فيض القدير شرح
الجامع الصغير 760 - (إذا عظمت) بفتح المهملة وشد المعجمة
(أمتي الدنيا) أراد بالدنيا: الدراهم والدنانير كما يصرح
به لفظ رواية ابن أبي الدنيا إذا عظمت أمتي الدينار
والدرهم. وتعظيمها بالتهافت على تحصيلهما وادخارهما والضنة
بهما عن الإنفاق [ص:405] في وجوه القرب (نزعت) بالبناء
للمفعول أي نزع الله منها (هيبة الإسلام) لأن من شرط
الإسلام تسليم النفس لله عبودية فمن عظم الدنيا أخذت بقلبه
فسبته فصار عبدها فلم يقدر على بذل النفس لله لأنه عبد
دنياه فلا يملك نفسه فيبذلها. وإذا فسد الباطن ذهبت الهيبة
والبهاء لأن الهيبة إنما هي لمن هاب الله. قال في
الاختيار: ولا يجتمع تعظيم الدنيا وتعظيم الحق في قلب واحد
أبدا (وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع
القدرة وغلبة ظن سلامة العافية (حرمت) بضم فكسر (بركة
الوحي) يعني فهم القرآن وقد شرط الله الإنابة في الفهم
والتذكير {إنما يتذكر أولو الألباب} ذكره الغزالي عن
الفضيل. وذلك لأن في ترك الأمر والنهي خذلان الحق وجفوة
الدين وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة وفي جفاء الدين فقد
النور فيحجب القلب فيحرم بركته وحرمان بركته أن يقرأه فلا
يفهم أسراره ولا يذوق حلاوته وهو من أعلم الناس العلوم
العربية وأبصرهم بتفسيره وقد عمي عن زواجره وقوع وعده
ووعيده وأمثاله (وإذا تسابت أمتي) أي شتم بعضها بعضا (سقطت
من عين الله) أي حط قدرها وحقر أمرها. يقال هذا الفعل مسقط
للإنسان من أعين الناس. وذلك لأن السباب بدؤه الكبر
واحتقار الناس والحسد والبغي والتنافس في الدنيا وهو مسقط
من عين الله. ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته ومن
زالت عنه رعايته ذهبت عصمته فله في كل نائبة ورطة حتى
تؤديه إلى الورطة الكبرى: سلب الدين والانتكاص على عقبيه.
ومن سقط من عينه لم يبال في أي واد هلك وأي شيطان سباه.
هذا في السباب فكيف بما فوقه؟
(الحكيم) الترمذي (عن أبي هريرة) قال العراقي: رواه ابن
أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معضلا
من حديث الفضيل
(1/404)
761 - (إذا علم العالم فلم يعمل) بعلمه
(كان كالمصباح) من جهة أنه (يضيء للناس ويحرق نفسه) بضم
التحتية أوله: من أحرق: يعني أن صلاح غيره في هلاكه كالدهن
الذي يستصبح به. وهذا مثل بديع ضربه لمن يعمل بعلمه ولا
يرى أحسن ولا ألطف ولا أوجز للمتأمل من كلام النبوة وبدائع
آدابه. قال الجنيد: العلم مأمور باستعماله فإذا لم تستعمله
حالا أهلكك مآلا. وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم
وطغيان المال فالمنجي من طغيان العلم العمل ومن طغيان
المال الزهد. وقال الراغب: من أصاب علما فانتفع به ونفع
غيره من مستحقه كان كالشمس تضيء لغيرها من أفاد علمه لغيره
ولم ينتفع هو به فهو كالدفتر يفيد غيره الحكمة وهو عادمها
وكالمغزل يكسو غيره ولا يكتسي وكذبالة المصباح تضيء للناس
وهي تحترق
(ابن قانع) عبد الباقي (في المعجم) معجم الصحابة (عن سليك)
بن عمرو وقيل ابن هدية (الغطفاني) نسبة إلى غطفان
(1/405)
762 - (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه) أي
فليحكمه (فإنه) أي الإتقان المفهوم من يتقن (مما) أي الشيء
الذي (يسلي) بضم الياء بضبط المؤلف من التسلية وهي تخفيف
ما في النفس من الحزن (بنفس) بزيادة الباء للتأكيد
(المصاب) أي يزيل عنه ما يجده من شدة الحزن وأصل السلو:
التسلي فيقال سلوت عن كذا وسليت عنه وتسليت: إذا زالت عنك
محبته والمصاب من أصابته مصيبة الموت. وأصل الحديث عند
الطبراني وغيره أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دفن
ابنه ابراهيم عليه السلام فرأى فرجة في اللبن فأمر بها أن
تسد ثم ذكره فالمراد بالعمل هنا تهيئة اللحد [ص:406]
وإحكام السد ومتعلقات الدفن لكن الحديث وإن ورد على سبب
خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
(ابن سعد) في طبقاته (عن عطاء) الهلالي القاضي (مرسلا) هو
تابعي كثير الإرسال ويشهد له الحديث الآتي: إن الله يحب من
العمل إلخ
(1/405)
763 - (إذا عملت سيئة) أي عملا من حقه أن
يسوءك (فأحدث) بقطع الهمزة وكسر الدال (عندها توبة)
تجالسها بحيث يكون (السر بالسر والعلانية) أي الباطن
بالباطن والظاهر بالظاهر فإذا عصى ربه بسره تاب إليه بسره
باكتساب ما يزيله وإذا عصاه بجوارحه الظاهرة تاب إليه بها
مع رعاية المقابلة وتحقق المشاكلة هذا هو الأنسب وليس
المراد أن السرية لا يكفرها توبة جهرية وعكسه كما وهم.
والسر ما كان في الخلاء والعلانية ما كان في الملإ.
والظاهر ما كان بالأركان والباطن ما كان بالجنان فمن أخلص
في توبته بحيث استوت سريرته علانيته خمدت شهوته وذبلت
حركته وهاب الله في كل مكان واستحيا منه في كل زمان. ومن
صدق في ذلك فقد استقام وارتفع إلى أعلا مقام وإلا فتوبته
لقلقة لسان وافتراء وبهتان <تنبيه> قال بعض العارفين: إذا
عملت معصية بمحل فلا تبرح حتى تعمل فيه طاعة فكما تشهد
عليك تشهد لك ثم تحول عنه لغيره لئلا تتذكر المعصية
فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنبك وكذا ثوبك الذي عصيت فيه
ولا تحلق رأسك ولا تقص ظفرك إلا وأنت متطهر فإن أجزاءك
مسؤولة عنك كيف تركتك
(حم في) كتاب (الزهد) الكبير (عن عطاء بن يسار) بتحيتة
ومهملة: الهلالي مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها
وصاحب مواعظ وعبادة. قال العراقي: وقيه انقطاع
(1/406)
764 - (إذا عملت) يا أبا ذر القائل يا رسول
الله أوصني (سيئة فأتبعها) بقطع الهمزة (حسنة تمحها) أي
فإنها تذهبها. قال القاضي: صغار الذنوب مكفرات بما يتبعها
من الحسنات. وكذا ما خفي من الكبائر لعموم قوله {إن
الحسنات يذهبن السيئات} وقوله عليه السلام " وأتبع السيئة
الحسنة تمحها " أما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم فلا يسقط
إلا بالتوبة. اه. وأقره الطيبي. قال الغزالي والأولى
إتباعها بحسنة من جنسها لكي تضادها قال: فيكفر سماع
الملاهي بسماع القرآن ومجالس الذكر والقعود في المسجد جنبا
بالاعتكاف فيه. ومس المصحف بإكرامه وكثرة القراءة فيه وبأن
يكتب مصحفا ويقفه. وشرب الخمر بالتصديق بكل شراب حلال طيب
وقس عليه. والقصد سلوك طريق المضادة فإن المرض يعالج بضده
فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية لا يمحوها إلا نور يرتفع
إليه بحسنة تضاده. والمتضادات هي المتناسات فإن البياض
يزال بالسواد لا بالحرارة مثلا. وظاهر صنيعه أن هذا هو
الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند أحمد وغيره. قال أبو
ذر قلت يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال هي
أفضل الحسنات <تنبيه> قال القونوي: الطاعات كلها مطهرات
فتارة بطريق المحو المشار إليه بقوله تعالى {إن الحسنات
يذهبن السيئات} وبقوله هنا: إذا عملت سيئة إلخ وتارة بطريق
التبديل المشار إليه بآية {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} فالمحو المذكور عبارة عن
حقيقة العفو والتبديل عن مقام المغفرة وإن تنبهت لذلك عرفت
الفرق بين العفو والمغفرة. ثم اعلم أن لكل من المعاصي
والطاعات خواص تتعدى من ظاهر الإنسان لباطنه وبالعكس ثم
منها ما يقبل الزوال بسرعة وما لا يقبل إلا ببطء وكلفة
ومنها ما يستمر حكمه إلى الموت ويزول في البرزخ ومنها ما
لا يزول إلا في المحشر ومنها ما لا يزول إلا بعد دخول
النار وقد نهت الشريعة على كل ذلك
(حم عن أبي ذر) رمز لصحته وهو غير صواب فقد قال الهيتمي
رجاله ثقات إلا أن شهر [ص:407] ابن عطية حدث به عن أشياخه
عند أبي ذر ولم يسم أحدا منهم
(1/406)
765 - (إذا عملت عشر سيئات فاعمل) في
مقابلتها ولو (حسنة) واحدة (تحدرهن) بفتح المثناة فوق وضم
الدال أي تسقطهن بسرعة من الحدور ضد الصعود. قال الزمخشري:
أحدر القراءة أسرع فيها فحطها عن حالة التمطيط والعين تحدر
الدمع (بها) لأن السيئة سيئة واحدة والحسنة الواحدة بعشر
أمثالها وفي إشعاره رمز إلى رد قول البعض إنما يكفر الذنوب
الذي ارتكبه العاصي عشر مرات أن يتمكن منه عشر مرات مع صدق
الشهوات ثم يصبر عنه ويكسر شهوته خوفا منه تعالى
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عمرو بن الأسود مرسلا) هو
العبسي الشامي
(1/407)
766 - (إذا عملت) بالبناء للمجهول
(الخطيئة) المعصية (في الأرض كان من شهدها) أي حضرها
(فكرهها) بقلبه وفي رواية أنكرها (كمن غاب عنها) في عدم
الإثم له والكلام فيمن عجز عن إزالتها بيده أو لسانه (ومن
غاب عنها فرضيها) لفظ رواية ابن حبان فأحبها (كان كمن
شهدها) أي حضرها في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة
بينهما. لأن الراضي بالمعصية في حكم العاصي والصورة الأولى
فيها إعطاء الموجود حكم المعدوم والثانية عكسه. قال
الراغب: والخطيئة والسيئة متقاربان لكن الخطيئة أكثر ما
تقال فيما لم يكن مقصودا إليه في نفسه بل يكون القصد سبب
ضد ذلك الفعل بخلاف السيئة
(د) في الفتن (عن العرس) بضم فسكون (ابن عميرة) بفتح أوله
الكندي قال ابن حجر: قيل عميرة أمه واسم أبيه قيس بن سعيد
بن الأرقم رمز لصحته
(1/407)
767 - (إذا غربت الشمس) في كل يوم (فكفوا
صبيانكم) أي أطفالكم عن الانتشار في الدخول والخروج (فإنها
ساعة ينشر فيها الشيطان) لامه للجنس بدليل رواية الشياطين
وليس فيه ذكر نهاية الكف وذكره في حديث آخر بقوله: حتى
تذهب فوعة العشاء. وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس
سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية بل تمسك عن
النصرفات ما دام ظاهرا في العالم السفلي فاذا استتر عنه في
مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس فتندفع دفعة
رجل واحد فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه
فآذوه فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا فهذا سر أمر
المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك
(طب عن ابن عباس) رمز لحسنه
(1/407)
768 - (إذا غضب أحدكم) لشيء نابه (فليسكت)
عن النطق بغير الذكر المشروع لأن الغضب يصدر عنه من قبيح
القول ما يوجب الندم عليه عند سكون سورة الغضب: ولأن
الانفعال ما دام موجودا فنار الغضب تتأجج وتتزايد فإذا سكت
أخذت في الهدوء والخمود وإن انضم إلى السكوت الوضوء كان
أولى فليس شيء يطفىء النار كالماء
(حم عن ابن عباس) زاد في الأصل وحسن
(1/407)
769 - (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس)
ندبا (فإن ذهب عنه الغضب) فذاك (وإلا) بأن استمر (فليضطجع)
[ص:408] على جنبه لأن القائم متهيء للانتقام والجالس دونه
والمضطجع دونهما. والقصد أن يبتعد عن هيئة الوثوب
والمبادرة للبطش ما أمكن حسما لمادة المبادرة. وحمل الطيبي
(قوله وحمل: بفتح الحاء وسكون الميم مبتدأ) الاضطجاع هنا
على التواضع والخفض لأن الغضب منشؤه الكبر والترفع: صرف
(قوله صرف: خبر المبتدأ الماء وهو حمل اه.) للفظ عن ظاهره
بلا ضرورة. قال اابن العربي: والغضب يهيج الأعضاء اللسان
أولا ودواؤه السكوت. والجوارح بالإستطالة ثانيا ودواؤه
الاضطجاع. وهذا إذا لم يكن الغضب لله وإلا فهو من الدين
وقوة النفس في الحق: فبالغضب قوتل الكفار وأقيمت الحدود
وذهبت الرحمة عن أعداء الله من القلوب وذلك يوجب أن يكون
القلب عاقدا والبدن عاملا بمقتضى الشرع. وفي الحديث وما
قبله أن الغضبان مكلف. لأنه كلفه بما يسكنه من القول
والفعل وهذا عين تكليفه بقطع الغضب. وما نقل عن الفضيل
وغيره أن من كان سبب غضبه مباحا كالسفر أو طاعة كالصوم
فغير مكلف بما يصدر عنه: فمؤول
(حم د حب) من رواية أبي الأسود (عن أبي ذر) قال كان أبو ذر
يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد ثم اضطجع. فقيل له فيه فقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الهيتمي:
رجال أحمد رجال الصحيح
(1/407)
770 - (إذا غضب الرجل) يعني الإنسان ولو
أنثى (فقال أعوذ بالله) زاد في رواية الطبراني: من الشيطان
الرجيم (سكن غضبه) لما يأتي في خبر: إن الغضب من الشيطان:
أي من إغوائه ووسوسته والاستعاذة من أقوى سلاح المؤمن على
دفع كيد اللعين إبليس ومكره. وإذا تأمل معنى الاستعاذة وهو
الإلتجاء إلى الله تعالى والاعتصام به وضم له التفكر فيما
ورد في كظم الغيظ وثوابه واستحضر أن الله أعظم قدرة من
قدرته على من غضب عليه سكن غضبه لا محالة
(عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف. وورد من عدة طرق للطبراني
الصغير والأوسط عن ابن مسعود رفعه بنحوه. قال الهيتمي:
ورجاله تقات وفي بعضها اختلاف
(1/408)
771 - (إذا فاءت الأفياء) جمع فيء وهو رجوع
الظل الحاصل من حاجز بينك وبين الشمس عن المغرب إلى المشرق
فلا يكون إلا بعد الزوال فالمعنى إذا رجعت ظلال الشواخص من
جانب المغرب إلى المشرق (وهبت الأرواح) جمع ريح. لأن أصلها
الواو وتجمع على أرياح قليلا ورياح كثيرا (فاذكروا
حوائجكم) أي اطلبوها من الله تعالى في تلك الساعة (فإنها
ساعة الأوابين) أي المكثرين الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة
والمطيعين أي المسبحين: يعني هو الوقت الذي يتوجه فيه
الأبرار إلى الله تعالى أو الوقت الذي يتصدون فيه إلى
إسعاف ذوي الحاجات وإعانتهم بالشفاعة إلى الله تعالى فهي
مظنة لاستجابة الدعاء وقضاء الحوائج
(عب عن أبي سفيان مرسلا) أبو سفيان في التابعين متعدد فكان
ينبغي تمييزه (حل) وكذا الديلمي (عن) عبد الله (بن أبي
أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو بألف مقصورا علقة ابن خالد
المدني الأسلمي له ولأبيه ولأخيه صحبة
(1/408)
772 - (إذا فتحت مصر) أرض جامعة كليتها
وجملة أقليمها نازلة منزلة الأرض كلها فلها إحاطة بوجه ما
فلذلك أعظم شأنها في القرآن: أي والسنة. وأن العالي منها
من الفراعنة. ذكره الحراني. قال ابن زولاق: ذكرت مصر في
القرآن في ثمانية وعشرين موضعا. قال المصنف بل أكثر من
ثلاثين وسردها (فاستوصوا بالقبط) كسبط أهل مصر [ص:409] وقد
تضم القاف في النسبة (خيرا) أي اطلبوا الوصية من أنفسكم
بإتيان أهلها خيرا. أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم يقال
أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية يعني إذا استوليتم عليهم
وتمكنتم منهم فأحسنوا إليهم وقابلوهم بالعفو عما تنكرون
ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم.
فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة ثم علله بقوله (فإن لهم
ذمة) ذماما وحرمة وأمانا من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى
الله عليه وسلم فإن أمه مارية منهم (ورحما) بفتح فكسر:
قرابة لأن هاجر أم إسماعيل منهم وفي رواية قرابة وصهرا
فالذمة بإعتبار إبراهيم والرحمة بإعتبار هاجر. ذكره جمع.
وقال الزركشي: المتجه أنه أراد بالذمة العهد الذي دخلوا به
في الإسلام زمن عمر فإن مصر فتحت صلحا وهذا مما كوشف به من
الغيب ومن معجزاته حيث أوقع الحال موقع الاستقبال ففتحت
على أتم الأحوال في سنة عشرين من الهجرة ثم فيه معجزة أخرى
هي إخباره بأن سيقع منهم ما يوجب العقاب بخروج المصريين
على عثمان أولا وقتلهم محمد بن أبي بكر ثانيا وهو وال
عليها من قبل علي الإمام الحق ومع ذلك ففيه إشعار بمحبته
لأهل مصر وإن فرط منهم ما فرط. ومن فضائلهم أن أكثر
المجددين على رأس كل قرن منهم
(طب ك عن كعب بن مالك) بن كعب الأنصاري السلمي الشاعر أحد
الثلاثة الذين تيب عليهم. قال الهيتمي: رواه الطبراني
بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. قال المصنف كالزركشي
وأصله في مسلم: أي ولفظه: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها
القبط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما
(1/408)
773 - (إذا فتح) بلبناء للمفعول: أي فتح
الله (على العبد) أي الإنسان: الدعاء بأن أفيض على قلبه
نورا فيشرح به صدره للدعاء واقبل بشراشره على النطق به
(فليدع) ندبا مؤكد (ربه) بما أحب من مهماته الأخروية
والدنيوية (فإن الله يستجيب له) أي يعطيه عن المسؤول وإلا
فهو سبحانه أطلق الاستجابة للداعي ولم يخص ذلك بوقت {وقال
ربكم ادعوني أستجب لكم} وإنما أورد عليك الوارد لتكون عليه
واردا متى أطلق لسانك بالطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك وعند
الفتح تتوجه رحمة الله للعبد وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء
لأنها وسعت كل شيء وتخلف الإجابة كثيرا لتخلف بعض شروط
الدعاه وأركانه وفيه حث أكيد على الدعاء ورد على من رأى أن
ترك الدعاء أفضل لكنه من المقامات عندهم فلأجل ذلك لا ينكر
فضله وإن فضلنا فعله فقد ابتلى بعض عظماء الأولياء بالجذام
وكان يحفظ الاسم الأعظم فقيل له ألا تدعو؟ فقال ما كنت
لأطلب الإقالة من أمر اختاره لي <تنبيه> قال في الحكم إذا
فتح لك وجهة من التعرف فلا تبالي معها إن قل عملك فإنه ما
فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك ألم تعلم أن التعرف
هو مورده عليك والآعمال أنت تهديها إليه. وأين ما تهديه
إليه مما هو مورده عليك؟
(ت عن ابن عمر) ابن الخطاب (الحكيم) الترمذي (عن أنس) وفيه
عبد الرحمن بن أبي مليكة. قال في الكشف ضعيف
(1/409)
774 - (إذا فعلت) في رواية عملت (أمتي خمس
عشرة خصلة) بالفتح: أي خلة وخصها لأنها أمهات الخطايا
وعنها تتفرع القبائح (فقد حل بها البلاء) أي نزل أو وجب.
قيل وما هي؟ قال (إذا كان المغنم) كمقعد: الغنيمة (دولا)
بكسر ففتح جمع دولة بالضم والفتح اسم لكل ما يتداول من
المال: يعني: إذا كان الأغنياء وأهل الشرف والمناصب
يتداولون أموال الفيء ويستأثرون بحقوق العجزة والفقراء
ويمنعون الحق عن مستحقيه قهرا وغلبة كما هو صنيع أهل
الجاهلية وذي العدوان (والأمانة مغنما) أي غنيمة يذهبون
بها ويغنمونها فيرى أن من بيده أمانة أن الخيانة فيها
غنيمة غنمها (والزكاة مغرما) أي يشق عليهم أداؤها بحيث
يعدون إخراجها غرامة يغرمونها ومصيبة يصابونها [ص:410]
(وأطاع الرجل زوجته) يعني حليلته فيما تروم منه وإن خالف
الشرع (وعق أمه) أي عصاها وأذاها. وفحوى الخبر دال على أن
المراد أنه قدم رضا امرأته على رضا أمه فتغضب تلك لرضا هذه
عند تباين غرضيهما. وخص الأم - مع كون عقوق الآباء كذلك -
لأن عقوقها أقبح لضعفها (وبر صديقه) أي أحسن إليه وأدناه
وتفضل عليه وجباه (وجفا أباه) أبعده وأقصاه وأعرض عنه
وقلاه وترك صلته وأهمل مودته. قال الطيبي: وقوله أدنى
صديقه وجفا أباه: كلاهما قرينة لقوله وأطاع امرأته وعق أمه
لكن المذموم في الأول الجمع بينهما لأن إدناء الصديق محمود
بخلاف الثانية فإن الإفراد والجمع بينهما مذمومان (وارتفعت
الأصوات) أي علت أصوات الناس (في المساجد) بالخصومات
ونحوها: كالبيع والشراء إلا بالذكر والدعاء (وكان زعيم
القوم) أي رئيسهم أو أميرهم: يقال زعم القوم يزعم زعامة:
تأمر (أرذلهم) أي أخسهم وأسفلهم (وأكرم الرجل) بالبناء
للمفعول: أي أكرم الناس الإنسان (مخافة شره) أي خشية من
تعدي شره إليهم وجنايته عليهم (وشربت الخمور) جميعها
لاختلاف أنواعها: إذ كل مسكر خمر يعني أكثر الناس من
شربها. والمراد تجاهروا به (ولبس الحرير) بالبناء للمفعول:
أي لبس الرجال الحرير الخالص أو ما أكثره منه بلا ضرورة
(واتخذت القينات) أي اتخذ الناس الإماء المغنيات
(والمعازف) بمهملة وزاي مكسورة أي الدفوف (ولعن آخر هذه
الأمة أولها) أي لعن أهل الزمن الآخر الصدر الأول من
الصحابة والتابعين الذين مهدوا قواعد الدين وأصلوا أعلامه
وأحكموا أحكامه. والمراد باللعن الطعن والذكر بالسوء وعدم
الاقتداء بهم في الأعمال والاعتقاد (فليرتقبوا) أي فلينتظر
الناس (عند ذلك ريحا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء.
وأفردها لأن المفردة للعذاب والجمع للرحمة (أو خسفا) أي
ذهابا وغورا في الأرض: يعني يقع لبعضهم ذلك وكذا يقال في
قوله (أو مسخا) أي قلب الخلقة من صورة إلى صورة. وتمسك به
الخطابي على أن الخسف والمسخ قد يكونان في هذه الأمة كما
كانا في الأمم الماضية وزعم أن مسخها إنما يكون بالقلوب لا
بالصور لا دليل عليه. قال ابن تيمية: وإنما يكون الخسف
والمسخ إذا استحلوا هذه المحرمات بتأويل فاسد فإنهم لو
يستحلوها مع اعتقاد أن الشارع حرمها كفروا ولم يكونوا من
أمته ولو كانوا معترفين بحرمتها لما عوقبوا بالمسخ كسائر
من يفعل هذه المعاصي مع اعترافهم بأنها معصية
(ت عن علي) قال الترمذي غريب تفرد به فرج بن فضالة وهو
ضعيف. وقال العراقي والمنذري ضغيف لضعف فرج بن فضالة. وقال
الدارقطني حديث باطل وقال الذهبي منكر وقال ابن الجوزي
مقطوع واه لا يحل الاحتجاج به
(1/409)
775 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان
(لأخيه) أي في الإسلام الذي فعل معه معروفا (جزاك الله
خيرا) أي قضى لك خيرا وأثابك عليه: يعني أطلب من الله أن
يفعل ذلك بك (فقد أبلغ في الثناء) أي بالغ فيه وبذل جهده
في مكأفاته عليه بذكره بالجميل وطلبه له من الله تعالى
الأجر الجزيل فإن ضم لذلك معروفا من جنس المفعول معه كان
أكمل هذا ما يقتضيه هذا الخبر لكن يأتي في آخر ما يصرح بأن
الاكتفاء بالدعاء إنما هو عند العجز عن مكافأته بمثل ما
فعل معه من المعروف. ثم إن الدعاء المذكور إنما هو للمسلم
كما تقرر أما لو فعل ذمي بمسلم معروفا فيدعو له بتكثير
المال والولد والصحة والعافية
(ابن منيع) في معجمه (خط) في ترجمة ابن زرارة عن أبي هريرة
وفيه عمر بن [ص:411] زرارة الطرطوسي شيخ مغفل وموسى بن
عبيدة الرندي ضعفوه ورواه الطبراني في الصغير عن أبي
هريرة. قال الهيتمي فيه: وفيه موسى الرندي ضعيف
(1/410)
776 - (إذا قال الرجل لأخيه) المسلم (يا
كافر فقد باء بها) أي رجع بتلك المقالة أحدهما ورجع بتلك
الكلمة على ما مر بيانه موضحا
(خ عن أبي هريرة حم خ عن ابن عمر) ابن الخطاب
(1/411)
777 - (إذا قال العبد يارب يارب قال) الله
(لبيك عبدي) أي إجابة بعد إجابة. وأتى بلفظ التلبية لأنها
في حكم التثنية المطابق لقوله في الدعاء يارب يا رب
بتكراره ثنتين (سل) ما شئت (تعط) أي أعطيك إياه معجلا أو
مؤجلا أو أعوضك خيرا من المسؤول وفي رواية: تعطه وذلك لأن
من أسباب الإجابة بل من أعظمها الالحاح عليه تعالى
والترامي على فضله وكرمه وعظيم ربوبيته ونواله. وإنما يقول
الداعي في جؤره يا رب يا رب بأداة البعد مع كونه أقرب اليه
من حبل الوريد احتقارا لنفسه واستبعادا لها من مظان الزلفى
ومنازل المقربين هضما لنفسه وإقرارا عليها بالتفريط في جنب
الله مع فرط التهالك على استجابة دعوته. ذكره الزمخشري.
وقد احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن الاسم الأعظم هو الرب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي. وكذا أبو الشيخ [ابن
حبان] والديلمي (عن عائشة) مرفوعا وموقوفا أيا ما كان:
ضعيف لأن فيه يعقوب الزهري لا يعرف عن الحكم الأموي مضعف:
لكن يقويه خبر البزاز: إذا قال العبد يا رب يا رب - أربعا
- قال الله: لبيك عبدي سل تعط
(1/411)
778 - (إذا قال الرجل) يعني الإنسان
(للمنافق) أي الذي يخفي الكفر ويظهر الإسلام (يا سيد) بغير
إضافة وفي رواية يا سيدي (فقد أغضب ربه) أي فعل ما يستحق
العقاب من مالك أمره المنعم بالإيجاد والتربية لأنه إن كان
سيده وهو منافق فحاله دون حاله: وقد كان المصطفى صلى الله
عليه وسلم يكره استعمال اللفظ الشريف المصون في حق من ليس
كذلك واستعمال اللفظ المهين المكروه فيمن ليس من أهله.
وهذا من ذلك القبيل. قال الطيبي: ومولانا داخل في هذا
الوعيد. بل أشد. وكذا قوله أستاذي. والكلام في حر قال ذلك
عند أمن الفتنة. أما لو قال عبدا وأمة لمالكه أو مالكها أو
قاله حر لخوف الفتنة لو لم يقله فلا يدخل في هذا الوعيد
والغضب من الله إرادة الانتقام من المغضوب عليه. وفي
الحديث إشعار بأنه لا يذم قول ذلك للمؤمن. ويدل له الخبر
الآتي: قوموا إلى سيدكم
(ك هب عن بريدة) تصغير بردة وهو ابن الحصيب. قال الحاكم
صحيح. ورده الذهبي بأن فيه عقبة الأصم ضعفوه اه. وظاهر
صنيعه أن كلا من مخرجيه رواه هكذا. ولا كذلك. بل لفظ رواية
البيهقي في شعب الإيمان بعد يا سيد: فقد باء بغضب ربه
(1/411)
779 - (إذا قالت المرأة لزوجها) أو الأمة
لسيدها (ما رأيت منك خيرا قط) أي فيما مضى من الزمان أو ما
مضى من كوني في عصمتك (فقد حبط عملها) أي فسد وهدر وأبطل.
والمراد أنكرت ما سيق من إحسان الله لها الذي أجراه على
يده وجحدته فتجازى بإبطال عملها: أي بحرمانه ثوابه إلا أن
تعود وتقر بإحسانه وجائز أن يراد به الزجر والتنفير. نعم
إن كانت المقالة على حقيقتها فلا يلحقها هذا الوعيد.
والحبط أصله أن تكثر الدابة الأكل حتى ينتفخ بطنها وتفسد.
[ص:412] قال الزمخشري: ومن المجاز حبط عمله واستعير من حبط
بطون الماشية إذا أكلت الخضر
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) وفيه يوسف التميمي.
قال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به
(1/411)
780 - (إذا قام أحدكم يصلي من الليل) أي
إذا أراد القيام للصلاة فيه كقوله تعالى {فاذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله} عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها
للإيجاب. قال الزجاج: والقيام اسم لهذه الحركة المخصوصة من
هذا المتحرك الذي بها يسمى قائما. فتلك الهيئة هي التي
سميت قياما بالنظر لحال انفصالها ويقوم وقم بالنظر لتوهم
وقوعها (فليستك) أي يستعمل السواك (فإن أحدكم إذا قرأ في
صلاته وضع ملك فاه على فيه) يحتمل أن المراد به كاتب
الحسنات ويحتمل غيره (فلا يخرج من فيه) أي القارىء (شيء)
من القرآن (إلا دخل فم الملك) لأن الملائكة لم يعطوا فضيلة
التلاوة كما في خبر آخر وأنهم حريصون على استماع القرآن من
البشر وفي إطلاقه القراءة في الصلاة إشارة إلى أن ذلك يكون
في أي صلاة كانت فرضا أو نفلا: ليلا أو نهارا فذكره الليل
أولا لكون التهجد إنما هو ليلا وهو يزيد على صلاة النهار
بالنسبة للكمال فوجه الكلام نحو الغالب. وإلا فالنهار كذلك
بدليل ما رواه محمد بن نصر عن الزهري مرسلا: إذا قام الرجل
يتوضأ ليلا أو نهارا فأحسن الوضوء واستن ثم قام يصلي أطاف
به الملك ودنا منه حتى يضع فاه على فيه فما يقرأ إلا فيه.
وإذا لم يستن أطلق به ولم يضع فاه على فيه. ثم قضية الحديث
أن تلقف الملك القراءة إنما يكون فيما وقع في الصلاة
بخلافه خارجها وقد يوجه بأن الصلاة مظنة الفيوض الرحمنية
فاجتماع شرف القرآن وشرف الصلاة يزيد دنو الأرواح القدسية.
وفيه ندب الإكثار من القراءة سيما في الصلاة وبيان فضيلة
قراءة القرآن والسواك وإن كان الإنسان نقي الأسنان قويم
المزاج واعتناء الملأ الأعلى بذلك وحرصهم عليه وفيه أن
للملك جوفا فهو رد على ابن عبد الهادي في قوله: الملائكة
صمد لا أجواف لهم
(هب وتمام) في فوائده (والضياء) المقدسي (عن جابر) ورواه
أبو نعيم. قال ابن دقيق العيد: رواته ثقات
(1/412)
781 - (إذا قام أحدكم من الليل) أي للتهجد
في بعض الليل أو للقراءة فيه (فاستعجم) بفتح المثناة فوق:
استغلق (القرآن) بالرفع فاعل استعجم (على لسانه) إي ثقلت
عليه القراءة كالأعجمي لغلبة النعاس (فلم يدر ما يقول) أي
صار لنعاسه لا يفهم ما ينطق به ولا يدري لشدة نعاسه ما بعد
اللفظ المتلو ليأتي به أو لا يقدر على النطق أصلا
(فليضطجع) للنوم ندبا إن خف النعاس بحيث يعقل المعقول
ووجوبا إن غلبه بحيث يفضي إلى الإخلال ببعض الواجبات ذكره
العراقي دافعا به التعارض: وقول ولده الولي لا وجه له لأن
النعاس إذا اشتد قطع الصلاة فلا يحتاج لقطع. لا اتجاه له:
كيف والمدرك في الوجوب خوف أن يغير كلام الله ويأتي بما لا
يجوز من تحريف أو تغيير لمعنى أو وضع بعض أركان الصلاة في
غير محل أو فعله على صورة غير مرضية فإذا اشتد النعاس بحيث
غلب على ظنه الوقوع في ذلك فوجوب القطع في محل القطع. ثم
قضية الخبر أن الكلام في الفرض لا في النفل لحل الخروج
منه. وعبر بالاضطجاع لا لعدم حصول المقصود بحصول النوم
قاعدا أو مستلقيا لأنه الهيئة المعهودة المحمودة. وخص
الليل والصلاة لا لإخراج الغير بل لأنه الغالب فيمنع
الناعس من القراءة ولو نهارا وفي غير الصلاة حذرا من تغير
النظم القرآني وإن كان في الصلاة قدر زائد وهو أنه ما لم
تتحقق قراءة الواجب لا صلاة
(حم م د هـ عن أبي هريرة)
(1/412)
[ص:413] 782 - (إذا قام أحدكم من الليل)
ليصلي (فليفتتح) ندبا (صلاته بركعتين) لينشط لما بعدها
ويسن كونهما (خفيفتين) بأن يقتصر فيهما على أقل الكمال ولا
يستوفي الأكمل. وحكمته - كما قال العراقي - استعجال حل عقد
الشيطان وقال غيره في دليل لندبهما وهما مقدمة لصلاة الوتر
ليدخل فيه بعد مزيد يقظته كما يسن تقديم السنة القبلية على
الغرض لنحو ذلك فكذا ندب هنا لتأكد الوتر حتى اختلف في
وجوبه <تنبيه> قال الطوسي: القيام هيئة عارضة للإنسان بحسب
انتصابه وبحسب كون رأسه من فوق ورجليه من تحت ولولا هذا
الاعتبار لكان الانتكاس قياما
(حم م عن أبي هريرة)
(1/413)
783 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل
فيها بدليل قوله الآتي في الصلاة (فليسكن أطرافه) أي يديه
ورجليه يعني لا يحركهما (ولا يتميل كما تتميل اليهود) أي
لا يعوج يديه يمينا وشمالا لا كما يفعلونه في صلاتهم وعند
قراءتهم التوراة والميل بفتحتين: الاعوجاج (فإن تسكين)
الثابت في أصول الحكيم الصحيحة فإن سكون (الأطراف من تمام
الصلاة) أي من تمام هيئاتها ومكملانها بل إن كثر التحرك
كثلاث متوالية أبطل عند الشافعي. وذلك لأن الوقوف في
الصلاة وقوف ذل وتخشع وقد أثنى الله على الخاشع فيها
والخشوع البالغ الموجب للثناء خشوع القلب ومن لازمه خشوع
الجوارح وقد يصلي المصلي بجوارحه وليس بخاشع فخشوع القلب
هو المطلوب. وتمايل اليهود غير ناشئ عن خشوع قلوبهم بل
سببه فيما قيل أنه أوحي إلى موسى أن هذه التوراة صارت في
حجر بني إسرائيل ولا تكاد تعظمها فحلها بذهب لم تمسه
الأيدي فأنزلت عليه الكيميا فحلاها بها فكان إذا قرأها
تلذذ بها وهاجت اللذة فيتمايل طربا على كلام ربه فاستعملها
اليهود بعده على خراب القلوب وخلاء الباطن. فهذا هو المشار
إلى النهي عنه في الحديث. وقيل أصله قول موسى يوم الوفادة
{إنا هدنا إليك} فأخذوا هذا من قوله وجعلوا يتهادون: أي
يتمايلون في صلاتهم فأخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
بأن فعلهم ذلك غير صحيح وإن كان الأصل صحيحا
(الحكيم) الترمذي (عد حل) وكذا ابن عساكر من حديث الهيتم
بن خالد عن محمد بن المبارك الصوري عن يحيى عن معاوية بن
يحيى عن الحكم بن عبد الله عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت
أبي بكر عن أم رومان (عن أبي بكر) الصديق قال رآني أبو بكر
الصديق رضي الله عنه أتمايل في صلاتي فزجرني زجرة كدت
أنصرف منها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول - فذكره - ومن لطائف إسناده أن فيه ثلاثة صحابيون
وصحابية عن أمها عن أبيها ثم إن الهيتم بن خالد قال في
الميزان: يروي الأباطيل ومعاوية هو إما الصدفي أو
الطرابلسي وكلاهما ضعيف
(1/413)
784 - (إذا قام الرجل) أي الجالس لنحو
إفتاء أو قراءة أو إقراء علم شرعي (من مجلسه) زاد إمام
الحرمين في النهاية وصححه وأقره في الروضة في المسجد (ثم
رجع إليه فهو أحق به) أي من غيره إن كان قام منه ليعود
إليه لأن له غرضا في لزوم ذلك المحل ليألفه الناس. قال
النووي: قال أصحابنا هذا فيمن جلس بمحل من نحو مسجد أو
غيره لنحو صلاة ثم فارقه ليعود كإرادة وضوء أو شغل يسير
فلا يبطل اختصاصه به وله أن يقيم من قعد فيه وعلى القاعد
أن يطيعه وهل يجب؟ وجهان أصحهما الوجوب والثاني يستحب وهو
مذهب مالك. قال - أعني النووي - وإنما [ص:414] يكون أحق في
تلك الصلاة فقط. ومن ألف من مسجد محلا ليفتي أو يقرىء فله
أن يقيم من قعد فيه ومثله من سبق إلى محل من الشارع ومقاعد
الأسواق لمعاملة. وظاهر الحديث عدم اشتراط إذن الإمام
(حم خد م د هـ عن أبي هريرة حم عن وهب بن حذيفة) الغفاري
ويقال المدني سكن المدينة ووهم في المطلب فعزاه للبخاري
وليس فيه
(1/413)
785 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يغمض)
فيها (عينيه) ندبا. بل يديم النظر إلى محل سجوده فإن
غمضهما بغير عذر كره تنزيها لأنه فعل اليهود. نعم إن اقتضت
المصلحة التغميض كتوفر الخشوع وحضور القلب - لم يكره كما
عليه أكثر الشافعية
(طب عد ابن عباس) وفيه مصعب المصيصي. قال مخرجه ابن عدي
يحدث عن الثقات بالمناكير ثم ساق له هذا الخبر
(1/414)
786 - (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي دخل
فيها (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل به وتقبل عليه (فلا
يمسح) حال الصلاة ندبا (الحصا) ونحوه الذي بمحل سجوده لأن
الشغل بذلك لعب لا يليق بمن شملته الرحمة ولأنه ينافي
الخشوع والخضوع ويشغل المصلي عن مراقبة الرحمة المواجهة له
فيفوته حظه منها ومن ثم حكى النووي الاتفاق على كراهته لكن
نوزع بفعل مالك له. نعم له دفع ما يتأذى به بنحو تسوية محل
السجود فلا يكره قبل الصلاة وبعدها وقيل المراد مسح الحصا
والتراب الذي يعلق بجبهته فإن كثف فمنع مباشرة الجبهة
للسجود وجبت الإزالة قال العراقي: وتقييد المسح بالحصى
غالبي لكونه كان فرش مساجدهم وأيضا هو مفهوم لقب فلا يدل
تعليق الحكم به على نفيه عن غيره من كل ما يصلي عليه من
نحو رمل وتراب وطين وقدم التعليل زيادة في تأكد النهي
وتنبيها على عظم ثواب ترك العبث في الصلاة وإعلاما للمصلي
بعظمة ما يواجهه فيها فكأنه يقول: لا ينبغي لعاقل يلقي تلك
النعم الخطيرة بهذه الفعلة الحقيرة
(حم عد حب عن أبي ذر)
(1/414)
787 - (إذا قام العبد في صلاته ذر) بضم
المعجمة وتشديد الراء فهو مبني للمفعول أو ذر الله أو
الملك بأمره ويصح بناؤه للفاعل بفتح الذال والفاعل معروف
(البر) بكسر الموحدة أي ألقي الإحسان (على رأسه) ونشره
عليه ويستمر ذلك (حتى يركع فإذا ركع علته) بمثناة فوقية
وما في نسخ عليه بمثناة تحتية تصحيف (رحمة الله) أي نزلت
عليه وغمرته ويستمر ذلك (حتى يسجد والساجد يسجد على قدمي
الله) تعالى استعارة تمثيلية. ومن حق إقبال الله عليه
برحمته إقباله بقلبه على عظمته لتحصل المقابلة ومن ثمرات
هذه المقابلة انقياد النفس. فإن العبد إذا لاحظ ببصر فؤاده
جلالة عظمة من يسجد بين يديه خلص إلى النفس هول الجلالة
والعظمة فخشعت وذلت وذهلت وخمد تلظى نار شهوتها وحينئذ
(فليسأل) الله تعالى ما شاء لقربه منه (وليرغب) فيما أحب
مما يسوغ شرعا ويليق به عرفا وإن عظم وجل فإن الله سبحانه
كريم جواد لا يتعاظم عليه شيء ولا ينقص خزائنه العطاء وهو
الغنى المطلق (فإن قلت) الرغبة: الضراعة والمسألة كما في
القاموس فما فائدة عطفها عليها؟ (قلت) هو من عطف الخاص على
العام إذا أقل الرغبة كما بينه الراغب الاتساع في الشيء.
فإذا قيل رغب فيه وإليه: اقتضى الحرص على الشيء فكأنه قال
فليطلب وليحرص على ذلك
(ص عن أبي عمار مرسلا) واسمه قيس الكوفي مولى الأنصاري
[ص:415] تابعي قال في الكاشف: وفي التقريب فيه لين
(1/414)
788 - (إذا قام صاحب القرآن) أي حافظه وكل
شيء لازم شيئا فقد استصحبه (يقرأ) أي قارئا وفي نسخه فقرأ
(بالليل والنهار) أي تعهد تلاوته ليلا ونهارا فلم يغفل عنه
(ذكره) أي استمر ذاكرا حافظا له (وإن لم يقم به) أي
بتلاوته (نسيه) فإنه شديد التفلت كالإبل المعلقة التي إذا
انفلتت لا تكاد تلحق ونسيانه كبيرة كما يأتي. وفيه ندب
إدامة تلاوة القرآن. فتلاوته أفضل الذكر العام بأن لم يخص
بوقت أو محل أما ما خص بأن ورد الشرع به فيه فهو أفضل
(محمد بن نصر) الشافعي (في) كتاب (الصلاة عن ابن عمر) بن
الخطاب
(1/415)
789 - (إذا قدم أحدكم على أهله من سفر) طال
أو قصر لكن الطويل آكد (فليهد) ندبا (لأهله) هدية مما يجلب
من ذلك القطر الذي سافر إليه. والمراد بأهله: عياله ومن في
نفقته من زوجة وسرية وولد وخادم. ويحتمل أن المراد أقاربه.
ويظهر أن يلحق بهم خواص أصدقائه عملا بالعرف في ذلك ثم
أبدل من الإهداء قوله (فليطرفهم) بضم أوله وسكون الفاء: أي
يتحفهم بشيء جديد لا ينقل لبلدهم للبيع بل للهدية. فإن لم
يتيسر فليأت له بشيء (ولو كان) وفي رواية الدارقطني ولو
كانت (حجارة) أي حجارة يستحسن منظرها أو ينتفع بها كحجارة
الزناد ولا يقدم عليهم فارغا لكسر خاطرهم بتطلعهم نحو ما
يصحبه. فالسنة المحافظة على جبر خواطرهم مهما أمكن
والطرافة بالضم ما يستطرف: أي يستملح وأتحف الرجل: جاء
بطرفة. قال الزمخشري: وهذا من طرائف مالي وهذه طرفة
للمستحدث المعجب وأطرفه بكذا: أتحفه. ومن المجاز هو كريم
الأطراف: الآباء والآجداد
(هب) من حديث عتيق بن يعقوب عن يحيى بن عروة عن هشام عن
أبيه (عن عائشة) وقال - أعني البيهقي - تفرد به عتيق عن
يحيى. اه. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح
(1/415)
790 - (إذا قدم أحدكم) على أهله (من سفر
فليقدم معه بهدية) ندبا مؤكدا (ولو) كان شيئا تافها جدا
كأن (يلقي) أي يطرح (في) نحو (مخلاته) بكسر الميم (حجرا)
من نحو حجارة الزناد ولا يقدم متجردا فيتأكد ذلك سيما
للحاج
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وإسناده ضعيف لكن
يقوى بما قبله ولذلك أورده عقبه
(1/415)
791 - (إذا قرأ ابن آدم السجدة) أي آيتها
(فسجد) للتلاوة (اعتزل) أي تباعد وكل من عدل إلى جانب فهو
معتزل ومنه سميت الفرقة العدلية معتزلة (الشيطان) إبليس
فأل عهدية (يبكي يقول) حالان من فاعل اعتزل مترادفان أو
متداخلان (يا ويله) في رواية مسلم: يا ويلتي وفي أخرى يا
ويلي وفي أخرى يا ويلنا. وألفه للندبة والتفجع: أي يا
هلاكي ويا حزني. احضر فهذا أوانك. جعل الويل منادى لكثرة
حزنه وهو لما حصل له من الأمر الفظيع (أمر ابن آدم
بالسجود) وهذا استئناف جواب عن من سأله عن حاله (فسجد فله
الجنة) بطاعته (وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار) وفي رواية
مسلم بدل فعصيت فأبيت. وفيه بيان فضيلة السجدة ودليل على
كفر إبليس قال الحنفية: [ص:416] ووجوب سجدة التلاوة لأن
الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يتعقبه بالإنكار
كان دليل صحته. وقال الشافعية سنة. وتسمية هذا أمرا من
كلام إبليس وكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حكاه ولم
ينكره لا يجديهم فقد حكى غيره من كلام الكفار ولم يبطله
وهو باطل. قال الطيبي: ونداء الويل للتحسر على ما فاته من
الكرامة وحصول اللعن والطرد والخيبة في الدارين وللحسد على
ما حصل لآدم من القرب والكرامة والفوز
(حم م د عن أبي هريرة)
(1/415)
792 - (إذا قرأ القارىء) القرآن (فأخطأ)
فيه بالهمزة من الخطأ ضد الصواب بأن أبدل حرفا بحرف لفقد
معلم أو عجز (أو لحن) فيه بأن حرفه أو غير إعرابه. واللحن
أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الإيحاء قيل للمخطىء
لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. ذكره في الكشاف (أو كان
أعجميا) لا يمكنه للكنة أن ينطق بالحروف مبينة (كتبه الملك
كما أنزل) أي قومه الملك الموكل بذلك. ولا يرفع إلا قرآنا
عربيا غير ذي عوج. قال في الكشاف الأعجم الذي لا يفصح وفي
لسانه عجمة واستعجام والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء
النسبة زيادة تأكيد ولما كان من يتكلم بغير لسانهم لا
يفقهون حديثا قالوا له أعجم وأعجمي يشبهونه بمن لا يفصح
ولا يبين. قالوا ولكل ذي صوت من البهائم والطير وغيرها.
اه. وفيه أن القارىء يكتب له ثواب قراءته وإن أخطأ ولحن.
لكن محله إذا لم يتعمد ولم يقصر في التعلم وإلا فلا يؤجر
بل يؤزر <فائدة> أخرج البيهقي في الشعب أن الأصمعي مر برجل
يقول في دعائه يا ذو الجلال فقال له ما اسمك؟ قال ليث
فقال:
يناجي ربه بالحي ليث. . . لذاك إذا دعاه لا يجيب
(فر عن ابن عباس) وفيه هشيم بن بشير قال الذهبي حافظ حجة
مدلس عن أبي بشر مجهول
(1/416)
793 - (إذا قرأ الإمام) في الصلاة
(فأنصتوا) لقراءته أيها المقتدون: أي استمعوا لها ندبا حيث
بلغكم صوته بالقراءة فلا يسن لمقتد سمع قراءة إمامه سورة
بعد الفاتحة بل يكره أما لو لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفسر
حروفه فيقرأ سرا. وظاهر الحديث أنه لو جهر الإمام في سريته
أو عكس: اعتبر فعله وهو الأصح عند الشافعية ففيه رد لمن
ذهب منهم إلى اعتبار المشروع. ثم هذا الحديث مما استدل به
على عدم القراءة خلف الإمام وعلى ما قدرناه لا دليل فيه
(م) وابن ماجه (عن أبي موسى) الأشعري. قال أبو داود وجمع:
حديثه غير محفوظ وطعن فيه البخاري في جزء القراءة. قال
البيهقي: واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفه مقدم على تصحيح
مسلم
(1/416)
794 - (إذا قرأ الرجل) يعني الإنسان ولو
أنثى (القرآن) أي تدبره وتفقهه وعرف حلاله وحرامه ومحكمه
ومتشابهه وخاصه وعامه وغير ذلك مما هو معلوم (واحتشى) أي
امتلأ جوفه: من حشوت الوسادة حشوا وهذا بناء على أن
الرواية بشين معجمة فإن كانت بمهملة فهو من خسا السويق أو
المرق حسوا: ملأ فمه وهما متقاربان (من أحاديث رسول الله)
صلى الله عليه وسلم حفظا ومعرفة ومعنى (وكانت هناك) أي في
ذلك الإنسان وذكره بكاف البعد إشارة لبعد مناله على البعض
(غريزة) بغين معجمة فراء مهملة فزاي: طبيعة عارفة بفقه
الحديث وملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام منها ومعرفة
الخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمجمل
المبين وغير ذلك مما هو مشروط في الفقه (كان خليفة من
خلفاء الأنبياء) لأن العلماء خلفاء الأنبياء وورثتهم وهذا
فيمن عمل بما علم من ذلك. كما مر ويأتي
(الرافعي) إمام الدين القزويني نسبة إلى رافع أو رافعان في
تاريخه تاريخ قزوين (عن أبي أمامة) الباهلي
(1/416)
[ص:417] 795 - (إذا قرب) بضم أوله (إلى
أحدكم طعامه) أي وضع بين يديه ليأكله وهكذا إن قرب تقديمه
(وفي رجليه نعل فلينزع نعليه) ندبا قبل الأكل (فإنه أروح
للقدمين) أي أكثر راحة لهما (وهو) أي نزعهما (من السنة) أي
طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه فعليكم به والنزع:
القلع كما مر
(ع عن أنس) وفيه معاذ بن سعد الذهبي قال مجهول وداود بن
الزبرقان قال أبو داود متروك والبخاري مقارب
(1/417)
796 - (إذا قصر) بالتشديد (العبد) أي
الإنسان المكلف (في العمل) أي في القيام بما عليه من
الواجب (ابتلاه الله) تعالى (بالهم) ليكون ما يقاسيه منه
جابرا لتقصيره مكفرا لتهاونه ومن ثم قال في الحكم من لم
يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان.
وروى الحكيم عن علي خلق الإنسان يغلب الريح ويتقيها بيده
ثم خلق النوم يغلب الإنسان ثم خلق الهم يغلب النوم فأشد
خلق ربك الهم فهذا إنسان يغلب الريح إذا قصر في عمله وكله
الله إلى نفسه والذي يغلب الريح هو من يغلب هواه فلا يعمل
إلا لله ويؤثر آخرته على دنياه
(حم) في كتاب الزهد الكبير (عن الحكم مرسلا) وفي الميزان
معضل. ثم إنه مع إعضاده له فيه بيان بن الحكم لا يعرف.
ذكره الديلمي وأبو بكر ابن عياش وفيه كلام
(1/417)
797 - (إذا قضى الله تعالى) أي أراد وقدر
في الأزل (لعبد) من عباده (أن يموت بأرض) وليس هو فيها
(جعل له إليها حاجة) زاد في رواية الحاكم فإذا بلغ أقصى
أثره توفاه الله بها فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما
استودعتني. قال القرطبي: قال العلماء وهذا تنبيه للعبد على
التيقظ للموت والاستعداد له بالطاعة والخروج من المظالم
وقضاء الدين والوصية بماله وعليه في الحضر فضلا عن الخروج
إلى سفره فإنه لا يدري أين كتبت منيته من البقاع. وأنشد
بعضهم يقول:
مشينا خطا كتبت علينا. . . ومن كتبت عليه خطا مشاها. . .
وأرزاق لنا متفرقات
فمن لم تأته مشيا أتاها. . . ومن كتبت منيته بأرض. . .
فليس يموت في أرض سواها
قال القاضي: وأصل القضاء إتمام الشيء قولا كقوله تعالى
{وقضى ربك} أو فعلا كقوله {فقضاهن سبع سماوات في يومين}
ويطلق على الإرادة الإلهية بوجوب الشيء من حيث إنه يوجبه
(ت) في القدر (ك) في الإيمان (عن مطر) بفتحتين (ابن عكامس)
بضم المهملة وخفة الكاف وكسر الميم فمهملة السلمي صحابي
سكن الكوفة الترمذي عن أبي عزة بفتح العين المهملة وشد
الزاي بضبط المؤلف واسمه بشار وقيل سنان بن عمرو صحابي سكن
البصرة قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمطر غيره. وظاهر
صنيع المصنف أن الحاكم لم يروه إلا من الطريق الأول ولا
كذلك بل رواه منهما معا وعبارته عن مطر أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال: إذا قيض الله لرجل موتا ببلدة
جعل له بها حاجة وقال على شرطهما وعزاه إلى أبي عزة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله قبض عبد بأرض
جعل له إليها حاجة ثم قال رواته ثقات وأبو عزة يسار له
صحبة. اه. وبه يعرف أن الحديث يعين اللفظ الذي ذكره المصنف
ليس للحاكم
(1/417)
[ص:418] 798 - (إذا قضى أحدكم) أي أتم
(حجه) أو نحوه من سفر طاعة كغزو (فليعجل) أي فليسرع ندبا
(الرجوع إلى أهله) أي وطنه وإن لم يكن له أهل (فإنه أعظم
لأجره) لما يدخله على أهله وأصحابه من السرور بقدومه لأن
الإقامة بالوطن يسهل معها القيام بوظائف العبادات أكثر من
غيرها وإذا كان هذا في الحج الذي هو أحد دعائم الإسلام
فطلب ذلك في غيره من الأسفار المندوبة والمباحة أولى. ومنه
أخذ أبو حنيفة كراهة المجاورة بمكة وخالفه صاحباه
كالشافعي. وفيه ترجيح الإقامة على السفر غير الواجب
(ك هق) وكذا قط (عن عائشة) قال الذهبي في المهذب سنده قوي
(1/418)
799 - (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده)
يعني أدى الفرض في محل الجماعة وخص المسجد لأن الغالب
إقامتها فيه (فليجعل لبيته) أي محل سكنه (نصيبا) أي قسما
(من صلاته) أي فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته
لتعود بركته على البيت وأهله كما قال (فإن الله تعالى جاعل
في بيته من صلاته) أي من أجلها وبسببها (خيرا) أي كثيرا
عظيما كما يؤذن به التنكير لعمارة البيت بذكر الله وطاعته
وحضور الملائكة واستبشارهم وما يحصل لأهله من ثواب وبركة
وفيه أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد
الحرام: أي إلا ما سن جماعة وركعتا الإحرام والطواف وسنة
الجمعة القبلية فبالمسجد أفضل عند الشافعية. قال العراقي:
وفيه أيضا أن الصلاة جالبة للرزق كما قال تعالى {وأمر أهلك
بالصلاة وأصبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك} قال ابن
الكمال: وفيه أن المكتوبة حقها أن تقضى في المسجد
(حم م هـ عن جابر) والدارقطني في الأفراد عن أنس بن مالك
ورواه الترمذي في العلل عن جابر ثم قال الأصح عن جابر عن
أبي سعيد
(1/418)
800 - (إذا قعد أحدكم إلى أخيه) في الدين
وإن لم يكن من النسب ليسأله عن شيء من المسائل الشرعية
ونحوها (فليسأله تفقها) أي سؤال تفهم وتعلم للفقه (ولا
يسأله تعنتا) أي سؤالا غير مستفيد بل ممتحن أو ليدخل
المشقة عليه في تكليفه الجواب عما لا ضرورة إليه أو لا
يتيسر له استحضاره ذلك الوقت فإن هذا بهذا القصد حرام شديد
التحريم والتعنت بالتحريك الفساد ودخول المشقة على الإنسان
(فر عن علي) وفيه المسيب بن شريك. قال الذهبي متروك
(1/418)
801 - (إذا قلت لصاحبك) أي جليسك سمي صاحبا
لأنه صاحبه في الخطاب (والإمام يخطب) جملة حالية مشعرة بأن
ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام
خلافا لأبي حنيفة (يوم الجمعة) ظرف لقلت (أنصت) اسكت
واستمع (فقد لغوت) من لغا يلغو لغوا إذا قال باطلا أي تركت
الأدب أو تكلمت بما لا ينبغي أي خبت أو ملت عن الصواب أو
عدلت عن اللائق لأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين فكما لا
ينبغي التكلم في المنوب فكذا النائب هذا في حق من أمر
بمعروف فكيف بالمتكلم ابتداء؟ فخليق بمثله أن يلحق بالحمار
الذي يحمل الأسفار. فالكلام منهي عنه عند الشافعية تنزيها
وتحريما عند الثلاثة. قال في الكشاف: واللغو فضول الكلام
وما لا طائل تحته. وفي رواية لغيت. قال الكرماني: وظاهر
القرآن يقتضيها إذ قال {والغوا فيه} وهو من لغى يلغي ولو
[ص:419] كان يلغو قال الغو بضم الغين - وقد اختلفت
الروايات في ألفاظ هذا الخبر. ففي رواية قدم الإنصات على
الجمعة وفي أخرى عكس وفي أخرى قدم الإمام. وفي أخرى قدم
المأموم قال ابن الأثير وكل من هذه له فائدة. فمن كانت
عنايته بأخذ الأشياء الثلاثة قدمه في الذكر. والكل سواء.
فإنه لابد من ذكر الإنصات والجمعة والإمام وبذكرها يحصل
الغرض. وأيها قدم أصاب <تنبيه> أخذ الحنفية منه منع تحية
المسجد حال الخطبة. لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى
من السنة فمنعها أولى. وعارضهم الشافعية بأمر الداخل
بالتحية في أخبار أخر
(مالك) في الموطأ (حم ق د ن هـ عن أبي هريرة) لكن قدم في
مسلم يوم الجمعة ولم يذكر أبو داود لصاحبك يوم الجمعة
(1/418)
802 - (إذا قمت في صلاتك) أي شرعت فيها
(فصل صلاة مودع) أي إذا شرعت فيها فأقبل على الله وحده ودع
غيره لمناجاة ربك (ولا تكلم) بحذف إحدى الناءين تخفيفا
(بكلام تعتذر) بمثناه فوقية أوله بضبط المصنف (منه) أي لا
تتكلم بشيء يوجب أن يطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه
(وأجمع) بقطع الهمزة وجيم ساكنة وميم مكسورة لأنه من أجمع
الذي هو متعلق بالمعاني دون الأعيان: لا من جمع. فإنه
مشترك بينهما. قال في النهاية: الاجماع إحكام النية
والعزيمة (الإياس) بكسر الهمزة وخفة المثناة تحت (مما في
أيدي الناس) أي اعزم وصمم على قطع الأمل مما في يد غيرك من
جميع الخلق فإنه يريح القلب والبدن. وإذا سألت فاسأل الله
وإذا استعنت فاستعن بالله. قال الراغب: وأكثر ما يقال أجمع
فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكر نحو {أجمعوا أمركم
وشركاءكم} والإياس: القنوط وقطع الأمل <تنبيه> من البين أن
كلا من الكلام المحوح للعذر والإياس مما في أيدي الناس
مأمور به لا بقيد القيام إلى الصلاة
(حم هـ عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري رمز لصحته
(1/419)
803 - (إذا كان يوم القيامة أتى بالموت
كالكبش الأملح) أي الأبيض الذي يخالطه قليل سواد قال
الزمخشري: والملحة في اللوان بياض تشقه شعرات سود هي من
لون الملح (فيوقف بين الجنة والنار فيذبح) بينها وفي رواية
ابن ماجه فيذبح على الصراط وأبي يعلى والبزاز يذبح كما
تذبح الشاة والذابح جبريل أو يحيى بن زكريا أو غيرهما (وهم
ينظرون) أي أهل الموقف وإن لم يتقدم لهم ذكر من قبل {حتى
توارت بالحجاب} (فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة) لكن
لم يقدر موت أحد من شدة الفرح (ولو أن أحدا مات حزنا لمات
أهل النار) لكن الحزن لا يميت أحدا أي غالبا فلا يموتون.
قال الغزالي: هذا مثل ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس
من الموت فقد جبلت القلوب على التأثر بالأملة وثبوت
المعاني فيها بواسطتها. والرسل إنما يكلمون الناس في
الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم والنائم إنما يحتمل
المثال فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله
ولطفا بعباده وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب
المثل اه. وقال القرطبي: بل يخلق الله كبشا يسميه الموت
ويلقي في قلوب الفريقين أنه الموت ويجعل ذبحه دليلا على
الخلود في الدارين. وحكمة جعله كالكبش ما جاء أن ملك الموت
أتى آدم في صورة كبش وقد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح اه
وتبعه عليه جمع فقالوا الذبح حقيقي والذابح متولي الموت
وكلهم يعرفونه لأنه المتولي قبض أرواحهم. ورجح بأن ملك
الموت لو استمر حيا تنغص عيش أهل الجنة ونوزع بأن الجنة لا
حزن فيها. قال القرطبي: وفيه أن خلود أهل النار فيها لا
إلى غاية. ومن زعم [ص:420] أنهم يخرجون منها وتبقى خالية
وتزول فخارج عما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة. اه.
قال ابن حجر وجمع بعض المتأخرين منهم ابن القيم فيه سبعة
أقوال: أحدها هذا نقل عليه الإجماع. والثاني يعذبون إلى أن
تنقلب طبيعتهم فتصير نارية فيتلذذون لموافقة طبعهم وهو قول
من ينسب إلى التصوف من الزنادقة. الثالث يدخلها قوم
ويخرجون ويخلفهم آخرون. الرابع يخرجون وتستمر هي بحالها.
الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفنى وهو قول الجهمية.
السادس تفنى حركاتهم البتة. وهو قول العلائي. السابع يخرج
أهلها منها ويزول عذابها. جاء عن بعض الصحب أخرجه عبد بن
حميد في تفسيره عن عمر من قوله وهو منقطع. ونصره بعض
المتأخرين من جهة النظر وهو مذهب رديء أطنب السبكي في رده
وقد مر ذلك بأبسط من هذا
(ت عن أبي سعيد) الخدري
(1) (إذا كان يوم القيامة أتى بصحف<1>) جمع صحيفة قال
الزمخشري: وهو قطعة من جلد أو قرطاس يكتب فيه (مختتمة) أي
مطبوع عليها بما يمنع من النظر إلى ما فيها (تنصب بين يدي
الله) تعالى: أي تظهر وتقام ويقرأ ما فيها بين يديه (فيقول
الله للملائكة اقبلوا هذا العمل) وهو عبارة عن الاعتداد
وإثابة فاعله عليه (وألقوا هذا العمل) وهو عبارة عن رده
وعدم الاعتداد به (فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا
خيرا فيقول) نعم (ولكن كان) عمل (لغيري) أي عمل العامل
قاصدا به رياء أو نحوه (ولا أقبل اليوم إلا ما ابتغى وبه
وجهي) بين أن الرياء يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة
مستوجبا للثواب بها لوعد من الله. لكن هذا في الرياء المض.
فإن تبعض أثيب بالحصة عند كثير. واعتبر آخرون غلبة الباعث.
