فيض القدير شرح
الجامع الصغير 2692 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) خصه
لأنه يوم مجموع له الناس فيظهر سؤدده لكل أحد عيانا وصف
نفسه بالسؤدد المطلق المفيد للعموم في المقام الخطابي على
ما تقرر في علم المعاني فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم حتى
أولو العزم من الرسل واحتياجهم إليه كيف لا وهو واسطة كل
فيض وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز فهو أفضل حتى من خواص
الملائكة كما نقل الإمام عليه الإجماع ومراده إجماع من
يعتد به من أهل السنة (وأول من ينشق عنه القبر) أي أول من
يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصا له بتعجيل جزيل
إنعامه قال القرطبي: ويعارضه خبر أنا أول من يبعث فأجد
موسى عليه السلام متعلقا بساق العرش (وأول شافع) للعصاة أي
لا يتقدمني شافع لا ملك ولا بشر في جميع أحكام الشفاعات
(وأول مشفع) بشد الفاء أي مقبول الشفاعة ولم يكتف بقوله
أول شافع لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول قال ذلك
امتثالا لقوله تعالى {وأما بنعمة ربك فحدث} وهو من البيان
الذي يجب تبليغه
<تنبيه> عورض ما في هذا الحديث من الأولية بما اقتضاه حديث
ابن مسعود الذي خرجه أحمد والنسائي والحاكم يشفع نبيكم
رابع [ص:42] أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم
نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه - الحديث - وأجيب
بأن هذا ضعفه البخاري
(م) في المناقب (د) في السنة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه
البخاري
(3/41)
2693 - (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا
فخر) أي أقول ذلك شكرا لا فخرا من قبيل قول سليمان عليه
الصلاة والسلام {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} أي
لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس وقيل لا أتكبر
به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل
فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة
وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على
جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه
تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية (وبيدي لواء الحمد)
بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير
والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى
تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم
الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون
وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه
وحمله على لواء الجمال والكمال (ولا فخر) أي لا فخر لي
بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد
واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود
وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد
قبله ولا بعده (وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه -) اعتراض
بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلا
أو بيانا من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف
وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل
فالأمثل إلا تحت لوائي (وأنا أول من تنشق عنه الأرض) وفي
رواية تنشق الأرض عن جمجمتي (ولا فخر) أي أول من يعجل الله
إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلا لجزيل الإنعام قال
الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (وأنا
أول شافع) يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها
بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة (وأول مشفع) بقبول
شفاعته في جميع أقسام الشفاعة لله ثم أراد أن يتواضع لربه
ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في السيادة والشرف
معجبا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا وتبجحا بل شكرا
وتحدثا بالنعمة وإعلاما للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير
البرية قال: ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول
على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا
يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه
لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبرا عن أمر وجودي
والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا
إخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك
اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض
للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ علي وأطلقوه على
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدبا معه واحتراما فهو خبر عن
الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر
وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما
يتبدل ولا يلزم من تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ كالإخبار
عن الأمور الوضيعة وبيانه أن معنى كون الإنسان مكرما
ومفضلا إنما هو بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره ففي وقت
يكرم بما يساوي فيه غيره وفي وقت يزاد على ذلك العير وفي
وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد فيقال عليه في المنزلة
الأولى مكرم وفي الثانية مفضل مقيد وفي الثالثة مفضل مطلقا
ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ذكره القرطبي قال: أغبط به
وشد عليه يدك قال بعض الصوفية: وإنما أعلم أمته بالسادة
وأنه أول شافع ليريحهم من التعب ذلك اليوم وذهابهم لنبي
بعد نبي ليشفع لهم أو يرشدهم لنافع وأنهم يمكثون بمحلهم
حتى تأتيه النوبة فيقول: أنا لها أنا لها فما ذهب إلي نبي
بعد نبي إلا من لم يبلغه الخبر أو نسي وأخذ من الحديث أنه
لا بأس بقول الشيخ لتلميذه: خذ مني هذا الكلام المحقق الذي
[ص:43] لا تجده عند غيري أو نحو ذلك بقصد اعتنائه وعدم
تهاونه به. (تتمة) قالوا في الخصائص: خص نبينا صلى الله
عليه وسلم بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في
إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار لا
يدخلها والشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة كما جوز النووي
اختصاص هذه والتي قبلها به ووردت به الأخبار في التي قبلها
وصرح به عياض وغيره وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار
حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي وبالشفاعة لجمع من صلحاء
المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره
القزويني في العروة وبالشفاعة في الموقف تخفيفا عن من
يحاسب وبالشفاعة فيمن دخل النار من الكفار أن يخفف عنه
العذاب وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا
وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل أحدا منهم النار
(حم ت في المناقب هـ) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال
الترمذي: حسن صحيح
(3/42)
2694 - (أنا قائد المرسلين) والنبيين يوم
القيامة أي أكون إمامهم وهم خلفي قال الخليل: القود أن
يكون الرجل أمام الدابة آخذا بناصيتها (ولا فخر وأنا خاتم
النبيين) والمرسلين (ولا فخر وأنا شافع) للناس (ومشفع)
فيهم (ولا فخر) وجه اختصاصه بالأولية أنه تحمل في مرضات
ربه ما لم يتحمله بشر سواه وقام لله بالصبر والشكر حق
القيام فثبت في مقام الصبر حتى لم يلحقه من الصابرين أحد
وترقى في درجات الشكر حتى علا فوق الشاكرين فمن ثم خص بذلك
قال العارف ابن عربي: كما صحت له السيادة في الدنيا بكل
وجه ومعنى ثبتت السيادة له على جميع الناس يوم القيامة
بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي إلا له فقد شفع في
الرسل والأنبياء نعم والملائكة فأذن الله عند شفاعته له في
ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع
فهو أول شافع بإذن الله وأرحم الراحمين آخر شافع يوم
القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم
يعمل خيرا قط فيخرجه المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة
تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها
وأي شرف أعظم من شرف محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان
ابتداء الدائرة به وحيث اتصل به آخرها لكمالها فيه ابتدئت
الأشياء وبه كملت
(الدارمي) في مسنده (عن جابر) قال الصدر المناوي: رجاله
وثقهم الجمهور
(3/43)
2695 - (أنا سابق العرب) إلى الجنة كما صرح
به هكذا في خبر أبي أمامة (وصهيب سابق الروم) أي إلى الجنة
أو إلى الإسلام (وسلمان) الفارسي (سابق الفرس) بضم الفاء
وسكون الراء (وبلال سابق الحبش) أي إلى الجنة أو إلى
الإسلام
(ك عن أنس) ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي
أمامة مرفوعا بلفظ أنا سابق العرب إلى الجنة وبلال سابق
الحبش إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة انتهى. قال
الزين العراقي في المغرب: حديث حسن وقال الهيثمي: سنده حسن
قال الزين العراقي: وله شاهد من حديث أنس أيضا مرفوعا بلفظ
السابق أربعة أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وبلال سابق
الحبشة وصهيب سابق الروم. حديث حسن أخرجه البزار هكذا في
مسنده وأخرجه غيره بمعناه وقال: رجاله كلهم ثقات
(3/43)
[ص:44] 2696 - (أنا أعربكم أنا من قريش) أي
أنا أدخلكم في العرب يعني أوسطكم فيه نسبا وأنفسكم فيه
فخذا لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نذار بن معد بن
عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة
ومحمد ذروة قريش (ولساني لسان بني سعد بن بكر) لكونه
استرضع فيهم وكان العرب تعتني باسترضاع أولادها عند نساء
البوادي قال الزمخشري: هذا اللسان العربي كأن الله عزت
قدرته مخضه وألقى زبدته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم
فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع
يناهزه إلا رجع فارغ السجل وقال الحرالي: من استجلى أحواله
علم إطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها واستنهاء
ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جميعها يؤثر عن عمر أنه قال
أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أبا بكر بلسان كأنه
أعجم لا أفهم مما يقولان شيئا
(ابن سعد) في الطبقات (عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلا)
(3/44)
2697 - (أنا رسول من أدركت حيا) وكذا هو
رسول من قبله كما دل عليه خبر وأرسلني إلى الخلق كافة (ومن
يولد بعدي) إلى أن تقوم الساعة فلا نبي ولا رسول بعده بل
هو خاتم الأنبياء والرسل وعيسى عليه الصلاة والسلام إنما
ينزل بشرعه
(ابن سعد) في الطبقات (عن الحسن) البصري (مرسلا)
(3/44)
2698 - (أنا أول من يدق باب الجنة) من
البشر (فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق) بالتحريك جمع
حلقة بالسكون (على تلك المصاريع) يعني الأبواب والمصراع من
الباب الشطر وفي رواية أنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح
الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وفي رواية أقعقع حلق
الجنة وفي أخرى فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها والأولية
تقتضي تحريك غيره أيضا قال ابن القيم: وذا صريح في أنها
حلق حسية تتقعقع وتتحرك
(ابن النجار) في تاريخه (عن أنس)
(3/44)
2699 - (أنا) بتخفيف النون (فئة المسلمين)
أي الذي يتحيز المسلمون إليه فليس من انحاز إلي في المعركة
بعد يعد فارا ويأثم الفارين قاله لابن عمر وجمع فروا من
زحف ثم ندموا فقالوا: نعرض أنفسنا عليه فإن كانت لنا توبة
أقمنا وإلا ذهبنا فأتوه فقالوا: نحن الفارون قال: لا بل
أنتم العكارون أي العائدون للقتال فقبلوا يده فذكره وأما
قول المؤلف في المرقاة معناه أنا وحدي كاف لكل شيء من جهاد
وغيره وكل من انحاز إلى بره مما يضره دينا ودنيا فلا يخفى
ركاكته وبعده من ملائمة السبب
(عن ابن عمر) ابن الخطاب وفيه يزيد بن زياد فإن كان المدني
فثقة أو الدمشقي ففي الكاشف واه
(3/44)
2700 - (أنا فرطكم) بالتحريك أي سابقكم
(على الحوض) أي إليه لأصلحه لكم وأهيئ لكم ما يليق بالوارد
وأحوطكم وآخذ لكم طريق النجاة من قولهم فرس فرط متقدم
للخيل ذكره الزمخشري وهذا تحريض على العمل الصالح المقرب
له في الدارين وإشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على وفاة صحبه
(حم ق عن جندب خ عن ابن مسعود) عبد الله (م عن جابر [ص:45]
ابن سمرة) وسببه كما في مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم
مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إنا قد رأينا إخواننا
قالوا: أولسنا إخوانك قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم
يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال:
أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم
ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من
الوضوء وأنا فرطكم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي
كإيذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا
بعدك فأقول: سحقا سحقا انتهى وفي الباب سهل وأبو سعيد وابن
عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم
(3/44)
2701 - (أنا محمد وأحمد) أي أعظم حمدا من
غيري لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره فهو أحق
بهذين الاسمين من غيره (والمقفى) بشدة الفاء وكسرها لأنه
جاء عقب الأنبياء وفي قفاهم أو المتبع آثار من سبقه من
الرسل (والحاشر) أي أحشر أول الناس (ونبي التوبة) أي الذي
بعث بقبول التوبة بالنية والقول وكانت توبة من قبله بقتلهم
أنفسهم أو الذي تكثر التوبة في أمته وتعم أو أن أمته لما
كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم أو المراد
أن توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له ولا
يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ في الدنيا. قال
القرطبي: والمحوج إلى هذه الأوجه أن كل نبي جاء بتوبة أمته
فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من مزية لنبينا صلى الله عليه
وعليهم وسلم (ونبي الرحمة) بميم أوله بخط المصنف أي الترفق
والتحنن على المؤمنين والشفقة على عباد الله المسلمين فقد
مر أن الرحمة ومثلها المرحمة إذ هما بمعنى واحد كما قاله
القرطبي إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف
بهم وقد أعطي هو وأمته منها ما لم يعطه أحد من العالمين
ويكفي {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
(حم م عن أبي موسى) الأشعري (زاد طب ونبي الملحمة) أي نبي
الحرب وسمي به لحرصه على الجهاد ووجه كونه نبي الرحمة ونبي
الحرب إن الله بعثه لهداية الخلق إلى الحق وأيده بمعجزات
فمن أبى عذب بالقتال والاستئصال فهو نبي الملحمة التي
بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة وظاهر تخصيص المصنف
الطبراني بهذه الزيادة أنها لا تعرف لأعلا منه والأمر
بخلافه فقد خرجه أحمد عن حذيفة بلفظ ونبي الملاحم قال
الزين العراقي: وإسناده صحيح
(3/45)
2702 - (أنا محمد وأحمد) سبق أن هذا مما
ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه
والقصد إظهار شرفه باختصاصه بهذا الاسم (أنا رسول الرحمة
أنا رسول الملحمة) خص نفسه من بين الأنبياء بأنه نبي
القتال مع مشاركة غيره منهم له فيه إشارة إلى أن غيره منهم
لا يبلغ مبلغه فيه (أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم
أبعث بالزراع) سره أنه لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام
ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في
الدنيا فهم الأعلون في الدارين كان في الذروة العليا منه
فاستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله بالجنان والبنان
والسيف والسنان
(ابن سعد) في الطبقات (عن مجاهد) بفتح الجيم وكسر الهاء بن
جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (مرسلا) هو الإمام في
القراءة والتفسير
(3/45)
[ص:46] 2703 - (أنا دعوة إبراهيم) أي صاحب
دعوته بقوله حين بنى الكعبة {ابعث فيهم رسولا منهم}
وفائدته بعد فرض وقوعه نبيا مقدرا له ذلك التنويه بشرفه
وكونه مطلوب الوجود تاليا للكتاب مطهرا للناس من الشرك
معروفا عند الأنبياء المتقدمين (وكان آخر من بشر بي) أي
ببعثتي (عيسى ابن مريم) بشر بذلك قومه ليؤمنوا به عند
مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهوره قال
تعالى حكاية عنه {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}
وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل ولأنه أبلغ من محمد
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عبادة بن الصامت) قضية كلام
المصنف أنه لم يقف لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر وهو غفلة
فقد رواه الحارث ابن أبي أسامة والطيالسي وكذا الديلمي
بأتم من هذا ولفظه أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى
ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب اه
(3/46)
2704 - (أنا دار الحكمة) وفي رواية أنا
مدينة الحكمة (وعلي بابها) أي علي بن أبي طالب هو الباب
الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها
وهذه المنقبة ما أعلاها ومن زعم أن المراد بقوله وعلي
بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه
الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه أخرج أبو نعيم عن
ترجمان القرآن مرفوعا ما أنزل الله عز وجل يا أيها الذين
آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها وأخرج عن ابن مسعود قال: كنت
عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي كرم الله وجهه
فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس
جزءا واحدا وعنه أيضا أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها
حرف إلا وله بطن وظهر وأما علي فعنده منه علم الظاهر
والباطن وأخرج أيضا عن سيد المرسلين وإمام المتقين أنا سيد
ولد آدم وعلي سيد العرب وأخرج أيضا علي راية الهدى وأخرج
أيضا يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتسعى وأنزلت
عليه هذه الآية {وتعيها أذن واعية} وأخرج عن ابن عباس كنا
نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم
الله وجهه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره والأخبار في هذا
الباب لا تكاد تحصى
(ت) عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن
شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الضياء
(عن علي) أمير المؤمنين وقال: غريب وزعم القزويني كابن
الجوزي وضعه أطال العلاء في رده وقال: لم يأت أبو الفرج
ولا غيره بعلة فادحة في هذا الخبر سوى دعوى الوضع دفعا
بالصدر وسئل عنه الحافظ ابن حجر في فتاويه فقال: هذا حديث
صححه الحاكم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنه كذب
والصواب خلاف قولهما معا وأنه من قسم الحسن لا يرتقي إلى
الصحة ولا ينحط إلى الكذب قال: وبيانه يستدعي طولا لكن هذا
هو المعتمد اه
(3/46)
2705 - (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن
أراد العلم فليأت الباب) فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم
المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها أو لا بد للمدينة من
باب فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه فمن أخذ طريقه
دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى وقد شهد له
بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف خرج
الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عليا هو
أعلم مني فقال: أريد جوابك قال: ويحك كرهت رجلا كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعزه بالعلم عزا وقد كان أكابر
الصحب يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه جاءه
رجل فسأله فقال: ههنا علي فاسأله فقال: أريد أسمع منك يا
أمير المؤمنين قال: قم لا أقام الله رجليك ومحى اسمه من
الديوان وصح عنه من طرق [ص:47] أنه كان يتعوذ من قوم ليس
هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته
في المشكل وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال: ذكر
لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال: لا والله. قال
الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر
إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه
يرفع الله عنه القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا
يتغير بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه
(عق عد طب ك) وصححه وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] في السنة
كلهم (عن ابن عباس) ترجمان القرآن (عد ك عن جابر) بن عبد
الله ورواه أحمد بدون فمن إلخ. قال الذهبي كابن الجوزي:
موضوع. وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا به وقال ابن معين:
لا أصل له. وقال الدارقطني: غير ثابت وقال الترمذي عن
البخاري: منكر وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال:
من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا
صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها
العقول بل هو كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وقال الزركشي:
الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفا
فضلا عن كونه موضوعا وفي لسان الميزان هذا الحديث له طرق
كثيرة في المستدرك أقل أحواها أن يكون للحديث أصل فلا
ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع اه ورواه الخطيب في التاريخ
باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن
ابن عباس ثم قال: قال القاسم: سألت ابن معين عنه فقال: هو
صحيح. قال الخطيب: قلت أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية
وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر
وتبعه البخاري فقال: هو حديث حسن
(3/46)
2706 - (أنا أولى الناس) أي أخص (بعيسى ابن
مريم) وصفه بأمه إيذانا بأنه لا أب له أي الذي خلق منها
بغير واسطة ذكر يعني أنا أقربهم إليه (في الدنيا) وفي
رواية في الأولى لأنه بشر أنه يأتي من بعده ومهد قواعد
دينه ودعى الخلق إلى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم
الأولوية بعد الموت قال (وفي الآخرة) أيضا ثم كأن سائلا
قال: ما سبب الأولوية فأجاب بقوله (ليس بيني وبينه نبي) أي
من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه
بينهما وإلا فقد قيل إن في سند خبره مقالا وإنما دل بهذه
الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين
الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمنين
صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب (والأنبياء أولاد
علات) بفتح المهملة أي أخوة لأب والعلات أولاد الضرائر من
رجل واحد والعلة الضرة (أمهاتهم شتى) أي متفرقة فأولاد
العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة سميت علات لأن الزوج
قد عل من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى (ودينهم واحد) أي
أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة شبه ما
هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء وهو إرشاد الخلق بالأب
وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة بأمهات. قال القاضي:
والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا
لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به
ينتظم معاشهم ويحسن معادهم فهم متفقون في هذا الأصل وإن
اختلفوا في تفاريع الشرائع فعبر عما هو الأصل المشترك بين
الكل بالأب ونسبهم إليه وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام
والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض بالأمهات
وأنهم وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أعوامهم فالأصل الذي هو
السبب في إخراجهم وإبرازهم كل في عصره واحد وهو الدين الحق
الذي فطر الناس مستعدين لقبوله متمكنين من الوقوف عليه
والتمسك به فعلى هذا المراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت
عليهم ويحتمل تقريره بوجه آخر وهو أن أرواح الأنبياء لما
بينهما من التشابه والاتصال كالشيء الواحد المباين بالنوع
لسائر الأرواح فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة
الصورة المشبهة بالآباء مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة
المرأة المشبهة بالأمهات انتهى. وقال الطيبي: كما [ص:48]
يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة الدنيا والقيامة ويحتمل أن
يراد بهما الحالة الأولى وهي كونه مبشرا والحالة الآخرة
وهي كونه ناصرا مقويا لدين المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا
تعارض بين هذا وبين آية {إن أولى الناس بإبراهيم للذين
اتبعوه وهذا النبي} أي أنا أخصهم به لأن الحديث وارد في
كونه عليه الصلاة والسلام متبوعا والتنزيل في كونه تابعا
وله الفضل تابعا ومتبوعا فإن قيل: أي تعلق لهذا بأمهات
الأنبياء فالجواب: أنه تنبيه على فضل أمه. قال الزمخشري:
وعيسى بالسريانية أيسوع ومريم بمعنى الخادم وقيل مريم
بالعربية من النساء كالزين من الرجال ووزن مريم عند النحاة
مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية وفيه إبطال
لزعم أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام أنبياء ورسل
منهم خالد بن سنان
(حم ق د عن أبي هريرة)
(3/47)
2707 - (أنا أولى بالمؤمنين) بنص رب
العالمين قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين} قال بعض
الصوفية: وإنما كان أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم
إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة ويترتب على كونه أولى
أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم وإن شق عليهم
وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم ويدخل فيه النساء بأحد
الوجهين المفصلين في علم الأصول (من أنفسهم) أي أنا أولى
بهم من أنفسهم في كل شيء من أمر الدارين لأني الخليفة
الأكبر الممد لكل موجود فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من
أنفسهم وحكمي أنفذ عليهم من حكمها وهذا قاله عليه الصلاة
والسلام لما نزلت الآية ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم
يذكر ما له في ذلك من الحظوظ بل اقتصر على ما هو عليه حيث
قال: (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات (من المؤمنين) إلى
آخر ما يأتي ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي
بأن الأولوية قد تولى المصطفى صلى الله عليه وسلم تفسيرها
بقوله فمن توفي إلخ ولا عطر بعد عروس ووجه الاندفاع أنه
تفريع على الأولوية العامة لا تخصيص فلا ينافي ما سبق بل
أفاد فائدة حسنة وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب
الرسول أيضا (فترك) عليه (دينا) بفتح الدال (فعلي) قال ابن
بطال: هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين (قضاؤه)
من بيت المال قيل وجوبا لأن فيه حق الغارمين وقيل وعدا
والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفيء الله عليه من غنيمة
وصدقة ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين وإلا أثم
إن كان حق الميت من بيت المال بقدر الدين وإلا فيسقطه (ومن
ترك مالا) يعني حقا فذكر المال غالبي إذ الحقوق تورث
كالمال (فهو لورثته) لفظ رواية البخاري فليرثه عصبته من
كانوا وعبر بمن الموصولة ليعمم أنواع العصبة وفي الأولوية
فيما ذكر وجه حسن حيث رد على الورثة المنافع وتحمل المضار
والتبعات وخص هذا القسم بالبيان دفعا لتوهم الانحصار في
جانب الأمة وفيه أنه لا ميراث بالتبني ولا بالخلف وأن
الشرع أبطلهما قال النووي: وحاصل معنى الحديث أنا قائم
بمصالحكم في حياة أحدكم أو موته أنا وليه في الحالين فإن
كان عليه دين قضيته إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال
فلورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين فعلي
مؤونتهم
(حم ق ن هـ عن أبي هريرة)
(3/48)
2708 - (أنا الشاهد على الله أن) أي بأن
(لا يعثر) بعين مهملة ومثلثة أي يزل (عاقل) مسلم أي كامل
العقل (إلا رفعه) الله من عثرته (ثم لا يعثر) مرة أخرى
(إلا رفعه) منها (ثم لا يعثر) مرة ثالثة (إلا رفعه) منها
كذلك وهكذا (حتى يجعل مصيره إلى الجنة) أي لا يزال يرفعه
ويغفر له حتى يصير إليها وأفاد بذلك أن العبد إذا سقط في
ذنب ثم [ص:49] تاب منه عفي عنه ثم إذا سقط فيه عفي عنه
أيضا كذلك وهكذا وإن بلغ سبعين مرة فإنه تعالى يحب كل مفتن
تواب كما سيأتي في حديث والعثرة الكبوة ويقال للزلة عثرة
لأنها سقوط في الإثم كما في المصباح كغيره وخص العاقل لأن
العقل هو الذي يهديه ويرشده إلى التخلص من الذنب والتوبة
منه فغير العاقل غافل لا يبالي بما ارتكبه
(طس عن ابن عباس) قال الهيثمي: إسناده حسن وأعاده في موضع
آخر ثم قال فيه محمد بن عمر بن الرومي وثقه ابن حبان وضعفه
جمع وبقية رجاله ثقات انتهى
(3/48)
2709 - (أنا بريء ممن حلق) أي من إنسان
يحلق شعره عند المصيبة (وسلق) بسين وصاد أي رفع الصوت
بالبكاء عندها أو الضارب وجهه عندها (وخرق) ثوبه عندها
ذكرا أو أنثى وفي رواية والشاقة التي تشق ثوبها عندها أي
أنا بريء من فعلهن أو من عهدة ما لزمني بيانه أو مما
يستوجبن أو هو على ظاهره وهو البراءة من فاعل هذه الأمور
(م ن هـ عن أبي موسى) الأشعري مرض أبو موسى فأغمي عليه
فصاحت امرأته برنة فأفاق فقال: ألم تعلمي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن ذا مما
تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه لهما معا
جمع منهم الصدر المناوي
(3/49)
2710 - (أنا وكافل اليتيم) أي القائم بأمره
ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم
لا (في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي
أن الكافل في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن
درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن
بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن
المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة
الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير
وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم
فيكون كافلا ومرشدا لهم ومعلما وكافل اليتيم يقوم بكفالة
من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية
من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة
أو ضعفا عن القيام بحقها
(حم خ د) في الأدب (ت) في البر (عن سهل بن سعد) وظاهر صنيع
المصنف أن ذا مما تفرد البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه
مسلم عن عائشة وابن عمر بزيادة ولفظه أنا وكافل اليتيم له
أو لغيره كهاتين أي سواء كان قريبا أو أجنبيا
(3/49)
2711 - (أنت أحق) أي أولى وهو أفعل من الحق
الذي هو ملك الإنسان وجمعه حقوق تقديره أنت أثبت حقا (بصدر
دابتك) أي بمقدم ظهرها (مني) أيها الرجل الذي تأخر وعزم
علي أن أركب حماره فلا أركب على صدره لأنه المالك له
ولمنفعته فأنت بصدره أحق (إلا أن تجعله) أي صدرها (لي)
فجعله له إكراما لعظيم منزلته والتماسا لجليل بركته وهذا
من كمال إنصاف المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
وتواضعه وإظهار حق المرء حيث رضي أن يركب خلفه
(حم د ت عن بريدة) وفيه علي بن الحسين ضعفه أبو حاتم وقال
العقيلي: كان مرجئا لكن معنى الحديث ثابت صحيح
(3/49)
2712 - (أنت) أيها الرجل القائل إن أبي
يريد أن يجتاح مالي أي يستأصله (ومالك لأبيك) يعني أن أباك
كان سبب وجودك [ص:50] ووجودك سبب وجود مالك فصار له بذلك
حق كان به أولى منك بنفسك فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر
الحاجة فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة
ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع فكأنه لم
يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم أو متوفرة في هذه
الواقعة المخصوصة
(هـ) في التجارة (عن جابر) بن عبد الله قال: قال رجل: يا
رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي
فذكره قال ابن حجر في تخريج الهداية: رجاله ثقات لكن قال
البزار: إنما يعرف عن هشام عن ابن المنكدر مرسلا وقال
البيهقي: أخطأ من وصله عن جابر (طب) وكذا البزار (عن سمرة)
بن جندب قال الهيثمي: فيه عبد الله بن إسماعيل الحوداني
قال أبو حاتم: لين وبقية رجال البزار ثقات انتهى ومفهومه
أن رجال الطبراني ليسوا كذلك. (وابن مسعود) قال: قال رجل:
إن لي مالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال الهيثمي:
فيه إبراهيم بن عبد الحميد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله
ثقات وقال ابن حجر: فيه من طريق ابن مسعود هذا معاوية بن
يحيى وهو ضعيف وأما حديث سمرة فإن العقبلي بعد تخريجه عنه
قال: وفي الباب أحاديث فيها لين وبعضها أحسن من بعض وقال
البيهقي: روي من وجوه موصولا لا يثبت مثلها وقال ابن حجر
في موضع آخر: قد أشار البخاري في الصحيح إلى تضعيف هذا
الحديث
(3/49)
2713 - (أنتم) أيها المتوضئون من المؤمنين
(الغر المحجلون) الغرة هنا محل الواجب والزائد عليه مطلوب
ندبا وإن كان قد يطلق على الكل غرة لعموم النور لجميعه سمي
النور الذي على مواضع الوضوء (يوم القيامة) غرة وتحجيلا
تشبيها بغرة الفرس (من إسباغ الوضوء) أي من أثر إتمامه
(فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) ندبا بأن يغسل مع
الوجه مقدم الرأس وصفحة العنق ومع اليدين والرجلين العضدين
والساقين وفي قوله منكم إشارة إلى أن الكفار لا يعتد
بطهرهم ولا بقربتهم ولا يجازون عليها في الآخرة {والذين
كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن
هذا السيماء إنما يكون لمن توضأ في الدنيا وفيه رد لما
نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة أن الغرة والتحجيل
لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا: كما يقال لهم أهل القبلة
من صلى ومن لا قال في المطامح: وقد تعلق بالخبر على من زعم
كالداودي وغيره من ضعفاء أهل النظر على أن الوضوء من
خصائصنا وهو غير قاطع لاحتمال أن الخاص الغرة والتحجيل
بقرينة خبر: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وقصره على
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون أممهم يرده أن الوضوء
كان معروفا عند الأنبياء فالأصل أنه شرع ثابت لأممهم حتى
يثبت خلافه
(م عن أبي هريرة) رواه مسلم من حديث عبد الله بن محمد قال:
رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده
اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم
مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى
كذلك ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى
آله وسلم أنتم إلخ
(3/50)
2714 - (أنتم أعلم بأمر دنياكم) مني وأنا
أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا
لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة
الأبدية وفيه أنشدوا:
إن الرسول لسان الحق للبشر. . . بالأمر والنهي والإعلام
والخبر
هم أذكياء ولكن لا يصرفهم. . . ذاك الذكاء لما فيه من
الغرر
ألا تراهم لتأبير النخيل وما. . . قد كان فيه على ما جاء
من ضرر [ص:51]
هم سالمون من الأفكار إن شرعوا. . . حكما بحل وتحريم على
البشر
قال بعضهم: فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في
أمر الوحي والدعاء إلى الله تعالى فهم أسرج الناس قلوبا من
جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس
للأفكار عليهم سلطان
(م عن أنس) بن مالك (وعائشة) قالا: مر النبي صلى الله عليه
وسلم بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح فخرج شيصا فذكره
(3/50)
2715 - (أنتم شهداء الله في الأرض) {وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} فهم عدول
بتعديل الله لهم فإذا شهدوا على إنسان بصلاح أو فساد قبل
الله شهادتهم وتجاوز عن من يستحق العذاب في علمه فضلا
وكرما لأوليائه. قال القاضي: والشهداء جمع شهيد بمعنى
الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر والإمام كأنه سمي به
لأنه يحضر النوادي ويبرم بحضرته الأمور إذ التركيب للحضور
إما بالذات أو التصور ومنه قيل للمقتول في سبيل الله شهيد
لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضوره (والملائكة شهداء
الله في السماء) قال الطيبي: الإضافة للتشريف وأنهم بمكان
ومنزلة عالية عند الله كما أن الملائكة كذلك وهذا تزكية من
المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار معداتهم وأن الله
يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم إكراما وتفضيلا وقال الفخر
الرازي: لما جعل المؤمنين شهودا دل على أنه تعالى لا يظهر
قبح فعلهم يوم القيامة إذ لو أظهر ذنبهم صارت شهادتهم
مردودة وذلك لا يليق بحكمة الحكيم اللهم حقق رجاءنا بكرمك
وفضلك
(طب عن سلمة بن الأكوع)
(3/51)
2716 - (انبسطوا في النفقة) على الأهل
والحاشية وكذا الفقراء إن فضل عن أولئك شيء (في شهر رمضان)
أي أكثروها وأوسعوها يقال بسط الله الرزق كثره ووسعه (فإن
النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله) في تكثير الأجر وتكفير
الوزر أي يعدل ثوابها ثواب النفقة على الجهاد أي القتال
لأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا
هي السفلى وهذا خرج جوابا لسؤال إنسان لم يكن الجهاد في
حقه أهم من الصرف في التوسعة في رمضان
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في جزئه الذي
جمعه فيما ورد فيه (عن ضمرة) كان ينبغي تمييزه لكثرة من
تسمى به (وراشد بن سعد) المقرائي بفتح الميم وسكون القاف
وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير
الإرسال من الطبقة الثالثة (مرسلا) أرسل عن سعد وعوف بن
مالك وشهد صفين وقال الذهبي: ثقة مات سنة 113
(3/51)
2717 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي
انتظاره بالصبر على المكروه وترك الشكاية واحتج به من زعم
أن التوكل قطع الأسباب ورده الحليمي بأن مراد الخبر حيث لا
مخلص ولا مفزع إلا بالصبر أما من جعل الله له إلى الخلاص
طريقا فليسلكها متوكلا على الله أن يؤديه ذلك إلى الخلاص
مما هو فيه ألا ترى أن الأسير لو أمكنه الانفلات من الكفار
فعليه الانفلات ويتوكل على الله
(عد خط) من حديث الحسن بن سليمان صاحب المصلى عن محمد
الباغندي عن عبيد بن هشام الحلبي عن مالك عن الزهري (عن
أنس) ثم قال الخطيب: وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من
فوقه وهما قبيحا لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان
الخبائري عن بقية عن مالك وكذا حدث به الباغندي وصاحب
المصلى له أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله انتهى. وقضية
كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد من الستة لتخريجه
وهو ذهول فقد قال هو نفسه في الدرر إنه عند الترمذي من
حديث ابن مسعود في أثناء حديث بسند [ص:52] حسن هذه عبارته
وبه يعرف أنه كما لم يصب هنا في اقتصاره على العزو للخطيب
وحذف ما عقبه به من بيان علته وضعفه لم يصب في عدوله عن
العزو للترمذي لخروجه عن قانونهم
(3/51)
2718 - (انتظار الفرج بالصبر عبادة) لأن
إقباله على ربه في تفريج كربه وكشف ضره أو الظفر بمطلوبه
مع صبره وعدم ضجره وعدم شكواه المخلوق وعدم اتهامه للحق
فيما ابتلاه وتأخير كشفه عبادة وأي عبادة أي إذا حل بعبد
بلاء فترك الجزع الهلع وصبر على مر القضاء فذلك منه عبادة
يثاب عليها لما فيه من الانقياد للقضاء والتسليم لما
تقتضيه أوامر النواميس الإلهية
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال
العامري في شرحه: حسن وأقول فيه عمرو بن حميد عن الليث قال
في الميزان هالك أتى بخبر موضوع اتهم به ثم ساق هذا الخبر
الذي هو حديث ابن عمرو (وعن ابن عباس) قال الحافظ العراقي:
وسنده ضعيف قال: وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة وقضية صنيع
المصنف أن لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من المشاهير الذين
وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ
المذكور عن علي أمير المؤمنين
(3/52)
2719 - (انتظار الفرج من الله عبادة) أي من
العبادة كما تقرر (ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله
تعالى منه بالقليل من العمل) بمعنى أنه لا يعاتبه على
إقلاله من نوافل العبادات لا أنه لا يعاقبه على ترك
المفروضات وفي خبر رواه الديلمي وبيض لسنده: الدنيا دول
فما كان منها لك آتيك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه
بقوتك ومن انقطع رجاؤه استراح بدنه ومن رضي بما رزقه الله
قرت عيناه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتابه (الفرج) بعد الشدة
(وابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين قال
الحافظ العراقي: سنده ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم
يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه فقد
خرجه الديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن علي
أيضا
(3/52)
2720 - (انتعلوا وتخففوا) أي البسوا النعال
والخفاف في أرجلكم (وخالفوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى
فإن أولئك لا ينتعلون ولا يتخففون والظاهر أنه أراد في
الصلاة ويحتمل الإطلاق وأن نصارى زمانه ويهود زمانه كان
دأبهم المشي حفاة والأول أقرب
(هب عن أبي أمامة) الباهلي
(3/52)
2721 - (انتهاء) بالمد (الإيمان إلى الورع)
أي به تزكو الأعمال أي غاية الإيمان وأقصى ما يكون أن
يبلغه من القوة والرسوخ أن يبلغ الإنسان درجة الورع الذي
هو الكف عن المحرمات وتوقي التورط في الشبهات والارتباك في
الشهوات (من قنع) أي رضي (بما رزقه الله تعالى) قليلا كان
أو كثيرا (دخل الجنة) أي مع السابقين الأولين أو من غير
سبق عذاب فإنه لما ترك الحرص والطمع وفوض أمره إلى الله
ورضي بما قسمه له وأمل منه الخير والبركة حقق الله ظنه
وبلغه مأموله في الدنيا والآخرة. <تنبيه> قال الغزالي:
الورع أربع مراتب: ورع العدول وهو الكف عما يفسق تناوله
وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق الاحتمال له وورع المتقين
وهو ترك ما لا شبهة في حله لكنه [ص:53] قد يجر إلى محرم أو
مكروه وورع الصديقين وهو ترك ما لا بأس به أصلا لكنه
يتناول لغير الله (ومن أراد الجنة لا شك فلا يخاف في الله
لومة لائم) أي لا يمتنع عن القيام بالحق للوم لائم له عليه
(قط في الأفراد عن ابن مسعود) قال الدارقطني: تفرد به
عنبسة عن المعلى والمعلى عن شقيق قال ابن الجوزي: وعنبسة
والمعلى متروكان قاله النسائي وغيره وقال ابن حبان يرويان
الموضوعات لا يحل الاحتجاج بهما
(3/52)
2722 - (أنزل الله علي) في القرآن (أمانين
لأمتي) قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: قوله تعالى (وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) مقيم بمكة بين أظهرهم حتى
يخرجوك فلا يرد تعذيبهم ببدر أو المراد عذاب استئصال وأنت
فيهم إكراما فإنك للعالمين رحمة فلما دنا العذاب أمر
بالهجرة (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) أي وفيهم من
يستغفر من لم يستطع الهجرة من مكة أو هم يقولون غفرانك أو
لو استغفروا أو في أصلابهم من يستغفر أو وفيهم من يصلي ولم
يهاجر بعد (فإذا مضيت) أي انتقلت من دار الفناء إلى دار
البقاء (تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة) فكلما أذنب
الواحد منهم واستغفر غفر له وإن عاود الذنب ألف مرة وقيل:
هذا منسوخ بقوله تعالى عقب هذه الآية {وما لهم ألا يعذبهم
الله} وقيل: النسخ لا يرد على الخبر ولكن ذلك إذا لم يبق
فيهم من يستغفر
(ت عن أبي موسى) الأشعري وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر
البجلي قال الذهبي: ضعفوه
(3/53)
2723 - (أنزل الله جبريل في أحسن ما كان
يأتيني في صورة فقال: إن الله تعالى يقرئك السلام يا محمد
ويقول لك إني قد أوحيت إلى الدنيا) وحي إلهام (أن تمرري
وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي) أي لأجل
محبتهم إياه (فإني خلقتها) فيه التفات من الحضور إلى
الغيبة إذ الأصل خلقتك (سجنا لأوليائي وجنة لأعدائي) أي
الكفار فإنه سبحانه وتعالى يبتلي بها خواص عباده ويضيقها
عليهم غيرة عليهم فهم منها سالمون ويزيل عنهم كراهة الموت
بلطائف يحدثها لهم حتى يسأموا الحياة كما فعل بإبراهيم
الخليل عليه الصلاة والسلام حين جاءه ملك الموت ليقبض روحه
فبكى إبراهيم عليه السلام فعاد إليه في صورة شيخ هرم يأكل
العنب وماؤه يسيل على لحيته فسأله إبراهيم عليه السلام عن
عمره فذكر مثل سنه فاشتهى الموت فقبضه
(هب عن قتادة بن النعمان) بضم النون الظفري البدري وقضية
كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل
تعقبه بما نصه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وفيهم مجاهيل اه
(3/53)
2724 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) اختلف
فيه على نحو أربعين قولا من أحسنها ما قرره الحرالي حيث
قال: الجوامع التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند
المصطفى صلى الله عليه وسلم نهاياتها هي صلاح الدين
والدنيا والمعاد وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة
ستة هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح يستزيدها من ربه
حرفا حرفا فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعا جامعا فرد
الأزواج له فتم إنزاله على سبعة أحرف وتفصيل هذه السبعة
تكفل بتبيانه [ص:54] الحديث الآتي بعده بخمسة أحاديث
المغني عن طلبتها بالحدس والتأويل المبطل لشعب تلك
الأقاويل وفي بيانه شفاء العي وثلج اليقين
(حم ت عن أبي) بن كعب (حم عن حذيفة) قال الهيثمي: فيه عاصم
بن بهدلة وهو ثقة وفيه كلام لا يضر
(3/53)
2725 - (أنزل القرآن من سبعة أبواب) أي
أبواب البيان كما في المنجد (على سبعة أحرف كلها) قال في
الديباج: المختار أن هذا من متشابه الحديث الذي لا يدرك
تأويله والقدر المعلوم منه تعدد وجوه القراءات (شاف كاف)
أي كل حرف من تلك الأحرف شاف للغليل كاف في أداء المقصود
من فهم المعنى وإظهار البلاغة والفصاحة وقيل المراد شاف
لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى وكونها من عند الله كاف
في الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه
(طب عن معاذ) بن جبل قال الهيثمي: رجاله ثقات
(3/54)
2726 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قال
القاضي: أراد بها اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من
لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وهوازن واليمن وبني تميم
ودوس وبني الحارث وقيل القراءات السبع وقيل إنما أراد
أجناس الاختلافات التي يؤول إليها اختلاف معاني القرآن فإن
اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات: الثاني
كالتقديم والتأخير نحو {وجاءت سكرة الموت بالحق} وجاءت
سكرة الحق بالموت والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها
نحو {فإن الله هو الغني الحميد} قرئ بالضمير وعدمه أو
تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى مثل {كالعهن المنفوش}
وكالصوف المنفوش أو اختلافه مثل {وطلح منضود} وطلع منضود
أو بتغييرهما إما بتغيير هيئة كإعراب نحو {هن أطهر لكم}
بالرفع والنصب أو صورة نحو {انظر إلى العظام كيف ننشزها}
وننشرها أو حرف مثل {باعد وبعد بين أسفارنا} وقيل أراد أن
في القرآن ما هو مقروء على سبعة أوجه نحو {فلا تقل لهما
أف} فإنه قرئ بضم وفتح وكسر منونا وبسكون وقيل معناه أنزل
مشتملا على سبعة معاني أمر ونهي وقصص وأمثال ووعد ووعيد
وموعظة ثم قال: أعني البيضاوي: وأقول المعاني السبعة هي
العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد
(فمن قرأ على حرف منهما فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه) بل
يتم قراءته بذلك
(طب عن ابن مسعود) قضية كلامه أن ذا لم يخرجه أحد من الستة
وهو ذهول شنيع فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور من
حديث أبي بن كعب وهكذا عزاه له جمع منهم الديلمي
(3/54)
2727 - (أنزل القرآن على سبعة أحرف) حرف
الشيء طرفه وحروف التهجي سميت به لأنها أطراف الكلمة (لكل
حرف) في رواية لكل آية (منها ظهر وبطن) فظهره ما ظهر
تأويله وعرف معناه وبطنه ما خفي تفسيره وأشكل فحواه أو
الظهر اللفظ والبطن المعنى أو الظهر التلاوة والرواية
والبطن الفهم والدراية. قال الطيبي: على في قوله على سبعة
أحرف ليس بصلة بل حال وقوله لكل آية منها ظهر جملة اسمية
صفة لسبعة والراجع في منها للموصوف وكذا قوله (ولكل حرف
حد) أي منتهى فيما أراد الله من معناه (ولكل حد) من الظهر
والبطن (مطلع) بشدة الطاء وفتح اللام موضع الاطلاع أي مصعد
وموضع يطلع عليه بالترقي إليه فمطلع الظاهر التمرن في فنون
العربية وتتبع [ص:55] أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير
ذلك ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة والعمل بمقتضاه
وقيل المنع ومعناه أن لكل حد من حدود الله وهي ما منع
عباده من تعديه موضع إطلاع من القرآن فمن وفق لإرتقاء ذلك
المرتقى اطلع على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع. <تنبيه>
قال ابن عربي: اغطس في بحر القرآن إن كنت واسع النفس وإلا
فاقتصر على مطالعة كتب التفسير لظاهره ولا تغطس فتهلك فإن
بحره عميق ولولا قصد الغاطس للمواضع القريبة من الساحل ما
خرج لكم أبدا فالأنبياء والورثة هم الذين يقصدون هذه
المواضع رحمة بالعالم وأما الواقفون الذين وصلوا ومسكوا
ولم يردوا ولم ينتفع بهم أحد ولا انتفعوا بأحد بل قصدهم
بشج البحر فغطسوا فهم إلى الأبد لا يخرجون
(طب عن ابن مسعود) ورواه البغوي في شرح السنة عن الحسن
وابن مسعود مرفوعا
(3/54)
2728 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف) لا
يناقض السبعة بجواز أن الله أطلعه أولا على القليل ثم
الكثير كما عرف من نظائره
(حم طب ك عن سمرة بن جندب) قال الحاكم: صحيح ولا علة له
وأقره الذهبي
(3/55)
2729 - (أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا
تختلفوا فيه ولا تحاجوا) بحذف التاءين للتخفيف (فيه فإنه
مبارك كله) أي زائد الخير كثير الفضل (فاقرأوه كالذي
أقرئتموه) بالبناء للمجهول أي كالقراءات التي أقرأتكم
إياها كما أنزله علي بها جبريل. {فائدة} قال المؤلف: من
خصائصه أن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممر
الدهور ومشتمل على ما اشتملت عليه الكتب وزيادة وجامع لكل
شيء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما على سبعة أحرف
وسبعة أبواب وبكل لغة عد هذه ابن النقيب وقراءته بكل حرف
عشر حسنات عد هذه الزركشي
(ابن الضريس عن سمرة) بن جندب ورواه عنه أيضا الطبراني
والبزار لكن بلفظ ولا تجافوا عنه بدل تحاجوا فيه قال
الهيثمي: وإسنادهما ضعيف اه فما أوهمه صنيع المؤلف من أنه
لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز غير
جيد
(3/55)
2730 - (أنزل القرآن على عشرة أحرف) أي
عشرة وجوه (بشير) اسم فاعل من البشارة وهي الخبر السار
(ونذير) من الإنذار الإعلام بما يخاف منه (وناسخ ومنسوخ)
أي حكم مزال بحكم (وعظة) {قد جاءتكم موعظة من ربكم} (ومثل)
{تلك الأمثال نضربها للناس} (ومحكم) فسره في الكشاف بما
أحكمت عبارته بأن أحكمت من الاحتمال (ومتشابه) فسره بما
يكون عبارته مشتبهة محتملة قال: ففي المحكم سهولة الاطلاع
مع طمأنينة قلب وثلج صدر وفي المتشابه تقادح العلماء
وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من
الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات (وحلال) وهو
الذي به صلاح النفس والبدن لموافقته تقويمها (وحرام) وهو
ما لا يصلح النفس والبدن إلا بالتطهير منه لبعده عن
تقويمها وأشار بتأخير هذين الحرفين وهما حرفا صلاح الدنيا
وأصلهما في التوراة وتمامها في القرآن ويلي هذين حرفا صلاح
المعاد وهما حرفا البشارة والنذارة والزجر والنهي وذلك
يأتي على كثير من خلال الدنيا لوجوب إيثار الآخرة لبقائها
وكليتها على الدنيا لفنائها وجزئيتها وأصل هذين الحرفين في
الإنجيل وتمامهما في القرآن ويليهما حرفا [ص:56] صلاح
الدين حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة
أحوال قلبه وأخلاقه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه بغير
التفات لما سواه وحرف المتشابه الذي لا يتبين للعبد فيه
خطأه من حيث قصور عقله عن دركه إلا أن يؤيده الله بتأييده
فالحروف الخمسة للاستعمال والسادس للوقوف ليقف العبد لله
بحرف كما أقدم الله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه
ما تقدم من طرفه وعلمه وأصل هذين في الكتب المتقدمة
وتمامها في القرآن ويختص بالسابع الجامع بين المثل الأعلى
ومظهر الممثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد وكتابه وهو
حرف المثل ولا ينال إلا بموهبة من الله لعبده فليتدبره من
عقل ذكره كله الحرالي
(السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن علي) أمير
المؤمنين ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن عن أبي سلمة
مرفوعا بلفظ نزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام ومحكم
ومتشابه وضرب أمثال وخبر ما كان قبلكم وخبر ما هو كائن
بعدكم فأحلوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بمحكمه وآمنوا
بمتشابهه واعتبروا بأمثاله قال الكمال ابن أبي شريف: ورجال
إسناده أئمة من رجال الصحيحين إلا عمر بن أبي سلمة فمن
رجال السنن لكن فيه انقطاع
(3/55)
2731 - (أنزل القرآن بالتفخيم) أي التعظيم
ومن تفخيمه إعطاؤه حقه وقفا وابتداء فإن رعاية الفواصل
تزيد في البيان وزيادته تورث التوقير أي التعظيم يعني
اقرأوه على قراءة الرجال ولا تخضعوا الصوت به ككلام النساء
ولا يدخل فيه كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء
(ابن الأنباري) في كتاب (الوقف) والابتداء (ك) في التفسير
من حديث بكار بن عبد الله عن محمد بن عبد العزيز العوفي عن
أبي الزناد عن خارجة (عن) أبيه (زيد بن ثابت) قال الحاكم:
صحيح فقال الذهبي: لا والله العوفي مجمع على ضعفه وبكار
ليس بعمدة والحديث واه منكر إلى هنا كلامه وأنت بعد إذ
عرفت حاله علمت أن المصنف في سكوته عليه غير مصيب
(3/56)
2732 - (أنزل علي آيات) أحد عشر (لم نر)
بالنون وروي بياء مضمومة (مثلهن قط) من جهة الفضل كذا قال
والأظهر أن المراد لم تكن سورة آياتها كلها تعويذ من شر
الأشرار وغيرهما وعلى الأول فلا يعارض ما تقدم في آية
الكرسي لأن تلك آية واحدة وهذه آيات أو يقال إنه عام مخصوص
أو يقال ضم هذا إلى ذلك ينتج أن الجميع سواء في الفضل.
ذكره الأبي (قل أعوذ برب الفلق) الصبح لأن الليل يفلق عنه
وفي المثل هو أبين من فلق الصبح أو الخلق لأنه فلق عنهم
ظلمة العدم أو جهنم أو جب أو سجن أو بيت فيها إذا فتح صاح
أهل النار من شدة حره أو ما ينفلق من النوى والحب أو ما
ينفلق من الأرض عن النبات أو الجبال عن العيون والسحاب عن
المطر والأرحام عن الأولاد وقيل فلق القلوب بالأفهام حتى
وصلت إلى الدلائل والأعلام والمراد هنا السورة بكمالها
وهكذا فيما يأتي (وقل أعوذ برب الناس) أي مربيهم وخصه به
تشريفا ولاختصاص التوسوس به فالاستعاذة واقعة من شر
الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى
الناس بربهم وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من
شر الجان والإنسان بغيرهما فلما نزلتا ترك التعوذ بما
سواهما ولما سحر استشفى بهما هذا وقد بين بهذا الخبر عظم
فضل هاتين السورتين وأن لفظة قل من القرآن وعليه الإجماع
قال عياض: وفيه رد على من نسب لابن مسعود كونهما ليستا من
القرآن وعلى من زعم أن لفظ قل ليس من السورتين وإنما أمر
أن يقول فقال
(م ت ن عن عقبة بن عامر) الجهني
(3/56)
[ص:57] 2733 - (أنزل علي عشر آيات من
أقامهن) أي عدلهن وأحسن قراءتهن بأن أتى بهن على الوجه
المطلوب في حسن الأداء (دخل الجنة: قد أفلح المؤمنون) أي
دخلوا في الفلاح والفلاح الظفر بالمراد أي فازوا وظفروا
بمرادهم قطعا إذ قد لتقريب الماضي من الحال وللتأكيد فكأن
الفلاح قد حصل وهو الشهادة أو إدراك المطلوب والنجاة من
الموهوب قال في الكشاف: قد نقيضة لما تثبت المتوقع ولما
تنفيه ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة
وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما
توقعوه اه (الآيات) العشرة من أول السورة والمراد أنه يدخل
الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب وإلا
فالمؤمن الذي لم يقرأهن قط لا بد من دخوله الجنة وإن حوسب
أو عذب
(ت عن عمر) بن الخطاب
(3/57)
2734 - (أنزلت صحف إبراهيم) بضمتين جمع
صحيفة وأصلها كما قال الزمخشري قطعة من جلد أو قرطاس كتب
فيه وتقول أي العرب صحائف الكتب خير من صحاف الذهب وفي
الصحاح الصحيفة الكتاب (أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة
لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان
وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع
وعشرين خلت من رمضان) قال الحليمي: يريد به ليلة خمس
وعشرين نقله عنه البيهقي وأقره اه. ثم إن ما ذكر من إنزاله
في تلك الليلة أراد به إنزاله إلى اللوح المحفوظ فإنه نزل
عليه فيها جملة ثم أنزل منه منجما في نيف وعشرين سنة وسره
كما قال الفخر الرازي أنه لو نزل جملة واحدة لضلت فيه
الأفهام وتاهت فيه الأوهام {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل
لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} فهو كالمطر لو نزل دفعة
لقلع الأشجار وخرب الديار وقال السيد: في تنزيله منجما
تسهيل ضبط الأحكام والوقوف على حقائق نظم الآيات قال ابن
حجر: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل
فيه القرآن} ولقوله {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيحتمل أن
تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها
جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين
إلى الأرض أول {اقرأ باسم ربك}
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه عمران القطان
ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات اه. ورواه عنه
أيضا أحمد والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور من هذا الوجه
لكن لم أر في النسخة التي وقفت عليها في أوله صحف إبراهيم
والبقية سواء
(3/57)
2735 - (أنزلوا الناس منازلهم) أي احفظوا
حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين
وعلم وشرف فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس
فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس والخطاب للأئمة أو عام
وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم وقال: هذا
مما أدب به المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته من إيفاء
الناس حقوقهم من تعظيم العلماء والأولياء وإكرام ذي الشيبة
وإجلال الكبير وما أشبهه
(م د عن عائشة) الصديقية وفيه أمران: الأول أنه يوهم أن
مسلما خرجه مسندا ولا كذلك بل ذكره في أول صحيحه تعليقا
فقال: وذكر عن [ص:58] عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. الثاني أنه يوهم أن
حديث أبي داود لا علة فيه وهو بخلافه بل هو منقطع فإنه
أوله من حديث ميمون بن أبي شبيب أن عائشة مر بها سائل
فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل
فقيل لها في ذلك فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: أنزلوا إلخ. قال النووي في رياضه: ميمون لم يدرك
عائشة قال وذكره الحاكم في علوم الحديث وذكر أنه صحيح
(3/57)
2736 - (أنزل) يا معاذ بن جبل (الناس
منازلهم) أي المنازل التي أنزلهم الله إياها (من) وفي
رواية في (الخير والشر) فإن الإكرام غذاء الآدمي والتارك
لتدبير الله تعالى في خلقه لا يستقيم حاله وقد دبر الله
تعالى الأحوال لعباده غنى وفقرا وعزا وذلا ورفعة وضعة
ليبلوكم أيكم أشكر فالعامل عن الله يعاشر أهل دنياه على ما
دبر الله لهم فإذا لم ينزله المنزلة التي أنزله الله ولم
يخالقه بخلق حسن فقد استهان به وجفاه وترك موافقة الله في
تدبيره فإذا سويت بين شريف ووضيع أو غني وفقير في مجلس أو
عطية كان ما أفسدت أكثر مما أصلحت فالغني إذا أقصيت مجلسه
أو أحقرت هديته يحقد عليك لما أن الله تعالى لم يعوده ذلك
وإذا عاملت الولاة بمعاملة الرعية فقد عرضت نفسك للبلاء
وقوله في الخير والشر يريد به أن من يستحق الهوان فلا يرفع
أنفع قال علي: من أنزل الناس منازلهم رفع المؤونة عن نفسه
ومن رفع أخاه فوق قدره فقد اجتر عداوته وقال زياد: انضم
مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري ومعنا رجل مزاح فكان
يقول لصاحب طعامنا جزاك الله خيرا وبرا فيغضب فقال: اقلبوه
له فإنا كنا نتحدث أن من لم يصلحه الخير يصلحه الشر فقال
له المزاح: جزاك الله شرا فضحك وقال: ما تدع مزاحك (وأحسن
أدبهم على الأخلاق الصالحة) أي تلطف في تعليمهم رياضة
النفس على التحلي بمحاسن الأخلاق والتخلي عن رذائلها قال
أبو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتحرك
بها الإنسان في فضيلة من الفضائل
(الخرائطي) في كتاب (مكارم الأخلاق عن معاذ) بن جبل
(3/58)
2737 - (أنشد الله) بفتح الهمزة وضم الشين
المعجمة والله بالنصب وفي رواية بالله (رجال أمتي) أي
أسألهم بالله وأقسم عليهم به (لا يدخلون الحمام إلا بمئزر)
يستر عورتهم عمن يحرم نظره إليها فإن كشف العورة بحضرته
حرام (وأنشد الله نساء أمتي أن لا يدخلن الحمام) أي مطلقا
لا بإزار ولا بغيره كما يدل عليه ما قبله فدخول الحمام لهن
مكروه تنزيها إلا لضرورة متأكدة كنفاس أو حيض وكان
الإغتسال في غيره يضرها قال ابن حجر: معنى أنشد أسأل رافعا
نشدتي أو صوتي
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة) وفي الباب غيره
أيضا
(3/58)
2738 - (انصر أخاك) في رواية أعن أخاك في
الدين (ظالما) بمنعه الظلم من تسمية الشيء بما يؤول إليه
وهو من وجيز البلاغة (أو مظلوما) بإعانته على ظالمه
وتخليصه منه (قيل) يعني قال أنس: (كيف أنصره ظالما) يا
رسول الله (قال: تحجزه عن الظلم) أي تمنعه منه وتحول بينه
وبينه (فإن ذلك) أي منعه منه (نصرة) له أي منعك إياه من
الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه الأمارة
بالسوء لأنه لو ترك على ظلمه جره إلى الاقتصاص منه فمنعه
من [ص:59] وجوب القود نصرة له وهذا من قبيل الحكم للشيء
وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة
(حم خ) في المظالم (ت) في الفتن (عن أنس) وروى مسلم معناه
عن جابر
(3/58)
2739 - (انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما)
قيل: كيف يا رسول الله ذلك؟ قال: (إن يك ظالما فاردده عن
ظلمه وإن يك مظلوما فانصره) وفي رواية للبخاري انصر أخاك
ظالما أو مظلوما. قالوا: هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره
ظالما فقال: تأخذ فوق يديه كنى عن كفه عن الظلم بالفعل إن
لم يكن بالقول وعبر بالفوقية إيماء إلى الأخذ بالاستعلاء
والقوة وفيه وفيما قبله إشعار بالحث على محافظة الصديق
والاهتمام بشأنه ومن ثم قيل حافظ على الصديق ولو على
الحريق. <فائدة> في المفاخر للضبي إن أول من قال انصر أخاك
ظالما أو مظلوما جندب بن العنبر وعنى به ظاهره وهو ما
اعتيد من حمية الجاهلية لا على ما فسره المصطفى صلى الله
عليه وسلم
(الدارمي) في مسنده (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن
عبد الله وفي الباب عائشة وغيرها
(3/59)
2740 - (انظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر
ومزيد التدبر والتأمل. قال الراغب: والنظر إجالة الخاطر
نحو المرئي لإدراك البصيرة إياه فللقلب عين كما أن للبدن
عينا (فإنك لست بخير من) أحد من الناس (أحمر) أي أبيض (ولا
أسود إلا أن تفضله بتقوى) أي تزيد عليه في وقاية النفس عما
يضرها في الآخرة ومراتبها ثلاثة: التوقي عن العذاب المخلد
ثم عن كل محرم ثم ما يشغل السر عن الحق تقدس
(حم عن أبي ذر) قال الهيثمي كالمنذري: رجاله ثقات إلا أن
بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر
(3/59)
2741 - (انظروا قريشا) قال الزمخشري: من
النظر الذي هو التأمل والتصفح (فخذوا من قولهم وذروا
فعلهم) أي اتركوا اتباعهم في أفعالهم فإنهم ذو الرأي
المصيب والحدس الذي لا يخطئ ولا يخيب لكنهم قد يفعلون ما
لا يسوغ شرعا فاحذروا متابعتهم فيه
(حم حب عن عامر بن شهر) بمعجمة الهمداني أبي الكنود بفتح
الكاف ثم نون صحابي نزل الكوفة وهو أحد عمال المصطفى صلى
الله عليه وسلم على اليمن وأول من اعترض على الأسود الكذاب
باليمن
(3/59)
2742 - (انظروا إلى من هو أسفل منكم) أي في
أمور الدنيا أي الأحق والأولى ذلك (ولا تنظروا إلى من هو
فوقكم) فيها (فهو أجدر) أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى
من هو فوق حقيق (أن لا تزروا) أي بأن لا تحتقروا (نعمة
الله عليكم) فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا
طمحت له نفسه واستصغر ما عنده من نعم الله وحرص على
الازدياد ليلحقه أو يقاربه وإذا نظر للدون شكر النعمة
وتواضع وحمد. قال الغزالي: وعجب للمرء كيف لا يساوي دنياه
بدينه أليس إذا لامته نفسه فارقها يعتذر إليها بأن في
الفساق كثرة فينظر أبدا في الدين إلى من هو دونه لا لمن
فوقه أفلا يكون في الدنيا كذلك. وقال الحكيم: لا يزال
الإنسان يترقى في درجات النظر علوا علوا كلما نال درجة سما
به حرصه إلى النظر إلى ما فوقها فإذا نظر إلى من دونه في
درجات الدين اعتراه العجب فأعجب بنفسه فطال بتلك الدرجة
على الخلق واستطال [ص:60] فرمى به من ذلك العلو فلا يبقى
منه عضو إلا انكسر وتبدد وكذا درجات الدنيا إذا رمى ببصره
إلى من دونه تكبر عليه فتاه على الله بكبره وتجبر على
عباده فخسر دينه وقد أخذ هذا الحديث محمود الوراق فقال:
لا تنظرن إلى ذوي ال. . . مؤثل والرياش
فتظل موصول النها. . . ر بحسرة قلق الفراش
وانظر إلى من كان مث. . . لك أو نظيرك في المعاش
تقنع بعيش كيف كا. . . ن وترض منه بانتعاش
(حم م ت) كلاهما في الزهد (عن أبي هريرة)
(3/59)
2743 - (انظرن) بهمزة وصل وضم المعجمة من
النظر بمعنى التفكر والتأمل والتدبر (من) استفهام
(إخوانكن) أي تأملن أيها النساء في شأن إخوانكن من الرضاع
أهو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه ضمن الرضاعة وقدر الارتضاع
فإن التحريم إنما يثبت إذا توفرت الشروط قاله لعائشة وقد
رأى عندها رجلا ذكرت أنه أخوها منه ثم علل الباعث على
إمعان النظر بقوله (فإنما) الفاء تعليلية لقوله انظرن
(الرضاعة) المحرمة للخلوة (من المجاعة) بفتح الميم الجوع
أي إنما الرضاعة المحرمة ما سد مجاعة الطفل من اللبن بأن
أغذاه وأنبت لحمه وقوى عظمه فلا يكفي بنحو مصتين ولا إن
كان بحيث لا يشبعه إلا الخبز كأن جاوز الحولين لأن المدار
على تقوية عظمه ولحمه من لبنها بحيث يصير كجزء منها وأدنى
ما يحصل ذلك خمس رضعات تامات في حال يكون اللبن فيه كافيا
للطفل مشبعا له لضعف معدته وإنما يكون ذلك فيما دون حولين
(حم ق د ن هـ عن عائشة) قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه
وسلم وعندي رجل فقال: يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من
الرضاعة فذكره
(3/60)
2744 - (انظري) أيتها المرأة التي هي ذات
بعل (أين أنت منه) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودة
مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة
لعشرته وإنعامه (فإنما هو) أي الزوج (جنتك ونارك) أي هو
سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك
فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله
للتي جاءت تسأله عن شيء فقال: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم
قال: كيف أنت منه؟ قالت: لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره
وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة
(ابن سعد) في الطبقات (طب عن عمة حصين) بضم الحاء وفتح
الصاد بضبط المؤلف (ابن محصن) بضم أوله وسكون ثانيه وكسر
الصاد المهملة قال حصين: حدثتني عمتي أنها ذكرت زوجها
للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره وصنيع المؤلف قاض بأنه لم
ير هذا في أحد الكتب الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل
لغيرها وهو عجيب فقد رواه النسائي من طريقين وعزاه له جمع
جم منهم الذهبي في الكبائر ولفظه: قالت عمة حصين وذكرت
زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: انظري أين أنت منه
فإنه جنتك ونارك أخرجه الذهبي من وجهين وفي الباب أحاديث
كثيرة هذا نصه بحروفه
(3/60)
2745 - (أنعم على نفسك) بالإنفاق عليها مما
آتاك الله من غير إسراف ولا تقتير (كما أنعم الله عليك) أي
ولا يحجزك عن ذلك خوف الفقر فإن الحرص لا يزيل الفقر كل
حريص فقير ولو ملك الدنيا وكل قانع غني وإن كان صفر اليدين
ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني بغنى سيده ففي
الإمساك خوف الفقر إباق العبد عن ربه
(ابن النجار) [ص:61] في التاريخ (عن والد أبي الأحوص) بحاء
وصاد مهملتين
(3/60)
2746 - (أنفق) بفتح الهمزة أمر بالإنفاق
(يا بلال ولا تخشى من ذي العرش) قيد للمنفي (إقلالا) فقرا
من قل بمعنى افتقر وهو في الأصل بمعنى صار ذا قلة وما أحسن
من ذي العرش في هذا المقام أي أتخاف أن يضيع مثلك من هو
مدبر الأمر من السماء إلى الأرض؟ كلا. قال الطيبي: الذي
يقتضيه مراعاة السجع أن يوقف على بلال وإقلال بغير ألف وإن
كتب بالألف ليزدوجا كما في قولهم آتيك بالغدايا والعشايا
وقوله ارجعن مأزورات غير مأجورات اه. وإنما أمره بذلك لأنه
تعالى وعد على الإنفاق خلفا في الدنيا وثوابا في العقبى
فمن أمسك عن الإنفاق خوف الفقر فكأنه لم يصدق الله ورسوله.
