَ الْفراء: الْمقَام بِضَم الْمِيم الْإِقَامَة وَبِفَتْحِهَا الْموضع الَّذِي يقوم فِيهِ. قَوْله: {وتذكيري بآيَات الله} أَي: عظتي وتخويفي إيَّاكُمْ عُقُوبَة الله. قَوْله: {فعلى الله توكلت} جَوَاب الشَّرْط، وَكَانَ متوكلاً على الله فِي كل حَال، وَلَكِن بَين أَنه متوكل فِي هَذَا على الْخُصُوص ليعلم قومه أَن الله تَعَالَى يَكْفِيهِ أَمرهم أَي: إِن لم تنصروني فَإِنِّي أتوكل على من ينصرني. قَوْله: {فاجمعوا أَمركُم} من الْإِجْمَاع وَهُوَ الإعداد والعزيمة على الْأَمر. قَوْله: {وشركاءكم} أَي: وَأمر شركائكم، أَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف. قَوْله: غمَّة يَأْتِي تَفْسِيره الْآن. قَوْله: {ثمَّ اقضوا عَليّ} أَي: مَا فِي نفوسكم من مَكْرُوه مَا تُرِيدُونَ. قَوْله: أَي: وَلَا تمهلون. قَوْله: {وَلَا تنْظرُون} أَي: أعرضتم عَن الْإِيمَان {فَمَا سألتكم من أجر} يَعْنِي: لم يكن دعائي إيَّاكُمْ طَمَعا فِي مالكم. قَوْله: {إِن أجري إِلَّا على الله} أَي: مَا أجري وثوابي إلاَّ على الله. قَوْله: {أمرت أَن أكون من الْمُسلمين} أَي: أَن أنقاد لما أمرت بِهِ فَلَا يضرني كفركم وَإِنَّمَا يضركم.
غُمَّةٌ: هَمٌّ وضِيقٌ.
فسر الْغُمَّة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة بالهم والضيق، يُقَال: الْقَوْم فِي غمَّة إِذا غطى عَلَيْهِم أَمرهم والتبس، وَمِنْه: غم الْهلَال أَي: غشيه مَا غطاه، وَأَصله مُشْتَقّ من الغمامة.
قَالَ مُجاهِدٌ: إليَّ مَا فِي أنْفُسِكُمْ، يُقالُ افْرُقِ اقْضِ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير مُجَاهِد. قَوْله: ثمَّ اقضوا إليّ مَا فِي أَنفسكُم من إهلاكي وَنَحْوه من سَائِر الشرور، وَوصل

(25/175)


الْفرْيَابِيّ هَذَا فِي تَفْسِيره عَن وَرْقَاء بن عمر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياَقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُو اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو اْ إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} اقضوا إليّ مَا فِي أَنفسكُم. وَحكى ابْن التِّين افعلوا مَا بدا لكم. وَقَالَ غَيره: أظهرُوا الْأَمر وميزوه بِحَيْثُ لَا تبقى شُبْهَة، ثمَّ اقضوا بِمَا شِئْتُم من قتل أَو غَيره من غير إمهال. قَوْله: يُقَال: افرق اقْضِ قيل: هَذَا لَيْسَ من كَلَام مُجَاهِد بِدَلِيل قَوْله: يُقَال، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا، إِعَادَة قَوْله بعده. وَقَالَ مُجَاهِد، وَفِي بعض النّسخ لَيْسَ فِيهِ لفظ: يُقَال، فعلى هَذَا يكون من قَول مُجَاهِد وَمَعْنَاهُ: أظهر الْأَمر وأفصله وميزه بِحَيْثُ لَا تبقى شُبْهَة وسترة وكتمان ثمَّ اقضِ بِالْقَتْلِ ظَاهرا مكشوفاً وَلَا تمهلني بعد ذَلِك.
وَقَالَ مُجاهِدٌ {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذاَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} إنْسانٌ يأتِيهِ فَيَسْتمِعُ مَا يَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَهْوَ آمِنٌ حتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلاَمَ الله، وحتَّى يَبْلُغَ مأْمَنَهُ حَيْثُ جاءَهُ.
قَالَ ابْن بطال: ذكر هَذِه الْآيَة من أجل أَمر الله تَعَالَى نبيه بِإِجَارَة الَّذِي يسمع الذّكر حَتَّى يسمعهُ فَإِن آمن فَذَاك وَإِلَّا فَيبلغ مأمنه حَتَّى يقْضِي الله فِيهِ مَا شَاءَ. قَوْله: إِنْسَان يَأْتِيهِ إِلَى آخِره تَفْسِير مُجَاهِد. قَوْله تَعَالَى: {وَأَن أحد من الْمُشْركين استجارك} أَصله: وَإِن استجارك أحد، فَحذف استجارك لدلَالَة استجارك الظَّاهِر عَلَيْهِ. قَوْله: إِنْسَان أَي مُشْرك يَعْنِي: إِن أَرَادَ مُشْرك سَماع كَلَام الله تَعَالَى فَأَعْرض عَلَيْهِ الْقُرْآن وبلغه إِلَيْهِ وأمنه عِنْد السماع، فَإِن أسلم فَذَاك، وإلاَّ فَرده إِلَى مأمنه من حَيْثُ أَتَاك. وَتَعْلِيق مُجَاهِد هَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ بالسند الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا.
النَّبأُ العَظيمُ: القُرْآنُ.
هُوَ تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَي: مَا قَالَ جلّ جَلَاله: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} أَي: الْقُرْآن، فأجب عَن سُؤَالهمْ وَبلغ الْقُرْآن إِلَيْهِم. قَالَ ابْن بطال: سمي نبأ لِأَنَّهُ ينبأ بِهِ، وَالْمعْنَى إِذا سَأَلُوا عَن النبإ الْعَظِيم فأحبهم وَبلغ الْقُرْآن إِلَيْهِم. وَقيل: حق الْخَبَر الَّذِي يُسمى نبأ أَن يتعرى عَن الْكَذِب.
صَوَاباً: حَقّاً فِي الدُّنْيا وعَمَلٌ بِهِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَاباً} أَي: قَالَ حَقًا فِي الدُّنْيَا وَعمل بِهِ فَإِنَّهُ يُؤذن لَهُ فِي الْقِيَامَة بالتكلم، وَهَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ أَيْضا بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور، وَوجه مُنَاسبَة ذكره هَذَا هَاهُنَا على عَادَته أَنه إِذا ذكر آيَة مُنَاسبَة للمقصود يذكر مَعهَا بعض مَا يتَعَلَّق بِتِلْكَ السُّورَة الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الْآيَة مِمَّا ثَبت عِنْده تَفْسِيره وَنَحْوه على سَبِيل التّبعِيَّة.