واختار الإمام الغزالي الأخذ بالإطلاق: وأنه متى تطرق منه
شعبة إلى العمل ارتفع القبول. وشرح ذلك يطول (سمويه) بشد
الميم بوزن علويه وهو إسماعيل بن عبد الله (عن أنس) بن
مالك
(2) (إذا كان يوم القيامة نودي: أين أبناء الستين) من
السنين وهو العمر الذي قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز
{أولم نعمركم ما - مفعول مطلق أي تعميرا - يتذكر فيه من
تذكر} أي أراد أن يتذكر؟ ومبدأ التذكر تمام العقل وهو
بالبلوغ والستون نهاية زمن التذكر وما بعده هرم (طب هق عن
ابن عباس)
(3) (إذا كان يوم القيامة عرف) بالبناء للمفعول (الكافر
بعمله) أي عرفه الملائكة بما عمله من الذنوب في الدنيا
وعددتها له (فجحد) أي أنكرصدورها منه (وخاصم) الملائكة
(فيقال) له (هؤلاء جيرانك) في دار الدنيا يشهدون عليك) بما
عملته (فيقول كذبوا فتقول) بمثناة فوقية أوله يعني
الملائكة أو بمثناة تحتية أي الملك الموكل به (أهلك
وعشيرتك) أي معاشروك الذين أيديهم وأيديك واحدة: والعشيرة
- كما في الصحاح وغيره - القبيلة والمعاشر المخالط (فيقول
كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون) أي فيشهد أهله وجيرانه
فيكذبهم فتقول لهم الملائكة أو الملك: احلفوا أنه عمل ذلك
فحلفون أنه فعله (ثم يصمتهم الله) أي يسكتهم والتصميت -
كما في الصحاح وغيره - التسكيت (وتشهد عليهم ألسنتهم)
شهادة حقيقية (فيدخلهم النار) أي يقضي عليهم بدخول نار
جهنم خالدين فيها أبدا (ع ك عن أبي سعيد) الخدري
(4) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي ملك أو غيره من
خلق الله تعالى بأمره (من بطنان العرش) أي من باطنه الذي
لا تدركه الأبصار. قال في الصحاح: بطنان الجنة وسطها. وقال
الزمخشري: تقول العرب هو في بطنان الشباب أي في وسطه. وقال
الراغب: يقال لما تدركه الحواس ظاهرا ولما خفي باطنا ومنه
بطنان القدر وظهرانها (يا أهل الجمع) أي الخلائق الذين
اجتمعوا في الموقف. قال في الصحاح: الجمع اسم لجماعة الناس
ويجمع على جموع والموضع مجمع بفتح الميم الثانية وكسرها.
وفي المصباح: الجمع الجماعة تسمية بالمصدر والمجمع موضع
الإجماع (نكسوا رؤوسكم) أي اخفضوها (وغضوا أبصاركم) كفوها
واحبسوها (حتى تمر فاطمة) الزهراء (بنت محمد) خاتم
الأنبياء حبيب الرحمن (على الصراط) لتذهب إلى الجنة (فتمر
مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق) في السرعة
والمضاء. ويظهر أن المراد بالسبعين ألفا التكثير لا خصوص
العدد قياسا على نظائره. وهذا فضل لها فخيم من ذلك [ص:421]
الموقف العظيم وفيه إشعار بأنها أفضل النساء مطلقا (أبو
بكر) الشافعي (في) كتاب (الغيلانيات) عن محمد بن يونس عن
حسين بن حسن الأشقر عن قيس بن الربيع عن سعد بن طريف عن
الأصبغ بن نباتة (عن أبي أيوب) الأنصاري قال المصنف في
مختصر الموضوءات: محمد بن يونس هو الكريمي وهو والثلاثة
فوقه متروكون
(5) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أيها
الناس) بحذف حرف النداء (اغضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة إلى
الجنة) أي تسلك الصراط وتقطعه إلى الجنة قال في الصحاح:
جاز الموضع سلكه فيه يجوز جوازا وإجازة خلفه وقطعه واجتاز
سلك. ولا ينافي هذا وما قبله قوله تعالى {لكل امرىء منهم
يومئذ شأن يغنيه} الجواز أن يقال باختلاف الأحوال في ذلك
اليوم. وأن المراد إظهار شرف بنت خاتم الأنبياء على رؤوس
الأشهاد في ذلك الموقف بإسماعهم ذلك وإن كانوا في شغل شاغل
عن النظر (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات) عن سمائه بنت
حمدان الأنبارية عن أبيها عن عمرو بن زياد النوباني عن عبد
الملك بن أبي سليمان عن عطاء (عن أبي هريرة)
(6) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم
من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه) أي في
الدين وإن لم يكن لأمه أو أبيه. والقصد بذلك التنبيه على
فضل العفو وعظم منزلة العافين عن الناس والله يتولى
إثابتهم إكراما لهم: وفيه عدم وجوب العفو لأنه تبرع أثنى
الله ورسوله عليه والتبرع فضل لا واجب. ذكره الغزالي قال
وفيه رد على من قال من السلف: الأولى عدم العفو. وقول سعيد
بن المسيب: لا أحلل ممن ظلمني وابن سيرين لا أحرمها عليه:
أي الغيبة فأحللها له إن الله حرمها عليه وما كنت لأحلل ما
حرم الله: محمول على العفو قبل الوجوب فإذا عفا عن الغيبة
مثلا قبل وقوعها فله المطالبة بها يوم القيامة (خط عن ابن
عباس)
(7) (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم خصماء الله)
جمع خصم وهو مصدر خصمته أخصمه نعت به للمبالغة كالعدل
والصوم (وهم القدرية) أي النافون للقدر الزاعمون أن كل عبد
خالق فعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته
وهم المعتزلة فنسبوا إلى القدر لأن بدعتهم وضلالتهم من قبل
ما قالوه في القدر من نفيه لا لإثباته وهؤلاء الضلال
يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر كما أن الجبرية
هم الذين قالوا بالجبر قالوا لأن الشيء إنما ينسب للمثبت
لا للنافي ومنع بأن قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}
وخبر القدرية مجوس هذه الأمة نص في أنهم المراد وبه ينسد
باب التأويل في هذا الحديث وقد أحسن من قال هذا الحديث غل
- بضم الغين وهو القيد وبالكسر: الغل في الصدر - في عنقهم.
فإن المجوس قائلون بمبدأين مستقلين النور والظلمة أو يزدان
وهرمن والمعتزلجعل الله والعبد سواء تنفي قدرته عن شأنه
عما يقدر عليه عبده وعكسه. قال زيد بن أسلم: والله ما قالت
القدرية كما قال الله ولا كما قالت الملائكة ولا كما قال
النبيون ولا كما قال أهل الجنة ولا كما قال أهل النار ولا
كما قال أخوهم إبليس قال الله تعالى {وما تشاءون إلا أن
يشاء الله} وقالت الملائكة {سبحانك لا علم لنا إلا ما
علمتنا} وقال شعيب النبي {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا
أن يشاء الله} وقال أهل الجنة {وما كنا لنهتدي لولا أن
هدانا الله} وقال أهل النار {ربنا غلبت علينا شقوتنا} وقال
أخوهم إبليس {بما أغويتني} والحق أنه لا جبر ولا تفويص
ولكن أمر بين أمرين وخير الأمور أوساطها فتقديره تعالى لا
يخرج العبد إلى حيز الاضطرار ولا يسلب عنه الاختيار (طس عن
عمر) بن الخطاب وفيه بقية ابن الوليد وفيه كلام وحبيب بن
عمر الأنصاري قال الدارقطني متروك وضعفه الذهبي
(8) (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع الواهب فيها) أي
إذا أقبضه إياها. ومفهومه له الرجوع فيما وهبه لأجنبي وهو
مذهب الحنفية ومذهب الشافعية أن للأصل لا لغيره الرجوع
فيما وهبه لفرعه لا لغيره (قط ك هق عن سمرة) بن جندب بن
هلال الفزاري
_________
<1> أثبت الشارح ثمان أحاديث ابتداء من هذا الحديث ولم
توجد هذه الأحاديث بسائر نسخ المتن وحفظا لأصل الشارح
أثبتنا الأحاديث وميزناها بأرقام من 1 إلى 8 فليتنبه
القارىء. اه
(1/419)
804 - (إذا كان) هي هنا تامة وفيما مر فلا
تحتاج إلى خبر والمعنى إذا وجد (يوم الجمعة كان على كل باب
من أبواب [ص:422] المسجد) لامه للجنس أو للاستغراق.
فالمراد جميع المساجد وخصها لأن الغالب إقامة الجمعة في
مسجد (ملائكة) بالتنكير للتكثير لمناسبة المصلين أي جمع
كثير من الملائكة وهم هنا غير الحفظة كما يفيده قوله الآتي
طووا الصحف فوظيفة هؤلاء كتابة من يحضر الجمعة أولا فأولا
واستماع الذكر (يكتبون الناس) أي أجور المجتمعين (على قدر
منازلهم) أي مراتبهم في المجيء. ولهذا قال (الأول) أي ثواب
من يأتي في الوقت الأول (فالأول) أي يكتبون ثواب من يجيء
بعده في الوقت الثاني سماه أولا لأنه سابق على من يجيء في
الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق وقال في شرح
المصابيح: الأول فالأول نصب على الحال وجاءت معرفة وهو
قليل وقال الزركشي: الأول فالأول نصب على الحال: أي مرتبين
وجاز مجيئهما معرفة على الشذوذ فإذا جلس الإمام أي صعد
المنبر وجلس عليه للخطبة (طووا) أي الملائكة (الصحف) صحف
الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة لا غيرها من
أعمالها فإنه إنما يكتبها الحافظان وهي جمع صحيفة الورقة
التي يكتب فيها وفي استماع الملائكة الخطبة حث على
استماعها لنا وهو سنة وإن كان سماعها واجبا (وجاؤوا
يستمعون الذكر) أي الخطبة فلا يكتبون ثواب من يجيء في ذلك
الوقت (ومثل المهجر) أي وصلاة الآتي في أول ساعة وهو اسم
فاعل من هجر يهجر: إذا بكر وأتى الأمر من أوله أو من هجر
منزله إذا تركه أي وقت كان وكيفما كان ليس من الهاجرة التي
هي شدة الحر كما زعمه المالكية (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل
(الذي يهدي) بضم أوله: أي يقرب (بدنه) أي يتصدق ببعير ذكرا
أو أنثى متقربا إلى الله: فالهاء للوحدة لا للتأنيث قال في
الكشاف: سميت به لعظم بدنها وهي للإبل خاصة وقال غيره
للتبدن وللبدانة: السمن وفي رواية ابن جريج عن عبد الرزاق
فله من الأجر مثل الحزور وظاهره أن الثواب لو تجسد كان
قدره (ثم كالذي يهدي بقرة) ذكرا أو أنثى فالهاء للوحدة
سميت به لأنها تبقر الأرض: أي تشقها وهذا خبر مبتدأ محذوف
تقديره ثم الثاني أي الآتي في الساعة الثانية كالذي يهدي
بقرة وليس معطوفا على الخبر الأول لئلا يقعا معا مع عدم
اجتماعهما خبرا عن واحد وهو ممتنع وكذا يقدر في الثلاثة
الآتية وانحطاط رتبة البقرة هنا عن البدنة موافق لما في
الأضحية من حيث الأفضلية المناسبة لما هنا ومخالف له من
حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ثم وفرق بأن المععتبر هنا كبر
الجسم في البدنة مع كونها أحب أموال العرب وأنفسها عندهم
وثم كثرة اللحم وأطيبته وهو في البدنة أكثر وفي البقرة
أطيب فيعتدلان فسوى بينهما (ثم كالذي يهدي الكبش) فحل
الضأن في أي سن كان أو إذا أربع أو إذا أثنى ووصفه في
رواية بكونه أقرن لكماله وحسن صورته ولأن قرنه ينتفع به
وفي صحيح ابن خزيمة شاة بدل كبش وهي محمولة عليه (ثم كالذي
يهدي الدجاجة) بتثليث الدال والفتح أفصح وفي صحيح ابن
خزيمة طائر بدل دجاجة وهي محمول عليها واستشكل التعبير
بالهدي في دجاجة وبيضة بأنه لا يكون منهما وأوجيب بأنه من
باب المشاكلة أي من تسمية الشيء باسم قرينه والمراد بالهدي
هنا التصدق (ثم كالذي يهدي البيضة) بيضة دجاجة كما هو
المتبادر وفي النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي
رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفورا ثم بيضة وإسنادهما صحيح
وبذلك يتضح استيعاب الست ساعات التي هي نصف النهار وليس
المراد بها الفلكية كما في الروضة تبعا للنص لئلا يستوي
الإتيان في طرفي ساعة بل أوقات تترتب فيها درجات السابقين
على من يليهم في الفضيلة لكن في المجموع وشرح مسلم المراد
الفلكية لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير وبدنة المتوسط
متوسطة وفي إعتناء الملائكة بكتابه السابق دلالة على ندب
التبكير إليها وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وذهب مالك وبعض
الشافعية كإمام الحرمين إلى أفضلية [ص:423] تأخير الذهاب
إلى الزوال وأشعر قوله فإذا خرج الإمام طويت الصحف أنه
مستثنى من ندب التبكير لدلالته على أنه لا يخرج إلا بعد
انقضاء وقت التبكير فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعا
للمصطفى وخلفائه
(ق ن هـ عن أبي هريرة)
(1/421)
805 - (إذا كان جنح الليل) بضم الجيم
وكسرها أي أقبل ظلامه قال الطيبي جنح الليل طائفة منه
وأراد به هنا الطائفة الأولى منه عند امتداد فحمة العشاء
(فكفوا صبيانكم) ضموهم وامنعوهم من الخروج ندبا فيه وفيما
يأتي وقال الظاهرية وجوبا (فإن الشيطان) يعني الجن وفي
رواية للشيطان ولامه للجنس (تنتشر حينئذ) أي حين فحمة
العشاء لأن حركتهم ليلا أمكن منها نهارا إذ الظلام أجمع
لقوى الشيطان وعند ابتداء انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم
التعلق به فخيف على الأطفال من إيذائهم (فإذا ذهب ساعة من
الليل) وفي رواية من العشاء (فحلوهم) بحاء مهملة مضمومة في
صحيح البخاري وفي رواية له أيضا بخاء معجمة مفتوحة وحكي
ضمها أي فلا تمنعوهم من الخروج والدخول (وأغلقوا) بفتح
الهمزة (الأبواب) أي ردوها وفي رواية البخاري لها وأغلق
بابك بالإفراد خطاب لمفرد والمراد به كل واحد فهو عام من
حيث المعنى (واذكروا اسم الله) عليها (فإن الشيطان) أي
الجنس (لا يفتح بابا مغلقا) أي وقد ذكر اسم الله عليه ولا
يناقضه ما ورد أنه يخطر بين المرء وقلبه وأنه يجري من ابن
آدم مجرى الدم فإن هذه أطوار وأحوال ولله أن يشكلها في أي
صورة شاء وليس لها التصرف بذاتها وقد يجعل الله هذه
الأسباب قيودا لها وتصديق من لا ينطق عن الهوى فيما جاء به
واجب (وأوكثوا قربكم) سدوا أفواهها بنحو خيط (واذكروا اسم
الله) على ذلك فإنه السور العظيم والحجاب المنيع الدافع
للشيطان والوباء والحشرات والهوام والأولى أن يقال ما ورد
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء
(وخمروا) غطوا (آنينكم) جمع قلة وجمع الكثرة أواني
(واذكروا اسم الله) عليها فإن السور العريض والحجاب المنيع
بين الشيطان والإنسان ولو شاء ربك لكان الغطاء كافيا أو
ذكر اسم الله كافيا لكنه قرن بينهما ليعلم كيفية فعل
الأسباب في دارها وليبين أنها إنما تفعل بذكر الله عليها
لا بذاتها (ولو أن تعرضوا) بفتح أوله وضم الراء وكسرها
والأول كما قاله العيني أصح والمذكور بعد لو فاعل فعل مقدر
أي ولو ثبت أن تعرضوا أي تضعوا (عليه) الإناء (شيئا) أي
على رأسه قال الطيبي: جواب لو محذوف أي لو خمرتموها عرضا
بشيء كعود وذكرتم اسم الله عليه كان كافيا والمقصود أن
يجعل نحو عود على عرضه فإن كان مستدير الفم فهو كله عرض
وإن كان مربعا فقد يكون له عرض وطول فيجعله عليه عرضا لا
طولا والمراد وإن لم يغطه فلا أقل من ذلك أو إن فقدتم ما
يغطيه فافعلوا المقدور ولو أن تجعل عليه عودا بالعرض وقيل
المعنى اجعلوا بين الشيطان وبين آنيتكم حاجزا ولو من علامة
تدل على القصد إليه وإن لم يستول الستر عليه فإنها كافية
مع ذكره عاصمة بفضاء الله وأمره وقد عمل بعضهم بالسنة
فأصبح والأفعى ملتفة على العود (وأطفئوا مصابيحكم) اذهبوا
نورها ولا يكون مصباحا إلا بالنور وبدونه فتيلة والمراد
إذا لم تضطروا إليه لنحو برد أو مرض أو تربية طفل أو نحو
ذلك والأمر في الكل للإرشاد وجاء في حديث تعليل الأمر
بالطفي بأن الفويسقة تجر الفتيلة فتحرق البيت وقد كان
المصطفى صلى الله عليه وسلم أشفق على أمته من الوالدة
بولدها ولم يدع شفقته دينية ولا دنيوية إلا أرشد إليها قال
النووي رحمه الله وفيه جمل من أنواع الخير وآداب جامعة
جماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتصل السلامة من
آفات الدارين. وقال القرطبي: تضمن هذا الحديث أن الله أطلع
نبيه على ما يكون في هذه الأوقات [ص:424] من المضار من جهة
الشياطين والفأر والوباء وقد أرشد إلى ما يتقي به ذلك
فليبادر إلى فعل تلك الأمور ذاكرا لله ممتثلا أمر نبيه صلى
الله عليه وسلم شاكرا لنصحه فمن فعل لم يصبه من ذلك ضرر
بحول الله وقوته. وفيه رد علي من كره غلق الباب من الصوفية
وقال الصوفية يفتحون ولا يغلقون
(حم ق دن عن جابر)
(1/423)
806 - (إذا كان يوم صوم أحدكم) فرضا أو
نفلا (فلا يرفث) مثلث الفاء أي لا يتكلم بفحش قال أبو زرعة
ويطلق في غير هذا المحل على الجماع ومقدماته وعلى ذكره مع
النساء ومطلقا (ولا يجهل) أي لا يفعل خلاف الصواب من قول
أو فعل فهو أعم مما قبله أو لا يعمل بخلاف ما يقتضيه العلم
أو لا يقل قول أهل الجهل والمراد أن ذلك في الصوم آكد وإن
كان منهيا عنه في غيره أيضا (فإن امرؤ شاتمه) أي شتمه امرؤ
متعرضا لمشاتمته (أو قاتله) أي دافعه ونازعه أو لاعنه
متعرضا لمثل ذلك منه فالمفاعلة حاصلة في الجملة (فليقل)
بلسانه (إني صائم) أي عن مكافأتك أو عن فعل مالا يرضاه من
أصوم له بحيث يسمعه الصائم وجمعه بين اللسان والجنان أولى
فيذكر نفسه بإحضاره صيامه بقلبه ليكف نفسه وينطق بلسانه
لينكف عنه خصمه قال ابن القيم: أرشد إلى تعديل قوى الشهوة
والغضب وأن على الصائم أن يحتمي من إفسادهما لصومه فهذه
تفسد صومه وهذه تحبط أجره
(مالك) في الموطأ (ق د هـ عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله
عنه
(1/424)
807 - (إذا كان آخر) في رواية آخر (الزمان)
عند نجوم الكذابين وظهور المبتدعين وانتشار الدجالين
(واختلفت الأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس أي هوى أهل
البدع (فعليكم بدين أهل البادية والنساء) أي الزموا
اعتقادهم واجروا على مناهجهم من تلقي أصل الأيمان وظاهر
الاعتقاد بطريق التقليد والإشتغال بأعمال الخير فإن الخطر
في العدول عن ذلك كبير ذكره الغزالي ومن لم يسمع اختلاف
المذاهب وتضليل أهلها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع
منها وهو حائم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل
ولهذا كان الإمام الرازي فيما نقله ابن حجر مع تبحره في
الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز. وقال
السمعاني في الذيل عن الهمداني قال سمعت أبا المعالي يعني
إمام الحرمين يقول قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا ثم خليت
أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر
الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب
الحق وهربا من التقليد والآن قد رجعت من العمل إلى كلمة
الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت
على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على الحق
وكلمة الإخلاص لا إله الا الله فالويل لابن الجويني
(حب في) كتاب (الضعفاء) في ترجمة محمد بن عبد الرحمن
السلماني من حديثه (فر) من هذا الوجه (عن ابن عمر) رضي
الله عنهما قال ابن طاهر في التذكرة وابن السلماني له عن
أبيه عن ابن عمر شيخه متهم بوضعها ولا يجوز الاحتجاج بها
ولا ذكرها إلا للتعجب انتهى وقال الصغاني موضوع وقال
المؤلف في الدرر سنده واه
(1/424)
808 - (إذا كان الجهاد على باب أحدكم) أي
قريبا جدا ولو أنه على باب أحدكم مبالغة (فلا يخرج اليه
إلا بإذن أبويه) أي أصليه الحيين أو بإذن الحي منهما وإن
علا مع وجود أقرب أو كان قنا فيحرم عليه الخروج له بغير
إذنه حيث كان مسلما وهذا حيث لم ينته الأمر إلى مصير
الجهاد فرض عين وإلا فلا يتوقف على إذن أحد
(عد عن ابن عمر) في ترجمة أبي عبيد المصري من حديثه وقال
رأيت شيوخ مصر مجتمعين على ضعفه والغرباء يمتنعون من الأخذ
عنه وقد أنكروا عليه أحاديث هذا منها انتهى لكنه ورد
بإسناد صحيح رواه الطبراني في الصغير بلفظ إذا كان الغزو
على باب البيت [ص:425] فلا تذهب إلا باذن أبويك. قال
الهيتمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أسامة بن زيد
وهو ثقة ثبت كما هو في تاريخ مصر انتهى فاقتصار المصنف على
هذه الرواية الضعيفة وعدوله عن الصحيحة غير صواب
(1/424)
809 - (إذا كان لأحدكم شعر) بفتح العين
أفصح (فليكرمه) ندبا بأن يصونه من نحو وسخ وقذر ويتعهده
بالتنظيف فيفرق شعر الرأس ويمشطه بماء أو دهن أو غيره مما
يلينه ويرسل سائره ويمد منقبضه إن أراد عدم إزالته ويسرح
اللحية لكن إنما يسن غبا كما يأتي تركها شعثة إظهارا للزهد
أو لقلة المبالاة بنفسه وتصفيفها طاقة فوق طاقة ولا بأس
بحلق الرأس كما مر سيما إن شق تعهده
(د عن أبي هريرة) رمز لصحته ولا يوافق عليه ففيه سهيل بن
أبي صالح قال في الكاشف عن ابن معين ليس بحجة وعن أبي حاتم
لا يحتج به ووثقه ناس (هب عن عائشة) وفيه ابن إسحاق وعمارة
بن غزية وفيهما خلف
(1/425)
810 - (إذا كان أحدكم في الشمس) في رواية
في الفيء (فقلص) بفتحات أي ارتفع وزال (عنه الظل وصار) أي
بقي (بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم) أي فليتحول إلى
الظل ندبا وإرشادا لأن الجلوس بين الظل والشمس مضر بالبدن
إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال
البدن من المؤثرين المتضادين كما هو مبين في نظائره من كتب
الطب ذكره القاضي وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه
فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك ثم لما خفي
هذا المعنى على التوربشتي قال الحق الأبلج التسليم للشارع
فإنه يعلم مالا يعلمه غيره فإن قلت هذا ينافيه خبر البيهقي
عن أبي هريرة رأيت رسول الله قاعدا في فناء الكعبة بعضه في
الظل وبعضه في الشمس قلت محل النهي المداومة عليه واتخاذه
عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيرا يتولد منه المحذور المذكور
أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضار على أنه ليس
فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول وبهذا التقرير انكشف أنه لا
اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من
قبيل استعمال العدل في البدن كالمنهي عن المثنى في نعل
واحدة
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) قال المنذري وتابعيه مجهول
وكذا ذكره المناوي فرمز المؤلف لحسنه فيه ما فيه
(1/425)
811 - (إذا كان للرجل على رجل حق) أي دين
(فأخره إلى أجله كان له صدقة) أي حسنة واحدة (فإن أخره بعد
أجله كان بكل يوم صدقة) يعني إذا كان لإنسان على آخر دين
وهو معسر فأنظره به مرة كان له أجر صدقة واحدة وإن أخر
مطالبته بعد نوع يسار توقيعا ليساره الكامل فله بكل يوم
صدقة هذا هو الملائم للتواعد وأما ما يوهمه ظاهر الحديث من
أن الإنسان إذا كان له على غيره دين مؤجل أصالة أثيب على
الصبر عليه إلى حلول أجله فلعله غير مراد وحمل الأول على
أن من عليه الحق رضي بمطالبته قبل محله فأخره هو لا اتجاه
له قال القاضي والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها ويقال لعمر
الإنسان وللموت الذي ينتهي به
(طب عن عمران بن حصين) الخزاعي كانت الملائكة تسلم عليه
وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ضعفه الدارقطني وكذبه ابن
أحمد ووثقه حرزة وفيه ابن عياش ونقل عن المصنف أنه رمز
لضعفه
(1/425)
812 - (إذا كان في آخر الزمان لابد للناس
فيها) يعني في تلك المدة أو تلك الأزمان (من الدراهم
والدنانير) أي لا محيد [ص:426] لهم عنها يقال لابد من كذا
أي لا محيد عنه ولا يعرف استعماله إلا مقرونا بالنفي ووجه
ذلك بقوله (يقيم الرجل بها) أي بالدراهم والدنانير (دينه
ودنياه) أي يكون بالمال قوامها فمن أحب المال لحب الدين
فقد صدق الله في إيمانه والمال في الأصل قوام العباد في
أمر دينهم فالحج ونحوه من الفروض لا يقوم إلا به وعيش
الحياة في الأبدان كذلك وبه يتقي الأذى ويدفع الشدائد قال
الماوردي وكان يقال الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح
ويطيب بها كل صلح وأخرج الحليمي عن كعب أول من ضرب الدراهم
والدنانير آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما وهما إحدى
المسخرات التي قال الله تعالى {وسخر لكم ما في السماوات
وما في الأرض} وجعل آخر الزمان بالاضطرار إليها لا لإخراج
عدم الاحتياج في الصدر الأول بل لأن غلبة الخير واصطناع
المعروف وإعانة الملهوف فيه أكثر حتى أن من تركها وتخلى
للعبادة يجد من يمونه ويقوم بكفايته وأما في آخر الزمان
فتقل الخيور وتكثر الشرور وتشح النفوس فيضطر إليها وقدم
ذكر الدراهم لأنها أعم تداولا وإشارة إلى أنه إذا اندفعت
الحاجة بها ينبغي الاقتصار عليها <فائدة> أخرج الخطيب عن
علي أنه قيل له: لم سمي الدرهم درهما والدينار دينارا فقال
أما الدرهم فسمي دارهم وأما الدينار فضربه المجوس فسميته
دينارا
(طب) من حديث حبيب بن عبيد (عن المقدام) بن معد يكرب قال
حبيب رأيت المقدام في السوق وجارية له تبيع لبنا وهو جالس
يقبض الدراهم فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول فذكره هكذا ورد من عدة طرق قال الهيتمي
ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط
(1/425)
813 - (إذا كان اثنان يتناجيان) أي
يتحادثان سرا (فلا تدخل) أنت وجوبا (بينهما) أي لا
تشاركهما فيما أسرا به ولا تصغ إليهما زاد في رواية أحمد
إلا بإذنهما وعلله في خبر أبي يعلى بأنه يؤذي المؤمن والله
يكره أذى المؤمن
(ابن عساكر) تاريخه عن ابن عمر وله شواهد
(1/426)
814 - (إذا كان أحدكم فقيرا) أي لا مال له
ولا كسب يقع موقعا من كفايته (فليبدأ بنفسه) أي يقدمها
بالإنفاق عليها مما أتاه الله كما مر (فإن كان فضل) أي
بسكون الضاد: أي شيء زائد بأن فضل بعد كفايته زيادة (فعلى
عياله) أي الذين يعولهم وتلزمه نفقتهم (فإن كان فضل فعلى
ذي قرابته) من أصوله وفروعه وذي رحمه يقدم الأقرب فالأقرب
والأحوج فالأحوج (فإن كان فضل فهاهنا وهاهنا) كناية عن
الإنفاق في وجوه الخير المعبر عنه في رواية باليمين
والشمال. قال النووي: إن الابتداء في النفقة على هذا
الترتيب وأن الحقوق إذا تزاحمت قدم الآكد فالآكد وأن
الأفضل في صدقة التطوع في تنويعها في جهات البر بالمصلحة
(حم م د ن عن جابر) ابن عبد الله
(1/426)
815 - (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) أي لا
يسقط البصاق (قبل وجهه) أي جهته بل يساره أو تحت قدمه لا
عن يمينه للنهي عنه كما مر (فإن الله قبل وجهه) أي فإن
قبلة الله أو عظمته أو ثوابه أو رضاه مقابل وجهه (إذا صلى)
فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق سواء كان بمسجد أو خارجه لأنه
يعد استخفافا بها وهذا من المجاز البليغ لاستحالة الجهة
عليه سبحانه وخص الإمام من بين الجهات الست إشعارا بشرف
المقصد قال في المطامح وهذا تنبيه على وجوب الأدب [ص:427]
والتزام شرط الجلوس على بساط الملوك فنبه علي أن المصلي
واقف بين يدي ربه فحق عليه أن يلتزم الأدب في قوله وفعله
وحركاته وخطراته قال ابن حجر: وفيه أن بصاق المصلي للقبلة
حرام ولو في غير المسجد انتهى وليس هذا الحكم في مذهبه
بمعمول به
(مالك) في الموطأ (ق ن عن ابن عمر) قال رأى النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل
على الناس فذكره
(1/426)
816 - (إذا كان يوم القيامة) خصه لكونه يوم
ظهور سؤدده (كنت إمام النبيين) بكسر الهمزة قال القاضي:
كالتوربشتي ولم يصب من فتحها ونصبه على الظرفية وذلك لأنه
لما كان أفضل الأولين والأخريين كان إمامهم فهم به مقتدون
وتحت لوائه داخلون (وخطيبهم) بما يفتح الله عليه من
المحامد التي لم يحمده بها أحد قبله فهو المتكلم بين الناس
إذا سكتوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند ربهم فيطلق اللسان
بالثناء على الله بما هو أهله ولم يؤذن لأحد في التكلم
غيره (وصاحب شفاعتهم) أي الشفاعة العامة بينهم أو صاحب
الشفاعة لهم ذكره الرافعي في تاريخ قزوين (غير فخر) أي لا
أقول ذلك تفاخرا به وادعاءا للعظمة بل اعتدادا بفضله
وتحدثا بنعمته إذ المراد لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني
هذه الرتبة ومنحني هذه المنحة فهو إعلام بما خفي من حاله
على منوال قول يوسف {احعلني على خزائن الأرض} وكان في أول
الحديث تامة بمعنى وجد ويوم القيامة بالرفع فاعلها وكان
الثانية ناقصة والتاء اسمها وإمام خبرها وغير فخر منصوب
على الحال
(حم ت ك هـ عن أبي) بن كعب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي
(1/427)
817 - (إذا كان يوم القيامة نودي) أي أمر
الله مناديا ينادي (أين أبناء الستين) أي أبناء الستين
الكائنون في أي مكان وفائدة السؤال عنهم أنهم بلغوا العمر
الذي أعذرهم الله أي أقام عليهم الحجة فيه لبيان اللوم
المأخوذ من قوله (وهو العمر الذي قال الله تعالى أولم)
استفهام تقريع (نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرناكم
عمرا اتعظ العاقل الذي شأنه أن يتعظ فيه وقد أحسن الله إلى
عبد بلغه ستين ليتوب عن ذنبه ويقبل بالعمل الصالح على ربه
وهو غاية الإمهال فعدم الإقبال حينئذ إهمال ومع ذلك لو بلغ
ضعفها ثم أقبل على ربه قبله وإعذار الحكام ثلاثة أيام
واعذار حاكم االحكام من الستين إلى مثلها
(الحكيم) الترمذي (طب هب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه
إبراهيم بن الفضل المخزومي قال الذهبي في المهذب هو واه
(1/427)
818 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد)
بأمر الله تعالى (لا يرفعن) بنون التوكيد الثقيلة أحد من
هذه الأمة المحمدية (كتابه) أي كتاب حسناته (قبل أبي بكر
وعمر) تنويها بفضلها على رؤوس الأشهاد وتشهيدا بالفخامة
بين العباد وتنزيها لهما في طول الوقوف وقد ثبت في الصحيح
أن هذه الأمة سابقة يومئذ في كل شيء ومنه رفع كتبها فيلزم
أن كتابهما مقدم في الرفع على جميع الأمم غير الأنبياء
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عبد الرحمن بن عوف) قال في
الأصل وفيه [ص:428] الفضل بن جبير الوراق عن داود بن
الزبير قال تركه أبو داود وقال الجوزقاني كذاب وقال
البخاري مقارب
(1/427)
819 - (إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد
من عباده) يجوز أن يراد به واحد وأن يراد به المتعدد (فيقف
بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله) من أي جهة
اكتسبه وفي أي شيء أنفقه نبه به على أنه كما يجب على العبد
رعاية حقوق الله في ماله بالإنفاق يلزمه رعاية حقوق الله
في بدنه ببذله المعونة للخلق بالشفاعة وغيرها فكما يسأله
الله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه يسأله عن تقصيره في
جاهه وبخله به فإذا رأينا عالما أو صالحا يتردد للحكام لا
يبادر بالإنكار بل يتأمل إن كان لمحض نفع العباد وكشف الضر
عنهم مع الزهد واليأس فيما في أيديهم والتعزيز بعز الإيمان
وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر فلا حرج عليه لأنه من
المحسنين وما على المحسنين من سبيل قال الغزالي: والجاه
معناه ملك القلوب بطلب محل فيها للتوصل إلى الاستعانة
للفرض وكل من لم يقدر على القيام بنفسه في جميع حاجاته
وافتقر لمن يخدمه افتقر إلى جاه في قلب خادمه إذ لو لم يكن
له عنده قدر لم يقم بخدمته فقيام القدر في القلوب هو الجاه
وهذا له أول قريب لكن يتمادى إلى هاوية لا عمق لها ومن حام
حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإنما الحمل في القلوب لجلب نفع
أو دفع ضر فالنفع يغني عنه المال والدفع يحتاج إلى الجاه
وقدر الحاجة لا ينضبط والخائض في طلب الجاه سالك طريق
الهلاك والاشتغال بالتدين والتعبد يمهد له في القلوب ما
يدفع به الأذى فلا رخصة في طلبه لأن له ضراوة كضراوة الخمر
بل أشد ولذلك يسأل الله تعالى عنه وقال في موضع آخر حقيقة
الجاه ملك القلوب فمالكها يتوسل بها إلى المقاصد كمالك
المال يتوسل به إليها بل المال أحدها والجاه قوت الأرواح
الطالبة الاستعلاء ومن ابتلي بحب الجاه جره إلى الرياء
والنفاق ولا يقوم بحق الجاه على الوجه الشرعي إلا الأفراد
ولهذا كان مسؤولا عنه وعلاجه مركب من علم وعمل فالعلم أن
يتأمل أن آخر أمره الموت ويجعله نصب عينه والعمل أن يتخذ
العزلة إلا لضرورة المعيشة وما لا بد له منه كالقليل من
المال لا محذور في طلبه فإذا في الجاه سم ودرياق فهو
كالمال (تمام) في فوائده
(خط عن ابن عمر) قال مخرجه الخطيب حديث غريب جدا لا يروى
إلا بهذا الإسناد تفرد به أحمد بن خليد ولا يثبت عن النبي
بوجه من الوجوه انتهى وقال ابن عدي حديث لا أصل له ورواه
أيضا باللفظ المزبور عن ابن عمر والطبراني في الصغير قال
الهيتمي وفيه يوسف بن يونس الأقطش ضعيف وحكم ابن الجوزي
بوضعه
(1/428)
820 - (إذا كان يوم القيامة أعطى الله
تعالى كل رجل) يعني إنسان ولو أنثى أو خنثى (من هذه الأمة)
أمة الإجابة (رجلا) يعني إنسانا (من الكفار فيقال له هذا
فداؤك من النار) فيورث الكافر مقعد المؤمن من النار بكفره
ويورث المؤمن مقعد الكافر من الجنة بايمانه إذ كل مكلف له
مقعد في الجنة ومقعد في النار قال القرطبي: وظاهر هذه
الأحاديث الإطلاق وليست كذلك وإنما هي في أناس مذنبين
يتفضل الله عليهم بمغفرته فأعطى كل واحد منهم فكاكا من
النار كما يدل له خبر مسلم يجئ يوم القيامة أناس من
المؤمنين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على
اليهود والنصارى
(م عن أبي موسى) الأشعري
(1/428)
821 - (إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى
كل مؤمن ملكا معه كافر فيقول الملك للمؤمن يا مؤمن هاك هذا
الكافر فهذا فداؤك من النار) أي فكاكك منها به يعني كان لك
منزل في النار لو كنت استحقيته دخلت فيه فلما استحقه هذا
الكافر [ص:429] صار كالفكاك لك من النار لأنك نجوت منه
وتعين الكافر له فألقه في النار فداءك
(طب ك في) كتاب (الكنى) والألقاب (عن أبي هريرة) رمز لحسنه
(1/428)
822 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد) أي
من الملائكة ونكره للتعظيم وزاده تبجيلا بقوله (من وراء
الحجب) أي بحيث لا يبصره أهل الموقف (يا أهل الجمع) أي يا
أهل الموقف الذي اجتمع فيه الأولون والآخرون (غضوا
أبصاركم) نكسوها (عن فاطمة بنت محمد حتى تمر) أي تذهب
وتجوز إلى الجنة فتمر في سبعين ألف جارية من الحور كمر
البرق وأهل الجمع هم أهل المحشر الذي يجمع فيه الأولون
والآخرون والقصد بذلك إظهار شرفها ونشر فضلها بين الخلائق
فلا إيذان فيه بكونها سافرة كما قد يتوهم من الأمر بالغض
ولا ينافيه {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} لأن القصد
إسماعهم شرفها وإن كانوا في شاغل (تمام) في فوائده عن
خيثمة بن سليمان عن إبراهيم بن عبد الله الكوفي عن العباس
بن الوليد عن خالد الواسطي عن بيان عن الشعبي عن أبي جحيفة
عن علي قال ابن الجوزي موضوع العباس كذبه الدارقطني (ك) عن
أبي بكر بن عياش وأبو بكر بن أبي دارم وأبي العباس بن
يعقوب عن إبراهيم العبسي عن العباس بن الوليد عن خالد
الواسطي فمن فوقه ممن ذكر (عن علي) صححه الحاكم وقال على
شرط مسلم فقال الذهبي لا والله بل موضوع والعباس راويه قال
الدارقطني كذاب انتهى وأورده في الميزان في ترجمته وقال
هذا من أباطيله ومصائبه وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه
المؤلف فلم يأت بشيء سوى أن له شاهدا
(1/429)
823 - (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من
عمل عملا لغير الله فليطلب) أمر تهديد ووعيد (ثوابه ممن
عمله له) أي يأمر الله بعض ملائكته أن ينادي في الموقف
بذلك أو يجعلهم خلفاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل حقيقة
أو يقوله رب العزة وتسمعه ملائكته فيتحدثون به أو يلهمهم
ذلك فيحدثوا نفوسهم به وفيه حجة لمن ذهب إلى أن نحو الرياء
يحبط العمل وإن قل ولا يعتبر غلبة الباعث
(ابن سعد) في طبقاته (عن أبي سعيد بن أبي فضالة) بفتح
الفاء المعجمة الخفيفة الأنصاري قال في التقريب صحابي له
حديث ورواه أيضا الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد
بلفظ إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى
مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من
غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك انتهى
(1/429)
824 - (إذا كانت الفتنة) أي الاختلاف
والحروب واقعة (بين) طائفتين أو أكثر من (المسلمين فاتخذ
سيفا من خشب) أي من شيء لا ينتفع به ولا يقطع فهو كناية عن
العزلة والكف عن القتال والانجماع عن الفريقين. قال
الطبري: هذا في فتنة نهينا عن القتال فيها وأمرنا بكف
الأيدي والهرب منها إذ لو كان الواجب في كل اختلاف يكون
بين طائفتين من المسلمين الهرب منه وكسر السيوف لما أقيم
حد ولا أبطل باطل ووجد أهل الشقاق والنفاق سبيلا إلى
استحلال ما حرم من أموال الناس وسفك دمائهم بأن يتحزنوا
عليهم ونكف أيدينا عنهم ونقول هذه فتنة فما نقاتل فيها
وذلك مخالف لخبر خذوا على أيدي سفهائكم فتعين أن محل الأمر
بالكف إذا كان القتال على الدنيا أو لإتباع الهوى أو عصبية
(هـ) وكذا الترمذي (عن أهبان) بضم فسكون ويقال وهمان بن
صيفي الغفاري الصحابي روى حديثا واحدا وهو هذا وحسنه
الترمذي وتبعه المصنف وسببه أنه دخل عليه علي بالبصرة
وسأله الإعانة فقال لجاريته [ص:430] أخرجي سيفي فاذا هو
خشب فقال إن ابن عمك عهد إلي فقال فذكره وهو الذي كلمه
الذئب وقيل غيره وقال ابن حجر روى الطبراني أن أهبان لما
احتضر أوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا
الثالث على السرير
(1/429)
825 - (إذا كانت أمراؤكم) أي ولاة أموركم
(خياركم) أي أقومكم على الاستقامة وتحرى طريق العدل والبذل
(وأغنياؤكم سمحاءكم) أي كرماءكم وأكثركم جودا وتوسعة على
المحتاج ومساهلة في التعامل وعدم الالتفات إلى التافهات
(وأموركم) أي شؤونكم (شورى بينكم) لا يستأثر أحد بشيء دون
غيره ولا يستبد برأي (فظهر الأرض خير لكم من بطنها) يعني
الحياة خير لكم من الموت لسهولة إقامة الأوامر واجتناب
المناهي وفعل الخير فتزداد حسناتكم (وإذا كانت أمراؤكم
شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم) مفوضة (إلى نسائكم) فلا
تصدرون إلا عن رأيهن (فبطن الأرض خير لكم من ظهرها) أي
فالموت خير لكم من الحياة لأن الإخلال بالشريعة وإهمال
إقامة نواميس العدل يخل بنظام العالم وحب الاستثار بالمال
يفرق الكلمة ويشتت الآراء ويهيج الحروب والفتن وممالأة
الكفار على المسلمين وإفشاء الأسرار إليهم وذلك يجر إلى
فساد عريض فلا حرج في تمني الموت حينئذ
(ت عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا مت فظهر الأرض خير لكم أم بطنها قالوا: الله ورسوله
أعلم فذكره قال الترمذي غريب لانعرفه إلا من حديث صالح
المري وله غرائب لا يتابع عليها
(1/430)
826 - (إذا كانت عند رجل امرأتان) أي
زوجتان أو أكثر (فلم يعدل بينهما) أو بينهن في القسم (جاء)
أي حشر (يوم القيامة وشقه) بكسر أوله نصفه وجانبه (ساقط)
أي ذاهب أو أشل ولفظ رواية الترمذي فيما وقفت عليه من
النسخ مائل قال ابن العربي يعني به كفة الميزان فترجح كف
الخسران على كفة الخير إلا أن يتداركه الله بلطفه انتهى
وعلى ما هو المتبادر من الحمل على الحقيقة فحكمته أن
النساء لما كانت شقائق الرجال وكانت الزوجة نفس الرجل
ومسكنه ولباسه وعطل واحدة من بينهن جوزي بتعطيل نصفه وفيه
مافيه للزوم تعطيل ربعه لواحدة من أربع وثلاثة أرباعه
لثلاثة فالأول أظهر فعدم العدل بينهن حرام فيجب القسم
للعدد ولو لنحو رتقاء وقرناء وحائض ونفساء ومجنونة لا
يخافها ومحرمة وصغيرة لا تشتهى إلا لناشزة أي خارجة عن
طاعته بأن تخرج بغير إذنه وتمنعه التمتع بلا عذر أو تغلق
الباب دونه ولا يلزمه التسوية في الاستمتاع كالجماع لتعلقه
بالميل القهري
(ت ك عن أبي هريرة) بل رواه الأربعة جميعا قال عبد الحق
خبر ثابت قال ابن حجر لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما
رواه عن قتادة فقال كان يقال كذا ذكره في تخريج الرافعي
لكنه في تخريج الهداية قال رجاله ثقات
(1/430)
827 - (إذا كانوا) أي المتصاحبون (ثلاثة)
بنصبه خبر كان وبرفعه على لغة أكلوني البراغيث وكان تامة
(فلا يتناجى) بألف مقصورة ثابتة خطا بصورة ياء أي لا يتكلم
سرا والتناجي المكالمة سرا (اثنان دون الثالث) لأنه يوقع
الرعب في قلبه وفيه مخالفة لما توجبه الصحبة من الألفة
والأنس وعدم التنافر ومن ثم قيل إذا ساررت في مجلس فإنك في
أهله متهم وتخصيص النهي بما كان في صدر الإسلام حين كان
المنافقون يتناجون دون المؤمنين: وهم إذ لو كانوا [ص:431]
كذلك لم يكن للتقيد بالعدد معنى وتقييده بالسفر والمواطن
التي لا يأمن المرء فيها على نفسه لا دليل عليه ومخالف
للسياق بلا موجوب ولا حجة لزاعمه في مشاورة المصطفى صلى
الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عند أزواجه لأن علة
النهي إيقاع الرعب والمصطفى صلى الله عليه وسلم لا يتهمه
أحد على نفسه والنهي للتحريم عند الجمهور فيحرم تناجي
اثنين دون الثالث أي بغير إذنه إلا لحاجة. وقال في الرياض:
وفي معناه ما لو تحدثا بلسان لا يفهمه
(مالك) في الموطأ (ق عن ابن عمر) ورواه أيضا عنه أبو داود
وقال قال أبو صالح قلت لابن عمر فالأربعة قال لا يضر
(1/430)
828 - (إذا كانوا ثلاثة) في سفر أو غيره
(فليؤمهم أحدهم) أي يصلي بهم إماما (وأحقهم بالإمامة
أقرؤهم) أي أفقههم لأن الأقرأ إذ ذاك كان هو الأفقه بدليل
تقديم المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي
الله عنه مع نصه على أن غيره أقرأ منه هذا ما عليه
الشافعية وأخذ الحنفية بظاهره فقدموا الأقرأ على الأفقه ثم
هذا لا ينافي أن أقل الجماعة اثنان لأن ماهنا في أقل
الكمال
(حم م عن أبي سعيد) الخدري
(1/431)
829 - (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم) ندبا
(أقرؤهم لكتاب الله) أي هو أحقهم بالإمامة (فإن كانوا في
القراءة سواء فأكبرهم سنا) وفي رواية مسلم إسلاما قال
النووي معناه إذا استويا في الفقه ورجح أحدهما بتقدم
الإسلام أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها (فإن كانوا
في السن سواء فأحسنهم وجها) أي صورة ويقدم عليه وعند
الشافعية الأنسب فالأسبق هجرة فالأحسن ذكرا عند الناس
فلأنظف بدنا ولباسا وصنعة فالأحسن صوتا وعند الاستواء في
الكل يقرع
(هق عن أبي زيد) عمرو بن أحطب (الأنصاري) وفيه عبد العزيز
بن معاوية غمزه الحاكم بهذا الحديث وقال هو خبر منكر ورده
في المهذب بأن مسلم روى حديثا بهذا السند انتهى وبه يعرف
أن رمز المصنف لضعفه غير صواب وأن حكم ابن الجوزي بوضعه
تهور
(1/431)
830 - (إذا كبر العبد) أي قال الله أكبر في
الصلاة أو خارجها (سترت) أي ملأت (تكبيرته ما بين السماء
والأرض) يعني لو كان فضلها وثوابها تجسم لملأ الجو وضاق به
الفضاء وقوله (من شيء) بيان لما قاله الطيبي وغيره هذا
تمثيل وتقريب والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية
وإنما المراد تكثير العدد حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمة
جسما تملأ الأماكن لبلغت من كبرها ما يملأ الجو وفيه فضل
التكبير والحث على الإكثار منه
(خط عن أبي الدرداء) وفيه إسحاق الملطي قال الذهبي كذاب
(إذا كبر الإمام) (هذا الحديث غيرموجود بنسخ المتن فتنبه
اه) أي فرغ من تكبير التحريم (فكبروا) أيها المأمومون
(وإذا ركع فاركعوا) عقبه (وإذا سجد فاسجدوا) عقبه (وإذا
رفع رأسه من الركوع فارفعوا وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا)
يعني إذا جلس للتشهد فاجلسوا إذ المتشهد مصل وهو جالس أو
المراد إذا جلس الإمام لعذر وافقه المقتدي لئلا يقوم على
رأسه وهو قاعد كما يفعل الأعاجم بعضها مع بعض وهذا مندوب
أو منسوخ كما ذكره البغوي كالحميدي لأن النبي صلى الله
عليه وسلم آخر ما صلى قاعدا والناس خلفه قياما ودندن ابن
القيم على عدم نسخه بما لا ينجع وقوله (أجمعون) هذا هو في
رواية البخاري بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله
صلوا وفي رواية أجمعين بنصبه على الحال أي جلوسا مجتمعين
قال الدماميني أو تأكيدا لجلوسا وكلاهما لا يقول به
البصريون لأن ألفاظ التاكيد معارف أو على التأكيد بضمير
مقدر منصوب [ص:432] أي أعنيكم أجمعين وأخذ منه منع قيام
الخدم على المخدوم عبودية له لأن القيام على رأس الإمام
إذا منع مع أنه قيام لله فغيره أولى
(طب عن أبي أمامة) ورواه الشيخان بلفظ إنما جعل الإمام
ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع
الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا
صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين
(1/431)
831 - (إذا كتب أحدكم كتابا) أي كتاب
مراسلة أو مبايعة أو مناكحة أو نحو ذلك واحتمال أن المراد
ذلك وغيره حتى الكتب العلمية يبعده تعليله بأنه أنجح لقضاء
الحاجة فدل على أن المراد المراسلة ونحوها (فليتربه) أي
فليذر على المكتوب ما يسمى ترابا أو فليسقطه على التراب
ندبا إشارة إلى اعتماده على ربه في إيصاله لمقصده أو نحو
ذلك وزعم أن المراد فليخاطب المكتوب إليه خطاب تواضع مناف
للسياق (فإنه أنجح لحاجته) أي لقضاء مطلوبه وفي رواية بدل
هذا فإن التراب مبارك وقد نظم بعضهم معنى الحديث في قوله:
كتبت الكتاب وتربته. . . لعلي بتتريبه أنجح
لقول النبي لأصحابه. . . ألا تربوا كتبكم تنجحوا
وفيه رد على من كرهه من الكتاب حيث قال:
لا تشنه بما تذر عليه. . . فكفاه هبوب هذا الهواء
فكأن الذي تذر عليه. . . جدري بوجنة الحسناء
قيل: وحكمة الترتيب أن التراب مطهر وخلق منه الإنسان وإليه
يعود فأمر بتتريبه ليتذكر ذلك
(ت) في الاستئذان من حديث حمزة عن أبي الزبير (عن جابر)
وقال حديث منكر وحمزة هو ابن عمرو النصيبي متروك انتهى
فعزو المصنف الحديث لمخرجه وحذفه ما تعقبه به من القادح
غير صواب وقد جرى على سنن الصواب في الدرر فقال عقب تخريجه
منكر وأفاد الزركشي أن أحمد رواه وقال أيضا منكر وقال
المصنف ورواه الديلمي وابن عدي وابن عساكر بألفاظ متقاربة
وأسانيدها ضعيفة
(1/432)
832 - (إذا كتب أحدكم إلى أحد) من الناس
كتابا (فليبدأ) فيه ندبا (بنفسه) أي يذكر اسمه مقدما على
اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهينا حقيرا
والمكتوب إليه فخما كبيرا فلا يجري على سنن العجم حيث
يبدأون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب
وإنما الأدب ما أمر به الشارع نعم إن خاف وقوع محذور
بمحترم إن بدأ بنفسه بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري
في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى
معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم
الله إلى معاوية وفيه أيضا عنه أنه كتب إلى عبد الملك
ليبايعه لعبد الملك أمير المؤمنين من ابن عمر سلام عليك
(طب عن النعمان بن بشير) وفيه مجهول وضعيف
(1/432)
833 - (إذا كتب أحدكم إلى إنسان كتابا) أي
أراد أن يكتب له (فليبدأ) فيه (بنفسه) ثم بالمكتوب إليه
لأنه من التواضع إذا العادة جرت بتقديم التابع على متبوعه
في المشي فكذا في الذكر (وإذا كتب) أي أتم الكتابة
(فليترب) كتابه (فهو) أي التتريب (أنجح) لحاجته أي أيسر
وأحمد لقضائها
(طس عن أبي الدرداء) وفيه سليمان بن سلمة الجبائري متروك
ذكره الهيتمي. وقال السخاوي: أحاديث التتريب كلها ضعيفة
(1/432)
[ص:433] 834 - (إذا كتب أحدكم بسم الله
الرحمن الرحيم) أي أراد كتابتها (فليمد) حروف (الرحمن) بأن
يبعد بين الميم والنون ويحقق الميم إشارة إلى أن بينهما
محل الألف اللفظية وحذفها من الخط اتباعي ويجوف النون
ويتأنق في ذلك فإنه سبب للمغفرة كما في خبر تأنق أي تجود.