قال الطيبي: وما أحسن ذكر العرش في هذا المقام. قال
الغزالي: قال سفيان: ليس للشيطان سلاح كخوف الفقر فإذا قبل
ذلك منه أخذ بالباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه
ظن السوء وخرج الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري عن بلال
يرفعه يا بلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال: إذا رزقت
فلا تمنع قال: وكيف لي بذلك؟ قال: ذاك وإلا فالنار قال
المؤلف في مختصر الموضوعات: وهذه الأحاديث كانت في صدر
الإسلام حين كان الإدخار ممنوعا والضيافة واجبة ثم نسخ
الأمران وإنما يدخل الدخيل على كثير من الناس لعدم علمهم
بالنسخ
(البزار) في مسنده (عن بلال) المؤذن قال: دخل النبي صلى
الله عليه وسلم وعندي صبر من تمر فقال: فما هذا فقلت:
ادخرناه لشتائنا قال: أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم
أنفق إلخ قال الهيثمي: إسناده حسن (طب عن ابن مسعود) قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر فقال: ما
هذا قال: أعددته لأضيافك فذكره. قال الهيثمي: قال رواه
بإسنادين أحدهما حسن وفي الآخر قيس بن الربيع وفيه كلام
وبقية رجاله ثقات ورواه أيضا عن أبي هريرة وفيه مبارك بن
فضيلة وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى وأطلق الحافظ العراقي
أن الحديث ضعيف من جميع طرقه لكن قال تلميذه الحافظ ابن
حجر في زوائد البزار إسناد حديثه حسن
(3/61)
2747 - (أنفقي) أي تصدقي يا أسماء بنت أبي
بكر الصديق (ولا تحصي) لا تبقي شيئا للإدخار أو لا تعدي ما
أنفقتيه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك (فيحصي الله
عليك) أي يقلل رزقك بقطع البركة أو بحبس مادته أو
بالمحاسبة عليه في الآخرة وهو بالنصب جواب النهي (1)
والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العد ملزومه أو من الحصر
الذي هو المنع (ولا توعي) بعين مهملة أي لا تحفظي فضل مالك
في الوعاء وهو الظرف أو لا تجمعي شيئا في الوعاء وتدخريه
بخلا به (فيوعي الله عليك) أي يمنع عنك مزيد نعمته عبر عن
منع الله بالإيعاء ليشاكل قوله لا توعي فإسناد الإيعاء
إليه تعالى المشاكلة والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عدا
أو كيلا وكثيرا ما يراد بالإنفاق في كلام الشارع الأعم من
الزكاة والصدقة فيشمل جميع وجوه الإنفاق من المعارف
والحظوظ التي تكسب المعالي وتنجي من المهالك
(حم ق) في الزكاة (عن أسماء بنت أبي بكر) قالت: قلت: يا
رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير - أي زوجها -
أفأتصدق؟ فذكره
_________
(1) قوله: وهو بالنصب جواب النهي: الصحيح أنه منصوب بأن
مضمرة وجوبا بعد فاء السببية اه
(3/61)
2748 - (أنكحوا) أي أكثروا من الوطئ (فإني
مكاثر بكم) أي الأمم يوم القيامة كما يجيء في خبر آخر
(هـ عن أبي هريرة)
(3/61)
[ص:62] 2749 - (أنكحوا الأيامى) أي النساء
اللاتي بلا أزواج جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا
أم ثيبا كما في الصحاح (على ما تراضى به الأهلون) جمع أهل
وهم الأقارب والمراد هنا الأولياء (ولو قبضة) بفتح القاف
وتضم ملء اليد (من أراك) أي ولو كان الصداق الذي وقع عليه
التراضي شيئا قليلا جدا أي لكنه يتمول فإنه جائز صحيح وفيه
رد على الحنفية في إيجابهم أن لا ينقص عن عشرة دراهم
والأراك شجر معروف يستاك بقضبانه الواحدة أراكة أو شجرة
طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود ولها ثمر في
عناقيد يملأ العنقود الكف ولا تبعد إرادته هنا
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الرحمن
البيلماني عن أبيه ضعفوه انتهى وقال ابن حبان: يروى عن
أبيه نسخة كلها موضوعة وقال الدارقطني: أبوه ضعيف أيضا
(3/62)
2750 - (أنكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي
بكم الأمم يوم القيامة) يحتمل أن المراد بأمهات الأولاد
النساء التي يلدن فهو حث على نكاح الولود وأن المراد
السراري جمع سرية نسبة إلى السر وهو الجماع والإخفاء لأن
المرء كثيرا ما يسر بها ويسترها عن حرمه وضمت سينه لأن
الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في السنة للدهر
دهري وجعلها الأخفش من السرور لأنه يسر بها
(حم) وكذا أبو يعلى (عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي:
وفيه يحيى بن عبد الله المغافري وقد وثق وفيه ضعف
(3/62)
2751 - (أنهاكم عن كل مسكر) أي عن كل شيء
من شأنه الإسكار (أسكر عن الصلاة) أي أزال كثرة العقل عن
التمييز حتى صد عن أداء الصلاة كما أشير إليه بقوله تعالى
{ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} سواء
اتخذ ذلك من العنب أم من غيره. قال النووي: هذا صريح في أن
كل مسكر حرام وإن كان من غير العنب. وقال القرطبي: هذا حجة
على من يعلق التحريم على وجود الإسكار والشارب من غير
اعتبار وصف المشروب وهم الحنفية واتفق أصحابنا على تسمية
جميع الأنبذة خمرا لكن قال أكثرهم هو مجاز وحقيقة الخمر
عصير العنب وقال جمع: حقيقة فيهما. وقال ابن السمعاني:
قياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من جلي
الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي توجد في الخمر توجد في
النبيذ ومن ذلك أن علة الإسكار في الخمر كون قليله يدعو
إلى كثيره وذلك موجود في النبيذ فالنبيذ عند عدم الخمر
يقوم مقامه لحصول الفرح والطرب بكل منهما وإن كان النبيذ
أغلظ والخمر أرق وأصفى لكن الطبع يحتمل ذلك في النبيذ
لحصول السكر كما يحتمل المرارة في الخمر لطلب السكر قال:
وبالجملة فالنصوص المحرمة بتحريم كل مسكر وإن قل مغنية عن
القياس
(م عن أبي موسى) الأشعري قال: استفتي النبي صلى الله عليه
وسلم في البتع بكسر فسكون نبيذ العسل والمزن نبيذ الشعير
حتى ينبذ أي حتى يشتد فذكره
(3/62)
2752 - (أنهاكم عن الكي) نهي تنزيه كما
يعرف من أخبار أخرى وفي غير حالة الضرورة وعدم قيام غيره
مقامه وقيل إنما نهى عنه لأنهم كانوا يعظمونه ويرون أنه
يبرئ ولا بد أو أنه ينهى عنه قبل نزول الداء وعن استعماله
على العموم فإن له داء مخصوصا ومحلا مخصوصا وفي مسلم عن
عمران أنه كان يسلم عليه الملائكة فلما اكتوى تركت السلام
فلما تركه يعني تاب عاد السلام عليه (وأكره الحميم) أي
الماء الحار أي استعماله في نحو الشرب والطهارة لكن المراد
إذا كانت شديدة [ص:63] الحرارة لضرره ولمنعه الإساغة
والكراهة حينئذ شرعية بل إن تحقق الضرر كان النهي للتحريم
(ابن قانع) في معجم الصحابة (عن سعد الظفري) بفتح الظاء
المعجمة والفاء وآخره راء نسبة إلى ظفر بطن من الأنصار قال
الذهبي: الأصح أنه سعد بن النعمان بدري
(3/62)
2753 - (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره)
سواء كان من عصير العنب أو من غيره فالقطرة من المسكر حرام
وإن انتفى تأثيرها فبين بهذا أن كل ما كانت فيه صلاحية
الإسكار حرم تناوله وإن لم يسكر متناوله بما تناوله لقلته
كقطرة واحدة
(ن عن سعد) بن أبي وقاص قال الزين العراقي: قال البيهقي في
الخلافيات: رواته ثقات ورواه عنه أيضا ابن حبان والطحاوي
واعترف بصحته
(3/63)
2754 - (أنهاكم عن صيام يومين) أي يوم عيد
(الفطر و) يوم عيد (الأضحى) فصومهما حرام ولا ينعقد
ومثلهما أيام التشريق لأنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى
(ع عن أبي سعيد) الخدري
(3/63)
2755 - (أنهاكم عن الزور) وفي رواية من قول
الزور أي الكذب والبهتان لتماديه في القبح والسماجه في
جميع الأديان أو شهادة الزور ويؤيده أنه جاء في رواية كذلك
أو هو كقولهم هذا حلال وهذا حرام وقولهم في التلبية لبيك
لا شريك لك إلا شريك تملكه وما ملك والمراد اجتنبوا
الانحراف عن سنن الشريعة لأن الزور من الإزورار وهو
الانحراف فيرجع إلى الأمر بالاستقامة فكأنه قال استقم كما
أمرت
(طب عن معاوية) بن أبي سفيان
(3/63)
2756 - (أنهر) وفي رواية أمر وأخرى أمرر
(الدم) أي أسله (بما شئت) أي أزهق نفس البهيمة بكل ما أسال
الدم غير السن والظفر ذكره الزمخشري شبه خروج الدم من محل
الذبح بجري الماء في النهر (واذكر اسم الله عليه) تمسك به
من شرط التسمية عند الذبح وحمله الشافعية على الندب لخبر
إن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا
ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال: سموا أنتم وكلوا
(ن) في الصيد والذبائح (عن عدي بن حاتم) قلت: يا رسول الله
أرسل كلبي فيأخذ الصيد ولا أجد ما أذكيه به أفأذكيه
بالمروة أي وهي حجر أبيض والعصا فذكره وظاهر صنيع المؤلف
أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه بل خرجه أيضا
عن عدي أبو داود وابن ماجه. قال ابن حجر: ورواه أيضا
الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرمى عن قطري
عن عدي انتهى
(3/63)
2757 - (أنهشوا اللحم) أزيلوه عن العظم
بالفم ولا تحزوه بالسكين قالوا: ونهش اللحم أخذه بمقدم
الأسنان قال ابن العربي: وإذا فعل غير ذلك لا يرده في
القصعة وليحبسه بيده وليضعه أمامه (نهشا) بشين معجمة بخطه
وقال الحافظ العراقي: بسين مهملة ولعلهما روايتان وهما
بمعنى عند الأصمعي وبه جزم الجوهري. قال الزين العراقي:
والأمر للإرشاد بدليل تعليله بقوله (فإنه أشهى وأهنأ
وأمرأ) وفي رواية وأبرأ أي من السوء ونهش اللحم أخذه بمقدم
الأسنان يقال هنؤ الطعام يهنو فهو هني ومرؤ فهو مري أي صار
كذلك وهنأ في الطعام ومرأ من حد ضرب أي ساغ لي فإذا أفردوا
قالوا: أمرأني بالألف وفي الكشاف: الهني والمري صفتان من
هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا ما ينقبض. قيل: الهني ما
يلذ به الآكل والمري ما تحمد عاقبته وقيل: هو ما ينساغ في
مجراه. قال العراقي: ولم يثبت النهي [ص:64] عن قطع اللحم
بالسكين بل ثبت الحز من الكتف فيختلف باختلاف اللحم كما لو
عسر نهشه بالسن فيقطع بالسكين وكذا لو لم يحضر سكين وكذا
يختلف بحسب العجلة والتأني
(حم ت ك عن صفوان بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشد
المثناة تحت. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد
الكريم انتهى وتعقبه مغلطاي بأنه في كتاب الأطعمة لأبي
عاصم من حديث الفضل بن عباس قال: كنا في وليمة فسمعت صفوان
يقول فذكره قال أعني مغلطاي: وفيه شيء آخر وهو أن حديث أبي
عاصم متصل وحديث الترمذي منقطع فيما بين عثمان بن أبي
سليمان وصفوان اه وجزم الحافظ العراقي بضعف سنده
(3/63)
2758 - (أنهكوا الشوارب) أي استقصوا قصها
والإنهاك الاستقصاء (وأعفوا اللحى) أي اتركوها فلا تأخذوا
منها شيئا
(خ عن ابن عمر) بن الخطاب وظاهره أن ذا مما تفرد به
البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه الديلمي وغيره
إلى مسلم من حديث عبد الله بن عمر
(3/64)
2759 - (اهتبلوا) أي اغتنموا الفرصة قال
الزمخشري: من المجاز هو مهتبل عزته وسمعت كلمة فاهتبلتها
اغتنمتها وافترصتها انتهى ومنه أخذ في النهاية قول اهتبل
كذا اغتنمه (العفو عن عثرات ذوي المروءات) أي أصحاب
المروءات فإن العفو عنهم فيها مندوب ندبا مؤكدا والخطاب
للأئمة أو أعم وقد سبق هذا موضحا
(أبو بكر المرزبان) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح
الباء الموحدة نسبة إلى جده وهو محمد بن عمران بغدادي صاحب
أخبار وتصانيف (في كتاب المروءة عن عمر) بن الخطاب
(3/64)
2760 - (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ)
أي تحرك فرحا وسرورا بنقلته من دار الفناء إلى دار البقاء
لأن أرواح الشهداء مستقرها تحت العرش تأوي إلى قناديل هناك
كما في خبر وإذا كان العبد ممن يفرح خالق العرش بلقائه
فالعرش يدق في جنب خالقه أو اهتز استعظاما لتلك الوقعة
التي أصيب فيها أو اهتز حملته فرحا به فأقيم العرش مقام
حامليه وقوله عرش الرحمن نص صريح يبطل قول من ذهب إلى أن
المراد بالعرش السرير الذي حمل عليه قال ابن القيم: كان
سعد في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين لا تأخذه في
الله لومة لائم وختم له بالشهادة وآثر رضا الله ورسوله على
رضا قومه وحلفائه ووافق حكمه حكم الله من فوق سبع سماوات
ونعاه جبريل عليه السلام يوم موته فحق له أن يهتز العرش له
(حم م عن أنس) بن مالك (حم ق ت هـ عن جابر) قال المصنف:
وهذا متواتر
(3/64)
2761 - (أهل البدع) أي أصحابها جمع بدعة ما
خالف الكتاب والسنة مجملا أو مفصلا (شر الخلق) مصدر بمعنى
المخلوق (والخليقة) بمعناه فذكره للتأكيد أو أراد بالخلق
من خلق وبالخليقة من سيخلق أو الخلق الناس والخليقة
البهائم وإنما كانوا شر الخلق لأنهم أبطنوا الكفر وزعموا
أنهم أعرف الناس بالإيمان وأشدهم تمسكا بالقرآن فضلوا
وأضلوا ذكره الطيبي وهذا مستمد من قوله تعالى {قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} و {أن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} الآية. قال مجاهد: السبل البدع
وسبق أن الكلام في بدعة تخالف أصول الشرع وإلا كوضع
المذاهب وتدوينها وتصنيف العلوم وتقرير القواعد وكثرة
التفريع وفرض ما لم يقع وبيان حكمه وتفسير القرآن [ص:65]
والسنة واستخراج علوم الأدب وتتبع كلام العرب فمندوب محبوب
وأهله ليسوا بشر الخليقة بل خيرها
(حل) من حديث محمد بن عبد الله بن عمار عن المعافى بن
عمران عن الأوزاعي عن قتادة (عن أنس) ثم قال: تفرد به
المعافى عن الأوزاعي بهذا اللفظ
(3/64)
2762 - (أهل الجنة عشرون ومئة صف ثمانون
منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) لا يعارضه خبر
ابن مسعود أنتم شطر أهل الجنة وفي رواية نصفهم لأن المصطفى
صلى الله عليه وسلم رجا أولا أن يكونوا نصفا فأعطاه الله
رجاءه ثم زاده
(حم ت) في صفة الجنة (هـ حب ك) في الإيمان (عن بريدة) بن
الحصيب وقال الحاكم: على شرطهما وقال الترمذي: حسن ولم
يبين لم لا يصح. قيل: لأنه روي مرسلا ومتصلا قال في
المنار: ولا ينبغي أن يعد ذلك مانعا لصحته (طب عن ابن
عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن شريك الدمشقي وهو ضعيف
ووثق (وعن ابن مسعود) قال: قال لنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم: كيف وأنتم ربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر
الناس ثلاثة أرباعها فقلنا: الله ورسوله أعلم فقال: كيف
أنتم وثلثها قالوا: فذلك أكثر ثم ذكره قال الهيثمي: رجاله
رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة (وعن أبي موسى) الأشعري
قال الهيثمي: وفيه القاسم بن حصن وهو ضعيف وأعاده مرة أخرى
ثم قال: فيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف جدا وفي اللسان
كالميزان هذا حديث منكر
(3/65)
2763 - (أهل الجنة جرد مرد) أي لا شعر على
أبدانهم ولا لحالهم قيل إلا هارون أخا موسى عليه الصلاة
والسلام فإن لحيه إلى سرته تخصيصا له وتفضيلا في ترجمة
الأسعد وسئل عن ذلك فقال:
وما في جنان الخلد ذو لحية يرى. . . سوى آدم فيما روينا في
الأثر
وما جاء في هارون فالذهبي قد. . . رأى ذاك موضوعا فكن صيقل
الفكر
حكاه الغزالي وفي رواية ذكرها في لسان الميزان إلا موسى
فلحيته إلى سرته (كحل) أي على أجفانهم سواد خلقي (لا يفنى
شبابهم ولا تبلى ثيابهم) قيل: أراد أن الثياب المعينة لا
يلحقها البلى ويحتمل إرادة الجنس بل لا تزال عليهم الثياب
الجدد كما أنها لا تنقطع أكلها من حينه بل كل مأكول يخلفه
مأكول آخر وكل ثمرة قطعت خلفتها أخرى وهكذا لا يقال
الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية متعرضة للاستحالات
المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في
الجنان لأنا نقول إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها
الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلا متفاوتة في الكيف متساوية
في القوة لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر متعانقة
متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض على أن قياس ذلك العالم
وأحواله على ما نجده ونشاهده نقص عقل وضعف بصيرة
(ت) في صفة الجنة (عن أبي هريرة) وقال حسن غريب اه وفيه
معاذ بن هشام حديثه في الكتب الستة قال ابن معين: صدوق
وليس بحجة
(3/65)
2764 - (أهل الجنة من ملأ الله تعالى أذنيه
من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ الله أذنيه
من ثناء الناس شرا وهو يسمع) في البحر يحتمل أن معناه من
ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا عمله ومن ملأ من ثناء الناس
[ص:66] شرا عمله فكأنه قال: أهل الجنة من لا يزال يعمل
الخير حتى ينتشر عنه فيثنى عليه بذلك وفي الشر كذلك ومعنى
قوله أهل الجنة أي الذين يدخلونها ولا يدخلون النار ومعنى
أهل النار أي الذين استحقوها لسوء أعمالهم سموا بدخولها
أهل النار لكنهم سيدخلون الجنة إذا صحبهم إيمان ويكون أهل
النار بمعنى الذين استحقوها بعظائم وأفعال السوء ثم يخرجون
بشفاعته ويجوز أن يرحم منهم من يشاء ولا يعذبه اه. فإن
قلت: ما فائدة قوله وهو يسمع بعد قوله ملأ الله أذنيه؟
قلت: قد يقال فائدته الإيمان إلى أن ما اتصف به من الخير
والشر بلغ من الاشتهار مبلغا عظيما بحيث صار لا يتوجه إلى
محل ويجلس بمكان إلا ويسمع الناس يصفونه بذلك فلم تمتلئ
أذنيه من سماعه ذلك بالواسطة والإبلاغ بل بالسماع المستفيض
المتواتر واستعمال الثناء في الذكر الجميل أكثر من القبيح
كما في المصباح وجعله ابن عبد السلام حقيقة في الخير مجازا
في الشر
(هـ عن ابن عباس) وفيه أبو الجوزاء قال الذهبي: قال
البخاري فيه نظر
(3/65)
2765 - (أهل الجور) أي الظلم (وأعوانهم في
النار) لأن الداعي إلى الجور الطيش والخفة والأشر والبطر
الناشئ عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان فجوزوا من
جنس مرتكبهم
(ك) في الأحكام (عن حذيفة) وصححه وتعقبه الذهبي فقال: بل
منكر
(3/66)
2766 - (أهل الشام سوط الله تعالى في
الأرض) يعني هم عذابه الشديد يصبه على من يشاء من العبيد
قال الزمخشري: من المجاز {صب عليهم ربك سوط عذاب} أي فلما
علم أن الضرب بالسوط أشد ألما من غيره عبر به (ينتقم بهم
ممن يشاء من عباده) أي يعاقبه بهم قال في الصحاح: انتقم
الله منه عاقبه (وحرام على منافقيهم أن يظهروا على
مؤمنيهم) أي يمتنع عليهم ذلك (وأن يموتوا إلا هما) أي قلقا
(وغيظا) أي غضبا شديدا. قال في المصباح: الغيظ الغضب
المحيط بالكبد وهو أشد الغضب (وغما) أي كربا ووهنا (وحزنا)
في إشعاره إيذان بأن أهل الشام قد رزقوا حظا في سيوفهم
وشاهده ما رواه الخطيب في التاريخ أن عمر كتب إلى كعب
الأحبار: اختر لي المنازل فكتب إليه: بلغنا أن الأشياء
اجتمعت فقال: السخاء أريد اليمن فقال: حسن الخلق أنا معك
وقال: الجفاء أريد الحجاز فقال: الفقر وأنا معك وقال:
البأس أريد الشام فقال السيف وأنا معك وقال: العلم أريد
العراق فقال: العقل وأنا معك وقال: الغنى أريد مصر فقال:
الذل وأنا معك فاختر لنفسك
(حم ع طب والضياء) المقدسي (عن خريم) بضم الخاء المعجمة
وفتح الراء (بن فاتك) بفتح الفاء وكسر المثناة التحتية
الأسدي الصحابي قال ابن أبي حاتم: بدري له صحبة وقال
الهيثمي: رواه أحمد والطبراني موقوفا على خريم ورجالهما
ثقات
(3/66)
2767 - (أهل القرآن) أي حفظته الملازمون
لتلاوته العاملون بأحكامه في الدنيا وقيل أهله من بحث على
أسراره ومعانيه (عرفاء أهل الجنة) الذين ليسوا بقرء أي هم
زعماؤهم وقادتهم وفيه أن في الجنة أئمة وعرفاء فالأئمة
الأنبياء فهم إمام القوم وعرفاءهم القراء والعريف من تحت
يد الإمام فله شعبة من السلطان فالعرافة هناك لأهل القرآن
الذين عرفوا بتلاوته وعملوا به
(الحكيم) الترمذي (عن أبي أمامة الباهلي)
(3/66)
[ص:67] 2768 - (أهل القرآن هم أهل الله
وخاصته) أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله
المختصون به اختصاص أهل الإنسان به سموا بذلك تعظيما لهم
كما يقال بيت الله. قال الحكيم: وإنما يكون هذا في قارئ
انتفى عنه جور قلبه وذهب جناية نفسه فأمنه القرآن فارتفع
في صدره وتكشف له عن زينته ومهابته فمثله كعروس مزين مد
يده إليها دنس متلوث متلطخ بالقذر فهي تعافه وتتقذره فإذا
تطهر وتزين وتطيب فقد أدى حقها وأقبلت إليه بوجهها فصار من
أهلها فكذا القرآن فليس من أهله إلا من تطهر من الذنوب
ظاهرا وباطنا وتزين بالطاعة كذلك فعندها يكون من أهل الله
وحرام على من ليس بهذه الصفة أن يكون من الخواص وكيف ينال
هذه الرتبة العظمى عبد أبق من مولاه واتخذ إلهه هواه؟
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
(أبو القاسم بن حيدر في مشيخته عن علي) أمير المؤمنين
وظاهره أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما أبعد
النجعة وهو ذهول عجيب فقد خرجه النسائي في الكبرى وابن
ماجه وكذا الإمام أحمد والحاكم من حديث أنس قال الحافظ
العراقي: بإسناد حسن والعجب أن المصنف نفسه عزاه لابن ماجه
وأحمد في الدرر عن أنس المذكور باللفظ المزبور
(3/67)
2769 - (أهل النار كل جعظري) أي فظ غليظ
متكبر أو جسم عظيم أكول (جواظ) أي جموع منوع أو ضخم مختال
في مشيته أو صياح مهدر (مستكبر) أي متعاظم مرتفع تيها
وعجبا {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}
(وأهل الجنة الضعفاء) أي هم المتواضعون الخاضعون ضد
المتكبرين الأشرين فهم الضعفاء عن حمل التكبر وأدنى الناس
بمال أو جاه أو قوة بدن وعن المعاصي (المغلبون) بشد اللام
المفتوحة أي الذين كثيرا ما يغلبون والمغلب الذي يغلب
كثيرا وهؤلاء هم أتباع الرسل في هذه الأخلاق وغيرها
(ابن قانع) في المعجم (ك) في التفسير (عن سراقة) بضم
المهملة وخفة الراء وبالقاف (ابن مالك) ابن جعثم بضم الجيم
وسكون المهملة الكناني بنونين المدلجي أبو سفيان أسلم بعد
الطائف قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي
(3/67)
2770 - (أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة
وأسمع طاعة) في رواية للطبراني بدله وأنجع طاعة يقال نجع
له بحق إذا أقر به وبالغ فيه والرقة ضد الغلظة والجفوة
واللين ضد القسوة فاستعيرت في أحوال القلب فإذا تباعد عن
الحق وأعرض عن قبوله وأعرض عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة
فكان شغافه صفيقا لا ينفذ فيه الحق وجرمه طبا لا يؤثر فيه
الحق وإذا انعكس ذلك يوصف بالرقة واللين فكان حجابه رقيقا
لا يأباه نفوذ الحق وجوهره يتأثر عن النصح والفؤاد والقلب
وإن كان واحدا على ما عليه الأكثر لكن الخبر ينبئ عن
التمييز بينهما وهو أن الفؤاد سمي به لنفوذه والقلب سمي
قلبا لكثرة تقلبه فكأنه أراد بالأفئدة ما يظهر منها
للأبصار وبالقلوب ما يظهر منها للبصائر
(طب عن عقبة ابن عامر) الجهني قال الهيثمي: وإسناده حسن
وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني وهو عجب
فقد رواه من هذا الوجه بهذا اللفظ أحمد في المسند
(3/67)
2771 - (أهل شغل الله) بفتح الشين وسكون
الغين وبفتحتين (في الدنيا هم أهل شغل الله في الآخرة وأهل
شغل أنفسهم [ص:68] في الدنيا هم أهل شغل أنفسهم في الآخرة)
لأن الآخرة أعواض وثواب مرتب على ما كان في النشأة الأولى
قال ابن عطاء الله: الدار الدنيوية بيت العمل وأساس الخير
لأهل التوفيق والشر لغيرهم لأن فيها ما ليس في الدار
الآخرة وهو كسب الأعمال وكل سر لم يظهر في الدنيا لم يظهر
في الآخرة {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فمن
كان مخلصا في شغله بالعمل في الدنيا كانت دنياه آخرته ومن
اشتغل بلذة نفسه وآثر الحياة الدنيا على الآخرة {فإن
الجحيم هي المأوى}
(قط في الأفراد فر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف
(3/67)
2772 - (أهون أهل النار عذابا) أي أيسرهم
وأدونهم فيه (يوم القيامة رجل) لفظ رواية مسلم لرجل أي هو
أبو طالب كما يجيء (يوضع في أخمص قدميه جمرتان) تثنية جمرة
وهي القطعة من النار الملتهبة (يغلي منهما دماغه) وفي
رواية للبخاري يغلي منهما أم دماغه قال الداودي: المراد أم
رأسه وأطلق على الرأس أم الدماغ من تسمية الشيء مما يجاوره
وفي رواية ابن إسحاق يغلي منه دماغه حتى يسيل على قدميه
وحكمة انتعاله بهما أنه كان مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بجملته لكنه كان مثبتا لقدميه على ملة عبد المطلب حتى قال
عند الموت هو على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه
فقط لتثبيته إياهما على ملة آبائه الضالين قال الغزالي:
انظر إلى من خفف عليه واعتبر به فكيف من شدد عليه؟ ومهما
شككت في شدة عذاب النار فقرب أصبعك منها وقس ذلك به انتهى
وتمسك به من ذهب إلى أن الحسنات تخفف عن الكافر وقال
البيهقي: ولمن ذهب لمقابله أن يقول خبر أبي طالب خاص
والتخفيف عنه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا
لقلبه وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب فإن حسناته أحبطت
بموته كافرا
(م عن النعمان بن بشير) الأنصاري لكن لفظ رواية مسلم من
حديث النعمان إن أهون وإنما قال أهون في حديث ابن عباس
الآتي فهذا مما لم يحرر المؤلف فيه التخريج
(3/68)
2773 - (أهون أهل النار عذابا أبو طالب) عم
المصطفى صلى الله عليه وسلم (وهو منتعل بنعلين من نار يغلي
منهما دماغه) هذا وما قبله يؤذن بموته على الكفر وهو الحق
ويزعم بعض الناس أنه أسلم قال الزمخشري: يا سبحان الله
أكان أبو طالب أخمل أعمامه حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس
ويخفى إسلامه؟ انتهى وأما ما رواه تمام في فوائده من حديث
ابن عمر إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي وأخ لي
كان في الجاهلية فتناوله المحب الطبري في حق عمه على أنها
شفاعة في التخفيف كما في مسلم قال ابن حجر: ووقفت على جزء
جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة
على إسلام أبي طالب ولا يثبت منها شيء وروى أبو داود
والنسائي وابن خزيمة عن علي قال: لما مات أبو طالب قلت: يا
رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: اذهب فواره قال:
إنه مات مشركا قال: اذهب فواره وفيه أن عذاب الكفار متفاوت
وأن الكافر قد ينفعه عمله الصالح في الآخرة. قال ابن حجر:
لكنه مخالف للقرآن قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل
فجعلناه هباء منثورا} وأجيب باحتمال أن هذا من خصائص
المصطفى صلى الله عليه وسلم وبأن منع التخفيف إنما يتعلق
بذنب الكفر لا غيره وبذلك يحصل التوفيق بين هذا [ص:69]
الحديث وما أشبهه وبين قوله تعالى {لا يخفف عنهم العذاب}
(حم م عن ابن عباس) وفي الباب أبو سعيد وجابر وغيرهما
(3/68)
2774 - (أهون الربا) بموحدة تحتية (كالذي
ينكح) أي يطأ (أمه) في عظم الجرم وفظاعة الإثم (إن أربى
الربا) أشده وأعظمه (استطالة المرء في عرض أخيه) في
الإسلام أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وذكره بما