40

- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاَْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهَاءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}
غَرَض البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب إِثْبَات نِسْبَة الْأَفْعَال كلهَا إِلَى الله تَعَالَى سَوَاء كَانَت من المخلوقين خيرا أَو شرا، فَهِيَ لله خلق وللعباد كسب، وَلَا ينْسب شَيْء من الْخلق إِلَى غير الله تَعَالَى، فَيكون شَرِيكا ونداً ومساوياً لَهُ فِي نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهِ، وَقد نبه الله تَعَالَى عباده على ذَلِك بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا المصرحة بِنَفْي الأنداد والآلهة المدعوة مَعَه، فتضمنت الرَّد على من يزْعم أَنه يخلق أَفعاله، والأنداد جمع ند بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال وَيُقَال لَهُ: النديد، أَيْضا، وَهُوَ نَظِير الشَّيْء الَّذِي يُعَارضهُ فِي أُمُوره، وَقيل: ند الشَّيْء من يُشَارِكهُ فِي جوهره فَهُوَ ضرب من الْمثل، لَكِن الْمثل يُقَال فِي أَي مُشَاركَة كَانَت، فَكل ندٍ مثلّ من غير عكس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّرْجَمَة مشعرة بِأَن الْمَقْصُود من الْبَاب إِثْبَات نفي الشَّرِيك لله تَعَالَى، فَكَانَ الْمُنَاسب ذكره فِي أَوَائِل كتاب التَّوْحِيد. وَأجَاب: بِأَن الْمَقْصُود لَيْسَ ذَلِك، بل هُوَ بَيَان كَون أَفعَال الْعباد بِخلق الله تَعَالَى، وَفِيه الرَّد على الْجَهْمِية حَيْثُ قَالُوا، لَا قدرَة للْعَبد أصلا، وعَلى الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: لَا دخل لقدرة الله فِيهَا، إِذْ الْمَذْهَب الْحق أَن لَا جبر وَلَا قدر، وَلَكِن أَمر بَين

(25/176)