وبالغ رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له وفي خبر
الديلمي عن أنس رفعه إذا كتبتم كتابا فجودوا بسم الله
الرحمن الرحيم تقضى لكم الحوائج وفيه رضا الله انتهى وفيه
عويد متروك وهذا إشارة إلى أن ما اصطلح من مشتق الخط في
المكاتبات غير مستقبح في كتابة شيء من الكتاب والسنة وكذا
العلوم الشرعية فإن القصد بها معرفة صنيع الألفاظ وكيفية
مخارجها وإظهار حروفها وضبطها بالشكل والإعجام ومن ثم
قالوا إعجام الخط يمنع من استعجامه وكله يؤمن من استشكاله
وقالوا رب علم تعجم فصوله فاستعجم محصوله والكتاب أهملوا
ذلك إشارة إلى أنهم لفرط إدلائهم بالصنعة وتقديمهم في
الكتابة يكتفون بالإشارة ويقتصرون على التلويح ويتجه عدم
جواز ذلك في القرآن. <تنبيه> قال ابن عربي هذه الحروف ليس
لها خاصية من حيث كونها حروفا بل من حيث كونها أشكالا فلما
كانت ذوات أشكال كانت الخاصية للشكل فلهذا أمر بتبينيها
ومن ثم اختلف عملها باختلاف الأقلام لأن الأشكال تختلف
وأما المرقمة فإذا وجدت أعيانها على أوضاعها صحبتها
أرواحها وخواصها فكانت خاصية ذلك الحرف بشكله وتركيبه مع
زوجه وكذا إن كان الشكل مركبا من حرفين أو أكثر كان للشكل
روح ليس الروح الذي للحرف
(خط في الجامع) بين أدب الراوي والسامع (فر عن أنس) قال
الذهبي فيه كذاب
(1/433)
835 - (إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم
فبين السين) أي أوضحها وبين سننها إجلالا لاسم الله
وإعظاما له وفي خبر رواه الخطيب عن أنس جودوا السين من بسم
الله تقضى لكم الحوائج
(خط) في ترجمة ذي الرآستين الفضل بن سهل (وابن عساكر) في
تاريخه (عن زيد بن ثابت) ابن الضحاك كاتب الوحي (عن أنس)
(1/433)
836 - (إذا كتبت) أي أردت أن تكتب (فضع
قلمك على أذنك) حال الكتابة أي اجعله بأزائها مما يلي
الصدغ (فإنه أذكر لك) أي أعون لك على تذكير ما تكتب وهذا
أمر إرشادي
(ابن عساكر في تاريخه عن أنس) قال كان معاوية كاتب الوحي
إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم غفلة وضع القلم في
فيه فقال يا معاوية إذا كتبت فضع إلخ
(1/433)
837 - (إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده)
لأن في كتابته بدونه خلطا للصحيح بالضعيف بل والموضوع فيقع
الزلل وينسب للرسول ما لم يقل فإذا كتب بإسناده فقد برىء
الكاتب من عهدته كما قال (فإن يك) الحديث (حقا كنتم شركاء
في الأجر) لمن رواه من الرجال (وإن يك باطلا كان وزره
عليه) أي على من تعمد فيه الكذب ولهذا قال الشافعي رضي
الله عنه: الذي يطلب العلم بلا سند كحاطب ليل يحمل حزمة
حطب وفيه أفعى وهو لا يدري. وقال الثوري: السند سلاح
المؤمن فإذا لم يكن معك سلاح فيم تقاتل. وقال ابن المبارك:
طالب العلم بلا سند كراقي السطح بلا سلم وقد أكرم الله هذه
الأمة بالإسناد وجعله من خصوصياتها من بين العباد وألهمهم
شدة البحث عن [ص:434] ذلك حتى أن الواحد يكتب الحديث من
ثلاثين وجها وأكثر وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي حاتم الرازي
لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمة يحفظون آثار
نبيهم غير هذه الأمة قيل له ربما روى أحدهم حديثا لا أصل
له قال علماؤهم يعرفون الصحيح من غيره فروايتهم الحديث
الواهي ليتبين لمن بعدهم
(ك في علوم الحديث وأبو نعيم) والديلمي (وابن عساكر عن
علي) رمز لضعفه وليس بضعيف فقط بل قال في الميزان موضوع
(1/433)
838 - (إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من
العمل) الصالح (ما يكفرها) لقلته وكثرتها (ابتلاه الله
بالحزن) بالتحريك وفي رواية بالهم قال الحافظ العراقي
والأول الصواب (ليكفرها عنه) به فالأحزان والأكدار في هذه
الدار رحمة من العزيز الغفار ومن ثم قال الصوفية إنما يحصل
الهم والغم من جهتين التقصير في الطاعة والحرص على الدنيا
انتهى وأما حمل الحزن على الندم على المخالفة فغير صواب
لأن ذلك ليس ابتلاءا
(حم عن عائشة) قال المنذري رواته ثقات إلا الليث بن أبي
سليم وقال العراقي فيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه وقال
الهيتمي فيه ليث وهو مدلس وبقية رجاله ثقات وقد رمز المصنف
لحسنه
(1/434)
839 - (إذا كثرت ذنوبك) أي وأردت اتباعها
بحسنات لها أثر بين وفعل فاعل في محوها والمراد الصغائر
(فاسق الماء على الماء) أي اسق المستسقي ولو كنت بشط نحو
نهر أو بحر بذكره ليس بقيد بل لنفي توهم أنه لو حازه بلا
كلفة فلا أجر له في سقيه وأولى من ذلك أن يقال المراد
موالاة السقي وتتابعه أي اسق الماء على أثر سقي الماء بلا
فاصل بأن يكون متتابعا (تتناثر) بمثناتين فوقيتين فنون أي
فإنك إن فعلت ذلك تتساقط (ذنوبك كما يتناثر الورق من الشجر
في الريح العاصف) أي الشديد وفيه ترغيب عظيم في فضل سقي
الماء وفخامة لشأنه واللظاهر أنه لا يتعين لذلك مباشرته
بنفسه بل يكفي كون الماء ملكا له وتسبب في تسبيله بنحو
أجرة وربح سيما إن كانت المباشرة لا تليق به
(خط عن أنس) وفيه هبة الله بن موسى الموصلي قال في الميزان
لا يعرف وساق له هذا الخبر
(1/434)
840 - (إذا كذب العبد كذبة) بفتح الكاف
والنصب أي واحدة منهيا عنها (تباعد الملك) يحتمل أن أل
جنسية ويحتمل أنها عهدية والمعهود الحافظ (عنه ميلا) وهو
منتهى مد البصر أو هو أن ينظر إلى شخص بأرض مستوية فلا
يدري أذكر أم أنثى ذاهب أم آت وفي اصطلاح أهل الهيئة ثلاثة
آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف والخلف لفظي لأن مراده
الأولين ذراع العمل والثاني ذراع اليد ويظهر أن المراد
بالميل هنا التكثير (من نتن ما جاء به) أي من أجل نتن ريح
ما نطق به ذلك الكاذب من الكذب وفي رواية لابن عدي من نتن
ريحه فإن قيل كيف يكون للقول رائحة قلنا تعلق الروائح
بالأجسام وخلقها فيها عادة لا طبيعة فإذا شاء الباري خلقها
مقرونة بالأعراض فتنسب إليها نسبتها إلى الأجسام قال
الطيبي: وإذا تباعد الملك من نتن نحو بصل وثوم وتأذى به
فتباعده من الكذب أولى وأخذ من الخبر أن الملائكة تدرك من
الآدمي ريحا خبيثا عند تلفظه بالمعصية وهل هذه الريح حسية
أم معنوية احتمالان رجح بعضهم الأول ولا يقدح فيه عدم
إدراكنا لها لأن لها كما قال ابن عربي حجابا على الأنف
يمنعنا من إدراك نتنه بل أكابر المؤمنين يدركونه حسيا ألا
ترى إلى خبر أحمد عن جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
فارتفعت ريح منتنة فقال أتدرون ما هذه الريح هذه ريح الذين
يغتابون المؤمنين وأخذ منه جمع صوفية أنه يتعين على مريد
نحو صلاة أو ذكر أن يطهر الظاهر والباطن لئلا يؤذي أحدا من
أهل الحضرة الإلهية من أنبياء وملائكة وأولياء بنتن ريحه
المتولد [ص:435] من الذنوب سيما الفم إذا نطق بما لا يحل
فإن أهل الحضرة لرقة حجابهم وطهارة بواطنهم يشمون رائحة
المخالفات ولهذا قال مالك بن دينار والله لو كان الناس
يشمون روائح المعاصي كما أشمها ما استطاع أن يجالسني أحد
من نتن ريحي. وقد تطابق على قبح الكذب جميع الملل والنحل
قال في الكشاف في قوله سبحانه وتعالى {وما شهدنا مهلك أهله
وإنا لصادقون} هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة
الذين لا يعرفون الشرع وواهية لا يخطر ببالهم ألا ترى أنهم
قصدوا قتل نبي الله ولم يرضوا لأنفسهم بكونهم كاذبين حتى
سووا للصدق في خبرهم حيلة يتخلصون بها عن الكذب انتهى
<تنبيه> قال بعضهم: العالم كله مشحون بالملائكة وأذيتهم
وأذية مواطنهم وهي مساجدهم التي يتعبدون فها محرمة علينا
فليس في العالم موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك كما يأتي
فالعالم كله مسجد لهم فأذيتهم بالمعاصي وريح الذنوب
وإكرامهم بكف الأذى عنهم وترك الكذب وكشف العورة والقبائح
فالكف عن ذلك إكرام للملأ الأعلى المجاورين للقلوب
والأرواح والنفوس في عالم الملكوت والأجسام في عالم الملك
(ت) في الزهد (حل) في ترجمة ابن أبي داود (عن ابن عمر) قال
الترمذي جيد غريب تفرد به عبد الرحيم بن هارون انتهى وعبد
الرحيم قال الدارقطني متروك الحديث يكذب وذكر له ابن عدي
مناكير وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه تبعا لتجويد
الترمذي
(1) (إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها)
<1> أي إذا أراد كل من المتداعيين في التحالف أو نحوه أن
يبدأ صاحبه قبله أو عكسه أقرع بينهما فمن خرجت قرعته
بتقديم أو تأخير قدم أو أخر ندبا وهذا محله عند الشافعية
إذا تساويا كأن تبادلا عينا بعين وإلا بدىء بالبائع ومن في
حكمه ندبا
(د عن أبي هريرة)
(2) (إذا كسفت الشمس) أو خسف القمر (فصلوا) للكسوف أو
الخسوف (كآخر صلاة صليتموها من المكتوبة) فإن كان ذلك بعد
الصبح مثلا فصلوا ركعتين أو الظهر فأربع وهكذا وهذا لم أر
من أخذ به من المجتهدين
(طب عن النعمان بن بشير)
_________
<1> هذان الحديثان لم يوجدا في أكثر النسخ وهما في خط
المؤلف
(1/434)
841 - (إذا كنتم في سفر) طويل أو قصير
(فأقلوا المكث) اللبث والانتظار (في المنازل) أي الأماكن
التي اعتيد النزول فيها في السفر لنحو استراحة والإقلال من
المكث فيها بأن يكون بقدر الحاجة فقط لأن في إطالة المكث
فيها تطويلا للسفر الذي هو قطعة من العذاب وقد يقل الزاد
أو تعرض قطاع الطريق للقافلة وأشار بقوله فأقلوا إلى تعين
النزول للاستراحة فعلى أمير الجيش أو الحج أن يريحهم
بالنزول فيها على الوجه المعتاد ولا يكلف العاجز ما لا
يطيقه من العجلة
(أبو نعيم) والديلمي (عن ابن عباس) وفيه الحسن بن علي
الأهوازي قال الذهبي اتهمه وكذبه ابن عساكر
(1/435)
842 - (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى) قال
القرطبي الرواية المشهور بألف مقصورة ثابتة في الخط ساقطة
في اللفظ لالتقاء الساكنين فهو خبر بمعنى النهي وفي رواية
مسلم بغير ألف وهي واضحة والتناجي التحادث سرا (رجلان)
يعني اثنان كما في رواية (دون الآخر) بغير إذنه فيحرم فقد
يظن أنهما يريدانه بقبيح أو أنهما لم يشاركاه في الحديث
احتقارا له وظاهره عموم النهي في كل زمن حضرا أو سفرا
وعليه الجمهور كما مر ثم بين غاية المنع. وهو أن يحدث
الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر كان يتحدث مع رجل
فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يفعل حتى دعا رابعا بأن يتحدث
مع الآخر وناجى الطالب للمناجاة فقال (حتى تختلطوا بالناس)
أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض ثم علل ذكر
النهي بقوله (فإن ذلك) أي التناجي مع انفراد واحد وفي
رواية بدله من أجل أن ذلك قال الزركشي أي من أجل وقد يتكلم
به مع حذف من (يحزنه) بضم المثناة تحت وكسر الزاي وبفتحها
أي يوقع في نفسه ما يحزن لأجله أي بسببه لما تقرر من أنه
يظن الحديث عنه بما يؤذيه وذلك كله ناشىء عن بقائه وحده
فإذا كان معه [ص:436] غيره أمن ذلك وعليه يستوي في ذلك كله
الأعداد كما ذكره القرطبي فلا يتناجى أربع دون واحد ولا
عشرة ولا ألف لوجود المعنى في حقه بل وجوده في الكثير أقوى
وإنما خص الثالث بالذكر لأنه أقل عدد يتأتى فيه ذلك المعنى
ذكره القرطبي قال ابن عربي ومثله ما لو تكلم معه بلسان لا
يعرفه الثالث ومحل النهي في غيره مهم ديني أو دنيوي يترتب
على إظهاره مفسدة
(حم ق ت هـ عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا أبو داود ولعله
أغفله سهوا
(1/435)
843 - (إذا لبستم) أي أردتم لبس نحو ثوب
فابدؤا بميامنكم (وإذا توضأتم) الوضوء الشرعي (فابدؤا)
ندبا (بميامنكم) كذا في نسخ الكتاب وهو الموجود في خطه وفي
رواية بأيامنكم قال التوريشتي والرواية الأولى هي المعتمد
بها ولا فرق بين اللفظين من طريق العربية فإن الأيمن
والميمنة خلاف الأيسر والميسرة غير أن الحديث تفرد أبو
داود بإخراجه ولفظه بميامنكم انتهى. ورد الطيبي بأن
الموجود في أبي داود في باب النعال وشرح السنن للبغوي وشرح
مسلم والمصابيح بأيامنكم قال وقد أخرجه أحمد بروايته عن
أبي هريرة كذلك انتهى وذلك لأن اللبس والتطهر من باب
الإكرام واليمين أولى كما مر غير مرة قال الطيبي وخصا
بالذكر وكرر أداة الشرط ليؤذن باستقلالهما وأنهما يستوعبان
جميع ما يدخل في الباب أما التوضؤ فق مر أنه فتح لأبواب
الطاعات كلها فبذكره يستغنى عنها كلها كما في قوله الطهور
شطر الإيمان وأما اللباس فلأنه من النعم الممتن بها في آية
{قد أنزلنا عليكم لباسا} إشعارا بأن الستر باب عظيم في
التقوى وذلك لما عصى آدم ربه عاقبه بإبداء السوءة ونزع
اللباس عنه واستدل به المالكية على أن لبس الخاتم في
اليسار أولى لأنه من الأفعال التي تتناول باليمين فيجعله
في شماله بيمينه إذ ليس من الأفعال الخسيسة فالحديث
يتناوله
(د حب عن أبي هريرة) قال في الرياض حديث صحيح وتبعه المصنف
فرمز لصحته لكن قال الذهبي في المهذب غريب فرده وقال
المناوي حسن
(1/436)
844 - (إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه)
بأن أراه رؤيا تحزنه أو خلط عليه فيه (فلا يحدث به الناس)
ندبا لئلا يستقيله المعبر في تفسيرها بما يزيده هما ويورثه
غما مع أن ما من الشيطان أضغاث أحلام لا أثر له ولا عبره
بتعبيرة بل يفعل ما مر من الاستعاذة والتفل والتحول
(م هـ عن جابر) قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم رأيت
أن عنقي ضربت فأخذته فأعدته فذكره قال الماوردي يحتمل أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم علم أن هذا المنام من الأضغاث
بوحي أو قرينة وأما المعبرون فيقولون قطع الرأس يدل على
زوال نعمة وسلطان واختلاف أحواله وإن كان عبدا أو مريضا أو
مديونا يدل على عنقه وشفائه ووفاء دينه
(1/436)
845 - (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها) يعني
السلف الصالح (فمن كتم) حينئذ (حديثا) بلغه عن الشارع
بطريقه المعتبر عند أهل الأثر (فقد كتم ما أنزل الله عز
وجل علي) فيلجم يوم القيامة بلجام من نار كما في أخباره
(عن جابر) قال المنذري ضعيف
(1/436)
846 - (إذا لقي أحدكم أخاه) في الدين
(فليسلم عليه) من اللقاء وهو كما قال الحراني اجتماع
بإقبال (فإن حالت بينهما شجرة أو حائط) لفظ أبي داود أو
جدار (أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه) ندبا وإن تكرر عن قرب
قال الطيبي فيه حث على السلام وإن تكرر عند كل تغير حال
ولكل جاء وغاد وقال المناوي قضية الأمر بالسلام عليه وإن
قربت مفارقته ثانيا وثالثا وأكثر وقيل بث السلام رفع
للضغينة بأيسر مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية
(د هـ هب عن أبي هريرة) بإسناد حسن
(1/436)
[ص:437] 847 - (إذا لقيت الحاج) بعد تمام
حجه (فسلم عليه وصافحه) أي ضع يدك في يده (ومره) أي اسأله
(أن يستغفر لك) بأن يقول أستغفر الله لي ولك والأولى كون
ذلك (قبل أن يدخل بيته) أي محل سكنه فإنه إذا دخل انهمك
غالبا في اللذات ونيل الشهوات (فإنه مغفور له) الصغائر
والكبائر إلا التبعات إذا كان حجه مبرورا كما قيده في عدة
أخبار فتلقي الحاج والسلام عليه وطلب الدعاء منه مندوب
ولقاء الأحباب لقاح الألباب وأخبار تلك الديار أحلى من
الأسمار وقدوم الحاج يذكر بالقدوم على الله تعالى وظاهر
الحديث أن طلب الاستغفار منه مؤقت بما قبل الدخول فإن دخل
فات لكن في الإحياء عن عمر أن ذلك يمتد بقية الحجة والمحرم
وصفر وعشرين من ربيع الأول انتهى وعليه فينزل الحديث على
الأولوية فالأولى طلب ذلك منه حال دخوله فلعله يخلط أو
يلهو
<تنبيه> قال الإمام الرازي: الحكمة في طلب السلام عند
التلاقي والمكاتبة دون غيرهما أن تحية السلام طلبت عند ما
ذكر لأنها أول أسباب الألفة ولا السلامة التي تضمنها
السلام هي أقصى الأماني فتنبسط النفس عند الإطلاع عليه أي
بسط وتتفاءل به أحسن فأل قال وقد كان المصطفى صلى الله
عليه وسلم يحب الفأل الحسن مع تضمن تحية السلام للتواضع
وتجنب الكبر مع التأنيس للوحشة واستمالة القلب وسكون النفس
للآتي بها فنفتح أبواب المودة وتتألف القلوب (تتمة) قال
العراقي: الخروج المندوب لتلقي الغائب وتشييع المسافر من
نحو حاج وغاز لا يختص بحال ولا بمسافة بل هو بحسب العوائد
واختصاص المتلقي والمشيع بمن يتلقاه أو يشيعه
(حم عن ابن عمر) رمز لحسنه وليس كما قال فقيه محمد بن عبد
الرحمن السلماني ضعفوه وممن جزم بضعفه الحافظ الهيتمي
(1/437)
848 - (إذا لم يبارك للرجل) يعني الإنسان
(في ماله جعله في الماء والطين) أي في البنيان بهما وسبق
أن هذا في غير ما فيه قربة وفيما عدا ما لا بد منه
(هب عن أبي هريرة) وفيه عبد الأعلى بن أبي المقاور تركه
أبو داود
(1/437)
849 - (إذا مات الميت) من باب المجاز
باعتبار ما يؤول إليه. إذا الميت لا يموت بل الحي
قال الزمخشري في خبر " فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة "
وسمي المشارف للمرض والضال مريضا وضالة تجوزا وعليه يسمى
المشارف للموت ميتا (تقول الملائكة) الذين يمشون مع
الجنازة أي يقول بعضهم لبعض (ما قدم) من الأعمال الصالحة
أهو صالح فنستغفر له أم لا؟ أو هو تعجب لا استفهام أي ما
أكثر ما لزمه من العمل الصالح أو غيره (ويقول الناس) بعضهم
لبعض (ما خلف) بشد اللام من التركة الموروثة عنه فالقصد به
بيان أن اهتمام الملائكة إنما هو بشأن الأعمال واهتمام
الورثة بما تركه ليورث عنه وفيه رد على بعض الفرق الضالة
الزاعمين أن الموت عدم محض وفناء صرف كذبوا والله بل هو
انتقال من دار إلى دار وتغيير من حال إلى حال
(هب عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن سليمان الجعفي قال النسائي
ليس بثقة وعبد الرحمن المحاربي له مناكير
(1/437)
850 - (إذا مات الإنسان) وفي رواية: ابن
آدم (انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه يعني لا تصل
إليه فائدة شيء من عمله كصلاة وحج (إلا من ثلاث) أي ثلاثة
أشياء فإن ثوابها لا ينقطع لكونه فعلا دائم الخير متصل
النفع ولأنه لما كان السبب في اكتسابها كان له ثوابها
(صدقة) لفظ رواية مسلم: إلا من صدقة وتبع المصنف في
إسقاطها [ص:438] المصابيح مع ثبوتها في مسلم والحميدي
وجامع الأصول والمشارق. قال الطيبي: وهو بدل من قوله: إلا
من ثلاث وفائدة التكرير مزيد تقرير واعتناء بشأنها
والاستثناء متصل تقديره ينقطع ثواب أعماله من كل شيء كصلاة
وزكاة وحج ولا ينقطع ثواب عمله منهذه الثلاثة (جارية)
دائمة متصلة كالوقوف المرصدة فيدوم ثوابها مدة دوامها (أو
علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف. قال السبكي: والتصنيف أقوى
لطول بقائه على ممر الزمان لكن شرط بعض شراح مسلم لدخول
التصنيف فيه اشتماله على فوائد زائدة على ما في الكتب
المتقدمة فإن لم يشتمل إلا على نقل ما فيها فهو تحبير
للكاغد فلا يدخل في ذلك وكذا التدريس فإن لم يكن في الدرس
زيادة تستفاد من الشيخ مزيدة على ما دونه الماضون لم يدخل.
وما أحسن ما قيل:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة. . . بتقرير إيضاح لمشكل
صورة. . . وعزو غريب النقل أو حل مغفل
أو إشكال أبدته فكرة. . . فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد. .
. ولا تتركن فالترك أقبح خلة
قال المنذري: ونسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو
كتبه أو عمل ما يقي خطه وناسخ ما فيه إثم: عليه وزره ووزر
ما عمل به ما بقي خطه (أو ولد صالح) أي مسلم (يدعو له)
لأنه هو السبب لوجوده وصلاحه وإرشاده إلى الهدى وفائدة
تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على
الدعاء للوالد. وقيد بالصالح أي المسلم لأن الأجر لا يحصل
من غيره وأما الوزر فلا يلحق الأب من إثم ولده ثم إن هذا
لا يعارضه خبر: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر
من عمل بها إلى يوم القيامة. وخبر: أربعة تجري عليهم
أجورهم بعد الموت: المرابط إلخ. وخبر: من مات يختم على
عمله إلا المرابط لأن السنة المسنونة من جملة العلم
المنتفع به. ومعنى خبر المرابط بوجه ما فإن ثواب عمله الذي
قدمه في حياته ينمو له إلى يوم القيامة أما هذه الثلاثة
فأعمال تجدد بعد موته لا تنقطع عنه لكونه سببا لها فإنه
تعالى يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا ما على كسبه
سواء فيه المباشرة والسبب وما يتجدد حالا فحالا من منافع
الوقف ويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف واستفادة
المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط إرشادهم
وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل
الوالد كان ذلك ثوابأ لاحقا بهم غير منقطع عنهم وبدأ
بالصدفة لأن المال زينة الدنيا والنفوس متعلقة بحبه فايثار
الخروج عنه لله آية صدق فاعله ونعني بالعلم لاشتراكه معها
في عموم منافعه وجموم مناقبه وختم بدعاء الولد تنبيها على
أن شرف الأعمال المتقدمة لا ينكر ولأنها أرجح من الأعمال
القاصرة قال النووي: وفيه دليل على صحة الوقف وعظم ثوابه
وبيان فضيلة العلم والحث على الإكثار منه والترغيب في
توريثه بنحو تعليم وتصنيف وأنه ينبغي أن يختار من العلوم
الأنفع فالأنفع وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذا
الصدقة وهو إجماع وكذا قضاء الدين
(حم خد م) في الوصايا (3 عن أبي هريرة)
(1/437)
851 - (إذا مات أحدكم) أيها المؤمنون
الأبرار والكافرون الفجار وفي عصاة المؤمنين تردد (عرض
عليه مقعده) أي محل قعوده من الجنة أو النار بأن تعاد
الروح إلى بدنه أو إلى بعض منه يدرك به حال العرض ولا مانع
منه وشاهده {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} وقيل العرض
إنما هو على الأرواح لا الأشباح ورجح ابن حجر أن العرض يقع
على الروح حقيقة وعلى ما يتصل به من البدن (بالغداوة
والعشي) أي وقتهما (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن
كان من أهل النار فمن أهل النار) أي إن كان من أهل الجنة
فمقعده من مقاعد [ص:439] أهل الجنة يعرض عليه وإن كان من
أهل النار فمقعده من مقاعد أهل النار يعرض عليه فليس
الجزاء والشرط متحدين معنى بل لفظا ولا ضير فيه بل يدل على
الفخامة (ثم يقال له من قبل الله) أي يأمر الله الملك أو
من شاء من خلقه يقول له ذلك (هذا مقعدك حتى يبعثك الله
إليه) أي إلى ذلك المقعد (يوم القيامة) أي لا تصل إليه إلا
بعد البعث ويحتمل رجوع الضمير إلى الله. كذا قرره
التوربشتي وقال الطيبي: يجوز كون معناه فمن كان من أهل
الجنة فيبشر بما لا يكنه كنهه ولا يقدر قدره وإن كان من
أهل النار فبالعكس لأن هذا القول طليعة تباشير السعادة
الكبرى. ومقدمة بتاريخ الشقاوة لأن الشرط والجزاء إذا
اتحدا دل الجزاء على الفخامة قال: والضمير في إليه يرجع
إلى المقعد فالمعنى هذا مقعد يستقر فيه حتى يبعث إلى مثله
من الجنة أو النار كقوله تعالى {هذا الذي رزقنا من قبل} أي
مثل الذي أويرجع إلى الله أو إلى لقاء الله أو إلى المحشر
أي هذا الآن مقعده إلى يوم المحشر فترى عند ذلك كرامة أو
هوانا تنشىء عنده هذا المقعد وفيه إثبات عذاب القبر لأن
عرض مقعده من النار عليه نوع عظيم من العذاب
(ق ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب
(1/438)
852 - (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي
كنتم تصاحبونه لقرابة أو صهارة أو جوار أو صدقة أو نحوها
(فدعوه) اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حيا ولما
كان الترك قد لا يستلزم ترك الوقيعة قال (ولا تقعوا فيه)
أي لا تتكلموا في عرضه بسوء ولا تتكلموا بعده بشيء من
أخلاقه الذميمة فإنه قد أفضى إلى ما قدم. وغيبة الميت أفظع
من غيبة الحي لأنه يرجى استحلاله بخلافه وزعم أن المراد
اتركوا محبته بعد موته ولا تقلقوا قلوبكم به بأن تجلوا
المصيبة والبكاء عليه والتعزية بعيد من السياق وقد ورد في
عدة أخبار الكف عن مساوىء الأموات مطلقا فتخصيص الصاحب
للاهتمام وبيان أنه بذلك أحق <تنبيه> زعم بعض شراح
المصابيح أنه أراد بالصاحب نفسه وعنى بقوله: فدعوه: أنه لا
يؤذي في عشرته وأهل بيته وأن من تكلم فيهم بسوء فكأنه وقع
فيه وفيه تكلف
(د عن عائشة) رمز لصحته وهو كما قال فقد قال العراقي:
إسناده جيد
(1/439)
853 - (إذا مات صاحب بدعة) أي مذمومة بأن
لم يشهد لها أصل من أصول الشرع (فقد فتح في الإسلام فتح)
أي أغلق باب الضرر عن الناس سيما إن كان داعية وفتح باب
النفع فهو استعارة وذلك لأن موته راحة للعباد لإفتانه لهم
وللبلاد والشجر والدواب لأن ظهور البدع سبب للقحط فإذا مات
جاء الفتح للأنام والأنعام ومن ترك الاتباع وآثر الابتداع
وعدل عن منهج جماعة الإيمان وآثر الإصرار على الطغيان
وانهمك في غمرات الضلال وجانب أهل الكمال: فحقيق أن يكون
موته فتحا من الفتوحات ورحمة من الرحمات فلذلك كان موته
عند أهل الإسلام كفتح المدائن العظام والمبتدع يروم هدم
قواعد الدين وإفساد عقائد المسلمين فضرره كضرر الكافر بل
أشد لأن هذا يستر عدواته ويقاتل أهل الإسلام بخلاف الكافر.
وأنشد جمال الإسلام أبو المظفر السمعاني:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى. . . ولا تك بدعيا لعلك تفلح.
. . ولذ بكتاب الله والسنن التي
أتت عن رسول الله تنجو وتربح. . . ودع عنك آراء الرجال
وقولهم. . . فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهوا بدينهم. . . فتطعن في أهل الحديث
وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه. . . فأنت على خير تبيت
وتصبح
<تنبيه> المراد بالبدعة هنا اعتقاد مذهب القدرية أو
الجبرية أو المرجئة أو المجسمة ونحوهم فإن البعة خمسة
أنواع: محرمة وهي هذه وواجبة وهي نصب أدلة المتكلمين للرد
على هؤلاء وتعلم النحو الذي به يفهم الكتاب والسنة ونحو
ذلك ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل إحسان لم يعهد في
الصدر الأول ومكروهة كزخرفة [ص:440] مسجد وتزويق مصحف
ومباحة كالمصافحة عقب صبح وعصر (قوله ومباحة: كالمصافحة
إلخ: المصافحة المذكورة بدعة مكروهة لأنها مخالفة للسنة
الصحيحة وهي ترك المصافحة عقب الصلوات. قال ابن الحاج في
المدخل: وينبغي له - أي للإمام - أي يمنع محدثوه من
المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة
بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك
كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هي عند لقاء
المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع
فحيث وضعها للشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى
من خلاف السنة اه من مدخل الشرع الشريف ص 219 ج 2 طبع مصر)
وتوسع في لذيذ مأكل وملبس ومسكن ولبس طيلسان وتوسيع أكمام
(قوله وتوسيع أكمام: هو من الاسراف المنهي عنه وحكمه
الكراهة كتطويل الازار عن الكعبين إن كان من غير خيلاء
والا فيحرم كما هو مقرر في الشرع الشريف) ذكره النووي في
تهذيبه
(خط عن أنس) قال مخرجه الخطيب الإسناد صحيح والمتن منكر
(1/439)
854 - (إذا مات ولد العبد) أي الإنسان ولو
أثنى (قال الله لملائكته) الموكلين بقبض الأرواح (قبضتم
ولد عبدي) أي روحه (فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة قؤاده)
أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة (فيقولون نعم فيقول ماذا
قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع) أي قال إنا لله وإنا إليه
راجعون. قال الطيبي: رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما
أراد اله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على
المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة
للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير وقال
أولا: ولد عبدي: أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي
نقاوة خلاصته فإن خلاصة المرء الفؤاد إنما يعتد به لمكان
اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها
بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه ولذلك قال
(فيقول الله تعالى) لملائكته) أو لمن شاء من خلقه (ابنوا
لعبدي بيتا في الجنة) يسكنه في الآخرة (وسموه بيت الحمد)
أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها
ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن السلام
وابن القيم قالا: فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه
لا بمصيبته وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح
خلافه
<تنبيه> ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد
والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له
شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت
الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك
إنما هي الحمد. وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل
إفراده بالتسمية (تتمة) قال المصنف موت الأولاد فلذ
الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب
والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي
الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق
عنه النطاق شديد على الإطلاق لاجرم أن الله تعالى حث فيه
على الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في
الجنة ذاك البناء الجليل
(ت) وكذا الطيالسي والطبراني والديلمي في مسند الفردوس (عن
أبي موسى) الأشعري قال الترمذي حسن غريب وهو مستند المؤلف
في رمزه لحسنه ورواه أيضا ابن حبان والإمام أحمد والبيهقي
وغيرهم
(1/440)
855 - (إذا مدح المؤمن في وجهه ربى الإيمان
في قلبه) أي زاد إيمانه لمعرفة نفسه وإذلاله لها فالمراد
المؤمن الكامل الذي عرف نفسه وأمن عليها من نحو كبر وعجب
بل يكون ذلك سببا لزيادته في العمل الصالح المؤدي لزيادة
إيمانه ورسوخ إبقائه أما من ليس بهذه الصفة فالمدح عليه من
أعظم الآفات المفضية بإيمانه إلى الخلل [ص:441] الذي ورد
فيه خبر: إياكم والمدح (تتمة) قال في الحكم: المؤمن إذا
مدح استحيا من الله أن يثني عليه بوصف لا يشهد من نفسه
وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس والزهاد
إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون إذا
مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق
(طب ك عن أسامة بن زيد) قال العراقي: سنده ضعيف
(1/440)
856 - (إذا مدح الفاسق) أي الخارج عن العدل
والخبر وحسن زيادة الخلق والحق لأن الفسق خروج عن محيط
كالكمام للثمرة والجحر للفأرة ذكره الحراني (غضب الرب)
لأنه أمر بمجانبته وإبعاده فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله
به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا
يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل والإشعار باستحسان فسقه
وإغرائه على إقامته. وظاهر الحديث يشمل ما لو مدحه بما فيه
كسخاء وشجاعة ولعله غير مراد (واهتز) أي تحرك (لذلك) أي
لغضب الرب (العرش) واهتزازه عبارة عن أمر عظيم وداهية
دهياء وذلك لأن فيه رضا بما فيه سخط الله وغضبه بل يكاد
يكون كفرا لأنه ربما يفضي إلى استحلال ما حرم الله وهذا هو
الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا
وإذا كان هذا حكم مدح الفاسق فكيف بمن يمدح الظالم ويركن
إليه وقد قال تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار} قال الزمخشري: النهي متناول للانخراط في هواهم
والانقطاع إليهم ومصاحبتهم والرضا بأعمالهم والنسبة إليهم
والتزيي بزيهم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب ذم الغيبة (هب)
من حديث أبي خلف (عن أنس) وأبو خلف هذا قال الذهبي قال
يحيى كذاب وقال أبو حاتم منكر الحديث وقال ابن حجر في
الفتح سنده ضعيف (عد عن بريدة) قال العراقي: وسنده ضعيف
وفي الميزان خبر منكر
(1/441)
857 - (إذا مررت) من المرور (ببلدة) في حال
سيرك (ليس فيها سلطان) أي حاكم وأصل السلطنة القوة ومنه
السلاطة لحدة اللسان (فلا تدخلها) فإنها مظنة البغي
والعدوان والتهارج ومن بغي عليه فيها لم يجد ناصرا وإذا
نهى عن مجرد الدخول فالسكنى أولى وعلله بقوله (إنما
السلطان) أي الحاكم (ظل الله) أي يدفع به الأذى عن الناس
كما يدفع الظل أذى حر الشمس (ورمحه في الأرض) أي يدفع به
ويمنع كما يدفع العدو بالرمح وقد استوعب بهاتين الكلمتين
نوعي ما عليه الوالي لرعيته: أحدهما الانتصار من الظالم
لأن الظل يلجأ إليه من الحر والشدة والثاني إرعاب العدو
ليرتدع عن أذى الرعية فيأمنوا بمكانه من الشر والعرب تكنى
بالرمح عن الدفع والمنع قال الماوردي: وبالسلطان حراسة
الدين والذب عنه ودفع الأهواء عنه وروى الطبراني أن عمرو
بن العاص قال لابنه: سلطان عادل خير من مطر وابل وسلطان
غشوم خير من فتنة تدوم وزلة الرجل عظم يجبر وزلة اللسان لا
تبقى ولا تذر يا بني: استراح من لا عقل له فأرسلها مثلا اه
وفي قوله في الأرض: إشارة إلى أن الإمام الأعظم لا يكون في
الأرض كلها إلا واحدا ولهذا قال في حديث آخر: إذا بويع
لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما
(هب عن أنس) بن مالك وفيه الربيع ابن صبيح قال الذهبي ضعيف
ومن ثم أطلق السخاوي على الحديث الضعف
(1/441)
858 - (إذا مررتم بأهل الشرة) بكسر المعجمة
وشد الراء: أي بأهل النشاط في الشر (فسلموا عليهم) ندبا
(تطفأ) بمثناة [ص:442] فوق أوله بضبط المؤلف أي فإنكم إن
سلمتم عليهم تخمد (عنكم شرتهم وثائرتهم) أي عداوتهم
وفتنتهم والنائرة العداوة والشحناء كما في الصحاح مشتقة من
النار وفيه سعى في إطفاء النائرة. أي تسكين الفتنة: وذلك
لأن السلام أمان فإذا سلمت وردوا فبردهم حصل الأمان منهم
ولأن السلام عليهم يؤذن بعدم احتقارهم فيكون سببا لسكون
شرتهم قال لقمان: يابني إذا مررت بقوم فارمهم بسهام السلام
لكن ينبغي مع ذلك الحذر من مخالطتهم والتلطف في مجانبتهم.
قال الجنيد: دخلت على السري وهو يجود بنفسه فجلست وبكيت
فسقطت دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلي. فقلت: أوصني
قال: لاتصحب الأشرار ولا تشتغل عن الله بمخالطة الأخيار
(هب عن أنس) قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه
فقالوا: إن المنافقين يلحظوننا بأعينهم ويلفظوننا بألسنتهم
فذكره. وفيه أبان ابن أبي عياش قال الكاشف: قال أحمد:
متروك وفي الميزان عن شعبة: لأن يزني الرجل خير من أن يروي
عنه ما لا أصل له
(1/441)
859 - (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة
وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل
إليها (فارتعوا) أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص
الفوائد (قالوا) أي الصحابة أي بعضهم (وما رياض الجنة) أي
ما المراد بها (قال حلق الذكر) بكسر ففتح جمع حلقة بفتح
فسكون وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره
والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك قال الطيبي: أراد
بالذكر التسبيح والتحميد وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب
وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل
ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه. فذكر الله في
الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور
قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بن يديه ببدنه
فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي: كما يستحب الذكر
يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة
(حم ت هب عن أنس) قال الترمذي حسن غريب اه وتبعه المصنف
فرمز لحسنه
(1/442)
860 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا
قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم) قال القرطبي أراد
مجالس علم الحلال والحرام وقال الغزالي أراد مجالس علم
الآخرة وهو العلم بالله وآياته وأفعاله في خلقه وقد تصرفوا
فيه بالتخصيص فشهوده بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في
المسائل فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم
فكان سببا مهلكا لخلق كثير ثم إنه فسر الرياض هنا بحلق
العلم وفيما قبله بحلق الذكر وفيما يأتي بسبحان الله إلخ
ولا مانع من إرادة الكل وإنه إنما ذكر في كل حديث بعضا
لأنه خرج جوابا عن سؤال معين فرأى أن الأولى بحال السائل
هنا حلق العلم وثم حلق الذكر
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه رجل لم يسم
(1/442)
861 - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل
وما رياض الجنة؟ قال المساجد قيل وما الرتع؟ قال سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أي ونحوها
من الأذكار ونص عليها اهتماما بها لكونها الباقيات
الصالحات وتنبيها بها [ص:443] على غيرها من الأذكار. قال
الطيبي: وتلخيص الحديث إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا
القول فلما وضع رياض الجنة موضع المساجد بناء على أن
العبادة فيها سبب للحصول في رياض الجنة: روعيت المناسبة
لفظا ومعنى فوضع الرتع موضع القول. لأن هذا القول سبب لنيل
الثواب الجزيل ووسيلة إلى الفوز النبيل
والرتع هنا كما في قول إخوة يوسف {نرتع ونلعب} وهو أن يتسع
في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى النزهة في الأرياف
والمياه كعادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض والبساتين ثم
اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل وقال غيره شبه حلق
الذكر والعلم برياض الجنة لأنه تعالى وصف أهلها بأنهم
يؤتون ما يشتهون فكذا حلقها يؤتيهم الله أفضل ما يعطى
السائلين ولأنه سمى الجنة رحمة وقال المصطفى صلى الله عليه
وسلم في مجالس الذكر: ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا غشيتهم
الرحمة. الحديث. فكما أن مجالس الذكر أماكن الرحمة فالجنة
مواضع الرحمة ولأن أهل الجنة تطيب حياتهم وقلوبهم بقرب
الله فأهل مجالس الذكر تطيب قلوبهم بذكر الله وقال بعض
العارفين في الدنيا جنة هي كالجنة في الآخرة فمن دخلها دخل
تلك الجنة يريد هذه المجالس لما يدركون فيها من سرور القلب
وفرحة بذكر الرب وابتهاجه وانشراحه ونوره حتى قال بعض من
ذاق هاتيك اللذة: لو علم الملوك بعض ما نحن فيه من النعيم
لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات إن
كان أهل الجنة في مثلها إنهم لفي عيش طيب. وكما حث الشارع
على حضور حلق الذكر نفر عن مجالسة الكذابين ومجالس
الخاطئين بقوله {والذين لا يشهدون الزور} فلا ينبغي حضورها
ولا قريبها تنزها عن مخالطة الشر وأهله وصيانة لدينه عما
يشينه لأن مشاهدة الباطل فيه شركة
(ت) في الدعوات (عن أبي هريرة) وقال غريب
(1/442)
862 - (إذا مر أحدكم في مسجدنا) أيها
المسلمون فالمراد جميع مساجد الإسلام لا مسجده عليه السلام
(أو في سوقنا) تنويع من الشارع لا شك من الراوي أي مسجد
المسلمين أو سوقهم فأضاف إلى الضمير إيذانا بالشرف (ومعه
نبل) بفتح فسكون سهام عربية وهي مؤنثة (فليمسك) بضم أوله
أي المار (على نصالها) حمع نصل حديدة السهم وعداه بعلى
للمبالغة (بكفه) متعلق بقوله يمسك (لا يعقر) بمثناة تحتية
بخط المصنف بالرفع استئنافا وبالجزم جواب الأمر أي لئلا
يجرح (مسلما) أو غيره كذمي أو حيوان محترم وإنما خص المسلم
اهتماما بشأنه وقيل أراد بالكف اليد أي لا يعقر بيده أي
باختياره مسلما أو المراد كف النفس أي لا يعقر بكفه نفسه
عن إمساكها أي لا يجرح بسبب تركه إمساك نصالها مسلما. وليس
المراد خصوص شيء من ذلك بل أن لا يصيب معصوما بأذى بوجه
كما دل عليه التعليل وفي رواية البخاري فليقبض بكفه أن
يصيب أحدا من المسلمين منها شيء وفي رواية لمسلم: لئلا
يصيب به أحدا من المسلمين وفيه تحريم قتال المسلم وقتله
وتغليظ الأمر فيه وحجة للقول بسد الذرائع وإشارة إلى تعظيم
قليل الذنب وكثيره وتأكيد حرمة المسلم وجواز إدخال المسجد
السلاح وفي أوسط الطبراني: نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن تقليد السلاح في المسجد والمعنى فيه ما مر ومحل
النهي عن ذللك إن كان النصل غير مغمود ولا ينافي الحديث
لعب الحبشة بالحراب في المسجد لأن التحفظ في صورة اللعب
بالحراب يسهل بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ
(ق ده عن أبي موسى) الأشعري
(1/443)
863 - (إذا مر رجال بقوم) أي بجماعة (فسلم
رجل) أهل لابتداء السلام (من الذين مروا على الجلوس) أي
على [ص:444] من لقوهم والجلوس غالبي (ورد من هؤلاء واحد)
أهل للرد (أجزأ) البادىء (عن هؤلاء) المارين (و) أجزأ
الراد (عن هؤلاء) الجالسين لأن ابتداء السلام من الجماعة
سنة كفاية والجواب من الجماعة فرض كفاية. قال ابن بطال:
اتفقوا على أن المبتدىء لا يشترط تكريره السلام بعدد من
سلم عليهم وأنه لا يجب الرد على كل فرد. قال القاضي حسين:
ولا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان
سلم حين دخل وخالفه المستظهري فقال: السلام عند الانصراف
سنة قال النووي وهو الصواب
(حل عن أبي سعيد) الخدري ثم قال غريب
(1/443)
864 - (إذا مرض العبد) المسلم أي عرض لبدنه
ما أخرجه عن الاعتدال الخاص به فأوجب الخلل في أفعاله
ويستعمل مجازا في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كجهل
وسوء عقيدة وحسد لأنها مانعة من الفضائل مؤدية إلى زرال
الحياة الحقيقية الأبدية والمراد هنا الحقيقية: أي إذا مرض
المؤمن وكان يعمل عملا قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته
لولا المانع إدامته (أو سافر) سفرا مباحا ومنعه السفر مما
قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه وخصه بعضهم
بما فوق مسافة العدوى واعترض (كتب الله له) أي قدر أو أمر
الملك أن يكتب في اللوح المحفوظ أو الصحيفة (من الأجر مثل
ما كان) أي قدر ثواب الذي كان (يعمل) حال كونه (مقيما)
وحال كونه (صحيحا) لعذره في فوت ذلك النفل والعبد مجزي
بنيته. قال ابن تيمية: وهذه قاعدة الشريعة أن من صمم على
فعل وفعل مقدوره منه بمنزلة الفاعل فيكتب له ثوابه. قال
البلقيني وغيره: وهذا مقيد بما إذا اتفق له ذلك ولم يعتده
وبأن لا يكون سفر معصية وأن لا يكون المرض بفعله وقوله
مقيما هو ما في نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون
قالوا فهما حالان مترادفان أو متداخلان ولف ونشر غير مرتب
لأن مقيما يقابل أو مسافرا وصحيحا يقابل إذا مرض وحمله ابن
بطال على النفل فقط وتعقبه ابن المنير بأنه حجر واسعا بل
يدخل فرض شأنه أن يعمل وهو صحيح إ'ذا عجز عنه بالمرض
فالقاعد في الفرض يكتب له أجر قائم. قال ابن حجر: واعتراضه
غير جيد لأنهما لم يتوارد قال وفي الحديث رد على قول
المجموع أعذار الجمعة والجماعة تسقط الكراهة أو الإثم ولا
تحصل الفضيلة اه وحمله بعضهم على متعاطي السبب كأكل ثوم
<تنبيه> أخذ من الحديث أن الحائض والنفساء تثاب على ترك
الصلاة في زمن الحيض قياسا على المريض والمسافر ورد بالفرق
بإن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام مع أهليته
لها والحائض غير ذلك بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض بل
تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها
(حم خ) في الجهاد (عن أبي موسى) الأشعري
(1/444)
865 - (إذا مرض العبد) المؤمن (ثلاثة أيام)
ولو مرضا خفيفا كحمى يسيرة وقليل صداع على ما اقتضاه
إطلاقه لكن استبعد العراقي تكفير ذلك لجميع الصغائر (خرج
من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أي غفر له فصار لا ذنب عليه فهو
كيوم ولادته في خلوه عن الآنام وذلك أن المريض كان توسخ
وتدنست طينته والرحمة مع ذلك تكتنفه فداواه الله وشفاه بما
سلط عليه كما تداوي الأم ولدها وظاهر الخبر وما أشبهه ترتب
التكفير على مجرد المرض هبه انضم له صبر أم لا واشتراط
القرطبي حصوله منع بأنه لا دليل عليه واحتجاجه بوقوع
التقييد بالصبر في أخبار غير ناقض لأن ما يصح منها مقيد
بثواب مخصوص فيها فاعتبر فيها الصبر لحصوله ولن تجد حديثا
صحيحا ترتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار
الصبر أفاده الحافظ العراقي قال: وقد اعتبرت الأحاديث في
ذلك فتحرير لي ما ذكرته
(طس وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان في الثواب (عن
[ص:445] أنس) قال العراقي: فيه إبراهيم بن الحكم متروك.
وقال الهيتمي: حديث ضعيف جدا
(1/444)
866 - (إذا مرض العبد) المسلم (يقال)
بالبناء للمفعول والفاعل الله بواسطة أو بغيرها (لصاحب
الشمال) أي الملك الموكل بكتابة المعاصي (ارفع عنه القلم)
فلا تكتب عليه الصغائر أو ارفعه ست ساعات كما في خبر آخر
أو ارفعه عنه تخفيفا (ويقال لصاحب اليمين) كاتب الحسنات
(اكتب له) ما دام مريضا (أحسن ما كان يعمل) من العمل
الصالح (فإني أعلم به) أي أعلم بحاله وأنه لو استمر صحيحا
لم يزل على ما وظفه على نفسه من الطاعة (وأنا قيدته)
بالمرض فلا تقصير منه. قال الطيبي: معنى كتابته أنه يقدر
له من العمل ما كان يعمل صحيحا وإطلاق التكفير في هذا
الخبر وما قبله مقيد بقول الخبر الآتي: ما اجتنبت الكبائر
(ابن عساكر) في تاريخه (عن مكحول) ففيه الشام (مرسلا) أرسل
عن أبي هريرة وغيره
(1/445)
867 - (إذا مشت أمتي المطيطا) أي تبختروا
في مشيتهم عجبا واستكبارا والمطيطا بضم الميم وفتح الطاء
قال الزمخشري: ممدودة ومقصورة بمعنى التمطي وهو التبختر
ومد اليدين. وأصل التمطي من نمطط بوزان تفعل وهو المد وهي
من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر وفي الإحياء عن ابن
الأعرابي: المطيطا مشية فيها اختيال وقال القاضي: المطيطا
بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة مشية فيها تبختر ومد
اليدين من مطه أي مده وكذا التمطي (وخدمها أبناء الملوك
أبناء فارس والروم) بدل مما قبله (سلط) بالبناء للمفعول
(شرارها) أي الأمة (على خيارها) أي مكنهم الله منهم
وأغراهم بهم ونكتة حذف الفاعل لاتخفى وإنما كان ذلك سببا
للتسلط المذكور لما فيه من التكبر والعجب وما يترتب على
استخدام أبنائهم من إتيانهم في أدبارهم قالوا وذا من دلائل
نبوته فإنه إخبار عن غيب وقع فإنهم لما فتحوا بلاد فارس
والروم وأخذوا مالهم واستخدموا أولادهم سلط عليهم قتلة
عثمان فقتلوه ثم سلط بني أمية على بني هاشم ففعلوا ما
فعلوا
(ت) في الفتن (عن ابن عمر) وقال غريب وفيه زيد بن الحباب
قال في الكاشف قد وهم وموسى بن عبيد ضعفوه وعبد الله بن
دينار غير قوي رواه الطبراني عن أبي هريرة لكنه قال سلط
بعضهم على بعض. قال الهيتمي وإسناده حسن
(1/445)
868 - (إذا نادى المنادى) أي أذن المؤذن
للصلاة أية صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء)
ما دام المؤذن فالفتح كناية عن رفع الحجب وإزالة الموانع
وتلقي الدعاء بالقبول وللحديث تتمة وهي: فمن نزل به كرب أو
شدة فليتحين المنادي: أي ينتظر وقت أذانه فإذا كبر كبر
وإذا تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة
وإذا قال حي على الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول: اللهم
رب هذه الدعوة التامة الصادقة الحق المستجابة المستجاب لها
دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا
عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله
حاجته
(ع ك عن أبي أمامة) الباهلي رضي الله عنه زاد في الكبير
وتعقب
(1/445)
[ص:446] 869 - (إذا نزل الرجل بقوم) ضيفا
أو مدعوا في وليمة (فلا يصم إلا بإذنهم) أي لا يشرع ندبا
في الصوم نفلا إلا بإذنهم أو لا يتم ذلك اليوم الذي شرع
فيه إلا إن أذنوا له ففيه أنه بندب للضيف أن يفطر من النفل
ولو مؤكدا أي إن شق على المضيف أما الفرض ولو موسعا فيحرم
الخروج منه
(هـ عن عائشة) رمز لضعفه وهو كذلك فقد قال البيهقي: إسناده
مظلم
(1/446)
870 - (إذا نزل أحدكم منزلا) في سفر أو غير
ذلك لكن قرينة الارتحال الآتي يشير إلى أن الكلام في السفر
وعليه فيقاس به الحضر (فقال فيه) أي نام نصف النهار
والقائلة وقت القيلولة وقد يطلق على القيلولة (فلا يرحل)
منه (حتى يصلي) فيه (ركعتين) أي يندب له أن يودعه بذلك
لتشهد له البقاع وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
يفعل فكان لا يرتحل حتى يصلي ركعتين وظاهر الحديث أن ذلك
خاص بالنزول للقيلولة وليس مرادا بل إذا نزل منزلا في أي
وقت كان وأراد الرحيل فيودعه بركعتين
(عد عن أبي هريرة)
(1/446)
871 - (إذا نزل بكم) يا بني عبد المطلب
(كرب) أي أمر يملأ الصدر غيظا والكرب الغم الذي يأخذ
بالنفس (أو جهد) بفتح الجيم تضم مشقة (أو بلاء) أي هم تخدش
به النفوس (فقولوا) ندبا (الله الله) بفتح الهمزة وضم هاء
الجلالة مبتدأ والخبر قوله (ربنا) المحسن إلينا بصنوف
الإحسان والإنعام (لا شريك) أي لا مشارك (له) في ربوبيته
فإن ذلك يزيله بشرط الإخلاص وقوة الإيقان وتمكن الإيمان
(هب) وكذا الطبراني في الأوسط وفي الكبير (عن ابن عباس)
قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضادتي الباب ونحن
في البيت فقال: يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم إلخ رمز
لحسنه وليس كما قال إذ فيه كما قال الهيتمي: صالح بن عبد
الله أبو يحيى وهو ضعيف
(1/446)
872 - (إذا نزل أحدكم منزلا) مظنة للهوام
والحشرات ونحوها مما يؤذي (فليقل) ندبا لدفع شرها (أعوذ)
أي أعتصم (بكلمات الله) أي صفاته القائمة بذاته التي بها
ظهر الوجود بعد العدم وبها يقول للشيء كن فيكون وقيل هي
العلم لأنه أعم الصفات ذكره بعضهم وقال القاضي كلماته جميع
ما أنزله على أنبيائه لأن الجميع المضاف إلى المعارف يقتضي
العموم وقال التوربشتي: الكلمة لغة تقع على جزء من الكلام
اسما أو فعلا أو حرفا وعلى الألفاظ المنطوقة وعلى المعاني
المجموعة والكلمات هنا محمولة على أسماء الله الحسنى وكتبه
المنزلة لأن المستفاد من الكلمات هنا إنما يصح ويستقيم أن
يكون بمثلها ثم وصف الكلمات بقوله (التامات) أي التي لا
يعتريها نقص ولا خلل تنبيها على عظمها وشرفها وخلوها عن كل
نقص إذ لا شيء إلا وهو تابع لها يعرف بها فالوجود بها ظهر
وعنها وجد ذكره القاضي. وقال التوربشتي وصفها بالتمام
لخلوها عن العوائق والعوارض فإن الناس متفاوتون في كلامهم
واللهجة وأساليب القول فما منهم من أحد إلا وفوقه آخر في
معناه أو معان كثيرة ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو
خطأ أو سهو أو عجز عن المراد وأعظم النقائص المقترنة بها
أنها كامات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى أدوات ومخارج
وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق وكلمات الله تعالى
متعالية عن هذه القوادح فهي التي لا يتبعها نقص ولا
يعتريها اختلال (من شر [ص:447] ما خلق فإنه) إذا قال ذاك
مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع (لا يضره شيء)
من الهوام والمخلوقات (حتى يرتحل عنه) أي عن ذلك المنزل.
قال القرطبي: خبر صحيح وقول صادق فإني منذ سمعته عملت به
فلم يضرني شيء فتركته ليلة فلدغنتي عقرب. وقال ابن عربي:
جربته في نفسي لدغتني عقرب مرارا في وقت وكنت استعذت بذلك
فلم أجد ألما؟ لكن كان في حزامي بندقتان وكنت سمعت أن
البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان للبندق
أو للدعاء أولهما لكن تورم رجلي وبقي الورم أياما بلا ألم
<تنبيه> قال بعض العارفين: جرت عادة العامة إقامة أمر ظاهر
الدنيا يقتصرون في دفع عادية ذوات السموم على الأدوية
والبازهرات والدرياق. أما من فوقهم ممن يملك من أمر الله
ما لا يملكه هؤلاء فيتوصل لدفع المؤذين بإعداده ما هو أيسر
من ذلك فمتى عرض لأحدهم أمر اجتلب خيره واستدفع ضره بما
وراءه من الكلمات والتعويذات فنهاية الملوك إعداد درياق
يدفع السم بعد وقوع العدوى ونهاية أمر المتلطف في حكمة
الله إعداد الطلسم يدفع وقوعه ولا أنفع ولا أيسر من كلمات
تحفظ لا تتوقف على إمساك تميمة يخاف ضياعها ولا صناعة نقش
أو تصوير ولا على ارتقاب وقت وحكم طالع عساه لا يتحقق
(تتمة) في مختصر حياة الحيوان عن التورزي أن شيخا له بمكة
كان يقرأ عليه فمرت عقرب فأخذها وقتلها فسأله عن ذلك فذكر
له الحديث
(م عن خولة) بخاء معجمة (بنت حكيم) السلمية الفاضلة زرج
الرجل الصالح عثمان بن مظعون
(1/446)
873 - (إذا نسي أحدكم) أن يذكر (اسم الله
على طعامه) أي جنس أكله (فليقل) ندبا (إذا ذكر) وهو في
أثنائه (بسم الله أوله وآخره) فإن الشيطان يقيء ما أكله
كما في خبر وإذا طلب ذلك عند السهو فالعمد أولى أما بعد
فراغه فلا يسن الإتيان بها على ما عليه جمع شافعية وذهب
بعضهم إلى أنه يقوله مطلقا
(ع عن امرأة) من الصحابة قالت: أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بوظبة فأخذها أعرابي بثلاث لقم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أما إنه لو قال بسم الله لوسعكم ثم
ذكره قال الهيتمي: ورجاله ثقات. وبه يعرف أن المصنف قصر
حيث رمز لحسنه ورواه الطبراني في الأوسط بزيادة فائدة
عزيزة ولفظه أن يذكر الله في أول طعامه وليقل حين يذكر بسم
الله في أوله وآخره وليقرأ قل هو الله أحد. قال العراقي
إسناده ضعيف
(1/447)
874 - (إذا نصر القوم) أي أعان القوم أو
الرجل فحذف المفعول للعلم به (بسلاحهم وأنفسهم) بأن بذلوها
في مناصرتهم (فألسنتهم أحق) أن ينصروا بها فإن ذينك أشق
فمن رضي بالأشد فهو بما دونه أرضى
(ابن سعد) في طبقاته (عن ابن عوف عن محمد مرسلا)
(1/447)
875 - (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه)
بالبناء للمفعول والضمير المجرور عائد على أحد (في المال
والخلق) بفتح الخاء الصورة. والمراد به ما يتعلق بالدنيا
من مال وولد وزينة وغيرها قال ابن حجر: ورأيت في نسخة
معتمدة من الغرائب للدارقطني: الخلق بضم الدال والخاء
واللام (فانظر إلى من هو من أسفل منه) أي دونه فيهما وفي
رواية إلى من تحته. لأنه إذا نظر إلى من فوقه استصغر ما
عنده وحرض على المزيد فيداويه النظر إلى من دونه فيرضى
فيشكر ويقل حرصه إذ الإنسان حسود بطبعه فإذا ما قاده طبعه
للنظر إلى أعلى حملته نفسه على الكفران والسخط [ص:448]
فاذا رد النفس إلى النظر للدون حمله حبه للنعمة على الرضى
والشكر. قال الغزالي: والشيطان أبدا يصرف وجهه بنظره إلى
من فوقه في الدنيا فيقول: لم تفتر عن الطلب وذوو المال
يتنعمون؟ ويصرف نظره في الدين إلى من دونه فيقول: ولم تضيق
على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخافه والناس
كلهم مشغولون بالنعم فلا تتميز عنهم بالشقاء؟ فعلى المكلف
مجاهدة اللعين ورده
(حم ق عن أبي هريرة)
(1/447)
876 - (إذا نظر الوالد إلى ولده نظرة)
واحدة (كان للولد) المنظور إليه (عدل) بكسر العين وفتحها
أي مثل (عتق نسمة) أي عتق ذي نسمة وهي النفس: يعني إذا نظر
الوالد لولده نظر رضى عنه لفعله المأمور به وتجنبه المنهي
عنه وبره لأبويه وتجافيه وتباعده عن عقوقهما كان للولد من
الثواب ما لو أعتق رقبة لجمعه بين رضى مولاه وإدخال السرور
على أبيه بإرادته إياه قائما بالطاعة بارا له حسب
الاستطاعة وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك
بل بقيته قيل يا رسول الله وإن نظر ثنتين وثلاثة ومئة
نظرة؟ قال: الله أكبر من ذلك اه
(طب) وكذا في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان (عن ابن
عباس) قال ولا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا
الإسناد. قال الهيتمي: وإسناده حسن وفيه إبراهيم بن أعين
وثقه ابن حبان وضعفه غيره وقال شيخه العراقي فيه إبراهيم
بن أعين وهم ثلاثة فليحرر من هذا منهم
(1/448)
877 - (إذا نعس أحدكم) بفتح العين وغلط من
ضمها (وهو يصلي) فرضا أو نفلا (فليرقد) وفي رواية فلينم
وفي أخرى فليضطجع والنعاس أول النوم والرقاد بالضم
المستطاب من النوم ذكره الراغب (حتى يذهب عنه النوم) وهو
غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن المعرفة بالأشياء
والأمر للندب لا للوجوب لأن النعاس إذا اشتد انقطعت الصلاة
فلا يحتاج لوجوب قطع بحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي
العراقي مخالفا لأبيه في تفصيله بين شدة النعاس وخفته (فإن
أحدكم إذا صلى وهو ناعس) أي في أوائل النوم (لا يدري) أي
لا يدرك ما يفعل فحذف المفعول للعلم به ثم استأنف قوله
(لعله يذهب يستغفر) برفعهما أي يقصد أن يستغفر لنفسه كأن
يريد أن يقول اللهم اغفر لي (فيسب) بالنصب جوابا لقوله
لعله (نفسه) أي يدعو عليها كأن يقول: اعفر لي: بعين مهملة
والعفر التراب فالمراد بالسب: قلب الدعاء لا الشتم إذ لا
مجال له هنا وعلل الأمر بالرقاد هنا بما ذكر وقال في الخبر
المار: فلم يدر ما يقول والقدر المشترك بين العلتين خوف
التخليط فيما يقول أو يفعله والأمر في القراءة أشد لعظم
المفسدة في تغيير القرآن قال الزين العراقي: وإنما أوخذ
بما لم ينطق به أو بدعاءه على نفسه وهو ناعس لأن من عرض
نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه
لعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء
لنفسه وبفواته يفوت المقصود وإنما أمر بإبطال الصلاة بعد
الشروع فيها عند طرو النعاس فعدم الدخول فيها أولى وقال
ولده: دل الحديث على أن من لا يعلم ما يقول لا يدخل في
الصلاة فمراده غلبة النوم إلى ذلك فهو منهي عن الدخول فيها
وعن إتمامها بعد الشروع حتى يعلم ما يقول اه وعلم مما تقرر
أن القصد أن لا تؤدى الصلاة مع تشاغل عنها أو حائل بينه
وبين الاهتمام بها لكن لما كان النعاس أغلب وقوعا عبر به
(مالك) في الموطأ
(ق د ت هـ عن عائشة)
(1/448)
878 - (إذا نعس) بفتحتين (أحدكم) زاد في
رواية الترمذي: يوم الجمعة (وهو في المسجد) أو نحوه مما
تقام فيه الجمعة (فليتحول) ندبا (من مجلسه) أي محل جلوسه
وذلك إلى غيره يعني ينتقل منه إلى غيره لأن الحركة تذهب
الفتور [ص:449] الموجب للنوم فإن لم يكن في الصف محل يتحول
له قام وجلس قال في الأم ولو ثبت في مجلسه وتحفظ من النعاس
لم أكرهه والتحول الانتقال من موضع لآخر وهذا عام في جميع
الأيام وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مكث
المبكر بل أجراه بعضهم في كل من قعد ينتظر عبادة في أي يوم
كان وفيه وما قبله حث على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع
وفراغ قلب وتعقل لما يقرأه أو يدعو به والمحافظة على
الإتيان بالأركان والسنن والآداب
(د ت عن ابن عمر) قال الترمذي حسن صحيح ورواه الحاكم وقال
على شرط مسلم
(1/448)
879 - (إذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفئوا)
أخمدوا واسكتوا (المصباح) السراج (فإن الفأرة) بالهمز
وتركه (تأخذ الفتيلة) تجرها من السراج (فتحرق) بضم الفوقية
وسكون المهملة (أهل البيت) أي المحل الذي به السراج وعبر
بالبيت لأنه الغالب (وأغلقوا الأبواب) فإن الشيطان لا يفتح
بابا مغلقا (وأوكؤ الأسقية) اربطوا أفواه القرب (وخمروا
الشراب) غطوا الماء وغيره من المائعات ولو بعرض عود كما
مر. قال ابن دقيق العيد كالنووي: وقضية العلة أن السراج لو
لم تصل إليه الفأرة لا يكره بقاؤه وقد يجب الإطفاء لعارض.
قال ابن حجر: وكذا لو كان على منارة من نحو نحاس أملس لا
يمكن الفأرة صعودها لكن قد يتعلق به مفسدة أخرى غير جر
الفتيلة كسقوط شرره على بعض متاع البيت فإن أمن زال المنع
لزوال العلة. قال ابن دقيق العيد: وهذه الأوامر لا يحملها
الأكثر على الوجوب ومذهب الظاهرية أولى بالالتزام به لأنهم
لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات وهذه الأوامر تتنوع
بحب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل
حال ومنها ما يحمل على الإرشاد والندب كغلق الباب لتعليله
بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقأ إذ الاحتراز من مخالطته
مندوب وإن كان تحته مصالح دنيوية وكذا ربط السقاء وتخمير
الإناء
(طب ك) وكذا أحمد (عن عبد الله بن سرجس قال جاءت فأرة فجرت
الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على
الخمرة فأحرقت مثل الدرهم فذكره قال الهيتمي: رجال أحمد
والطبراني رجال الصحيح
(1/449)
880 - (إذا نهق الحمار) أي علمتم بنهيقه
بسماع أو خبر (فتعوذوا) ندبا (بالله) أي اعتصموا به (من
الشيطان الرجيم) فإنه رأى شيطانا كما جاء تعليله في عدة
أخبار من بعضها وفي مكارم الأخلاق للخرائطي عن الحسن أنه
كان يقول عند نهيقه: بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم
(طب عن صهيب) بضم المهملة وبفتح الهاء وسكون التحتية: ابن
سنان النميري الرومي. قال الهيتمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن
طلحة متروك
(1/449)
881 - (إذا نودي للصلاة) أي أذن مؤذن بأي
صلاة كانت (فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) قال
الحليمي: معناه أن الله يستجيب للذين يسمعون النداء للصلاة
فيأتونها ويقيمونها كما أمروا به إذا دعوه ويسألون ليكون
إجابته إياهم إلى ما سألوه ثوابا عاجلا - لمسارعتهم لما
أمرهم به. اه. والدعاء أيضا عند ختمه مستجاب لخبر أبي داود
وغيره أن رجلا قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال
قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه
(الطيالسي) أبو داود (تخ والضياء) المقدسي (عن أنس) وفيه
سهل بن زياد. قال في اللسان كأصله تكلم فيه ولم يترك
(1/449)
[ص:450] 882 - (إذا هممت بأمر) أي عزمت على
فعل شيء لاتدري وجه الصواب فيه (فاستخر ربك) اطلب منه
التوفيق والهداية إلى إصابة خير الأمرين (فيه) ندبا بعد أن
تتوب وتفرغ قلبك من الشواغل الدنيوية والهواجس النفسانية
فأعد الاستخارة (سبع مرات ثم انظر) أي تدبر وتأمل (إلى)
الشيء (الذي يسبق إلى قلبك) من فعل أو ترك (فإن الخيرة)
بكسر المعجمة (فيه) فلا تعدل عنه والاستخارة طلب الخير
يقال استخار الله العبد فخار أي طلب منه الخير فأولاه
والخيرة الحالة التي تحصل للمستخير وأضاف الاستخارة إلى
الرب دون غيره من الصفات إشارة إلى أنه المربي له الفاعل
به ما يصلحه يقال: رب الأمر أصلحه وساسه وقام بتدبيره ومن
ثم لا يطلق معروفا إلا على الله المتكفل بمصلحة الموجودات
بأسرها قال النووي: وفيه أنه يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح
له صدره لكنه لا يفعل ما ينشرح له صدره مما كان له فيه هوى
قبل الاستخارة والأكمل الاستخارة عقب صلاة ركعتين بنيتها
ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء
(ابن السني في عمل يوم وليلة فر عن أنس) وفيه إبراهيم بن
البراء قال الذهبي في الضعفاء: اتهموه بالوضع عن أبيه وهو
ضعيف. وقال النووي في الأذكار: إسناده غريب فيه من لم
أعرفهم. وقال ابن حجر في الفتح بعد عزوه لابن السني هذا
الحديث لو ثبت كان هو المعتمد لكن إسناده واه جدا
(1/450)
883 - (إذا وجد أحدكم ألما) أي وجعا في عضو
ظاهر أو باطن (فليضع يده) ندبا والأولى كونها اليمين (حيث
يجد ألمه) أي في المكان الذي يحس بالوجع فيه (وليقل)
باللفظ ندبا (سبع مرات) أي متواليات كما يفيده السياق
(أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء) ومنه هذا الألم (من شر
ما أجد) زاد في روابة مرت وأحاذر وفيها أنه يرفع يده في كل
مرة ثم يعيدها فيحمل المطلق على المقيد. وفي بعض الروايات
ذكر التسمية مقدمة على الاستعاذة وورد في حديث آخر ما يدل
على أنه يفعل مثل هذا بغيره أيضا
(حم طب عن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي أحد الثلاثة الذين
خلفوا شهد العقبة وكان من شعراء المصطفى صلى الله عليه
وسلم قال الهيتمي فيه أبو معشر محتج به وقد وثق على أن
جمعا كثيرا ضعفوه وتوثيقه بين وبقية رجاله ثقات انتهى ومن
ثم رمز لحسنه
(1/450)
884 - (إذا وجد أحدكم لأخيه) في الدين ونص
عليه اهتماما بشأنه لا لإخراج غيره فالذمي كذلك (نصحا)
بالضم قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ
للمنصوح مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبه فعل الناصح
بما يتحراه من صلاح المنصوح بما يسده من خلل الثوب وقيل من
نصح العسل صفاه شبهوا تخليصه القول من الغش بتخليص العسل
من الخلط (في نفسه) أي حاك في صدره كذلك (فليذكره له)
وجوبا فإن كتمه عنه فقد غشه وخانه فالنصيحة فرض كفاية على
الجماعة وعين على الواحد وهي لازمة بقدر الطاقة إذا علم
الناصح أن المنصوح يقبل وأمن على نفسه وماله قال بعضهم
وإنما يكون الرجل ناصحا لغيره إذا بدأ بنصح نفسه واجتهد في
معرفة ما يجب له وعليه ليعرف كيف ينصح
(عد عن أبي هريرة) وفيه إبراهيم بن أبي ثابت واه قال مخرجه
ابن عدي وعامة أحاديثه مناكير وفي اللسان عن ابن حبان هو
الذي يقال له ابن أبي ثابت تفرد بأشياء لا تعرف حتى خرج عن
حد الاحتجاج به وبه يعرف أن المؤلف لم يصب حيث عزى الحديث
لمخرجه وحذف من كلامه بيان القادح
(1/450)
[ص:451] 885 - (إذا وجد أحدكم عقربا وهو
يصلي فليقتلها بنعله اليسرى) ولا تبطل صلاته به لأنه فعل
واحد وهي إنما تبطل بثلاثة أفعال متوالية. كذا قرروه.