يؤذيه أو يكرهه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في كتاب (التوبيخ عن أبي هريرة)
(3/69)
2775 - (أوتروا) من الوتر بفتح أوله وبكسر
والفتح لغة أهل الحجاز الفرد أي صلوا صلاة الوتر (قبل أن
تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح يعني في أية ساعة من الليل
فيما بين صلاة العشاء والفجر ولا يختص بوقت من الليل فإذا
طلع الفجر خرج وقته وفيه إيماء إلى أن تأخيره أفضل أي لمن
وثق باليقظة
(حم م ت هـ عن أبي سعيد) قال: سألوا النبي صلى الله عليه
وسلم عن الوتر فذكره الحاكم واستدركه فوهم
(3/69)
2776 - (أوتيت) بالبناء للمجهول (مفاتيح)
وفي رواية مفاتح (كل شيء إلا الخمس) المذكورة في قوله
تعالى ( {إن الله عنده علم الساعة} الآية) بكمالها ومنه
أخذ أنه ينبغي للمفتي والعالم إذا سئل عن ما لم يعلم أن
يقول لا أعلم ولا ينقصه ذلك بل هو آية ورعه وتقواه ووفور
علمه ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: وأبرد ما علي كبدي إذا
سئلت عما لا أعلم أن أقول لا أعلم
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب
(3/69)
2777 - (أوتي موسى الألواح وأوتيت المثاني)
أي السور التي تقصر عن المئين فتزيد على المفصل كأن المئين
جعلت مبادي والتي تليها مثاني
(أبو سعيد النقاش) بفتح النون وشد القاف وبعد الألف شين
معجمة نسبة لمن ينقش السقوف وغيرها بغدادي في حديثه مناكير
(في فوائد العراقيين) أي في جزئه الحديثي الذي جمعه في ذلك
(عن ابن عباس)
(3/69)
2778 - (أوثق عرى الإيمان) أي أقواها أو
أثبتها وأحكمها جمع عروة وهي في الأصل ما يعلق به نحو دلو
أو كوز فاستعير لما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من
شعب الإيمان وقال الحرالي: العروة ما يشد به العباءة
ونحوها يتداخل بعضها في بعض دخولا لا ينفصم بعضه من بعض
إلا بفصم طرفه فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه وقال
الزمخشري: هذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد
المحسوس حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فبحكم
اعتقاده والتيقن به (الموالاة) أي التحابب والمعاونة (في
الله) أي فيما يرضيه (والمعاداة في الله) أي فيما يبغضه
ويكرهه (والحب في الله والبغض في الله عز وجل) قال مجاهد:
عن ابن عمر فإنك لا تنال الولاية إلا بذلك ولا تجد طعم
الإيمان حتى تكون كذلك اه. ومن البغض في الله بغض كثير ممن
ينسب نفسه للعلم في زمننا لما أشرق عليهم من مظاهر النفاق
وبغضهم [ص:70] لأهل الخير فيتعين على من سلم قلبه من المرض
أن يبغضهم في الله لما هم عليه من التكبر والغلظة والأذى
للناس قال الشافعي: عاشر الكرام تعش كريما ولا تعاشر
اللئام فتنسب إلى اللؤم ومن ثم قيل مخالطة الأشرار خطر
ومبالغة في الغرر كراكب بحر إن سلم من التلف لم يسلم قلبه
من الحذر
(طب عن ابن عباس) وفي الباب عن البراء أيضا كما خرجه
الطيالسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدرون أي
عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة؟ قال: الصلاة حسنة وليست
بذلك قلنا: الصيام؟ قال: مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال:
مثل ذلك ثم ذكره
(3/69)
2779 - (أوجب) فعل ماض أي عمل الداعي عملا
وجبت له به الجنة أو فعل ما يجب به الجنة والأول لابن حجر
والثاني للمؤلف (إن ختم) دعاءه (بآمين) أي يقول آمين فذلك
الفعل مما يوجب الجنة ويبعده من النار ويحتمل أن المراد أن
إعطاءه المسؤول صار واجبا بذلك
(د عن أبي زهير النميري) بضم النون وفتح الميم وسكون
المثناة نسبة إلى نمير بن عامر بن صعصعة قال: ألح رجل في
المسألة فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه فذكره
(3/70)
2780 - (أوحى الله تعالى إلى نبي من
الأنبياء) أي أعلمه بواسطة الملك جبريل أو غيره والوحي لغة
إعلام في خفاء وسرعة وشرعا إعلام الله نبيه بما شاء (أن قل
لفلان العابد) الملازم لعبادتي (أما زهدك في الدنيا فتعجلت
به راحة نفسك) الزاهد في الدنيا المنقطع للتعبد إذ الزهد
فيها يريح القلب والبدن كما قال الشافعي رضي الله تعالى
عنه:
أمت مطامعي فأرحت نفسي. . . فإن النفس ما طمعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتا. . . وفي إحيائه عرضي مصون
والراحة زوال المشقة والتعب كما في المصباح وغيره (وأما
انقطاعك لي) أي لأجل عبادتي (فتعززت بي) أي صرت بي عزيزا
(فماذا عملت فيما لي عليك قال: يا رب وماذا لك علي قال) أي
الله لنبيه قل له (هل عاديت في عدوا أو واليت في وليا) زاد
الحكيم في روايته وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوال في ولم
يعاد في اه. فذلك العابد ظن أنه بزهده في الدنيا وانقطاعه
عن أهلها قد بلغ الغاية وارتقى النهاية فأعلمه الله بأن
ذلك مشوب بحظوظ نفسانية وأن ترك بعض ما لا يزن كله عند
الله جناح بعوضة ليس بكبير أمر بالنسبة لأولئك الكمل وإنما
الذي عليه التعويل التصلب في مباراة أعداء الله ومباعدتهم
ومعاداتهم {أولئك حزب الشيطان} فلا تجد شيئا أدخل في
الإخلاص من مولاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله بل هو
الإخلاص بعينه فإذا أحببت الأشياء من أجله وعاديت الأشياء
من أجله فقد أحببته بل ليس معنى حبنا له غير ذلك ذكره
العارف ابن عربي وغيره وعلم منه أن الحب في الله والبغض في
الله مرتبة من وراء مقام الزهد أعلى منه وأن من زهد في
الدنيا لينال نعيم الآخرة ليس بزاهد كامل لأنه تعوض باق عن
فان وقد انتقل من رغبة فيما سوى الله إلى رغبة فيما سواه
أعلى منها وذلك كله من جملة معاملة الأكوان فلم تخلص
معاملته لله وإنما تخلص إذا زهد في مقام الزهد بمعنى أنه
لم ير له ملكا لشيء في الدارين حتى يزهد فيه كما قال
بعضهم:
ترحل عن مقام الزهد قلبي. . . فأنت الحق وحدك في شهودي
أأزهد في سواك وليس شيء. . . أراه سواك يا سر الوجودي
[ص:71] (حل خط) في ترجمة محمد بن الورد الزاهد (عن ابن
مسعود) وفيه علي بن عبد الحميد قال الذهبي: مجهول وخلف بن
خليفة أورده في الضعفاء وقال ثقة كذبه ابن معين
(3/70)
2781 - (أوحى الله تعالى إلى ابراهيم: يا
خليلي) أي يا صديقي فيا له من خطاب ما أشرفه (حسن خلقك)
بضم اللام مع سائر الأنام (ولو مع الكفار) فإنك إن فعلت
ذلك (تدخل مداخل الأبرار) أي الصادقين الأتقياء الذين
أحسنوا طاعة مولاهم تحروا محابه وتوقوا مكارهه (فإن كلمتي
سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي) أي في ظل عرشي يوم لا
ظل إلا ظله (وأن أسكنه حظيرة قدسي) أي جنتي وأصل الحظيرة
موضع يحاط عليه لتأوي إليه الإبل والغنم يقيها نحو برد
وريح وأن أدنيه من جواري بكسر الجيم وضمها والكسر أفصح أي
أقربه مني يقال جاوره مجاورة وجوارا إذا لاصقه في المسكن
وقد امتثل هذا السيد الجليل أمر ربه فبلغ من حسن الخلق
وكمال الدربة ما لم يبلغه أحد سواه إلا ما كان من ولده
نبينا انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطا
فيه من الخطأ العظيم والزيغ الشنيع الذي عصى أمر العقل
وانسلخ من قضية التمييز والغباوة التي لبس بعدها شيء كيف
رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه في أرشف مساق مع
استعماله الملاطفة والمجاملة والرفق واللين والأدب الجميل
وكمال حسن الخلق منتصحا في ذلك بنصيحة ربه مسترشدا بإرشاده
<تنبيه> قال الراغب: التخلق والتشبيه بالأفاضل ضربان محمود
وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدرب على الوجه الذي
ينبغي وبالمقدار الذي ينبغي ومذموم وهو ما كان رياء وتصنعا
ويتحراه فاعله ليذكر به ويسمى تصنعا وتشيعا ولا ينفك صاحبه
من اضطراب يدل على تشيعه. <فائدة> قال العارف ابن عربي:
ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق مؤمنهم
وكافرهم طائعهم وعاصيهم وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم
فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة وعموم لطائفه من
حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه فمن عامل الخلق بهذه
الطريقة صحت له الخلة وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود
أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه وهكذا حال الخليل
فهو رحمة كله
(الحكيم) الترمذي عن أبي هريرة قال الزيلعي: وهذا معضل (طس
عن أبي هريرة) وضعفه المنذري ولم يوجهه وقال الهيثمي: فيه
مؤمل بن عبد الرحمن وهو ضعيف
(3/71)
2782 - (أوحى الله إلى داود) عليه السلام
يا داود (أن قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من يذكرني وإن
ذكري إياهم أن ألعنهم) أي أطردهم عن رحمتي وأبعدهم عن
إكرامي ودار كرامتي قال حجة الإسلام: هذا في عاص غير غافل
في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان
(ابن عساكر) في ترجمة داود (عن ابن عباس) قضية صنيع المؤلف
أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وهو قصور فقد خرجه
الحاكم والبيهقي في الشعب والديلمي باللفظ المزبور عن ابن
عباس المذكور
(3/71)
2783 - (أوحى الله إلى داود) عليه الصلاة
والسلام (ما من عبد يعتصم) أي يتمسك (بي دون خلقي أعرف ذلك
[ص:72] من نيته) أي والحال أني أعرف من نيته أنه يستمسك بي
وحدي وأن ظاهره كباطنه في الإلتجاء والتعويل علي وحدي وفي
بعض النسخ أعرف ذلك من قلبه بدل نيته (فتكيده السماوات)
السبع (بمن فيها) من الملائكة وغيرهم والكواكب وأفلاكها
وغير ذلك من سائر خلق الله أي يخدعونه ويمكرون به يقال
كاده كيدا أخدعه ومكر به والاسم المكيدة (إلا جعلت له من
بين ذلك مخرجا) أي مخلصا من خداعهم له ومكرهم قال به
بعضهم: وإنما قال تعالى أعرف ذلك إلخ وفيه نصرته بذلك
إشارة إلى أنه مقام يعز وجوده في غالب الناس ولهذا قال في
الحكم لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع
غيره ما كان له هو واضعا من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن
نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره دافعا اه في بعض
الكتب المنزلة: يقول الله: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو
مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري باليأس ولأكسونه ثوب
المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأقطعنه من وصلي أتؤمل
غيري وأنا الكريم وتطرق أبواب الغير وبيدي مفاتيحها وهي
مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة
فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم وقطعت رجاه (وما
من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب
السماء من يديه) أي حجبت ومنعت عنه الطرق والجهات والنواحي
التي يتوصل بها إلى الاستعلاء والسمو ونيل المطالب وبلوغ
المآرب فمن اعتصم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا واغتر
بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله قال
في الصحاح: السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره وأسباب السماء
نواحيها قال الزمخشري: الأسباب الوصل وتقول ما لي إليه سبب
أي طرق والسمو العلو ويقال سما يسمو سموا علا ومنه قيل سمت
همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف (وأرسخت الهوى
من تحت قدميه) يحتمل أن الهوى بضم الهاء وكسر الواو وهو
السقوط من علو إلى أسفل ويكون المعنى أثبت الهوى تحت قدميه
فلا يزال في مهواه هابطا عن منازل العز والشرف متباعدا عن
مولاه ويحتمل أنه الهوى بالقصر وهو ميل النفس وإشرافها إلى
مذموم والهوى أيضا الشيء الخالي ومن كلامهم لا تتبع الهوى
فمن تبع الهوى قال الإمام الرازي في تفسيره: الذي جربته
طول عمري أن الإنسان كلما عول في أمر على غير الله صار
سببا للبلاء والمحنة وإذا عول على الله ولم يرجع إلى أحد
من الخلق حصل المطلوب على أحسن وجه فهذه التجربة قد استمرت
من أول عمري إلى هذا الوقت فعلم أن كل من استند في نصرته
إلى الخلق بنفسه أو بوكيله أو بقلبه تخلفت عنه نصرة الحق
تعالى إلا أن يكون مشهده أن نصرة الخلق من جملة نصرة الحق
تعالى له من جهة أنه الملهم لهم أن ينصروه فإنه تعالى ينصر
عبده بواسطة وبدونها والكل منه فلا يقدح ذلك في مقام
الاستناد إليه تعالى بل هو أكمل لأن فيه استعمال الآلة
وعدم تعطيلها (وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن
يسألني وغافر له) ما فرط منه من الصغائر ومقيلا له ما سقط
فيه من هفوة أو عثرة (قبل أن يستغفرني) أي قبل أن يطلب مني
الغفر أي الستر وإنما نزلناه على الصغائر والهفوات لأنه
فرضه أولا مطيعا له
(ابن عساكر) في التاريخ (عن كعب بن مالك) ورواه عنه
الديلمي أيضا في الفردوس
(3/71)
2784 - (أوسعوا مسجدكم) أيها المؤمنون
الذين يعمرون مسجدا (تملؤوه) أي فإنكم مستكثرون حتى تملؤوه
لأن الناس [ص:73] سيدخلون في دين الله أفواجا فلا تنظروا
إلى قلة عددكم اليوم وأصل الوسع تباعد الأطراف والحدود
ذكره الحرالي
(طب) وكذا أبو نعيم والخطيب (عن كعب بن مالك) قال: مر
النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يبنون مسجدا فذكره قال
الهيثمي: وفيه محمد بن درهم ضعيف انتهى وقال الذهبي في
المهذب: هو واه وفي الميزان عن جمع محمد هذا ضعيف ثم ساق
له هذا الحديث وأقول فيه أيضا يحيى الحماني قال الذهبي في
الضعفاء: قال أحمد: كان يكذب جهارا ووثقه ابن معين وقيس بن
الربيع ضعفوه وهو صدوق
(3/72)
2785 - (أوشك) بلفظ المضارع أي أقرب وأتوقع
قال النحاة: واستعمال المضارع فيه أكثر من الماضي (أن
تستحل أمتي فروج النساء والحرير) أي تستبيح الرجال وطء
الفروج على وجه الزنا وتستبيح لبس الحرير الذي حرم عليهم
لغير ضرورة وأراد بالأمة طائفتين منهم ويكون ذلك آخر
الزمان
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين
(3/73)
2786 - (أوصاني الله بذي القربى) أي ببرهم
لأنهم أحق الناس بالمعروف قال الحرالي: هم المتوسلون
بالوالدين لما لهم من أكيد الوصلة والقربى فعلي من القرابة
وهو قرب في النسب الظاهر أو الباطن ذكره الحرالي (وأمرني
أن أبدأ بالعباس ابن عبد المطلب) أي ببره فإنه عمي وعم
الرجل صنو الأب فهو أب مجازا
(ك عن عبد الله بن ثعلبة) بن صعير بمهملتين مصغرا ويقال
ابن أبي صعير. قال في التقريب كأصله: له رواية ولم يثبت له
سماع
(3/73)
2787 - (أوصي الخليفة من بعدي) قال
الحرالي: قيد به لأن الخليفة كثيرا ما يخلف الغائب بسوء
وإن كان مصلحا في حضوره (بتقوى الله) أي بمخافته والحذر من
مخالفته (وأوصيه) ثانيا (بجماعة المسلمين أن يعظم كبيرهم)
قدرا أو سنا (ويرحم صغيرهم) أي كذلك (ويوقر) أي يعظم
(عالمهم) بشيء من العلوم الشرعية (وأن لا يضرهم فيذلهم) أي
يهينهم ويحقرهم (ولا يوحشهم) أي يبعدهم ويقطع مودتهم
ويعاملهم بالجفاء وعدم الوفاء (فيكفرهم) أي يلجئهم إلى
تغطية محاسنه ونشر مساوئه وعيوبه ويجحدون نعمته ويتبرأون
منه فيؤدي إلى تفرق الكلمة وتحرك الفتنة. قال الفارابي:
الوحشة بين الناس الإنقطاع وبعد القلوب عن المودات وكفر
النعمة جحدها وتغطيتها (وأن لا يغلق بابه دونهم) يعني
يمنعهم عن الوصول إليه وعرض الظلامات عليه (فيأكل قويهم
ضعيفهم) أو يستولي على حقه ظلما قال الزمخشري: من المجاز
فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه ثم الذي رأيته في
نسخ البيهقي عقب قوله فيكفرهم وأن لا يخصيهم فيقطع نسلهم
وليس قوله وألا يغلق إلخ ثابت في النسخ التي وقفت عليها
فليحرر قال ابن العربي: قد جعل الله الخلافة مصلحة للخلق
ونيابة عن الحق وضابطا للقانون وكافا عن الاسترسال بحكم
الهوى وتسكينا لثائرة الدماء وثائرة الغوغاء أولهم آدم
وآخرهم عيسى والكل خليفة لكن من أطاع الله فهو خليفة له
ومن أطاع الشيطان فهو خليفة للشيطان. <تنبيه> ذهب الصوفية
إلى أن الخليفة على الحقيقة بعده القطب قال العارف ابن
عربي: حضرت الخلافة التي هي محل الإرث والأنبياء انتشرت
راياتها ولاحت أعلامها وأذعن الكل لسلطانها ثم خفيت بعد
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا تظهر أبدا إلى يوم
القيامة عموما لكن قد تظهر خصوصا فالقطب [ص:74] معلوم غير
معين وهو خليفة الزمان ومحل النظر والتجلي ومنه تصدر
الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب وله صفات
إذا اجتمعت في خليفة عصر فهو القطب وإلا فهو غيره ومنه
يكون الإمداد لملك ذلك العصر
(هق عن أبي أمامة) قال الذهبي: في المذهب وهذا لم يخرجوه
(3/73)
2788 - (أوصيك أن لا تكون لعانا) أي أن لا
تلعن معصوما فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على
اللاعن كما في خبر سبق وصيغة المبالغة هنا غير مرادة
(حم تخ طب) كلهم من طريق عبيد الله بن هودة الفريعي عن رجل
من هجيم (عن جرموز) بالجيم الفريعي البصري قال: قلت: يا
رسول الله أوصني فذكره وجرموز قال ابن السكن وابن أبي
حاتم: له صحبة ونسبه ابن قانع فقال جرموز (بن أوس) بن جرير
الهجيمي قال ابن حجر: ورأيت في رواية قال ابن هودة قال:
حدثني جرموز فذكره فلعله سمعه عنه بواسطة ثم سمعه منه
والرجل المبهم في الرواية الأولى جزم البغوي وابن السكن
بأنه أبو تميمة الهجيمي. اه وقال الحافظ العراقي: لم
يستحضره حيث قال في المغني فيه رجل لم يسم واقتصر على ذلك
وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريق عبيد الله بن
هودة عن رجل عن جرموز وهي طريق رجالها ثقات وجرموز له صحبة
(3/74)
2789 - (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي
من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة
وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة
إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي
الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله والله مطلع على جميع
أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح
من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من
وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها. <تنبيه> قال الراغب: حق
الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه
فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من
الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من
العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما
يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر
ثم نفسه ثم الله تعالى ومن استحى من الناس ولم يستحي من
نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من
الله فلعدم معرفته بالله ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله
تعالى
(الحسن بن سفيان) في جزئه (طب هب) كلهم (عن سعيد بن يزيد
بن الأزور) الأزدي قال الذهبي: روى عنه أبو الخير اليزني
وزعم أن له صحبة اه. قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم:
أوصني فذكره قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف فيهم
(3/74)
2790 - (أوصيك بتقوى الله) بأن تطيعه فلا
تعصه وتشكره فلا تكفره والتقوى أس كل فلاح ونجاح في
الدارين قال الغزالي: ليس في العالم خصلة للعبد أجمع للخير
وأعظم للأجر وأجل في العبودية وأعظم في القدر وأدنى بالحال
وأنجع للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى وإلا لما أوصى
الله بها خواص خلقه فهي الغاية التي لا متجاوز عنها ولا
مقتصر دونها. قد جمع الله فيها كل نصح ودلالة وإرشاد
وتأديب وتعليم فهي الجامعة لخيري الدارين الكافية لجميع
المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات (والتكبير على كل شرف)
أي محل عال من أشرف فلان إلى كذا إذا تطاول له ورماه ببصره
ومنه قيل للشريف شريف لارتفاعه على من دونه وهذا قاله لمن
قال له أريد سفرا فأوصني فذكره [ص:75] فلما ولى الرجل قال:
اللهم ازوي له الأرض وهون عليه السفر قال ابن القيم: وكان
النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إذا علوا الثنايا كبروا
وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك
(هـ عن أبي هريرة) وفيه أسامة بن زيد بن أسلم ضعفه أحمد
وجمع وأورده الذهبي في الضعفاء
(3/74)
2791 - (أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس
كل شيء) إذ التقوى وإن قل لفظها جامعة لحق الحق والخلق
شاملة لخير الدارين إذ هي تجنب كل منهي وفعل كل مأمور كما
مر غير مرة ومن اتقى الله حفظه من أعدائه ونجاه من الشدائد
ورزقه من حيث لا يحتسب وأصلح عمله وغفر زلله وتكفل له
بكفلين من رحمته وجعل له نورا يمشي به بين يديه وقبله
وأكرمه وأعزه ونجاه من النار إلى غير ذلك مما مر ويأتي
ببراهينه (وعليك بالجهاد) أي الزمه (فإنه رهبانية الإسلام)
أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي
ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية
أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه
النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل (وعليك بذكر الله
وتلاوة القرآن) أي الزمهما (فإنه) يعني لزومهما (روحك)
بفتح الراء راحتك (في السماء وذكرك في الأرض) بإجراء الله
ألسنة الخلائق بالثناء الحسن عليك أي عند توفر الشروط
والآداب ومنها أن يجمع حواسه إلى قلبه ويحضر في لبه كل
جارحة فيه وينطق بلسانه عن جميع ذوات أحوال جوارحه حتى
تأخذ كل جارحة منه قسطها منها وبذلك تنحات عنه الذنوب كما
يتحات الورق عن الشجر فلم يقرأ القرآن من لم يكن ذا حاله
ولم يذكر من لم يكن كذلك ذكره الحرالي وغيره
(حم عن أبي سعيد) قال الهيثمي: رجاله ثقات
(3/75)
2792 - (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك
وعلانيته) أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى
وتجنب الرياء فيها قال حجة الإسلام: وإذا أردنا تحديد
التقوى على موضع علم السر نقول الحد الجامع تبرئة القلب عن
شر لم يسبق عنك مثله بقوة العزم على تركه حتى يصير كذلك
وقاية بينك وبين كل شر قال: وهنا أصل أصيل وهو أن العبادة
شطران اكتساب وهو فعل الطاعات واجتناب وهو تجنب السيئات
وهو التقوى وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من
الاكتساب يصوموا نهارهم ويقوموا ليلهم واشتغل المنتبهون
أولو البصائر والاجتناب إنما همتهم حفظ القلوب عن الميل
لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين
عن النظر إلى ما لا يعنيهم (وإذا أسأت فأحسن) {إن الحسنات
يذهبن السيئات} (ولا تسألن أحدا) من الخلق (شيئا) من الرزق
ارتقاء إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل
بوعد الله وحسن كفايته وضمانه {وما من دابة في الأرض إلا
على الله رزقها} وقد قال أهل الحق: ما سأل إنسان الناس إلا
لجهله بالله تعالى وضعف يقينه بل إيمانه وقلة صبره وما
تعفف متعفف إلا لوفور علمه بالله وتزايد معرفته به وكثرة
حيائه منه (ولا تقبض أمانة) وديعة أو نحوها مصدر أمن
بالكسر أمانة فهو أمين ثم استعمل في الأعيان مجازا فقيل
الوديعة أمانة ونحو ذلك والنهي للتحريم إن عجز عن حفظها
وللكراهة إن قدر ولم يثق بأمان نفسه وإن وثق بأمانة نفسه
فإن قدر ووثق ندب بل إن تعين وجب (ولا تقض بين اثنين) لخطر
أمر القضاء وحسبك في خطره خير من ولي القضاء فقد ذبح بغير
سكين والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن [ص:76] ذلك كما صرح به
في الحديث
(حم عن أبي ذر) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفيه قضية
اه. وقضية كلام المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر
بخلافه بل سقط منه بعد ولا تسأل أحدا وإن سقط سوطك هكذا هو
ثابت في رواية أحمد وكأنه سقط من القلم
(3/75)
2793 - (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر
كله وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء)
يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير (ونور لك في الأرض) أي
بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن
لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص. قال
الزمخشري: فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام
بشكرها (وعليك بطول الصمت) أي الزم السكوت (إلا في خير)
كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة
وغير ذلك (فإنه مطردة للشيطان) أي مبعدة له (عنك) يقال
طردته أبعدته كما في الصحاح وغيره وهو مطرود وطريد واطرده
السلطان بالألف أمر بإخراجه عن البلد. وقال الزمخشري: طرده
أبعده ونحاه وهو شريد طريد ومشرد مطرد. قال ابن السكيت:
طرده نفاه وقال له اذهب عنا (وعون لك على أمر دينك) أي
ظهير ومساعد لك عليه (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب)
أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات قال الطيبي: والضمير
في أنه وفي فإنه يميت واقع موقع الإشارة أي كثرة الضحك
تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا
الغفلة (ويذهب بنور الوجه) أي بإشراقه وضيائه وبهائه قال
الماوردي: واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة
مذهل عن الفكر في النوائب المسلمة وليس لمن أكثر منه هيبة
ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار وقال حجة الإسلام:
كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج
من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو
موت القلب {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في
الآخرة إلا متاع} (عليك بالجهاد (1) فإنه رهبانية أمتي)
كما تقرر وجهه فيما قبله (أحب المساكين) المراد بهم ما
يشمل الفقراء كما سبق في أمثاله (وجالسهم) فإن مجالستهم
ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر (انظر إلى من) هو
(تحتك) أي دونك في الأمور الدنيوية (ولا تنظر إلى من هو
فوقك) فيها (فإنه أجدر) أي أحق وأخلق يقال هو جدير بكذا أي
خليق وحقيق (أن لا تزدري نعمة الله عندك) كما سبق بتوجيهه
أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه (صل قرابتك)
بالإحسان إليهم (وإن قطعوك) فإن قطيعتهم ليست عذرا لك في
قطيعتهم (قل الحق) أي الصدق يعني مر بالمعروف وانه عن
المنكر (وإن كان مرا) أي وإن كان في قوله مرارة أي مشقة
على القائل فإنه واجد أي ما لم يخف على نفسه أو ماله أو
عرضه مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع. قال الطيبي: شبه
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مر
المذاق لكن عاقبته محممودة. قال بعض العارفين: من أمراض
النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا
أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم
تقول: أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم
يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم
إن بعد هذا كله [ص:77] لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي
الله من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه
وتعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية ثم قال: {ومن
يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله} ثم زاد في التأكيد في قول
الحق قوله (لا تخف في الله لومة لائم) أي كن صلبا في دينك
إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير
المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن
الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض
الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو
أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا
تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك
يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيبا أن يكون فيه
ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من
عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي مما هو فيه) أي ويستحي
منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها
وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل ولهذا روي أن
أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فسمع
إنسانا يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال: أرى الناس
يذكرونني بما ليس في فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال:
أنا أستحي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته (يا أبا
ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف
المعيشة (2) (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب
القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها
المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق
النظر عما حرمه الله (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن
الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه
الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف
ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده
(عبد بن حميد في تفسيره) أي تفسيره للقرآن (طب عن أبي ذر)
ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي في مسند الفردوس
_________
(1) أي بذل النفس في قتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله
لهذه الأمة بمنزلة التبتل والانقطاع إلى الله تعالى عند
النصارى
(2) ويحتمل أن يكون المراد النظر في عواقب الأمور
(3/76)
2794 - (أوصيك يا أبا هريرة بخصال أربع لا
تدعهن) أي لا تتركهن (أبدا ما بقيت) أي مدة بقائك في
الدنيا فإنهن مندوبات ندبا مؤكدا (عليك بالغسل يوم الجمعة)
أي الزمه وداوم عليه فلا تهمله إن أردت حضورها وإن لم
تلزمك وأول وقته من صادق الفجر والأفضل تقريبه من رواحه
إليها فإن عجز عن الماء تيمم بدلا عنه (والبكور إليها) من
طلوع الفجر إن لم تكن معذورا ولا خطيبا وفيه رد على مالك
في ذهابه إلى عدم ندب التبكير (ولا تلغ) أي لا تتكلم
باللغو في حال الخطبة يقال لغا الرجل تكلم باللغو وهو
اختلاط الكلام ولغا به تكلم به فالكلام حال الخطبة على
الحاضرين مكروه عند الشافعية حرام عند الأئمة الثلاثة
والخلاف في غير الخطيب ومن لم يستقر في محل ومن خاف وقوع
محذور بمحترم وظن وقوعه به إن سكت وإلا فلا حرمة بل يجب
الكلام في الأخيرة (ولا تله) [ص:78] أي لا تشتغل عن
استماعها بحديث ولا غيره فإنه مكروه عند الشافعية حرام عند
غيرهم بل يحرم عند الشافعية أيضا على بعض الأربعين الذين
يلزمهم كلام فوته سماع ركن (وأوصيك) أيضا بخصال ثلاث لا
تدعهن أبدا ما بقيت في الدنيا عليك (بصيام ثلاثة أيام من
كل شهر) من أي أيام الشهر كانت فإنه مندوب مؤكد ويسن كون
تلك الثلاث هي البيض وهي الثالث عشر وتالياه كما بينه في
الخبر المار وهو قوله إن كنت صائما إلخ (فإنه) أي صيامها
(صيام الدهر) أي بمنزلة صيامه لأن الحسنة بعشر أمثالها
فاليوم بعشرة والشهر ثلاثين فذلك عدد أيام السنة (وأوصيك
بالوتر) أي بصلاته ندبا مؤكدا عند الشافعية ووجوبا عند
الحنفية ووقته بين العشاء والفجر ووقت اختياره إلى ثلث
الليل إن أردت تهجدا أو لم تعتد اليقظة آخر الليل فحينئذ
تصليه (قبل النوم) فإذا أردت تهجدا ووثقت بيقظتك فالأفضل
تأخيره إلى آخر صلاة الليل التي يصليها بعد نومه (وأوصيك
بركعتي الفجر) أي بصلاتهما والمحافظة عليهما (لا تدعهما)
لا تتركهما ندبا (وإن صليت الليل كله) فإنه لا يجزئ عنهما
(فإن فيهما الرغائب) أي ما يرغب فيه من عظيم الثواب جمع
رغبة وهي العطاء الكثير ومن ثم كانت أفضل الرواتب مطلقا
فيكره تركها بل حرمه بعض الأئمة
(ع عن أبي هريرة) وفيه سليمان بن داود اليماني قال الذهبي:
ضعفوه
(3/77)
2795 - (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم)
أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي: أوصيكم بأصحابي إلخ
وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد
ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم (ثم) بعد ذلك
(يفشوا الكذب) أي ينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف
الرجل) تبرعا (ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته
على الله (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) أي لا يطلب منه
الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشيء يتوقعه من حطام الدنيا قال
ابن العربي: وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل
ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف
إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد
خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه
زورا (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان
الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء
وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من
مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن
جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال
غيبتها (وعليكم بالجماعة) أي أركان الدين والسواد الأعظم
من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من
العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير: وإن كان
الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شيء لم
يجز خلافها (وإياكم والفرقة) أي احذروا الإنفصال عنها
ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما
وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضا (فإن الشيطان مع الواحد
وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين
أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكانا
قال في الصحاح: بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال
الزمخشري: ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة
الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها
[ص:79] (فليلزم الجماعة) فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب
الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها. قال
الغزالي: ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة
إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة
نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة
إلخ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أنه يعني به في الدين والحكم
إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما
عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل
عنهم لصلاح دينه الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا
عنهم في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة
الدين وغيظ الكفار والملحدين الثالث أن ذلك في زمن الفتنة
للرجل الضعيف في أمر الدين (من سرته حسنته وساءته سيئته
فذلكم المؤمن) أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه
بأن له ربا على حسناته مثيبا وسيئاته مجازيا ومن كان كذلك
فهو لتوحيد الله مخلصا قال ابن جرير: وفيه تكذيب المعتزلة
في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة
مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام
(حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال
الحاكم على شرطهما
(3/78)
2796 - (أوصيكم بالجار) أي بالإحسان إليه
وكف صنوف الأذى والضرر عنه وإكرامه بسائر الممكن من وجوه
الإكرام لما له من الحق المؤكد الذي ما يزال جبريل عليه
السلام يؤكد فيه حتى كاد يورثه قال بعض العارفين: احفظ حق
الجوار والجار وقدم الأقرب دارا وتفقدهم بما أنعم الله به
عليك فإنك مسؤول وادفع عنهم الضرر وأردف عليهم الإحسان وما
سمي جارا لك إلا لميلك بالإحسان له ودفع الضرر عنه وميله
لك بذلك من جار إذا مال إذ الجور الميل فمن جعله من الميل
إلى الباطل الذي هو الجور عرفا فهو كمن يسمي اللديغ سليما
في القبض وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل
بكفر أو فسق فلا يمنعك ذلك من رعاية حقه. قيل: نزل جراد
بفناء شريف من العرب فخرج أهل الحي ليأكلوه فسمع أصواتهم
فخرج من خبائه وقال: ما تبغون قالوا: جارك الجراد فقال: إذ
سميتموه جاري لأقاتلنكم عنه فقاتلهم حتى دفع عنه لكونهم
سموه جارا
(الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أبي أمامة) الباهلي
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته
الجذعاء في حجة الوداع يقول: أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلنا
إنه سيورثه انتهى وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأشهر من
الخرائطي وهو غفلة فقد رواه الطبراني باللفظ المزبور عن
أبي أمامة المذكور قال المنذري والهيثمي وإسناده جيد
(3/79)
2797 - (أوفق الدعاء) أي أكثره موافقة
للداعي (أن يقول الرجل) في دعائه وذكر الرجل وصف طردي
والمراد الإنسان رجلا أو امرأة (اللهم أنت ربي وأنا عبدك
ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا رب فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي)
لا رب غيرك (وإنه) أي الشأن أنه (لا يغفر الذنوب إلا أنت)
لأنك السيد المالك إن غفرت فبفضلك وإن عاقبت فبعدلك وإنما
كان هذا أوفق الدعاء لما فيه من الاعتراف بالظلم وارتكاب
الجرم ثم الإلتجاء إليه تعالى مضطرا لا يجد لذنبه غافرا
غير ربه {وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}
(محمد بن نصر في الصلاة) أي في كتاب [ص:80] الصلاة له (عن
أبي هريرة) رضي الله عنه
(3/79)
2798 - (أوفوا) من الوفاء قال القاضي: وهو
القيام بمقتضى العهد وكذا الإيفاء (بحلف الجاهلية (1)) أي
العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع قال الحرالي:
والإيفاء الأخذ بالوفاء والوفاء إنجاز الموعود في أمر
معهود (فإن الإسلام لم يزده) أي العهد المبرم فيها (إلا
شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به أما ما يخالف الشرع
كالفتن والقتال فلا وفاء به (ولا تحدثوا حلفا في الإسلام)
أي لا تحدثوا فيه حلفا ما فالتنكير للجنس أو إن كنتم حلفتم
أن يعين بعضكم بعضا فإذا أسلمتم فأوفوا به فإن الإسلام
يحرضكم على الوفاء به لكن لا تحدثوا مخالفة في الإسلام بأن
يرث بعضكم بعضا فإنه لا عبرة به ولا يناقضه أنه حالف بين
المهاجرين والأنصار لأن المراد أنه آخى بينهم وبفرض أن
المراد التحالف فطريق الجمع ما تقرر
(حم ت) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه
_________
(1) قال في النهاية: أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على
التعاضد والتساعد والاتفاق فما كان منه في الجاهلية على
الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي
عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وما كان
منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام فهو الذي
قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيما حلف كان في
الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة يريد المعاقدة على الخير
ونصرة الحق
(3/80)
2799 - (أوقد على النار) أي نار جهنم (ألف
سنة حتى احمرت) بعدما كانت شفافة لا لون لها ولا ترى
والظاهر أنه أراد بالألف فيه وفيما يأتي التكثير وأن
المراد الزمن الطويل (ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم
أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة كالليل
المظلم (1)) قال الطيبي: هذا قريب من قوله تعالى {يوم يحمى
عليها في نار جهنم} أي يوقد الوقود فوق النار أي النار ذات
طبقات توقد كل طبقة فوق أخرى اه. وقيل: ما خلق الله النار
إلا من كرمه جعلها الله سوطا يسوق به المؤمنين إلى الجنة
وقال بعضهم: النار أربعة نار لها نور بلا حرقة وهي نار
موسى عليه الصلاة والسلام ونار لها حرقة ولا نور لها وهي
نار جهنم ونار لها حرقة ونور وهي نار الدنيا ونار لا حرقة
ولا نور وهي نار السحر
(ت هـ عن أبي هريرة) مرفوعا وموقوفا قال الترمذي: ووقفه
أصح ورواه البيهقي عن أنس قال: تلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم هذه الآية {وقودها الناس والحجارة} ثم ذكره
_________
(1) والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى
الوقوع فيها
(3/80)
2800 - (أولم) أي اتخذ وليمة (ولو بشاة)
مبالغة في القلة فلو تقلية لا امتناعية فلا حد لأقلها ولا
لأكثرها ونقل القاضي الإجماع على أنه لا حد لقدره المجزئ
والخطاب لعبد الرحمن بن عوف الذي تزوج والأمر للندب عند
الجمهور وصرفه عن الوجوب خبر هل علي غيرها أي الزكاة قال:
لا إلا أن تطوع وخبر ليس في المال حق سوى الزكاة ولأنها لو
وجبت لوجبت الشاة ولا قائل به. <تنبيه> قال أبو حيان: هذه
الواو لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها [ص:81] السابق
تقديره أولم على كل حال ولو بشاة ولا تجيء هذه الحال إلا
منبهة على ما كان يتوهم أنه ليس مندرجا تحت عموم الحال
المحذوفة
(مالك) في الموطأ (حم ق عد) كلهم في النكاح (عن أنس) بن
مالك (خ عن عبد الرحمن بن عوف) وله عدة طرق في الصحيحين
والسنن
(3/80)
2801 - (أولياء الله) أي الذين يتولونه
بالطاعة ويتولاهم بالكرامة (الذين إذا رؤوا ذكر الله)
برؤيتهم يعني أن عليهم من الله سيما ظاهرة تذكر بذكره فإن
رؤوا ذكر الخير برؤيتهم وإن حضروا حضر الذكر معهم وإن
نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه كيفما حلوا فمن كان بين يدي
ربه وآخرته فإنما يفتتح إذا لقيك بذكره ومن كان أسير نفسه
ودنياه فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا فكل يحدثك عما يطلع
قلبه فتنبه
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس) قال: سئل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من أولياء الله؟ فذكره وظاهر صنيع
المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر من الحكيم ولا أعلى وهو
عجب فقد رواه البزار عن ابن عباس رواه عن شيخه علي بن حرب
الرازي قال الهيثمي: لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا انتهى
ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن أبي وقاص
(3/81)
2802 - (أول الآيات) أي علامات الساعة
(طلوع الشمس من مغربها) ولفظ رواية مسلم من المغرب والآيات
إما أمارات دالة على قرب الساعة فأولها بعث نبينا صلى الله
عليه وسلم أو أمارات متوالية دالة على وقوعها والكلام هنا
فيها وجاء في خبر آخر أن أولها ظهور الدجال. قال الحليمي:
وهو الظاهر فأولها الدجال فنزول عيسى عليه الصلاة والسلام
فخروج يأجوج ومأجوج لأن الكفار في وقت عيسى عليه الصلاة
والسلام يفتنون فمنهم من يقتل ومنهم من يسلم وتضع الحرب
أوزارها فلو كانت الشمس طلعت قبل من مغربها لم ينفع اليهود
إيمانهم أيام عيسى عليه الصلاة والسلام لأن طلوعها يزيل
الخطاب ويرفع التكليف ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدا
بإسلام من أسلم منهم قال البيهقي: وهو كلام صحيح لو لم
يعارض هذا الحديث الصحيح الذي في مسلم إن أول الآيات طلوع
الشمس من المغرب
(طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه فضالة بن جبير وهو
ضعيف وأنكر هذا الحديث اه. وقضية تصرف المصنف أن ذا لم
يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره
بل وابن حجر إلى مسلم وأحمد وغيرهما من حديث ابن عمر
باللفظ المذكور مع زيادة وخروج الدابة إلى الناس ضحى.
(تتمة) أخرج عبد بن حميد في تفسيره عن ابن عمر موقوفا يبقى
الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة قال ابن
حجر: وسنده جيد
(3/81)
2803 - (أول الأرض خرابا يسراها ثم يمناها)
قال الديلمي: ويروى أسرع الأرضين. قال أبو نعيم: متفق عليه
في الصحة وروى ابن عبد الحكم عن أبي هريرة كما في حسن
المحاضرة وغيرها أن مصر أول الأرض خرابا ثم أرمينية على
أثرها وفي مسند الفردوس عن حذيفة مرفوعا يبدو الخراب في
أطراف الأرض حتى تخرب مصر ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب
البصرة وخراب البصرة من العراق وخراب مصر من جفاف النيل
الحديث وفي الجفر الكبير للبسطامي خراب البصرة بالريح
وخراب المدينة بالجوع وخراب بلخ بالماء والطاعون وخراب
ترمذ بالطاعون وخراب مرو بالرمل وخراب اليمن بالجراد وخراب
فارس بالقحط وخراب سمرقند ببني قنطوراء وخراب الشام بعدم
الغيث وخراب السند بالريح وخراب سنجار بالرمل وخراب الروم
ببني الأصفر وانقراض العرب بالضرب والحرب والطاعون وخراب
الجبال بالصواعق والرواجف وخراب فرغانة بالزلازل والصيحة
وخراب نسف بالجوع وخراب بخارى [ص:82] بالريح والطاعون
وخراب طالقان بالنار وخراب سرخس بالريح والرمل وخراب هداه
بالظلام ونيسابور بالريح وهمدان بالبرد والثلج وجرجان
بالترك وطبرستان بالفراعنة وأصبهان بالهرج وقسم بالجنون
وبغداد بالغرق والخسف والكوفة بالحرق وواسط بريح السموم
والبصرة بالأكراد والبحرين بخراب البحر وسجستان بالخسف
والنار والشام بالروم وحلوان بالمسيح ومصر من انقطاع النيل
ومكة من الحبش وحلب بالأتراك والقدس بالحريق
(ابن عساكر) في التاريخ (عن جرير) بن عبد الله وقضية صنيع
المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير الذين وضع لهم
الرموز وهو غفلة فقد رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي
وغيرهم باللفظ المزبور عن جابر المذكور
(3/81)
2804 - (أول العبادة) بضم اللام قال أبو
البقاء وهي ضمة بناء (الصمت) أي أول مقام السالكين إلى
الله تعالى أن لا يشغل أحدهم لسانه بغير ذكر الله قال رجل
لبعض العارفين: أوصني قال: اجعل لدينك غلافا كغلاف المصحف
لئلا يدنسه قال: وما غلاف الدين؟ قال: ترك الكلام إلا فيما
لا بد منه وترك طلب الدنيا إلا ما لا بد منه وترك مخالطة
الناس إلا فيما لا بد منه
(هناد) بن السري التميمي الدارمي الحافظ الزاهد كان يقال
له راهب الكوفة لتعبده (عن الحسن) البصري (مرسلا)
(3/82)
2805 - (أول الناس هلاكا قريش) أي القبيلة
بأسرها بنحو قتل أو فناء (وأول قريش هلاكا أهل بيتي)
فهلاكهم من أشراط الساعة وأمارتها الدالة على قرب قيامها
(طب) وكذا أبو يعلى (عن عمرو بن العاص) وفيه ابن لهيعة
ومقسم مولى ابن عباس أورده البخاري في كتاب الضعفاء الكبير
وضعفه ابن حزم وغيره
(3/82)
2806 - (أول الناس فناء) بالمد موتا
وانقراضا (قريش وأول قريش فناء بنو هاشم) أي والمطلب كما
يدل عليه ما قبله أي فيكون انقراضهم من علامات الساعة
وأشراطها ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كما يأتي
(حم ع عن ابن عمرو) بن العاص وفيه ابن لهيعة
(3/82)
2807 - (أول الوقت) أي إيقاع الصلاة أول
وقتها (رضوان الله) بكسر الراء وضمها بمعنى الرضا وهو خلاف
السخط (وآخر الوقت عفو الله) قال الصديق ثم الشافعي:
رضوانه أحب إلينا من عفوه وفيه دليل للشافعية على ندب
تعجيل الصبح وعدم ندب الإسفار الذي قال به الحنفية وفيه
أيضا تعجيل العشاء أول الوقت لخوف الفوت فإن قيل: قال
المصطفى صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك وتأخير العشاء قلنا: محمول على فضيلة صلاة الليل
أو على انتظاره الخبر من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في
صلاة والوقت الزمان المفروض للعمل ولهذا لا يكاد يقال إلا
مقدرا نحو وقت كذا {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا}
(قط عن جرير) سكت المؤلف عليه فلم يشر إليه بعلامة الضعف
وكأنه ذهل عن قول الذهبي في التنقيح في سنده كذاب انتهى
وعن قول ابن عبد الهادي عن معين فيه الحسين بن حميد كذاب
ابن كذاب وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال لا يصح وقال
ابن حجر في سنده من لا يعرف وقال في الباب ابن عمر وابن
عباس وعلي وأنس وأبو محذورة وأبو هريرة فحديث ابن عمر رواه
الترمذي والدارقطني وفيه يعقوب بن الوليد المدني كان من
كبار الكذابين وحديث ابن عباس رواه البيهقي في الخلافيات
وفيه نافع أبو هرمز متروك وحديث علي رواه البيهقي عن أهل
البيت وقال أظن سنده أصح ما في الباب قال أعني ابن حجر:
[ص:83] ومع ذلك هو معلول ولهذا قال الحاكم لا أحفظ الحديث
من وجه يصح وحديث أنس خرجه ابن عدي والبيهقي وقد تفرد به
بقية عن مجهول مثله وحديث أبي محذورة رواه الدارقطني وفيه
إبراهيم بن زكريا متهم وحديث أبي هريرة ذكره البيهقي وقال
هو معلول انتهى
(3/82)
2808 - (أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت
رحمة الله) أي تفضله وإحسانه (وآخر الوقت عفو الله) أي
مغفرته ومحوه لذنب من قصر وأخر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث
كاد يخرج بعضها عنه وقد أفاد هذا الحديث وما قبله طلب
تعجيل الصلاة أول وقتها وحرمة إخراج بعضها عن الوقت
(قط عن أبي محذورة) الجمحي المؤذن صحابي مشهور اسمه أوس أو
سمرة أو سلمة أو سليمان وأبوه معين بكسر الميم وسكون
المهملة وفتح التحتية أو عمير
(3/83)
2809 - (أول بقعة) بضم الباء على الأشهر
الأكثر فتجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع
ككلبة وكلاب وهي القطعة من الأرض (وضعت من الأرض) أي من
هذه الأرض التي نحن عليها (موضع البيت) الحرام أي الكعبة
فله سر الأولية في المعابد كما قال تعالى {إن أول بيت وضع
للناس للذي ببكة مباركا} وفي رواية لمسلم أول مسجد وضع في
الأرض المسجد الحرام ثم الأقصى. قال الطيبي: لفظ الحديث
موافق للفظ الآية والوضع غير والبناء غير ومعنى وضع الله
جعله متعبدا قال الإمام الرازي: دلالة الآية على الأولية
في الفضل والشرف أمر لا بد منه لأن المقصود الأولى من ذكر
الأولية بيان الفضيلة ترجيحا له على بيت المقدس ولا تأثير
لأوليته في البناء في هذا القصد (ثم مدت) بالبناء للمجهول
أي بسطت (منها الأرض) من سائر جوانبها فهي وسط الأرض
وقطبها (وإن أول جبل وضعه الله على ظهر الأرض أبو قبيس)
بمكة وهو معروف (ثم مدت منه الجبال) واختلف في أول من بنى
البيت قيل آدم وقيل شيث وقيل الملائكة قبل آدم ثم رفع في
الطوفان فكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحجونه ولا
يعلمون محله حتى بواه الله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام
فبناه. <تنبيه> في الروض الأنف: أول من بنى المسجد الحرام
في الإسلام عمر وذلك أن الناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا
دورهم بها فقال: إنها بيت الله ولا بد للبيت من فناء وأنكم
دخلتم عليها ولم تدخل عليكم فاشترى الدور وهدمها وبنى
المسجد المحيط بها ثم وسعه عثمان وزاد ابن الزبير في
إتقانه لا في سعته
(هب عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي
قال في الميزان: عن العقيلي فيه جهالة وحديثه غير محفوظ ثم
ساق له هذا الخبر وفيه أيضا من لا يعرف
(3/83)
2810 - (أول تحفة المؤمن) أي الكامل
الإيمان والتحفة كرطبة ويجوز الضم والسكون وفي القاموس
بالضم وكهمزة فظاهره أنها ما أتحفت به غيرك من البر واللطف
كما في الصحاح وغيره (أن يغفر) بالبناء للمفعول أي يغفر
الله لمن صلى عليه صلاة الجنازة إكراما له وفي رواية لمن
خرج في جنازته إذ من شأن الملك إذا قدم عليه بعض خدمه بعد
طول غيبته أن يتلقاه ببشرى وكرامة وأن يخلع عليه ويجيزه
بجائزة سنية فإذا قدم العبد على سيده أتحفه بما لا عين
[ص:84] رأت ولا أذن سمعت وأولها المغفرة للمصلين والحاملين
لأنهم شيعوه إعظاما إلى بابه واهتموا بشأنه متقربين بذلك
إلى مولاه فجعل المغفرة لهم تحفة له لان حامل الهدية
وموصلها لا بد له من جائزة وإذا كان لو أهدي لبعض ملوك
الدنيا هدية لم يرض في حقه بانصراف من أحضرها إليه خائبا
وقد عد ذلك ازدراءا بالهدية فما بالك بأكرم الأكرمين
(الحكيم) الترمذي (عن أنس) من حديث معبد بن مسرور العبدي
عن الحكم بن سنان بن عون عن النميري والحكم بن سنان قال
الذهبي: ضعفوه وزياد النميري أورده في الضعفاء وقال صالح:
الحديث ابتلي برواة ضعفاء ورواه الخطيب عن جابر والديلمي
عن أبي هريرة وفيه عنده عبد الرحمن بن قيس رمي بالكذب
ولأجله حكم الحاكم على الحديث بالوضع وعده ابن الجوزي من
الموضوعات
(3/83)
2811 - (أول جيش من أمتي يركبون البحر)
للغزو (قد أوجبوا) أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة أو
أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة بذلك والبحر معروف وحقيقته
الماء الكثير المجتمع في فسحة سمي به لعمقه واتساعه ويطلق
على الملح والعذب والمراد هنا الملح ومعنى ركوبه الاستعلاء
على ظهره كما تركب الدابة وهو مجاز إذ الركوب إنما هو على
السفن حقيقة فيه فحذف ذلك اتساعا لدلالة الحال عليه (وأول
جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) ملك الروم يعني القسطنطينية
أو المراد مدينته التي كان بها يوم قال النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك (مغفور
لهم) لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفورا له لكونه منهم
إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس
كذلك لخروجه بدليل خاص ويلزم من الجمود على العموم أن من
ارتد ممن غزاها مغفور له وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد
به حتى قال التفتازاني: الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين
وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا
فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى
أنصاره وأعوانه. قال الزين العراقي: وقوله بل في إيمانه أي
بل لا يتوقف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده.