الْأَمريْنِ، أَي: بِخلق الله وَكسب العَبْد، وَهُوَ قَول الأشعرية. قيل: لَا تَخْلُو أَفعَال العَبْد إِمَّا أَن تكون بقدرته، وَإِمَّا أَن لَا تكون بقدرته، إِذْ لَا وَاسِطَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَإِن كَانَت بقدرته فَهُوَ الْقدر الَّذِي هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، وَإِن لم تكن بهَا فَهُوَ الْجَبْر الْمَحْض الَّذِي هُوَ مَذْهَب الْجَهْمِية. وَأجِيب: بِأَن للْعَبد قدرَة فَلَا جبر، وَبهَا يفرق بَين النَّازِل من المنارة والساقط مِنْهَا، وَلَكِن لَا تَأْثِير لَهَا بل الْفِعْل وَاقع بقدرة الله وتأثير قدرته فِيهِ بعد تَأْثِير قدرَة العَبْد عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمّى بِالْكَسْبِ، فَقيل: الْقُدْرَة صفة تُؤثر على وفْق الْإِرَادَة فَإِذا نفيت التَّأْثِير عَنْهَا فقد نفيت الْقُدْرَة لانْتِفَاء الْمَلْزُوم عِنْد انْتِفَاء لَازمه، وَأجِيب: بِأَن هَذَا التَّعْرِيف غير جَامع لخُرُوج الْقُدْرَة الْحَادِثَة عَنهُ، بل التَّعْرِيف الْجَامِع لَهَا هُوَ أَنَّهَا صفة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْفِعْل أَو التّرْك.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فَذَلِكَ إيمانُهُمْ وهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ
عِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرِيّ عَن هناد بن السّري عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة، فَذكره. قَوْله: {إِلَّا وهم مشركون} يَعْنِي: إِذا سَأَلُوا عَن الله وَعَن صفته وصفوه بِغَيْر صفته وَجعلُوا لَهُ ولدا وأشركوا بِهِ.
وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أفْعالِ العِباد وأكْسابِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}
هَذَا عطف على قَول الله الْمُضَاف إِلَيْهِ تَقْدِيره: بَاب فِيمَا ذكر فِي خلق أَفعَال الْعباد وإكسابهم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَعمال الْعباد، ويروى: واكتسابهم من بَاب الافتعال الْخلق لله وَالْكَسْب للعباد، وَاحْتج على ذَلِك بقوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى نكرَة تَقْتَضِي عُمُوم الْأَفْرَاد.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ إلاّ بالحَقِّ بالرِّسالَةِ والعَذَابِ.
هَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا ننزل الْمَلَائِكَة، بالنُّون وَنصب الْمَلَائِكَة فَهُوَ استشهاد لكَون نزُول الْمَلَائِكَة بِخلق الله تَعَالَى وبالتاء الْمَفْتُوحَة وَالرَّفْع فَهُوَ لكَون نزولهم بكسبهم.
{لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} المبَلِّغِينَ المُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ
هَذَا فِي تَفْسِير الْفرْيَابِيّ أَيْضا بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: {ليسأل الصَّادِقين} أَي: الْأَنْبِيَاء المبلغين المؤدين للرسالة عَن تبليغهم.
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} عِنْدَنا.
هَذَا أَيْضا من قَول مُجَاهِد أخرجه الْفرْيَابِيّ بالسند الْمَذْكُور.
{وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} القُرْآنُ وصَدَّقَ بِهِ المُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ القِيامَةِ هاذَا الّذِي أعْطَيْتَني عَمِلْتُ بِما فِيهِ.
هَذَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد قَالَ: {الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} وَصدق بِهِ هم أهل الْقُرْآن يجيئون بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي أعطيتمونا عَملنَا بِمَا فِيهِ، وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ رَسُول الله بِلَا إلاه إلاَّ الله، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ مُحَمَّد، وَالَّذِي صدق بِهِ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

7520 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: سَألْتُ النبيَّ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ الله؟ قَالَ: أنْ تَجْعَلَ

(25/177)


نِدّاً وهْوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إنَّ ذالِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أيِّ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخافُ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أيّ قَالَ: ثُمَّ أنْ تُزانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَن تجْعَل لله ندا وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة منصرفاً وَغير منصرف الْهَمدَانِي أبي ميسرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب إِثْم الزناة فِي كتاب الْحُدُود.
قَوْله: أَن تقتل ولدك تخَاف أَن يطعم مَعَك وَفِي التَّوْضِيح يَعْنِي الموؤدة قلت: الموؤدة الَّتِي كَانَت تقتل لأجل الْعَار، وَالْمرَاد هُنَا من يقتل وَلَده خشيَة الْفقر، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: 8 9 {وَلاَ تَقْتُلُو اْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} قيل: هُوَ بِدُونِ مَخَافَة الطّعْم أعظم أَيْضا. وَأجِيب بِأَن مَفْهُومه لَا اعْتِبَار لَهُ إِذْ شَرط اعْتِبَاره أَن لَا يكون خَارِجا مخرج الْأَغْلَب وَلَا بَيَانا للْوَاقِع. قَوْله: بحليلة أَي: بِزَوْجَة جَارك وَالْحَال أَنه خلق لَك زَوْجَة وتقطع بالزنى الرَّحِم. .