وظاهره أن الخطاب للمصلي في نعليه ومثلهما الخفاف فإن صلى
بغير نعل ولا خف فيحتمل أن يقال يأخذ نعله بيده اليسرى
فيقتلها بضربة واحدة وذلك فعل لا ثلاثة. وقضية الحديث أنه
لو قتلها بنعله اليمنى لا يكون آتيا بالمأمور ولعله غير
مراد. والظاهر حصول الامتثال بقتلها باليمنى والنص على
اليسرى للأولوية ولو لم يمكن قتلها إلا بثلاثة متوالية فهل
بقتلها وإن بطلت الصلاة؟ يحتمل أن يقال نعم تقديما لدرء
مفسدتها على مصلحة الصلاة سيما إن اتسع الوقت ويحتمل إلحاق
الحية التي يمكن قتلها بضربة من غير لحوق ضرر كالعقرب بل
أولى لأن قتلها آكد من قتل العقرب
(د في مراسيله) من حديث سليمان بن موسى (عن رجل من
الصحابة) من بني عدي بن كعب. رمز المصنف لضعفه وهو غفلة عن
قول علم الحفاظ ابن حجر رجاله ثقات لكنه منقطع
(1/451)
886 - (إذا وجدت القملة) أو نحوها كبرغوث
(في المسجد) حال من الفاعل: أي وجدتها في شيء من ملبوسك
كثوبك (فلفها في ثوبك) ونحوه كطرف ردائك أو عمامتك أو
منديلك (حتى تخرج منه) فألقها حينئذ خارجة فإن إلقاءها فيه
حرام. وبهذا أخذ بعضهم وصرح به من الشافعية القمولي في
جواهره لكن مفهوم قول النووي بحرم إلقاءها فيه مقتولة أنه
لا يحرم وفصل بعض المالكية فقال يجوز إلقاء البراغيث لا
القمل فإن البرغوث يأكل التراب بخلافها والحديث متكفل برد
تفصيله إذا لو كان كذلك لما خص بالمسجد إذ على ما يزعمه
هذا المفصل بحرم طرحه في المسجد وغيره أما إلقاؤها فيه
ميتة فحرام شديد التحريم. وظاهر قوله في الخبر فلفها في
ثوبك حتى تخرج أنه لا يكلف الخروج لإلقائها خارجة فورا لكن
قد يقال إن فيه تعذيبا لها فإما أن يخرج فورا لطرحها أو
يقتلها ويلفها مقتولة حتى يخرج لجواز قتلها فيه بشرط أمن
التلويث
(طب عن رجل من بني خطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة بطن
من الأنصار ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي
(1/451)
887 - (إذا وسد) بالتشديد وفي رواية في
البخاري للقابسي أوسد بهمزة مضمومة أوله وفي رواية له إذا
أسند (الأمر) أي فوض الحكم المتعلق بالدين كالخلافة
ومتعلقاتها من إمارة وقضاء وإفتاء وتدريس وغير ذلك (إلى
غير أهله) أي إلى من ليس له بأهل. والمعنى إذا سود وشرف من
لا يستحق السيادة والشرف أو هو من الوسادة: أي إذا وجدت
وسادة الأمر والنهي لغير مستحقها وكان شأن الأمير عندهم
إذا جلس أن يثني تحته وسادة فإلى بمعنى اللام وعبر بها
ليدل على تضمين معنى أسند (فانتظروا الساعة) لأنه قد جاء
أشراطها. والفاء للتفريع أو جواب الشرط. والتوسيد في الأصل
أن يجعل للرجل وسادة ثم استعمل في تفويض الأمر وإسناده إلى
غيره وإنما دل على دنو الساعة لإفضاءه إلى اختلال الأمر
والنهي ووهن الدين وضعف الإسلام وغلبة الجهل ورفع العلم
وعجز أهل الحق عن القيام به ونصرته. وللساعة أشراط كثيرة
كبار وصغار وهذا منها
(خ) في العلم والرقائق وغيرهما (عن أبي هريرة) قال بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاء أعرابي فقال
متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال
بعضهم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا
قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة فقال هذا يارسول الله
فقال إذا ضيعت (قوله ضيعت: بضم الضاد وتشديد الياء
المكسورة فعل ماض مبني للمفعول: أي إذا ضيعت الأمة
الأمانة) الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها؟ قال:
فذكره
(1/451)
[ص:452] 888 - (إذا وضع السيف) أي المقاتلة
(في أمتي) أمة الإجابة (لم يرفع عنها) وفي رواية عنهم (إلى
يوم القيامة) أي تسلسل فيهم وإن قل أحيانا أو كان في بعض
الجهات دون بعض وذلك إجابة لدعوته أن يجعل بأسهم بينهم وأن
لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم. قال ابن العربي: وكانت هذه
الأمة معصومة منه مدة من صدر زمانها مسدودا عنها باب
الفتنة حتى فتحت بقتل إمامها عثمان فكان أول وضع السيف
(ت) في الفتن (عن ثوبان) بفتح المثلثة مولى المصطفى صلى
الله عليه وسلم وقال صحيح اه. وتبعه المصنف رحمه الله فرمز
لصحته ورواه أبو داود وابن ماجه مطولا وأحمد والبزاز وقال
الهيتمي ورجاله رجال الصحيح
(1/452)
889 - (إذا وضع الطعام) بين أيديكم: أي قرب
إليكم لتأكلوه (فاخلعوا نعالكم) أي انزعوا ما في أرجلكم
مما وقيت به الدم كمداس وتاسومة ونحو ذلك (فإنه) أي النزع
(أروح) أكثر راحة (لأقدامكم) فيه إشارة إلى أن الأمر
إرشادي لمصلحة تعود على القدم. ويتردد النظر في الخف
والظاهر أنه لا يلحق به (الدرامي) في مسنده
(ك عن أنس) وله شواهد كثيرة
(1/452)
890 - (إذا وضع الطعام) بين أيدي الآكلين
(فليبدأ) ندبا في الأكل (أمير القوم) لأن التقدم عليه ربما
أورث فتنة وهو سوء أدب (أو صاحب الطعام) أي فإن لم يكن ثم
أمير فليبدأ صاحب الطعام لأنه المالك فلا يتقدم عليه غيره
في ملكه (أو خير القوم) أي فإن لم يحضر المالك أو حضر ولم
يأكل لعذر فالأولى أن يبدأ أكثرهم علما وصلاحا فإن لم يكن
فأرأسهم
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي إدريس الخولاني) السيد
الجليل العابد الزاهد ذي الكرامات والخوارق (مرسلا) أرسل
عن عدة من الصحابة
(1/452)
891 - (إذا وضع الطعام فخذوا) أي تناولوا
الأكل ندبا (من حافته) أي من جانب القصعة (وذروا وسطه) أي
اتركوه ولا تأكلوا منه أولا (فإن البركة) أي الخير الإلهي
والنمو تنزل في وسطه ثم تسري. قال الخطابي: يحتمل إطلاق
النهي واختصاصه بمن أكل مع غيره لأن أفضل الطعام وأطيبه
وجهه وإذا قصده بالأكل استأثر به. وهو ترك أدب وسوء عشرة.
وأخذ بقضية الإطلاق في الإحياء فعد من آداب الأكل أن لا
يأكل من ذروة القصعة ولا يأكل من وسط الطعام مطلقا
(عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته
(1/452)
892 - (إذا وضعت جنبك) أي شقك (على الفراش)
لتنام ليلا وكذا نهارا لكن الليل آكد (وقرأت فاتحة الكتاب)
أي سورة الفاتحة (وقل هو الله أحد) أي سورتها (فقد أمنت)
في نومك تلك الليلة (من كل شيء) يؤذيك (إلا الموت) فإن أجل
الله إذا جاء لا يؤخر وهذا إذا قرأهما بحضور وجمع همة
وصفاء قلب وقوة يقين بتصديق الرسول فيما يفعل [ص:453]
ويقول وإلا فهيهات هيهات
(البزار) في مسنده (عن أنس) قال الهيتمي فيه عسال بن عبيد
وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح
(1/452)
893 - (إذا وضعتم موتاكم) أيها المسلمون
(في القبور) وفي رواية في قبورهم (فقولوا) ندبا أي ليقل من
يضجعه في لحده حال إلحاده ويحتمل أن غيره يقول ذلك أيضا
لخبر البزار: إذا بلغت الجنازة وجلس الناس فلا تجلس ولكن
ولكن قم على شفير قبره فإذا دلى في قبره فقل (بسم الله)
ظاهره فقط فلا يزيد: الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد الآية
بتمامها وهو الأقرب لكمال مناسبة ذكر الرحمة في ذلك المقام
(وعلى ملة) وفي رواية بدله وعلى سنة (رسول الله) أي أضعه
ليكون اسم الله وسنة رسوله زادا له وعدة يلقى بها الفتانين
ونقل النووي عن النص أنه يندب بعد ذلك أن يقول من يدخله
القبر: اللهم سلمه إليك الأشحاء من أهله وولده وقرابته
وإخوانه وفارق من يحب قربه وخرج من سعة الدنيا إلى ظلمة
القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول إلخ. قال في المطامح:
والتزاحم على النعش والميت بدعة مكروهة وكان الحسن إذا
رآهم يزدحمون عليه يقول: إخوان الشياطين
(حم حب طب ك هق عن ابن عمر) قال الحاكم على شرطهما وقد
وقفه شعبة اه. وصنيع المؤلف يشعر بأنه لم يخرجه أحد من
الستة والأمر بخلافه فقد خرجه النسائي وقد مر عن مغلطاي
وغيره أنه ليس لحديثي عزو حديث فيها لغيرها إلا لزيادة
فائدة ثم هو حديث معلول
قال الحافظ ابن حجر أعل بالوقف وتفرد برفعه همام عن قتادة
عن أبي الصديق عن ابن عمر ووقفه سعيد وهشام ورجح الدارقطني
وقفه وغيره رفعه
(1/453)
894 - (إذا وعد) من الوعد قال الحراني وهو
العهد بالخير (الرجل) يعني الإنسان (أخاه) في الدين بأن
يفعل له شيئا يسوغ شرعا (ومن نيته أن يفيء) قال الأشرفي:
هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الإنسان عليها وإن
تخلف عنها المنوي (فلم) يف له (ولم يجيء) لعذر منعه من
المجيء (للميعاد) أي لمكان الوعد ليفي له بما عاهده عليه.
والواو بمعنى أو: أي وعده يوما بشيء أو بأن يحضر بمكان
(فلا إثم عليه) لعذره ولفظ الترمذي فلا جناح عليه أما لو
تخلف عن الوفاء بغير عذر فهو ملام بل التزم بعض الأئمة
تأثيمه لمفهوم هذا الحديث ولأن الوفاء بالوعد مأمور به في
جميع الأديان وحافظ عليه الرسل المتقدمون والسلف الصالحون
وأثنى الله تعالى على خليله في التنزيل بقوله {وإبراهيم
الذي وفى} ومدح ابنه إسماعيل بقوله {كان صادق الوعد} لكن
أبو حنيفة والشافعي على أن الوفاء مستحب لا واجب ويؤول هذا
الخبر بأنه لا يأثم حيث كان الوفاء بالوعد لازما له لذاته
لا للوعد ومنعه عذر قال في شرح الرعاية: والوعد الذي هو
محل الخلاف كل ما يدخل الشخص فيه بسبب مواعدتك في مضرة أو
كلفة ومنه ما لو تكلف طعاما وجلس ينتظر موعدك. اه
(د) في الأدب (ت) في الإيمان (عن زيد بن أرقم) وقال غريب
وليس سنده بالقوي. قال الذهبي في المهذب وفيه أبو نعمان
مجهول كشيخه أبي الوقاص وقال المناوي: اشتمل سنده على
مجهولين
(1/453)
895 - (إذا وقع) أي سقط (الذباب) بذال
معجمة واحده ذبابة (في شراب أحدكم) ماءا أو غيره من
المائعات وفي رواية ابن ماجه: إذا وقع في الطعام وفي أخرى:
وقع في إناء أحدكم والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب
[ص:454] (فليغمسه) وفي رواية فليمقله زاد الطبراني: كله
وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه. والأمر
إرشادي لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) وفي رواية
البخاري: لينزعه - بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني:
ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات: أنه يغمس ثلاثا مع قول
بسم الله (فإن في إحدى) بكسر الهمزة وسكون الحاء (جناحيه)
وهو الأيسر على ما قيل وإنما قال إحدى: لأن الجناح يذكر
ويؤنث لقولهم في جمعه أجنحة وأجنح فأجنح جمع المذكر وأجنحة
جمع المؤنث (داء) أي قوة سمية يدل عليها الورم. والحكة
العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شيء تلقاه
بها. قال الزركشي: وداء منصوب اسم إن (وفي الأخرى) بضم
الهمزة قيل وهي اليمنى وفي رواية: الآخر بالتذكير (شفاء)
(1) حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر
من الشفاء؟ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء
الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها
فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازا كما وقع
للبعض حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق
وتقويم الطباع بإخراج فاسدها وتبقية صالحها. قال
التوربشتي: ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء
فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد
ونظائر منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها
السم الناقع. والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك
بجرمها. وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما
ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب
منه. فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع
القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى
ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا
تنبت وهي صحيحة. فتبارك الله
وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له
سائلة فيه إذ غمسه يفضي لموته. فلو نجسه لم يأمر به لكن
شرطه ألا يغير ولا يطرح وبهذا أخذ الشافعي ونوزع بأن المقل
لا يوجب الموت فهو للمنع عن العيافة فإن سلم فإلحاق كل
مالا نفس له سائلة به باطل إذ قد لا يعم وجوده ورد الأول
بأن المقل سبب للموت فلو نجس لم يأمر به إذ مظنة النجاسة
كالنجاسة والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن فيطرد في
كل ما اتصف به
(خ هـ عن أبي هريرة)
_________
(1) [ (والأمر للندب كما ذكره في شرح الحديث 5941
وقد أثبت ذلك الطب الحديث بدون أدنى شك واختصاره أن في
إحدى جناحيه نوع من الجراثيم وفي الآخر مضادات حيوية
antibiotics.
وسمعت في دار الحديث النبوي الشريف بدمشق الأستاذ الشيخ
رفيق السباعي رحمه الله يروي قصة أحد المسلمين في ألمانيا
سأله أستاذه في علم الكيمياء عن وجود هذا الحديث فقال نعم.
فقال أستاذه أن الأمر سهل وأنه يمكن التأكد من صحة الحديث
علميا. وبعد التجارب اكتشف الأستاذ صحة الحديث فأرسل
لجامعة الأزهر بمصر للتأكد من ورود الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم. وعندما أتاه الخبر منهم بالإيجاب أعلن
إسلامه. عرفان الرباط دار الحديث) ]
(1/453)
896 - (إذا وقعت في ورطة) أي بلية يعسر
الخروج منها وأصل الورطة: الهلاك ثم استعمل في كل شدة وأمر
شاق أي إذا وقعت في شدة وأردت الخلاص منها (فقل) عند ذلك
ندبا (بسم الله الرحمن الرحيم) أستعين على التخلص من ذلك
(ولاحول ولا قوة إلا بالله) قال الأكمل: الحول الحركة أي
لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله وقيل معناه لا حول في
دفع الشر ولا استطاعة في جلب الخير إلا بالله
ويعبر أهل اللغة عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة (العلي)
الذي لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته (العظيم) عظمة تتقاصر
عنها الأفهام لما غلب عليها من الأوهام. قال الحراني ونظم
الاسمين هكذا دال على أنه أريد بالعظم علو الرتبة وبعد
المنازل عن إدراك العقول (فإن الله تعالى يصرف ما شاء من
أنواع البلاء) إن تلفظ بها بصدق وقوة إيقان بما أخبر به
الشارع من المضار والمنافع (ابن السني في عمل يوم وليلة عن
علي) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي:
ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة قلتها؟ قلت بلى جعلني
الله فداءك. فذكره
(1/454)
897 - (إذا وقعتم في الأمر العظيم) أي
الصعب المهول (فقولوا) ندبا عند ذلك (حسبنا الله) أي
كافينا (ونعم الوكيل) الموكل [ص:455] إليه لأن فيه رفضا
للأسباب واستغناء بمسببها ومن اكتفى به لم يخيبه بل يكشف
همه ويزيل غمه. ولو أن أحدا التجأ إلى ملك من ملوك الدنيا
لهابه طالبه وكف عنه إعظاما للملتجيء إليه فكيف بمن يحتسب
برب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين؟ ولا تدافع بين
هذا وما قبله لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يختلف
جوابه باختلاف السائلين والمخاطبين فيجيب كل واحد بما
يناسبه
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بسند ضعيف
(1/454)
898 - (إذا وقع في الرجل) بالبناء للمفعول
والرجل غالبي: أي سب واغتيب (وأنت في ملأ) أي جماعة فيهم
من وقع فيه وخص الوقوع في الملأ لأهمية الرد لا لإخراج
غيره فلو كان مع واحد فكذلك (فكن للرجل ناصرا) أي مقويا
مؤيدا رادا عليهم ما قالوه (وللقوم زاجرا) أي مانعا عن
الوقيعة فيه (وقم عنهم) أي انصرف عن المحل الذي هم فيه إن
لم ينتهوا عن ذلك المنكر فإن المقر على الغيبة بمنزلة
الفاعل وقد ينزل عليهم سخط فيصيبك قال الغزالي: جوارحك
عندك أمانة. فاحذر أن تصغي بها إلى خوض في باطل أو ذكر
مساوىء الناس فإنما جعلت لك لتسمع بها كلام الله ورسوله
وحكمه فإذا أصغيت بها إلى المكاره صار ما كان لك عليك
(ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أنس)
(1/455)
899 - (إذا ولى) بفتح فكسر وفي رواية إذا
كفن (أحدكم أخاه) في الدين أي تولى أمره وتجهيزه. وكل من
تولى أمر واحد فهو وليه كما في الصحاح (فليحسن كفنه)
بالتشديد وضبطه الأكثر بفتح الفاء وفي الديباج أنه الأشهر
وحكىعياض سكونها: أي فعل التكفين منه إسباغ وعموم وتحسين
وتعطير ونحوها وليس المراد المغالاة في ثمنه فإنه مكروه
(حم م د ن عن جابر ت هـ عن أبي قتادة)
(1/455)
900 - (إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه)
بأن يختار له من الثياب أنظفها وأسبغها. قال التوربشتي:
وما يؤثره المبذرون من الثياب الرفيعة منهي عنه بأصل الشرع
لإضاعة المال (فانهم) أي الموتى على حد {حتى توارت
بالحجاب} (يبعثون من قبورهم في أكفانهم) التي يكفنون عند
موتهم فيها
ولا ينافضه حشرهم عراة لأنهم يقومون من قبورهم بثيابهم ثم
يجردون (ويتزاورون) في القبور (في أكفانهم) التي يكفنون
عند موتهم فيها ولا ينافيه قول الصديق: الكفن إنما هو
للصديد لأنه كذلك في رؤيتنا لا في نفس الأمر ولا خبر:
لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا - لاختلاف أحوال الموتى
فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه ومنهم من لم يبلغ ذلك
فيستمر في كفنه ويتزاور فيه في البرزخ. وفيه رد على ابن
الحاج حيث قبح قول الناس: الموتى يتفاخرون في أكفانهم في
القبور وحسنها وجعله من البدع الشنيعة (سموية) في فوائده
(عق خط) في ترجمة سعيد العطار (عن أنس) ظاهر صنيعه أن
الخطيب لم يخرجه إلا من حديث أنس ولا كذلك بل خرجه من
حديثه ومن حديث جابر في موضع واحد وحديث جابر قال في
اللسان عن العقيلي إسناده صالح بخلاف حديث أنس فاقتصر على
المعلول وحذف المقبول (الحارث) ابن أبي أسامة عن روح عن
زكريا عن أبي الزبير (عن جابر) وروح قال الذهبي وغيره
متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع ونازعه المؤلف على
عاداته
(1/455)
901 - (اذبحوا لله) أي اذبحوا الحيوان الذي
يحل أكله إن شئتم واجعلوا الذبح لله (في أي شهر كان) رجبا
أو غيره (وبروا) [ص:456] بفتح الموحدة وشد الراء أي تعبدوا
(لله وأطعموا) بهمزة قطع أي الفقراء وغيرهم كان الرجل منهم
إذا بلغت إبله مئة نحر بكرا في رجب لصنمه يسمونه الفرع
فنهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الذبح للصنم وأمر
بالذبح لله والصحيح عند الإمام الشافعي ندب الفرع والعتيرة
وهي ما يذبح في رجب وخبر: ولا فرع ولا عتيرة: المراد به
الوجوب أو نفي ما يذبح للصنم أما تفرقة اللحم للفقراء فبر
وصدقة في أي وقت كان
(د ن ك عن نبيشة) بنون مضمومة وشين معجمة مصغر كما في
التقريب وكذلك ضبطه المؤلف وهو ابن عبد الله الهذلي ويقال
له الخير نبيشة سماه بذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
صحابي قليل الحديث قال قيل يا رسول الله إنا كنا نعتر
عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ فذكره. قال الحاكم
صحيح فقال الذهبي - مستدركا عليه - بل له علته
(1/455)
902 - (اذكر الله) بالقلب فكرا وباللسان
ذكرا بأن تقول لا إله إلا الله مع الإخلاص والذكر ثلاث نفي
وإثبات بغير نفي وإشارة بغير تعرض لنفي ولا إثبات. فالأول
قول لا إله إلا الله والذكر به قوام كل جسد وموافق لمزاج
كل أحد الثاني ذكر اسمه الشريف الجامع وهو الله اسم جلال
محرق ليس كل أحد يطيق الذكر به
والثالث ذكر الإشارة وهو: هو فدوام ذكر لاإله إلا الله سبب
لليقظة من الغفلة وذكر اسم الله سبب للخروج عن اليقظة في
الذكر إلى وجود الحضور مع المذكور وذكر هو هو سبب للخروج
عن سوى المذكور اه وقال الفخر الرازي قال الأكثرون الأولى
أن يكون الذكر في الابتداء قول لا إله إلا الله وفي
الانتهاء الاختصار وفضل بعضهم الأول مطلقا لأن عالم القلب
مشحون بغير الله فلابد من كلمة النفي لنفي الأغيار فإذا
خلا موضع منبر التوحيد ليجلس عليه سلطان المعرفة وبعضهم
الثاني مطلقا لأنه حين ذكر النفي قد لا يجد مهملة توصله
إلى الإثبات فيبقى في النفي غير منتقل إلى الإقرار (فإنه)
أي الذكر أو الله (عون لك على ما تطلب) أي لأنه مساعد لك
على تحصيل مطلوبك لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو
من فاسق فإذا ذكره ثم دعاه أعطاه ما تمناه ولهذا قال بعض
الصوفية: الإعراض عن الذكر يشوش الرزق ويضيق المعيشة وأخرج
ابن عساكر أن أبا مسلم الخولاني كان يكثر الذكر فرآه رجل
فقال مجنون صاحبكم هذا فسمعه. فقال ليس هذا بجنون يا ابن
أخي هذا دواء الجنون
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عطاء ابن أبي مسلم مرسلا) هو
الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة أرسل عن مثل معاذ بن
جبل
(1/456)
903 - (اذكروا الله ذكرا) كثيرا جدا (حتى
يقول المنافقون إنكم تراءون) بمثناة فوقية أي حتى يرميكم
أهل النفاق بالرياء لما يرون من شدة محافظتكم عليه وهذا حث
شديد على لزوم الذكر سرا وجهرا ولا يرائي أحدا به وأما ما
قيل إن الشبلي قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا.
فعذره أنه لا يرى ذاكرا إلا والغفلة مستولية على قلبه.
فيغار لله أن يذكر بهذا الذكر لغلبة المحبة على قلبه ومع
ذلك فهو من شطحانه التي تغفر له لصدق محبته فلا يقتدى به
فيها إذ يلزمه أن راحته أن لا يرى لله مصليا ولا تاليا ولا
ناطقا بالشهادتين ومعاذ الله أن يستريح لذلك قلب هذا
العارف والله لا يضيع أجر ذكر اللسان المجرد بل يثيب
الذاكر وإن غفل قلبه لكن ثواب دون ثواب. وهذا وأشباهه إذا
وقع من أولئك الأجلة الأكابر إنما يصدر عنهم في حال السكر
فلا يؤاخذون به كما نقل عن أبي يزيد البسطامي من نحو
سبحاني وما في الجبة إلا الله
أما النار لأستعدن لها غدا وأقول اجعلني لأهلها الفدا. أما
الجنة لعبة صبيان وقوله هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى
تعذبهم - إلى ذلك من شطحاتهم المعروفة فنسلم لهم حالهم
معتقدين لهم ونبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب
والسنة
(طب عن ابن عباس) وفيه كما قال الهيتمي وغيره الحسن بن أبي
جعفر ضعيف
(1/456)
[ص:457] 904 - (اذكروا الله ذكرا خاملا)
بمعجمة أي منخفضا بترقيق الجلالة (قيل) أي بعض الصحب (وما
الذكر الخامل؟ قال الذكر الخفي) بمعجمة لسلامته من نحو
رياء وقد أمر الله عباده أن يذكروه على جميع أحوالهم وإن
كان ذكرهم إياه مراتب بعضها أحب إليه من بعض. قال
الزمخشري: وأفضل الذكر ما كان بالليل لا اجتماع القلب
وهدوء الرجل والخلوة بالرب
(ابن المبارك في) كتاب (الزهد عن ضمره بن حبيب مرسلا) هو
الزبيد بضم الزاي الحمصي وثقه ابن معين وله شواهد كثيرة
سيجيء بعضها وعورض هذا بما قبله ونحوه من الأخبار الدالة
على ندب الجهر بالذكر صريحا أو التزاما لحديث الحاكم عن
شداد بن أوس قال إنا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
قال ارفعوا أيديكم فقولوا لا إله إلا الله ففعلنا فقال
اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بهذا ووعدتني عليها
الجنة إنك لاتخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله تعالى قد
غفر لكم. وخبر البيهقي عن الأدرع قال: انطلقت مع النبي صلى
الله عليه وسلم ليلة فمر برجل في المسجد يرفع صوته بالذكر
قلت: يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا قال ولكنه أواه
وخبر ابن ماجه عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال
رجل لو أن هذا خفض من صوته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإنه أواه - وأخيب بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء
أو تأذى به مصل أو نائم والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل
به أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامع ولأنه يوقظ قلب
الذاكر ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم
ويزيد في النشاط. وأما قوله تعالى {واذكر ربك في نفسك}
الآية فأجيب عنه بأن الآية مكية نزلت حين كان النبي صلى
الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه الكفار فيسبون القرآن
ومن أنزله فأمر بالترك سدا للذريعة وقد زال ذلك وبأن الآية
محمولة على الذاكر حال القراءة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده
الأصوات وبأن الأمر في الآية خاص بالنبي الكامل المكمل
والأرواح القدسية. وأما غيره ممن هو محل الوسواس والخواطر
الرديئة فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وأما قوله
تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} فذلك
في الدعاء لا في الذكر والدعاء الأفضل فيه الإسرار لأنه
أقرب إلى الإجابة ولهذا قال الله تعالى {إذ نادى ربه نداء
خفيا} وأما ما نقل عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون
برفع الصوت في المسجد فقال ما اراكم إلا مبتدعين وأمر
بإخراجهم فغير ثابت. وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب الزهد
لأحمد عن شفيق بن أبي وائل قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد
الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسا قط إلا ذكر الله
فيه وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت البناني: إن أهل الذكر
ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام مثل الجبال
وغنهم ليقومون من ذكر الله ما عليهم منها شيء اه
(1/457)
905 - (إذكروا محاسن) كمنابر (موتاكم) أيها
المؤمنون (وكفوا) اصرفوا ألسنتكم وادفعوا وجهتكم (عن
مساويهم) فإن سب المسلم غير المعلن بفسقه حرام شديد
التحريم والمساوى جمع مسوى بفتح الميم والواو وكل منهما
إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي
فيه الحسن والسوء فأطلق على المنعوت به مجازا: يعني لا
تذكروهم إلا بخير فذكر محاسنهم مندوب وذكر مساويهم حرام
إلا لضرورة أو مصلحة كتحذير من بدعة أو ضلالة كما يشير
إليه أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن الثملة التي
غلها مدغم تلتهب عليه نارا. فإنه بيان لحكم الله والتحذير
من الغلول قال النووي: قال أصحابنا وإذا رأى غاسل الميت ما
يعجبه من نحو استنارة وجه وطيب ريح سن له أن يحدث الناس به
وإن رأى ما يكره كسواد وجه ونتن ريح وتغير عضو حرم عليه أن
يحدث به لهذا الحديث <تنبيه> قال الطيبي المأمور والمنهي
بهذا الأمر إن كان من الصالحين فكما إن ذكرهم محاسن الموتى
يؤثر منهم فذكرهم مساويهم ذلك فإنهم [ص:458] شهداء الله في
الأرض فعليه أن لا يسعى في ضرر الغير وإن كان المأمور
والمنهي غيرهم فأثر النفع والضرر راجع على الغاسل فعليه أن
يجتنب عما يتضرر بذكره ويتحرى ما له نفع فيه
(د ت ك هق) وكذا الطبراني كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب
وفيه عمران أنس المكي قال الترمذي عن البخاري منكر الحديث
وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في المهذب: قال
البخاري عمران منكر الحديث
(1/457)
906 - (أذن لي) بالبناء للمفعول والآذن له
هو الله ولولا الإذن لم يجز له التحديث فهو تنبيه على أن
من اطلعه الله على شيء من الأسرار ثم أفشاه بغير إذن عذب
بالنار. وهذا محتمل لأن يكون رآه وأن يكون أوحى إليه به
(أن أحدث أصحابي) أو أمتي (عن ملك) بفتح اللام: أي عن شأنه
أو عظم خلقه (من ملائكة الله تعالى) قيل هو إسرافيل أضيف
إليه لمزيد التفخيم والتعظيم (من حملة العرش) أي من الذين
يحملون عرش الرحمن الذي هو أعظم المخلوقات المحيط بجميع
العوامل
والعرش السرير (ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة
سنة) وفي رواية سبعين عاما. أي بالفرس الجواد كما في خبر
آخر فما ظنك بطوله وعظم جثته؟ قال الطيبي: والمراد بسبع
مئة عام هنا التكثير لا التحديد لأنه أليق بالكلام وأدعى
للمقام وقال اذن لي ليفيد أن علم الغيب مختص به تعالى لكنه
يطلع منه من شاء على ما شاء. وليس على من أطلعه أن يحدث
إلا بإذنه. وشحمة الآذن ما لان من أسفلها وهو معلق القرط
والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء يذكر ويؤنث
(فإن قلت) الملائكة أجسام نورانية والأنوار لا توصف بالأذن
والعنق (قلت) لا مانع من تشكل النور على هيئة الإنسان وأن
ضرب الأذن والعاتق مثلا مقربا للأفهام. <تنبيه> قال الإمام
الرازي: اتفق المسلون على أن فوق السماء جسم عظيم هو العرش
(د) في السنة (والضياء) المقدسي في المختارة (عن جابر)
وسكت عليه أبو داود ورواه عنه الطبراني في الأوسط وقال
الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني فيه أيضا عن أنس
بزيادة ولفظه: أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه
في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنه وعاتقه
خفقان الطير سبع مئة سنة يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت.
وفيه عبد الله بن المنكدر ضعيف ورواه أبو يعلى عن أبي
هريرة بلفظ: أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه من الأرض
السابعة والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت وأين
تكون. قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح
(1/458)
907 - (أذيبوا) أي اسيلوا وفي المصباح ذاب
الشيء سال والذائب خلاف الجامد (طعامكم) أي ما تناولتموه
من عشائكم وغذائكم (بذكر الله) أي بملازمة الذكر عليه من
نحو قراءة وتهليل وتكبير (والصلاة) الشرعية يعني اذكروا
الله وصلوا عقب الأكل (ولا تناموا) عليه: أي بعد الطعام
قبل انهضامه عن أعالي المعدة (فتقسو) أي فإنكم إن نمتم
عليه تقسو وتقسو منصوب بفتحة على الواو لأنه جواب النهي
ومن جعلها ضمير الجمع فإنما يتخرج على لغة أكلوني البراغيث
(قلوبكم) أي تغلط وتشتد وتكتسب ظلمة وحجبا فلا تنجع فيها
بعد ذلك المواعظ ولا تنزجر بالزواجر بل تصير كالحجر الصلب
ومن قيل فيه:
وليس يزجركم ما توعظون به. . . وإليهم يزجرها الراعي
فتنزجر
أبعد آدم ترجون الخلود وهل. . . تبقى فروع الأصل حين
ينعقر؟ [ص:459]
لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا. . . والحبل في الحجر
القاسي له أثر
والطعام ظلمة والذكر نور فيزال بنور الذكر ظلمة الطعام.
قال الغزالي: وفيه أنه يستحب أن لا ينام على الشبع فيجمع
بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه ولكن ليصل أو يجلس
يذكر الله فإنه أقرب إلى الشكر وأقل ذلك أن يصلي أربع
ركعات أو يسبح مئة تسبيحة عقب كل أكلة وكان الثوري إذا شبع
ليلة أحياها وإذا شبع يوما واصله بالذكر. قال الحراني:
والقسوة اشتداد التصلب والتحجر
(طس عد وابن السني) في اليوم والليلة (وأبو نعيم في) كتاب
(الطب) النبوي (هب عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي
خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا منكر
تفرد به بزيع وكان ضعيفا. اه. وقال الهيتمي بعد عزوه
للطبراني: فيه بزيع وهو متروك وقال ابن محمود شارح أبي
داود بعد ما عزاه لابن السني فيه بزيغ الخصاف متهم. وقال
العراقي في الحديث سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي ف الموضوع
وقال بزيغ متروك وهو تعسف لما أن الترك لا يوجب الحكم
بالوضع. واعلم أن للحديث طريقين: الأول عن عبد الرحمن بن
المبارك عن بزيغ عن هشام عن عروة عن عائشة والثاني عن أبي
الأشعث عن أهرم بن حوشب عن عبد الله الشيباني عن هشام عن
عروة عن عائشة فأخرجه من الطريق الأول الطبراني والأوسط
وابن السني وأبو نعيم والبيهقي ومن الطريق الثاني ابن
السني. فأما بزيغ فمتروك بل قال بعضهم متهم وأما أصرم ففي
الميزان عن ابن معين كذاب خبيث وعن ابن حبان كان يضع على
الثقات وقال ابن عدي هو معروف ببزيع فلعل أصرم سرقه منه
ولهذا حكم الجوزي بأنه موضوع فقال موضوع بزيع متروك وأصرم
كذاب وتعقبه المؤلف بأن العراقي اختصر في تخريج الإحياء
على تضعيفه وأنت خبير بأن هذا التعقيب أوهن من بيت
العنكبوت وبأن له عند الديلمي شاهدا من حديث أصرم هذا وعن
علي مرفوعا: أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب هذا
حاصل تعقبه
(1/458)
908 - (أرأف) في رواية للطبراني وغيره:
أرحم (أمتي بأمتي) أي أكثرهم رأفة: أي شدة رحمة (أبو بكر)
لأن شأنه العطف والرحمة واللين والقيام برعاية تدبير الحق
تعالى ومراقبة صنعه فكان يدور مع الله في التدبير ويستعمل
اللين مع الكبير والصغير. والرأفة أرق الرحمة
كذا ذكره أهل المعاني. وقال الحراني هي عطف العاطف على من
يجد عنده منة وصلة فهي رحمة ذي الصلة بالراحم (وأشدهم)
ذكره نظيرا للمعنى: أقواهم صرامة وأصلبهم شكيمة (في دين
الله عمر) لغلبة سلطان الجلال على قلبه فأبو بكر مع
المبتدأ وهو الإيمان وعمر مع ما يتلوه وهو الشريعة لأن حق
الله على عباده أن يوحدوه فإذا وحدوه فحقه أن يعبدوه بما
أمر ونهى ولذا قبل لأبي بكر: الصديق لأنه صدق بالإيمان
بكمال الصدق وعمر فاروق لأنه فرق بين الحق والباطل
وأسماؤهما تدل على مراتبهما بالقلوب وشأن درجتهما في
الأخبار متواترة (وأصدقهم حياء) من الله ومن الخلق (عثمان)
بن عفان فكان يستحي حتى من حلائله وفي خلوته. ولشدة حيائه
كانت تستحي منه ملائكة الرحمن وسيجيء في خبر: إن الحياء من
الإيمان فكأنه قال أصدق الناس إيمانا عثمان وفي خبر:
الحياء لا يأتي إلا بخير فكأنه قال عثمان لا يأتي منه إلا
الخير أو لا يأتي إلا بالخير (وأقضاهم علي) أي أعرفهم
بالقضاء بأحكام الشرع. قال السمهودي: ومعلوم أن العلم هو
مادة القضاء. قال الزمخشري: سافر رجل مع صحب له فلم يرجع
حين رجعوا فاتهمهم أهله فرفعوهم إلى شريح فسألهم البينة
على قتله فارتفعوا إلى علي فأخبروه بقول شريح فقال:
أوردها سعد وسعد مشتمل. . . ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ثم قال إن أصل السقي التشريع ثم فرق بينهم وسألهم.
فاختلفوا ثم أقروا بقتله فقتلهم به: وأخباره في هذا الباب
مع عمر وغيره لا تكاد تحصى. قالوا وكما أنه أقضى الصحب في
العلم الظاهر فهو أفقههم بالعلم الباطن: قال الحكيم
[ص:460] الترمذي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي:
البس الحلة التي خبأتها لك: هي عندنا حلة التوحيد فإن
الغالب على علي التقدم في علم التوحيد وبه كان يبرز على
عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم. إلى هنا كلامه.
(وأفرضهم) أي أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث وهو علم
الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك ومن ثم كان الحبر
ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه (وأقرؤهم) أي أعلمهم
بقراءة القرآن (أبي) بن كعب بالنسبة لجماعة مخصوصين أو وقت
من الأوقات فإن غيره كان أقرأ منه أو أكثرهم قراءة أو أنه
أتقنهم للقرآن وأحفظهم له (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي
بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل) الأنصاري:
يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم
وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم
من زيد بن ثابت في الفرائض ذكره ابن عبد الهادي. قال ولم
يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهورا
بالفرائض أكثر من غيره ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده
ولا عهد الصديق رضي الله عنهم. (ألا وإن لكل أمة أمينا) أي
يأتمنونه ويثقون به ولا يخافون غائلته (وأمين هذه الأمة)
المحمدية (أبو عبيدة عامر بن الجراح) أي أشدهم محافظة على
الأمانة وتباعدا عن مواقع الخيانة. والأمين المأمون وهو
مأمون الغائلة: أي ليس له غدر ولا مكر. وقال ابن حجر:
الأمين الثقة الرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين
غيره لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها لكن خص النبي صلى
الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة وصفه بها فأشعر
بقدر زائد فيها على غيره. اه. وإنما قطع هذا الأخير عما
قبله وعنونه بحرف التنبيه: إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا
بجميع المآثر الحميدة بل لمن عداهم مناقب أخر فكأنه قال لا
تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب بل ثم من اختص بمزايا منها
عظم الأمانة كابي عبيدة
(ع) من طريق ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب
وابن السلماني حاله معروف لكن في الباب أيضا عن أنس وجابر
وغيرهما عن الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم لكن قالوا في
روايتهم بدل أرأف: أرحم وقال الترمذي حسن صحيح والحاكم على
شرطهما. وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه
نكارة وبأن شيخه ضعفه بل رجح وضعه. اه. وقال ابن حجر في
الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد
الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولا وأوله أرحم وإسناده
صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال
والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. اه
(1/459)
909 - (أراكم) بفتح الهمزة (ستشرفون
مساجدكم) أي تتخذون لها سيأتي شرفات (بعدي) أي بعد وفاتي
(كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبدهم وتطلق
على متعبد النصارى أيضا وهي معربة (وكما شرفت النصارى
بيعها) جمع بيعة بالكسر متعبدهم. أي فأنا أنهاكم عن
اتباعهم ولستم بسامعيه بل أنتم لا بد فاعلوه مع كونه
مذموما مكروها. وأخذ بذلك الشافعية فكرهوا نقش المسجد
وتزويقه واتخاذ شرفات له. قال الحراني: قوي في هذه الأمة
حال تينك الملتين لما آتاهم الله من الكتاب والعلم والحكمة
فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء وإيثار عرض الدنيا
وزينتها وحللوا لهم ما حرم الله توصلا به إلى أغراضهم في
الاعتداء على من حسدوه من أهل التقوى فاستقر حالهم على مثل
حالهم حتى في مساجدهم. اه. وذا من معجزاته صلى الله عليه
وسلم فإنه إخبار عن غيب وقع
(د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا
(1/460)
[ص:461] 910 - (أربا الربا) أي أزيده إثما
(شتم الأعراض) بالفتح جمع عرض بالكسر: أي سبها. قال
الحراني: والربا هو الفضل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن
رؤية الحق وعماية عنه والعرض محل المدح والذم من الإنسان
(وأشد الشتم الهجاء) أي الوقيعة في أعراض الناس بالشعر
والرجز (والراوية) أي الذي يروي الهجاء وينشده بزور ويصوره
فهو (أحد الشاتمين) بفتح الميم بلفظ التثنية أو بكسرها
بلفظ الجمع: أي حكمه حكمهم في الإثم والذم. وقد استفدنا من
الخبر أن الهجو حرام: أي إذا كان لمعصوم ولو ذميا وإن صدق
أو كان بتعريض كما صرح به الإمام الرافعي وترد به الشهادة
أما غير معصوم كحربي ومرتد فلا وكذا مسلم متجاهل متهتك
بمعصية فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط بقصد زجره. قال في
الحماسة:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه. . . لا بارك الله بعد العرض في
المال
(عب هب عن عمرو بن عثمان مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا
علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في
المهذب إنه منقطع أيضا وعمرو هذا من التابعين كبير الشأن
(1/461)
911 - (أربا الربا) أي أزيده إثما وأقبحه
جرما (تفضيل المرء) أي زيادته (على أخيه) في الإسلام
(بالشتم) أي السب والذم. قال الطيبي: أدخل العرض في جنس
المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين: متعارفا وغير
متعارف وهو - أي غير المتعارف - استطالة الرجل اللسان في
عرض صاحبه بأكثر مما يستحقه ثم فضل أحد النوعين على الآخر
ولما بين العرض والمال من المناسبة. وقال الغزالي: إن ذلك
من الكبائر. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه جاء رجل يشكو
جاره فقال: إنك إن سببت الناس سبوك وإن نافرتهم نافروك وإن
تركتهم تركوك وعن سليم بن زياد: مكتوب في التوراة من لم
يسالم الناس لم يسلم ومن شتم الناس شتم ومن طلب الفضل من
غير أهله ندم. وقال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل
عن الزلل قال: فما اللوم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف
والتجاوز عن الشديد قال: فما الحياء؟ قال: الكف عن الخنا
(ابن أبي الدنيا) واسمه يحيى (في) كتاب فضل (الصمت عن أبي
نجيح مرسلا) ورواه بمعناه مسند الطبراني عن يوسف بن عبد
الله بن سلام يرفعه بلفظ: أربا الربا استطالة أحدكم في عرض
أخيه المسلم. قال الهيتمي: وفيه محمد بن موسى الأملي عن
عمر بن يحيى ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضا أبو
يعلى عن عائشة مرفوعا بلفظ: أربا الربا عند الله استحلال
عرض امرىء مسلم ثم قرأ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات
بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} قال
الهيتمي: ورجاله رجال الصحيح
(1/461)
912 - (أربع) من الخصال (إذا كن فيك فلا
عليك ما فاتك من الدنيا) أي لا بأس عليك وقت فوت الدنيا إن
حصلت هذه الخصال (صدق الحديث) أي ضبط اللسان وعفته عن
الكذب والبهتان (وحفظ الأمانة) بأن يحفظ جوارحه وما اؤتمن
عليه فإن الكذوب والخائن لا قدر لهما عند لله (وحسن الخلق)
بالضم بأن يكون حسن العشرة مع خلق الله (وعفة مطعم) بفتح
الميم والعين: بأن لا يطعم حراما ولا ما قويت الشبهة فيه
ولا يزيد عن الكفاية حتى من الحلال ولا يكثر من الأكل.
وأطلق الأمانة لتشيع في جنسها فيراعى أمانة الله في
التكاليف. وأمانة الخلق في الحفظ [ص:462] والأداء. ثم إن
ما ذكر من أن سياق الحديث ذلك هو ما في رواية أحمد وغيره
لكن لفظ رواية البيهقي بدل وحسن إلخ: وحسن خليقة وعفة طعمة
(حم طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي بعد ماعزاه
لأحمد والطبراني فيه ابن لهيعة وبقية رجال أحمد رجال
الصحيح (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال العراقي: وفيه أيضا
ابن لهيعة اه وقضية إفراد المصنف للطبراني بحديث ابن عمرو:
تفرده به عن الأولين جميعا والأمر بخلافه بل رواه البيهقي
في الشعب عنه أيضا عقب الأول ثم قال: هذا الإسناد أتم
وأصح. اه فاقتصار المصنف على عزو الأول إليه وحذفه من
الثاني مع كونه قال إنه الأصح: من ضيق العطن (عد وابن
عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) قال الهيتمي: إسناد أحمد
وابن أبي الدنيا والطبراني حسن. اه. وقال المنذري: رواه
أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة
وفيه عند البيهقي شعيب بن يحيى. قال أبو حاتم ليس بمعروف.
وقال الذهبي بل ثقة عن ابن لهيعة وفيه ضعف
(1/461)
913 - (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) أي
من أفعال أهلها: يعني أنها معاصي يأتونها مع اعتقاد
حرمتها. والجاهلية: ما قبل البعثة سموا به لفرط جهلهم (لا
يتركونهن) أي لا تترك أمتي شيئا من تلك الخصال الأربع. قال
الطيبي: قوله في أمتي: خبر لأربع: أي خصال أربع كائنة في
أمتي ومن أمر الجاهلية. ولا يتركونهن: حالان من الضمير
المتحول إلى الجار والمجرور وهذا خرج مخرج الذم والتعييب
لها فأولها (الفخر في الأحساب) أي الشرف بالآباء والتعاظم
بعد مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم وذلك جهل فلا فخر إلا
بالطاعة ولا عز لأحد إلا بالله. والأحساب جمع حسب وهو ما
يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة وفصاحة
والثاني (الطعن في الأنساب) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب:
بأن يقدح في نسب أحد من الناس فيقول ليس هو من ذرية فلان
وذلك يحرم لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني
والأنساب لا تعرف إلا من أهلها قال ابن عربي: وهذا أمر
ينشأ من النفاسة في أنه لا يريد أن يرى أحدا كاملا وذلك
لنقصانه في نفسه ولا يزال الناس يتطاعنون في الأنساب
ويتلاعنون في الأديان ويتباينون في الأخلاق قسمة العليم
الخلاق قال: ولا أعلم نسبا سلم من الطعن إلا نسب المصطفى
صلى الله عليه وسلم والثالث (الاستسقاء بالنجوم) أي اعتقاد
أن نزول المطر بظهور كذا وهو حرام لأنه إشراك ظاهر إذ لا
فاعل إلا الله بل متى اعتقد أن للنجم تأثيرا كفر قال
الحراني: فالمتعلق خوفهم ورجاؤهم بالآثار الفلكية هم صابئة
هذه الأمة كما أن المتعلق خوفهم ورجاؤهم بأنفسهم وغيرهم من
الخلق مجوس هذه الأمة (و) الرابع (النياحة) أي رفع الصوت
بالندب على الميت لأنها سخط لقضاء الله ومعارضة لأحكامه.
قال ابن العربي: هذه من أخبار الغيب التي لا يعلمها إلا
الأنبياء فإنهم أخبر بما يكون قبل كونه فظهر حقا فالأربع
محرمات ومع حرمتها لا يتركونها هذه الأمة - أي أكثرهم - مع
العلم بحرمتها
(م) في الجنائز (عن أبي مالك الأشعري) واسمه الحارث ولم
يخرجه البخاري بلفظه
(1/462)
914 - (أربع حق على الله) أي يستحقون عليه
(عونهم) أي إعانتهم بالنصر والتأييد والنجاح والتسديد فضلا
منه لكرامتهم عليه (الغازي) من خرج بقصد قتال الكفار لتكون
كلمة الله هي العليا (والمتزوج) بقصد عفة فرجه وتكثير
النسل ليباهي به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمم يوم
القيامة أو نحو ذلك (والمكاتب) الساعي في أداء النجوم
لسيده (والحاج) أي من خرج حاجا حجا مبرورا وقد نظمهم
المصنف فقال: [ص:463]
حق على الله عون جمع. . . وهو لهم في غد يجازي
مكاتب وناكح عفافا. . . ومن أتى بيته وغازي
وذيل عليه الفارضي من أحيا أرضا ميتة فقال:
وجا من للموات أحي. . . فهو لها خامس يوازي
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه
(1/462)
915 - (أربع دعوات لا ترد) بالبناء للمفعول
أي لا يرد الله واحدة منها (دعوة الحاج) ما دام في النسك
(حتى يرجع) يعني يفرغ من أعماله ويصدر إلى أهله (ودعوة
الغازي) للكفار لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين
كفروا السفلى (حتى يصدر إلى أهله) أي يرجع إليهم وغاير
التعبير للتفنن وكراهة لتوالي الأمثال. وأصل الصدر
الانصراف يقال صدر القوم وأصدرتهم إذا صرفنهم وصدرت عن
المحل رجعت (ودعوة المريض) غير العاصي بمرضه (حتى يبرأ) من
مرضه أي يسلم منه وبرىء كسلم وزنا ومعنى وعند أهل الحجاز
برأ من المرض من باب قطع وفي الأساس فلان بارىء من علته
وتقول العرب حق على البارىء من اعتلاله أن يؤدي شكر
البارىء في إبلاله (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن كان
حاضرا فيما يظهر (بظهر الغيب) أي وهو لا يشعر به لأنها
أبلغ في الإخلاص ولأنه سبحانه يعينه في دعائه كما ينطق به
خبر إن الله في عون العبد (وأسرع هؤلاء الدعوات) إجابة أو
قبولا (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) والغيب ما غاب عنك
وحتى في القرائن الأربع بمعنى إلى نحو سرت حتى تغيب الشمس
وهذا وإن أوهم أن دعاء هؤلاء لا يستجاب بعد ذلك لكن
الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير
المذكور ولفظ الظهر مقحم ومحله نصب على الحال من المضاف
إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ذكره الطيبي
(فر عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن زيد الحواري قال
الذهبي قال البخاري تركوه
(1/463)
916 - (أربع) من الخصال قال الكرماني مبتدأ
بتقدير أربع خصال وإلا فهو نكرة صرفة والشرطية خبره ويحتمل
كون الشرطية صفة وإذا حدث إلخ خبره وقال التفتازاني أربع
مبتدأ والجملة بعده صفة له قال: والأحسن أن يجعل أربع خبرا
مقدما أو مبتدأ لخبر وخصاله من إذا مفسر أي في الوجود أربع
(من كن فيه كان منافقا خالصا) نفاق عمل لا نفاق إيمان (ومن
كانت فيه خصلة) بفتح الخاء (منهن) أي من هؤلاء الأربع (كان
فيه خصلة) بفتح الخاء أي خلة (من النفاق حتى يدعها) أي
يتركها قال الحافظ ابن حجر النفاق لغة مخالفة الباطن
للظاهر فإن كان في اعتقاد اإيمان فهو نفاق الكفر وإلا نفاق
العمل ويدخل فيه الفعل والترك وستفاوت مراتبه وقوله خالصا
أي شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال لغلبتها عليه
ومصيرها خلقا وعادة وديدنا له (إذا حدث) أي أخبر عن ماضي
الأحوال (كذب) لتمهيد معذورته في التقصير (وإذا وعد)
بإيفاء عهد الله (أخلف) أي لم يف (وإذا عاهد غدر) أي نقص
العهد (وإذا خاصم فجر) مال في الخصومة عن الحق وقال الباطل
قال البيضاوي يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه فإنه
علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن صدقا ومن
أذعن له نفاقا وأراد تعريف أصحابه بحالهم ليحذروهم [ص:464]
ولم يصرح بأسمائهم لعلمه بأن منهم من يتوب فلم يفضحهم ولأن
عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان
وأبعد عن النفور والمخاصمة ويحتمل كونه عاما لينزجر الكل
عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانا بأنها طلائع النفاق الذي
هو أسمج القبائح فإنه كفرتموه باستهزاء وخداع مع رب
الأرباب ومسيب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال
المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول
الحمى يوشك أن يقع فيه ويحتمل أن المراد بالمنافق العرفي
وهو من يخالف سره عليه مطلقا ويشهد له قوله من كان فيه
خصلة منهن إلخ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر
والعلن لا يزيد على هذا فإن نقص منها خصلة نقص الكمال إلى
هنا كلامه. قال الطيبي والكذب أقبحها لتعليله تعالى عذابهم
به في قوله {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما
كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم
وأسه فينبغي للمؤمن المصدق اجتنابه لمنافاته لوصف الإيمان
انتهى ويليه الخلف في الوعد قال الغزالي والخلف في الوعد
قبيح فإياك أن تعد بشيء إلا وتفي به بل ينبغي أن يكون
إحسانك للناس فعلا بلا قول فإن اضطررت إلى الوعد فاحذر أن
تخلف إلا لعجز أو ضرورة فإن ذلك من أمارات النفاق وخبائث
الأخلاق والفجور لغة الميل والشق فهو هنا إما ميل عن القصد
المستقيم أو شق ستر الديانة ولا تناقض بين قوله هنا أربع
وآنفا آية المنافق ثلاث إذ قد يكون لشيء واحد علامات كل
منها يحصل بها صفته فتارة يذكر بعضها وأخرى أكثرها وطورا
كلها قال النووي والقرطبي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال
لأنهما تواردا على الكذب والخيانة وزاد الأول خلف الوعد
والثاني الغدر والفجور في الخصومة
(حم ق 3 عن ابن عمرو) ابن العاص وظاهر صنيع المؤلف أنه لم
يخرجه من الستة إلا هؤلاء والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود
والنسائي أيضا
(1/463)
917 - (أربع من كن فيه حرمه الله) في
الآخرة (على النار) أي منعه من دخولها إذا فعل مع ذلك
المأمورات وتجنب المنهيات (وعصمه) في الدنيا (من الشيطان)
أي منعه منه ووقاه بلطفه من كيده والعصمة المنع يقال عصمه
الطعام أي منعه والحفظ كما في الصحاح (من ملك نفسه حين
يرغب وحين يرهب) أي حين يريد ويشتهي وحين يخاف ويكره لأن
لكل رغبة ورهبة وشهوة حرارة تثور في النفس في الباطن
كاضطرام النار حرصا على أن تدرك مرادها فإذا أخمد تلك
النار حرم الله عليه نار القيامة قال المولى التفتازاني
والرغبة في الشيء الإرادة المقارنة للرضى من رغب في الشيء
بالكسر وارتغب فيه مثله لا من رغبت عن الشيء إذا لم ترده.