<فائدة> قال البسطامي في كتاب الجفر: القسطنطينية مدينة
بناها قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية ودونه
وهي مدينة مثلثة الشكل منها جانبان في البحر وجانب في البر
ولها سبعة أسوار وسمك سورها الكبير أحد وعشرون ذراعا وفيه
مئة باب وبابها الكبير يسمى باب الذهب وهو باب مموه بالذهب
وفيها منارة من نحاس قد قلبت قطعة واحدة وليس لها باب
وفيها منارة قريبة من مارستانها قد ألبست كلها بالنحاس
وعليها قبر قسطنطين وهو راكب على فرس وقوائمه محكمة
بالرصاص ما عدا يده اليمين فإنها مطلقة في الهواء كأنه
سائر وقسطنطين على ظهره ويده موقوفة في الجو وقد فتح كفه
يشير نحو بلاد الشام ويده اليسرى فيها كسرة مكتوب عليها
ملكت الدنيا حتى بقيت في كفي مثل هذه الكسرة وخرجت منها
كما ترى
(خ عن أم حرام) بحاء وراء مهملتين (بنت ملحان) بن خالد بن
يزيد ابن حرام الأنصارية النجارية خالة أنس وزوجة عبادة بن
الصامت يقال لها العميصاء والرميصاء لها مناقب وكان أهل
الشام يستسقون بها
(3/84)
2812 - (أول خصمين يوم القيامة جاران) لم
يحسن أحدهما جوار صاحبه ولم يف له بحقه ومقصود الحديث الحث
على كف الأذى عن الجار وإن جار وأنه تعالى يهتم بشأنه
وينتقم للجار المظلوم من الظالم ويفصل القضاء بينهما وإلا
فمن شعائر الإيمان الكف عن أذى الجيران وعدم منازعتهم
ومعارضتهم فيما يصدر منهم وعنهم من الأضرار وسوء [ص:85]
العشرة والجوار ويجب أن تعلم أن ذلك ليس إلا بتسليط الله
إياهم عليك لما تستوجبه أفعالك الذميمة وما يعفو الله أكثر
فالحذر من المنازعة الحذر قال العارف ابن عربي: يا أيها
المجادل كم ذا تتعنى ما ذاك إلا لخوفك من العدد وهذا لا
يبطل حقيقة الواحد الأحد ولو علمت أن العدد هو الأحد ما
شرعت في منازعة أحد
(طب) وكذا أحمد (عن عقبة بن عامر) قال العراقي: سنده ضعيف
وقال المنذري رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما جيد
وقال الهيثمي: أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير
أبي نسافة وهو ثقة وأعاده بمحل آخر وقال: إسناده حسن
(3/84)
2813 - (أول زمرة) بضم الزاي طائفة أو
جماعة والزمر الأفواج المتفرقة بعضها إثر بعض (تدخل الجنة
على صورة القمر) أي على صورة مثل صورة القمر (ليلة البدر)
ليلة تمامه وكماله في الحسن والإضاءة (والثانية) أي التي
تدخل عقبهم تكون (على لون أحسن كوكب دري) بضم الدال وكسرها
وراء وياء مشددتين أي مضيء متلألئ كالزهرة في صفائها
وزهرتها منسوب إلى الدر أو فعيل من الدرء بالهمزة فإنه
يدفع الظلام بضوئه (في السماء) قال المحقق أبو زرعة: ورد
في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من صورة القمر فروى
الترمذي مرفوعا لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره
لطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم وقد يقال إنهم
يكونون على صورة القمر عند دخولهم الجنة ثم يزداد إشراق
نورهم فيها بدليل قوله لو أن رجلا إلخ أو يقال المذكور هنا
إشراق وجوههم من غير حلي والمذكور ثم إشراق حليهم بدليل
قوله فبدت أساوره فالزيادة للحلي لا للوجود (لكل رجل منهم
زوجتان) في رواية اثنتان لتأكيد التكثير. قال الطيبي: ثناه
للتكثير نحو {ارجع البصر كرتين} لا للتحديد لخبر أدنى أهل
الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة فاعترض بأن تأكيد المثنى
باثنتين ورجع ضمير التثنية إليه يدل على أن القصد معنى
الإثنينية فلا يبعد أن يكون لكل زوجتان موصوفتين أن (على
كل زوجة) منهما (سبعون حلة) يعني حلل كثيرة جدا فالعدد
للتكثير لا للتحديد كنظائره بحيث (يبدو مخ ساقها من
ورائها) زاد الطبراني كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة
البيضاء وهو كناية عن غاية لطافتهما ويكون له سبعون لسن
بهذا الوصف ثم إن هذا اللفظ محتمل لكونهما من نساء الدنيا
أو الحور ويؤيد الأول خبر أبي يعلى فيدخل الرجل منهم على
اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله واثنتين من ولد آدم لهما
فضل على من أنشأ الله بعبادتهما وبعده فلا تعارض بين ذا
وخبر أقل ساكني الجنة النساء لأنهن في الجنة باعتبار الحور
وأقل ساكنيها نساء الدنيا فنساء الدنيا أقل أهل الجنة
وأكثر أهل النار كما شهدت به الأخبار
(حم ت) وكذا الطبراني في الأوسط (عن أبي سعيد) الخدري وكذا
ابن مسعود قال الترمذي: حسن صحيح قال الهيثمي: إسناد ابن
مسعود صحيح وفي إسناد أبي سعيد عطية والأكثر على ضعفه ثم
إن صنيع المصنف يوهم أن ذا لم يتعرض أحد من الشيخين
لتخريجه وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى البخاري من
حديث أبي هريرة بلفظ أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على مثل
القمر ليلة البدر والثانية على مثل أضوأ كوكب في السماء
لكل رجل منهم زوجتان يرى مخ ساقيهما من وراء الثياب وما في
الجنة عزب اه ثم رأيته كذلك في كتاب الأنبياء وخلق آدم
عليه السلام وفي مسلم في صفة الجنة عدة أحاديث بنحوه وليس
في حديث الترمذي الذي آثره المصنف إلا زيادة عدد الحلل وفي
رواية البخاري زيادة نفي وجود الأعزب فيها
(3/85)
[ص:86] 2814 - (أول سابق إلى الجنة) أي إلى
دخولها (عبد) يعني قن ذكرا كان أو أنثى أو خنثى (أطاع
الله) بأن امتثل أوامره وتجنب نواهيه (وأطاع مواليه) أو
قال سيده شك راويه أبو صيفي وذلك لأن له أجرين كما مر في
عدة أخبار فاستحق بذلك السبق إلى دار القرار والمراد أنه
أول سابق بعد من مر أنه أول داخل <تنبيه> قال الرضي: مذهب
البصريين أن أول أفعل ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال جمهورهم
على أنه من تركيب دول كددن ولم يستعمل هذا التركيب إلا في
أول ومتصرفاتها
(طس خط عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون أبو
صيفي وهو متروك وقال غيره وفيه بشر بن ميمون أبو صيفي قال
في الميزان: عن البخاري يتهم بالوضع وعن الدارقطني متروك
الحديث وعن ابن معين أجمعوا على طرح حديثه ثم أورد له مما
أنكر عليه هذا الخبر
(3/86)
2815 - (أول شهر رمضان رحمة وأوسطه مغفرة
وآخره عتق من النار) أي في أوله يصب الله الرحمة على
الصائمين صبا ويسح عليهم البركة سحا وفي وسطه يغفر الله
لصوامه وفي آخره يعني في آخر ليلة منه كما ورد في خبر يعتق
جمعا حافلا عظيما من النار كانوا قد استوجبوها وهذا تنبيه
عظيم بفضل صوامه
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في فضل رمضان) أي في كتاب فضائل
رمضان (خط وابن عساكر) في التاريخ كلهم (عن أبي هريرة)
ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره
(3/86)
2816 - (أول شيء يحشر الناس نار تحشرهم) من
المشرق إلى المغرب أي تخرج من جهة المشرق فتسوقهم إلى جهة
المغرب فذلك أول الحشر والحشر الجمع مع سوق وفي وراية أول
أشراط الساعة نار تحشر الناس إلخ قال القاضي: لعله لم يرد
به أول الأشراط مطلقا بل الأشراط المتصلة بالساعة الدالة
على أنها تقوم عما قريب أو أراد بالنار نار الحرب والفتن
كفتنة الترك فإنها سارت من المشرق إلى المغرب
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما
لم يتعرض الشيخان ولا أحدهما لتخريجه وإلا لما أبعد النجعة
بالعزو للطيالسي وهو ذهول شنيع فقد عزاه الديلمي وغيره إلى
البخاري ومسلم وكذا أحمد ولفظهم أول من يحشر الناس نار
تجيء من قبل المشرق فتحشر الناس إلى المغرب
(3/86)
2817 - (أول شيء) أي أول مأكول (يأكله أهل
الجنة) في الجنة إذا دخلوها (زيادة كبد الحوت) (1) وهي
القطعة المنفردة عن الكبد المتعلقة به وهي أطيب الكبد
وألذه وفي رواية من زائدة كبد الثور أي ثور الجنة وحكمة
خصوصية أكلهم منهما أنهما أساس الدنيا لأنها مركبة على متن
ثور والثور على ظهر حوت والحوت في الماء ولا يعلم ما تحت
الماء إلا الذي خلقه فالأكل منهما إشارة إلى خراب الدنيا
وبشارة بفساد أساسها وأمن العود إليها وخص الأكل بالزائدة
لما بينه الأطباء أن العلة إذا وقعت في الكبد دون الزائدة
رجى برؤه وإن وقعت في الزائدة هلك العليل لا محالة فأكلهم
من الزائدة أدخل في البشرى أفاده ابن جماعة ثم هذه الأولية
لا تدافع بينها وبين خبر إذا سكن [ص:87] أحدكم الجنة أتاكم
ملك فيقول إن الله يأمركم أن تزوروه إلى أن قال ثم توضع
مائدة الخلد الحديث ما ذاك إلا لأنه لا مانع من أن زيادة
الكبد توضع قبل تلك المائدة وأن هذا جار على المألوف في
الدنيا من أنه بمجرد الذبح يعجل بالكبد فتشوى فيأكلها
الحاضرون حتى ينضج الطعام بعد
(الطيالسي) أبو داود (عن أنس) قال: جاءت اليهود إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما أول ما يأكل أهل
الجنة إذا دخلوها فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره
مخرجا لأحد من المشاهير المكثرين الذين وضع لهم الرموز وهو
عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي:
ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن بهرام وهو ثقة بل رواه
سلطان الفن البخاري بلفظ أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة
كبد حوت يأكل منه سبعون ألفا انتهى فعدول المصنف للطيالسي
واقتصاره عليه تقصير عجيب
_________
(1) وحكمة اختصاصها بأولية الأكل أنها أبرد شيء في الحوت
فبأكلها تزول الحرارة الحاصلة لهم في الموقف
(3/86)
2818 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة
الصلاة) أي المفروضة وهي الخمس لأنها أول ما فرض عليه بعد
الإيمان وهي علم الإيمان وراية الإسلام (فإن صلحت) بأن كان
قد صلاها متوفرة الشروط والأركان وشملها القبول (صلح له
سائر عمله) يعني سومح له في جميع أعماله ولم يضايق في شيء
منها في جنب ما واظب من إدامة الصلاة التي هي علم الدين
(وإن فسدت) أن لم تكن كذلك (فسد سائر عمله) (1) أي ضويق
فيه واستقصى فحكم بفساده وأخذ منه الأئمة أن حكمة مشروعية
الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميلها بها إن عرض نقص قال
الطيبي: الصلاح كون الشيء على حالة استقامته وكماله
والفساد ضد ذلك وذلك لأن الصلاة بمنزلة القلب من الإنسان
فإذا صلحت صلحت الأعمال كلها وإذا فسدت فسدت
(طس والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيثمي: فيه القاسم بن
عثمان قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها وقال ابن
حبان: هو ثقة وربما أخطأ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم
يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف
عندهم وهو ذهول فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن
أبي هريرة مع تغيير يسير ولفظه يعني الترمذي إن أول ما
يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد
أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر انتهى. فإن انتقص من
فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع
فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على مثل
ذلك
_________
(1) وهذا مخرج مخرج الزجر والتحذير من التفريط فيها واعلم
أن من أهم أو أهم ما يتعين رعايته في الصلاة الخشوع فإنه
روحها ولهذا عده الغزالي شرطا وذلك لأن الصلاة صلة بين
العبد وربه وما كان كذلك فحق العبد أن يكون خاشعا فيه
لصولة الربوبية على العبودية
(3/87)
2819 - (أول ما يرفع من الناس) (1) في
رواية من هذه الأمة (الأمانة) قال ابن العربي: وهي أي هنا
معنى يحصل في القلب فيأمن به المرء من الردى في الآخرة
والدنيا وأصله الإيمان (وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة)
كلما ضعف الإيمان بحب الدنيا ونقص نوره بالمعاصي والشهوات
وذهبت هيبة سلطانه من القلوب اضمحلت الأمانة وإذا ضعفت
الأمانة وخانت الرعية فيها فأخرت الصلاة عن أوقاتها وقصر
في إكمالها أدى ذلك إلى ارتفاع أصلها (ورب مصل) آت بصورة
الصلاة (لا خلاق له عند الله) أي لا نصيب له عنده [ص:88]
من قبولها والإثابة عليها وفي رواية ورب مصل لا خير فيه أي
لكونه غافلا لاهي القلب وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل
كما في حديث آخر وقد قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} فظاهر
الأمر الوجوب والغفلة ضده فمن غفل في جميع صلاته لا يكون
مقيما للصلاة لذكره تعالى فلا خلاق له عنده فافهم وقد روى
ابن المبارك في الزهد عن عمار بن ياسر يكتب للرجل من صلاته
ما سها عنه
(الحكيم) الترمذي (عن زيد بن ثابت) قال في اللسان عن
العقيلي: حديث فيه نكارة ولا يروى من وجه يثبت وقال
الأسدي: سلام بن واقد أي أحد رواته منكر الحديث انتهى
وقضية تصرف المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد المشاهير الذين
رمز لهم والأمر بخلافه فقد خرجه البيهقي في الشعب من حديث
ابن عمر وغيره وخرجه الطبراني في الصغير من حديث عمر
_________
(1) والأولية نسبية إذ رفع القرآن يسبقها
(3/87)
2820 - (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة)
وتمامه عند مخرجه الطبراني في روايته عن أنس ولا دين لمن
لا أمانة له ولا أمانة لمن لا عهد له وحسن العهد من
الإيمان انتهى وفي رواية أول شيء يفقد من أمتي الأمانة من
دينهم قال ابن العربي: وصفة رفع الأمانة وفقدها أن ينام
الإنسان فتقبض من قلبه والمعنى فيه أن المرء في النوم
متوفي ثم مرجوع إليه روحه فإذا قبضت على صفة من الأمانة
ردت إليه بدونها وتحقيقه أن الأعمال لا يزال يضعفها
نسيانها حتى إذا تناهى الضعف ذهبت بالنوم عن النفس فإذا
ردت عليه ردت دونها فلا يبقى لها أثر وما عنده من الإيمان
وأصل الإعتقاد الضعيف في ظاهر القلب ثم ينام فلا ترجع إليه
إلا بعد نزع باقي الأمانة بقوة فلا يبقى شيء
(طب عن شداد بن أوس) قال الهيثمي: فيه المهلب بن العلاء لم
أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات
(3/88)
2821 - (أول ما يرفع من الناس الخشوع) أي
خشوع الإيمان الذي هو روح العبادة وهو الخوف أو السكون أو
معنى يقوم في النفس يظهر عنه سكون الأطراف يلائم مقصوده
العبادة قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه
وخرج بخشوع الإيمان خشوع النفاق والفرق بينهما أن الأول
خشوع القلب لله بالإجلال والوقار والمهابة والحياء والثاني
يبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع
(طب عن شداد بن أوس) قال الزين العراقي في شرح الترمذي
وتبعه الهيثمي: فيه عمران القطان ضعفه ابن معين والنسائي
ووثقه أحمد
(3/88)
2822 - (أول شيء يرفع من هذه الأمة)
المحمدية (الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا) خشوع إيمان بل
خشوع تماوت ونفاق فيصير الواحد منهم ساكن الجوارح تصنعا
ورياء ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو
يتخشع في الظاهر وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة
وقال الراغب: قال رجل للحسن البصري: أمؤمن أنت قال: إن كنت
تريد قول الله تعالى {آمنا بالله وما أنزل إلينا} فنعم به
نتناكح ونتوارث وإن أردت قوله {إنما المؤمنون الذين إذا
ذكر الله وجلت قلوبهم} فلا أدري
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: سنده حسن انتهى وظاهر
اقتصار المصنف على عزوه للطبراني أنه لا يوجد مخرجا لأحد
أعلى ولا أولى بالعزو وهو قصور فقد خرجه الإمام أحمد في
المسند من حديث عوف بن مالك ولفظه أول ما يرفع من هذه
الأمة الأمانة والخشوع حتى لا يكاد يرى خاشعا وليكونن
أقوام يتخشعون وهم ذئاب ضواري انتهى بحروفه
(3/88)
2823 - (أول) في رواية أثقل (ما يوضع في
الميزان) من أعمال البر (الخلق الحسن) لجمعه جميع الخيرات
وبه ينشرح الصدر [ص:89] للعبادات وتسخو النفس في الدنيا في
المعاملات ذكر الغزالي له تتمة وهي السخاء قال الجنيد:
أربع ترفع العبد إلى أعلا الدرجات وإن قل علمه الحلم
والتواضع والسخاء وحسن الخلق. قال الغزالي: وحسن الخلق
يرجع إلى اعتدال قوة العقل بكمال الحكم والى اعتدال قوة
الغضب والشهوة وهذا الاعتدال يحصل على وجهين أحدهما بجود
إلهي وكمال نظري بحيث يخلق الإنسان كامل العقل حسن الخلق
قد كفي سلطان الغضب والشهوة فيصير بغير معلم عالما وبغير
مؤدب متأدبا والثاني اكتسابه بالمجاهدة والرياضة
(طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والقضاعي والديلمي (عن أم
الدرداء) خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي نزلت الشام وماتت في
إمرة عثمان ومن العجب قول الحافظ الزين العراقي في المغني
لم أقف لحديث أول ما يوضع إلخ على أصل
(3/88)
2824 - (أول ما يوضع في الميزان نفقة الرجل
على أهله) أي على من تلزمه مؤونته من نحو زوجة ووالد وولد
وخادم وغيرها والأولية في هذا الخبر وما قبله على معنى من.
خص الرجل لأنه الذي تلزمه النفقة غالبا لا لإخراج غيره
فأول ما يوضع في ميزان الأنثى والخنثى نفقتهما على من
تلزمهما نفقته من أصل وفرع وخادم ونحوها
(طس عن جابر) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري:
حديث ضعيف وقال غيره: فيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي
أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة والدارقطني
(3/89)
2825 - (أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم
أوله وفتح الضاد المعجمة مبنيا للمفعول في محل الصفة وما
نكرة موصوفة والعائد الضمير في يقضى أي أول قضاء يقضى (بين
الناس يوم القيامة في الدماء) وفي رواية بالدماء أي أول ما
يحكم الله تعالى بين الناس يوم القيامة في متعلقات الدماء
أو أول القضايا القضاء في الدماء أو أول ما يقضى فيه الأمر
الكائن في الدماء وذلك لعظم مفسدة سفكها ولا يناقضه خبر
أول ما يحاسب به العبد الصلاة لأن ذلك في حق الحق وذا في
حق الخلق أي أن أول بمعنى من أول أو أول ما يحاسب به من
الفرائض البدنية الصلاة ثم أول ما يحكم فيه من المظالم
الدماء قال الحافظ العراقي: وظاهر الأخبار أن الذي يقع
أولا المحاسبة على حق الله تعالى وفي حديث الصور الطويل
أول ما يقضى بين الناس في الدماء ويأتي كل قتيل قد حمل
رأسه فيقول: يا رب سل هذا لم قتلني
(حم ق ن هـ عن ابن مسعود) ظاهره أنه لم يروه من الستة إلا
هؤلاء الأربعة وليس كذلك بل رواه الكل إلا أبا داود
والبخاري والترمذي وابن ماجه في الديات ومسلم في الحدود
والنسائي في المحارم
(3/89)
2826 - (أول ما يحاسب به العبد) أي الإنسان
حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى (الصلاة) لأنها أم العبادات
وأول الواجبات بعد الإيمان (وأول ما يقضى بين الناس في
الدماء) لأنها أكبر الكبائر بعد الشرك والبداءة بها تدل
على أهميتها وعظم مفسدة القتل فإنه هدم البنية الإنسانية
التي بنتها القدرة الإلهية فليس بعد الكفر ذنب أعظم من
القتل وما في هذا الحديث موصولة وهو موصول حرفي ويتعلق
الجار بمحذوف أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في ذلك وقد
استدل بهذا الخبر وما قبله على أن القضاء يختص بالناس ولا
دخل للبهائم فيه وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء
بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم بعد القضاء بين
الناس
(ن عن ابن مسعود) عبد الله
(3/89)
2827 - (أول ما يرفع من هذه الأمة)
الإسلامية (الحياء والأمانة) تمامه كما في الفردوس فسلوهما
الله عز وجل [ص:90] الحياء خير كله فبزواله يحل الشر كله
وبزوال الأمانة تحل الخيانة ثم يحتمل أن المراد الأمانة
المتعارفة التي هي ضد الخيانة أو الصلاة
(القضاعي) في مسند الشهاب وكذا أبو يعلى وأبو الشيخ [ابن
حبان] (عن أبي هريرة) وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار
وهو متروك فقول العامري حسن غير حسن
(3/89)
2828 - (أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة
الأوثان) أي الأصنام (شرب الخمر) قال القضاعي: وذلك من أول
ما بعث من قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة فلم يبح
له قط وقوله بعد عبادة الأوثان لا يقتضي أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم عبدها حاشاه حاشاه من ذلك إذ الأنبياء
معصومون (وملاحاة الرجال) أي مقاولتهم ومخاصمتهم ومنازعتهم
ومناظرتهم بقصد الاستعلاء فتلك الملاحاة هي السم الناقع
ولم يكن السلف يتناظرون على ذلك بل لقصد تحقيق الحق لوجه
الله تعالى قال الشافعي: ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ بل
أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ وما
كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه
وعن علي: إياكم وملاحاة الرجال فإنهم لا يخلون من عاقل
يمكر بكم أو جاهل يعجل لكم بما ليس فيكم واعلموا أن الكلام
ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمعا فلا بد من إنتاج. <تنبيه> من
ألفاظهم البديعة البليغة من زرع الإحن حصد المحن
(طب) وكذا البزار (عن أبي الدرداء وعن معاذ بن جبل) قال
الهيثمي: فيه عمرو بن واقد وهو متروك رمي بالكذب وقال
الذهبي في المهذب: فيه إسماعيل بن رافع واه وأورده في
الميزان في ترجمة عمرو بن واقد من حديثه وقال البخاري:
منكر الحديث وعن النسائي ومروان كان يكذب
(3/90)
2829 - (أول ما يهراق) أي يصب (من دم
الشهيد) شهيد الدنيا والآخرة وهو من قائل لتكون كلمة الله
هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ومات في المعركة بسبب
القتال (يغفر) الله (له ذنبه كله إلا الدين) بفتح الدال
وفي رواية للطبراني أيضا أول قطرة تقطر من دم الشهيد يكفر
بها ذنوبه والثانية يكسى من حلل الإيمان والثالثة يزوج من
الحور العين انتهى. وفي هذا السياق دلالة على أن الكلام في
دم القتل أو ما أدى إليه لا في دم جراحة لم يمت منها كما
هو مبين وظاهر أن المراد بالدين دين الآدمي لا دين الله
تعالى
(طب ك عن سهل بن حنيف) بضم المهملة وفتح النون وسكون
التحتية ابن واهب الأنصاري بدري جليل وفيه عند الحاكم عبد
الرحمن بن سعد المدني قال الذهبي: له مناكير وقال الهيثمي:
رجال الطبراني رجال الصحيح
(3/90)
2830 - (أول من أشفع له) عند الله تعالى
(يوم القيامة من أمتي) أمة الإجابة (أهل بيتي) مؤمنو بني
هاشم والمطلب وأصحاب الكساء (ثم الأقرب) ثم بعدهم أشفع
للأقرب (فالأقرب) إلى (من قريش) القبيلة المشهورة (ثم
الأنصار) الأوس والخزرج (ثم من آمن بي واتبعني من اليمن)
أي من أقطار اليمن وجهاته (ثم من سائر العرب) على اختلاف
طبقاتهم وشعوبهم وقبائلهم (ثم) من آمن بي من (الأعاجم) جمع
عجمي والمراد بهم هنا ما عدا العرب (ومن أشفع له أولا)
[ص:91] وهم أهل البيت (أفضل) ممن بعدهم أي ثم من بعدهم
أفضل وهكذا ولا يعارضه خبر أول من أشفع له من أمتي أهل
المدينة إلخ لأن الأول في الآحاد والجماعة والثاني في أهل
البلد كله فيحتمل أن المراد البداءة في قريش بأهل المدينة
ثم مكة ثم الطائف وكذا الأنصار ومن بعدهم ويحتمل أن المراد
أنه يبدأ من أهل المدينة بقريش ثم الأنصار ثم من بعدهم من
أهل مكة كذلك على هذا الترتيب ومن أهل الطائف بذلك كذلك
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم
ورواه الدارقطني في الأفراد عن أبي الربيع الزهراني عن حفص
بن داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال الدارقطني: تفرد
به حفص عن ليث انتهى. وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال ليث ضعيف
وحفص كذاب وهو المتهم به انتهى وأقره عليه المؤلف في مختصر
الموضوعات وأخرجه أيضا أبو الطاهر المخلص في السادس من
حديثه
(3/90)
2831 - (أول من أشفع له من أمتي) أمة
الإجابة (أهل المدينة) النبوية (وأهل مكة وأهل الطائف) قد
تقرر وجه الجمع بينه وبين ما قبله فلا تغفل
(طب) وكذا البزار (عن عبد الله بن جعفر) قال الهيثمي: وفيه
من لم أعرفهم
(3/91)
2832 - (أول من يلحقني من أهلي) أي أول من
يدرك ويصير معي بعد انتقالي من هذه الدار إلى ديار الأفراح
والأخيار (أنت يا فاطمة) الزهراء خاطبها بذلك في مرضه الذي
مات فيه وذلك أنها دخلت عليه فرحب بها وقبلها وأسر إليها
أنه ميت فبكت فأسر إليها أنها أول أهله لحوقا به فضحكت
(وأول من يلحقني من أزواجي زينب) مشتق من الزنب وهو الحسن
كذا في المطامح عن شيخه البرجيني (وهي أطولكن كفا) كذا هو
في خط المصنف وفي رواية يدا ولم يرد الطول الحسي بل
المعنوي وهو كثرة الصدقة يقال: ما طالت يده لصرف كذا إذا
لم يكن معه مال وفلان يده طولى يستعمله في الجاه والمال
وأنه لذو طول في ماله وقدرته وهو ذو طول علي ومنة وقد تطول
علي بذلك
(ابن عساكر) في التاريخ (عن واثلة) بن الأسقع
(3/91)
2833 - (أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا
فخر) أي لا أقوله فخرا (ثم تنشق عن أبي بكر وعمر) رضي الله
عنهما (ثم تنشق عن الحرمين) أي عن أهل الحرمين (مكة
والمدينة) إكراما لهم وإظهارا لمزيتهم على غيرهم (ثم أبعث
بينهما) أي أنشر وأذهب بين الحرمين لأجمع إلى الفريقين وقد
سبق توضيحه قال في الصحاح وغيره: بعث الموتى نشرهم من
قبورهم وقال الزمخشري: بعث الشيء أثاره ويوم البعث يوم
يبعثنا الله من القبور
(ك) في معرفة الصحابة من حديث عاصم بن عمر عن عبد الله بن
دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح وتعقبه
الذهبي فقال: عاصم هو أخو عبيد الله ضعفوه
(3/91)
2834 - (أول من يشفع يوم القيامة) عند الله
تعالى (الأنبياء) الفائزون بالإحاطة بالعلم والعمل
المجاوزون حد الكمال إلى [ص:92] درجة التكميل (ثم العلماء)
الذين يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهو العلماء
الراسخون في العلم العاملون به الذين هم شهداء الله في
أرضه (ثم الشهداء) الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد
في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله ذكره
كله القاضي قال القرطبي: فأعظم بمرتبة هي بين النبوة
والشهادة
(الموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء وموحدة تحتية
نسبة إلى موهب بطن من المعاقر في كتاب (فضل) العلماء
(والعلم) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (خط) كلهم
(عن عثمان) بن عفان وفيه عنبسة بن عبد الرحمن أورده الذهبي
في الضعفاء وقال: متروك متهم عن علاق بن أبي مسلم قال أعني
الذهبي وهاه الأزدي عن أبان بن عثمان قال: متكلم فيه
(3/91)
2835 - (أول من يدعى إلى الجنة) زاد في
رواية يوم القيامة (الحمادون) صيغة مبالغة أي (الذين
يحمدون الله) تعالى كثيرا (على) في رواية في (السراء) سعة
العيش والسرور (والضراء) الأمراض والمصائب فهم راضون من
الله تعالى في كل حال ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: ما بقي
لي سرور إلا في مواقع القدر وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما
يقضي الله تعالى وقال الفضيل: إن لم تصلح على تقدير الله
وتحمده لم تصلح على تقدير نفسك ونظر رجل إلى قرحة في رجل
ابن واسع فقال: إني لأرحمك قال: إني لأحمد الله عليها منذ
خرجت إذ لم تخرج في عيني
(طب) وكذا في الأوسط والصغير (ك) في كتاب الدعاء (هب) وكذا
أبو نعيم كلهم (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط مسلم
وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي بعد ما عزاه للطبراني
وأبو نعيم والبيهقي فيه قيس بن الرفيع ضعفه الجمهور وقال
الهيثمي: في أحد أسانيد الطبراني قيس بن الربيع وثقه شعبة
وضعفه القطان وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح
(3/92)
2836 - (أول من يكسى) يوم القيامة (من
الخلائق) على اختلاف أنواعها وطبقاتها وتباين أممها
ولغاتها بعد ما يحشر الناس كلهم عراة أو الغالب أو بعد
خروجهم من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم
عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى من
ثياب الجنة (إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام لأنه جرد
في ذات الله حين ألقي في النار أو لأنه لم يكن أخوف لله
منه فتعجل كسوته إيناسا له ليطمئن قلبه أو لأنه أول من
استن السراويل مبالغة في الستر وحفظا لفرجه فلما اتخذ هذا
النوع الذي هو أستر للعورة من جميع الملابس جوزي بأنه أول
من يكسى ثم يكسى المصطفى صلى الله عليه وسلم حلة أعظم من
كسوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لينجبر التأخير بنفاسة
الكسوة فيكون كأنه كسي معه فلا تعارض بينه وبين الخبر
المار أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى (1)
(البزار) في مسنده (عن عائشة) قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي
سليم وهو مدلس
_________
(1) هذا التعليل فيه نظر فإن أول من يكسى المصطفى صلى الله
عليه وسلم بدليل نص الحديث أنا أول من تنشق عنه الأرض
فأكسى اه
(3/92)
2837 - (أول من فتق لسانه) ببناء فتق
للمفعول وللفاعل أي الله (بالعربية) أي باللغة العربية وهي
كما في المصباح كغيره ما نطق به العرب (المبينة) أي
الموضحة الصريحة الخالصة (إسماعيل) ابن إبراهيم الخليل قال
الزمخشري: ويسمى أبو الفصاحة قال في الروض الأنف: وهو نبي
مرسل إلى جرهم والعماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض
وكفر بعض (وهو ابن أربع عشرة سنة) قال الديلمي: أصل الفتق
الشق أي أنطق الله لسان إسماعيل حتى تكلم بها وكان أول من
[ص:93] نطق بها كذلك وقال في المصباح: يقال العرب العاربة
هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان وهو اللسان القديم
والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن
إبراهيم وهي لغة الحجاز وما والاها انتهى. قال ابن حجر:
وأفاد بهذا القيد أعني المبينة أوليته في ذلك بحسب الزيادة
والبيان لا الأولية المطلقة وإلا فأول من تكلم بالعربية
جرهم وتعلمها هو من جرهم ثم ألهمه الله العربية الفصيحة
المبينة فنطق بها ويشهد له ما حكي أن عربية إسماعيل كانت
أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل كون
الأولية مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى إخوته من ولد إبراهيم
(الشيرازي) في كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ظاهر
عدول المصنف للشيرازي أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير
الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الطبراني والديلمي
من حديث ابن عباس باللفظ المزبور قال ابن حجر: وإسناده حسن
ورواه الزبير بن بكار من حديث علي رفعه باللفظ المزبور
وحسن ابن حجر إسناده أيضا
(3/92)
2838 - (أول من خضب) أي لون شعره أي صبغه
(بالحناء) يقال خضب بالتشديد كما في المصباح قال: والتخفيف
من باب نفع لغة (والكتم) بفتحتين نبت فيه حمرة يخلط
بالوشمة أو الحناء ويختضب به وفي كتب الطب الكتم من نبت
الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر قدر الفلفل
ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصح به في البادية
(إبراهيم) الخليل فلذلك كان الخضب بهما مسنونا (وأول من
اختضب بالسواد فرعون) فلذا كان الخضب فيه لغير الجهاد
محرما وفرعون فعلون اسم أعجمي والجمع فراعنة قال ابن
الجوزي: وهم ثلاثة فرعون الخليل واسمه سنان وفرعون يوسف
واسمه الربان وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب اه والظاهر
أن المراد هنا الأول بقرينة ذكره مع إبراهيم
(فر وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) وفيه منصور بن عمار
قال العقيلي: فيه تجهم وقال الذهبي: له مناكير
(3/93)
2839 - (أول من دخل الحمامات) جمع حمام
(وصنعت له النورة) بضم النون حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط
تضاف إليه من زرنيخ وغيره تفعل لإزالة الشعر (سليمان بن
داود) النبي بن النبي (فلما دخله) أي الحمام (وجد حره وغمه
فقال: أوه من عذاب الله أوه قبل أن لا يكون أوه) بسكون
الواو وكسر الهاء وقيل بتشديد الواو وفتحها كلمة تقال عند
الشكاية والتوجع يعني أنه ذكر بحره وغمه حر جهنم وغمها فإن
الحمام أشبه بيت بجهنم النار من تحت والظلام من فوق
والعارف الكامل لا يغفل عن الآخرة في كل لحظة لكونها نصب
عينه بل له في كل ما يراه من ماء ونار أو غيرهما عبرة
وموعظة فإن نظر إلى سواد ذكر ظلمة اللحد أو إلى حية ذكر
أفاعي جهنم أو إلى بشع مهول ذكر منكر ونكير أو الزبانية أو
سمع صوتا هائلا ذكر نفخة الصور فلا تصرفه مهمات الدنيا عن
مشاهدة مهمات العقبى
(عق طب) وكذا في الأوسط (عد هق) وكذا في الشعب (عن أبي
موسى) الأشعري قضية كلام المصنف أن مخرجيه سكتوا عليه
والأمر بخلافه فقد تعقبه البيهقي بما نصه: تفرد به إسماعيل
الأزدي. قال البخاري: ولا يتابع عليه وقال مرة: فيه نظر
إلى هنا كلام البيهقي وفيه أيضا إبراهيم بن مهدي ضعفه
الخطيب وغيره وقال الذهبي كابن عساكر في تاريخ الشام: حديث
ضعيف وفي اللسان كأصله: هذا من مناكير إسماعيل ولا يتابع
عليه وقال الهيثمي: بعد ما عزاه للطبراني فيه صالح مولى
التوأمة ضعفوه بسبب اختلاطه وابن أبي ذؤيب سمع منه قبل
الإختلاط وهذا من روايته عنه انتهى وأقول: لكن فيه أيضا
هشام بن عمار وفيه كلام وعبد الله بن زيد البكري أورده
الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو حاتم اه فتعصيب [ص:94]
الهيثمي الجناية برأس صالح وحده غير صالح
(3/93)
2840 - (أول من غير) بشد المثناة تحت (دين
إبراهيم) الخليل وفي رواية دين إسماعيل ولا تدافع إذ دين
إسماعيل هو دين إبراهيم أي أول من بدل أحكام شريعته وحولها
وجعلها على خلاف ما هي عليه ففي القاموس غيره جعله على
خلاف ما كان عليه وحوله وبدله (عمرو بن لحي) بضم اللام
وفتح الحاء المهملة كذا في هذه الرواية وفي رواية أخرى
عمرو بن عامر ولا تعارض كما أشار إليه الكرماني وغيره
فعامر اسم ولحي لقب أو عكسه أو أحدهما اسم الأب والآخر
الجد فنسب تارة لأبيه وتارة لجده (ابن قمعة) بالقاف (ابن
خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وآخره فاء وهو (أبو
خزاعة) القبيلة المشهورة وهو أول من ولي البيت بعد جرهم
وورد في رواية لابن إسحاق بيان ذلك التغيير فقال: فنصب
الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة (1) ووصل الوصيلة وحمى
الحامي قال: وسببه أنه كان له تابع من الجن يقال له أبو
ثمامة فأتاه ليلة فقال: أرحب أبا ثمامة فقال: لبيك من
تهامة فقال: ادخل بلا ملامة فقال: ائت سيف جدة تجد آلهة
معدة فخذها ولا تهب وادع إلى عبادتها تجب فتوجه إلى جدة
فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود
وسواع ويغوث ويعوق ونسر فحملها إلى مكة ودعا إليها فانتشرت
عنه عبادة الأصنام في العرب
(طب عن ابن عباس)
_________
(1) قال ابن عباس: البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن
بحروا أذنها وتركوا الحمل عليها وركوبها ولم يجزوا وبرها
ولم يمنعوها الماء والكلأ ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان
ذكرا بحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى بحروا أذنها
وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها وكانت منافعها
خاصة للرجال فإذا ماتت حلت للرجال والنساء والسائبة البعير
الذي يسيب وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية إذا مرض أو غاب
له قريب نذر فقال: إن شفاني الله إلخ فناقتي هذه سائبة ثم
يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت
بمنزلة البحيرة
(3/94)
2841 - (أول من يبدل سنتي) أي طريقتي
وسيرتي القويمة التي أنا عليها بما أصلته لكم من الأحكام
الإعتقادية والعملية (رجل من بني أمية) بضم الهمزة زاد
الروياني في مسنده وابن عساكر يقال يزيد اه. قال البيهقي
في كلامه على الحديث: هو يزيد بن معاوية لخبر أبي يعلى
والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع لا يزال أمر أمتي قائما
بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له
يزيد
(ع عن أبي ذر) الغفاري
_________
(1) [وقال الهيثمي: وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا؟ ؟ أمر أمتي قائما
بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له
يزيد. رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح
إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبادة (لعله أبا عبيدة راوي
الحديث) . دار الحديث]
(3/94)
2842 - (أول ما يرفع) أي من الدنيا في آخر
الزمان (الركن) اليماني والظاهر أن المراد الحجر الأسود
وكلام المصنف في الساجعة صريح فيه قال: ولن تزال هذه الأمة
بخير ما دام فيها إلا أن يرفعه جبريل (والقرآن) أي بذهاب
حفظته أو بمحوه من صدورهم (ورؤيا النبي في المنام) يحتمل
أن أل في النبي للعهد والمعهود نبينا صلى الله عليه وسلم
فيكون ذلك من خصائصه ويحتمل أن المراد الجنس فلا يرى أحد
من الناس أحدا من الأنبياء في النوم أصلا
(الأزرقي في تاريخ مكة) المشهور (عن عثمان) بن عمر (بن
ساج) بمهملة وآخره جيم الجزري مولى بني أمية وينسب إلى جده
غالبا قال في التقريب: فيه ضعف (بلاغا) أي أنه قال: بلغنا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
(3/94)
[ص:95] 2843 - (أول ما افترض الله تعالى
على أمتي الصلوات الخمس) المعروفة (وأول ما يرفع من
أعمالهم الصلوات الخمس (1)) أي بموت المصلين واتفاق خلفهم
على تركها (وأول ما يسئلون عن الصلوات الخمس فمن كان ضيع
شيئا منها) بأن لم يفعله أو فعله مع اختلال بعض الأركان أو
الشروط أو مع توفرها ولم تقبل لعدم نحو إخلاص (يقول الله
تبارك وتعالى) أي لملائكته (انظروا) أي تأملوا (هل تجدون
لعبدي نافلة من الصلاة) أي صلاة نافلة (تتمون بها ما نقص
من الفريضة) أي فإن وجدتم ذلك فكملوا به فرضه لأن المصلي
مثل التاجر الذي لا يخلص الربح حتى يخلص له رأس المال فلا
يقبل له نفل حتى يؤدي الفرض وكذا يقال فيما يأتي (وانظروا
في صيام عبدي شهر رمضان فإن كان ضيع شيئا منه) بالمعنى
المذكور فيما قبله (فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام
تتمون منها ما نقص من صيام وانظروا في زكاة عبدي فإن كان
ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون
بها ما نقص من الزكاة فيؤخذ ذلك) أي النفل (على فرائض
الله) أي عنها (وذلك برحمة الله) العبد أي برفقه به
وإحسانه إليه (وعدله) إذ لو لم يكمل له بها فرضه لخسر وهلك
(فإن وجد فضلا) أي زيادة بعد تكميل الفرض (وضع في ميزانه)
فرجح (وقيل له) من قبل الله تعالى على لسان بعض ملائكته أو
من شاء (ادخل الجنة مسرورا) أي حال كونك فرحا منشرحا
والسرور ما يسر به الإنسان (وإن لم يجد له شيئا من ذلك) أي
من الفرائض أو من النوافل التي يكمل بها نقصها (أمرت به
الزبانية) أي أمرهم الله بإلقائه في النار (فأخذ) أي
فأخذوا (بيديه ورجليه) خصهما إشارة إلى هوانه عليهم
واستحقاره عندهم (ثم قذف به في النار) أي ألقي في نار جهنم
ذميما مقبحا مستهانا به كالجيفة التي ترمى للكلاب. قال في
المطامح: يؤخذ من هذه الأولية المذكورة في صدر هذا الخبر
أن الصلاة لها أولوية عند الله سبحانه وتعالى. قال ابن
عطاء الله: واعلم أن الحق سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من
الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة حتى إذا قام
العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما يجبر بالنافلة التي هي من
جنسه فلذا أمر بالنظر في فريضة العبد فإن قام بها كما أمر
الله جوزي عليها وأثبتت له وإن كان فيه خلل كملت من نافلته
حتى قال البعض: إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة
ولما جعل الله تعالى عباده أقوياء وضعفاء فسح على الصعفاء
بالإكتفاء [ص:96] بالواجبات وفتح للأقوياء باب نوافل
الخيرات فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته
فقاموا بها تخليصا لأنفسهم من وجود الهلكة وملافاة العقوبة
فما قاموا شوقا له ولا طلبا للوفاء مع ربوبيته بل قوبلوا
بالمخالفة فلم يقبل منهم قيامهم هذا فإنهم لم ينهضوا إلا
لأجل نفوسهم ولم يطلبوا إلا حظوظهم فقاموا بواجبات الله
مجرورين بسلاسل الإيجاب عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة
بسلاسل وآخرون عندهم من غليان الشغف وشدة الحب ما ليس
يكفيهم الواجبات بالنوافل وسرمدوا بها الأوقات وحملوا
أنفسهم ما لا يطيقون بطاعته لباعث الشغف فأشفق عليهم
الشارع فأمرهم بالقصد في عدة مواضع
(الحاكم) في كتاب (الكنى) والألقاب (عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) ويحتمل أن يكون المراد أول ما يرفع إلى الله تعالى من
ثواب أعمالهم ثواب الصلاة فلا تعارض بينه وبين أول ما يرفع
من الناس الأمانة وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة
(3/95)
2844 - (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة
صلاته) لأن الله تعالى قد أذنه بتعظيم أمرها وأشار إليه
بالاهتمام بشأنها فإنها مقدمة عنده على غيرها حيث كان أول
شيء بدأ به عباده من الفرائض وكان المصطفى صلى الله عليه
وسلم إذا أسلم رجل أول شيء يعلمه الصلاة لأنه إنما يضع
الأمور على حسب وضع ربه ناظرا في ذلك إلى حكمته الإلهية
فبعد تقرر هذه الأولية والأهمية عند العبد ناسب أن يكون
أول السؤال عنها إذ لا عذر لها حينئذ (فإن كان أتمها كتبت
له) أي أمر الله تعالى بكتابتها في صحف الملائكة أو
المحاسبة أو غيرهما (تامة وإن لم يكن أتمها قال الله
لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع) بزيادة من
للتأكيد (فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ
الأعمال على حسب ذلك) قال الحافظ العراقي: المراد من
الإكمال إكمال ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة وأنه
يحصل له ثوابه في الفرض وإن لم يفعله أو ما انتقص من
فروضها وشروطها أو ما ترك من الفرائض رأسا اه. <تنبيه> قال
ابن عربي: في الفرائض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي
الفرع وهو النفل عبودية الاختيار سمي نفلا لأنه زائد فإنك
في أصلك زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فأنت
نفل في وجود الحق تعالى ففي أداء الفرائض أنت له وفي النفل
أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم من حبه إياك من
حيث ما أنت لك ولا نفل إلا بعد فرض في عين النفل فروض
ونوافل فما فيه من الفروض تكمل الفرائض ولما لم يكن في قوة
النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر
الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل
على فرائض ونوافل وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة
وهذه الأفعال والأقوال فرائض فيها انتهى
(حم د هـ ك عن تميم الداري) قال الهيثمي: رجاله رجال
الصحيح
(3/96)
2845 - (أول نبي أرسل نوح) قال السهيلي:
اسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على نفسه ولا تعارض بينه
وبين ما بعده من أن أولهم آدم لأن نوحا أرسل إلى الكفار
وآدم أول رسول إلى بنيه ولم يكونوا كفارا ثم نوح هو أحد
أولي العزم الخمسة الذين هم أفضلهم
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) وهو في مسلم في أثناء
حديث الشفاعة ولفظه: ائتوا نوحا أول رسول
(3/96)
[ص:97] 2846 - (أول الرسل آدم) إلى بنيه
وكانوا مؤمنين فعلمهم شرائع علم الله (وآخرهم محمد) صلى
الله عليه وسلم لقوله تعالى {وخاتم النبيين} فلا نبي بعده
(وأول أنبياء بني إسرائيل موسى) بن عمران (وآخرهم عيسى) بن
مريم (وأول من خط بالقلم) أي كتب ونظر في علم النجوم
والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود
(إدريس) قيل سمي به لكثرة درسه كتاب الله وأبطله الزمخشري
بأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد
العلمية فكان منصرفا فمنعه من الصرف دليل العجمة وهذا
الحديث صريح في إبطال زعم الكلبي أن أول من وضع الخط نفر
من طيء قيل وأول من كتب بالعربي إسماعيل وما ذكر هنا من أن
أول من خط إدريس جرى عليه جمع وذكر آخرون منهم كعب الأحبار
أن أول من كتب آدم كتب سائر الكتب قبل موته بثلاث مئة سنة
في طين ثم طبخه فلما غرقت الأرض في زمن نوح بقيت الكتابة
فأصاب كل قوم كتابهم وبقي الكتاب العربي إلى أن خص به
إسماعيل فأصابه وتعلم العربية ذكره الماوردي وقال: كانت
العرب تعظم قدر الخط وتعده من أجل نفع حتى قال عكرمة: بلغ
فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادى به على أن
يعلم الخط لخطره وجلالته عندهم. <فائدة> قال ابن فضل الله:
كان إدريس يسمى هرمس المثلث كان نبيا وحكيما وملكا ووزيرا.
قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من
الحركات النجومية وأول من عمل الكيمياء وأول من بنى
الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وتكلم فيه
وأنذر بالطوفان وكان يسكن صعيد مصر فبنى هناك الأهرام
والبرابي وصور فيها جميع الصناعات وأشار إلى صفات العلوم
لمن بعده حرصا منها على تخليدها بعده وخيفة أن يذهب رسمها
من العالم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم رفعه مكانا
عليا
(الحكيم) الترمذي (عن أبي ذر) وفيه عمرو بن أبي عمر أورده
الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن عدي: مجهول وإبراهيم بن
هشام الغساني قال أبو حاتم غير ثقة ونقل ابن الجوزي عن أبي
زرعة أنه كذبه ويحيى بن يحيى الغساني خرجه ابن حبان ذكره
كله الذهبي
(3/97)
2847 - (أولاد المشركين) أي من مات من
أولاد الكفار قبل البلوغ (خدم أهل الجنة) في الجنة فهم من
أهلها فيما يرجع من أمور الآخرة لأن كل مولود يولد على
الفطرة ويتبع أشرف الأبوين دينا فيما يرجع إلى الدنيا
وعليه نزل خبر إنهم من آبائهم وقيل هم من أهل النار وقيل
بين الجنة والنار ولا منعمين ولا معذبين وقيل من علم الله
أنه يؤمن لو عاش ففي الجنة وغيره في النار وقيل بالوقف
لعدم صحة التوقيف قال النووي: والصحيح الذي عليه المحققون
الأول ورجح البيضاوي الأخير حيث قال: الثواب والعقاب ليسا
لأحد بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون ذراري المسلمين والكفار
من أهل الجنة والنار بل الموجب لهم هو اللطف الرباني
والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم
وآباؤهم في العدم فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم بشيء فإن
أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من
الثواب والعقاب لأن السعادة والشقاوة ليستا معللتين عندنا
بل الله تعالى خلق من شاء سعيدا ومن شاء شقيا وعمل الأعمال
دليل على السعادة والشقاوة وأنت تعلم أن عدم الدليل وعدم
العلم به لا يوجبان عدم المدلول والعلم بعدمه وكما أن
البالغين منهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا فهم مستعملون
بأعمال أهل النار حتى يموتوا عليها فيدخلوا النار وأما
الذين سعدوا فهم موفقون للطاعات وصالح الأعمال حتى يتوفوا
عليها فيدخلوا الجنة فالأطفال منهم من سبق القضاء بأنه
سعيد من أهل الجنة فهو لو عاش عمل عمل أهل الجنة ومنهم من
جف القلم بأنه شقي من أهل [ص:98] النار فهو لو أمهل لاشتغل
بالعصيان وانهمك في الطغيان
(طس عن سمرة) بن جندب (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: فيه
عباد بن منصور وثقه القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات
(3/97)
2848 - (ألا) بتخفيف اللام وفتح الهمزة حرف
افتتاح معناه التنبيه فيدل على تحقق ما بعده وتوكيده
(أحدثكم حديثا عن الدجال) أي عن صفاته من الدجل وهو الخلط
لكثرة خلطه الباطل بالحق ذكره الزمخشري وسبق فيه مزيد (ما
حدث به نبي قومه) الجملة صفة لحديث. وما نافية أي لم يحدث
نبي قومه بمثله في الإيضاح ومزيد البيان فإنه ما من نبي
إلا وقد أنذر قومه به سيما نوح عليه السلام لكن لم يوضحوا
صفاته وأنا أوضحها غاية الإيضاح حتى كأنكم ترونه عيانا
(إنه أعور) العين اليمنى كما في رواية وفي أخرى اليسرى
وجمع بأن أحدهما ذاهبة والأخرى معيبة وأصل العور العيب
فيصدق عليهما واقتصر عليه مع أن أدلة الحدوث في الدجال
ظاهرة لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل ومن لا يهتدي
للأدلة القطعية (1) (وأنه يجيء معه تمثال الجنة والنار)
هذا بالنسبة للرائي فإما بالسحر فيخيل الدجال الشيء بصورة
عكسه أو يجعل الله باطن الجنة نارا وعكسه أو كنى عن النعمة
والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار (فالتي يقول
إنها الجنة هي النار) أي سبب للعذاب بالنار يعني من دخل
جنته استحق النار لأنه صدقه فأطلق اسم المسبب على السبب
(وإني أنذركم) به (كما أنذر) به (نوح قومه) خصه به لأنه
أول نبي أنذر قومه أي خوفهم ولأنه أول الرسل وأبو البشر
الثاني وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله
تعالى إذ لا يتخالجهم في الله الظنون إذ {ليس كمثله شيء}
وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان وأن يستولي على
مواشيهم فتتبعه أقوام بأبدانهم ويصدقونه بألسنتهم وإن
عرفوا كذبه لا يقال إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة
فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم لأنا نقول بأن
الأنبياء شاهدوا دقائق الكون واجتمع كله فيهم في آن واحد
حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة فصاروا عند غلبة التجليات
على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم ويلوح لهم الأمر من وراء
كل وراء وتضمحل الحجب وذلك طور الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام أبدا وقت التجلي فباندراج مسافات الأزمان وتداخلها
وامتزاج بعضها ببعض صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد
فتدبر
(ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا
_________
(1) فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن
النقص علم أنه كاذب
(3/98)
2849 - (ألا) قال الطيبي: صدر الجملة
بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به
(أحدثكم بما) أي بالعمل الذي (يدخلكم الجنة؟) قالوا: بلى
يا رسول الله حدثنا قال: (ضرب بالسيف) أي قتال به في سبيل
الله لإعلاء كلمة الله (وإطعام الضيف) لوجه الله لا رياء
وسمعة كما يفعله كثير الآن (واهتمام بمواقيت الصلاة) أي
بدخول أوقات الصلاة لإيقاع الصلاة أول وقتها يقال اهتم
الرجل بالأمر قام به ويطلق الهم والاهتمام على العزم القوي
والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت وهو مقدار من الزمان مفروض
لأمر ما وكل شيء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا (وإسباغ
الطهور) أي إتمام الوضوء أو الغسل قال في الصحاح: شيء سابغ
أي كامل واف وسبغت النعمة اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة
أتمها وإسباغ الوضوء إتمامه قال الزمخشري: ومن المجاز أسبغ
وضوءه (في الليلة القرة) بالتشديد أي [ص:99] الشديدة البرد
قال في الصحاح: ليلة قارة وقرة بالفتح أي باردة ويوم قار
وقر بالفتح بارد والقرة بالكسر البرد (وإطعام الطعام على
حبه) قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} أي مع حب الطعام
أو شهوته أو عزته لقلته وحاجتهم وقيل على حب الله تعالى
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة)
(3/98)
2850 - (ألا أحدثكم) في رواية أحمد
والطبراني أحدثكما خطابا لعمار وعلي لما رآهما وقد اضطجعا
في صور من النخل فناما فحركهما برجله وقال: ألا أحدثكما
(بأشقى الناس؟ رجلين) عطف بيان وقال أبو البقاء: تمييز كما
تقول هذا أشقى الناس رجلا وجاز تثنيته وجمعه كما قالوا نعم
الرجلين الزيدان ونعم رجالا الزيدون وهم أفضل الناس رجالا
(أحيمر ثمود) تصغير أحمر وهو قدار بن سالف (الذي عقر
الناقة) أي قتلها لأجل قول نبيهم صالح عليه السلام {ناقة
الله وسقياها} أي احذروا أن تصيبوها بمكروه ولا تمنعوها عن
شربها وكان أخبرهم أن لها شرب يوم ولهم شرب يوم وإنما قال
أحيمر لأنه كان أحمر أشقر أزرق قصيرا ذميما (والذي) أي
وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحه الله (يضربك يا علي) بن
أبي طالب بالسيف (على هذه) يعني هامته (حتى يبل منها)
بالدم (هذه) يعني لحيته فمرض علي كرم الله وجهه بعد موت
المصطفى صلى الله عليه وسلم فخرج فضالة بن عبيد الأنصاري
له عائدا فقال: ما يقيمك بهذا المنزل لو هلكت به لم يسلك
إلا أعراب جهينة فقال: لست ميتا من مرضي هذا ثم ذكر الحديث
رواه أحمد وعن أبي سنان الدولي أنه عاد عليا فقال: قد
تخوفنا عليك قال: لكني بما ما تخوفت على نفسي سمعت الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحوه خرجه الطبراني
وحسنه الهيثمي واعلم أن هذا الحديث من معجزات المصطفى صلى
الله عليه وسلم لأنه إخبار عن غيب وقع وذلك أنه لما كانت
ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ علي كرم
الله وجهه سحرا فقال لابنه الحسن: رأيت الليلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وشكوت له ما لقيت من أمته من اللدد
فقال لي: ادع الله عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا
وأبدلهم بي شرا لهم مني فدخل المؤذن على أثر ذلك فقال:
الصلاة فخرج علي كرم الله وجهه من الباب ينادي الصلاة
الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى
قرنه ووصل لدماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك وأوثق
وأقام علي الجمعة والسبت وانتقل إلى رحمة الله ليلة الأحد
فقطعت أطراف ابن ملجم ثم جعل في قوصرة وأحرق بالنار
(طب ك) وكذا أحمد والبزار كلهم (عن عمار بن ياسر) قال
الهيثمي: رجال البزار موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من
عمار
(3/99)
2851 - (ألا أخبرك) أي أعلمك (بأخير) وفي
رواية بدله بأعظم (سورة في القرآن) قال الطيبي: نكرها
وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة لم تجد به أعظم
منها (الحمد لله رب العالمين) قال البيضاوي: خبر مبتدأ
محذوف أي هي السورة التي مستهلها الحمد لله (1) قال
النوربشتي: الحمد أعلى مقامات العبودية وقد جاء في البخاري
أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا
في القرآن مثلها قال ابن النين: معناه أن ثوابها أعظم من
غيرها وقال القرطبي: اختصت الفاتحة بأنها مبدأ القرآن
وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله تعالى
والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة
إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد
وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها [ص:100]
أخير وقال علي كرم الله وجهه: لو شئت لأمليت من تفسيرها
سبعين وقرا وقد أفرد في جموم فضائلها تآليف كثيرة وذكر بعض
العارفين أن من لازم قراءتها رأى العجب وبلغ ما يرجوه من
كل أرب ومن خواصها إذا كتبت حروفها متفاصلة ومحيت بماء
طاهر وشربها مريض لم يحضر أجله برئ وإذا قرئت إحدى وأربعين
مرة بين سنة الفجر والصبح على وجع العين برئ بشرط حسن الظن
من الوجيع والعازم اه وفي بحر الروياني أن البسملة أفضل
آيات القرآن ونوزع بحديث آية الكرسي قال ابن حجر في الفتح:
وهو صحيح واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وقد
منع منه جمع محتجين بأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل
وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها وأجيب بأن معنى
التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض فالتفضيل من حيث
المعاني لا الصفة ويؤيده آية {نأت بخير منها أو مثلها}
(حم عن عبد الله بن جابر البياضي) الأنصاري له صحبة قال
الهيثمي: فيه عبد الله بن أحمد بن عقيل سيء الحفظ وحديثه
حسن وبقية رجاله ثقات وقضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد
من الستة وإلا لما عدل عنه وهو ذهول شنيع فقد رواه البخاري
في التفسير والفضائل وأبو داود والنسائي في الصلاة وابن
ماجه في ثواب التسبيح بلفظ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن
الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم
الذي أوتيته وأعظم سورة في القرآن
_________
(1) أي سورة الحمد بكمالها فهي أعظم سور القرآن فإنها أمه
وأساسه ومتضمنة لجميع علومه
(3/99)
2852 - (ألا) قال القاضي: كلمة مؤلفة من
حرفي الاستفهام والنفي لإعطاء التنبيه على تحقيق ما بعدها
وذلك لأن الهمزة فيه للإنكار فإذا دخلت على نفي أفادت
تحقيق الثبوت ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها
إلا ما كانت مصدرة بما يصدر بها جواب القسم وشقيقتها أما
التي هي من طلائع القسم ومقدماته (أخبرك عن ملوك الجنة)
وفي رواية ملوك أهل الجنة (رجل) ذكر الرجل وصف طردي
والمراد إنسان مؤمن (ضعيف) في نفسه أي منكر الخاطر متواضع
القلب لهوانه على الناس (مستضعف) بفتح العين على المشهور
أي يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعفه ولفقره
ورثاثته وخموله وفي رواية بكسر العين أي نفسه ضعيفة
لتواضعه وضعف حاله في الدنيا (ذو طمرين) بكسر فسكون إزار
ورداء خلقين (لا يؤبه له) أي لا يحتفل به (لو أقسم على
الله لأبره) أي لو حلف يمينا على أن الله يفعل كذا أو لا
يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه أي صدق وصدق يمينه
يقال: أبر الله قسمك إذ لم يكن حانثا وقيل معنى أقسم على
الله أن يقول اللهم إني أقسم عليك بجلالك أن تفعل كذا وهو
غير مستقيم هنا لأنه قال لأبره أي صدقه ولا دخل للصدق
والكذب في هذا اليمين فيدخلها الإبرار. قال الغزالي: وهذا
الحديث ونحوه يعرفك مذمة الشهرة وفضيلة الخمول وإنما
المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت والجاه والمنزلة في القلوب
وحب الجاه منشأ كل فساد <تنبيه> هذا الحديث نص في تفضيل
الضعيف على القوي وقد وقع عكسه في خبر مسلم " المؤمن القوي
خير من المؤمن الضعيف " فإنه نص في تفضيل القوي على الضعيف
وأجاب النووي بأن المراد بالقوة فيه عزيمة النفس والقريحة
في شؤون الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على
أعداء الله وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وبمدح الضعيف فمن حيث رقة القلوب ولينها واستكانتها لربها
وضراعتها إليه
(هـ عن معاذ) بن جبل قال المنذري: رواته محتج بهم في
الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز وقال الحافظ العراقي في
المغني: سنده جيد وفي أماليه حديث حسن وفيه سويد بن عبد
العزيز ضعفه أحمد وابن معين والجمهور ووثقه دحيم والحديث
له شواهد اه وظاهر كلامه أنه إنما هو حسن لشواهده
(3/100)
[ص:101] 2853 - (ألا أخبركم بأهل النار)
قالوا: أخبرنا قال: (كل) إنسان (جعظري) بجيم مفتوحة وظاء
معجمة بينهما عين مهملة فظ غليظ أو الذي لا يمرض أو الذي
يتمدح بما ليس فيه أو عنده (جواظ) بفتح الجيم وشد الواو
وظاء معجمة ضخم مختال في مشيه أو الأكول أو الفاجر أو الفظ
الغليظ أو السمين الثقيل من الشره والتنعم (مستكبر) ذاهب
بنفسه تيها وترفعا (جماع) بالتشديد أي كثير الجمع للمال
(منوع) أي كثير المنع له والشح والتهافت على كنزه (ألا)
قال القاضي: حرف تنبيه تذكر لتحقق ما بعدها مركبة من همزة
الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار ولا التي للنفي والإنكار
إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ولذلك لا يقع بعدها إلا
ما كان مصدرا بنحو ما يتلقى به القسم (أخبركم بأهل الجنة)
قالوا: أخبرنا قال: (كل مسكين لو أقسم على الله لأبره) قال
النووي: المراد بالحديث أن أغلب أهل الجنة والنار هذان
الفريقان
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: فيه خارجة بن مصعب وهو
متروك
(3/101)
2854 - (ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به
المتعوذون) أي ما اعتصم به المعتصمون قالوا: بلى أخبرنا
قال: (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) زاد في رواية
ولن يتعوذ الخلائق بمثلهما وسميتا بالمعوذتين لأنهما عوذتا
صاحبهما أي عصمتاه من كل سوء
(طب عن عقبة بن عامر) ظاهره أنه لم يخرجه أحد من الستة وهو
ذهول فقد رواه النسائي باللفظ المزبور عن عابس الجهني قال
في الفردوس ويقال له صحبة
(3/101)
2855 - (ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة
إلا بالله) أي ببيان معناها وإيضاح فحواها والفسر والتفسير
البيان والإيضاح كما في الصحاح قال: أخبرني قال: (لا حول
من معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا
بعون الله هكذا أخبرني جبريل يا ابن أم عبد) هو عبد الله
بن مسعود قال ابن الأثير: الحول ههنا الحركة يقال حال
الشخص يحول إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة
الله وقيل الحول الحيلة والأول أشبه اه. (تتمة) حكى النووي
في بستانه أن الخليل بن أحمد رؤي في النوم فقيل له: ما فعل
بك ربك قال: غفر لي قيل: بما نجوت قال: بلا حول ولا قوة
إلا بالله قيل: كيف وجدت علمك أي الأدب والشعر قال: وجدته
هباء منثورا
(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال: جئت إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: لا حول ولا قوة إلا
بالله فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وقال: تفرد
به صالح بن بيان وليس بقوي
(3/101)
2856 - (ألا أخبركم بأهل الجنة) قالوا: بلى
قال: (كل ضعيف) قال أبو البقاء: برفع كل لا غير أي هم كل
ضعيف عن أذى الناس أو عن المعاصي ملتزم الخشوع والخضوع
بقلبه وقالبه (متضعف) بفتح العين كما في التنقيح عن ابن
الجوزي قال: وغلط [ص:102] من كسرها لأن المراد أن الناس
يستضعفونه ويحتقرونه وفي علوم الحديث للحاكم أن ابن خزيمة
سئل عن الضعيف قال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في
اليوم عشرين مرة إلى خمسين (لو أقسم على الله لأبره) (1)
(ألا أخبركم بأهل النار) قالوا: بلى. قال: (كل عتل) بالضم
والتشديد الجافي أو الجموع المنوع أو الأكول الشروب (جواظ)
بفتح فتشديد كما تقرر (جعظري مستكبر) صاحب كبر والكبر
تعظيم المرء نفسه واحتقاره غيره والأنفة من مساواته.