وقال الراغب: الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب (وحين يشتهي
وحين يغضب) لأن الملك للقلب على النفس فمن كان قلبه مالكا
لنفسه في هذه الأحايين لأربع فقد حرم على النار واختسأ
شيطانه لأن الدنيا كلها في هذه الأربع فإذا ملك القلب
النفس بقوة المعرفة والعلم بالله فقد دقت دنياه في عينه
وتلاشت ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى فكل شعبة من شعب
دنياه في عينه كالجبال فعظم عنده شأنها وصارت الآخرة في
فلبه كالحلم فإذا انتبه ندم فإذا كان القلب أميرا أعطى
النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع ومنعها ما سواها لئلا
يتطاير شرورها وتشتعل نارها في العروق فتجاوز الحدود
(وأربع من كن فيه نشر الله) تعالى (عليه رحمته) أي بثها
عليه وأحيى قلبه بها في الدنيا (وأدخله جنته) في [ص:465]
الأخرى (من آوى مسكينا) أي أمكنه عنده وكفاه المؤنة أو
تسبب له في ذلك والمراد هنا ما يشمل الفقير لقول إمامنا
الشافعي إذا اجتمعا افترقا وإذا افترفا اجتمعا (ورحم
الضعيف) حسا ومعنى أي رق له وعطف عليه وأحسن إليه (ورفق
بالمملوك) أي مملوكه بقرينة ما بعده بأن لم يحمله على
الدوام ما لا يطيقه ويطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه
(وأنفق على الوالدين) أي أبويه وإن عليا لأنه لما غلب عليه
سلطان الرحمة في الدنيا فرحم هؤلاء فجوزي بشمول الرحمة في
الآخرة وسبوغها له والجزاء من جنس العمل
(الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي هريرة) وإسناده ضعيف
(1/464)
918 - (أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا
والآخرة لسان ذاكرا) لله تعالى لأن الذاكر جليس الله تعالى
والذكر منشور الولاية فمن أعطيهن فقد أعطي المنشور وذلك
أعظم الخيور (وقلب شاكر) له تعالى لأن الشكر يرتبط به
العتيد ويستجلب به المزيد بنص {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وهو
الاعتراف بالنعمة والقيام بحق الخدمة وأناط الأول باللسان
إشارة إلى أنه آية الفلاح وإن لم يصحبه حضور وقد شكا رجل
إلى بعض العارفين عدم حضور قلبه حال ذكره فقال له ياهذا
يكفيك أنه استعمل جارحة من جوارحك في ذكره على أن دوام
الذكر اللساني ينقلب قلبيا. قال في الحكم لاتترك الذكر
لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من
غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع غفلة إلى ذكر
مع حضور يقظة ومن ذكر مع حضور يقظة إلى ذكر مع وجود حضور
ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما
ذلك على الله بعزيز (وبدن على البلاء) بفتح الموحدة (صابر)
فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه كما في حديث مر ومن أحبه
الله فاز بخير الدارين وأناط الثاني بالقلب لأنه المتفكر
في مصنوعات الله وآلائه الباعثة على الاقرار بالنعم
والقيام بالخدمة ومن جمع بين الذكر والفكر فقد فاز
بالسعادة. أوحى الله إلى داود عليه السلام " تخلق بأخلاقي
ومن أخلاقي أنني أنا الصبور " (وزوجة لا تبغيه خونا) أي لا
تطلب خيانة وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو أن يأتمن
الإنسان فلا ينصح وفي بعض النسخ حوبا بحاء مهملة مضمومة أي
إثما وهو تصحيف (في نفسها) بأن لا تمكن غيره من الزنا بها
أو من مقدماته (ولا ماله) بأن لا تتصرف فيه بما لا يرضيه
قال القاضي المرأة الصالحة أنفع من الذهب فإن الذهب لا
ينفع إلا بعد الذهاب وهي ما دامت معك رفيقتك تنظر إليها
تسرك وتقضي إليها عند الحاجة وطرك وتشاورهما فيما يعن لك
فتحفظ سرك وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك وإذا غبت تحامى
مالك وترعى عيالك ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بذرك وتربي
زرعك لكفى به فضلا
(طب) وفي الأوسط أيضا (هب) من حديث طلق بن حبيب (عن ابن
عباس) قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير وفي
الأوسط رجال الأوسط رجال الصحيح انتهى وقال المنذري بعد
عزوه للكبير والأوسط إسناد أحدهما جيد يعني الأوسط وبذلك
يعرف أن إهمال المؤلف الطريق الصحيح وإيثاره الضعيف من سوء
التصرف هذا وقد رمز لحسنه
(1/465)
919 - (أربع من سنن المرسلين) من الحق إلى
الخلق والمراد الرسل من بني آدم بقرينة ذكر النكاح
(الحياء) بحاء مهملة فمثناة بخط المصنف وقيل بنون قال ابن
العربي هو أشبه بما قارنه من التعطر والسواك وقال البيضاوي
روى الحنا بالنون والحياء بمثناة والختان فالأول على تقدير
مضاف كالاستعمال والخضاب فإن الحناء نفسه لا يكون سنة
وطريقة وهو أوفق للتعطر والثاني يؤول بما يقتضيه الحياء
ويوجبه كالستر وتجنب الفواحش والرذائل فإن الحياء نفسه أمر
جبلي ليس بالكسب حتى يعد من السنن والثالث ظاهر الحياء
بمهملة وتحتية والختان بمعجمة ففوقية مثناة والحناء بمهملة
فنون مشددة ما يخضب به قال وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها
تصحيف لأنه يحرم على الرجل خضب يده ورجله وأما خضاب الشعر
فلم يكن قبل نبينا فلا يصح إسناده للمرسلين وقال ابن حجر
الحياء قيل بتحتية مخففة [ص:466] وقد ثبت أن الحياء من
الإيمان وقيل بنون فعلى الأول هي خصلة معنوية تتعلق بتحسين
الخلق وعلى الثاني حسية تتعلق بتحسين البدن وقال شيخه
الزين العراقي بعد حكايته إنه بتحتية أو نون وكلاهما غلط
والصواب الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت فاختلف في
لفظه وهو أولى منهما إذ الحياء خلق والحنا ليس من السنن
ولا ذكره المصطفى في خصال الفطرة بخلاف الختان فإن إبراهيم
عليه الصلاة والسلام أمر به واستمر بعده في الرسل وأتباعهم
حتى المسيح عليه السلام فإنه اختتن انتهى وتقدمه لنحوه ابن
القيم فنقل في الهدى عن المزي أن صوابه الختان وسقطت النون
قال وهكذا رواه المحاملي عن شيخه الترمذي (والتعطر)
استعمال العطر وهو الطيب فإنه يزكي الفؤاد ويقوي القلب
والجوارح وهم محتاجون إلى ذلك لثقل الوحي {إنا سنلقي عليك
قولا ثقيلا} (والنكاح) الوطء لأن النور يملأ قلوبهم فيفيض
في العروق فيكون ريح الشهوة فيحدث ريح القوة وشاهد ذلك من
الكتاب {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا
وذرية} (والسواك) لأن الفم طريق لكتاب الله المنزل عليهم
ومحل لمناجاة الملك فيتأكد في حقهم أكثر <تنبيه> هذا
الحديث ظاهره مشكل فإن نوحا أول الرسل كما يأتي في خبر ولم
يختتن إذ أول من اختتن إبراهيم كما مر في الخبر وعيسى لم
يتزوج وكونه يتزوج بعد نزوله بفرض تسليم وروده غير دافع
للشبهة فإنه إنما ينزل محمديا عالما بأحكام هذه الملة ولا
مخلص من ذلك إلا بأن يقال المراد بالمرسلين أكثرهم
(حم ت هب) كلهم من حديث مكحول عن ابن السماك (عن أبي أيوب)
الأنصاري قال الترمذي حسن غريب انتهى وتبعه المصنف فرمز
لحسنه وقال المناوي وغيره فيه أبو الثمال مجهول الحال وقال
ابن محمود شارح أبي داود في سنده ضعيف ومجهول وقال ابن
العربي في شرح الترمذي فيه الحجاج ليس بحجة وعباد بن
العوام
(1/465)
920 - (أربع من سعادة المرء) أي من بركته
ويمنه وعزه (أن تكون زوجته صالحة) أي دينه جميلة إذ المراد
الصلاح لما يراد منها دينا ودنيا (وأولاده أبرارا) أي
يبرونه ويتقون الله (وخلطاؤه) أي أصحابه وأهل حرفته الذين
لا بد له من مخالطتهم (صالحين) أي قائمين بحقوق الله وحقوق
خلقه (وأن يكون رزقه) أي ما يرتزق منه من حرفة أو صناعة أو
تجارة (في بلده) أي في محل إقامته بلدا كان أو غيره وخص
البلد لأن الغالب الإقامة فيه والمراد أنه ليحصل كد
الأسفار الشاسعة واقتحام المفاوز النائية وهذه حالة فاضلة
وأعلى منها أن يأتيه من حيث لا يحتسب كما مر في خبره ويقاس
بالرجل المرأة فيقال أربع من سعادة المرأة أن يكون زوجها
صالحا وهكذا
(ابن عساكر) في تاريخه (فر عن علي) أمير المؤمنين وفيه سهل
بن عامر البجلي قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو حاتم (ابن
أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم) ابن أبي
زياد العطواني صدوق مات بالكوفة (عن أبيه) الحكم (عن جده)
أبي زياد الكوفي المذكور رمز المصنف لضعفه
(1/466)
921 - (أربع) وفي رواية أربعة (من) أي من
علامات (الشقاء) ضد السعادة (جمود العين) قلة دمعها كناية
عن قسوة القلب كذا قيل وعليه فالعطف في قوله (وقسوة القلب)
تفسيري والأوجه أن يقال إنه إشارة إلى قلة دمع العين إنما
يكون من علامة الشقاء إذا كان ناشئا عن قسوة القلب وأنه لا
تلازم بينهما وقسوته غلطته وشدته وصلابته في غير الله
(والحرص) أي الرغبة في الدنيا والانهماك في تحصيلها وطلب
الازدياد منها والحرص يحتاجه الأنسان لكن بقدر [ص:467]
معلوم فإذا تعدى الحد المحدود فقد أفسد دينه فكان بهذا
الوجه من علامات الشقاء (وطول الأمل) بالتحريك رجاء
الإكثار من الإقامة في الدنيا وزيادة الغنى. قال الثوري
قصر الأمل الذي هو الزهد ليس مذموما. وأناط الحكم بطوله
ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم إذ لولاه
لما أرضعت والدة ولدا ولا غرس غارس شجرا فهو رحمة من الله
على عباده كما يأتي في حديث قال الثوري قصر الأمل الذي هو
الزهد ليس بلبس العباءة ولا بأكل الخشن وقال الفضيل ما
أطال رجل الأمل إلا أساء العمل وكتب ابن أدهم إلى سفيان من
عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ومن أطلق بصره طال أسفه ومن
أطلق أمله ساء عمله ومن أطلق لسانه قتل نفسه وقال ابن
الوردي ومن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله عظيم بطشه قليل
فهمه عالم بدنياه جاهل بآخرته فويل له ويل له. <فائدة> شكى
رجل إلى الحسن البصري قسوة قلبه فقال عليك بمجالسة الذكر
والإحسان
(عد حل عن أنس) من حديث الحسن بن علي عن أبي سعيد المازني
عن الحجاج بن منهال عن صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس
ثم قال مخرجه أبو نعيم تفرد برفعه متصلا عن صالح الحجاج
انتهى وقال الهيتمي صالح المري ضعيف وفي الميزان هذا حديث
منكر انتهى والحسن بن عثمان قال الذهبي في الضعفاء كذيه
ابن عدي ويزيد الرقاشي متروك ورواه البزار من طريق فيها
هانىء المتوكل فقال الهيتمي هو ضعيف جدا ولذا حكم ابن
الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات
(1/466)
922 - (أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر)
إلى ما يستحسن ويستلذ به الطبع (وأرض من مطر) فكل مطر وقع
عليها شربته وطلبت غيره (وأنثى من ذكر) فإنها فضلت على
الرجل في قوة شبقها بأضعاف لكن الله ألقى عليها الحياء ولم
يقل امرأة من رجل إشارة إلى شمول الحيوانات وهذا حكم على
النوع لا على كل فرد فرد فقد يختلف في بعضهن لكن نادر جدا
(وعالم من علم) فإنه إذا ذاق أسراره وخاض بحاره وفهم معناه
وفقه مغزاه صار عنده أعظم اللذات وأشرف الأمنيات فدأب ليله
ونهاره يرعى وإن وقف ذهنه الأنجم السارة. وعبر بعالم دون
إنسان أو رجل لأن العلم صعب على المبتدىء فلا يلتذ به ولا
يرغب في الزيادة منه
(عد خط) كلاهما من طريق عباس بن الوليد الخلال عن عبد
السلام بن عبد القدوس عن هشام عن أبيه (عن عائشة) وقال ابن
عدي حديث منكر وعباس يروي العجائب وعبد السلام يروي
الموضوعات وقال ابن طاهر رواه عن هشام بن حسين بن علوان
وكان يضع الحديث ولعل عبد السلام سرقه منه انتهى وقال في
الميزان الحسين بن علوان قال يحيى كذاب والدارقطني متروك
الحديث وابن حبان كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعا لا
يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ثم ساق له هذا الحديث
وقال عقب قوله وعالم من علم وكذاب من كذب ورواه من هذا
الوجه الطبراني فتعقبه الهيتمي وقال عبد السلام لا يحتج به
وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات
(1/467)
923 - (أربع) من الركعات يصليهن الإنسان
(قبل الظهر) أي قبل صلاته أو قبل دخول وقته ويؤيد الأول ما
في رواية أخرى للترمذي بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وهو
عند الزوال (ليس فيهن تسليم) أي ليس بعد كل ركعتين منها
قصل بسلام فالمعنى فيه كما قال البغوي التشهد قال الطيبي
سمى التشهد بالتسليم لاشتماله عليه (تفتح لهن أبواب
السماء) كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول. وقال بعضهم:
هذا الفتح نظير النزول المنزه عن الحركة [ص:468] والانتقال
بعد نصف الليل إذ كل منهما وقت قرب ورحمة وتسمى هذه سنة
الزوال وهي غير سنة الظهر نص عليه في الإحياء وقال بعضهم
هذه الأربع ورد مستقل سببه انتصاف وزوال الشمس
(د ت في) كتاب (الشمائل) النبوية (وابن خزيمة) في الصلاة
من صحيحه (عن أبي أيوب) الأنصاري وفيه كما قال جمع عبيدة
بن مغيث الضبي الكوفي ضعفه أبو داود وقال المنذري لا يحتج
بحديثه وقال يحيى القطان وغيره الحديث ضعيف وقال المنذري
في موضع آخر في إسناد أبي داود احتمال للتحسين والمؤلف رمز
لصحته
(1/467)
924 - (أربع قبل الظهر كعدلهن) أي كنظيرهن
ووزانهن في الثواب (بعد العشاء) وأربع بعد العشاء (كعدلهن
من ليلة القدر) فنتج أن أربعا قبل الطهر يعدلن أربعا في
ليلة القدر من حيث مزيد الفضل أي في مطلقه ولا يلزم منه
التساوي في القدر وهذه سنة الزوال كما تقرر والقصد الحث
على فعلها والترغيب في إدامتها
(طس عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله
الهيتمي بأن فيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جدا
(1/468)
925 - (أربع لا يصبن) بالبناء للمفعول قال
المؤلف ولا نافية (إلا بعجب) بعين مهملة محركا أي لا توجد
وتجتمع في إنسان في آن واحد إلا على وجه عجيب عظيم يتعجب
منه لعظم موقعه لكونها قل أن تجتمع (الصمت) أي السكوت عما
لا ينبغي أو ما لا يعني المتكلم (وهو أول العبادة) أي
مبناها وأساسها لأن اللسان هو الذي يكب الناس على مناخرهم
في النار (والتواضع) أي لين الجانب للخلق على اختلاف
طبقاتهم وطبائعهم ورؤية الإنسان نفسه حقيرا صغيرا (وذكر
الله) أي لزومه والدوام عليه علامة حب الله (وقلة الشيء)
الذي ينفق منه على نفسه وممونه فإن هذا لا يجامع السكون
والوقار ولزوم الذكر بل الغالب على حال المقل الشكوى للناس
وإظهار التضجر والتألم وشغل الفكر بالعيش الضنك بمنع صرف
الهمة إلى الذكر فاجتماعهما شيء عجيب لا يحصل إلا بتوفيق
إلهي وإمداد سماوي
(طب ك هب عن أنس) سكت المصنف عليه فأواهم أنه لا علة فيه
وهو اغترار بقول الحاكم صحيح وغفل عن تشنيع الذهبي في
التلخيص والمنذري والحافظ العراقي عليه بأن فيه العوام بن
جويرية قال ابن حبان وغيره يروي الموضوعات ثم ذكر له هذا
الحديث. اه
وأورده في الميزان في ترجمة العوام وتعجب من إخراج الحاكم
له
وقال ابن عدي: الأصل في هذا أنه موقوف على أنس وقد رفعه
بعض الضعفاء عن أبي معاوية حميد بن الربيع وقد قال يحيى
حميد كذاب. اه. ومن ثم أورد ابن الجوزي في الموضوع وقال
العوام يروي الموضوعات عن الثقات. وتعقبه المصنف فلم يأت
بطائل كعادته
(1/468)
926 - (أربع لا يقبلن) حال كونها (في أربع)
يعني لا يثاب من أنفق منهن ولا يقبل عمله فيهن (نفقة من
خيانة أو سرقة أو غلول) من غنيمة (أو مال يتيم) فلا يقبل
الانفاق من هؤلاء الأربع (في حج) بأن حج بمال خانه أو سرقه
أو غله أو غصبه من مال يتيم تحت حجره أو غيره (ولا في
عمرة) هبهما حجة الإسلام وعمرته أم تطوعا (ولا) في (جهاد)
هبه فرض عين أو كفاية (ولا) في (صدقة) مفروضة أو مندوبة
كوقف أو غيره. والفرق بين الخائن والسارق أن الخائن هو
الذي خان فيما ائتمن عليه وجعل تحت يده والسارق من أخذ
خفية من موضع كان تنوعا من توصله. [ص:469] وكما تقبل تلك
الأربع في هذه الأربع لا تقبل في غيرها أيضا
وإنما خصها اهتماما بشأنها لكونه أمهات الفروض التي فيها
الانفاق وكررها لدفع توهم إرادة الجمع
(ص عن مكحول مرسلا عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المؤلف لحسنه
وفي المسند كوثر بن حكيم قال الذهبي تركوه وضعفوه
(1/468)
927 - (أربع) أي أربع جمل من القرآن
(أنزلت) أي أنزلهن الله بواسطة أو بغيرها (من كنز تحت
العرش) عرش الرحمن (أم الكتاب وآية الكرسي وخواتيم البقرة
والكوثر) أي السورة التي فيها الكوثر وهي {إنا أعطيناك
الكوثر} والكنز النفائس المدفونة المدخرة فهو إشارة إلى
ذكر أنها ادخرت لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تنزل
على من قبله. قال الطيبي: هذا من إدخال الشيء في جنس وجعل
أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان متعارف وهو المال
الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ وغير متعارف وهو هذه
الآيات الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية
(طب وأبو الشيخ [ابن حبان] ) عبد الله بن جعفر (والضياء)
المقدسي (عن أبي أمامة) الباهلي. قيل إن المصنف رمز لصحته
وفيه عبد الرحمن بن الحسن أورده الذهبي في الضعفاء وقال
قال أبو حاتم لا يحتج به والوليد بن جميل عن القاسم أورده
الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم روى عن القاسم أحاديث
منكرة وقال في الكاشف لينه أبو زرعة
(1/469)
928 - (أربع حق على الله أن لا يدخلهن
الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر) أي مداوم على شربها
(وآكل الربا) ويلحق به فيما يظهر: موكله أخذا من تسويته
بينهما في اللعن في الحديث المار أول الكتاب بقوله: آكل
الربا وموكله - إلى أن قال - ملعونون ولم يقيده كما قيد ما
بعده لأن آكله لا يكون إلا بغير حق. والمراد بالأكل هنا
التناول بأي وجه كان (وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق
لوالديه) أي لأصليه المسلمين وإن عليا وكذا العاق لأحدهما:
أي إذا استحل كل منهم ذلك أو المراد مع السابقين الأولين
أو حتى يطهرهم بالنار وعلى ماعدا الأول فهو وعيد فيه جائز
لا مبرم بخلاف الوعد. وخص الأربعة لا لإخراج غيرها بل
لغلبة وقوعها في الجاهلية
(ك هب عب) من حديث إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن جده
(عن أبي هريرة) قال الحاكم صحيح فتعقبه الذهبي بأن إبراهيم
قال ابن أبي شيبة متروك والمنذري فقال صححه وفيه إبراهيم
بن خيثم متروك
(1/469)
929 - (أربع أفضل الكلام) أي كلام الآدميين
(لا يضرك) في حيازة ثواب الإتيان بهن (بأيهن بدأت) وهي
(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أما
كلام الله فهو أفضل من التسبيح والتهليل المطلق والاشتغال
بالمأثور في وقت أو حال مخصوص أفضل منه بالقرآن
قال البغوي: وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى من حلف لا يتكلم
فسبح او هلل أو كبر يحنث لأنه كلام وذهب قوم إلى خلافه
(هـ عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفا - ابن جندب رمز
المؤلف لصحته
(1/469)
[ص:470] 930 - (أربع دعوتهم مستجابة) أي
مرجوة القبول (الإمام العادل) أي الحاكم الذي لا يجور في
أحكامه. والعدل القصد في الأمور وهو ضد الجور (والرجل)
يعني الإنسان (يدعو لأخيه) في الإسلام (بظهر الغيب) أي في
غيبته ولفظ الظهر مقحم كما سبق قريبا (ودعوة المظلوم) على
ظالمه (ورجل) وصف طردي والمراد إنسان ولو أنثى أو خنثى أو
طفلا (يدعو لوالديه) يعني لأصليه وإن عليا أو لأحدهما
بالمغفرة والهداية ونحوهما. وكلامه شامل للحيين والميتين
وورد من يستجاب دعاؤه أيضا جماعة وذكر العدد لا ينفي
الزائد
(حل عن واثلة) بن الأسقع وفيه مخلد بن جعفر جزم الذهبي
بضعفه وفيه محمد بن حنيفة الواسطي قال في الميزان قال
الدارقطني غير قوي وأحمد ابن الفرج أورده الذهبي في
الضعفاء وضعفه أبو عوف
(1/470)
931 - (أربعة لا ينظر الله إليهم) نظر رضى
ومثوبة. والنظر تقليب الحدقة والله تعالى منزه عنه فالنظر
في حقه بمعنى الإحسان وعدمه هو المقت والخذلان (يوم
القيامة) إشارة إلى أن محل الرحمة والنعمة المستمرتين
بخلاف رحمة الدنيا وعذابها فإنهما ينقطعان بتجرد الحوادث
(عاق) لوالديه أو أحدهما (ومنان) زاد في رواية: الذي لا
يعطى شيئا إلا منه (ومدمن خمر) أي معاقر لها ملازم على
شربها (ومكذب بالقدر) بالتحريك: بأن أسند أفعال العباد إلى
قدرهم. ولكون العقوق والمنة في كل منهما حق للآدمي وحق
الله قدمهما على ما بعدهما لأنهما محض حق الله وفيه أن
الأربعة المذكورة من الكبائر لهذا الوعيد
(طب عد عن أبي أمامة) الباهلي قال الهيتمي رواه الطبراني
بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك وفي الآخر عمر
بن يزيد وهو ضعيف
(1/470)
932 - (أربعة يبغضهم) أي ممن يبغضهم (الله)
تعالى يعذبهم ويحيلهم دار الهوان (البياع الحلاف)
بالتشديد. صيغة مبالغة: أي الذي يكثر الحلف على سلعة لقد
أعطى فيها أكثر من كذا (والفقير المختال) بخاء معجمة: أي
المتكبر المعجب بنفسه (والشيخ الزاني) أي الرجل الذي قد
أمسى وهو مصر على الوطء بغير عقد شرعي ومثله الشيخة
الزانية (والإمام الجائر) أي الحاكم الظالم المائل عن الحق
إلى الباطل يقال جار في حكمه يجور جورا وظلم عن الطريق
مال. وإنما أبغضهم لأن الحلاف الكثير الحلف انتهك ما عظم
الله من أسمائه وجعله سببا وحيلة لدرك ما حقره من الدنيا
لعظمها في قلبه. فبغضه ومقته هذا في الحلف الصادق فما بالك
بالكاذب؟ والفقير المختال: أي المتكبر قد زوى الله عنه
أسباب الكبر بحمايته له عن الدنيا فأبى لؤم طبعه إلا
التكبر ولم يشكر نعمة الفقر فإن المصطفى صلى الله عليه
وآله سلم يقول: الفقر على المؤمن أزين من العذار الجيد على
خد الفرس. والشيخ الزاني عمر عمرا يحصل به الإنزجار
واستولت أسباب الضعف وكلها حاجزة عن الزنا فأبى سوء طبعه
إلا التهافت في معصية ربه. والإمام الجائر أنعم الله عليه
بالسيادة والقدرة فأبى شؤم شح طبعه إلا الجور وكفر النعمة.
وتعبيره بالبغض في هذه الأربعة وبعدم النظر في الأربعة
قبلها يؤذن بأن هذه أقبح من تلك: فإن البغض أشد. ألا ترى
أن الشخص [ص:471] قد لا ينظر إلى الشيء ويعرض عنه احتقارا
وعدم مبالاة به ولا يبغضه؟
(ن هب) وكذا الخطيب في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ
العراقي سنده جيد وقال الذهبي في الكبائر عقب عزوه للنسائي
إسناده صحيح ومن ثم رمز المصنف لصحته
(1/470)
933 - (أربعة) أي أربعة أشخاص (تجري) بفتح
أوله (عليهم أجورهم بعد الموت) أي لا ينقطع ثواب أعمالهم
بموتهم بل يستمر (من مات مرابطا في سبيل الله) أي إنسان
مات حال كونه ملازما ثغر العدو بقصد الذب عن المسلمين (و)
الثاني (من علم علما أجرى له عمله ما عمل به) أي وأي إنسان
علم علما وعمله غيره ثم مات فيجري عليه ثوابه مدة دوام
العمل به من بعده (و) الثالث (من) أي إنسان (تصدق بصدقة)
جارية مستمرة من بعده كوقف (فأجرها يجري له ما وجدت) أي
فيجري له أجره مدة بقاء العين المتصدق بها وزاد بيان
الجزاء في هذين لخفاء النفع فيه أو إيماء إلى تفضيلهما على
الأول والأخير (و) الرابع (رجل) وصف طردي والمراد إنسان
مات (ترك ولدا صالحا) أي فرعا مسلما
هبه ذكرا أو أنثى أو ولد ولد كذلك وإن سفل (فهو يدعو له)
بالرحمة والمغفرة فإن دعاءه أرجى إجابة وأسرع قبولا من
دعاء الأجنبي
ومر أنه لا تعارض بين قوله هنا أربعة وقوله في الحديث
المتقدم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لأن أعمال
الثلاثة متجددة وعمل المرابط ينمو له. وفرق بين إيجاد
العدوم وتكثير الموجود
(حم طب) وكذا البزار (عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف
لحسنه وأعله الهيتمي وغيره بأن فيه ابن لهبعة ورجل لم يسم
لكن قال المنذري هو صحيح من حديث غير واحد من الصحابة
(1/471)
934 - (أربعة يؤتون أجورهم مرتين) أي يضاعف
الله لهم ثواب ما عملوا مرتين (أزواج) جمع زوج والرجل زوج
المرأة وهي زوجة ولم يقل زوجاته جمع زوجة لأن الأولى هي
اللغة العالية الكثيرة وبها جاء القرآن نحو {اسكن أنت
وزوجك الجنة} وإنما اقتصر الفقهاء في الاستعمال على اللغة
القليلة وهي التي بها خوف لبس الذكر بالأنثى إذ لو قيل
تركة فيها زوج وابن لم يعلم أذكر أم أنثى (النبي صلى الله
عليه وسلم) فلهم أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على
القيام بخدمة رسوله ونقلهن ما بطن من الشريعة مما لا يطلع
عليه غيرهن وحفظه على الأمة ومن ثم اتجه عدم دخول غير
المدخولة في ذلك نعم فيه شمول لمن مات قبله منهن ولمن
تأخرت وفاته والظاهر إلحاق سرائره بهن ويشبه أن هذا اللفظ
مما رواه الصحابي بالمعنى وإلا لقال زوجاتي (ومن أسلم من
أهل الكتاب) يعني الفرقة الناجية من النصارى إذ من كفر
بعيسى من أهل الكتاب لا أجر له على عمله كما يجيء. وذلك
لإيمانهم بالكتابين فلهم أجر على الإيمان بالإنجيل وأجر
على الإيمان بالفرقان (ورجل كانت عنده أمة) يملكها وهي تحل
له (فأعجبته فأعتقها) أي أزال عنها الرق لله تعالى (ثم
تزوجها وعبد مملوك) قيد به للتمييز بينه وبين الحر فإنه
أيضا عبد الله (أدى حق الله تعالى وحق سادته) فله أجر على
أداء حق الله تعالى وأجر على أداء حق مواليه كما سبق موضحا
ومن البين أن ذكر الإعجاب للتصوير لا للتقيد فكأنه خرج
جوابا لسؤال وقد يقال إنما خصه لأنه إذا كان معجبا بها
فعتقها صعب عسير على النفس لمصير [ص:472] أمرها بيدها فلما
قهر نفسه بعتقها رجاء للثواب دل على قوة إيمانه وكمال
إيقانه فيجازى بعظم الأجر. وظاهر الحديث أن العامل قد يؤجر
على عمل واحد مرتين ولا بدع فيه وإن كان عملا واحدا لكنه
في الحقيقة عملان مختلفان طاعة الله وطاعة المخلوق فيؤجر
على كل من العملين مرة لا مرتين وقد ورد أن جماعة أخرى
يؤتون أجرهم مرتين وألف فيه المصنف مؤلفا حافلا جمع فيه
نيفا وأربعين وذكر العدد لا ينفي الزائد إذ مفهومه غيرحجة
عند الأكثر
(طب عن أبي أمامة) الباهلي رمز المصنف لحسنه. قال الهيتمي:
فيه علي بن يزيد الالهاني وهو ضعيف وقد وثق
(1/471)
935 - (أربعة من كنز الجنة) أي ثوابهن مدخر
في الجنة التي هي دار الثواب وهو ثواب نفيس جدا (إخفاء
صدقة) أي عدم إعلانها والمبالغة في كتمانها بحيث لا تعلم
يمينه ما أنفقت شماله كما بينه هكذا في خبر آخر والخفاء
يقابل به الإبداء والإعلان {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن
تخفوها} والمراد صدفة النفل (وكتمان المصيبة) أي عدم
إشاعتها وإذاعتها على جهة التضجر والشكوى مما حل به من
البلوى (وصلة الرحم) أي الإحسان إلى القريب ومواساته بما
يحتاجه (وقول) الإنسان (لا حول) أي لا تحول عن المعصية
(ولا قوة) على الطاعة (إلا بالله) أي إلا بإقداره وتوفيقه
وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي: هي كلمة استسلام
وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ولا حيلة له في دفع
شر ولا قوة له في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى قال:
ومعنى كونها من كنز الجنة أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر
لصاحبه في الجنة
(خط) في ترجمة محمد بن قاسم الأزدي (عن علي) أمير المؤمنين
وأشار إلى تفرده باستحسان
(1/472)
936 - (أربعون) مبتدأ (خصلة) تمييز وعند
الإمام أحمد أربعون حسنة بدل خصلة (أعلاهن) أي أعظمهن
ثوابا وهذا مبتدأ ثان خبره (منحة) بكسر فسكون وفي رواية
منيحة (العنز) بفتح فسكون أنثى المعز والجملة خبر الأول
والمنيحة كالعطية لفظا ومعنى والمراد ما يعطى من المعز
رجلا لينتفع بلبنه وصوفه زمنا ثم يعيده وإنما كانت أعلى
لشدة الحاجة إليها (لا يعمل عبد) لفظ رواية البخاري ما من
عامل يعمل (بخصلة منها رجاء ثوابها) بالنصب مفعول له
(وتصديق موعودها) بميم أوله بخط المصنف أي مما وعد لفاعلها
من الثواب على وجه الإجمال (إلا أدخله الله تعالى بها) أي
بسبب قبوله لها تفضلا (الجنة) فالدخول بالفضل لا بالعمل
ونبه بالأدنى على الأعلى. فمنحة البقرة والبدنة كذلك بل
أفضل ولم يفصل الأربعين بالتعيين خوفا من اقتصار العاملين
عليها وزهدهم في غيرها من أبواب الخير وتطلبها بعضهم في
الأحاديث فزادت عن الأربعين منها السعي على دي رحم قاطع
وإطعام جائع وسقي ظمآن ونصر مظلوم. ونوزع بأن بعض هذه أعلى
من المنحة وبأنه رجم بالغيب فالأحسن أن لا يعد لأن حكمة
الإبهام أن لا يحتقر شيء من وجوه البر وإن قل كما أبهم
ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة
(خ د عن ابن عمرو) ابن العاص ووهم الحاكم فاستدركه
(1/472)
937 - (أربعون رجلا أمة) أي جماعة مستقلة
لا تخلو من عبد صالح غالبا (ولم يخلص أربعون رجلا في
الدعاء لميتهم) أي في صلاتهم عليه صلاة الجنازة (إلا وهبه
الله تعالى لهم وغفر له) ذنوبه المتعلقة بالله تعالى
إكراما لهم ويكرمه هو بالمغفرة له [ص:473] فإن ذلك أول ما
يكرم به الميت المؤمن من قبل ربه تعالى كما يجيء في غير ما
حديث وفيه أنه يندب تحري كون المصلين على الجنازة لا
ينقصون عن أربعين وبين جعلهم ثلاث صفوف فأكثر
(الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود) والخليل نسبة إلى جده
الأعلى لأنه أبو يعلى الخليلي ابن عبد الله بن أحمد بن
إبراهيم بن الخليل القزويني رمز المؤلف لضعفه
(1/472)
938 - (أربعون دارا) من كل جهة من الجهات
الأربع (جار) فيه حجة لمذهب الإمام الشافعي أنه لو أوصى
لحيرانه صرف لأربعين دارا من كل جانب من الجوانب الأربعة
ورد على أبي حنيفة في قوله الجار الملاصق فقط
(في مراسيله عن) ابن شهاب (الزهري مرسلا) قال أبو داود قلت
له يعني الزهري وكيف أربعون دارا جار قال أربعون عن يمينه
وعن بساره وخلفه وبين يديه قال الزركشي سنده صحيح وقال ابن
حجر رجاله ثقات
(1/473)
939 - (ارجعن) أيها النساء اللاتي جلسن
ينتظرن جنازة ليذهبن معها (مأزورات) أي آثمات والقياس
موزورات لأنه من الوزر ضد الأجر وإنما قصد الازدواج لقوله
(غير مأجورات) والمشاكلة بين الألفاظ من مطلوبهم كما ذكره
ابن يعيش والعسكري وغيرهما ألا ترى إلى أن وضحاها من قوله
{والشمس وضحاها} أميل للازدواج ولو انفرد لم يمل لأنه من
ذوات الواو وفيه نهى النساء عن اتباع الجنائز لكن الأصح
عند الشافعية أنه مكروه لهن تنزيها نعم إن اقترن به ما
يقتضي التحريم حرم وعليه حمل الحديث وقول من قال كأني نصر
المقدسي لا يجوز لهن اتباع الجنائز
(هـ عن علي) أمير المؤمنين قال خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة ينتظرنها فقال هل تغسلن قلن
لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدفن قلن لا فذكره قال ابن
الجوزي جيد الإسناد بخلاف طريق أنس أي المشار إليه بقوله
(ع عن أنس) قال اتبع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فإذا
بنسوة خلفها فنظر إليهن فذكره ضعفه المنذري وقال الهيتمي
فيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف وقال الدميري حديث
ضعيف تفرد به ابن ماجه وفيه إسماعيل بن سليمان الأزرق
ضعفوه انتهى وبهذا التقرير انكشف أن رمز المصنف لصحته صحيح
في حديث على لا في حديث أنس فخذه منقحا ورواه الخطيب من
حديث أبي هريرة وزاد في آخره مفتنات للأحياء مؤذيات
للأموات
(1/473)
940 - (أرحامكم) أي أقاربكم من الذكور
والإناث (أرحامكم) أي صلوهم واستوصوا بهم خيرا واحذروا من
التفريط في حقهم والتكرير للتأكيد. قال في الإتحاف: هذا
أعز من المخاطب بلزوم ما يحمد أي صلوا أرحامكم أي أكرموها
وفيه من المبالغة في طلب ذلك ما لا يخفى ويصح أن يكون
تحذيرا من القطيعة ويلوح به قوله تعالى {واتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام}
(حب هن أنس) بن مالك
(1/473)
941 - (أرحم من في الأرض) بصيغة العموم
يشمل جميع أصناف الخلائق فيرحم البر والفاجر والناطق
والمبهم والوحش والطير (يرحمك من في السماء) اختلف بالمراد
بمن في السماء فقيل هو الله أي ارحموا من في الأرض شفقة
يرحمكم الله تفضلا والتقدير يرحمكم من أمره نافذ في السماء
أو من فيها ملكه وقدرته وساطانه أو الذي في العلو والجلال
والرفعة لأنه تعالى لا يحل في مكان فكيف يكون فيه محيطا
فهو من قبيل رضاه من السوداء بأن تقول في جواب أين الله
فأشارت إلى السماء معبرة عن الجلال والعظمة لا عن المكان
وإنما ينسب إلى السماء لأنها أعظم وأوسع من الأرض أو
لعلوها وارتفاعها أو لأنها قبلة الدعاء ومكان الأرواح
الطاهرة الفدسية وقيل المراد منه الملائكة أي تحفظكم
[ص:474] الملائكة من الأعداء والمؤذيات بأمر الله ويستغفر
لكم ويطلبوا الرحمة من الله الكريم قال الطيبي ويمكن الجمع
بأن يقال يرحمك بأمره الملائكة أن تحفظك قال تعالى {له
معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} وأخرج
الروياني في مسنده عن ابن عمر يرفعه: إن العبد ليقف بين
يدي الله تعالى فيطول وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد
فيقول يا رب ارحمني اليوم فيقول له هل رحمت شيئا من خلقي
من أجلي فأرحمك. قال الحراني: والرحمة تحلة ما يوافي
المرحوم في ظاهره وباطنه أدناه كشف الضر وكشف الأذى وأعلاه
الاختصاص رفع الحجاب وفيه ندب إلى العطف على جميع أنواع
الحيوان وأهمها وأشرفها الآدمي المسلم والكافر المعصوم
فيعطف عليهم بالمواساة والمعونة والمواصلة فيوافق عموم
رحمة الله للكل بالإرقاق وإدرار الأرزاق وقال وهب: من يرحم
يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطىء ومن يحرص
على الشر لا يسلم ومن يكره الشر يعصم وقال عيسى عليه
السلام: لا تنظروا في عيوب الناس كأنكم أرباب. انظروا فيها
كأنكم عبيد إنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء
واحمدوا الله على العافية وهنا دقيقة وهي أن العارف
المرصفي قال: يجب على الفقير إذا تخلق بالرحمة على العالم
أن لا يتعدى بالرحمة موطنها فيطلب أن يكون العالم كله
سعيدا فإنه تعالى يقول {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من
الجنة والناس أجمعين} وقال {ما يبدل القول لدي} ورؤي
الغزالي في النوم فقيل له مافعل الله بك فقال أوقفني بين
يديه وقال بم جئتني فذكرت أنواعا من الطاعات فقال ما قبلت
منها شيء لكنك جلست تكتب فوقعت ذبابة على القلم فتركتها
تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت
لك انتهى. والرحمة في حقنا رحمة وحنو يقتضي الإحسان وذلك
تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تقدس عن ذلك وعن نقيضه
الذي هو القسوة والغلطة فهو راجع في حقه إلى ثمرة تلك
الرقة وفائدتها وهو اللطف بالمبتلى والضعيف وكشف ضره
والإحسان إليه ذكره القرطبي وغيره وقال ابن عطاء الله من
اطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية فاطلاعه
فتنة عليه وسبب لجر الوبال إليه وإليه أشار ابن الفارض
بقوله:
وإياك والإعراض عن كل صورة. . . مموهة أو حالة مستحيلة
فمن تخلق بالرحمة الإلهية وهي العامة لجميع الخلق الطائع
والعاصي بواسطة شهادة فعل الله عذر الخلق ورحمهم لكونه لم
يشهد لهم فعلا بل يشهد أفعال الحق تتصرف فيهم وتجري مجرى
القدر وهو محجوبون عن ذلك بواسطة أفعال النفس وظلمتها
فيرحمهم الله من غير اعتراض عليه ويعذرهم من غير أن يقف مع
شيء من ذلك
(طب عن جرير) البجلي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح (طب ك)
من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن قابوس (عن ابن
مسعود) رواه من هذا الطريق البخاري في الأدب المفرد وأحمد
وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم وأقره
الذهبي وقال ابن حجر رواته ثقات واقتفاه المصنف فرمز لصحته
قال السخاوي وكان تصحيح الحاكم باعتبار ما له من المتابعات
والشواهد وإلا فأبو قابوس لم يروه عنه سوى ابن دينار ولم
يوثقه سوى ابن حبان على قاعدته في توثيق من لم يجرح ومن
شواهد ما عقبه به المصنف بقوله:
(1/473)
942 - (ارحموا ترحموا) لأن الرحمة من صفات
الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلاما اتصف بها البشر
فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح
وإقامة الحجج وغير ذلك (واغفروا يغفر لكم) لأنه سبحانه
وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من
خلقه من تخلق بها (ويل لأقماع القول) أي شدة هلكة لمن لا
يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه والأقماع بفتح الهمزة
جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن الإناء الذي يجعل في
رأس الظرف ليملأ بالمائع شبه استماع الذين يستمعون القول
ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما
يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجتازا كما يمر الشراب في القمع
كذلك قال الزمخشري: من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين
يستمعون ولا يعون انتهى (ويل للمصرين) على الذنوب أي
العازمين [ص:475] على المداومة عليها (الذين يصرون على ما
فعلوا) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا (وهم يعلمون)
حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون
بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب
(حم خد هب عن ابن عمرو) ابن العاص قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم على منبره ذلك قال الزين العراقي كالمنذري
إسناده جيد وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان
بن زيد الشرعي وثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك انتهى.
والمصنف رمز لصحته وفيه ما ترى
(1/474)
943 - (أردية الغزاة السيوف) أي هي بمنزلة
أرديتها فليس الإرتداء في حقهم بمطلوب كما هو مطلوب لغيرهم
لأن الرداء يغطيها واللائق المناسب إظهارها وإشهارها
إرهابا للعدو ولئلا يكون بينه وبين السيف حائل إن احتاج
إلى سله من غمده
(عب عن الحسن مرسلا) وهو البصري
(1/475)
944 - (إ رضخى) بهمزة مكسورة إذا لم توصل
وبراء: من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء
بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف (ما استطعت) ما
دامت قادرة مستطيعة للإعطاء فما مصدرية. قال الكرماني: لكن
الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه (ولا
توعى) تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء
وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء (فيوعى الله
عليك) أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد فإسناد
الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة
والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر ومن علم أن الله
تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب
(م ن عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت قلت يا رسول الله
ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ
منه؟ فذكره. ورواه عنها أيضا البخاري بلفظ لا توعى فيوعى
الله عليك أرضخى ما استطعت
(1/475)
945 - (ارضوا) أيها المزكون (مصدقيكم)
السعاة ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقهم. وسبب الحديث
أنه جاء ناس من الأعراب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم
فقالوا إن ناسا من المصدقين يأتونا فيظلمونا فقال ارضوا
مصدقيكم قالوا وإن ظلمونا؟ قال ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم.
ولا ريب أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يستعمل ظالما قط
بل كانت سعاته على غاية من تحري العدل كيف ومنهم علي وعمر
ومعاذ؟ ومعاذ الله أن يولي المصطفى صلى الله عليه وسلم
ظالما. فالمعنى سيأتيكم عمالي يطلبون منكم الزكاة والنفس
مجبولة على حب المال فتبغضوهم وتزعمون أنهم ظالمون وليسوا
بذلك. فقوله وإن ظلمتم مني على هذا الزعم ويدل على ذلك
لفظة إن الشرطية وهي تدل على الفرض والتقدير لا على
الحقيقة. وقال المظهري: لما عم الحكم جميع الأزمنة قال كيف
ما يأخذون الزكاة لا تمنعوهم وإن ظلموكم فإن مخالفتهم
مخالفة للسلطان لأنهم مأمورون من جهته ومخالفة السلطان
تؤدي إلى الفتنة وثورانها. رد بأن العلة لو كانت هي
المخالفة جاز كتمان المال لكنه لم يجز لقوله في حديث أنكتم
من أموالنا بقدر ما يعتدون؟ قال لا. أما سعاة غيرنا فإغضاب
ظالمهم واجب وإرضاؤه فيما يرمونه بالجور حرام
(حم م د ن عن جرير) ابن عبد الله قال جاء ناس فقالوا يا
رسول الله إن ناسا من المصدقين إلى آخره
(1/475)
946 - (إرفع إزارك) إلى أنصاف الساقين يا
من أسبله حتى وصل إلى الأرض (واثق الله) أي خفف عقابه على
تعاطي [ص:476] ما حرمه عليك من جر إزارك تيها وخيلاء وفيه
كالذي بعده حرمة إنزال الرجل إزاره ونحوه عن الكعبين بقصد
الخيلاء ويكره بدونه كما مر ويأتي والسنة جعله إلى نصف
الساقين
(طب عن الشريد) بوزن الطويل (ابن سويد) بضم المهملة وفتح
الواو ومثناة تحتية الثقفي قال أبصر رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا يجر إزاره فذكره والشريد اسمه مالك قتل
قتيلا من قومه فلحق بمكة ثم وفد إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فأسلم وبايع بيعة الرضوان وسماه الشريد وهذا الحديث
رواه مسلم عن ابن عمر بزيادة ونقص ولفظه مررت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال ارفع
إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتزرها بعد. فقال بعض
القوم فأين؟ قال أنصاف الساقين وقد رمز المصنف لصحته
(1/475)
947 - (ارفع إزارك) أي شمره عن الإسبال
(فإنه) أي الرفع (أنقى لثوبك) بالنون من النقاء أي أنزه له
عن القاذورات وروي بموحدة تحتية من النقاء أي أكثر بقاءا
ودواما له (وأتقى) بمثناة فوقية (لربك) أي أقرب إلى سلوك
التقوى أو أوفق للتقوى لبعده عن الكبر والخيلاء ثم إن ما
تقرر في هذا الخبر وما قبله من أن الرفع والإزار حقيقة هو
ما عليه المحدثون والفقهاء وقال أهل الحقيقة رفع الثوب
وتطهيره كناية عن طهارة النفس من الدنس والأغيار قال
الشاذلي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر
يقول يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس
قلت وما ثيابي يا رسول الله قال قد خلع عليك خمس خلع خلعة
المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة
الإسلام فمن أحب الله هان عليه كل شيء ففهمت حينئذ قوله
{وثيابك فطهر}
(ابن سعد) في الطبقات (حم هب عن الأشعث) بفتح الهمزة وسكون
المعجمة وبالمثلثة (ابن سليم) المحاربي بضم الميم (عن عمته
عن عمها) رمز المصنف لصحته
(1/476)
948 - (ارفع) أيها الباني (البنيان إلى
السماء) يعني إلى جهة العلو والصعود ولم يرد المظلة كقوله
في الجبل طويل في السماء يريد ارتفاعه وشموخه ذكره
الزمخشري ثم إن ما تقرر من كون الحديث ارفع البنيان هو ما
في خط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من
نسخ المعجم ارفع يديك إلى السماء (واسأل الله السعة) أي
اطلب منه أن يوسع عليك. وزعم حجة الإسلام أن المراد
بالسماء هنا الجنة وأنت خبير بمنافرته للسياق وفيه إلماح
بكراهة ضيق المنزل ومن ثم قال الحكيم: المنازل الضيقة
العمى الأصغر لكن لا يبالغ في السعة بل يقتصر على ما لا بد
منه مما يليق به وبعياله لخبر: كل بناء وبال على صاحبه يوم
القيامة إلا ما لا بد منه
(طب عن) سيف الله أبي سليمان (خالد بن الوليد) قال شكيت
إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الضيق في
المسكن فذكره. قال الهيتمي ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما
حسن اه وبه تعرف أن رمز المصنف لضعفه غير سديد. نعم قال
العراقي في سنده لين وكان كلامه في الطريق الثاني
(1/476)
949 - (إرفعوا ألسنتكم عن المسلمين) أي
كفوها عن الوقيعة في أعراضهم. والرفع في الأجسام حقيقة في
الحركة والانتقال وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام
(وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا) يعني لا تذكروه إلا
بخير وكفوا عن مساوئه فإن غيبة الميت أشد من غيبة الحي.
نعم إن ترتب على ذكره بسوء مصلحة كالتحذير من [ص:477]
بدعته جاز بل قد يجب كما مر
(طب عن سهل بن سعد) الساعدي قال: لما قدم النبي صلى الله
عليه سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
وقال: أيها الناس - فذكره - فما ذكر من أنه عن سهل بن سعد
هو ما رأيته في عدة نسخ من هذا الجامع فإن لم تكن النسخ
التي وقفت عليها محرفة من النساخ وإلا فهو سهو من المؤلف
وإنما هو سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده وكذا
ذكره ابن عبد البر في ترجمة سهل بن مالك فإن الطبراني وكذا
الضياء في المختارة إنما خرجاه من حديث سهل بن يوسف بن سهل
بن مالك ثم ضعفه وقال سهل وأبوه مجهولان وتبعه على ذلك في
اللسان وليس في الصحابة سهل بن مالك غيره ومن لطائف إسناده
أنه من رواية الأب عن الجد وبما تقرر يعرف ما في رمز
المصنف لحسنه
(1/476)
950 - (أرقاءكم أرقاءكم) بالنصب أي الزموا
الوصية بهم والإحسان إليهم وكرره لمزيد التأكيد (فأطعموهم
مما تأكلون) أي من جنسه (وألبسوهم) بقطع همزته وهمزة
أطعموهم وكسر الموحدة (مما تلبسون) كذلك. فالواجب على
السيد لرفيقه إطعامه ما يكفيه وكسوته وجنس ذلك من غالب
القوت والأدم لرقيق البلد وكسوتهم لائقا بالسيد ويستحب أن
يطعمه من عين ما يأكل ويكسوه كذلك ولا يجب ويسن إجلاسه معه
للأكل فإن لم يفعل ندب ترويغ لقمة كبيرة أو لقمتين في دسم
طعامه ودفعه إليه كما مر (وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن
تغفروه) كتقصير في خدمته أو افتتان بين أهل المنزل ومعاشرة
أهل السوء (فبيعوا عباد الله) أي أزيلوا الملك عنهم بنحو
بيع أو كتابة أو هبة أو عتق (ولاتعذبوهم) بضرب أو تهديد أو
تقريع فظيع يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه ووضع الظاهر
موضع المضمر فلم يقل فبيعوهم زيادة في الزجر عن التعذيب
وإيماء إلى أن السادة ليسوا بمالكين لهم حقيقة وإنما لهم
بهم نوع اختصاص والمالك الحقيقي لجميع العباد هو الله
سبحانه وتعالى
(حم وابن سعد) في الطبقات. وكذا الطبراني ولعله أغفله
ذهولا فإن الوجه المخرج منه واحد (عن زيد بن الخطاب) قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أرقاءكم
إلخ وقال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني فيه عاصم بن
عبد الله وهو ضعيف اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه
وزيد هذا هو ابن الخطاب أخو عمر قتل شهيدا يوم اليمامة
(1/477)
951 - (أرقاؤكم إخوانكم) أي هم إخوانكم في
الدين (فأحسنوا إليهم) بالقول والفعل كما يحسن الأخ إلى
أخيه (استعينوهم على ما غلبكم) يعني استعينوا بهم فيما
غلبكم: أي فيما لا يمكنكم مباشرته من الأعمال (وأعينوهم
على ما غلبهم) من الخدمة اللازمة لهم ولا تكلفوهم على
الدوام ما لا يطيقونه على الدوام وما ذكر من أن الرواية
غلبكم وغلبهم بغين معجمة وموحدة تحتية فيهما هو ما في خط
المؤلف وغيره فما في نسخ من أنه بمهملة تصحيف وإن كان
معناه صحيحا لكن خلاف الرواية
(حم خد عن رجل) من الصحابة رمز المؤلف لحسنه
(1/477)
952 - (ارقى) خطابا بالمؤنث وهي دايته
الشفاء فالحكم عام أي لا حرج عليك في الرقيا لشيء من
العوارض: كلدغ عقرب بأي نوع من الرقى التي اعتيدت في
الجاهلية (ما لم يكن شرك بالله) أي ما لم تشتمل الرقيا على
ما فيه شيء من [ص:478] أنواع الكفر كالشرك أو ما يومىء إلى
ذلك فإنها حينئذ محظورة ممنوعة وكذا إن اشتملت على لفظ
جهلنا معناه
(ك) وكذا الطبراني (عن الشفاء) داية النبي صلى الله عليه
وسلم (بنت عبد الله) بن عبد شمس العدوية من المهاجرات
الأول وإسناده صحيح
(1/477)
953 - (اركبوا هذه الدواب سالمة) أي خالصة
عن الكد والإتعاب (واتدعوها سالمة) ولفظ رواية الطبراني
بدله ودعوها أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى
ركوبها وهو افتعل من ودع بالضم وداعة: أي سكن وترفه وابتدع
على القلب فهو مبتدع أي صاحب بدعة أو من ودع إذا ترك يقال
إيدع وابتدع على القلب والإدغام والإظهار ذكره ابن الأثير
(ولا تتخذوها كراسي) وفي رواية: منابر (لأحاديثكم في الطرق
والأسواق) أي لا تجلسوا على ظهورها ليتحدث كل منكم مع
صاحبه وهي موقوفة كجلوسكم على الكراسي للتحدث. والمنهي عنه
الوقوف الطويل لغير حاجة فيجوز حال القتال والوقوف بعرفة
ونحو ذلك. وعلل النهي عن ذلك بقوله (فرب) دابة (مركوبة خير
من راكبها) عند الله تعالى (وأكثر ذكرا لله منه) فيه أن
الدواب منها ماهو صالح ومنها ما هو طالح: وأنها تذكر الله
تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وأن بعضها أفضل من بعض
الآدميين ولا ينافيه {ولقد كرمنا بني آدم} لأنه في الجنس
والفقير المعذب في الدنيا إذا ختم له بالكفر أخس من الدابة
فإنه أشقى الأشقياء كما في الخبر
(حم) بأسانيد عديدة (ع طب ك عن معاذ) بضم الميم (ابن أنس)
قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على
دواب لهم ورواحل فذكره. قال الهيتمي: أحد أسانيد أحمد
رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ وثقه ابن حبان وفيه ضعف
اه وقال الذهبي في المهذب: فيه سهل وفيه لين. وفيه إشعار
بطلب الذكر للراكب. وقد ذكر أهل الحقيقة أنه يخفف الثقل عن
الدابة فإن أخلص الذاكر ودوام على الذكر لم تحس الدابة
بثقل أصلا. وقد أخبروا بذلك عن تجربة
وبعضهم كلمته الدابة وأخبرته بذلك وهذا من كرامات الأولياء
التي لا ينكرها إلا محروم
(1/478)
954 - (اركعوا) ندبا (هاتين الركعتين في
بيوتكم) أي صلوها في منازلكم لا في المسجد. لأن صلاتهما في
البيت أبعد عن الرياء ثم بينهما بقوله (السبحة) بضم السين
وسكون الموحدة (بعد المغرب) أي النافلة بعد المغرب سميت
النافلة سبحة لاشتمالها على التسبيح واتفقوا على ندب
ركعتين بعد المغرب وهما من الرواتب واتفق الشافعية
والحنفية على ندب جعلهما في البيت وصرح الحنفية بكراهة
فعلها في المسجد. قال في فتح القدير: ووقوعها سنة لا ينافي
كراهة فعلها فيه وذهب بعض العلماء إلى أنه يعصي. وحكي عن
أبي ثور ثم إنه لا اختصاص لذلك بسنة المغرب بل جميع
الرواتب يندب جعلها في البيت بدليل خبر النسائي الآتي:
أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما خصها
لأنه رأى رجلا يصليها في المسجد
(هـ عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال
المهملة الأنصاري الأوسي الذي أصابه يوم أحد سهم فنزعه
وبقي نصله إلى أن مات. رمز المصنف لحسنه
(1/478)
955 - (ارموا) بالسهام ونحوها ندبا
لترتاضوا وتتمرنوا على الرمي قبل لقاء العدو ويصير لكم به
خبرة وقوة (واركبوا) الخيل ونحوها مما يركب للجهاد
ولتروضوه للقتال. قال الطيبي: عطفه يدل على المغايرة وأن
الرامي يكون راجلا والراكب رامحا (وأن ترموا) بفتح الهمزة
أي والرمي بالسهام وخبره (أحب إلي من أن تركبوا) أي من
ركوبكم [ص:479] نحو الخيل للطعن بالرمح فإنه لا شيء أنفع
من الرمي ولا أنكى للعدو ولا أسرع ظفرا منه كما يعلمه من
باشر الحروب وخالط الخطوب ومن ثم أفتى ابن الصلاح أن الرمي
أفضل من الضرب بالسيف (كل شيء يلهو به الرجل باطل) أي لا
اعتبار به يقال للمشتغل بما لا يعود عليه من نفع دنيوي أو
أخروي بطال وهو ذو بطالة. ذكره الراغب. قال ابن العربي:
ولا يريد أنه حرام بل إنه عار من الثواب (إلا رمي الرجل
بقوسه) أي العربية وهو قوس النبل أو الفارسية وهو قوس
النشاب (أو تأديبه فرسه) أي ركوبها وركضها والجولان عليها
بنية الغزو وتعليمها ما يحتاج مما يطلب في مثلها. وفي معنى
الفرس: كل ما يقاتل عليه (أو ملاعبته امرأته) أي مزاحه
حليلته بالنزول لدرجات عقلها لطيب القلب وحسن العشرة ولذا
قال لقمان: ينبغي للعاقل كونه كالصبي مع أهله ومثلها نحو
ولد وخادم لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته
بل يراعي الاعتدال (فإنهن) أي الخصال المذكورات (من الحق)
أي من الأمور المعتبرة في نظر الشرع إذا قصد بالأولين
الجهاد وبالثالث حسن العشرة صار اللهو مطلوبا مندوبا فهو
من الحق المأمور به ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم
من أفكه الناس إذا خلا بأهله وسبق عائشة مرارا فسبقها
وسبقته (ومن ترك) أي أهمل (الرمي) بلا عذر (بعد ما علمه)
بفتح العين وكسر اللام مخففة. لا بفتحها مشددة كما وهم
يعني بعد علمه إياه بالتعليم ويجوز بناؤه للمفعول (فقد كفر
الذي علمه) أي ستره فيكره ترك الرمي بعد علمه لأن من تعلمه
حصل أهلية الدفع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة
الجهاد فتركه تفريط في القيام بما تعين عليه. قال
الماوردي: وهذا إن قصد بتعلمه الجهاد وإلا مباح مالم يقصد
به محرما. اه. وأقول الذي يتضمنه التحقيق أن الرمي وتعلم
الفروسية وتعليم الفرس تجري فيه الأحكام الخمسة فأصله مباح
ثم قد يجب إن تعين ذلك طريقا للجهاد الواجب عينا أو كفاية
وقد يندب بقصد الغزو عند عدم تعينه وقد يكره إن قصد به
مجرد اللهو واللعب وقد يحرم إن قصد به نحو قطع الطريق أو
قتال أهل العدل وعلى حالة الندب أو الوجوب ينزل الحديث
(حم ت هب) وكذا رواه الطيالسي والإمام الشافعي كلهم (عن
عقبة بن عامر) ونوزع المصنف بأن الذي في الترمذي إنما هو
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ولعل نسخه مختلفة.
قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر وغيره ورمز المصنف لحسنه
(1/478)
956 - (ارموا الجمرة) في الحج (بمثل حصى
الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: أي بقدر الحصا
الصغار الذي يحذف: أي يرمى بها ففي القاموس وغيره: المحذف
كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما بأخذها بين سبابتيك
فتحذف به. اه. وفي المصباح خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب
ضرب: رميتها بطرفي الإبهام والسبابة وقولهم يأخذ حصى الخذف
معناه حصى الرمي والمراد الحصى الصغار لكنه أطلق مجازا.
اه. والمراد هنا دون الأنملة طولا وعرضا وهو بقدر الباقلا
فيكره تنزيها بدونه وفوقه لكنه يجزىء وفيه رد على الإمام
مالك في قوله الأكبر من حصى الخذف أحب إلي ومن ثم تعجب منه
ابن المنذر ومما يرده أيضا الخبر الصحيح بأمثال هؤلاء أي
حصى الخذف فارموا وإياكم والغلو في الدين
(حم وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) المقدسي (عن رجل من
الصحابة) قال الهيتمي رجاله ثقات. اه. ومن ثم رمز المصنف
لصحته
(1/479)
957 - (أرهقوا) بفتح الهمزة وقال العسكري
بكسرها (القبلة) بالكسر: أي ادنوا من السترة التي تصلون
إليها [ص:480] بحيث يكون بينكم وبينها ثلاثة أذرع فأقل.
والمراد بالقبلة: السترة هنا وأصلها كل ما يستقبل فيندب أن
يصلي إلى سترة لا تبعد عنه أكثر من ذلك والأولى إلى شاخص
كجدار ولا يعمد له بل بسامت أحد جانبيه فإن فقد الشاخص
فإلى عصى مغروز أو متاع موضوع ارتفاعهما ثلثا ذراع ثم يفرش
مصلى ثم يخط خطا من قدميه طولا إلى القبلة وحينئذ يحرم
المرور بينه وببن السترة فإن صلى لا إلى شيء مما مر أو بعد
عنه فوق ثلاثة أذرع كره المرور. ذكره الإمام الشافعي
(البزار) في مسنده (هب وابن عساكر) وكذا أبو يعلى والديلمي
كلهم (عن عائشة) وفيه بشر بن السري أورده الذهبي في
الضعفاء وقال تكلم فيه من جهة تجهمه عن مصعب بن ثابت وقد
ضعفوا حديثه ومن ثم رمز لضعفه
(1/479)
958 - (أريت) بالبناء للمفعول بضبط المصنف
من الرؤيا العلمية لا البصرية لما يجيء ونكتة حذف الفاعل
هنا التعظيم (ما تلقى أمتي من بعدي) أي أطلعني الله بالوحي
أو بالعرض التمثيلي على ما ينوبها من نوائب ونواكب وحذف
كيفية الأداة لتذهب النفس كل مذهب ممكن والتقييد بالظرف لا
مفهوم له فإنه عرضت عليه أمته وما تلقاه في حياته وبعد
وفاته لكن لما كان المقصود الإعلام بوقوع الفتن والقتال
بينهم بعده وأنه مع ذلك شافع مشفع فيهم ذكر البعدية (وسفك
بعضهم) مصدر مضاف لفاعله: أي أراني ما وقع بينهم من الفتن
والحروب حتى أهرق بعضهم (دماء بعض) أي قتل بعضهم بعضا
(وكان ذلك سابقا من الله) تعالى في الأزل (كما سبق في
الأمم قبلهم) أي من أن كل نبي تعرض عليه أمته أو من أن سفك
بعضهم دم بعض سبق به قضاؤه كما وقع لمن قبلهم (فسألته أن
يوليني) بفتح الواو وشد اللام أو سكون الواو من الولاية
(شفاعة فيهم يوم القيامة) ليفوز بخلاصهم مما أرهقهم عسرا
وعراهم من الشدائد نكرا (ففعل) أي أعطاني ما سألته وتنكير
شفاعة للتعظيم: أي شفاعة عظيمة. قال بعض المحققين: وهذه
الرؤيا ليست بصرية بل قلبية كشفية لأن علم الأنبياء مستمد
من علم الحق تقدس وكما أن علمه سبحانه لا يختلف بحسب
اختلاف التسب الزمانية فكذا علم النبيين بل الزمان تابع
لعلم الله وتعلقه بالماضي والمستقبل والحاضر من جهة الكشف
واحد وإنما يختلف بهذه الاختلافات العلم المحدث ولما كان
علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومكاشفاته من ذلك
القبيل اندرجت له الأكوان والمسافات والأزمان والجهات في
بعض الأوقات حتى رأى أمته الحادثين بعده وما وقع منهم من
الحروب والخطوب ورأى الجنة والنار مثلين رأى العين في عرض
الحائط إشعارا بقرب الأمر وإيناسا لمن قصر فهمه عن درك
علوم المكاشفات والتجليات. ذكره في المطامح
(حم طس ك) عن أبي اليماني عن شعيب عن الزهري عن أنس (عن أم
حبيبة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم بنت شيخ قريش
وحبيبها عظيمها أبي سفيان بن حرب الأموية رملة ماتت سنة
أربع وأربعين قال الحاكم على شرطهما والعلة عندهما فيه أن
أبا اليماني رواه مرة عن شعيب ومرة عن غيره ولا ينكر أن
يكون الحديث عند إمام عن شيخين. اه. وقال الهيتمي رجال
أحمد والطبراني رجال الصحيح. اه. فرمز المصنف لصحته متجه
(1/480)
959 - (إزرة المؤمن) بالكسر الحالة وهيئة
الانزار كالجلسة يعني الحالة التي ترتضي منه في الإتزار
وتحسن في نظر الشرع أن يكون الإزار (إلى أنصاف ساقيه) فقط
لقوله في عدة أخبار: وأن ما أسفل من ذلك ففي النار زاد في
رواية الطبراني من حديث ابن معقل وليس عنده حرج فيما بينه
وبين الكعبين وما أسفل من ذلك في النار قال الطيبي:
وجميعها يشعر بالتوسعة فإذا قصد الخيلاء بما زاد على ذلك
حرم وألحق بذلك القسطلاني كم [ص:481] القميص فمتى زاد فيه
على المعتاد بقصد الخيلاء حرم. وقال الفاكهي: فيه رد لما
يفعله فقهاء العصر من تكبير العمائم وتوسيع الثياب
والأكمام وإطالتها وترفيعها وصقالتها حتى خرجوا إلى مجاوزة
الكعبين ونسوا هذا الخبر ونحوه وهذا من أكبر دليل على أنهم
لم يقصدوا بالعلم وجه الله <تنبيه> قوله أي أنصاف ساقيه:
كقولهم قطعت رؤوس الكبشين
(ن) في اللباس (عن أبي هريرة والضياء) المقدسي (عن أنس)
والنسائي أيضا وأبو داود وابن ماجه كلهم من رواية العلاء
بن عبد الرحمن عن أبيه (عن أبي سعيد) الخدري قال عبد
الرحمن سألت أبا سعيد عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارة المؤمن إلى نصف الساق
ولا حرج أو ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل
الكعبين فهو في النار ومن جر ثوبه بطرا لم ينظر الله إليه
هكذا ساقه عنهم جمع منهم النووي في الرياض والزين العراقي
في شرح الترمذي وهو مخالف - كما ترى - لسياق المؤلف. قال
النووي وإسناده صحيح وعن ابن عمر وقال سمعته أذناي من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي
(1/480)
960 - (ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح
وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقارا وشرعا الاقتصار على قدر
الضرورة مما يتيقن حله
وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود (في الدنيا)
باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى
منها واحتقاره لها فإنك إن فعلت ذلك (يحبك الله) لكونك
أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه
أنك إذا أحببتها أبغضك فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه
وتعالى يحب من أطاعه ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان
وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره
ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير
والتقرب بها والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب فهي
صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند
الناس) منها (يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها
مطبوعة عليها ومن نازع إنسانا في محبوبه كرهه وقلاه ومن لم
يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال
الرجل كريما على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به
ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن
قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا
(طب ك هب عن سهل بن سعد) الساعدي قال قال رجل يا رسول الله
دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فذكره
وحسنه الترمذي وتبعه النووي وصححه الحاكم واغتر به المصنف
فرمز لصحته وكأنه ما شعر بتشنيع الذهبي عليه بأن فيه خالد
بن عمر وضاع ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد وقال المنذري
عقب عزوه لابن ماجه: وقد حسن بعض مشايخنا إسناده وفيه بعد
لأنه من رواية خالد القرشي وقد ترك واتهم قال لكن على هذا
الحديث لامعة من أنوار النبوة ولا يمنع كونه رواه الضعفاء
أن يكون النبي قاله اه. قال السخاوي: فيه خالد هذا مجمع
على تركه بل نسبوه إلى الوضع. قال ابن حبان ينفرد عن
الثقات بالموضوعات وقال ابن عدي: خالد وضع هذا الحديث وقال
العقيلي: لا أصل له اه. ثم قضية صنيع المصنف أيضا أن
البيهقي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه بقوله خالد بن
عمر ضعيف
(1/481)
961 - (أزهد الناس) بفتح الهمزة وسكون
الزاي وفتح الهاء: أي أكثر الناس زهدا (في العالم) بعلم
طريق الآخرة أو بالعلوم الشرعية أو العقلية (أهله وجيرانه)
زاد في رواية حق يفارقهم وذلك سنة الله في الماضين وعادته
في النبيين والعلماء ورثتهم ومن ثم قال بعض العارفين: كل
مقدور عليه مزهود فيه وكل ممنوع منه مرغوب فيه. قال
الماوردي: فإذا قرب منك العالم فلا تطلب ما بعد وربما
انبعثت نفس الإنسان إلى من بعد عنه استهانة بمن قرب منه
وطلب ما صعب [ص:482] احتقارا لما سهل عليه وانتقل إلى من
لم يخبره مللا من خبره فلا يدرك مطلوبا ولا يظفر بطائل.
وأنشد بعضهم يقول:
لا ترى عالما يحل بقوم. . . فيحلوه غير دار هوان
هذه مكة المنيفة بيت الل. . . هـ يسعى لحجها الثقلان
وترى ازهد البرية في الح. . . ج لها أهلها لقرب مكان
وروى البيهقي في المدخل أن كعبا قال لأبي مسلم الخولاني:
كيف تجد قومك لك؟ قال مكرمين مطيعين قال ما صدقتني
التوراة. إذ فيها ما كان رجل حكيم في قوم قط إلا بغوا عليه
وحسدوه وقال المصنف رأيت في كراسة لأبي حيان: أوحى الله في
الإنجيل إلى عيسى: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده
(حل) عن محمد بن المظفر عن أحمد بن عمير عن حبشي عن عمرو
بن الربيع عن أبيه عن إسماعيل بن اليسع عن محمد بن سوقة عن
عبد الواحد الدمشقي (عن أبي الدرداء) قال عبد الواحد: رأيت
أبا الدرداء قيل له ما بال الناس يرغبون فيما عندك من
العلم وأهل بيتك جلوس؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول - فذكره - ومحمد بن المظفر أورده في الميزان
وقال ثقة حجة إلا أن الباجي قال كان يتشيع قال في اللسان
كان يشير إلى الجزء الذي جمعه ابن المظفر في فضائل العباس
فكان ما به ذا وعبد الواحد ضعفه الأزدي (عد) عن موسى بن
عيسى الخوارزمي عن عباد بن محمد بن صهيب عن يزيد بن النضر
المجاشعي عن المنذر بن زياد عن محمد بن المنذر (عن جابر)
بن عبد الله قال ابن الجوزي موضوع والمنذر كذاب
ومن كلامهم زامر الحي لا يطرب وذكر كعب أن هذا في التوراة
وقال سليمان الأحول لقيت عكرمة ومعه ابنه. فقلت أيحفظ هذا
من حديثك شيئا؟ قال أزهد الناس في العالم أهله. وقال
العارف المرسي: ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق ليرفع
مقدارهم ويكمل أنوارهم ويحقق لهم الميراث ليؤذوا كما أوذي
من قبلهم فصبروا كما صبر من قبلهم ولو كان إطباق الخلق على
تصديق العالم هو الكمال لكان الأحق بذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم بل صدقه قوم هداهم الله بفضله وكذبه آخرون
فحجبهم الله بعدله فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد
ومنتقد ومصدق ومكذب وإنما يصدق بعلومهم من أراد الحق
إلحاقه بهم وقليل ما هم لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة
وكراهة الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف منزلة واختصار عنه
والعامة إذا رأوا إنسانا ينسب إلى علم أو عرفان جاؤوا من
القفار وأقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم وكلوا من واحد بين
أظهرهم لا يلقون إليه بالا وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع
الأغيار عنهم فما هو إلا كحمار الوحش يدجل به البلد فيطيف
الناس به معجبين لتخطيط جلده وحمرهم بين أظهرهم تحمل
أثقالهم لا يلتفتون إليها أولئك قوم لاخلاق لهم
(1/481)
962 - (أزهد الناس الأنبياء) أي الرسل
ومثلهم خلفاؤهم العلماء العاملون (وأشدهم عليهم) في إيصال
الأذى والإيلام بالبذاء (الأقربون) منهم بنسب أو مصاهرة أو
جوار أو مصاحبة أو اشتراك في حرفة أو نحو ذلك ولهذا نص
الله سبحانه وتعالى على تخصيصهم بالإنذار بقوله {وأنذر
عشيرتك الأقربين} أي أنذرهم وإن لم يسمعوا قولك أو لم
يقبلوا نصحك لكونهم أزهد الناس فإن ذلك ليس عذرا مسقطا
للتبليغ عنك. قال ابن عساكر: وقلما كان كبيرا في عصر قط
إلا وله عدو من السفلة: فلآدم إبليس ولإبراهيم نمروذ
ولموسى فرعون وللمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو جهل. قال
المصنف: وللحسن مروان بن الحكم ولابن عباس نافع بن الأزرق.
وهكذا
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وعزاه ابن الجوزي
لجابر ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن له عدة طرق منها
حديث أبي الدرداء
(1/482)
963 - (أزهد الناس من لم ينس القبر) أي
موته ونزوله القبر ووحدته ووحشته (والبلاء) أي الفناء
والاضمحلال (وترك [ص:483] أفضل زينة) الحياة (الدنيا) مع
إمكان تحليه بها (وآثر ما يبقى على ما يفنى) أي آثر الآخرة
وما يقرب منها من قول وعمل على الدنيا وما فيها. قال بعض
الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فإن والآخرة من خزف باق
لاختار العاقل الباقي على الفاني. وقال: ترك أفضل زينة
الدنيا ولم يقل ترك زينة توسعة في الأمر وإشارة إلى أن
القليل من ذلك مع عدم شغل القلب به لا يخرج عن الزهد (ولم
يعد غدا من أيامه) لجعله الموت نصب عينيه على توالي
الأنفاس (وعد نفسه في الموتى) لأن التخلي عن زينة الدنيا
والتحلي بقصر الأمل يوجب محبة لقاء الله ومحبة لقائه توجب
محبة الخروج من الدنيا وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض
عنها
ثم إن من اشتراطه الزهد به ترك زينة الدنيا يشمل النساء إذ
هي أعلى اللذات وأعظمها باتفاق العقلاء وليس مراد افتعين
جعل الخبر من قبيل العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص
فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحا في الأزهدية كيف وهو أعظم
المحبوبات لخير البرية مع أمره لأمته بإكثار التناكح
لإكثار التناسل؟ وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد
ولم يتركوا الإكثار منهن مع ما هم عليه من ضيق العيش وقلة
الرفاهية والجهادين الأصغر والأكبر (فإن قلت) لم لم ينبه
على استثنائه في هذا الخبر؟ (قلت) اتكالا على ما ظهر
واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية التي هي شعار النصارى
فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه. فتدبر
(هب عن الضحاك مرسلا) قال قيل يا رسول الله من أزهد الناس؟
فذكره. رمز لضعفه
(1/482)
964 - (أسامة) بالضم: ابن زيد مولى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه
(أحب الناس) من الموالي. أو المراد من أحب الناس (إلي) ولا
يعارضه أن غيره أفضل منه كما مر وسيجيء وكان اسامة يدعى
الحب بن الحب وقد عرف ذلك له عمر وقام بالحق لأهله وذلك
أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين
فقال له لم فضلت علي أسامة وقد شهدت مالم يشهد؟ فقال إن
أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
منك وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم من أبيك ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم على محبوبه وهكذا يجب أن يحب ما أحب ويبغض ما يبغض.
قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب بنقيضه وذلك أنه
مر بأسامة وهو يصلي بباب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال مروان إنما أردت أن ترى الناس مكانك؟ فقد رأينا مكانك
فعل الله بك وفعل وقال قولا قبيحا فقال له أسامة: آذيتني
وإنك فاحش متفحش وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. فانظر ما بين
الفعلين وقس ما بين الرجلين فلقد آذى بنو أمية رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه
(حم طب) وكذا الطيالسي (عن ابن عمر) بن الخطاب رواه عنه
أيضا الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ومن ثم رمز
المصنف لصحته
(1/483)
965 - (إسباغ الوضوء) بالضم: أي الشرعي (في
المكاره) جمع مكرهة: أي إتمامه وتكميله وتعميم الأعضاء حال
ما يكره استعمال الماء لنحو شدة برد والمكرهة بفتح الميم
الكره أي المشقة (وإعمال الأقدام) بفتح أوله: أي استعمالها
في المشي بالتكرار أو لبعد الدار هو أفضل كما يأتي (إلى
المساجد) أي مواضع الجماعة (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها
لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق
القلب بالصلاة والاهتمام بها. وتخصيص الباجي ذلك [ص:484]
بانتظار العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب لا دليل عليه
(تغسل الخطايا غسلا) أي تمحها فلا تبقي شيئا من الذنوب كما
لا يبقي الغسل شيئا من وسخ الثوب ودنسه: فكما أن الثوب
يغسل بماء حار ونحو صابون لإزالة الدنس فكذا السيئات تغسل
بالحسنات فالمحو كناية عن الغفران أو المراد محوها من صحف
الملائكة التي يكون فيها المحو والإثبات لا في أم الكتاب
التي هي علم الله الباقية على ما هي عليه فلا يزاد فيها
ولا ينقص منها أبدا
ثم قضية ذلك وقفه على مجموع الخصال الثلاثة لكن في أخبار
أخر ما يدل على استقلالها كل منها في ذلك والمراد الصغائر
بدليل قوله في الحديث الآتي: ما اجتنبت الكبائر. وأخذ بعض
أهل القرن السابع بالتعميم رده مغلطاي بأنه جهل بين
وموافقة للرجبية وكيف يجوز حمله على العموم مع قوله سبحانه
وتعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} و
{توبوا إلى الله جميعا} في آي كثيرة؟ فلو كانت أعمال البر
مكفرة للكبائر لم يكن لأمره بالتوبة معنى وكان كل من توضأ
وصلى يشهد له بالجنة وإن ارتكب كل كبيرة <تنبيه> قال بعض
العارفين: احذر من التلذذ بالماء البارد زمن الحر فتسبغ
الوضوء لا لتذاذك به فتتخيل أنك ممن أسبغه عبادة وأنت ما
أسبغته إلا لتلذذك به لما أعطاه الحال والزمن من شدة الحر
فإذا أسبغته في شدة البرد وصار لك عادة فاستصحب تلك النية
في الحر
(ع ك هب على) أمير المؤمنين قال الحاكم على شرطهما وأقره
الذهبي. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي بعد ما عزاه
لأبي يعلى رواته ثقات وقال المنذري بغير عزوه لأبي يعلى
والبزاز إسناده صحيح وقال الهيتمي رجال أبي يعلى رجال
الصحيح وأقول فيه من طريق البيهقي عبد الرحمن بن الحرث بن
عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة قال أحمد متروك الحديث
وقال أبو حاتم رحمه الله يتشيع
(1/483)
966 - (إسباغ الوضوء) أي إكماله بإيصال
الماء فوق الغرة إلى تحت الحنك طولا ومن الأذن إلى الأذن
عرضا مع المبالغة في الاستنشاق والمضمضة وإيصال الماء إلى
فوق المرفق والكعب مع كل من أصابع اليدين والرجلين والدلك
والتثليث. ذكره الطيبي ثم قال: فتأمل في بلاغة هذا اللفظ
الموجز (شطر الإيمان) يعني جزؤه واستعمال الشطر في مطلق
الجزء تجوز أخف من إخراج الوضوء والإيمان عن معناهما
الشرعي الذي عليه الأكثر ولا ينافيه رواية أحمد: الطهور
نصف الإيمان لأن النصف قد يطلق ويراد به أحد قسمي الشيء
على وزن إذا مت كان الناس نصفين. نعم مما يقرب إرادته هنا
قول ابن الأثير: الإيمان يطهر خبث الباطن والوصف يطهر
الظاهر فكان نصفا وترجيح النووي أن المراد بالإيمان الصلاة
{وما كان الله ليضيع إيمانكم} أطيل في رده. قال مغلطاي:
والحديث حجة على من يرى أن الوضوء لا يفتقر إلى نية
(والحمد لله) أي هذا اللفظ وحده أو هذه الكلمة وحدها خلافا
لزاعم أن المراد الفاتحة (تملأ) بفوقية: أي هذه الكلمة
وقيل تطلق على الجمل المفيدة أو بتحتية: أي هذا اللفظ. كذا
ذكره بعضهم
لكن قال النووي ضبطناه بالفوقية وظاهره أنه الرواية
(الميزان) أي ثواب النطق بذلك مع الإذعان لمدلوله يملأ كفة
الحسنات التي هي كطباق السماوات بل أوسع وذلك لاشتمال
الحمد على التفويض والافتقار إليه تعالى وفيه إثبات
الميزان ذي كفتين ولسان ووزن الأعمال فيها بعد أن تجسم أو
توزن الصحائف قيل ولكل إنسان ميزان والأصح الاتحاد
(والتسبيح) أي تنزيه الله عما لا يليق به بنحو سبحان الله
(والتكبير) أي تعظيم الله بنحو الله أكبر (تملأ) بالفوقية
أو بالتحتية على ما تقرر (السماوات) السبع (والأرضين) لو
قدر ثوابها جسما لأن العبد إذا سبح وكبر امتلأ ميزانه من
الحسنات والميزان أوسع من السماوات والأرض فما يملؤه أكثر
مما يملؤها: ويظهر أن المراد بذلك التعظيم ومزيد التكثير
لا التحديد بدليل قوله في رواية مسلم الآتية بدل ما هنا
يملأ ما بين السماء والأرض (والصلاة) الجامعة لمصححاتها
ومكملاتها (نور) أي ذات نور أو منورة: إذ هي سبب [ص:485]
لإشراق نور المعارف ومكاشفات الحقائق مانعة من المعاصي
ناهية عن الفحشاء والمنكر هادية للصواب أو ذاتها نور
مبالغة في التشبيه (والزكاة) كذا هو بخط المؤلف. ولفظ
رواية مسلم الآتية: الصدقة بدل الزكاة: أي الصدقة المفروضة
بدليل هذه الرواية ولأن الصدقة إذا أطلقت في التنزيل
مقترنة بالصلاة فالمراد بها الزكاة لكن يؤخذ من تعليلهم
الآتي ذكرها للتصوير لا للتقيد (برهان) حجة ودليل قوي إلى
إيمان المتصدق وحبه لربه ورغبته في ثوابه فإن النقس مجبولة
على حب المال والشيطان يعد الإنسان الفقر ويزين له الشح
والنفس تساعده فمخالفة النفس والشيطان من أقوى البراهين
على حب الرحمن {ويطعمون الطعام على حبه} وهنا تكلفات يمجها
السمع فاحذرها (والصبر) أي حبس النفس على مشاق الطاعة
والنوائب والمكاره (ضياء) أي لا يزال صاحبه مستضيئا بنور
الحق على سلوك سبيل الهداية والتوفيق ليتحلى بضياء المعارف
والتحقيق فيظفر بمطوبه ويفوز بمرغوبه. وخص الصلاة بالنور
والصبر بالضياء: مع أن الضياء أعظم بشهادة {هو الذي جعل
لكم الشمس ضياء والقمر نورا} لأن الصبر أس جميع الأعمال
ولولاه لم تكن صلاة ولا غيرها ولأن الضوء فيه إحراق والنور
محض إشراق والصبر شاق مر المذاق (والقرآن) أي اللفظ المنزل
على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه (حجة
لك) في تلك المواقف التي تسأل فيها عنه كالقبر والميزان
وعقبات الصراط إن عملت بما فيه من امتثال المأمور وتجنب
المنهي (أو عليك) في تلك المواطن إن لم تعمل به وزعم أن
المراد لك أو عليك في المباحث الشرعية والقضايا الحكمية
مما يمجه السمع ولما كان هذا مظنة سؤال سائل يقول قد تبين
من هذا التقدير الرشد من الغي فما في حال الناس بعد ذلك
حتم لذلك بجملة استئنافية فقال (كل الناس يغدو) أي كل منهم
يبكر ساعيا في تحصيل أغراضه (فبائع نفسه) من ربها ببذلها
فيما يرضاه (فمعتقها) من أليم العذاب {ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله} (أو) بائع نفسه من الشيطان بذلها
فيما يؤذيها فهو (موبقها) أي مهلكها بسبب ما أوقعها فيه من
استحقاق العذاب وكشف الحجاب والإبعاد عن حضرات رب الأرباب
والفاء في فبائع نفسه تفصيلية وفي فمعتقها سببة (واعلم) أن
جميع ما مر تقريره هو حاضر ما ذكره النووي ثم القاضي. وقال
الطيبي بعد إيراده: ولعل المعنى بالإيمان هنا شعبته كما في
حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة والطهور والحمد وسبحان الله
والصلاة والصدقة والصبر والقرآن أعظم شعبها التي تخص
وتخصيصها ليان فائدتها وفخامة شأنها فبدأ بالطهور وجعله
شطر الإيمان أي شعبة منه وتقريره بوجوه: أحدها أن طهارة
الظاهر أمارة لطهارة الباطن إذ الظاهر عنوانه فكما أن
طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث فكذا طهارة الباطن في
التوبة تفتح باب السلوك للسائرين إليه تعالى ولهذا جمعها
في قوله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} الثاني أنه
اشتهر أن من أراد الوفود إلى العظماء يتحرى تطهير ظاهره من
الدنس ولبس الثياب النقية الفاخرة فوافد مالك الملوك ذو
العزة والجبروت أولى. قال: وخص الصلاة بالنور والصبر
بالضياء لأن فرط الانارة والصبر تثبت عليه أركان الإسلام
وبه أحكمت قواعد الإيمان وختم تلك الشعب بقوله والقرآن حجة
لك أو عليك وسلك به مسلكا غير مسلكها دلالة على كونه
سلطانا قاهرا وحاكما فيصلا يفرق بين الحق والباطل حجة الله
في الخلق به السعادة والشقاوة وهذا الحديث أصل من أصول
الإسلام لاشتماله على مهمات قواعد الدين فكن له من
المتدبرين
(حم ن هـ حب عن أبي مالك الأشعري) الحارث أبو عبيد أو عمرو
أو كعب وخرجه مسلم بلفظ: الطهور شطر الإيمان إلخ
(1/484)
967 - (استاكوا وتنظفوا) أي نقوا أبدانكم
وملابسكم من الوسخ والدنس الحسي والمعنوي (وأوتروا) أي
افعلوا ذلك وترا: ثلاثا أو خمسا أو غير ذلك (فإن الله عز
وجل وتر) أي فرد ليس من جهة العدد ولكن من حيث إنه فرد ليس
[ص:486] مزدوج بشيء كما أنه واحد ليس من جهة العدد ولكن من
جهة أنه {ليس كمثله شيء} (يحب الوتر) أي يرضاه ويقبله
ويثبت عليه قال القاضي: الوتر نقيض الشفع وهو ما لا ينقسم
بمتساويين وقد يتجوز به لما لا نظير له كالفرد ويصح إطلاقه
على الله بالمعنيين فإن مالا ينقسم لا ينقسم بمتساويين
وفيه أن السواك سنة. قال أبو شامة: فإذا ثبت أنه سنة فهو
سبب من أسباب النظافة فمتى احتيج إليه فعل سواء قل السبب
المقتضي له أو كثر فهو كغسل الثوب والإناء والأعضاء
للنظافة في غير العبادة وقد كان السواك من أخلاق العرب
وشمائلها قبل الإسلام على ما نطقت به أشعارهم ثم جاء
الإسلام بتأكيد طلبه ومزيد تأكيده في مواضع مبينة في
الفروع
(ش طس عن سليمان بن صرد) بمهملة مضمومة وفتح الراء
وبالمهملة: أي مطرف الخزاعي الكوفي له صحبة ورواية نزل
الكوفة وهو أول من نزل من المسلمين بها وكان زاهدا متعبدا
ذا قدر وشرف في قومه خرج أميرا في أربعة آلاف يطلبون دم
الحسين فقتل قال الهيتمي فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفه
أبو حاتم والدارقطني وابن عدي ووثقه ابن حبان اه. وبه يعرف
ما في رمز المصنف لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره
(1/485)
968 - (استتروا في) جميع (صلاتكم) أي صلوا
إلى سترة ندبا لجدار أو عمود أو سجادة فإن فقد ذلك كفى
الستر بغيره (ولو) كان (بسهم) أو عصى مغروزة. ويشترط كون
الساتر ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر وبينه وبين قدم المصلي
ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي كما مر وإن صلى إلى سترة
كذلك حرم المرور بين يديه كما يأتي وعبر بفي دون اللام
إشارة إلى طلب الستر في جميع الصلاة
(حم ك هق عن الربيع) ضد الخريف (ابن سبرة) بفتح المهملة
وسكون الموحدة وبالراء ابن معبد بفتح الميم وسكون المهملة
وبالموحدة الجهني قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي
لكن سبرة صحابي والربيع تابعي فالحديث مرسل إن لم يكن صرح
بأبيه
(1/486)
969 - (استتمام المعروف) أي تمام فعله:
والسين للتأكيد والمبالغة كاستحجر الطين والمعروف ما عرفه
الشرع بالحسن (أفضل) في رواية خير (من ابتدائه) بدون
استتمام لأن ابتداءه نافلة وتمامه فريضة كذا قرره ابن
قتيبة ولعل مراده أنه بعد الشروع متأكد بحيث يقرب من
الوجوب ومن تمامه أن لا يخلف الميعاد ولا يمطل ولا يسوف
ولا يتبعه بمن ولا أذى
(طس) وكذا في الصغير عن جابر بن عبد الله قال الهيتمي: فيه
عبد الرحمن بن قيس الضبي متروك اه. ومن ثم رمز المصنف
لضعفه
(1/486)
970 - (استحلوا فروج النساء بأطيب أموالكم)
أي استمتعوا بها حلالا بأن يكون بعقد شرعي على صداق شرعي
واجعلوا ذلك الصداق من مال حلال لا شبهة فيه بقدر الإمكان
فإن ذلك يبعث على دوام العشرة وله في صلاح النسل أثر بين
وهو جمع فرج وأصله كل فرجة بين شيئين وأطلق على القبل
والدبر لأن كل واحد منفرج إلى منفتح وأكثر استعماله في
العرف في القبل
(د في مراسيله عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم
بينهما مهملة البصري تزيل مرو وقاضيها قال في الكاشف: ثقة
مقرىء مفوه وفي التقريب ثقة فصيح (مرسلا) أرسل عن عائشة
وغيرها
(1/486)
971 - (استحي من الله) أمر بإجلال الله
وتعظيمه في ذلك وتنبيه على عجز الإنسان وتقصيره (استحياءك)
أي مثل [ص:487] استحيائك (من رجلين) جليلين كاملين في
الرجولية (من صالحي عشيرتك) أي احذر من أن يراك حيث نهاك
ويفقدك حيث أمرك كما تستحي أن تفعل ما تعاب به بحضرة جمع
من قومك فذكر الرجلين لأنهما أقل الجمع والإنسان يستحي من
فعل القبيح بحضرة الجماعة أكثر وخص عشيرته أي قبيلته لأن
الحياء من المعارف أعظم وهذا مثل به تقريبا للأفهام
والمقصود أن حق الحياء منه أن لا يذكر العبد معه غيره ولا
يثني على أحد سواه ولا يشكو إلا إليه ويكون أبدا بين يديه
ماثلا وبالحق له قائما وقائلا وله معظما وهو في نظره إليه
مشفق وفي إقباله عليه مطرق إجلالا وحياء لأنه يعلم سره
ونجواه وهو أقرب إليه من حبل الوريد. قال في الكشاف كغيره:
والحياء تغيير وانكسار لخوف ما يعاب به
قال في الكشف: ولم يرد به التعريف فقد يكون الاحتشام ممن
يستحى منه بل هو أكثر في النفوس الطاهرة لكنه لما كان أمرا
وجدانيا غنيا عن التعريف من حيث المهنة محتاجا إلى التنبيه
لدفع ما عسى أن يعرض له من الالتباس بغيره من الوجدانيات:
نبه عليه بأن الأمر الذي يوجد في تلك الحالة وأمثالها وكذا
الحكم في تعريف سائر الوجدانيات كعلم وإدراك وغيرهما. قال
القرطبي: وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأحذ نفسه
بالحياء ويأمر به ويحث عليه ومع ذلك فلا يمنعه الحياء من
حق يقوله أو أمر ديني يفعله تمسكا بقوله في الحديث الآتي:
إن الله لا يستحيي من الحق وهذا هو نهاية الحياء وكماله
وحسنه واعتداله فإن من فرط عليه الحياء حتى منعه من الحق
فقد ترك الحياء من الخالق واستحيى من الخلق ومن كان هكذا
حرم منافع الحياء واتصف بالنفاق والرياء. والحياء من الله
هو الأصل والأساس فإن الله أحق أن يستحيى منه. فليحفظ هذا
الأصل فإنه نافع
(عد عن أبي أمامة) الباهلي وإسناده ضعيف
(1/486)
972 - (استحيوا من الله) بترك القبائح
والسيئات وفعل المحاسن والخيرات (حق الحياء) أي حياء ثابتا
لازما. بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب ثم علله
بما يفيده تفاوت الناس في الأخلاق الفضلة من الحياء وغيره
(فإن الله) إلى آخره فكأنه يقول: استحيوا من الله جهدكم
فإنكم إذا استقرغتم وسعكم في التلبس بالحياء منه لا يكلفكم
إلا ذلك فإنه تعالى (قسم بينكم أخلاقكم) قبل أن يخلق الخلق
بزمن طويل (كما قسم بينكم ارزاقكم) أي قدر أخلاقا لخلقه
فيما يتخلفون فيها يتخلفون كل على حسب ما قدر له كما قدر
الأرزاق فأعطى كلا من عباده ما يليق به في الحكمة. وكما
قدر فيهم رحمة واحدة فقسمها بينهم على التفاوت فيها
يتراحمون
(تخ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه أحمد في حديث
طويل من حديث ابن مسعود أيضا قال الهيتمي ورجاله وثقوا
وفيهم ضعف
(1/487)
973 - (استحيوا من الله حق الحياء) بترك
الشهوات والنهمات وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة
فعندها تطهر الأخلاق وتشرق أنوار الأسماء في صدر العبد
ويقرر علمه فيعيش غنيا بالله ما عاش
قال البيضاوي: ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه بل أن
يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول. وقال
سفيان بن عيينة: الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى
يستحي وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء؟ (من
استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس) أي رأسه (وما وعى)
ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا
[ص:488] فيما يحل (وليحفظ البطن وما حوى) أي وما جمعه
باتصاله من القلب والفرج واليدين والرجلين فإن هذه الأعضاء
متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيئا في معصية الله فإن الله
ناظر في الأحوال كلها إلى العبد لا يوازيه شيء وعبر في
الأول بوعي وفي الثاني يحوي للتفنن
قال الطيبي: جعل الرأس وعاء وظرفا لكل مالا ينبغي من رزائل
الأخلاق كالفم والعين والأذن وما يتصل بها وأمر أن يصونها
كأنه قيل كف عنك لسانك فلا تنطق به إلا خيرا. ولعمري أنه
شطر الإنسان قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده. . . فلم يبق إلا صورة اللحم
والدم
ولهذا سيجيء في خبر من صمت نجا. ولم يصرح بذكر اللسان
ليشمل ما يتعلق بالفم من أكل الحرام والشبهات وكأنه قيل:
وسد سمعك أيضا عن الإصغاء إلى ما لا يعنيك من الأباطيل
والشواغل واغضض عينك عن المحرمات والشبهات ولا تمدن عينيك
إلى ما تمتع به الكفار كيف لا وهو رائد القلب الذي هو
سلطان الجسد ومضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد
الجسد كله؟ وهنا نكتة وهي عطف ما وعى على الرأس فحفظ الرأس
مجملا عبارة عن التنزه عن الشرك فلا يضع رأسه لغير الله
ساجدا ولا يرفعه تكبرا على عبادة الله وجعل البطن قطبا
يدور على سرية الأعضاء من القلب والفرج واليدين والرجلين.
وفي عطف وما حوى على البطن إشارة إلى حفظه من الحرام
والاحتراز من أن يملأ من المباح وقد تضمن ذلك كله قوله
(وليذكر الموت والبلى) لأن من ذكر أن عظامه تصير بالية
وأعضاؤه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه
ما يلزمه من طلب الآجلة وعمل على إجلال الله وتعظيمه وهذا
معنى قوله (ومن أراد الآخرة) أي الفوز بنعيمها (ترك زينة
الدنيا) لأن الآخرة خلقت لحظوظ الأرواح وقرة عين الإنسان
والدنيا خلقت لمرافق النفوس وهما ضرتان: إذا أرضيت إحداهما
أغضبت الأخرى فمن أراد الآخرة وتشبث بالدنيا كان كمن أراد
أن يدخل دار ملك دعاه لضيافته وعلى عاتقه جيفة والملك بينه
وبين الدار عليه طريقه وبين يديه ممره وسلوكه فكيف يكون
حياؤه منه؟ فكذا مريد الآخرة مع تمسكه بالدنيا فإذا كان
هذا حال من أراد الآخرة فكيف بمن أراد من ليس كمثله شيء؟
فمن أراد الله فليرفض جميع ما سواه استحياء منه بحيث لا
يرى إلا إياه (فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)
قال الطيبي: المشار إليه بقوله ذلك جميع ما مر فمن أهمل من
ذلك شيئا لم يخرج من عهدة الاستحياء وظهر من هذا أن جبلة
الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب
ومكان المخازي وأنه تعالى هو العالم بها
فحق الحياء أن يستحيى منه ويصونها عما يعاب فيها. وأصل ذلك
ورأسه ترك المرء ما لا يعنيه في الإسلام وشغله بما يعينه
عليه فمن فعل ذلك أورثه الاستحياء من الله. والحياء مراتب:
أعلاها الاستحياء من الله تعالى ظاهرا وباطنا وهو مقام
المراقبة الموصل إلى مقام المشاهدة. قال في المجموع عن
الشيخ أبي حامد: يستحب لكل أحد صحيح أو مريض الإكثار من
ذكر هذا الحديث بحيث يصير نصب عينيه والمريض أولى
(حم ت ك هب عن ابن مسعود) قال قال النبي صلى الله عليه
وسلم ذات يوم لأصحابه استحيوا من الله قالوا إنا نستحي من
الله يا نبي الله والحمد لله قال ليس كذلك ولكن من استحيى
من الله حق الحياء فليحفظ إلخ. صححه المؤلف اغترارا بتصحيح
الحاكم وتقرير الذهبي له في التصحيح وليس هو منه بسديد مع
تعقبه هو وغيره كالصدر المناوي له بأن فيه أبان بن إسحاق.
قال الأزدي تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة. قال
في الميزان: والصباح واه وقال المنذري رواه الترمذي وقال
غريب فعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح قال - أعني
المنذري - وأبان فيه مقال والصباح مختلف فيه وتكلم فيه
لرفعه هذا الحديث وقالوا: الصواب موقوف والترمذي قال لا
يعرف إلا من هذا الوجه
(1/487)
974 - (استذكروا القرآن) أي استحضروه في
قلوبكم وعلى ألسنتكم واطلبوا من أنفسكم المذاكرة والسين
للمبالغة [ص:489] (فلهو أشد نقيصا) بفاء وصاد مهملة ومثناة
تحتية خفيفة: أي تفلتا أو تخلصا
قال الزمخشري: تقول قضى الله بالتفصي من هذا الأمر وليتني
أتفصى من فلان: أي أتخلص منه وأباينه. قال الزركشي:
وانتصاب تفيصا على التمييز كقوله تعالى {وأحسن مقيلا} (من
صدور الرجال) أي من قلوبهم التي في صدورهم (من النعم) أي
الإبل (من عقلها) أي أشد نفارا من الإبل إذا انفلتت من
العقال فإن من شأن الإبل طلب التفلت مهما أمكنها فمتى لم
يتعاهد صاحبها رباطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن إن لم
يتعاهد تفلت بل هو أشد من ذلك وفي نص القرآن إشارة إلى ذلك
حيث قال {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} وقال {ولقد يسرنا
القرآن للذكر} فمن حافظ على تلاوته بشراشره يسره له ومن
أعرض عنه تفلت منه. وروي بعقلها والباء فيه بمعنى من.
والعقل جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلا
وهو أن تنثني وظيفه على ذراعه فيشدان بحبل وذلك الحبل هو
العقال. قال التوربشتي: ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجميع
مثل كتب وكتب. قال والرواية فيه من غير تخفيف. ونسيان
القرآن كبيرة. وفيه ندب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد
(حم ق ن عن ابن مسعود) وفي الباب عن ابن عمر وغيره
(1/488)
975 - (استرشدوا) بكسر المعجمة (العاقل) أي
الكامل العقل قال للكمال لا للحقيقة (ترشدوا) بفتح أوله
وضم ثالثه كما ضبطه جمع
أي اطلبوا منه ندبا مؤكدا الإرشاد وإلى إصابة الصواب يحصل
لكم الإتصاف بالرشد والسداد ولكن يختلف الحال باختلاف
الأمر المطلوب فتشاور في أمور الدين وشؤون الآخرة الذين
عقلوا الأمر والنهي عن الله وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد
الهوى وكفوها بالخوف عن موارد الردى وألزموها طرق سبل
الهدى. وفي أمور الدنيا من جرب الأمور ومارس المحبوب
والمحذور ولا تعكس ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم
المدينة مر بقوم يلقحون نخلا فقال لو لم تفعلوا كان لصلح
قتركوا فخرج شيصا فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم
وروى أحمد عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون نخلا فقال ما تصنعون؟ قالوا
كنا نضعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت
ثمرته فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطىء ويصيب ولكن
ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله.
اه. وقد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس
عقلا. فقال تعالى {وشاورهم في الأمر} وأثنى تعالى على
فاعليها في قوله {وأمرهم شورى بينهم} (ولا تعصوه) بفتح
أوله (فتندموا) أي لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين. والفاء لقوة ارتباط الطلب وتأكد طلب
المنع من المخالفة والتحذير منها. وأعظم به من حث على
استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم وفيه تنويه عظيم على
شرف العقل. قال بعض الحكماء من استعان بذوي العقول فاز
بدرك المأمول. وقال بعضهم لا تصلح الأمور إلا برأي أولي
الألباب. والرحى لا تدور إلا على الأقطاب. قال البيهقي قيل
لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم فقال نحن ألف رجل فينا
حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم. وقال علي كرم الله وجهه:
نعم الموازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد. قال
الماوردي: فيتعين على العاقل أن يسترشد إخوان الصدق الذين
هم ضياء القلوب ومزايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه
عليه من مساويه التي صرفه حسن الظن عنها فإنهم أمكن نظرا
وأسلم فكرا ويجعل ما ينبهونه عليه من مساويه عوضا عن تصديق
المدح فيه. وقال بعض الكاملين حكمة الأمر بالاستشارة أن
صاحب الواقعة لا ينفك عن هوى يحجبه عن [ص:490] الرشد
فيسترشد عاقلا كامل العقل حازم الرأي لا هوى عنده. واعتبر
فيمن يستشار كمال العقل ومن لازمه الدين فلا ثقة برأي من
ليس كذلك
وعلم من ذلك أنه لا يستشير امرأة كيف وقد أخبر المصطفى صلى
الله عليه وسلم بنقص عقلها وفي خبر سيأتي طاعة النساء
ندامة فإن لم يجد من يستشيره شاورها وخالفها فقد روى
العسكري عن عمر رضي الله عنه خالفوا النساء فإن في خلافهن
البركة وفي إفهام الحديث تحذير عظيم من العمل برأي من لم
تكمل رتبته في العقل وعدم التعويل على ما يقول أو يفعل
(خط) في كتاب (رواة مالك) ابن أنس وكذا القضاعي (عن أبي
هريرة) وفيه سلمان بن عيسى السجزي قال في الميزان هالك
وقال الجوزقاني وأبو حامد كذاب صراح وقال ابن عدي وضاع ثم
سرد له احاديث هذا منها وقال أعني الذهبي عقب إيراده المتن
هذا غير صحيح قال في اللسان وأورده الدارقطني من رواية
محمد بن منصور البلخي عن سليمان وقال هذا منكر وسليمان
متروك وقال الحاكم الغالب على أحاديثه المناكير والموضوعات
وأعاده في موضع آخر وقال أورده الدارقطني في غرائب مالك
وقال حديث منكر وأورده في اللسان في ترجمة عمر بن أحمد
وقال من مناكيره هذا الخبر وساقه ثم قال المتهم به عمر
قاله ابن النجار في ترجمته انتهى لكن يكسبه بعض قوة ما
رواه الحارث ابن أبي أسامة والديلمي بسند واه استشيروا ذوي
العقول ترشدوا به يصير ضعيفا متماسكا ولا يرتقي إلى الحسن
لأن الضعيف وإن كان لكذب أو إتهام بوضع أو لنحو سوء حفظ
الراوي وجهالته وقلة الشواهد والمتابعات فلا يرقيه إلى
الحسن لكن يصيره بحيث يعمل به في الفضائل
(1/489)
976 - (استرقوا) بسكون الراء من الرقية وهي
العوذة كما في القاموس قال الطيبي ما يرقى به من الدعاء
لطلب الشفاء (لها) أي اطلبوا لها من يرقيها والمراد بها من
في وجهها سفعة بفتح المهملة وسكون الفاء ثم عين مهملة أي
آثر سواد أو غبرة أو صفرة (فإن بها النظرة) بسكون الظاء
المعجمة ولفظ رواية بعض مخرجيه نظرة بالتنكير أي بها إصابة
عين من بعض شياطين الجن أو الإنس قالوا عيون الجن أنفذ من
أسنة الرماح والشياطين تقتل بيديها وعيونها كبني آدم كما
تجعل الحائض يدها في اللبن فيفسد. وللعين نظر باستحسان
مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمنظور ضرر وفيه مشروعية
الرقيا فلا يعارضه النهي عن الرقيا في عدة أحاديث كقوله في
الحديث الآتي الذين لا يسترقون ولا يكتوون لأن الرقية
المأذون فيها هي ما كانت بما يفهم معناه ويجوز شرعا مع
اعتقاد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى والمنهي عنها
ما فقد فيها شرط من ذلك
(ق عن أم سلمة) واللفظ للبخاري ولفظ رواية مسلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت أم سلمة ورأى
في وجهها سفعة فقال بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها
صفرة انتهت عبارة صحيح مسلم بنصه
(1/490)
977 - (استشفوا) أي اطلبوا الشفاء من
الأمراض الحسية والمعنوية (بما) أي بقراءة أو كتابة الذي
(حمد الله تعالى به نفسه) أي وضعها وأثنى عليها به (قبل أن
يحمده خلفه) أي في الأزل (و) استشفوا (بما مدح الله به
نفسه) قبل أن يمدحه خلقه فحذفه من الثاني لدلالة الأول
عليه (الحمد لله وقل هو الله أحد) أي سورة الحمد وسورة
الإخلاص بكمالهما والمدح والحمد مترادفان على ما في الفائق
لكن الجمهور على أن الحمد النعت بالجميل على الجميل
الاختياري والمدح النعت بالجميل وإن لم يكن اختياريا وعلى
القول بالترادف فمغايرة التعبير للتفنن ولكراهة توالي
الأمثال وعلى الثاني فإنما ذكر الحمد في الأول لتضمن
السورة الثناء عليه تعالى بالرحمنية والرحيمية والربوبية
وغير ذلك من الصفات المتعدية وذكر المدح في الثاني لتضمن
السورة الثناء على الصفات الذاتية وهي غير مسبوقة
بالاختيار وإلا لزم حدوثها كما مر وجوز جمع من السلف كتابة
القرآن في إناء وغسله وشربه. ومقتضى مذهب الشافعي كما في
المجموع الجواز والمراد أن ذلك مما يستشفى به فلا ينافي ما
ورد من الاستشقاء بآيات أخر منه والمراد أن لهاتين مزية
وإن كان لغيرهما في ذلك أثر بين أيضا (فمن [ص:491] لم يشفه
القرآن فلا شفاه الله) دعاء أو خبر. قال ابن التين: الرقية
بأسماء الله من الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار
حصل الشفاء بإذن الغفار ولما عز هذا النوع فزع الناس إلى
الطب الجسماني
(ابن قانع) في معجم الصحابة (عن رجاء الغنوي) بفتخح
المعجمة والنون نسبة إلى غنى بن أعصر واسمه منبه بن سعد بن
قيس غيلان ينسب إليه خلق كثير وقد أشار الذهبي في تاريخ
الصحابة إلى عدم صحة هذا الخبر فقال في ترجمة رجاء هذا له
صحبة نزل البصرة وله حديث لا يصح في فضل القرآن انتهى بنصه
(1/490)
978 - (استعتبوا) وفي رواية عاتبوا (الخيل)
هي جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه وقيل واحده خائل لأنه
يختال: أي روضوها وأدبوها للركوب والحرب فإنها (تعتب)
بالبناء للمفعول أي تقبل العتاب أي التأديب وهذا أمر مشاهد
والأمر إرشادي وتخصيصه الخيل ليس لإخراج غيرها من
الحيوانات فإن منها ما يقبل التأديب والتعليم أكثر من
الخيل كالقرد والنسناس. وقد صح أن جمعا رأوا قردا خياطا
وآخرون رأوا قردا يحرس الحوانيت بالأجرة والحكايات في مثل
ذلك كثيرة بل لأن الخيل أكثر ملازمة للناس فنص على ما تمس
الحاجة بل الضرورة إليه
(عد وابن عساكر) في تاريخه (عن أبي أمامة) بإسناد ضعيف
(1/491)
979 - (استعد للموت) أي تأهب للقائه
بالتوبة المتوفرة والشروط: كرد المظالم بأن يبادر إلى ردها
لأهلها وقضاء نحو صلاة وصوم واستحلال من نحو غيبة وقذف
(قبل نزول الموت) أي قبل أن تفجأك المنية ويهجم عليك هادم
اللذات المفوت لذلك وطلب ذلك للصحيح فالمريض أولى وآكد
لأنه أقرب إلى الموت وحقيق بالمسافر أن يأخذ أهبة الرحيل
وحوائج السفر وما يصلح لمنزل الإقامة ويبادر خوف الفجأة
ومن احتدت عين بصيرته زاد في الجد وحسن الزاد ومن زرع خيرا
حصد مسرة ومن زرع شرا حصد ندامة وحسرة ووضع الظاهر موضع
المضمر لتصدع القلوب بتكرار إيراد ذكر اسمه عليها ومن وجوه
الاستعداد تغطية السيئة بالحسنة فكما أن الماشطة تستر ما
شان من العروس بالزينة للقدوم بها على زوجها فكذا المؤمن
يستر ما شانه من الذنوب بالقربات بقدومه على ربه والأمر
للندب ومحله إذا لم يتيقن أن عليه شيئا من ذلك وأيما تردد
فيه فيندب له حينئذ بذل الجهد في الاستعداد ورد ما يتوهمه
باقيا عنده من المظالم وبرأته مما عساه يكون بذمته من حقوق
الله وحقوق الآدميين أما مع تحقق دلك فيجب عليه ما ذكر
فورا وإجماعا ولو تحقق أن عليه شيئا ونسيه فالورع كما قال
المحاسبي أن يعين كل ذنب ويندم عليه بخصوصه فإن لم يعلم
ذلك فهو غير مخاطب بالتوبة لتعذرها لكنه يلقى الله تعالى
بذلك الذنب كما لو نسي دائنه كذلك وتسامح القاضي الباقلاني
فقال يقول إن كان لي ذنب لم أعلمه فأنا تائب إلى الله منه
(طب ك) في الرقائق (عن طارق) بمهملة وقاف (المحاربي) بضم
الميم الكوفي صحابي له حديثان أو ثلاثة قال قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم يا طارق استعد 'لى آخره قال
الحاكم صحيح وأقره الذهبي وهو مستند المؤلف في رمزه لصحته
لكن قال الهيتمي فيه عند الطبراني اسحاق بن ناصح قال أحمد
كان من أكذب الناس
(1/491)
980 - (استعن بيمينك) أي بالكتابة بيدك
اليمين وخصها لأن الكتابة إنما هي بها غالبا وذلك بأن نكتب
ما تخشى نسيانه إعانة لحفظك والحروف علائم تدل على المعاني
المرادة فإنها إن كانت محفوظة أغنت عن الكتابة وإن عرض شك
أو سهو فالكتاب نعم المستودع ومن ألطاف الله لعباده
الكتابة حيث شرع لهم ما يعينهم على ما ائتمنوا عليه
وأرشدهم إلى ما يزيل الريب ومنافع الكتابة لا يحيط بها إلا
الله تعالى فما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار
الأولين [ص:492] والآخرين ومقالاتهم إلا بها ولولاها ما
استقام أمر الدين
(ت) في العلم من حديث الخليل بن مرة عن يحيى عن أبي صالح
(عن أبي هريرة) قال شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
سوء الحفظ فذكره قال أعني الترمذي إسناده ليس بالقائم ثم
نقل عن البخاري أن الخليل منكر الحديث مع أنه اختلف عليه
فيه انتهى ورواه عنه ابن عدي وفيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف
كما بينه الهيتمي وعد في الميزان هذا الخبرمن المناكير لكن
له شواهد منها: قيدوا العلم بالكتابة وفيه الأمر بتعليم
الكتابة لأن ما توقف عليه المطلوب مطلوب بل قيل بوجوبه
كفاية لم يبعد بناء على ما ذهب إليه جمع من أن الكتابة
للعلم واجبة وقال إنها للنساء مكروهة ومن ثم قيل: ما
للنساء والكتابة والعمالة والخطابة هذا لنا ولهن منا أن
يبيتن على جنابة وظاهر صنيع المؤلف أن هذا الحديث بتمامه
والأمر بخلافه بل سقطت منه لفظة وهي قوله على حفظك
(استعينوا على إنجاح حواءجكم) من جلب نفع ودفع ضر
(بالكتمان) عن الخلق اكتفاء بعلم وصيانة للقلب عما سواه
(فإن كل ذي نعمة محسود) فتكتم النعمة عن الحاسد إشفاقا
عليه وعليك منه (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن ابن عباس)
(1/491)
981 - (استعيذوا) أي تعوذوا أي اطلبوا
الإعاذة (بالله من طمع) أي حرص شديد يهدي أي يدني ويقرب أو
يجر (إلى طبع) بفتح الطاء والموحدة أي يؤدي إلى دنس وشين
(ومن طمع يهدي إلى غير مطمع) أي إلى تأميل ما يبعد حصوله
والتعلق به قال في المصباح ومن كلامهم فلان طمع في غير
مطمع إذا أمل ما يبعد حصوله (ومن طمع حيث لا مطمع) أي ومن
طمع في شيء حيث لا مطمع فيه بالكلية لتعذره حسا أو شرعا
فاستعمل الهدى فيه على الاستعارة تهكما ذكره الطيبي وهذه
الثالثة أحط مراتب الدناءة في مطمع وأقبحها فإن حيث من صيغ
العموم في الأحوال والأمكنة والأزمنة وقال يحيى بن كثير:
لا يعجبك حلم امرىء حتى يغضب ولا أمانته حتى يطمع قال
القاضي: والهداية الإرشاد إلى الشيء والدلالة عليه ثم اتسع
فيه فاستعمل بمعنى الأذن فيه والإيصال إليه والطبع محركا
العيب وأصله الدنس ولو معنويا كالعيب والعار وأصله من صيغ
العموم في الأمكنة لكنه استعمل هنا فيها وفي كل حال وزمان
وأصله الذي يعرض للسيف والمعنى تعوذوا بالله من طمع يسوقكم
إلى شين في الدين وازدراء بالمروءة واحذروا التهافت على
جمع الحطام وتجنبوا الحرص والتكالب على الدنيا
(حم طب عن معاذ بن جبل) ضد السهل قال الحاكم مستقيم
الإسناد وأقره الذهبي لكن قال الهيتمي: إن في رواية أحمد
والطبراني عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف
(1/492)
982 - (اسعيذوا بالله من شر جار المقام)
بالضم أي الإقامة فإنه ضرر دائم وأذى ملازم ووجهه بقوله
(فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل) بالزاي فيهما أي
أن يفارق جاره ويتحول من جواره فارقه فيستريح منه. وشمل
جار المقام الحليلة والخادم والصديق الملازم وفيه إيماء
إلى أنه ينبغي تجنب جار السوء والتباعد عنه بالانتقال عنه
إن وجد لذلك سبيلا بمفارقة الزوجة وبيع الخادم وأن المسافر
إذا وجد من أحد من رفقته ما يذم شرعا فارقه
(ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي
(1/492)
983 - (استعيذوا بالله من العين) أي
التجئوا إليه من شر العين التي هي آفة تصيب الإنسان
والحيوان من نظر العائن إليه فيؤثر فيه فيمرض أو يهلك
بسببه (فإن العين حق) أي بقضاء الله وقدره لا بفعل العائن
بل يحدث الله في المنظور [ص:493] علة يكون النظر بسببها
فيؤاخذه الله بجنايته عليه بالنظر منها وينبغي التعوذ بما
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعوذ به الحسن والحسين وهو
" أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شبطان وهامة ومن كل
عين لامة " رواه البخاري
(هـ ك عن عائشة) قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي
(1/492)
984 - (استعيذوا بالله من الفقر والعيلة)
من أعال كثرت عياله والواو بمعنى مع أي الفقر مع كثرة
العيال فإن ذلك هو البلاء الأعظم والموت الأحمر ولما كان
الفقر قد يلجىء إلى أخذ مال الغير عدوانا ويجر إلى التظالم
عقبه بقوله (ومن أن تظلموا) أنتم أحدا من الناس (أو
تظلموا) أي أو يظلمكم أحد بمنع الحق الواجب فالأول مبني
للفاعل والثاني للمفعول وذلك لأن الظالم هالك في الدارين
والمظلوم قد يسخط ولا يصبر لقضاء الله فيهلك وقد كان من
دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال
اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم
(طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لحسنه لكن فيه انقطاع
فقد قال الهيتمي فيه يحيى بن إسحاق بن عبادة ولم يسمع من
عبادة وبقية رجاله رجال الصحيح
(1/493)
985 - (استعينوا على إنجاح الحوائج) لفظ
رواية الطبراني استعينوا على قضاء حوائجكم (بالكتمان)
بالكسر أي كونوا لها كاتمين عن الناس واستعينوا بالله على
الظفر بها ثم علل طلب الكتمان لها بقوله (فإن كل ذي نعمة
محسود) يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في
مرامكم وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة ما بعد
وقوعها وأمن الحسد وأخذ منه أن على العقلاء إذا أرادوا
التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه ويجتهدوا في طي سرهم قال
بعض الحكماء من كتم سره كان الخيار إليه ومن أفشاه كان
الخيارعليه وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنع من بلوغ
مأربه ولو كتمه كان من سطوته آمنا ومن عواقبه سالما وبنجاح
حوئجه فائزا وقال بعضهم سرك من دمك فإذا تكلمت فقد أرقته
وقال أنو شروان من حصن سره فله بتحصينه خصلتان الظفر
بحاجته والسلامة من السطوات. وفي منثور الحكم انفرد بسرك
ولا تودعه حازما فيزول ولا جاهلا فيحول لكن من الأسرار ما
لا يستغني فيه عن مطالعة صديق ومشورة ناصح فيتحرى له من
يأتمنه عليه ويستودعه إياه فليس كل من كان على الأموال
أمينا كان على الأسرار أمينا. والعفة عن الأموال أيسر من
العفة عن إذاعة الأسرار قال الراغب: وإذاعة السر من قلة
الصبر وضيق الصدور ويوصف به ضعف الرجال والنساء والصبيان
والسبب في صعوبة كتمان السر أن للإنسان قوتين آخذة ومعطية
وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها ولولا أن الله وكل
المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده
فصارت هذه القوة تتشوف إلى فعلها الخاص بها فعلى الإنسان
أن يمسكها ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها
(عق عد طب) بل في معاجيمه الثلاثة (حل هب) عن محمد بن
خزيمة عن سعيد بن سلام العطار عن ثور بن يزيدعن ابن معدان
(عن معاذ) ابن جبل أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال سعيد
كذاب قال البخاري يذكر بوضع الحديث (عد طب حل هب) كلهم من
طريق العقيلي (عن معاذ) أيضا قال أبو نعيم غريب من حديث
خالد تفرد به عنه ثور حدث به عمر بن يحيى البصري عن شعبة
عن ثور انتهى وأورده ابن الجوزي من هذه الطرق ثم حكم بوضعه
ولم يتعقبه المؤلف سوى أن العراقي اقتصر على تضعيفه ورواه
العسكري عن معاذ أيضا وزاد ولو أن امرءا كان أقوم من قدح
لكان له من الناس غامزا وفيه سعيد المزبور وقال ابن أبي
شيبة بصري ضعيف وقال أحمد بن طاهر كذاب قال في الميزان ومن
منكراته هذا الخبر وقال ابن حبان سعيد يضع الحديث وقال
العقيلي لا يعرف إلا بسميد ولا يتابع عليه وقال الهيتمي في
كلامه على أحاديث الطبراني فيه سعيد العطار كذبه أحمد
وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ
فهو منقطع (الخرائطي [ص:494] في) كتاب (اعتلال القلوب) عن
علي بن حرب عن حابس بن محمود عن أبي جريج عن عطاء (عن عمر)
بن الخطاب وضعفوه (خط) عن ابراهيم بن مخلد عن اسماعيل بن
علي الخطي عن الحسين بن عبد الله الأبزاري عن إبراهيم بن
سعيد الجوهري عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن أبيه عن
جده عن عطاء (عن ابن عباس) قال ابن الجوزي: هذا من عمل
الأبزاري وسئل أحمد وابن معين عنه فقال هو موضوع وقال ابن
أبي حاتم منكر لا يعرف. قال الحافظ العراقي: ورواه أيضا
ابن أبي الدنيا عن معاذ بسند ضعيف جدا بلفظ استعينوا على
قضاء الحوائج بالكتمان وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من
حديث معاذ أيضا وقال فيه سعيد بن سلام العطار متروك وتابعه
حسين بن علوان وضاع ومن حديث ابن عباس وقال فيه الحسين
الأبزاري يضع (الخلعي في فوائده) عن أحمد بن محمد بن
الحجاج عن محمد بن أحمد القرستاني العطار عن أحمد بن عبد
الله عن غندر عن شعبة عن مروان الأصفر عن النزال بن سيرة
(عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: ويستأنس له بخبر
الطبراني عن الحبر إن لأهل النعمة حسادا فاحذروهم انتهى.
ولما ساق الحافظ العراقي الخبر المشروح جزم بضعفه واقتصر
عليه
(1/493)
986 - (استعينوا) ندبا (بطعام السحر)
بالتحريك أي المأكول وق السحر وهو السحور (على صيام
النهار) فإنه يعين عليه كما هو محسوس (وبالقيلولة)
النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد
(على قيام الليل) يعني الصلاة فيه وهو التهجد وما في
معناه من ذكر وقراءة فإن النفس إذا أخذت حظها من نوم
النهار استقبلت السهر بنشاط وقوة انبساط فأفاد ندب
التسحر والنوم وسط النهار وبقصد التقوى على الطاعة
(هـ ك) وكذا البزاز (طب هب) كلهم من حديث زمعة بن صالح
عن سلمة بن وهرام عن عكرمة (عن ابن عباس) قال الحاكم
زمعة وسلمة ليسا بمتروكين وأقره الذهبي في التلخيص
لكنه أورد زمعة في الضعفاء والمتروكين وقال ضعفه أحمد
وأبو حاتم والدارقطني ونقل في الكاشف عن أبي داود أنه
ضعف سلمة هذا وقال ابن حجر في مسنده زمعة بن صالح وفيه
ضعف وقال السخاوي زمعة كان مع صدقه ضعيفا لخطئه ووهمه
ولذا لم يخرج له مسلم إلا مقرونا بغيره وسلمة ضعيف
مطلقا أو في خصوص ما يرويه عن زمعة انتهى
(1/494)
987 - (استعينوا على الرزق) أي على إدراده
وسعته وتيسيره (بالصدقة) لأن المال محبوب عند الخلق
ومن قهر نفسه بمفارقة محبوبه إيثارا لرضا الكريم
الوهاب الذي خزائن الرزق بيده فحري بأن يفاض عليه منها
غاية مطلوبه {وما أنفقتم من شيء فهو يخلقه وهو خير
الرازقين}
(فر عن عبد الله بن عمرو) ابن عون بفتح المهملة
(المزني) بضم وفتح الزاي صحابي موثق وفيه محمد بن
الحسين الصوفي قال الذهبي عن الخطيب عن القطان يضع
الحديث ومحمد بن خالد المخزومي قال في الميزان قال ابن
الجوزي مجروح
(1/494)
988 - (استعينوا على النساء) اللاتي في
مؤنتكم بزوجية أو قرابة أو ملك (بالعري) أي استعينوا
على تسترهن في البيوت وعدم تطرق القالة في حقهن بعدم
التوسعة عليهن في اللباس والاقتصار على ما يقيهن الحر
والبرد على الوجه اللائق وعلل ذلك بقوله (فإن إحداهن
إذا كثرت ثيابها) أي زادت على قدر الحاجة كعادة
أمثالها بالمعروف (وأحسنت زينتها) أي ما تتزين به
(أعجبها) أي حسن في نفسها (الخروج) أي إلى الشوارع
والمجامع للمباهات بحسن زيها ولباسها [ص:495] فترى
الرجال منها ذلك وتنشأ عنه الفتن ما لا يخفى على أهل
الفطن فبإغرائهن تنحسم هذه المفاسد والشرور التي لا
يمكن تداركها بعد وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما
بالك به الآن؟ وفي رواية لابن عدي أيضا عن أنس مرفوعا
أجيعوا النساء جوعا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح
لأنهن إذا سمن واكتسين فليس شيء أحب إليهن من الخروج
وليس شيء شرا لهن من الخروج وإنهن إذا أصابهن طرف من
العري والجوع فليس شيء أحب إليهن من البيوت وليس شيء
خيرا لهن من البيوت انتهى وفيه متروك
(عد) عن الحسن بن سفيان عن زكريا بن يحيى الجزار عن
إسماعيل بن عباد الكوفي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
(عن أنس) بن مالك أورده ابن الجوزي في الموضوعات من
حديث ابن عدي وحكم عليه بالوضع وقال إسماعيل وزكريا
متروكان وتعقبه المؤلف بأن له شاهدا ورواه الهيتمي
والطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا قال
الهيتمي وهو ضعيف
(1/494)
989 - (استعينوا) وفي بعض النسخ استعينوا
(بغناء الله) بفتح الغين والمد: أي اسألوه من فضله ولا
تسألوا غيره فإن خزائن الوجود بيده وأزمنها إليه ولا
معطيي ولا منعم غيره قال بعض العارفين: من لزم الباب
أثبت في الخدم ومن أكثر الذنوب أكثر الندم ومن استغنى
بالله أمن العدم. وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي الرضى
العابد: العيش في ثلاثة أشياء الاستغناء عن الناس -
العدو والصديق - وصحة البدن والأمن من الدين. وزعم أن
المراد من الحديث التزويج لخبر تزوجوا فإنهن يأتين
بالمال بعيد
(عد عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي في الفردوس
لكن بيض له ولده لسنده ثم إن ظاهر كلام المصنف أن ذا
هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل تمامه عشاء ليلة
وغداء يوم
(1/495)
990 - (استغنوا عن الناس) أي تعففوا عن
مسألتهم والمراد أن العبد يشعر قلبه فقر الخلق إلى
ربهم وعجزهم وأنهم تحت قهر قدرة موجدهم ويكف همم نفسه
عن التطلع إليهم وإلى ما في أيديهم وجوارحه عن الإقبال
عليهم ويقنع بما قسم له (ولو بشواص السواك) بضم الشين
المعجمة وفتحها أي بغسالته أو بما تفتت منه عند التسوك
يعني اقنعوا بأدنى ما يسد الرمق حتى لو فرض أنه يسده
غسالة السواك أو ما تفتت منه فاقنعوا به وألزموا
أنفسكم الاستغناء عنهم وكفوها عن الطمع فيهم والنظر
إلى ما في أيديهم وقيل المراد لا تطلبوا منهم غسل
السواك مبالغة. قال العسكري: وقد روي بضم الشين
وبفتحها (البزار) الحافظ أحمد في مسنده
(طب هب عن ابن عباس) قال الحافظ العراقي بعد ما عزاه
للبزار والطبراني إسناده صحيح. وقال تلميذه الحافظ
الهيتمي رجاله ثقات وقال السخاوي رجال هذا الخبر ثقات
وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب
(1/495)
991 - (استفت نفسك) المطمئنة الموهوبة نورا
يفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب إذ الخطاب لوابصة
وهو يتصف بذلك وفي رواية قلبك أي عول على ما فيه لأن
للنفس شعورا بما تحمد عاقبته أو تذم (وإن) غاية لمقدر
دل عليه ما قبله أي فالتزم العمل بما في نفسك ولو
(أفتاك المفتون) بخلافه لأنهم إنما يطلعون على الظواهر
وهم بضم الميم جمع مفتي وفي بعض الحواشي بالفتح من
الفتنة بمعنى الاختبار والضلال لكن كل من رأيناه شرح
الحديث إنما يبني كلامه على معنى الضم وعليه قال حجة
الإسلام: ولم يرد كل أحد لفتوى نفسه وإنما ذلك لوابصة
في واقعة تخصه انتهى قال البعض: وبفرض العموم فالكلام
فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرد حدس
أو ميل من غير دليل شرعي وإلا لزمه اتباعه وإن لم
ينشرح له صدره انتهى وبما بحثه صرح حجة الإسلام لكن
بزيادة بيان وإحسان فقال ما محصوله ليس للمجتهد أو
المقلب إلا الحكم بما يقع له أو لمقلده ثم يقال للورع
استفت [ص:496] قلبك وإن أفتوك إذ للإثم حزازات في
القلوب فإذا وجد قابض مال مثلا في نفسه شيئا منه فليتق
الله ولا يترخص تعللا بالفتوى من علماء الظاهر فإن
لفتاويهم قيودا من الضرورات وفيها تخمينات واقتحام
شبهات والتوقي عنها من شيم ذوي الدين وعادات السالكين
لطريق الآخرة
(تتمة) قال العارف سهل التستري خرج العلماء والزهاد
والعباد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب
الصديقين والشهداء ولولا أن إدراك قلب من له قلب
بالنور الباطني حاكم على علم الظاهر لما قال المصطفى
صلى الله عليه وسلم استفت قلبك فكم من معان دقيقة من
أسرار القرآن تخطر على قلب المتجرد للذكر والفكر وتخلو
عنها زبر التفاسير ولا يطلع عليها أفاضل المفسرين ولا
محققو الفقهاء المعتبرين
(تخ عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة بن معبد
الأزدي وفد سنة تسع وكان بكاءا وقبره بالرقة ورمز
المصنف لحسنه ورواه الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما
قال النووي في رياضه إسناده حسن وتبعه المؤلف فكان
ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ورواه أيضا الطبراني
قال الحافظ العراقي وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول
(1/495)
992 - (استفرهوا) ندبا (ضحاياكم) أي
استكرموها فضحوا بالكريمة الشابة المليحة الحسنة
المنظر والسير الفارهة المليحة والفتية ويقال هو
يستفره الأفراس يستكرمها كما في القاموس وفي مختار
الصحاح عن الأزهري الفاره من الناس المليح الحسن ومن
الدواب الجيد السير انتهى
هذا هو المراد هنا وأما ما فسروا به الفاره من أنه
الحاذق بالشيء فلا يتأنى هنا ثم علل ذلك بقوله (فإنها
مطاياكم) جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها أي
ظهرها (على الصراط) أي فإن المضحي يركبها ويمر بها على
الصراط ويستمر عليها حتى توصله إلى الجنة فإذا كانت
سريعة مرت على الصراط بخفة ونشاط وسرعة. وحكمة جعلها
مطايا في ذلك اليوم دون غيرها من الخيل وغيرها أن ذلك
علامة في ذلك الموقف على أن من امتطاها قد امتثل أمر
الشارع الندبي بالتضحية وأنه من الفائزين بالجزاء
الموعود على ذلك وفيه أن الأفضل في الأضحية كونها جيدة
السير ولم أر من قال به من أصحابنا
(فر) من طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبد الله عن أبيه
(عن أبي هريرة) قال المصنف في الدرر ويحيى ضعيف وقال
السخاوي يحيى ضعيف جدا ووقع في نهاية إمام الحرمين ثم
الوسيط عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم قال
ابن الصلاح وهو غير معروف ولا ثابت وقال ابن العربي
ليس في فضل الأضحية حديث صحيح
(1/496)
993 - (استقم) (قال الدقاق: كن طالب
الاستقامة لا طالب الكرامة فإن نفسك تطلب منك الكرامة
وربك يطلب منك الاستقامة قال السهروردي وهذا أصل كبير
غفل عنه كثيرون) أي الزم فعل الطاعات وترك المنهيات
وقال القاضي المراد بالاستقامة اتباع الحق والقيام
بالعدل وملازمة المنهج المستقيم وذلك خطب جسيم لا
يتصدى لإحصائه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية
وتخلص من كدورات البشرية والظلمات الأنسية الطبيعية
وأيده الله بتأييد من عنده واسلم شيطانه بيده وقليل ما
هم انتهى وقال الطيبي: الاستقامة التامة لا تكون إلا
لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى وهي رتبة
الأنبياء (وليحسن) بفتح المثناة تحت (خلفك) بضمتين
(للناس) بأن تلقاهم ببشر وطلاقة وجه وتتحمل أذاهم
وتفعل بهم ما تحب أن يفعلوا معك وبين به أن الاستقامة
نوعان استقامة مع الحق بفعل طاعته عقدا وفعلا وقولا
واستقامة مع الخلق بمخالقتهم بخلق حسن وبذلك تحصل
الاستقامة الجامعة التي هي الدرجة القصوى التي بها
كمال المعارف والأحوال وصفاء القلوب في الأعمال وتنزيه
العقائد عن سفاسف البدع والضلال. قال الجنيد ولا
يطيقها إلا فحول الرجال لأنها الخروج عن المألوفات
ومفارقة الرسوم والعادات وهذا الحديث من جوامع الكلم
وأصول الإسلام
(طب ك هب عن ابن عمرو) [ص:497] ابن العاص قال قال معاذ
يا رسول الله أوصني فذكره قال الهيتمي فيه أي عند
الطبراني عبد الله بن صالح ضعفه جماعة وأبو السمط معبد
بن أبي سعيد مولى المهدي لم أعرفه
(1/496)
994 - (استقيموا) أي الزموا الاستقامة
والزموا المنهج المستقيم بالمحافظة على إيفاء حقوق
الحق ورعاية حدوده والرضى بالقضاء (ولن تحصوا) ثواب
الاستقامة {وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها} أو لن
تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها أو لن تطيقوها
بقوتكم وحولكم وإن بذلتم جهدكم بل بالله أو استقيموا
على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا
الإحاطة في الأعمال ولابد للمخلوق من تقصير وملال وكأن
القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على
الجد لئلا يتكل على عمله ولهذا قال القاضي: أخبرهم بعد
الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى
غايته لئلا يغفلوا عنه فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما
تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون
عجزا وقصورا لا تقصيرا وقال الطيبي: قوله ولن تحصوا
إخبار وإعراض بين المعطوف والمعطوف عليه كما اعترض ولن
تفعلوا بين الشرط والجزاء لما أمرهم بالاستقامة وهي
شاقة جدا تدارك بقوله ولن تحصوا رأفة ورحمة منه على
هذه الأمة المرحومة كما قال تعالى {فاتقوا الله ما
استطعتم} بعد ما نزل {اتقوا الله حق تقاته} أي فإن لم
تطيقوا ما أمرتم به على ما يتيسر لهم من ذلك ولا يشق
عليهم بقوله (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) أي فإن
لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن
تلزموا بعضها وهو الصلاة الجامعة لكل عبادة من قراءة
وتسبيح وتكبير وتهليل وإمساك عن كلام البشر والمفطرات
وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس
فالزموها وأقيموا حدودها سيما مقدمتها التي هي شطر
الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن
راسخ القدم في التقوى كما قال (ولا) وفي رواية ولن
(يحافظ على الوضوء) الظاهري والباطني (إلا مؤمن) كامل
الإيمان فالظاهري ظاهر والباطني طهارة السر عن الأغيار
والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالبا
وتارة مغلوبا أي لن تطيقوا الاستقامة في تطهير سركم
ولكن جاهدوا في تطهيره مرة بعد أخرى كتطهير الحدث مرة
بعد أخرى فأنتم في الاستقامة بين عجز البشرية وبين
استظهار الربوبية فتكونون بين رعاية وإهمال وتقصير
وإكمال ومراقبة وإغفال وبين جد وفتور كما أنكم بين حدث
وطهور وفيه ندب إدامة الوضوء وبه أخذ أصحابنا أنه يسن
تجديده إذا صلى به صلاة
(حم هـ ك) عن ثوبان وقال الحاكم على شرطهما ولا علة له
سوى وهم بلال الأشعري (هق عن ثوبان) قال المنذري إسناد
ابن ماجه صحيح وقال الذهبي في المهذب خرجه ابن ماجه من
حديث منصور عن سالم وهو لم يدرك ثوبان وقال الحافظ
العراقي في أماليه حديث حسن رواته ثقات إلا أن في سنده
انقطاعا بين سالم وثوبان كما قال ابن حبان (هب طب عن
ابن عمرو) بن العاص قال مغلطاي إسناده لا بأس به (طب
عن سلمة بن الأكوع) قال الدميري ذكره الرافعي في مجلس
العشرين في أماليه وقال ما ملخصه إنه حديث ثابت انتهى.
وقد عد جمع هذا الخبر من جوامع الكلم وله طرق صحاح وبه
استدل ابن الصلاح على صلاة الرغائب ونوزع في سنيتها
بما محله كتب الفروع
(1/497)
995 - (استقيموا ونعما إن استقمتم) فإن شأن
الاستقامة عظيم وخطبها جسيم ومن ثم قال الحبر ما نزل
على المصطفى صلى الله عليه وسلم آية آشق من هذه الآية
ولا أعظم وهي {فاستقم كما أمرت} وفي خبر رواه ابن أبي
حاتم أنه لم ير بعد نزولها ضاحكا أبدا وفي خبر الترمذي
ما يفيد أن أعظم ما يراعى استقامة بعد القلب من
الجوارح اللسان فإنه الترجمان قال الحراني: وقد جمع
لمن استقام الأمداح المبهمة لأن نعم كلمة مبالغة تجمع
المدح كله وما كلمة مبهمة تجمع [ص:498] الممدوح
فتطابقا في الإبهام قال ابن الأثير أصله نعم ما فأدغم
وشدد ثم نبه على أن أعظم أركان الاستقامة الصلاة بقوله
(وخير أعمالكم الصلاة ولن) وفي رواية ولا (يحافظ على
الوضوء) بإسباغه وإدامته واستيفاء سننه وآدابه (إلا
مؤمن) كامل الإيمان وفيه بيان شرف الصلاة وكونها أشرف
الطاعات والمحافظة على الوضوء بمراقبة أوقاته وإدامته
وإسباغه والاعتناء بآدابه
(هـ عن أبي أمامة) الباهلي ورواه عنه ابن عساكر أيضا
(طب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته فإن أراد
أنه صحيح لغيره فقد يسلم وإلا فليس فقد قال مغلطاي فيه
إسحاق بن أسيد وهو وإن ذكره ابن حبان في الثقات فقد
وصفه بالخطأ وقال ابن عدي هو مجهول أي جهالة حال لا
جهالة عين وقد عيب على مسلم إخراج حديثه والبخاري لم
يخرج حديثه محتجا به بل تعليقا وليس هو ممن يقوم به
حجة وروايته عن أبي أمامة منقطعة مع ضعفها انتهى وقال
الهيتمي في سند الطبراني محمد بن عبادة عن أبيه ولم
أجد من ترجمه
(1/497)
996 - (استقيموا لقريش) أي للأئمة من قريش
(ما استقاموا لكم) أي دوموا على طاعتهم وأثبتوا عليها
ما داموا قائمين على الشريعة لم يبدلوها (فإن لم
يستقيموا لكم) وفي رواية بدله لأحمد أيضا فإن لم
يفعلوا (فضعوا سيوفكم على عواتقكم) متأهبين للقتال (ثم
أبيدوا) أهلكوا (خضراءهم) أي سوادهم ودهماءهم ذكره
الزمخشري وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه
والأمر بخلافه بل تمامه عند مخرجه كما في الفردوس
وغيره فإن لم تفعلوا فكونوا حرائين أشقياء تأكلون من
كد أيديكم قال ابن حجر: وقد تضمن هذا الحديث الإذن في
القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم وبه
يقوى مفهوم حديث الأئمة من قريش ما أقاموا الدين أنهم
إذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث
أن خروجه عنهم إنما يقع بعد اتباع ما هددوا به من
اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع
ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من
يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم عليهم بحيث
صاروا محجورا عليهم ثم اشتد الأمر فغلب عليهم الديلم
فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة
واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ
عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع
الأقاليم والأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في
بعض الأمصار
إلى هنا كلام الحافظ. قال الخطابي الخوارج يتأولونه
على الخروج على الأئمة ويحملون قوله ما استقاموا لكم
على العدل في السيرة وإنما الاستقامة هنا الإقامة على
الإسلام انتهى
(حم عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم قال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا لأن
سالم ابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان (طب عن النعمان
بن بشير) رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده وإلا ففيه
شعيب ابن بيان الصفار قال الجوزجاني يروي المناكير.
ذكره الهيتمي
(1/498)
997 - (استكثر من الناس) أي المؤمنين
لاسيما صلحاؤهم وعبادهم وزهادهم خصوصا الشعثة رؤوسهم
المغبرة ألوانهم وأطمارهم فمحصول الحديث طلب الدعاء من
كل مؤمن. قال القيشيري: مر معروف الكرخي بسقاء يقول
رحم الله من يشرب فتقدم فشرب فقيل له ألم تك صائما قال
بلى ولكن رجوت دعاءه (من دعاء الخير لك) أي اطلب منهم
أن يدعو لك كثيرا بالخير. ومن الأولى ابتدائية
والثانية بيانية أو تبعيضية (فإن العبد لا يدري على
لسان من يستجاب له) من الناس (أو يرحم) ورب أشعث أغبر
ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره
(خط في رواية مالك) بن [ص:499] أنس الإمام المشهور (عن
أبي هريرة) سكت عليه المؤلف ووهم من زعم أنه رمز لضعفه
(1/498)
998 - (استكثروا من) قول (الباقيات) عند
الله لقائلها بمعنى أنها محفوظة عنده ليثاب عليها
ولذلك وصفها بقوله (الصالحات) قيل وما هي قال (التسبيح
والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة إلا
بالله) أي هي قول سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد
لله والله أكبر ولا حول ولاقوة إلا بالله وبهذا أخذ
ابن عباس والجمهور فقالوا الباقيات الصالحات المذكورة
في قوله تعالى {والباقيات الصالحات} الآية هي هذه
الكلمات والحديث حجة على من ذهب من المفسرين إلى أنها
غيرها
(حم حب) وأبو يعلى (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي سعيد)
الخدري قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي وقال
الهيتمي إسناد أحمد حسن
(1/499)
999 - (استكثروا من النعال) أمر إرشاد
والمراد الإكثار من إعدادها في السفر وكلما وهت نعل
وتخرقت وجد في رجليه غيرها فليس المراد باستكثارها لبس
أكثر من نعل في حالة واحدة كما قد يظن ثم علل ذلك
بقوله (فإن الرجل) وصف طردي وإنما خصه لأنه يكثر المشي
فيحتاج للنعل (لا يزال راكبا ما دام منتعلا) لفظ رواية
مسلم ما انتعل: أي هو شبيه بالراكب مدة دوامه لابسا
للنعل في خفة المشقة وقلة النصب وسلامة رجله من نحو
أذى أو شوك وفيه إشارة إلى ندب الاستعداد لأهبة السفر
وخص الرجل لأن السفر غالبا إنما يكون للرجال فإن سافرت
أثنى أو خنثى فهي كالرجال قال القرطبي: هذا كلام بليغ
ولفظ فصيح لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو
إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن
الحافي المديم للحفا يلقي من الألم والمشقة بالعثار
وغيره ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول لمقصده
والمنتقل يمكنه إدامة المشي فيصل لمقصوده كالراكب
فلذلك شبه به
(حم تخ م ن عن جابر) بن عبد الله قال سمعت المصطفى صلى
الله عليه وسلم في غزوة غزاها يقول فذكره (طب عن عمران
بن حصين)
قال الهيتمي: فيه مجاعة بن الزبير لا بأس به في نفسه
وضعفه الدارقطني وبقية رجاله ثقات
(طس عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي فيه إسماعيل بن
مسلم المكي وهو ضعيف
(1/499)
1000 - (استكثروا من) قول (لا حول ولا قوة
إلا بالله فإنها) أي هذه الكلمة (تدفع) عن قائلها
(تسعة وتسعين بابا) أي وجها إذ كل باب وجه (من) وجوه
(الضر أدناها الهم) أو قال الهرم هكذا هو على الشك عند
مخرجه لخاصية فيها علمها الشارع والظاهر أن المراد
بهذا العدد التكثير لا التحديد قياسا على نظائره.
والضر بالضم الهزال وسوء الحال والفاقة والفقر وبالفتح
مصدر ضره يضره إذا فعل به مكروها
(عق عن جابر) بن عبد الله قال شكونا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا وقال استكثروا
إلى آخره وفيه بلفظ ابن عباد عن ابن المنكدر لا يعرف
قال في الميزان والخبر منكر قال في اللسان وخرجه أبو
نعيم في الحلية عن أبيه عن ابن ناضية عن ابن أبي عمر
به [ص:500] والطبراني في الصغير وقال بلهط عندي ثقة
انتهى وبه يعرف أن إيثار المصنف للعقيلي واقتصاره عليه
غير صواب
(1/499)
1001 - (استكثروا من الإخوان) أي من مؤاخاة
المسلمين الأخيار (فإن لكل مؤمن شفاعة) عند الله تعالى
ذلك إكراما لهم (يوم القيامة) فكلما كثرت إخوانكم كثرت
شفعاؤكم وذلك أرجى للفلاح وأقرب للصلاح والنجاح وخرج
بقولنا من الأخيار إخوان هذا الزمان فينبغي الإقلال
منهم. قال ابن الرومي:
عدوك من صديقك مستفاد. . . فلا تكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه. . . يكون من الطعام أو الشراب
وقيل الناس إخوان طمع وأعداء نعم. قال الغزالي: سمعت
أن ابن عيينة قال للثوري أوصني قال أقلل من معرفة
الناس قلت أليس في الخبر أكثروا من معرفة الناس فإن
لكل مؤمن شفاعة قال لا أحسبك رأيت قط ما تكره إلا ممن
تعرف قلت أجل ثم مات فرأيته في النوم فقلت أوصني قال
أقلل من معرفة الناس ما استطعت فإن التخلص منهم شديد
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس) بن مالك رمز المصنف
لضعفه
(1/500)
1002 - (استمتعوا من) هي بمعنى الباء (هذا
البيت) الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا والمراد من
الاستمتاع به إكثار الطواف والحج والاعتمار والاعتكاف
ودوام النظر إليه (فإنه قد هدم مرتين) قال في الكشاف
أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم
هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبنته قريش انتهى وقال ابن
حجر وغيره اختلف في عدد بناء الكعبة والتي تحصل أنها
بنيت عشر مرات: بناء الملائكة قبل خلق آدم لما قالوا
{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} ذكره مجاهد ثم
آدم رواه البيهقي في الدلائل ثم بنوه من بعده ثم نوح
ثم إبراهيم وزعم ابن كثير أنه أول من بناه وأنكر ما
عداه ورد ثم العمالقة رواه الفاكهي عن علي (ويرفع في
الثالثة) بهدم ذي السوبقتين له والمراد رفع بركنه وقال
في الإتحاف اقتصاره في الحديث عدم على مرتين أراد به
هدمها عند مجىء للطوفان إلى أن بناها إبراهيم وهدمها
في أيام قريش لما أجحف بها السيل وكان ذلك مع إعادة
بنائها في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم وله من
العمر خمس وثلاثون سنة
والأمر بالاستمتاع به يشمل النظر إليه والطواف به
والصلاة فيه
(طب ك) وكذا ابن لال والديلمي كلهم (عن ابن عمر) بن
الخطاب قال الحاكم في مستدركه صحيح على شرطهما وأقره
الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني ثقات
(1/500)
1003 - (استنثروا) بهمزة وصل أمر من النثر
بفتح النون وسكون المثلثة وهو جذب ماء الاستنشاق بريح
الأنف أو نحوه ثم طرحه. وقال العراقي: هو إخراج الماء
من الأنف بعد الاستنشاق وذكر أن الأول قول الخطابي
والثاني قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثين
(مرتين بالغتين) أي إلى أعلا درجات الاستنثار (أو) قيل
بمعنى الواو (ثلاثا) قيل لم يذكر في الثالثة المبالغة
دلالة على أن المبالغة في الثنتين قائمة مقام الثالثة
والمراد أن ذلك يشرع في الوضوء كما بينه في حديث أبي
داود الطيالسي وهو إذا توضأ أحدكم وانتثر فليفعل ذلك
مرتين أو ثلاثا قال ابن حجر: وإسناده حسن لكن قوله في
الحديث المار إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر
ثلاثا فإن الشيطان إلخ يقتضي عدم اختصاص الأمر بالوضوء
وعليه فالمراد الاستنثار في الوضوء للتنظيف وللمتيقظ
لطرد الشيطان ذكره ابن حجر وظاهر الأمر الوجوب فليزم
من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد القول بوجوبه واستدل
الذاهبون للندب بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم
للأعرابي في خبر الترمذي وغيره توضأ كما أمرك الله
فأحاله على الآية ولا ذكر للاستنشاق ولا للانتثار فيها
ونوزع باحتمال أن يراد [ص:501] بالأمر ما هو أعم من
آية الوضوء فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه ولم يحك
أحد ممن وصف وضوءه أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة
وبه رد على من لم يوجب المضمضة أيضا ذكره ابن حجر ويسن
كونه بيده اليسرى كما بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا
بها
(حم د هـ ك عن ابن عباس) قال في المنار فيه قارظ بن
شيبة لا بأس به وبقية رواته لا يسأل عنهم فإنهم أئمة
(1/500)
1004 - (استنجوا الماء البارد فإنه مصحة
للبواسير) بفتح الميم المهملة مع شد الحاء المهملة أي
ذهاب لمرض الباسور وهو ورم تدفعه الطبيعة إلى محل في
البدن يقبل الرطوبة كالمعدة والأنثيين والدبر وتبدل
سينه صادا والأمر بخصوص البارد إرشادأ وهو لمصالح يعود
نفعها على البدن
(طس عن عائشة عب عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة
وفتح الواو وبالراء (ابن رفاعة) بكسر الراء وفتح الفاء
ابن أبي مالك (القرظي) تابعي مقبول مات سنة ثمان
وثلاثين ومئة والحديث مرسل انتهى قال الهيتمي فيه عمار
بن هارون وهو متروك انتهى وعمار هذا أورده الذهبي في
الضعفاء وقال ابن عدي يسرق الحديث وفيه أيضا أبو
الربيع السمان وقد ضعفوه
(1/501)
1005 - (استنزلوا الرزق بالصدقة) أي اطلبوا
إدراده عليكم من خزائن الرزاق بالتصدق على عياله
المحتاجين فإن الله يحب من أحسن إليهم وإذا أحب عبدا
أجاب دعاءه. وأعطاه ماتمناه والخلق كلهم عيال الله
وأحبهم إليه أنفعهم لعياله
(هب عن علي) أمير المؤمنين (عد عن جبير بن مطعم) بضم
الميم وكسر العين المهملة (أبو الشيخ [ابن حبان] في
الثواب عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن عمرو النخعي
الكوفي قال الذهبي في الضعفاء كذاب مشهور وفي الميزان
عن يحيى كان أكذب الناس
(1/501)
1006 - (استهلال الصبي) المولود (العطاس)
أي علامة حياة الولد عند خروجه من بطن أمه حالتئذ
العطاس قال ابن الكمال: الاستهلال أن يكون من الولد ما
يدل على حياته من بكاء أو تحريك عين أو عضو انتهى
فمراد الحديث أن العطاس أظهر العلامات التي يستدل بها
على كمال حياته وأنه خرج تاما وحياته مستقرة فيجب غسله
وتكفينه والصلاة عليه والمراد بالصبي ما يشمل الصبية
قال الراغب أول ما ينال غمه عند سقوطه لما يضغطه من
مضيق خروجه ويصيبه من ألم الهوى فيتوجع والوجع يورث
الغم والغم يحمله على البكاء وذلك لأن للصبي كل ما
يكون للحيوان من غير النطق من لذة وألم وجوع وعطش ومنه
أخذ ابن الرومي قوله:
لما تؤذن الدنيا بها من صروفها. . . يكون بكاء الطفل
ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأفسح مما كان فيه
وأرغد
(البزار عن ابن عمر) بن الخطاب رمز المصنف لحسنه وليس
بمسلم فقد قال الهيتمي فيه محمد بن عبد الرحمن
البيلماني وهو ضعيف عندهم وتقدمه لإعلاله به عبد الحق
(1/501)
1007 - (أستودع الله) أي استحفظ (دينك)
جاطب به من جاء يودعه للسفر من الوداع بفتح الواو وهو
الاستحفاظ وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات
التي يزيد الدين بزيادتها وينقص بنقصانها وقوله أستودع
بقرينة السبب والسياق خبر لا أمر وإن كان معناه صحيحا
ويأتي حديث في باب كان أنه كان يقول ذلك وهو واضع يده
في يده [ص:502] فيتأكد ذلك (وأمانتك) أي أهلك ومن
تخلفه بعدك منهم ومالك التي تودعه وتستحفظ أمينك وقدم
الدين لأن حفظه أهم (وخواتيم عملك) أي عملك الصالح
الذي جعلته آخر عملك في الإقامة فإنه يسن للمسافر أن
يختم إقامته بعمل صالح كتوبة وقربة وخروج عن المظالم
وصلاة وصدقة وصلة رحم وقراءة آية الكرسي ووصية
واستبراء ذمة ونحوها فيندب لكل من يودع أحدا من
المؤمنين أن يفارقه على هذه الكلمات وأن يكررها بإخلاص
وتوجه تام فإذا ولى المسافر قال المقيم اللهم اطو له
البعيد وهون عليه السفر كما يأتي
(د ت عن ابن عمر) بن الخطاب أنه كان يقول للرجل إذا
أراد سفرا ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يودعنا وقال الترمذي صحيح غريب وتبعه
المصنف فرمز لصحته ورواه عنه النسائي أيضا فما أوهمه
صنيع المصنف من تفرد هذين عن الستة غير سديد
(1/501)
1008 - (أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه)
أي الذي إذا استحفظ وديعة لا تضيع فإنه تعالى إذا
استودع شيئا حفظه كما في الحديث الآتي عن لقمان قال
الحكيم أصل الوديعة التخلي عن الشيء وتركه وإذا تخلى
العبد عن الشيء وتركه لله واستحفظه إياه فقد تبرأ من
الحول والقوة ورفض الأسباب فحصل له الحفظ والعصمة
ويندب لكل من المتوادعين أن يقول للآخر ذلك وأن يزيد
المقيم زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما
كنت
(عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وفيه هشام بن عمار
وقد سبق بيانه وابن لهيعة وقد ضعفوه لكنه متماسك
وحديثه حسن وموسى بن وردان أورده الذهبي في الضعفاء
وقال ضعفه ابن معين
(1/502)
1009 - (استوصوا) قال البيضاوي الاستيصاء
قبول الوصية والمعنى أوصيكم (بالأسارى) بضم الهمزة
(خيرا) أي افعلوا بهم معروفا ولا تعذبوهم بشد الوثاق
فوق الحاجة وأطعموهم واسقوهم وهذا قاله في غزوة بدر
لما سمع العباس يئن في وثاقه فلم ينم تلك الليلة ثم
ذكره فقام رجل من الأنصار فآرخى من وثاقهم ونفس عنهم
قال الطيبي: ويجوز كونه من الخطاب العام أي يستوصي
بعضكم من بعض في حقهن
(طب عن أبي عزيز) بفتح العين وكسر الزاي ابن عمير أخي
مصعب بن عمير قال كنت في الأسارى يوم بدر فقال استوصوا
إلى آخره قال الهيتمي إسناده حسن
(1/502)
1010 - (استوصوا) قال الطيبي الأظهر أن
السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في
حقهم بخير (بالأنصار خيرا) زاد في رواية فإنهم كرشي
وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من
محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم وأخذ منه أن الخلافة ليست
فيهم وإلا لأوصاهم ولم يوص لهم وقول ابن حجر لا دلالة
فيه إذ لامانع من ذلك فيه تحامل لا يخفى قال القاضي:
والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة وأصلها
الوصلة يقال وصاه إذا وصله وقصاه إذا فصله كأن الموصي
يصل فعله بفعل الوصي
(حم عن أنس) بن مالك قال صعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم المنبر أي في مرضه ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد
الله وأثنى عليه ثم ذكره وفي طريق آخر لأحمد بلغ مصعب
بن الزبير عن عريق للأنصار شيء فهم به فدخل عليه أنس
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره
فألقى مصعب نفسه عن سريره وألصق خده بالبساط وقال أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين انتهى
وفيه علي بن زيد بن جدعان
(1/502)
1011 - (استوصوا بالعباس) أبي الفضل ذي
الرأس الجزل والقول الفصل (خيرا فإنه عمي وصنو) بكسر
فسكون (أبي) [ص:503] فهو أب مجازا وهو شقيق والده عبد
الله بن شيبة الحمد ووصي عمه من بعده كان رئيسا في
قريش قبل الإسلام إليه عمارة المسجد الحرام والسقاية
أسر ببدر لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من لقيه فلا
يقتله فإنه خرج مستكرها وفادى نفسه بعد أن قال ليس معي
شيء فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم وأين المال
قلت لأم الفضل حين خرجت إذا مت فافعلي به كذا؟ فأسلم
لكونه لم يطلع عليه أحد وكتم إسلامه ليوم الفتح
(عد عن علي) أمير المؤمنين وإسناده ضعيف لكن يعضده ما
جاء عن ابن عباس بلفظ استوصوا بعمي العباس خيرا فإنه
بقية آبائي وإنما عم الرجل صنو أبيه ورواه الطبراني
وفيه كما قال الهيتمي عبد الله بن خراش ضعيف وبقية
رجاله وثقوا
(1/502)
1012 - (استوصوا بالنساء خيرا) أي اطلبوا
الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم أو اطلبوا الوصية من
غيركم بهن (أو اقبلوا) وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا
بهن وأحسنوا عشرتهن والأول للطيبي والأخير للقاضي قال
ابن حجر: وهو أوجه الأوجه والخير الموصى به لها أن
يداريها ويلاطفها ويوفيها حقوقها المشار إليها بنحو
خبر الحاكم وغيره: حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا
طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا
يهجرها (فإن المرأة خلقت) أي أخرجت كما تخرج النخلة من
النواة (من ضلع) بكسر ففتح أو فسكون. قال القاضي:
والضلع بكسر فسكون واحد الأضلاع استعير للمعوج صورة
ومعنى وقيل أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع فإن
حواء خرجت من ضلع آدم قيل الأيسر وقيل القصرى كما تخرج
النخلة من النواة ثم جعل محلها لحم (فإن ذهبت نفييمه
كسرته) أي إن أرادت منها تسوية اعوجاجها أدى إلى
فراقها فهو ضرب مثل للطلاق (وإن تركته) أي لم تقمه (لم
يزل أعوج) فلا يطمع في استقامتهن البتة (وإن أعوج شيء
في الضلع أعلاه) ذكر تأكيد لمعنى الكسر وإشارة إلى
أنها خلقت من أعوج آخر الضلع مبالغة في إثبات هذه
الصفة لهن أوضربه مثلا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها
وفيه لسانها وهو الذي يحصل به الأذى وأعاد الضمير
مذكرا على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنثة وقول
الزركشي تأنيثه غير حقيقي فلذلك ذكر رده الدماميني بأن
معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو
بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس وأما
مضمره فكالمؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث (فاستوصوا)
أيها الرجال (بالنساء خيرا) ختم بما به بدأ إشعارا
بكمال طلب الوصية بهن وزاد التأكيد بالإظهار في محل
الإضمار وفيه رمز إلى أن التقويم برفق بحيث لا يبالغ
فيه ولا يترك فيستمر أعوج فالمبالغة ممنوعة وتركها على
العوج ممنوع وخير الأمور أوسطها <فائدة> أخرج أبو بكر
ابن السراج أن إبراهيم الخليل شكى إلى ربه سوء خلق
سارة فأوحى الله إليه: إنما هي من ضلع فارفق بها أما
ترضى أن تكون نصيبك من المكروه؟
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها. . . ألا إن تقويم الضلوع
انكسارها
تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى. . . أليس عجبا ضعفها
واقتدارها
وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال
(ق عن أبي هريرة) ورواه النسائي أيضا
(1/503)
1013 - (استووا) أي اعتدلوا في الصلاة بأن
تقوموا على سمت واحد لأن التسوية للصفوف من شأن
الملائكة ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش
خشوعهم كما أشار إليه بقوله (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم
بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية
صدوركم. قال الطيبي: وقوله فتختلف بالنصب من قبيل لا
تدن من الأسد [ص:504] فيأكلك وفيه أن القلب تابع
للأعضاء فإن اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت
الأعضاء لأنه رئيسها (وليليني منكم) أي ليقرب مني: من
ولي إذا قرب والولي القرب والدنو وقوله ليليني بكسر
اللامين وياء مفتوحة بعد اللام وشدة النون وبحذف الياء
وخفة النون: روايتان ذكرهما النووي في عدة كتب وغيره
وبه رد قول الطيبي: وحق هذا اللفظ أن تحذف منه الياء
لأنه صيغة أمر وقد ورد بإثباتها وسكونها في سائر الكتب
والظاهر أنه غلط (أولو الأحلام) أذوو التثبت (والنهى)
جمع نهية بالضم وهي العقل ذكره في المجموع وفي شرح
مسلم النهى العقول وأولو الأحلام العقلاء وقيل
البالغون وفي الرياض: أهل الفضل. فعلى الأول يكون
اللفظان بمعنى ولاختلاف اللفظ عطف أحدهما على الآخر
تأكيدا. وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء وعلى
الثالث البالغون (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم في
ذلك الوصف كالصبيان المراهقين ثم المميزين (ثم الذين
يلونهم) كالخناثي ثم النساء فإن نوع الذكر أشرف على
الإطلاق وزاد في رواية بعد ما ذكر: وإياكم وهيشات
الأسواق: أي احذروا أن يكون حالكم وصفتكم كهيشات
الأسواق أي مختلطاتها وجماعتها من الهيش وهو الخلط
وفيه أنه يندب تقديم الرجال لفضلهم وشرفهم وليحفظوا
صلاته إن نسيها فيجبرها أو يجعل أحدهم خليفة إن احتيج
إليه ثم الصبيان لأنهم من جنسهم ثم الخناثى لاحتمال
ذكورتهم وهذا كله مستحب لا شرط فلو خالفوا صحت صلاتهم
مع الكراهة
(حم م ن عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري
(1/503)
1014 - (استوا) ندبا مؤكدا: أي عدلوا
صفوفكم في الصلاة فإنكم إن استويتم فيها (تستو قلوبكم)
لأن القلب تابع للأعضاء استقامة واعوجاجا فإذا اختلف
اختلفت (وتماسوا) أي تلاصقوا حتى لا يكون خلل يسع
واقفا (تراحموا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي فإنكم
إذا فعلتم ذلك يعطف بعضكم على بعض والأمر للندب
(طس حل عن أبي مسعود) البدري قال الديلمي: وفي الباب
عن أنس وعلي
(1/504)
1015 - (أسد) بمهملتين (الأعمال) أي من
أكثرها صوابا والسداد بفتح المهملة الصواب من القول
والفعل. وأسد الرجل بالألف جاء بالسداد وذكر بعضهم أن
الرواية عن علي أشد بمعجمة ولعله تصحيف (ثلاثة) أي
خصال ثلاثة (ذكر الله) باسم من أسمائه أو صفة من صفاته
وأفضله لا إله إلا الله كما يأتي في خبر (على كل حال)
أي قياما وقعودا ورقودا وسرا وعلانية وفي السراء
والضراء وغير ذلك (والإنصاف من نفسك) أي معاملة غيرك
بالعدل والقسط بحيث تحكم له على نفسك بما يجب له عليك
(ومواساة الأخ في المال) أي إصلاح حال الأخ في الإسلام
من مال نفسك عند اتساع الحال وكفاية ممونك فإن مواساة
الإخوان من أخلاق أهل الإيمان وهذا العدد لا مفهوم له
(ابن المبارك) في الزهد (وهناد والحكيم) الترمذي في
النوادر (عن أبي جعفر مرسلا) والمواساة محبوبة مطلقا
للقريب والبعيد لكنها للأقرباء والأصدقاء آكد وقدم
الذكر لأنه أفضل الأعمال مطلقا كما قاله الغزالي ثم
الإنصاف من النفس الذي هو الإنصاف بالعدل لأمره به في
القرآن بقوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وقد تكون
مندوبة وقد تكون واجبة كما في المضطر
(حل عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه لا مرفوعا
وفيه إبراهيم بن ناصح عده الذهبي في الضعفاء قال أبو
نعيم متروك الحديث ومن ثم رمز لضعفه
(1/504)
[ص:505] 1016 - (أسرع الأرض خرابا) في
رواية الأرضين بالجمع (يسراها ثم يمناها) أي ما هو من
الأقطار عن يسار الكعبة ثم ما هو عن يمينها فاليسار
الجنوب واليمين الشمال والمراد أن الخراب يبدو في
الأقطار الجنوبية أولا بجفاف نيل مصر ثم يتابع الخراب
ويستولي على البلاد الجنوبية ثم يبدأ في الأقطار
الشمالية بعد ذلك وفي خبر ضعيف أن مبدأ ذلك كله خراب
الكعبة
(طس حل عن جرير) قال الهيتمي: وفيه حفص بن عمر بن
الصباح الرقي وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله
رجال الصحيح اه وقال ابن الجوزي عن الدارقطني الصواب
وقفه على جرير
(1/505)
1017 - (أسرع الخير ثوابا) أي أعجل أنواع
الطاعة إثابة من الله تعالى (البر) بالكسر: الاتساع في
الإحسان إلى خلق الله تعالى من كل آدمي وحيوان محترم
(وصلة الرحم) أي الأقارب وإن بعدوا (وأسرع الشر) أي
الفساد والظلم (عقوبة البغي وقطيعة الرحم) لأن فاعل
ذلك لما افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكتب
السماوية والإشارات الحكمية وقطع الوصل التي بها نظام
العالم وصلاحه أسرع إليه الوبال في الدنيا مع ما ادخر
له من العقاب في العقبى والمراد بالسرعة هنا أنه تعالى
يعجل ثواب ذلك وعقابه في الدنيا ولا يؤخره للآخرة
بدليل الخبر المار: اثنان يعجل الله عقوبتهما في
الدنيا وذكر هنا البغي وقطيعة الرحم وفي حديث آخر:
البغي واليمين الفاجرة وفي آخر: البغي وعقوق الوالدين
فدل على عدم الانحصار في عدد وإنما كان المصطفى صلى
الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله وبما هو
ملتبس به أو يريد العزم عليه فلذلك اختلفت الأجوبة
(ت هـ) وكذا أبو يعلى (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه
وليس كما قال فقد ضعفه المنذري وغيره
(1/505)
1018 - (أسرع الدعاء إجابة دعاء الغائب
لغائب) أي في غيبة المدعو له ومن وراء معرفته ومعرفة
الناس له وذلك أبعده من الرياء والأغراض الفاسدة
المنقصة للأجر فتوافقه الملائكة أو تؤمن عليه ولأنه
تعالى يعينه في دعائه لما ورد أنه تعالى في عون العبد
ما دام العبد في عون أخيه والمراد الغائب عن المجلس
ولو بالبلد بل بالغ البعض فجعل الحاضر فيه وهو لا يسمع
كالغائب
(خد د) في الصلاة. وكذا الترمذي خلافا لما يوهمه
اقتصاره على أبي داود قال في الأذكار: وقد ضعفه
الترمذي (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لحسنه
وفيه ما فيه فقد قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي
كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف.
وقال العلامة المناوي: فيه عبد الرحمن ابن زياد
الأقريقي ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء ضعفه ابن معين
والنسائي وقال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا
(1/505)
1019 - (أسرعوا) إسراعا خفيفا بين المشي
المعتاد والخبب الذي هو العدو لأن ما فوق ذلك يؤدي إلى
انقطاع الضعفاء أو مشقة الحامل أو انتشار أكفان الميت
ونحو ذلك فيكره (بالجنازة) أي بحمل الميت بنعشه إلى
المصلى ثم إلى القبر والأمر للندب اتفاقا ولا عبرة بمن
شذ نعم إن خيف التغير لولا الإسراع وجب أو التغير
بالإسراع وجب التأني (فإن تك) أي الجثة المحمولة وأصله
تكون سكنت نونه للجازم ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين
ثم حذفت النون تخفيفا لكثرة دور ذلك في الكلام فصار تك
(صالحة) بنصبه خبر كان (فخير) أي فهو خير أو فلها
[ص:506] خير أو فهناك خير (تقدمونها إليه) أي إلى
الخير باعتبار الثواب: أي تقدمونها إلى جزاء عملها
الصالح والإكرام الحاصل لها في القبر وفي رواية إليها
قال ابن مالك: القياس إليه لكن المذكور يجوز تأنيثه
إذا أول بمؤنث كتأويل الخير بالرحمة أو بالحسنى أو
بالبشرى (وإن تك سوى ذلك) أي غير صالحة (فشر) أي فهو
شر أو هو مبتدأ وصح الابتداء به مع كونه نكرة لاعتماده
على صفة مقدرة أي شر عظيم. وكذا يقال فيما سبق وقوله
(تضعونه) والضمير للميت: أي تستريحون منه لبعده من
الرحمة. فلا حظ لكم في مصاحبته (عن رقابكم) أي أكتافكم
قال الطيبي: الجنازة بالكسر: الميت وبالفتح السرير جعل
الجنازة عين الميت ووصفها بأعماله الصالحة ثم عبر عن
الأعمال الصالحة بالخير وجعل الجنازة التي هي مكان
الميت مقدمة إلى ذلك الخير فكنى بالجنازة عن العمل
الصالح مبالغة في كمال هذا المعنى كما في قوله:
ما درى نعشه ولا حاملوه. . . ما على النعش من عقاب ورد
ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا قابل قرنيتها بوضع
الشر عن الرقاب ومعنى الحديث ينظر إلى قوله في الحديث
الآخر مستريح أو مستراح منه: أي مستريح إلى رحمة الله.
أو تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. وفيه
ترك صحبة أهل البطالة وغير الصلحاء وأن حمل الجنازة
مختص بالرجال لكونه أتى فيه بضمير المذكر لكنه وإن كان
الحكم متفقا عليه غير حاسم ففي هذا قد يدعى أنه خرج
مخرج الغالب
(حم ق هد عن أبي هريرة)
(1/505)
1020 - (أست السماوات السبع) أي بنيت
(والأرضون السبع على قل هو الله أحد) أي لم تخلق إلا
لتدل على توحيد الحق ومعرفة صفاته ومن أين لأحد من
البشر أن يتخذ على مثالها أو ينسج على منوالها وقيل
المراد أن التوحيد أصل لكل شيء في عالم الغيب والشهادة
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ولولا الوحدانية
لما تكونت السماوات والأرض على هذا الوجه المحكم
المتقن ولكانت فاسدة كبناء بغير أساس
<فائدة> قال العماد بن كثير في البداية والنهاية حكى
ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن
السماوات كرية مستديرة واستدل عليه بآية {وكل في فلك
يسبحون} قال الحسن يدورون. قال ابن عباس: في فلكه مثل
فلكة المغزل. قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل
ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق قال أمية
بن أبي الصلت:
والشمس تبدو كل آخر ليلة. . . حمراء يصبح لونها يتوقد
وقال ابن حجر: حكى الإجماع على أن السماوات مستديرة
جمع وأقاموا الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل
الجدل <تنبيه> زعم التاج الفاكهي أن الأرض أفضل من
السماء لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها قال النووي:
والجمهور على أن السماء أفضل اه. وإليه ذهب الإمام
الرازي وأيده بما منه أنه تعالى زينها بسبعة أشياء:
النجوم والشمس والقمر والعرش والكرسي واللوح والقلم
وسماها سقفا محفوظا وسبعا طباقا وسبعا شدادا وذكر
مبدأها وغاية أمرها واستقصى استقصاء شديدا في كيفية
حدوثها وبنائها وجعلها قبلة الدعاء فالأيدي ترفع اليها
والوجوه تنصب نحوها وهي محل الصفاء والطهارة والعصمة
والعباد المكرمين وهي مؤثرة والأرضين متأثرة والمؤثر
أشرف من القابل للتأثير ومن ثم قدم ذكرها في أكثر
الآيات قال ولونها أخضر فهو أوفق الألوان للبصر ومما
يقويه كما قاله الأطباء لذلك أمر من به وجع العين أن
ينظر إلى الورقة الخضراء وهي مستديرة والاستدارة أفضل
الأشكال <فائدة> قال ابن عربي: السماوات ساكنة لا حراك
فيها جعلها ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ولهذا
سماها السقف المرفوع إلا أنه في كل سماء فلك وذلك
الفلك هو الذي يدور له الحركة مع ثبوت السماء والكواكب
تسبح في أفلاكها لكل صورة كوكب فلك فعدد الأفلاك بعدد
الكواكب وأجرام السماوات أجرام شفافة وهي مسكن
الملائكة والأفلاك لولا سباحات الكواكب ما ظهرت ولا
تكونت
هي في السماوات كالطرق في الأرض حدثت بحدوث المواشي
فيها ولولا المواشي ما ظهر طريق فهي أرض من حيث ذاتها
[ص:507] طريق من حيث المواشي فيها فكذا وجود الأفلاك
تظهرها سباحات الكواكب (تتمة) قال ابن حجر: أخرج
الدارمي عن ابن عباس أن أفضل السماوات التي فيها العرش
وسيد الأرضين التي نحن فيها
(تمام) في فوائده (عن أنس ابن مالك) وفيه موسى بن محمد
الدمياطي البلعاري قال في الميزان: كذبه أبو زرعة وأبو
حاتم قال الدارقطني وغيره: متروك. ثم أورد له أخبار
هذا منها ومن ثم رمز لضعفه
(1/506)
1021 - (أسعد الناس) أي أحظاهم (بشفاعتي)
من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشقوع له كان
فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه والشفاعة الضم
إلى آخره معاونا له وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى
إلى الأدنى (يوم القيامة) يوم الجزاء الأعظم (من قال
لا إله إلا الله) أي مع محمد رسول الله فجعل الجزاء من
كلمة الشهادة شعارا لمجموعها فالمراد الكلمة بتمامها
كما تقول قرأت {آلم ذلك الكتاب} أي السورة بتمامها
والمراد من قال ذلك من إنس وجن وملك ولا ينافيه التقيد
بالناس لأنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند الجمهور
(خالصا) عن شوب شرك أو نفاق فالمراد بالقول النفساني
لا الكلامي فقط أو ذكر تغليبا إذ الغالب أن من صدق
بالقلب قال باللسان (مخلصا من قلبه) أو نفسه هكذا هو
على الشك عند البخاري وقوله مخلصا تأكيد لخالصا
فالمراد الإخلاص المؤكد البالغ غايته ويدل على إرادة
تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته
التأكيد كما في {فإنه آثم قلبه} قال في الكشاف: لمن
كان آثم مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناده الفعل إلى
الجارحة التي يعمل فيها أبلغ ألا تراك إذا أردت
التأكيد تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني وقوله من قلبه
متعلق بمخلصا أو يقال والأولى كما قاله الكرماني
الثاني ثم إن تعلق يقال فالظرف لغو وإلا فمستقر إذ
تقديره ناشئا عن قلبه. قال البيضاوي. وأسعد بمعنى سعيد
إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد أو المراد
بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة ويستوجب به
الخلاص من النار لأن احتياجه للشفاعة أكثر والشفاعة
بها أوفر قال الكرماني: أفعل بمعنى فعيل يعني سعيد
الناس كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان أو هو
بمعناه الحقيقي المشهور والتفضيل بحسب المراتب أي هو
أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة وقال ابن حجر: أراد
بالشفاعة بعض أنواعها وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من
إيمان أما العظمى فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة
وهم من يدخل بغير حساب ثم الذين يلونهم وأشار بأسعد
إلى اختلاف مراتبهم في السبق فهي على بابها لا بمعنى
سعيد. والأولى أن يقال كل أحد يحصل له سعادة بسبب
شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن المصطفى
صلى الله عليه وسلم يشفع في الخلق لاراحتهم من هول
الموقف ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كأبي طالب
ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار بعد دخولها
وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه وفي بعضهم بدخول
الجنة بغير حساب وفي بعضهم برفع الدرجات فاستبان
الإشراك في السعادة بالشفاعة فإن أسعدهم بها المؤمن
الخالص المخلص
(خ) في كتاب الإيمان (عن أبي هريرة) قال: قلت يا رسول
الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال لقد ظننت
أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك: أي أقدم منك
لما رأيت من حرصك على الحديث ثم ذكره
(1/507)
1022 - (أسعد الناس) أي من أعظمهم سعادة
(يوم القيامة) بعد الأنبياء والخلفاء الأربعة (العباس)
كيف لا وهو أصل العز والشرف ورأس الدين والحسب وأقرب
الناس نسبا من المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمسهم به
رحما وأوصلهم به نسبا وأدناهم من قرابة والآخذ له
البيعة على أهل العقبة ليلتها والثابت معه بحنين إذ
ولت المهاجرة والأنصار الأدبار
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عمر) بن الخطاب
(1/507)
[ص:508] 1023 - (أسفر بصلاة الصبح) أي
أخرها إلى الإسفار أي الإضاءة (حتى يرى القوم مواقع
نبلهم) أي مواضع سهامهم إذا رموا بها فالباء للتعدية
عند الحنفية وجعلها الشافعية للملابسة والمعنى ادخلوا
في وقت الإضاءة متلبسين بصلاة الصبح بأن تمد يقال أسفر
إذا دخل في ابيضاض النهار كما يقال أسحر إذا دخل في
السحر ذكره في المغرب وفيه تقرير آخر يجيء فيما بعده
(الطيالسي) أبو داود (عن رافع بن خديج) الحارثي شهد
أحدا ومات سنة أربع وسبعين عن ست وثمانين سنة ورواه
الطبراني لكنه قال: نوروا وهو من رواية هرمز بن عبد
الرحمن عن رافع بن خديج وقد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم
يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا ولعل المصنف اطلع على من
لهما حيث رمز لحسنه
(1/508)
1024 - (أسفروا) بهمزة قطع مفتوحة وفاء
مكسورة (بالفجر) أي بصلاته (فإنه أعظم للأجر) أي
أخرجوها إلى تحقق طلوع الفجر الثاني وإضاءته من سفر
تبين وانكشف أو أسفروا بالخروج منها بأن تطيلوا
القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين كذا قرره الشافعية
مجيبين عن تمسك الحنفية به في ذهابهم إلى ندب التأخير
إلى الإضاءة. قال ابن حجر: وفي التأويل ينظر لقوله في
حديث الطبراني بسند ضعيف نوروا بصلاة الصبح حتى يبصر
القوم مواقع سبلهم من الإسفار لكن يعارضه حديث الشيخين
أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح
فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس فأخذ
الشافعية بذلك لصحته وقول الطحاوي حديث الإسفار ناسخ
لحديث الغلس: وهمه الحازمي وغيره بل الأمر بالعكس لخبر
أبي داود: أنه صلى الصبح فأسفر ثم كانت صلاته بعد ذلك
بالغلس حتى فارق الدنيا لم يعد إلى أن يسفر. رواته
كلهم ثقات وخبر الإسفار مختلف في إسناده ومتنه كما في
خلافيات البيهقي
(ت ن حب عن رافع) بن خديج واللفظ للترمذي وقال حسن
صحيح فمن نقل عنه تحسينه فقط كالمصنف في الأصل لم يصب
غير أنك قد علمت توهين البيهقي له وظاهر صنيع المصنف
أنه لم يخرجه من الستة إلا ذينك وهو ذهول فقد عزاه هو
نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الأربعة جميعا وذكر أن
هذا الحديث متواتر وعزاه ابن حجر في الفتح إلى الأربعة
وقال صححه غير واحد
(1/508)
1025 - (أسلم) بفتح الهمزة وكسر اللام (ثم
قاتل) قاله لرجل جاء مقنعا بالحديد يريد قتال الكفار
وهو كافر فأسلم فقاتل فقتل فقال المصطفى صلى الله عليه
وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا وسيجيء تعليله في خبر آخر
بأنه لا يستعين بالمشركين
(خ عن البراء) بن عازب
(1/508)
1026 - (أسلم) بضبط ما قبله (وإن كنت
كارها) قاله لرجل وقال إني أجدني كارها للإسلام
(حم غ والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك قال الهيتمي
رجاله رجال الصحيح اه. رمز المصنف لحسنه
(1/508)
1027 - (أسلم) بفتح الهمزة واللام: قبيلة
من خزاعة وهو مبتدأ والخبر قوله (سالمها الله) وفي
رواية: سلمها الله: أي صالحها من المسالمة وهي ترك
الحرب أو معنى سلمها (وغفار) بكسر المعجمة والتخفيف:
قبيلة من كنانة وهو مبتدأ والخبر قوله (غفر الله لها)
خبر أراد به الدعاء أو هو خبر على بابه وخصها بالدعاء
لأن غفارا أسلموا [ص:509] قديما وأسلم: سالموه عليه
الصلاة والسلام (أما) بالتخفيف (والله ما أنا قلته) أي
ما قلت ما ذكر من مناقب هاتين القبيلتين (ولكن الله
قاله) وأمرني بتبليغه إليكم فاعرفوا إليهم حقهم
وأنزلوا الناس منازلهم
(حم طب ك عن سلمة بن الأكوع م عن أبي هريرة) وفيه أنه
ينبغي الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقال لأحمد أحمد
الله عافيتك ولعلي علاك الله وهو من جناس الاشتقاق
المستعذب المستحسن عندهم ولا يختص بالدعاء بل يأتي
مثله في الخبر ومنه قوله تعالى {وأسلمت مع سليمان لله
رب العالمين} قال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني
خاصة: وفيه عندهما عمر بن راشد اليماني وثقه العجلي
وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح
(1/508)
1028 - (أسلم سالمها الله وغفار غفر الله
لها وتجيب) بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون
التحتية وموحدة (أجابوا الله) بانقيادهم إلى دين
الإسلام اختيارا. وتمامه عند مخرجه الطبراني فقال له -
أي لرواية ابن سندر الآتي - يا أبا الأسود أنت سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر تجيب فقال نعم قال
ابن حجر: وهذه قبائل كانت في الجاهلية في القوة
والمكانة دون بني صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل
فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولا فيه من أولئك
فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك وأسلم يفتح الهمزة واللام
قبيلة منسوبة إلى أسلم بن أفضى بفتح الهمزة وسكون
الفاء فمهملة مقصور ابن حارثة بن عمرو بن عامر بن
حارثة بن امرئ القيس بن ماري بن الأزد بطن من قحطان
ومنهم خلق كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من
العلماء والشعراء وأما أسلم بن الحاف بن قضاعة وأسلم
بن القيانة وأسلم بن بدول فالثلاثة بضم اللام وليسوا
بمرادين هنا وغفار بكسر المعجمة وخفة الفاء وهو بنو
غفار بن مليل بميم ولامين مصغر ابن ضمرة بن بكر بن عبد
مناف ومزينة - بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية
فنون - وهو اسم امرأة عمرو بن أد بن طانجة بن إلياس بن
مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وجهينة بالتصغير هم بنو
جهينة بن زيد بن ليث قبيلة من قضاعة ينسب إليها خلق
كثير من الصحابة والتابعين وتجيب بضم التاء وكسر الجيم
فمثناة فموحدة هم ولد عدي وسعد ابن أشرس بن شيب بن
السكن بطن من مذحج وهم خلق كثير وعامتهم بمضر منهم
معاوية بن خديج والحاصل أن هذه الخمسة أسلم وغفار
ومزينة وجهينة وأشجع قبائل من مضر أما مزينة وغفار
وأشجع فاتفاقا وأما أسلم وجهينة فعلى الأرجح وعصية بطن
من بني سليم ينسبون إلى عصية بمهملتين مصغرا ابن خفاف
بضم المعجمة وفاءين مخففتين امرؤ القيس وإنما قال
المصطفى صلى الله عليه وسلم فيهم ذلك لأنهم عاهدوا
فغدروا كما هو مذكور في غزوة بئر معونة. وحكى ابن
السني أن بني غفار كانوا يسرقون الحاج في الجاهلية
فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا
ليمحو عنهم ذلك العار وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل
والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه
قيل خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما
سبي غيرهم وهذا إن سلم يحمل على الغالب وفي هذا الحديث
وما قبله من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لعذوبته
وانسجامه وهو من الاتفاقيات اللطيفة
(طب عن عبد الرحمن بن سندر) أي الأسود الرومي أبي روح
زنباع الجذامي قال الهيتمي: إسناده حسن اه ومن ثم رمز
المصنف لحسنه
(1/509)
1029 - (أسلمت) أي دخلت في الإسلام (على
ما) أي مع أو مستعليا على ما (أسفلت) وفي رواية بدله
على ما سلف لك وفي رواية للبخاري على ما سلف أي على
وجدان ثواب ما قدمته (من خير) أي على قبوله فتثاب عليه
ويضاف لما تعمله في الإسلام فضلا منه تعالى وإن كان
الكافر لا يصح عمله لفقد شرط النية أو المعنى أنك
ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادىء عنوان
الغايات أو أن فعل ذلك أورثك طباعا جميلة فانتفعت بتلك
الطباع في الإسلام [ص:510] لما حصل لك من التدرب على
فعل القرب فلم تحتج لمجاهدة جديدة بعد الإسلام والفضل
للمتقدم ومن أطلق عدم إثابة الكافر فكلامه منزل على ما
إذا لم يسلم وعلى الإثابة في الآخرة بل قد يثاب وإن لم
يسلم لكن في الدنيا خاصة لخبر مسلم: إن الكافر يثاب في
الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة
(حم ق عن حكيم بن حزام) قال قلت يا رسول الله صلى الله
عليك وآلك وسلم أرأيت أشياء كنت بها في الجاهلية من
صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل لي فيها من أجر؟ فذكره
وبالوقوف على السبب يعرف أنه لا ظهور لزعم البعض أن
معناه أسلمت ببركة ذلك الخير السابق
(1/509)
1030 - (أسلمت عبد القيس) قبيلة مشهورة
عظيمة من قبائل العرب ومضر في مقابلتهم ذكره القاضي
(طوعا) أي دخلوا في الإسلام غير مكرهين (وأسلم الناس)
أي أكثرهم (كرها) أي مكرهين خوفا من السيف (فبارك الله
في عبد القيس) خبر بمعنى الدعاء أو هو على بابه وقد
ظهر فلاحهم بعد ذلك وصلاحهم ببركة دعائه وفي خبر
للطبراني أيضا أسلمت الملائكة طوعا وأسلمت عبد القيس
طوعا وفيه أنه يصح إكراه الكافر على الإسلام ومحله في
الحربي لا الذمي
(طب عن نافع العبدي) قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة قدم وفد عبد القيس ليأتين ركب من المشرق لم
يكرهوا على الإسلام فذكره فقدم وفدهم أربعون رجلا
فأضافهم وأكرمهم. رمز لضعفه
(1/510)
1031 - (اسم الله الأعظم) قيل الأعظم بمعنى
العظيم وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم
وليس بعضها أعظم من بعض وقيل هو للتفضيل لأن كل اسم
فيه أكثر تعطيما لله فهو أعظم فالله أعظم من الرب فإنه
لاشريك له في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها وأما
الرب فيضاف للمخلوق (الذي إذا دعى به أجاب) بمعنى أنه
يعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا
يرد لكونه بين إحدى ثلاث: إعطاء المسؤول في الدنيا أو
تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن (في ثلاث سور من
القرآن: في البقرة وآل عمران وطه) قال أبو شامة:
فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي: الله لا إله
إلا هو الحي القيوم وفي آل عمران: الله لا إله إلا هو
الحي القيوم وفي طه: وعنت الوجوه للحي القيوم كذا في
الفردوس وقد اختلف في الاسم الأعظم على نحو أربعين
قولا أفردها المصنف وغيره بالتأليف: قال ابن حجر:
وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وفي الحديث
رد علي أبي الحسين بن سمعون في زعمه أن الاسم الأعظم
سبعة وثلاثون حرفا من حروف المعجم نقله عنه في الملل
والنحل
(هـ ك طب عن أبي أمامة) الباهلي وفيه هشام بن عمار
مختلف فيه كما سبق
(1/510)
1032 - (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين)
وهما (وإلهكم إله واحد) خطاب عام أي المستحق منكم
للعبادة واحد لا شريك له فصح أن يعبد ويسمى إلها (لا
إله إلا هو) تقرير للوحدانية (الرحمن الرحيم) كالحجة
عليها فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها
وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد
غيره (وفاتحة) سورة (آل عمران الم الله لا إله إلا هو
الحي) الحياة الحقيقية التي لا موت معها (القيوم) الذي
به قيام كل شيء وهو قائم على كل شيء. قال ابن عربي:
وقد جعل أهل الله هو من ذكر خصوص الخصوص لأنها أعرف من
اسم الله في أصل الوضع لأنها لا تدل إلا على الذات
المضمرة من غير اشتقاق وإنما غلبوها على سائر المضمرات
والإشارات نحو أنت وذا [ص:511] لكونها ضمير غيب فرأوا
أن الحق لا يعلم فهو غيب مطلق من تعلق العلم بحقيقته
فقالوا حقيقة هو ترجع إلى هويته التي لا يعلمها إلا هو
قال أعني ابن عربي والرحمن الرحيم اسم مركب كبعلبك
وقال حجة الإسلام في الجواهر: وهذا الخبر يشهد بأن
الاسم الأعظم هو الحي القيوم وتحته سر مكنون اه وقال
ابن عربي: الاسم الأعظم في آية الكرسي وأول آية آل
عمران وجاء في خبر آخر أن أعظم آية في القرآن الله لا
إله إلا هو قال القاضي: وذلك لأن شرف الآيات لشرف
مدلولاتها ورفعة قدرها واشتمالها على الفوائد العظيمة
والعوائد الخطيرة ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة
ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته وأشرف
العلوم وأعلامها قدرا وأرفعها منارا وأبقاها ذخرا هو
العلم الإلهي الباحث عن ذاته تقدس وصفاته الذاتية
السلبية والثبوتية وما يدل عليها من صنائعه وأفعاله
وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عليه لا مرد لحكمه ولا
مانع من عذابه وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد
من مفهومها وفحواها اشتمل على جملة ذلك مفصلا أو مجملا
على طريقة التقدير والتحقيق لا على منهج الدعوى ومحض
التقليد. ومن حيث أن اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن
النظم والترتيب موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ
وتتشعشع في معارضته فصاحة كل فصيح وفي الاشتغال بذلك
خروج عن المقصود فمن أراد فليراجع كتب التفسير. اه.
وقال الإمام الرازي في لوامع البينات منهم من قال
الاسم الأعظم الحي القيوم ويدل عليه وجهان: أحدهما أن
أبي بن كعب طلب من المصطفى صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أن يعلمه الاسم الأعظم فقال هو في قوله تعالى
{الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وفي {الم الله لا
إله إلا هو الحي القيوم} قالوا وليس ذلك في قولنا:
الله لا إله إلا هو لأن هذه الكلمة موجودة في آيات
كثيرة فلما خص الاسم الأعظم بهاتين الآيتين علمنا أنه
الحي القيوم. الثاني: أن الحي يدل على كونه سبحانه
عالما متكلما قادرا سميعا بصيرا والقيوم يدل على أنه
قائم بذاته مقوم لغيره ومن هذين الأصلين تتشعب جميع
المسائل المعتبرة في علم التوحيد ففي هذين الاسمين من
صفات العظمة والكبرياء والإلهية ما ليس في غيرهما وذلك
يقتضي أنهما أعظم الأسماء وقال النابلسي في كفاية ذوي
الألباب: إن الحي القيوم دعاء أهل البحر إذا خافوا
الغرق وأن بني إسرائيل سألوا موسى الكليم عن الاسم
الأعظم فأوحى الله إليه أن مرهم أن يدعوني بآهيا
شراهيا ومعناه الحي القيوم. قال: وكان عيسى عليه
الصلاة والسلام إذا أراد أن يحيي الموتى: قال يا حي يا
قيوم
(حم د ت هـ عن أسماء) بفتح الهمزة (بنت يزيد) بن السكن
أم سلمة الأنصارية صحابية جليلة تأخرت وفاتها. حسنة
الترمذي ورمز المصنف لصحته مع أن فيه كما قال المناوي
وغيره عبد الله بن أبي الزناد القداح فيه لين وقال أبو
داود أحاديثه مناكير وضعفه ابن معين
(1/510)
1033 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به
أجاب في هذه الآية) من آل عمران هكذا هو في متن حديث
الطبراني عن الحبر (قل اللهم مالك الملك) أي الذي لا
يملك منه أحد شيئا غيره (الآية) بالنصب على إضمار
اقرأ. قال ابن الهمام: وهو الوجه الظاهر لتبادره ويجوز
رفعه بتقدير مبتدأ أو خبر: أي المتلو وهو على تقدير
إلى آخر الآية إذ العادة عند الفصحاء أنه إذا كانت
الأية أو الحديث أو البيت محفوظا معروفا يذكر أوله
ويقال الآية أو الحديث أو البيت اختصارا أي التي هي
مستهلها أو مبدؤها فعلى العاقل المتأمل فيها إسلام
الملك كله الذي منه شرف الدنيا لله ولذلك لم يكن
المصطفى صلى الله عليه وسلم يتظاهر بالملك ولا يأخذ
مأخذه وتبعه خلفاؤه فلبسوا الخلقات والمرقعات واقتصروا
على شظف العيش. قال الطيبي: والفرق بين قوله: إذا سئل
به أعطى وبين قوله: إذا دعى به أجاب: أن الثاني أبلغ
فإن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند
المجيب فتتضمن أيضا قضاء حاجته بخلاف السؤال فقد يكون
مذموما ولذلك ذم السائل في كثير من الأحاديث ومدح
المتعفف على أن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على
[ص:512] السؤال
(طب عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه جسر بن فرقد وهو
ضعيف وأقول فيه أيضأ محمد بن زكريا الغلابي أورده
الذهبي في الضعفاء أيضا وقال وثقه ابن معين وقال أحمد
ليس بقوي والنسائي والطبراني والدارقطني: ضعيف وأبو
الجوزاء قال البخاري فيه نظر فتعصيب الهيتمي الجناية
برأس جسر وحده لا يرتضى
(1/511)
1034 - (اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به
أجاب وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس بن متى) ابن جرير -
الطبري الإمام المجتهد
(عن سعد) بن أبي وقاص
(1/512)
1035 - (إسماع الأصم) أي إسماع الكلام
للأصم (صدقة) عن المسمع أي يثاب على الصدقة
(خط في) كتاب (الجامع) في آداب الشيخ والسامع (عن سهل
بن سعد) رمز المصنف لضعفه
(1/512)
1036 - (أسمح أمتي جعفر) أي من أكثرهم جودا
وأكرمهم نفسا جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين وكان يسمى
بحر الجود فعوتب في ذلك فقال إن الله عودني بعادة
وعودت الناس عادة فأخشى إن قطعتها قطعت عني وأخباره في
الجود عجيبة؟ كيف لا وقد جاهد بنفسه في الله حتى قتل
شهيدا يوم مؤتة والظاهر أنه المراد من أسمح فقد جاد
الصديق بجميع ماله لله لكن جعفر زاد عليه بجوده
بالحياة. قال الزمخشري: أسمح من أسمحت فروته أي نفسه
إذا سهلت وانقادت. وعرف بعضهم السماح أخذا من كلام
الغزالي بأنه بذل ما لا يجب بذله تفضلا أي بلا توقع
مجازاة والمسامحة بأنها ترك ما لا يجب تركه تنزيها أي
بلا توقع مجازاة كحط البائع بعض الثمن (المحاملي في
أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة) رمز لضعفه ولم يقف له
الديلمي على سند فبيض له
(1/512)
1037 - (أسمح) أمر من السماح (يسمح لك)
بالبناء للمفعول
والفاعل الله: أي عامل الخلق الذين هم عيال الله
وعبيده بالمسامحة والمساهلة يعاملك سيدهم بمثله في
الدنيا والآخرة. وفي الإنجيل: إن غفرتم للناس خطاياهم
غفر لكم أبوكم السماوي خطاياكم وإن لم تغفروا للناس
خطاياهم لم يغفر لكم وفيه لا تحبوا الحكم على أحد لئلا
يحكم عليكم اغفروا يغفر لكم أعطوا تعطوا وقال بعض
الحكماء: أحسن إن أحببت أن يحسن إليك ومن قل وفاؤه كثر
أعداؤه. وهذا من الإحسان المأمور به في القرآن المتعلق
بالمعاملات وهو حث على المساهلة في المعاملة وحسن
الانقياد وهو من سخاوة الطبع وحقارة الدنيا في القلب
فمن لم يجده من طبعه فليتخلق به فعسى أن يسمح له الحق
بما قصر فيه من طاعته وعسر عليه في الانقياد إليه في
معاملته إذا أوقفه بين يديه لمحاسبته
(طب هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وقال الحافظ
العراقي: رجاله ثقات وقال تلميذه الهيتمي: رواه أحمد
عن شيخه مهدي بن جعفر الرملي وقد وثقه غير واحد وفيه
كلام وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر: فيه
مهدي وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال
الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما
رجال الصحيح اه فاقتصار المصنف على رمزه لحسنه تقصير
وإيهام
(1/512)
1038 - (اسمحوا يسمح لكم) أي يسمح الله لكم
في الدنيا بالإنعام وفي العقبى بعدم المناقشة في
الحساب وغير ذلك ولا يخفى كمال السماح على ذي لب فجمع
بهذا اللفظ الموجز المضبوط بضابط العقل الذي أقامه
الحق حجة على الخلق ما لا يكاد [ص:513] يحصى من
المصالح والمطالب العالية وما ذكر من أن الرواية: يسمح
لكم: باللام هو ما في نسخ لا تكاد تحصى ثم رأيت المصنف
كتب بخطه في نسخته من هذا الكتاب بكم بباء موحدة
وضبطها
(عب عن عطاء مرسلا) عطاء في التابعين المرسلين جماعة
فكان ينبغي تمييزه
(1/512)
1039 - (اسمعوا) أي استمعوا كلام من تجب
طاعته من ولاة أموركم وجوبا (وأطيعوا) أمرهم وجوبا
فيما لا معصية فيه لأنهم نواب الشرع (فإن قلت) ذكر
الأمر بالطاعة كاف فما فائدة الأمر بالسمع معه (قلت)
فائدته وجوب استماع كلامه ليتمكن بالإصغاء إليه من
طاعة أمره على الوجه الأكمل ولذلك أمر بالإنصات عند
تلاوة القرآن وفي خطبة الجمعة ونهى عن رفع الصوت على
صوت صاحب الشرع ليفهم كلامه ويتدبر ما في طيه ويطاع
أمره جملة وتفصيلا (وإن استعمل) بالبناء للمجهول
(عليكم عبد) أعرب بالرفع نائب الفاعل (حبشي) أي وإن
استعمله الإمام الأعظم أميرا إمارة خاصة أو عامة ليس
من شرطها الحرية وإرادة العتيق فسماه عبدا باعتبار ما
كان والمراد اسمعوا ولو لحبشي سواء كان ذلك الحبشي
مفتونا أو مبتدعا كما اقتضاه تبويب البخاري عليه بباب
إمامة المفتون والمبتدع ثم زاد في المبالغة بوصف العبد
بقوله (كأن رأسه زبيبة) بزاي مفتوحة حبة عنب سوداء:
حالا أو صفة لعبد: أي مشبها رأسه بالزبيبة في السواد
والحقارة وقباحة الصورة أو في الصغر يعني وإن كان صغير
الجثة حتى كأن رأسه زبيبة وقد يضرب المثل بما لا يكاد
يوجد تحقيرا لشأن الممثل والمراد وشعر رأسه مقطقط
إشارة إلى بشاعة صورته وأجمعوا على عدم صحة تولية
العبد الإمامة لكن لو تغلب عبد بالشوكة وجبت طاعته خوف
الفتنة. وفي رواية بدل كان إلخ مجدع الأطراف: أي مقطوع
الأعضاء والتشديد للتنكير ذكره ابن الأثير. وهذا حث
على السمع والطاعة للإمام ولو جائرا. وذلك لما يترتب
عليه من اجتماع الكلمة وعز الإسلام وقمع العدو وإقامة
الحدود وغير ذلك وفيه التسوية في وجوب الطاعة بين ما
يشق على النفس وغيره وقد بين ذلك في رواية بقوله فيما
أحب وكره
ووجوب الاستماع لكل من تجب طاعته كالزوج والسيد
والوالد واستدل به على أن الإمام إذا أمر بعض رعيته
بالقيام ببعض الحرف والصنائع من زراعة وتجارة وعمل أنه
يتعين على من عينه لذلك وينتقل من فرض الكفاية إلى فرض
العين عليه بتعيين الإمام. قال جدنا الأعلى من جهة
الأم الزين العراقي حتى قاله بعض شيوخنا في الفلاحين
المفردين لزراعة البلدان أنه أمر شرعي بتقرير الإمام
ذلك عليم. نعم إن تعدى عليهم وألزموا بما لا يلزمهم من
إيجار الأرض بغير رضاهم لم يجر لكن يكونون كالعمال
يعملون ويستحقون أجر المثل
(حم خ) في الصلاة وفي الأحكام (هـ عن أنس) بن مالك
ورواه عن أنس أيضا البخاري بلفظ: اسمع وأطع ولو لحبشي
كأن رأسه زبيبة. وظاهر صنيع المصنف أن هذا مما تفرد به
البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد رواه مسلم من حديث
أم حصين
(1/513)
1040 - (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من
صلاته) قال الطيبي: أسوأ مبتدأ والذي: خبره على حذف
مضاف: أي سرقة الذي يسرق
ويجوز أن تكون السرقة جمع سارق كفاجر وفجرة. اه. قالوا
وكيف يسرق منها يا رسول الله؟ قال (لا يتم) وفي رواية
الذي لا يتم (ركوعها ولا سجودها) وأعاد - لا - في
السجود دفعا لتوهم الاكتفاء بالطمأنينة في أحدهما (ولا
خشوعها) الذي هو روح الصلاة بأن لم يستحضر عظمة الله.
قال الطيبي: جعل جنس السرقة نوعين: متعارفا وغير
متعارف وهو ما ينقص من الطمأنينة والخشوع ثم جعل غير
المتعارف أسوأ من المتعارف ووجه كونه أسوأ أن السارق
إذا وجد مال الغير قد ينتفع به في الدنيا ويستحل صاحبه
أو يحد فينجو من عذاب الآخرة [ص:514] بخلاف هذا فإنه
سرق حق نفسه من الثواب وأبدل منه العقاب في العقبى.
قال الحراني: وأكثر ما يفسد صلاة العامة تهاونهم بعلم
الطمأنينة والعمل بها في أركان الصلاة وأصلها سكون على
عمل لركن من ركوع أو سجود أو جلوس زمنا ما وإجماع من
النفس على البقاء على تلك الحالة ليوافق بذلك المقدار
من الزمان حال الداعين في آحاد تلك الأحوال من
الملائكة الصافين وفيه أن الطمأنينة في الركوع والسجود
واجبة وأجله في الفرض وكذا في النفل عند الشافعي فعده
ركنا وأن الخشوع واجب وبه قال الغزالي منهم فعده شرطا
لكن المفتى به عندهم خلافه (نكتة) صلى رجل صلاة ولم
يتم أركانها وقال اللهم زوجني الحور العين فقال له
أعرابي: بئس الخاطب أنت: أعظمت الخطبة وأسأت النقد
(حم ك) وصحح إسناده (عن أبي قتادة) الأنصاري أبو داود
(الطيالسي حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي فيه
علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به. وبقية رجاله رجال
الصحيح. وقال الذهبي في الكبائر: إسناده صالح. وقال
المنذري: رواه الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن
مغفل بإسناد جيد لكنه قال في أوله: أسرق الناس وهذا
الحديث أخرجه في الموطأ فكان ينبغي للمؤلف أن يضمه
لهؤلاء في العزو جريا على عادته فإن دأبه أن الحديث
إذا كان فيه مالك بدأ يعترف له مقدما على الشيخين ولفظ
مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة الأنصاري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في الشارب
والسارق والزاني؟ قال: وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا:
الله ورسوله أعلم قال: هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ
السرقة الذي يسرق من صلاته قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟
قال: لا يتم إلخ
(1/513)
1041 - (أشبه ما رأيت بجبريل) اسم سرياني
معناه عبد الله (دحية) بفتح المهملة وكسرها: ابن خليفة
بن فروة (الكلبي) بفتح فسكون: صحابي جليل مشهور أي
أقرب الناس شبها إذا تصور بصورة إنسان هو. قال
الزمخشري: دحية رئيس الجند وبه سمى دحية الكلبي وكأنه
من دحاه يدحوه إذا بسطه ومهده فإن الرئيس له التمهيد
والبسطة وقلب الواو ياء فيه نظير قلبها في قنية. قال
أبو حاتم عن الأصمعي بفتح داله ولا تكسر ولعله من
تغيرات الأعلام كالحجاج على الإمالة. إلى هنا كلامه.
وكان جبريل يأتيه على صورته بغير أجنحة وهو خلاف صورته
التي خلق عليها وهو إذ ذاك جبريل. قال تعالى {نزل به
الروح الأمين} فالنازل بالوحي جبريل. والصورة صورة
دحية فجبريل هو جبريل والصورة غيره وإن كان الملك
فيها. ذكره الكلاباذي واحتج به الحلولية والاتحادية
على زعمهم الفاسد من جهة أنه روحاني وقد خلع صورة
الروحانية وظهر بمظهر البشرية فكان يظهر بصورة دحية
فيعلمه النبي ملكا ويظنه الناس بشرا قالوا فإذا قدر
على ذلك وهو مخلوق فالله أقدر على الظهور في صورة
الوجود الكلي أو بعضه وأجيب بأن جبريل جسم نوراني لطيف
فقبلت ذاته التشكل والانخلاع من طور إلى طور والله
منزه عن الجسمية ولوازمها وكونه يرى ولا يرى وأقرب من
حبل الوريد وبين المصلي وقبلته لا يدل لكونه ماهية إذ
القرب والبينية أمر معنوي لا حسي
(ابن سعد) واسمه يحيى في الطبقات (عن ابن شهاب) كذا هو
بخط المصنف فما في نسخ شهاب لا أصل له وهو الزهري
(1/514)
1042 - (اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك
الأملاك) أي من تسمى بذلك ودعي به وإن لم يعتقده فإنه
(لا ملك) في الحقيقة (إلا الله) وغيره وإن سمى ملكا أو
مالكا فإنما هو بطريق التجوز وإنما اشتد غضبه عليه
لمنازعته لله في ربوبيته وألوهيته فهو حقيق بأن يمقته
عليه فيهينه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تجت
أقدام خلقه لجرأته وعدم حياته في تشبهه به في الاسم
الذي لا ينبغي إلا له فهو ملك الملوك وحده حاكم الحكام
وحده فهو الذي [ص:515] يحكم عليهم كلهم لاغيره (خاتمة)
لما أمر الخليفة في القرن الخامس أن يزاد في ألقاب
جلال الدولة شاهنشاه ملك الملوك وخطب له بذلك أفتى بعض
الفقهاء بالمنع وتبعهم العوام ورموا بالآجر الخطباء.
وأفتى القاضي أبو الطيب الشافعي والصيمري الحنفي
بالجواز إذ معناه ملك ملوك الأرض وأفتى الماوردي
بالمنع وكان من خواص أصحاب جلال الدولة فانقطع عنه
فطلبه الجلال فمضى إليه على وجل شديد فقال له أنا
أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني وما حملك على ذلك
إلا الدين فزاد بذلك محله عنده ولم يعش جلال الدولة
بعد هذا إلا أشهرا قليلة
(تتمة) قال القرطبي: مما يجري هذا المجرى في المنع
نعتهم أنفسهم بالنعوت المقتضية للتزكية: كزكي الدين
ومحيي الدين لكن لما كثرت قبائح المسمين بها ظهر تخلف
هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا من أصل
موضوعاتها
(حم ق عن أبي هريرة الحارث عن ابن عباس)
(1/514)
1043 - (اشتد غضب الله على الزناة)
لتعريضهم لإفساد الحكمة الإلهية باختلاط المياه والجهل
بالأنساب والزنا يفسد القلب ويفسد توحيده وأحظى الناس
به أكثرهم شركا لأن عشق الصورة المحرمة نوع تعبد لها
بل هو من أعلى أنواع التعبد لاسيما إذا استولى على
القلب وتمكن منه فيصير العاشق عابدا لمعشوقه ساعيا في
مرضاته مؤثرا محابه على حب الله والسعي في مرضاته حتى
ينفق في مرضاته ما لا ينفق في رضا ربه ويتجنب من سخطه
مالا يتجنب من سخط الله فلذلك كان بغيضا لله ومن ثم لم
يبح في ملة من الملل
(أبو سعيد الجرباذقاني) بفتح الجيم وسكون الراء وخفة
الموحدة وبعد الألف ذال معجمة مفتوحة وقاف مخففة وآخره
نون: نسبة لبلدة بين جرجان واستراباذان وبين أصبهان
والكرخ (في جزئه) المشهور (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) بن
حيان (في عواليه) أي الأحاديث التي وقعت له بعلوه عن
أقرانه (فر) كلهم (عن أنس) بن مالك وفيه بقية وحاله
مشهور عن عباد بن كثير فإن كان الثقفي فقد تركوه أو
الرملي فضعفوه كما سبق وعمران القصير عن أنس قال
الذهبي في الضعفاء فقد روي عن أنس حديث الطيرة ومن ثم
رمز المصنف لضعفه
(1/515)
1044 - (اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على
قوم ولدا ليس منهم يطلع على عوراتهم ويشركهم في
أموالهم) المراد أنها حملت من زنا أو نحوه فأتت بولد
فنسبته لصاحب الفراش فصار ولده في الظاهر يطلع على
باطن أمره ويعوله ما دام حيا ويرثه إذا مات وإنما اشتد
غضبه عليها لأن هذه الخيانة منها تعود بفساد فراش
الزوج وفساد النسب الذي جعله الله بين الناس لتمام
مصالحهم وعده من جملة نعمه عليهم
فالزنا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فهي
جديرة بغضب رب الأرباب <تنبيه> قال الإمام الرازي: يصح
وصفه تعالى بالغضب وأن غضبه يتزايد ويكثر فلا يكون
غضبه على من كفر بخصلة واحدة كغضبه على من كفر بخصال
كثيرة
(البزار) وكذا الطبراني في الأوسط وكأن المصنف ذهل عنه
(عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وفيه إبراهيم بن
يزيد وهو ضعيف وأما المصنف فرمز لحسنه
(1/515)
1045 - (اشتد غضب الله على من) أي إنسان
(آذاني في عترتي) بوجه من وجوه الإيذاء كسب أو لعن أو
طعن في نسب أو تعرض لنقصهم أو جفاء لبعضهم. والعترة
بكسر العين وسكون الفوقية: نسل الرجل وأقاربه. وعشيرته
الأدنون [ص:516] وأخرج المحب الطبري في كتاب ذخائر
العقبى من حديث علي بن موسى الرضي عن علي كرم الله
وجهه مرفوعا: اشتد غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته
على من أهرق دم نبي أو آذاه في عترته اه. قال المحب:
وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي
(فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي سعيد) الخدري وفيه أبو
إسرائيل الملائي. قال الذهبي ضعفوه ومن ثم رمز لضعفه
(1/515)
1046 - (اشتد غضب الله على من ظلم من لا
يجد ناصرا غير الله) فإن ظلمه أقبح من ظلم من له حمية
أو شوكة أو ملجأ من الخلائق يعتمد عليه ويفزع في
مهماته إليه
(فر) من جهة شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث
الأعور عن علي أمير المؤمنين قال السخاوي: والأعور
كذاب أه وأقول أيضا فيه مسعر الهندي قال في الميزان:
لا أعرفه
(1/516)
1047 - (اشتدي أزمة) بفتح الهمزة وسكون
الزاي وخفة الميم (تنفرجي) يعني ياأزمة وهي سنة القحط:
أي ابلغي النهاية في الشدة حتى تنفرجي فإن الشدة إذا
تناهت انفرجت بشهادة الاستقراء فليس المراد حقيقة أمر
الشدة بالاشتداد بل طلب الفرج {إن مع العسر يسرا}
وناداها إقامة للسبب مقام المسبب وفيه نوع تسلية
وتأنيس بأن الشدة المتناهية نوع من النعمة لما يترتب
عليها. ومن كلام العرب: الشدة إذا تناهت انفرجت. وفيه
مخاطبة من لا يعقل تنزيلا له منزلة العاقل بنحو {يا
أرض ابلعي ماءك} وأما ما في حاشية أسد الغابة لمغلطاي
عن الذيل أن أصل هذا المثل أن امرأة اسمها أزمة أخذها
الطلق فقيل لها ذلك: فرد بأنه ليس فيه وأنه لا أصل له
(القضاعي) وكذا العسكري في الأمالي
(فر) كلهم من حديث أمية بن خالد عن الحسين بن عبد الله
بن ضمرة عن أبيه عن جده (عن علي) أمير المؤمنين قال في
الميزان والحسين كذبه مالك وأبو حاتم وتركه أبو زرعة
وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ثم ساق من مناكيره هذا
الحديث وفي اللسان عن التاريخ الأوسط للبخاري تركه علي
وأحمد وقال ابن أبي أويس كان يتهم بالزندقة وقال
النسائي لا يكتب حديثه وقال ابن الجارود كذاب ومن ثم
رمز لضعفه
(1/516)
1048 - (اشتروا الرقيق) أمر إرشاد
(وشاركوهم في أرزاقهم) بمخارجتهم وضرب الخراج عليهم
وإخدامهم لغيركم بالأجرة ونحو ذلك والرق عجز حكمي بقوم
بالإنسان بسبب الكفر (وإياكم والزنج) بفتح الزاي
وتكسر: أي احذروا شراءهم (فإنهم قصيرة أعمارهم قليلة
أرزاقهم) وهو جيل من السودان مسكنهم تحت خط الاستواء
جنوبية ولا عمارة وراءهم (قيل) وتمتد بلادهم إلى قرب
الحبشة وبعضهم على نيل مصر وإنما كانوا كذلك لأن
الأسود إنما هو لبطنه وفرجه كما في خبر سيجيء وإن جاع
سرق وإن شبع فسق كما في خبر وهذه الأوصاف تمحق البركة
من العمر والرزق كما هو بين
(طب) وكذا الأوسط (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه من
لم أعرفه ومن ثم رمز لضعفه
(1/516)
1049 - (أشد الناس) أي من أشدهم (عذابا
للناس في الدنيا) أي بغير حق (أشد الناس عذابا عند
الله يوم القيامة) فكما تدين تدان. وفي الإنجيل:
بالكيل الذي تكتال به يكال لك. وقضيته أن لا يكون في
النار أحد يزيد [ص:517] عذابه عليه. ويعارضه الأخبار
الآتية عقبه وآية {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وأجيب
بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل نوع بل
من يشاركهم في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون
أشد الناس الزاعمين للإلهية عذابا ومن يقتدى به في
ضلالة كفر أشد عذابا ممن يقتدى به في ضلالة بدعة
والإمام الجائر الذي ولايته محيطة أشد عذابا من حاكم
بلدة أو قاضيها. ومن صور صورة تعبد - كما كانت تفعل
الجاهلية وكما يفعل النصارى - أشد عذابا ممن صورها
لغير ذلك كالزينة. وهكذا ذكره القرطبي وغيره. وقوله
عند الله: يجوز كونه تلويحا إلى معنى الاستحقاق: يعني
أنه أشد من يستحق العذاب عنده لكنه في محل العفو. ذكره
بعض الكاملين
(حم هب عن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي سيف
الله من كبار الصحابة وأشرافهم أسلم بين الحديبية
والفتح وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من
الفتوح (ك عن عياض) بكسر العين المهملة وفتح المثناة
التحتية المخففة (ابن غنيم) بفتح المعجمة وسمون النون
ابن زهير بن أبي شداد بن ربيعة الفهري قريب أبي عبيدة
وابن امرأته والذي افتتح الجزيرة وجاز درب الروم غازيا
وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك (وهشام بن حكيم)
بن حزام الأسدي أسلم يوم الفتح ومات قبل أبيه. قال
الزاهدي: ووهم ابن منده حيث قال هو هشام بن حكيم
المخزومي
(1/516)
1050 - (أشد الناس يوم القيامة عذابا) قد
علم وجه التلفيق بينه وبين ما قبله وما بعده وبين قوله
{أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وجمع أيضا بأنه ليس في
الآية ما يقتضي أن آل فرعون يختص بأشد العذاب بل هم في
العذاب الأشد مع غيرهم وبأن المعنى من أشدهم وإلا
فإبليس أشد عذابا من هؤلاء ومن غيرهم وكذا قابيل ومن
قتل نبيا أو قتله نبي ونحو ذلك (إمام) أي خليفة أو
سلطان ومثله القاضي (جائر) لأن الله ائتمنه على عباده
وأمواله ليحفظها ويراقب أمره في صرفها في وجوهها ووضع
كل شيء في محله فإذا تعدى في شيء من ذلك فهو خليق بأن
يشتد الغضب عليه ويحاسب أشد الحساب ثم يعاقب أفظع
العقاب
قال سقراط: ينبوع فرج العالم الإمام العادل وينبوع
خرابهم الملك الجائر
وقد أفاد هذا الوعيد أن جور الإمام من الكبائر
(ع طس حل عن أبي سعيد) الخدري. رمز المصنف لحسنه ولم
يصححه لأن فيه محمد بن جحادة. قال الذهبي في الضعفاء
كان يغلو في التشيع. وقال الهيتمي بعد ما عزاه
للطبراني فيه عطية وهو متروك
وقد ورد بسند صحيح بأتم من هذا. وروى أحمد والبزار من
حديث ابن مسعود موقوفا: أشد الناس عذابا يوم القيامة
من قتل نبيا أو قتله نبي وإمام جائر. قال زين الحفاظ
العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح
فلو آثر المؤلف هذه الرواية كان أولى
(1/517)
1051 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة من
يرى) بضم فكسر ويجوز فتح أوله: أي وثانيه (الناس)
مفعول على الأول وفاعل على الثاني (أن فيه خيرا ولا
خير فيه) في باطن الأمر. فلما تخلق بأخلاق الأخيار وهو
في الباطن من الفجار: جوزي بتشديد العذاب عليه يوم
القرار ومن ذلك ما لو أظهر العبادة رياء للناظرين
وتصنعا للمخلوقين حتى يستعطف به القلوب النافرة ويخدع
به العقول الواهية فيتبهرج بالصلحاء وليس منهم ويتدلس
بالأخبار وهو ضدهم. والأشدية في هذا الخبر وما قبله
بمعنى من كما تقرر
(أبو عبد الرحمن السلمي) محمد بن الحسين الصوفي (في
الأربعين) أي في الأحاديث الأربعين التي جمعها للصوفية
(فر) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه الربيع بن
بدر. قال الذهبي: قال الدارقطني وغيره متروك ومن ثم
رمز لضعفه
(1/517)
[ص:518] 1052 - (أشد الناس عذابا يوم
القيامة الذين يضاهون بخلق الله) أي يشبهون عملهم
التصوير بخلق الله من ذوات الأرواح فمن صور الحيوان
ليعبد أو قصد به المضاهاة لخلق ربه واعتقد ذلك فهو أشد
الناس عذابا لكفره ومن لم يقصد ذلك فهو فاسق فتصوير
الحيوان كبيرة ولو على ما يمتهن كثوب وبساط ونقد وإناء
وحائط. ولا يحرم تصوير غير ذي روح ولا ذي روح لامثل له
كفرس أو إنسان بجناحين. ويستثنى من تحريم التصوير لعب
البنات لهن فيجوز عند المالكية والشافعية لورود
الترخيص فيه وشذ بعضهم فمنعها ورأى أن حلها منسوخ بهذا
الخبر ونحوه وهو كما قال القرطبي ممنوع منه مطالب
بتحقيق التعارض والتاريخ <تنبيه> عدوا من خصائص هذه
الأمة حرمة التصوير
(حم ق ن عن عائشة) قالت دخل علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه
هتكة وتلون وجهه ثم ذكره
(1/518)
1053 - (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم
لم ينفعه علمه) لأن عصيانه عن علم ولذا كان المنافقون
في الدرك الأسفل لكونهم جحدوا بعد العلم وكان اليهود
شرا من النصارى لكونهم أنكروا بعد المعرفة. قال عبد
الحق: ومفهوم الحديث أن أعظمهم ثوابا عالم ينفعه علمه.
قال الغزالي: فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك
الأبد أو يحييه حياة الأبد فمن لم ينفعه علمه لا ينجو
منه رأسا برأس. هيهات فخطره عظيم وطالبه طالب النعيم
المؤبد أو العذاب السرمد لا ينفك عن الملك أو الهلك
فهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم تتفق له الإصابة لم
يطمع في السلامة أه. وزعم بعض الصوفية أنه إنما كان
أشد الناس عذابا لأن عذابه مضاعف فوق عذاب مفارقة
الجسد بقطعه عن اللذات الحسية المألوفة وعدم وصوله إلى
ما هو أكمل منها لعدم انفتاح عين بصيرته مع عذاب
الحجيم عن مشاهدة الحق تعالى فعذاب الحجاب إنما يحصل
للعلماء الذين تنبهوا للذة لقاء الله في الجملة ولم
يتوجهوا إلى تحصيل ذلك واتبعوا الشهوات الحسية المانعة
لذلك وأما غيرهم فلا يعذب هذا العذاب الحجابي الذي هو
أعظم من عذاب الجحيم لعدم تصورهم له بالكلية وعدم
ذوقهم له رأسا
(طس عد هب عن أبي هريرة) وضعفه المنذري قال ابن حجر:
غريب الإسناد والمتن. وجزم الزين العراقي بأن سنده
ضعيف. أه. وسببه أن فيه عثمان بن مقسم. قال الذهبي في
الضعفاء كذبه غير واحد وأورد الحديث في الميزان في
ترجمة عثمان وقال عن الجوزجاني كذاب وعن غيره متروك.
وعن ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه إسنادا ومتنا
لكن للحديث أصل أصيل فقد روى الحاكم في المستدرك من
حديث ابن عباس مرفوعا: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة
من قتل نبيا أو قتله نبي والمصورون وعالم لا ينتفع
بعلمه فلو عزاه المؤلف إليه كان أحسن
(1/518)
1054 - (أشد الناس بلاء) أي محنة. ويطلق
على المنحة لكن المراد هنا بقرينة السياق المحنة فإن
أصله الاختبار لكن لما كان اختبار الله تعالى لعباده
تارة بالمحنة وتارة بالمنحة أطلق عليهما (الأنبياء)
المراد بهم ما يشمل الرسل وذلك لتتضاعف أجورهم وتتكامل
فضائلهم ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم ولئلا
يفتتن الناس بدوام صحتهم فيعبدوهم (ثم الأمثل فالأمثل)
أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى لأن البلاء في
مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر فبلاؤه
أشد ولهذا ضوعف حد الحر على العبد فهم معرضون للمحن
والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب {ولنبلونكم بشيء من
الخوف والجوع} وقال بعضهم جعل مقام المبتلى يلي مقام
النبوة ولم يفصل بين [ص:519] بلاء الأبدان وبلاء
الأعراض. فيشمل كل ما يتأذى به الإنسان. قال الطيبي:
وثم للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل
التوالي تنزلا من الأعلى إلى الأسفل. وقوله (يبتلى
الرجل) بيان للجملة الأولى والتعريف في الأمثل للجنس
وفي الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية (على حسب
دينه) أي بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه وضعف ذلك (فإن
كان في دينه صلبا) أي قويا (اشتد بلاؤه) أي عظم للغاية
(وإن كان في دينه رقة) أي ضعف ولين (ابتلي على قدر
دينه) أي ببلاء هين لين والبلاء في مقابلة النعمة كما
مر ومن ثم قيل لأمهات المؤمنين {يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك
على الله يسيرا} (فما يبرح البلاء بالعبد) أي الإنسان
(حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) كناية
عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوسا
فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس ومن ظن أن شدة
البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي
من الأكابر ما لا يحصى. ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحيى
بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير
وابن جبير وقد ضرب أبو حنيفة وحبس ومات بالسجن. وجرد
مالك وضرب بالسياط وجذبت يده حتى انخلعت من كتفه. وضرب
أحمد حتى أغمي عليه وقطع من لحمه وهو حي وأمر بصلب
سفيان فاختفى ومات البويطي مسجونا في قيوده ونفي
البخاري من بلده إلى غير ذلك مما يطول
(حم خ ت هـ) وكذا النسائي (عن سعد) بن أبي وقاص وعزوه
إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس قيل ولم
يوجد فيه
(1/518)
1055 - (أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو
صفي) ولهذا قيل في حديث آخر: إني أوعك كما يوعك
الرجلان منكم. وسر ذلك قال الحراني إن من شأن الطين
الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص من الشوائب
ويصفو عن الكدر إلا بعد معاناة شديدة. ألا ترى أن
الذهب أصفاه وهو لا يخلص عن غش ما ولا يعرى عن مخالطة
الدنس بالكلية إلا بالإمتحان بشدة النيران؟ قال
القرطبي: أحب الله أن يبتلي أصفياءه تكملا لفضائلهم
ورفعة لدرجاتهم عنده وليس ذلك نقصا في حقهم ولا عذابا.
بل كمال رفعة مع رضاهم بجميل ما يجريه الله عليم وقال
الجيلاني: إنما كان الحق يديم على أصفيائه البلايا
والمحن ليكونوا دائما بقلوبهم في حضرته لا يغفلوا عنه
لأنه يحبهم ويحبونه فلا يختارون الرخاء لأنه فيه بعدا
عن محبوبهم وأما البلاء فقيد للنفوس يمنعها من الميل
لغير المطلوب فإذا دام ذابت الأهوية وانكسرت القلوب
فوجدوا الله أقرب إليهم من حبل الوريد كما قال تعالى
في بعض الكتب الإلهية: أنا عند المنكسرة قلوبهم من
أجلي: أي على الكشف منهم والشهود وإلا فهو عند كل عبد
انكسر قلبه أم لا
(تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي عن بعضهم
رمز المصنف لحسنه
(1/519)
1056 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم
من؟ قال (ثم الصالحون) أي القائمون بما عليهم من حقوق
الحق والخلق قالوا ثم من؟ قال (ثم الأمثل فالأمثل) قال
الراغب: الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى
الخير وأماثل القوم كناية عن خيارهم. وقال الأمثل أفعل
من التماثل والجمع أماثل وهم الفضلاء قال ابن عطاء
الله: خرجت زوجة القرشي من عنده وهو وحده فسمعت رجلا
يكلمه ثم انقطع كلامه فدخلت عليه. فقالت ما عندك أحد
والآن سمعت كلاما عندك. قال: الخضر أتاني بزيتونة من
أرض نجد فقال كل هذه ففيها شفاؤك. قلت اذهب [ص:520]
أنت وزيتونتك لا حاجة لي فيها وكان به داء الجذام
<تنبيه> قال ابن عربي: هنا مسألة يجب بيانها: إن الله
أحب أنبياءه وأولياءه والمحب لا يؤلم محبوبه. ولا أحد
أشد ألما ولا بلاء منهم فمن أين استحقوا هذا مع كونهم
محبوبين؟ قلنا إن الله قال {يحبهم ويحبونه} والبلاء لا
يكون أبدا إلا مع الدعوى فمن ادعى فعليه الدليل على
صدق دعواه فولا الدعوى ما وقع البلاء ولما أحب الله من
عباده من أحب رزقهم محبته من حيث لا يعلمون فوجدوا في
نفوسهم حبه فادعوه فابتلاهم من حيث كونهم محبوبين
فإنعامه دليل على صدق محبته فيهم وابتلاهم لما ادعوه
من صدق حبهم إياه. فافهم. قال الطيبي: وثم فيه للتراخي
والفاء للتعاقب على التوالي كما سبق وإنما ألحق
الصالحون بالأنبياء لقربهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم
وسره أن البلاء في مقابل النعمة فمن كانت نعمة الله
عليهم أكثر كان بلاؤهم عليه أشد ومن ثم ضوعف حد الحر
على العبد وفيه دليل على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف
يرفق به لكن كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان البلاء
ومنهم من ينظر إلى أهل البلاء فيهون عليه وأعلى منه من
يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض وأرفع
منه من يشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب
من يلتذ به
(طب عن أخت حذيفة) بن اليماني فاطمة أو خولة رمز
المصنف لحسنه
(1/519)
1057 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم
من يا رسول الله؟ قال (ثم الصالحون) لأن أعظم البلاء
سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها ومن
أحب شيئا شغل به والمكروه مهروب منه ومن هرب من شيء
أدبر عنه والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في
العاجل ليرفع درجتهم في الأجل (لقد) بلام التأكيد (كان
أحدهم يبتلى بالفقر) الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم
المرافق (حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها) بجيم وواو
فموحدة: أي يخرقها ويقطعها وكل شيء قطع وسطه فهو مجبوب
(فيلبسها) ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه علما
منه بأن المال ظل زائل وعارية مسترجعة وليس في كثرته
فضيلة ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه
لرسالته واجتباه لوحيه وقد كان أكثر الأنبياء مع ما
خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه فقراء لا
يجدون بلغة ولا يقدرون على شيء حتى صاروا في الفقر
مثلا. قال البحتري:
فقر كفقر الأنبياء وغربة. . . وصبابة ليس البلاء بواحد
(ويبتلى بالقمل) فيأكل من بدنه (حتى يقتله) حقيقة أو
مبالغة عن شدة الضنا ومزيد النحول والأذى (ولأحدهم كان
أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) لأن المعرفة كلما
قويت بالمبتلى هان عليه البلاء وكلما نظر إلى الأجر
الناشىء عنه سهل فلا يسألون رفعة بل يحصل الترقي
لبعضهم حتى يتلذذ بالضراء فوق تلذذ أحدنا بالسراء ويعد
عدمه مصيبة. وفي تاريخ ابن عساكر: سبب قطع العارف أبي
الخير المغربي الأقطع أنه عاهد الله أن لا يتناول
لشهوة نفسه شيئا يشتهى فرأى يوما كمام شجرة زعرور
فأعجبته فقطع غصنا فذكر عهده فترك فرآه صاحب الشرطة
فظنه لصا فقطعه فكان يقول قطعت عضوا فقطعت مني عضوا
(هـ ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال دخلت على النبي صلى
الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة
فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله
فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي
(1/520)
1058 - (أشد الناس حسرة) أي تلهفا (يوم
القيامة: رجل أمكنه طلب العلم) الشرعي (فلم يطلبه) لما
يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين ومزيد
رفعه لدرجاتهم ولأن المصالح قسمان: روحانية وجسمانية
وأشرف المصالح [ص:521] الروحانية العلم الذي هو غذاء
للروح كالغذاء للبدن وأشرف المصالح الجسمانية تعديل
المزاج وتسوية البنية فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من
هذا العالم اشتدت ندامته وتضاعفت حسرته حيث آثر تعديل
الفاني وأهمل معاناة النافع الباقي قال الماوردي: ربما
امتنع من طلب العلم لتعذر المادة وشغله بالاكتساب ولا
يكون ذلك إلا لذي شره رغيب وشهوة مستعبدة. فينبغي أن
يصرف للعلم حظا من زمانه فليس كل الزمن زمن اكتساب ولا
بد للمكتسب من أوقات راحة وأيام عطلة ومن صرف كل نفس
منه إلى الكسب حتى لم يترك له فراغا لغيره فهو من عبيد
الدنيا وأسراء الحرص وربما منعه من العلم ما يظنه من
صعوبته وبعد غايته ومخافة من قلة ذهنه وبعد فطنته.
وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخشية أولي العجز. لأن
الإخبار قبل الاختبار جهل. والخشية قبل الابتلاء عجز
(ورجل علم علما فانتفع به من سمعه منه دونه) لكون من
سمعه عمل به ففاز بسببه وهلك هو بعدم العمل به.
والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيرا وإهمالا
ومن علم ولم يعمل أو وعظ ولم يتعظ فمن سوء صنيعه وخبث
نفسه وإن فعل فعل الجاهل بالشرع والأحمق الخالي عن
العقل <تنبيه> خرج بكونه أمكنه طلب العلم: ما إذا لم
يمكنه لنحو بلادة خلقية فإنه معذور ولهذا قال حكيم:
صقلك سيفا ليس له جوهر من سنخه خطأ وحملك الصعب المشق
على الرياضة غباوة. قال أبو تمام:
السيف ما لم يكن منه مصاقلة. . . من سنخه لم ينتفع
بصقالي
(ابن عساكر عن أنس) بن مالك وقال إنه منكر
(1/520)
1059 - (أشد الناس عليكم الروم وإنما
هلكتهم) بالتحريك (مع الساعة) أي مع قيامها ولذلك حذر
منهم وأمر بمتاركتهم في الحديث الماضي بقوله اتركوا
الترك ما تركوكم ثم هذا إخبار عن غيب وقع ولما يرى من
إذلال الروم للعرب واستيلائهم على الربع المعمور وهذا
علم من أعلام نبوته وهو غلبة الروم على أقطار الأرض
شرقا وغربا ما بين مسلم وكافر والخطاب للعرب خاصة أو
لجميع أمة الاجابة والأول أقرب
(حم عن المستورد) ابن شداد بن عمرو القرشي الصحابي ترك
الكوفة ثم مصر. رمز المصنف لحسنه
(1/521)
1060 - (أشد أمتي لي حبا) تمييز لنسبة أشد
(قوم يكونون بعدي يود أحدهم) بيان لشدة حبهم له على
طريق الاستئناف (أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) حكاية
لودادهم مع إفادة معنى التمني وهذا من معجزاته لأنه
إخبار عن غيب. وقد وقع والكلام فيمن لم يتأهل لرتبة
الاجتماع به صلى الله عليه وسلم وقد وقع لكثير من
عظماء الصوفية أنه ارتقى إلى دوام مشاهدته قال العارف
المرسي: والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه
وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين وقال له رجل
ياسيدي صافحني فقد لقيت عبادا وبلادا فلما خرج قال ما
الذي أراد بعبادا وبلادا قالوا يريد أنك صافحت عبادا
وسلكت بلادا اكتسبت بركاتها وإذا صافحته حصل له منك
بركة فضحك الشيخ وقال والله ما صافحت بهذه اليد إلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم
(حم) من حديث رجل من بني أسد (عن أبي ذر) قال الهيتمي
ولم يسم التابعي وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح
اه. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه
(1/521)
1061 - (أشد الحرب النساء) أي أشد الجهاد
مكابدة عشرة النساء اللاتي لا يستغنى عنهن لأنهن
ضعيفات الأبدان بذيئات اللسان عظيمات الكيد والفتن
فإذا خادعهن الرجل والحرب خدعة وصبر على حيلهن وخفي
مكرهن كان أشد من [ص:522] ملاقاة الأبطال ومقاساة قتال
الرجال {إن كيدكن عظيم} وهذا التقرير بناء على أن
الرواية حرب براء مهملة وباء موحدة وهو ما وقع لكثير
وهو الذي في مسودة المصنف بخطه والذي رأيته في عدة نسخ
من تاريخ الخطيب وجرى عليه ابن الجوزي وغيره بزاي
معجمة ونون قال ابن الجوزي يعني أشد الحزن حزن النساء.
اه. وأنت إذا تأملت السياق ونظم الكلام وتناسبه ترى أن
هذا أقعد وهذا كله بناء على أن النساء بكسر النون وأن
المراد إناث بني آدم ولكن رأيت في أصل صحيح مقروء على
عدة من المحدثين ومن تاريخ بغداد أنه بفتح النون وعليه
فيكون المراد أشد الحزن الحزن المتأخر وهو ما بعد
الموت (وأبعد اللقاء) بكسر اللام (الموت) لأن طول
الأمل وغلبته على الجبلة الإنسانية يبعد عن لقاء الموت
ويمنيه طول الحياة بل ينسيه ذكر الموت رأسا في كثير من
الأحيان (وأشد منهما الحاجة إلى الناس) لما في السؤال
من الهوان إلى الذل وأعظم منه رده بلا إجابة فهو
البلاء العظيم الذي لا يصبر عليه إلا البهيم
(خط) في ترجمة مكي الزنجاني (عن أنس) بن مالك وفيه عبد
الله بن ضرار. قال الذهبي وغيره قال يحيى ليس بشيء لا
هو ولا أبوه ولا يكتب حديثهما ويزيد الرقاشي متروك ومن
ثم قال ابن الجوزي وغيره حديث لا يصح
(1/521)
1062 - (أشدكم من غلب نفسه) أي ملكها أو
قهرها وفي نسخة على نفسه ولا وجود للفظة على في خط
المؤلف (عند الغضب) بأن لم يمكنها من العمل بغضبه بل
يجاهدها على ترك تنفيذه وذلك صعب في أوله فإذا تمرنت
النفس عليه وتعودته سهل (وأحملكم من عفى بعد القدرة)
أي أثبتكم عقلا وأرحجكم أناة ونبلا من عفى عمن جنى
عليه بعد ظفره به وتمكنه من معاقبته ومن الأدوية
النافعة في ذلك تأمل ما ورد في كظم الغيظ والحلم من
الآيات القرآنية والأخبار النبوية ومن ثم لما غضب عمر
على من قال له ما تقضي بالحق فاحمر وجهه قيل له يا
أمير المؤمنين ألم تسمع الله يقول {خذ العفو وأمر
بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وهذا من الجاهلين؟ فقال
صدقت فكأنما كان نارا فأطفئت
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذم الغضب) وكذا
الديلمي والشيرازي في الألقاب (عن علي) أمير المؤمنين
قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرفعون حجرا
فقال ما هذا؟ قالوا حجر الأشداء فقال ذلك قال الحافظ
العراقي في المغني سنده ضعيف وللبيهقي في الشعب الشطر
الأول مرسلا بسند جيد
(1/522)
1063 - (أشراف أمتي حملة القرآن) أي حفاظه
الحاملون له في صدورهم العاملون بمقتضاه وإلا كان في
زمرة من قال تعالى في حقه {كمثل الحمار يحمل أسفارا}
(وأصحاب الليل) أي اللذين يحيونه بنوع أو أنواع من
العبادة كالصلاة والذكر والقرآن والاستغفار والتضرع
والابتهال والدعاء لأن هذا مناجاة لله تقدس وتعالى ولا
شرف كهذا الشرف. قال الطيبي: إضافة الأصحاب إلى الليل
لكثرة مباشرة القيام والصلاة فيه كما يقال ابن السبيل
لمن يواظب على السلوك فيه <تنبيه> عدوا من خصائص أل
المصطفى صلى الله عليه وسلم إطلاق الأشراف عليهم
والواحد شريف قال المؤلف في الخصائص: وهم - يعني
الأشراف. ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذا مصطلح السلف
وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين في مصر
خاصة من عهد الخلفاء الفاطميين. أه
(طب هب) وكذا الخطيب والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال
الهيتمي فيه سعد بن سعيد الجرجاني ضعيف. اه. وأورده في
اللسان كأصله في ترجمة سعد هذا وقال قال البخاري لا
يصح حديثه هذا
(1/522)
1064 - (أشربوا) بفتح الهمزة وسكون الشين
المعجمة وكسر الراء (أعينكم من الماء) يعني اعطوها
حظها منه بأن توصلوا [ص:523] الماء إلى جميع ظاهرها مع
تعهد مؤخرها ومقدمها (عند الوضوء) أي عند غسل الواجب
فيه والمراد الاحتياط في غسلها لئلا يكون بالموق رمص
أو نحوه فيمنع وصول الماء. لكن لا يبالغ في ذلك حتى
يدخل الماء في باطنها فإنه يورث العمى (ولا تنفضوا
أيديكم) من ماء الوضوء (فإنها) أي الأيدي يعني هيئة
نفضها بعد غسلها (مراوح الشيطان) أي تشبه مراوحه التي
يروح بها على نفسه جمع مروحة وهي بالكسر كما في الصحاح
ونحوه ما يروح بها تقول روح عليه بالمروحة وتروح بنفسه
وقعد بالمروحة وهو مهب الريح ومقصود التشبيه استقباح
النفض والتنفير عن فعله والحث على تركه ومن ثم ذهب إلى
كراهة النفض في الوضوء والغسل الإمام الرافعي من
الشافعية ووجهه بأنه كالتبرى من العبادة لكن ثبت أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم فعله. وروى الشيخان عن
ميمونة أنها أتته بعد غسله بمنديل فرده وجعل ينفض
الماء بيده ولذلك صحح النووي في روضته ومجموعه أنه
مباح فعله وتركه سواء وضعف الخبر المشروح لكن المفتي
به ما في تحقيقه ومنهاجه كأصله من أن تركه سنة وفعله
خلاف الأولى
(ع عد) من حديث البحتري بن عبيد عن أبيه (عن أبي
هريرة) والبحتري ضعفه أبو حاتم وتركه غيره وقال ابن
عدي روى عن أبيه قدر عشرين حديثا عامتها مناكير هذا
منها. أه. ومن ثم قال العراقي سنده ضعيف. قال النووي
كابن الصلاح لم نجد له أصلا
(1/522)
1065 - (أشرف المجالس) أي الجلسات التي
يجلسها الإنسان لفعل نحو عبادة ويحتمل إرادة المجالس
نفسها (ما استقبل به القبلة) أي الذي يستقبل الإنسان
فيه الكعبة بأن يصير وجهه ومقدم بدنه تجاهها فاستقبال
القبلة مطلقا مطلوب لكنه في الصلاة واجب وخارجها
مندوب. قال الحليمي: وإذا ندب استقبال القبلة في كل
مجلس فاستقبالها حال الدعاء أحق وآكد. قال العراقي:
الجهات الأربع قد خص منها جهة القبلة بالتشريف فالعدل
أن يستقبل في الذكر والعبادة والوضوء وأن ينحرف عنها
حال قضاء قضاء الحاجة وكشف العورة إظهارا لفضل ما ظهر
فضله
(طب عن ابن عباس) وسنده ضعيف. قال النووي كابن الصلاح
لم نجد له أصلا
(1/523)
1066 - (أشرف الإيمان) أي من أرفع خصال
الإيمان وكذا يقال فيما بعده (أن يأمنك الناس) أي يأمن
منك الناس المعصومون على دمائهم وأموالهم ونسائهم
وأعراضهم فلا تتعرض لهم بمكروه يخالف الشرع وكل المسلم
على المسلم حرام (وأشراف الإسلام أن يسلم الناس من
لسانك) فلا تطلقه بما يضرهم (ويدك) فلا تبسطهما بما
يؤذيهم (وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات) أي تترك فعلها
لأن ذلك هو الجهاد الأكبر فإذا جاهد المكلف نفسه
وأذلها وأكرهها على ترك ما ركز فيها وجبلت عليه من
إتيان المعاصي حتى انقادت ومرنها على ذلك حتى اطمأنت
وصارت بعد ما كانت أمارة مطمئنة تاركة باختيارها
للسيئات داعية إلى لزوم الطاعات فقد حصل على رتبة هي
أشرف من الهجرة الظاهرة التي هي الانتقال من دار الكفر
إلى دار السلام (وأشرف الجهاد أن تقتل وتعقر فرسك) في
سبيل الله: أي تعرضه بالمبالغة في القتال عليه لأن
يجرحه العدو عدة جرحات وتضرب قوائمه السيوف. ففي
الصحاح عقره: جرحه وعقر الفرس بالسيف فانعقر: أي ضرب
قوائمه فهو عقير. وفي المصباح عقره جرحه وعقر البعير
بالسيف عقرا ضرب قوائمه. ولا يطلق العقر في غير
القوائم وربما قيل عقره إذا نحره
(طص) وكذا أبو نعيم [ص:524] والديلمي كلهم (عن ابن
عمر) بن الخطاب وقال الطبراني تفرد به منبه عن أنس
(ورواه ابن النجار في تاريخه) تاريخ بغداد عن ابن عمر
أيضا (وزاد) في روايته على ما ذكر (وأشرف الزهد أن
يسكن قلبك على ما رزقت) أي لا يضطرب ولا يتحرك لطلب
الزيادة لعلمه بأن حصول ما فوق ذلك من المحال (وأن
أشرف ما تسأل من الله عز وجل العافية في الدين
والدنيا) فإن ذلك قد انتهت إليه الأماني وهذا الحديث
أصلا وزيادة ضعيف: وسببه أن فيه عند الطبراني ومن على
قدمه صدقة بن عبد الله السمين أورده الذهبي في الضعفاء
وقال قال أحمد والبخاري ضعيف جدا عن الوضين ابن عطاء.
قال أبو حاتم يعرف وينكر
(1/523)
1067 - (أشعر كلمة) أي قطعة من الكلام من
تسمية الشيء باسم جزئه اتساعا (تكلمت بها العرب) وفي
رواية أصدق كلمة قالها شاعر وفي أخرى أصدق بيت قاله
الشاعر وفي أخرى أصدق بيت قالته الشعراء وفي أخرى أصدق
كلمة قالتها العرب (كلمة لبيد) بن ربيعة بن عامر
الصحابي المشهور كان شريفا في الجاهلية والإسلام.
قالوا يا رسول الله وما كلمته؟ قال (ألا) كلمة تنبيه
تدل على تحقق ما بعدها ويقال حرف افتتاح غير مركب (كل)
المشهور أنه لا يخلو استعماله عن الإضافة لفظا فإن لم
يكن اللفظ فهو مضاف في المعنى وهو هنا مبتدأ وخبره
قوله الآتي باطل (شيء) اسم للموجود ولا يقال للمعدوم
شيء (ما خلا) كلمة يستثنى وينصب ويجر بها فإن نصبت فهي
فعل أو جرت فحرف لكن إن تقدمها ما المصدرية فناصبة كما
هنا (الله) أي ما عدا ذاته وصفاته الذاتية والفعلية من
رحمته وعذابه وغيرهما وهو منصوب بخلا (باطل) أي فإن أو
غير ثابت أو خارج عن حد الانتفاع أو آيل إلى البطلان
أو كان باطلا لكونه ين العدمين مشكل بصفات الباري لأن
بقاءها معلوم من ذكر الذات لكونها غير قابلة للانفكاك
وهذا قريب من قوله سبحانه {كل شيء هالك إلا وجهه}
وإنما كان ذلك أصدق كلمة لتطابق العقل والنقل على
حقيقتها والشهادة بها. قال في الكشاف: والشعر كلام
مقفى موزون يدل على معنى. أه. وقد قدم الإجماع على حل
قوله الشعر إذا قل وخلا عن هجو وكذب وإغراق في مدح
وتغزل فيما لا يحل. وهذا البيت من قصيدة مدح بها
النعمان أولها:
ألا تسألن المرء ماذا يحاول. . . أنحب فيقضى أم ضلال
وباطل
نعيمك في الدنيا غرور وحسرة. . . وعيشك في الدنيا محال
وباطل
أرى الناس لا يدرون ما قد رماهم. . . بلى كل ذي روح
إلى الله واصل
ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . . وكل نعيم لا محالة
زائل
وروى السلفي في مشيخته البغدادية عن يعلى بن جراد قال
أنشد لبيد النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ألا كل شيء
ما خلا الله باطل. فقال صدقت فقال: وكل نعيم لا محالة
زائل فقال كذبت فنعيم الآخرة لا يزول. وبقية الحديث
عند مخرجه الترمذي وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم أي
لكنه لم يوفق بالإسلام مع قرب مشربه
(م ت عن أبي هريرة)
(1/524)
1068 - (اشفع) بهمزة وصل مكسورة فمعجمة
ساكنة ففاء مفتوحة فعين مهملة والأمر للندب (الأذان)
أي ائت بمعظمه مثنى إذ التكبير في أوله أربع والتهليل
في آخره فرد والشفع ضد الوتر يقال شفعت الشيء شفعا
ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة جعلتها ثنتين والخطاب
لبلال لكن الحكم عام (وأوتر) بقطع الهمزة (الإقامة)
بكسرها: [ص:525] أي ائت بمعظم في ألفاظها مفردا إذ
التنكير في أولها اثنتان ولفظ الإقامة في أثنائها كذلك
وكرر لفظها لأنه المقصود فيها وأما التكبير فتثنيته
صورية وهو مفرد حكما ولذا ندب أن يقال اللفظان بنفس
واحد وإنما ثنى الأذان لأنه لإعلام الغائبين وأفردت
لكونها للحاضرين وبهذا الحديث أخذ الشافعي كالجمهور
وفيه خلاف لما ذهب إليه الحنفية من أن الإقامة كالأذان
(خط عن أنس) بن مالك (قط في) كتاب (الأفراد عن جابر)
ابن عبد الله رمز المصنف لحسنه وله شواهد كثيرة
(1/524)
1069 - (اشفعوا) أمر من الشفاعة وهي الطلب
والسؤال بوسيلة أو ذمام (تؤجروا) أي يثيبكم الله على
الشفاعة وإن لم تقبل والكلام فيما لا حد فيه من حدود
الله لورود النهي عن الشفاعة في الحدود. قال القرطبي:
وقوله تؤجروا بالجزم جواب الأمر المتضمن لمعنى الشرط
وفيه الحث على الخير بالفعل وبالتسبب. قال في الأذكار:
يستحب الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من ذي الحقوق ما
لم تكن في حد أو في أمر لا يجوز تركه كالشفاعة إلى
ناظر طفل أو مجنون أو وقف في ترك بعض حق من في ولايته
فهذه شفاعة محرمة
(ابن عساكر) في تاريخه (عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه
عنه أيضا الخرائطي وغيره وإسناده ضعيف لكن يجبره قوله:
(1/525)
1070 - (اشفعوا) أي ليشفع بعضكم في بعض
(تؤجروا) أي يثبكم الله تعالى (ويقضي الله على لسان
نبيه ما شاء) وفي رواية ما أحب: أي يظهر الله تعالى
على لسان رسوله بوحي أو إلهام ما قدره في علمه أنه
سيكون من إعطاء وحرمان أو يجري الله على لسانه ما شاء
من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها فإذا عرض صاحب حاجة
حاجته علي فاشفعوا له يحصل لكم أجر الشفاعة أي ثوابها
وإن لم تقبل فإن قضيت حاجة من شفعتم له فبتقدير الله
وإن لم تقض فبتقدير الله. وهذا من مكارم أخلاق المصطفى
صلى الله عليه وسلم ليصلوا جناح السائل وطالب الحاجة
وهو تخلق بأخلاقه تعالى حيث يقول لنبيه: اشفع تشفع
وإذا أمر بالشفاعة عنده مع استغنائه عنها لأن عنده
شافعا من نفسه وباعثا من وجوده فالشفاعة عند غيره ممن
يحتاج إلى تحريك داعية الخير أولى ففيه حث على الشفاعة
ودلالة على عظيم ثوابها والأمر للندب وربما يعرض له ما
يصير الشفاعة واجبة
(ق) في الزكاة (3) كلهم في الأدب (عن أبي موسى)
الأشعري قال كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه
فذكره وفي رواية كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه
حاجة ذكره ولفظ رواية مسلم: اشفعوا فلتؤجروا وليقضي
الله إلخ
(1/525)
1071 - (أشقى الأشقياء) أي أسوأهم عاقبة
(من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) لكونه مقلا
في الدنيا وعادما للمال وهو مع ذلك كافر أو مصر على
الكبائر حتى لقي ربه ولم يعف عنه فلا هو على لذة
الدنيا حصل ولا هو إلى ما يوصله إلى النعيم السرمدي
فعل ولا ينافيه قوله في الحديث الآتي: الدنيا جنة
الكافر لأن معناه كما يأتي أنه بالنسبة لما أعد له من
العذاب في الآخرة كأنه في الدنيا في الجنة والقصد
التحذير. قال بعض الصوفيه: إذا ابتلي عبد بالفقر ولم
يمن الله عليه بالصبر وابتهل وتضرع فلم يكشف عنه فربما
وقع في السخط فانقطع عنه مدد إيمانه باعتراضه على
المقدور فمات ساخطا على تقديره عليه فيكون من أشد
الناس عذابا في الدارين
(طس عن أبي سعيد) الخدري قال الهيتمي رواه بإسنادين في
أحدهما خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وثقه
أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات وفي الآخر
أحمد بن طاهر بن حرملة وهو كذاب. أه. ومن العجب العجاب
أنه رمز لصحته لكن الحديث كله مضروب عليه في مسودة
المصنف
(1/525)
[ص:526] 1072 - (أشقى الناس) أي أشدهم
عذابا ولفظ رواية الطبراني أشقى الناس ثلاثة (عاقر
ناقة ثمود) أي قاتلها وهو قدار بن سالف (وابن آدم)
لصلبه وهو قابيل (الذي قتل أخاه) هابيل كان آدم أراد
أن يزوج ليود التي ولدت مع هابيل لقابيل فأبى قابيل
لكون اقليما أجمل وزعم أنه أحق بها لأن حواء حملته في
الجنة فولدته في الأرض فقال آدم من قبل قربانه فاقليما
له تقربا فأكلت النار قربان هابيل فحسده أخوه فقتله
فباء بإثم عظيم بحيث إنه (ما سفك) أي أريق (على الأرض)
بعد ذلك (من دم) بالقتل ظلما (إلا لحقه منه) أي من
إثمه نصيب ففي الكلام حذف وعلل ذلك بقوله (لأنه أول من
سن القتل) أي جعله طريقة متبعة وسيرة سيئة ولم يقتل
قبله أحد أحدا كما أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر
من يعمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه
وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة هكذا جاء في
عدة أخبار. وفي خبر آخر: ما من نفس تقتل ظلما إلا كان
على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل
والسفك والسبك والسفح والسن والشن أنواع من الصب كما
ذكره الإخوان. قال الحافظ الهيتمي سقط من الأصل الثالث
والظاهر أنه قاتل علي كرم الله وجهه كما ورد في خبر
رواه الطبراني أيضا. أه. وأقول يجوز أن يكون طوى ذكره
دلالة على شهرته بينهم ونحوه في الطى قول جرير
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم. . . من العبيد وثلث من
مواليها
والمراد أن هؤلاء الثلاثة من الأشقى بل قد يكون غيرهم
أشقى كمن قتل نبيا
(طب ك حل عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي وغيره فيه
ابن إسحاق مدلس وحكيم بين جبير وهو متروك
(1/526)
1073 - (أشكر الناس لله) تعالى أي من
أكثرهم شكرا له (أشكرهم للناس) لأنه سبحانه جعل للنعم
وسائط منهم وأوجب شكر من جعله سببا لإفاضتها كالأنبياء
والصحابة والعلماء فزيادة العبد في شكرهم زيادة في شكر
ربه إذ هو المنعم بالحقيقة فشكرهم شكره ونعم الله منها
بغير واسطة كأصل خلقته ومنها بواسطة وهي ما على أيدي
الناس فتتقيد بشكرهم ومكافأتهم فإذا شكر الوسائط ففي
الحقيقة قد شكر المنعم بإيجاد أصل النعمة ثم بتسخير
الوسائط <فائدة> قال بعض العارفين: لو علم الشيطان أن
طريقا توصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف فيها. ألا
تراه قال {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن
أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} ولم يقل
لا تجد أكثرهم صابرين أو نحوه؟
(حم طب هب والضياء) المقدسي (عن الأشعث بن قيس) بن معد
يكرب أبي محمد الكندي أحد الأشراف له رؤية ورواية وهو
أول من مشى معه الرجال. وفيه محمد بن طلحة. قال الذهبي
في الضعفاء مختلف فيه وقال النسائي ليس بقوي وعبد الله
بن شريك وفيه خلف (طب هب عن أسامة بن زيد) وفيه عندهما
أبو نعيم أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه الدارقطني
وغيره. أه. وبه أعل الهيتمي خبر الطبراني (عد عن ابن
مسعود) رمز المصنف لصحته ولعله من الصحيح لغيره
(1/526)
1074 - (أشهد بالله وأشهد لله (قوله أشهد
بفتح الهمزة مضارع: أي أشهد والله فهو قسم وقوله أشهد
لله أي لأجله. اه.) لقد قال لي جبريل يا محمد إن مدمن
الخمر) أي الملازم لها المداوم على شربها (كعابد وثن)
[ص:527] أي إن استحل والوثن ما له جثة كصورة الآدمي.
قال الغزالي: قيل إن تلميذا للفضيل احتضر فجلس عند
رأسه وقرأ يس. فقال يا أستاذ لا تقرأ هذه فسكت ثم لقنه
الشهادة فقال لا أقولها لأني منها بريء ومات فرآه
الفضيل في النوم وهو يسحب إلى النار. فقال بأي شيء هذا
وكنت أعلم تلامذتي فقال بثلاثة أشياء: أولها النميمة
والثاني الحسد والثالث كان بي علة فوصف لي الطبيب قدحا
من خمر كل سنة فكنت أشربه. نعوذ بالله من سخطه
(الشيرازي في الألقاب) والرافعي (وأبو نعيم في
مسلسلاته) وكذا رواه عنه الرافعي وغيره (وقال صحيح
ثابت) من طرق كثيرة بألفاظ متغايرة (عن علي) أمير
المؤمنين
(1/526)
1075 - (أشهدوا) بفتح الهمزة وكسر الهاء
بضبط المصنف (هذا الحجر) بفتحات: أي اجعلوا الحجر
الأسود شهيدا لكم على خير: أي عمل صالح تفعلونه عنده
كتقبيل واستلام له أو دعاء أو ذكر (فإنه يوم القيامة
شافع) فيمن أشهده خيرا (مشفع) أي مقبول الشفاعة فيه
(له لسان) ناطق (وشفتان يشهد لمن استلمه) أي لمسه: إما
بالقبلة أو باليد: قال ابن السكيت: همزته العرب على
غير قياس فقالوا استلأمت الحجر والأصل استلمت لأنه من
السلام وهي الحجارة. وقال ابن الاعرابي الاستلام أصله
مهموز من الملأمة وهي الاجتماع. وحكى الجوهري القولين
فأفاد الحديث ندب استلام الحجر وتأكده ومن ثم قالت
الشافعية يندب للطائف أن يستلم الحجر الأسود بيده في
ابتداء الطواف ويقبله بلا ظهور صوت ويضع جبهته عليه
ويفعل كلا من ذلك في كل طوفة فإن كثرت الزحمة استلمه
بيده ثم قبلها فإن عجز وضع عليه نحو عود ثم قبل طرفه
فإن عجز أشار إليه بيده أو بشيء فيها ثم يقبل ذلك ولا
يسن تقبيل غيره من البيت ولا استلامه فإن فعله فحسن
غير أنا نؤمر بالاتباع
(طب عن عائشة) وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه الوليد
بن عباد وهو مجهول وبقية رجاله ثقات. أه. فرمز المؤلف
لحسنه لعله لاعتضاده
(1/527)
1076 - (أشيدوا النكاح) أي أعلموه وأشهروا
أمره ندبا وسببه أن حبار بن الأسود زوج بنته فكان عنده
كبر وغرابيل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
ما هذا؟ فقيل زواج حبار فذكره ثم قال هذا لنكاح لا
لسفاح. أه. فهذا الحديث سقط من قلم المؤلف وقد ذكره في
الكبير
(طب عن السائب) بالمهملة وبالتحتية وبالموحدة (ابن
يزيد) من الزيادة ابن سعيد بن ثمامة الكندي رمز المصنف
لحسنه
(1/527)
1077 - (أشيدوا) بفتح الهمزة وكسر المعجمة
من الإشادة وهي رفع الصوت بالشيء (النكاح وأعلنوه)
أظهروه والنكاح في هذا الخبر وما قبله متعين للعقد ولا
مجال لجريان أصل الخلاف هنا في كونه حقيقة في العقد
مجازا في الوطء أو عكسه. كذا قرره وذلك أن تقول لو
تباعد ما بين العقد والدخول كما هو عادة أكثر الناس
ووقعت الوليمة ليلته كما هو عادة الناس فالاشارة إما
تقع للدخول وهذا نهي عن نكاح السر. واختلف في كيفيته
فقال الشافعي كل نكاح حضره رجلان عدلان. وقال أبو
حنيفة رجلان أو رجل وامرأتان خرج عن نكاح السر وإن
تواصوا بكتمانه فالإشارة والإعلان المأمور به عندهم هو
الإشهاد وقالت المالكية نكاح السر أن يتواصوا مع
الشهود على كتمانه وهو باطل. فالإعلان عندهم فرض ولا
يغني عنه الاشهاد والأقرب إلى ظاهر الخبر أن المراد
[ص:528] بالإشادة والاعلان إذاعته وإشاعته بين الناس
وأن الأمر ندب
(الحسن بن سفيان) في جزئه (طب عن هبار بن الأسود)
القرشي الأسدي أسلم في الفتح وحسن إسلامه وهو الذي نخس
راحلة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسقطت
ولم تزل عليلة وكان يسب فتأذى بذلك فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم سب من يسبك فكفوا عنه قال البغوي هذا
حديث لا أصل له وفيه علي بن قريش كذاب وتعقبه بعضهم
بتعدد طرقه
(1/527)
1078 - (أصابتكم) أي جاءتكم (فتنة الضراء)
بالمد وهي الحالة التي تضر. قال الطيبي: الفتنة
كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من
الشدة والرخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا
(فصبرتم) عليها: أي اختبرتم بالفقر والشدة والعدم
فصبرتم (وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء) بالمد
إقبال الدنيا والسعة والراحة فإنها أشد من فتنة الضراء
والصبر عليها أشق لأنه مقرون بالقدرة ومن العصمة أن لا
تجد ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والأهل: معنى
الصبر عليها ألا يركن إليها ويعلم أن كل ذلك مستودع
عنده ولا ينهمك في التوسع ويرعى حق الحق فيها: وأعظم
الفتن الافتتان بالنساء ومن ثم قصر التحذير في هذا
المقام عليهن اهتماما به فقال (من قبل) بكسر ففتح
(النساء) أي من جهتها وذلك (إذا تسورن الذهب) أي لبسن
الأساور من ذهب (ولبسن ربط الشام) جمع ربطة براء
مفتوحة كل ثوب لين رقيق أو كل ملاءة لبست بلفقين (وعصب
اليمن) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين برود يمنية
يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا
لبقاء ما عصب منه أبيض أو هي برود مخططة (وأتعبن) كذا
بخط المؤلف فما في نسخ من أنه بتقديم الموحدة على
العين تحريف (الغنى) بكثرة السؤال له في اتخاذ الحلي
والحلل (وكلفن الفقير ما لا يجد) أي حملنه على تحصيل
ما ليس عنده من الدنيا فيضطر إلى التساهل في الاكتساب
ويتجاوز الحلال إلى الحرام ثم يألفه بعد ذلك فيقع في
المهالك
(قط) في ترجمة محمد ابن قيس البغدادي (عن معاذ بن جبل)
وفيه عبد الله بن محمد بن اليسع الأنطاكي. قال الذهبي
ضعفوه وتقوية بعضهم له بكلام لبعض الصحابة ذلك إذ لا
يصلح لتقوية المرفوع إلا مرفوعا مثله
(1/528)
1079 - (أصب) بصاد مهملة وموحدة وفي رواية
أضف بمعجمة وفاء (بطعامك) أي اقصد به إطعامه والصواب
كالإصابة القصد والإرادة كما في الصحاح وغيره والطعام
كل ما يساغ حتى الماء (من تحب في الله) فإن إطعامه آكد
من إطعام غيره فلا تعارض إطعام الطعام لكل أحد من بر
وفاجر وصديق وعدو من تبغضه ويبغضك لأنه بر للنفس يطفئ
حرارة الحقد والحسد وينفي مكامن الغل
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب الإخوان) أي
في كتاب زيارة الإخوان في الله (عن الضحاك) بن مزاحم
الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير
الإرسال (مرسلا) ورواه عنه أيضا ابن المبارك لكن بلفظ:
أصب بطعامك من يحبك في الله
(1/528)
1080 - (أصحاب البدع) بكسر ففتح جمع بدعة:
أي أهل الأهواء (كلاب النار) أي أنهم يتعاوون فيها
عواء الكلاب أو أنهم أخس أهلها وأحقرهم كما أن الكلاب
أخس الحيوانات وأحقرها فالمبتدعة أعظم جرما من الفساق
وأشد ضررا ففتنة المبتدع في أصل الدين وفتنة المذنب في
الشهوات والمبتدع قصد للناس على الصراط المستقيم يصد
عنه والمذنب [ص:529] ليس كذلك والمبتدع قادح في أوصاف
الرب وكماله والمذنب ليس كذلك والمبتدع مناقض لما جاء
به الرسول والعاصي ليس كذلك والمبتدع يقطع على الناس
طريق الآخرة. والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه. والمراد
بأهل البدع هنا: الذين نكفرهم ببدعتهم. ولا مانع من
إرادة من لا يكفر بها أيضا إذ ليس في الخبر إلا أنهم
في النار على وجه الحسرة والوبال والهوان وسوء الحال
وليس فيه تعرض لخلود ولا عدمه. وأنشد جمال الدين
والأئمة أبو المظفر السمعاني:
يا طالب العلم صادم كل بطال. . . وكل غاو إلى الأهواء
ميال. . . واعمل لعلمك سرا أو علانية
ينفعك يوما على حال من الحال. . . خذ ما أتاك من
الأخبار من أثر. . . شبها بشبه وأمثالا بأمثال
ولا تميلن يا هذا إلى بدع. . . تضل أصحابها بالقيل
والقال. . . ألا فكن أثريا خالصا فهما
تعش حميدا ودع آراء ضلال
(أبو حاتم) محمد بن عبد الواحد بن زكريا (الخزاعي في
جزئه) المشهور (عن أبي أمامة) الباهلي
(1/528)
1081 - (أصدق كلمة) بفتح فكسر أفصح من كسر
فسكون: أي قطعة من الكلام. قال الزمخشري: المراد
بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض. وقال
ابن حجر: المراد بالكلمة القصيدة وقد أطلقها وأراد
البيت (قالها الشاعر) وفي رواية لمسلم: شاعر وفي رواية
للبخاري أصدق بيت. قال ابن حجر: أطلق البيت على بعضه
مجازا فإن الذي ذكره نصفه (كلمة لبيد) وفي نسخ قالها
شاعر وهو خلاف ما في خط المصنف (ألا كل شيء ما خلا
الله باطل) أي هالك مضمحل لأنه موافق لأصدق الكلام وهو
قوله تعالى {كل من عليها فان} ولا ريب أن هذه الكلمة
أصدق ما تكلم به ناظم أو ناثر مقدمتها كلية مقطوع
بصحتها وشمولها عقلا ونقلا ولم يخرج من كليتها شيء
قطعا إلا ما مر استثناؤه وهو الله وصفاته وعقابه
وثوابه. وفيه جواز الشعر وإنشاده ما لم يخل بأمر ديني
أو يزيل الوقار أو يحصل منه إطراء أو إكثار وأما قول
المصطفى صلى الله عليه وسلم للشاعر الذي عرض له بالعرج
خذوا وأمسكوا الشيطان فلعله علم من حاله أنه اتخذ
الشعر حرفة فيفرط في المدح إذا أعطي وفي الذم إذا منع
فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم. قال الراغب: الشعر
معروف ومنه استعير شعرت بكذا: أي علمت علما في الدقة
كإصابة الشعر وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته
فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق من قولهم: ليت شعري
فصار في التعارف اسما للموزون المقفى
(ق هـ عن أبي هريرة) زاد مسلم في إحدى رواياته عقب
قوله باطل وكاد أمية بن الصلت أن يسلم ورواه عنه أيضا
الترمذي
(1/529)
|