<تنبيه> قال ابن عربي في كلامه على الأولين: إنما نالوا
هذه المرتبة عند الله لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير
الله أو تتعلق بكون من الأكوان سوى الله فليس لهم جلوس إلا
مع الله ولا حديث إلا مع الله فهم في الله قائمون وفي الله
ناظرون وإليه داخلون ومنقلبون وعنه ناطقون ومنه آخذون
وعليه متوكلون وعنده قاطنون فما لهم معروف سواه ولا مشهود
إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في
غيابات الغيب المحجوبون وهم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون
الطعام ويمشون في الأسواق مشي ستر كله حجاب فهذا حال هذه
الطائفة
(حم ق) في التفسير وغيره (ت) في صفة النار (ن) في التفسير
(هـ) في الزهد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) أخي عبد الله بن
عمر لأمه قيل هو الذي استطول صلاة معاذ فانصرف وفي الباب
أبو هريرة وابن عمر وغيرهما
_________
(1) يوجد في النسخة هنا بياض
(3/101)
2857 - (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال
الطيبي: من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزا من شركم اه
والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا: بلى قال:
(خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره) أي من يؤمل الناس الخير من
جهته ويأمنون الشر من جهته (وشركم من لا يرجى خيره ولا
يؤمن شره) أي وشركم من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من
جهته ولا يأمنون من شره. قال الطيبي: التقسيم العقلي يقتضي
أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيبا وترهيبا وترك الآخرين إذ لا
ترغيب ولا ترهيب فيهما. قال الماوردي: يشير بهذا الحديث
إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء
ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك
الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف. وهذه
أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء
ففسدوا وأفسدوا إلى هنا كلامه
(حم ت حب عن أبي هريرة) قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم
على ناس جلوس فقال: ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال
ثلاثا فقال له رجل: يا رسول الله أخبرنا فذكره لما توهموا
معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثا
فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في
المهذب: سنده جيد وفي الباب أنس وغيره
(3/102)
2858 - (ألا أخبركم بخير الناس) أي بمن هو
من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذا
قوله (وشر الناس) إذ الكافر شر منه (إن من خير الناس رجلا
عمل في سبيل الله عز وجل) أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة الله
(على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره) أي راكبا على واحد منهما
وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب
على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك
(أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم
ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل
الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في
المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة
مثل ضخم ضخامة [ص:103] والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه
بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير
توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله)
القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شيء منه) أي
من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده. <تنبيه> قد
أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع
ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة
مستدلين له بهذا الحديث ونحوه. وقال قوم: الناس يخلقون
أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل
إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر
كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون: الناس خلقوا من
الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار
بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر
مطلقا واستدلوا بقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر إلا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال في الفردوس: الارعواء
الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له
(حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال: كان رسول الله صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى
راحلته فذكره
(3/102)
2859 - (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها
على البدن) قالوا: أخبرنا قال: (الصمت) أي الإمساك عن
الكلام فيما لا يعنيك (وحسن الخلق) بالضم أي مع الناس ومن
ثم قال الداراني: المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام
وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل
لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها
فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة:
أمر بين رشده فاتبعوه وأمر بين غيه فاجتنبوه وأمر اختلف
فيه فردوه إلى الله تعالى. قال الماوردي: وهذا الحديث جامع
لآداب العدل في الأحوال كلها
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت عن صفوان
بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة
(مرسلا) قال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف
أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجيب فقد خرجه أبو الشيخ [ابن
حبان] في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعا
وسنده ضعيف فإن قلت: إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت:
كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا
الكتاب وغيره
(3/103)
2860 - (ألا أخبركم عن الأجود) أي الأكرم
والأسمح قالوا: بلى أخبرنا قالأ: (الله الأجود الأجود وأنا
أجود ولد آدم) لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم
وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سئل في شيء قط
وقال لا وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر (وأجودهم من بعدي
رجل علم علما) من علوم الشرع (فنشر علمه) أي بثه لمستحقيه
ولم يبخل به (يبعث يوم القيامة أمة وحده) قال في الفردوس:
الأمة ههنا هو الرجل الواحد المعلم للخير المنفرد به (ورجل
جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل) أو ينتصر. قال ابن رجب:
دل هذا على أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أجود
[ص:104] الآدميين على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم
وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع
أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله في إظهار
دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم
(ع عن أنس) قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي وغيره: فيه
سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث اه. وأخرجه ابن حبان
عن مكحول عن محمد بن هاشم عن سويد بن عبد العزيز عن نوح بن
ذكوان عن أخيه عن الحسن عن أنس بلفظ ألا أخبركم بأجود
الأجودين قالوا: بلى قال: فإن الله تعالى أجود الأجودين
وأنا أجود ولد آدم وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه
فيبعث يوم القيامة أمة وحده كما يبعث النبي صلى الله عليه
وسلم أمة وحده اه. وأورده الجوزي من حديث ابن حبان هذا ثم
حكم بوضعه وقال: قال ابن حبان: منكر باطل وأيوب منكر
الحديث وكذا نوح ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن أبا يعلى أخرجه
ولم يزد على ذلك
(3/103)
2861 - (ألا أخبركم بشيء) يعني بدعاء بديع
نافع للكرب والبلاء (إذا نزل برجل) يعني بإنسان وذكر الرجل
وصف طردي وإنما ذكره لأن غالب البلايا والمحن إنما تقع
للرجال قال:
كتبت القتل والقتال علينا. . . وعلى الغانيات جر الذيول
(كرب) أي مشقة وجهد والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس كما في
الصحاح وغيره (أو بلاء) بالفتح والمد محنة (من أمر الدنيا
دعا به) الله تعالى (فيفرج عنه) أي يكشف غمه قال الأزهري
وغيره فرج الله الغم بالتشديد كشفه قالوا: بلى أخبرنا قال:
(دعاء ذي النون) أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه
السلام حين التقمه الحوت فنادى في الظلمات (لا إله إلا
أنت) أي ما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك (سبحانك) تنزيه عن
كل النقائص ومنها العجز وإنما قاله لأن تقديره سبحانك
مأجورا أو شهوة للانتقام أو عجزا عن تخليصي مما أنا فيه بل
فعلته بحكم الإلهية وبقتضى الحكمة (إني كنت من الظالمين)
يعني ظلمت نفسي كأنه قال إني كنت من الظالمين وأنا الآن من
التائبين لضعف البشرية والقصور في أداء حق العبودية وهذا
القدر كاف في السؤال. قال المتنبي:
وفي النفس حاجات وفيك فطانة. . . سكوتي كلام عندها وخطاب
وإنما كان هذا الدعاء منجيا من الكرب والبلاء لإقرار
الإنسان فيه على نفسه بالظلم. قال الحسن: ما نجى يونس
والله إلا لإقراره على نفسه بالظلم
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الفرج) بعد الشدة (ك
عن سعد) ابن أبي وقاص
(3/104)
2862 - (ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها) أي
فخمها وبجالتها وفي الصحاح التعظيم التبجيل والتفخيم (ما
بين السماء والأرض ولكاتبها) في مصحف أو لوح أو تميمة (من
الأجر مثل ذلك) أي ثوابا عظيما يملأ ما بين السماء والأرض
لو جسم (ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة
والجمعة الأخرى) أي الصغائر الواقعة من يوم الجمعة إلى يوم
الجمعة التي بعدها (وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ) الآيات
(الخمس الأواخر منها عند نومه) أي عند إرادته النوم (بعثه
الله) أي أهبه (أي الليل شاء) قالوا: بلى أخبرنا بها قال:
(سورة أصحاب الكهف) قال الحافظ ابن حجر: وذكر أبو عبيد أنه
وقع في رواية شعبة زيادة كما أنزلت عقب قوله ومن قرأها
وأوله على أن المراد أن يقرأها بجميع وجوه القراءات قال:
وفي تأويله [ص:105] نظر والمتبادر أن المراد يقرؤها كلها
بغير نقص حسا ولا معنى وقد يشكل بما رود من زيادة أحرف
ليست من المشهورة ك " سفينة صالحة " ونحو " وأما الغلام
فكان كافرا " أو يجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته
(ابن مردويه) في التفسير (عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو
الشيخ [ابن حبان] وابن جرير وأبو نعيم والديلمي وغيرهم
باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ابن مردويه غير سديد
لإيهامه وروي من طرق أخرى عن ابن الضريس وغيره لكن بعضها
كما قال الحافظ ابن حجر في أماليه معضل وبعضها مرسل
(3/104)
2863 - (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار)
أي دخول نار جهنم (غدا) أي يوم القيامة وأصل الغد اليوم
الذي بعد يومك على أثره ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد
المترقب قالوا: أخبرنا قال: (على كل هين) مخففا من الهون
بفتح الهاء وهو السكينة والوقار (لين) مخفف لين بالتشديد
على فعيل من اللين ضد الخشونة قيل: يطلق على الإنسان
بالتخفيف وعلى غيره على الأصل قال ابن الأعرابي: يمدح بهما
مخففين ويذم بهما مثقلين (قريب) أي إلى الناس (سهل) يقضي
حوائجهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه. قال الماوردي: بين
بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على
النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين
الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه
الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير
صارت ملقا وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقا والملق ذل
والنفاق لؤم
(ع عن جابر) بن عبد الله (ت) في الزهد وقال: حسن غريب (طب)
كلهم (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: بعد ما عزاه لأبي يعلى
فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف وقال عقب عزوه
للطبراني: رجاله رجال الصحيح وقال العلائي: سند هذا أقوى
من الأول انتهى
(3/105)
2864 - (ألا أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد
قالوا: أخبرنا قال: (الذي يأتي بشهادته) أي يشهد عند
الحاكم (قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلب
منه المشهود له الأداء أو فسره مالك بمن عنده شهادة
الإنسان لا يعلمها فيخبره أنه شاهد وحمله غيره على شهادة
الحسبة فيما تقبل فيه فلا ينافي خبر شر الشهود من شهد قبل
أن يستشهد لأنه في غير ذلك
(مالك حم م د) في القضاء (ت) في الشهادات (عن زيد بن خالد
الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء صحابي مشهور ولم يخرجه
البخاري
(3/105)
2865 - (ألا أخبركم بصلاة المنافق) قالوا:
أخبرنا قال: (أن يؤخر) العصر أي صلاته (حتى إذا كانت
الشمس) صفراء (كثرب البقرة) بمثلثة مفتوحة فراء ساكنة
فموحدة أي شحمها الرقيق الذي يغشى الكرش شبه به تفرق الشمس
عند المغيب ومصيرها في موضع دون موضع (1) (صلاها) أي
يؤخرها إلى ذلك الوقت تهاونا بها ويصليها فيه ليدفع عنه
الاعتراض ومقصود الحديث أن ذلك من علامات النفاق وخصت
لكونها الصلاة الوسطى عند الجمهور فمن تهاون بها تهاون
بغيرها بالأولى. <تنبيه> قال العارف ابن عربي: اصفرار
الشمس تغيير يطرأ على نور الشمس في عين الرائي من الجزء
الأرضي [ص:106] الحائل بين العين وبين إدراك خالص النور
والنور في نفسه لا يصفر ولا يتغير
(قط ك) في الصلاة (عن رافع بن خديج) قال الحاكم: وأقره
عليه الذهبي
_________
(1) [أي تتفرق صورتها كتفرق الشحم الذي حول الكرش. دار
الحديث]
(3/105)
2866 - (ألا أخبركم بأفضل) أي بدرجة هي
أفضل (من درجة الصيام والصلاة والصدقة) أي المستمرات أو
الكثيرات قالوا: أخبرنا به قال: (إصلاح ذات البين) أي
إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو
هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم (فإن فساد ذات
البين هي الحالقة) أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك
وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة
لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما
فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون
والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب
وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب
ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد
فلذلك صارت أفضل الصدقات
(حم د) في الأدب (ت) في الزهد (عن أبي الدرداء) وصححه
الترمذي وقال ابن حجر: سنده صحيح وأخرجه البخاري في الأدب
المفرد من هذا الوجه وغيره
(3/106)
2867 - (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة)
قالوا: أخبرنا قال: (النبي في الجنة) أي في أعلى درجاتها
وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق (والشهيد) أي القتيل
في معركة الكفار لإعلاء كلمة الله (في الجنة والصديق)
بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع (في
الجنة والمولود) أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ (في الجنة
والرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (يزور أخاه) في
الإسلام (في ناحية المصر في الله) أي لا لأجل تأميل ولا
مداهنة بل لوجه الله تعالى (في الجنة) ولكونه يحبه لا يحبه
إلا لله وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه
والمصر كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات. (ألا أخبركم
بنسائكم من أهل الجنة) قالوا: بلى قال: (الودود) بفتح
الواو أي المتحببة إلى زوجها (الولود) أي الكثيرة الولادة
ويعرف في البكر بأقاربها (العوود) بفتح العين المهملة أي
التي تعود على زوجها بالنفع (التي إذا ظلمت) بالبناء
للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في
قسم ونحو ذلك (قالت) مستعطفة له (هذه يدي في يدك) أي ذاتي
في قبضتك (لا أذوق غمضا) بالضم أي لا أذوق نوما يقال أغمضت
العين إغماضا وغمضتها تغمميضا أطبقت أجفانها (حتى ترضى)
عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهن فهي خليقة بكونها من أهل
الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة
كالغراب الأعصم
(قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة) قال الطبراني: ولا يروى
عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: فيه السري بن
إسماعيل وهو متروك اه وفيه سعيد بن خيثم قال [ص:107]
الذهبي: قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال
الذهبي: قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال
النسائي: متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال
إسناده ضعيف بمرة
(3/106)
2868 - (ألا أخبركم بأفضل الملائكة) قالوا:
أخبرنا قال: (جبريل) نص صريح بأفضليته على الكل لكن تردد
المصنف بينه وبين إسرافيل وقال: لم أقف على نقل أيهما أفضل
والآثار فيهما متعارضة اه وكلامه صريح كما ترى في أنه لم
يقف في ذلك على شيء وقد صرح بذلك الإمام الرازي وغيره قال
المصنف في المطالب العالية: اعلم أن الله سبحانه وتعالى
ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم أما الأصناف فأعلاهم درجة
حملة العرش المرتبة الثانية الحافون حول العرش الثالثة
أكابر الملائكة منهم جبريل عليه السلام وصفاته في القرآن
كثيرة وقدمه في الذكر على ميكائيل وذلك يدل أفضليته لأن
جبريل صاحب الوحي والعلم وميكائيل صاحب الأرزاق والخيرات
النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية ولأنه جعل جبريل ثاني
نفسه فقال: {وجبريل وصالح المؤمنين} وسماه روح القدس ولأنه
ينصر أولياءه ويقهر أعداءه ولأنه مدحه بصفات ست {إنه لقول
رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} ومن
أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار
كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت
ويجب أن يكون له شعب وأما إسرافيل عليه السلام فدلت
الأخبار أنه صاحب الصور الرابعة ملائكة الجنة والنار
الخامسة الموكلون ببني آدم السادسة الموكلون بأطراف
العالم. إلى هنا كلامه. وذكر في تفسيره الكبير أن أشرف
الملائكة جبريل وميكائيل عليهما السلام لتخصيصهما بالذكر
في قوله {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال}
وأن جبريل أفضل من ميكائيل واحتج عليه بما تقدم وظاهر كلام
الزمخشري أن جبريل عليه السلام أفضل مطلقا (وأفضل النبيين
آدم) عليه السلام قاله قبل علمه بأفضلية أولي العزم عليه
كذا قيل ويحتاج لثبوت هذه القبلية (وأفضل الأيام يوم
الجمعة) لما سبق له من الفضائل (وأفضل الشهور شهر رمضان)
الذي أنزل فيه القرآن والذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره
عتق من النار إلى غير ذلك من فضائله التي يضيق عنها نطاق
الحصر (وأفضل الليالي ليلة القدر) التي هي خير من ألف شهر
وفيها يفرق كل أمر حكيم (وأفضل النساء مريم بنت عمران)
الصديقة الكبرى ثم فاطمة فهي أفضل النساء بعدها قال
العلقمي: هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين اه. وإطلاقه ذلك
غير مرضي بل ينبغي أن يقال إنها أفضل من حيث البضعة
الشريفة والصديق أفضل بل وبقية الخلفاء الأربعة من حيث
المعرفة وجموم العلوم ورفع منار الإسلام وبسط ماله من
الأحكام على البسيطة كما يدل على ذلك بل يصرح به كلام
التفتازاني في المقاصد حيث قال بعد ما قرر أن أفضل الأمة
بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم الأربعة ورتبهم على ترتيب
الخلافة ما نصه وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة سيدة نساء
العالمين
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه نافع بن هرمز وأبو هرمز
وهو ضعيف وقال في موضع آخر متروك
(3/107)
2869 - (ألا أدلك) بكسر الكاف بضبط المصنف
خطابا لمؤنث وهي الشفاء لكن ما ذكرته في سبب الحديث لا
يلائمه (على جهاد لا شوكة فيه) قال: بلى قال: (حج البيت)
أي الكعبة يعني إتيانها للنسك فإنه جهاد للشياطين أو
المراد أن ثواب الحج يعدل ثواب الغزو مع أن ذاك فيه مشقة
وهذا لا مشقة فيه
(طب عن الشفاء) جدة عثمان بن سليم أم أبيه قالت: جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريد الجهاد في
سبيل الله فذكره قال الهيثمي: فيه الوليد بن [ص:108] أبي
ثور وضعفه أبو زرعة وجمع وزكاه شريك
(3/107)
2870 - (ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من
كنز الجنة) قال الطيبي: قوله من تحت العرش صفة كلمة ويجوز
كون من ابتدائية أي ناشئة من تحت العرش وبيانية أي كائنة
من تحت العرش ومستقرة فيه ومن الثانية بيانية وإذا قيل بأن
الجنة تحت العرش والعرش سقفها جاز كون من كنز الجنة بدلا
من تحت العرش قال: وليس ذا التركيب باستعارة لذكر المشبه
وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز بل من إدخال الشيء في
جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان: المتعارف
وهو المال الكثير المحفوظ وغيره وهو هذه الكلمة الجامعة
(تقول لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أجرها مدخر لقائلها
كالكنز وثوابها معد له (فيقول الله أسلم عبدي واستسلم) أي
فوض أمر الكائنات إلى الله وانقاد بنفسه لله مخلصا فإن لا
حول دل على نفي التدبير للكائنات وإثباته لله والعرش منصة
التدبير {ثم استوى على العرش يدبر الأمر} فقوله الله جزاء
شرط محذوف أي إذا قال العبد هذه الكلمة يقول الله ذلك
<تنبيه> قال العارف ابن عربي: رأيت الكنز الذي تحت العرش
الذي خرجت منه لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا الكنز آدم
عليه السلام ورأيت تحته كنوزا كثيرة أعرفها اه
(ك) في الإيمان (عن أبي هريرة) وقال صحيح ولا أحفظ له علة
وأقره الذهبي وقال ابن حجر: سنده قوي اه. لكن قال الحافظ
العراقي في أماليه: قد أعل بالاختلاف فيه على عمرو بن
ميمون ولا مؤاخذة على الحاكم فيه فإنه نفى حفظه
(3/108)
2871 - (ألا أدلك) يا أبا هريرة (على غراس
هو خير) لك (من هذا) الغراس الذي تغرسه وكان قد رآه يغرس
فسيلا قال: بلى قال: (تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل كلمة منها) أي من هذه
الكلمات الأربع (شجرة في الجنة) قد أفاد بهذا الحديث فضل
هذه الكلمات وذكر الحميدي بعد التسبيح من قبيل الترقي فقد
اتفقت الأخبار على أنه يملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح
وذلك لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح
تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وهذه الكلمات
هي الباقيات الصالحات عند جمع جم
(هـ ك) في الدعاء (عن أبي هريرة) قال: مر بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا أغرس فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره
الذهبي
(3/108)
2872 - (ألا أدلك) يا قيس بن سعد (على باب
من أبواب الجنة) وفي رواية ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة
قال: بلى قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها لما تضمنت
براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت
موصولة إلى الجنة والباب ما يتوصل به إلى مقصود قال أبو
البقاء: يحتمل أن موضع لا حول الجر بدلا من باب أو كنز
والنصب بتقدير أعني والرفع بتقدير هو
(حم ت ك) في الأدب (عن قيس بن سعد) بن عبادة الخزرجي صاحب
شرطة النبي صلى الله عليه وسلم كان جوادا نبيلا سيدا من
ذوي الرأي والدهاء والتقدم مات في آخر خلافة معاوية قال:
دفعني أبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخدمه
فمر بي وقد صليت فضربني برجله وقال: ألا أدلك فذكره قال
[ص:109] الترمذي حسن صحيح غريب وقال الحاكم على شرطهما
وأقره الذهبي
(3/108)
2873 - (ألا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا) من صحف الحفظة ونحوها كناية عن غفرانها (ويرفع به
الدرجات) أي المنازل في الجنة أو المراد رفع درجته في
الدنيا بالذكر الجميل وفي العقبى بالثواب الجزيل (إسباغ
الوضوء) أي إتمامه وإكماله واستيعاب أعضاءه بالغسل (على
المكاره) جمع مكرهة بمعنى الكره والمشقة يعني إتمامه
بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة برد أو
علة يتأذى معها بمس الماء أي من غير لحوق ضرر بالعلة
وكإعوازه وتحمل مشقة طلبه أو ابتياعه بثمن غال ونحو ذلك
ذكره الزمخشري (وكثرة الخطا) جمع خطوة بالضم وهي موضع
القدمين وإذا فتحت تكون للمرة (إلى المساجد) وكثرتها أعم
من كونها ببعد الدار أو كثرة التكرار. قال العارف ابن
عربي: وهذا رفع الدرجات فإنه سلوك في صعود ومشي. قال ابن
سيد الناس: وفيه أن بعد الدار عن المسجد أفضل فقد صرح به
في قوله لبني سلمة وقد أرادوا أن يتحولوا قريبا من المسجد:
يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم (وانتظار الصلاة بعد
الصلاة) سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفردا في مسجد أو في
بيته وقيل: أراد به الإعتكاف (فذلكم الرباط) أي المرابطة
يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات
فيكون جهادا أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما
يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط
الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع وأصله قول البيضاوي: المرابطة
ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه
الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى
النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات
فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر إذ
الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد
والإغراء قال الطيبي: فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد
الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على
بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط
المحلى بلام الجنس خبرا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى
{الم ذلك الكتاب} إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد
تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال: (فذلكم
الرباط فذلكم الرباط) كرره اهتماما به وتعظيما لشأنه
وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث
وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل: أراد
ثوابه كثواب الرباط. وقال العارف ابن عربي: الرباط
الملازمة من ربطت الشيء وبالإنتظار ألزم نفسه فربط الصلاة
بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم
أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها
صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة
دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا
يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة
فلذلك أكده بقوله ثلاثا فانظر إلى علم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في
الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءا ومشيا وانتظارا
وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاثا لثلاث هذا يدلك على
شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي
جوامع الكلم. قال في المطامح: وهذه الخصال هي التي اختصم
فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي: أتاني ربي في أحسن
صورة فوضع يده بين كتفي. الحديث
(مالك حم م ت ن عن أبي هريرة) ورواه عند الشافعي أيضا
(3/109)
[ص:110] 2874 - (ألا أدلكم على أشدكم)
قالوا: بلى قال: (أملككم لنفسه عند الغضب) لأن من لم
يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف
ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن
الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار
الشيطان في أسره وتحت أمره
(طب في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) قال: مر النبي صلى
الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا فقال: ما يصنع هؤلاء قال:
يريدون الشدة فذكره قال الهيثمي: فيه شعيب بن سنان وعمران
القطان وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال
الصحيح وقوله يرفعون هكذا روي بالفاء قال العسكري: والصواب
يربعون بموحدة تحتية
(3/110)
2875 - (ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن
أصحابي ومن الأنبياء قبلي) قالوا: بلى يا رسول الله قال:
(هم حملة القرآن) أي حفظته المداومون على تلاوته بتدبر (و)
حملة (الأحاديث عني وعنهم) أي عن الأنبياء والصحابة (في
الله وإليه) أي لا لغرض دنيا ولا لطمع في جاه ونحو ذلك
فهؤلاء الفريقان هم خلفاء الدين وخلفاء اليقين على الحقيقة
فأعظم بها من بشرى ما أسماها ومنقبة ما أعلاها
(السجزي) يعني السجستاني نسبة إلى سجستان البلد المعروفة
(في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (خط في) كتاب بيان
(شرف أصحاب الحديث عن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه
ورواه عنه أيضا اللالكائي في السنة وأبو نعيم والديلمي
باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد
(3/110)
2876 - (ألا أرقيك) يا أبا هريرة (برقية)
أي أعوذك بتعويذة يقال رقيته أرقيه رقيا وعوذته بالله
والاسم الرقيا فعلى والمرة رقية والجمع رقى (رقاني بها
جبريل) قال: بلى. قال: (تقول بسم الله أرقيك والله يشفيك)
لفظه خبر والمراد به الدعاء (من كل داء) بالمد أي مرض
(يأتيك من شر النفائات في العقد) النفوس أو الجماعات
السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين
والنفث النفخ مع ريق قال في الكشاف: ولا تأثير لذلك أي
للسحر اللهم إلا إذا كان ثم إطعام شيء ضار أو سقيه أو
إشمامه أو مباشرة المسحور به لكن الله قد يفعل عند ذلك
فعلا على سبيل الإمتحان ليميز الثبت المحق من غيره والمراد
الاستعاذة من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهن به أو
أنه استعاذ من فتنتهن للناس لسحرهن وما يخدعهم به من
باطلهن أو استعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن (ومن
شر حاسد إذا حسد) أي إذا أظهر حسده وعمل بقضيته من بغي
الغوائل الحسود لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر منه
يعود على المحسود بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره
وقد يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار
أثره والحسد الأسف على الخير عند أهل الخير أو تمني زوال
نعمة الغير وختم الشرور بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب
عصي الله به في السماء من إبليس وفي الأرض من قابيل (ترقي
بها ثلاث مرات) لفظ رواية الحاكم ثلاث مرار أي فإنها تنفع
من كل داء إن صحبها إخلاص وصدق نية وقوة توكل. قال في
المفهم: فيه أن ذلك لم يكن مخصوصا بالنبي صلى الله عليه
وسلم بل ينبغي أن يفعله كل أحد وقد تأكد بفعل النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه فتتأكد المحافظة على ذلك ففيه
أسرار يدفع الله به هذا الإضرار
(هـ ك عن أبي هريرة) قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم
[ص:111] يعوذني فذكره ورواه الحاكم باللفظ المزبور عن أبي
هريرة هكذا
(3/110)
2877 - (ألا أعلمك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث
بخط المصنف (كلمات) عبر بصيغة جمع القلة إيذانا بأنها
قليلة اللفظ فيسهل حفظها ونكرها تنويها بعظيم خطرها ورفعة
محلها فتنوينها للتعظيم (تقوليهن (1) عند الكرب) بفتح
فسكون ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيحزنه ويغمه (الله
الله) برفعهما والتكرير للتأكيد (ربي لا أشرك به) أي
بعبادته أي فيها (شيئا) من الخلق برياء أو طلب أجر لمن
يسره أن يطلع على عمله فالمراد الشرك الخفي أو المراد لا
أشرك بسؤاله أحدا غيره {إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا}
وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب
(حم د هـ عن أسماء) بفتح الهمزة والمد (بنت عميس) بضم
المهملة وفتح الميم وبالمهملة الخثعمية من المهاجرات
تزوجها علي كرم الله وجهه بعد الصديق
_________
(1) تقوليهن بحذف نون الرفع في جميع النسخ التي اطلعت
عليها فإن كانت الرواية بحذفها فهو للتخفيف
(3/111)
2878 - (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل
جبل صبير) بإسقاط الباء جبل طيء وأما بإثباتها فجبل باليمن
والمراد هنا الأول ذكره ابن الأثير لكن وقفت على نسخة
المصنف بخطه فرأيته كتبها صبير بالباء وضبطها بفتح الصاد
(دينا) قال الطيبي: يحتمل كون دينا تمييزا عن اسم كان لما
فيه من الإيهام وعليك خبره مقدما عليه وأن يكون دينا خير
كان وعليك حال من المستتر في الخبر والعامل معنى الفعل
المقدر ومن جوز إعمال كان في الحال فظاهر على مذهبه (أداه
الله عنك) إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال: بلى قال: (قل
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك) من
الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر
للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون
أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة
استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع
(حم ت ك) في الدعاء (عن علي) بن أبي طالب كرم الله وجهه
قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي
(3/111)
2879 - (ألا أعلمك) أيها الرجل الذي شكا
إلينا هموما وديونا لزمته (كلاما إذا قلته أذهب الله تعالى
همك وقضى عنك دينك) قال: بلى قال: (قل إذا أصبحت وإذا
أمسيت) أي دخلت في الصباح أو المساء (اللهم إني أعوذ بك من
الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل) هما متقاربان عند
الأكثر لكن الحزن عن أمر انقضى والهم فيما يتوقع والكسل
عند انبعاث النفس ذكره بعضهم وقال القاضي: الهم في المتوقع
والحزن فيما وقع أو الهم حزن يذيب الجسم يقال همني الأمر
بمعنى أذابني وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه
يذيبه فهو أبلغ من الحزن الذي أصله الخشونة والعجز أصله
التأخر عن الشيء من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف
والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر
فيها والكسل التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية
إليه (وأعوذ بك من الجبن) أي ضعف القلب (والبخل وأعوذ بك
من غلبة الدين) أي استيلائه وكثرته (وقهر الرجال) غلبتهم
وقال النوربشتي: [ص:112] غلبة الدين أن يثقله حتى يميل
صاحبه عن الاستواء لثقله وقهر الرجال الغلبة لأن القهر
يراد به السلطان ويراد به الغلبة وأريد به هنا الغلبة لما
في غير هذه الرواية وغلبة الرجال كأنه أراد به هيجان النفس
من شدة الشبق وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا
المعنى سبق فهمي ولم أجد في تفسيره نقلا. وقال بعضهم: قهر
الرجال جور السلطان وقال الطيبي: من مستهل الدعاء إلى قوله
والجبن يتعلق بإزالة الهم والآخر بقضاء الدين فعليه قوله
قهر الرجال إما أن يكون إضافته إلى الفاعل أي قهر الدين
إياه وغلبته عليه بالتقاضي وليس معه ما يقضي دينه أو إلى
المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء دين من رجاله
وأصحابه قال الرجل: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وغمي وقضى
ديني
(د) في الصلاة (عن أبي سعيد) الخدري قال: دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا برجل من الأنصار يقال له
أبو أمامة فقال: أراك جالسا هنا في غير وقت الصلاة فقال:
هموم لزمتني وديون فذكره قال الصدر المناوي: فيه غسان بن
عوف بصري ضعيف
(3/111)
2880 - (ألا أعلمك) يا علي (كلمات إذا
قلتهن غفر الله لك) أي الصغائر (وإن كنت مغفورا لك)
الكبائر قال: علمني. قال: (قل لا إله إلا الله العلي
العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله
سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله
رب العالمين) قال الحكيم: هذه جامعة وحده أولا ثم وصفه
بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه
المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده
ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم حلم فوسعهم حلما وكرم فغمرهم
بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال
في تنزيله {وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} ثم قال:
{ولقد عفى عنكم} هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه
بالتحميد
(ت عن علي) أمير المؤمنين رضي الله عنه ورواه الحاكم وقال:
على شرطهما وأقره الذهبي وقال ابن حجر في فتاويه: أخرجه
النسائي بمعناه وسنده صحيح وأصله في البخاري من طريق آخر
اه. (ورواه خط) في التاريخ (بلفظ إذا أنت قلتهن وعليك مثل
عدد الذر) بذال معجمة ثم راء أي صغار النمل (خطايا غفر
الله لك) وهكذا رواه أيضا الطبراني قال الهيثمي: وفيه حبيب
ابن حبيب أخو حمزة الزيات وهو ضعيف اه
(3/112)
2881 - (ألا أعلمك خصلات) إذا عملت بهن
(ينفعك الله تعالى بهن) قال: علمني فقال: (عليك بالعلم) أي
الزمه تعلما وتعليما والمراد العلم الشرعي ويلحق به آلته
(فإن العلم خليل المؤمن) لأنه قد خله أي ضمه إلى الإيمان
فإنه لما علم اهتدى فمال إلى من آمن به ليأتمر وينتهي
بنهيه والخلة لغة الضم فكذا العلم لما ظهر في صدر المؤمن
وجمعه حتى لا تنتشر جوارحه في شهواته وهواه سمي خليله
(والحلم وزيره) لأن الحلم سعة الصدر وطيب النفس فإذا اتسع
الصدر وانشرح بالنور أبصرت النفس رشدها من غيها وعواقب
الخير والشر فطابت وإنما تطيب النفس بسعة الصدر وإنما تتسع
ولوج النور الإلهي فإذا أشرق نور اليقين في صدره ذهبت
الحيرة وزالت المخاوف واستراح القلب وهي صفة الحلم فهو
وزير المؤمن يؤازره على أمر ربه على ما يقتضيه العلم فإذا
نفد الحلم ضاقت النفس [ص:113] وانفرد بلا وزير (والعقل
دليله) على مراشد الأمور يبصره عيوبها ويهديه لمحاسنها
ويزجره عن مساويها (والعمل قيمه) يهيء له مساكن الأبرار في
دار القرار ويدبر له في معاشه طيب الحياة {من عمل صالحا من
ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم}
الآية. فالقيم شأنه أن يتوكل على الله حتى يكفيه مهماته
(والرفق أبوه) فالأب له تربية ومع التربية عطف وحنو وتلطف
بالولد فكذا الرفق يحوطه ويتلطف له في أموره ويعطف عليه في
الراحة (واللين أخوه) فكما أن الأخ معتمد أخيه به استراحته
وإذا أعيا استند إليه فاستراح فكذا اللين راحة المؤمن يهدي
نفسه ويطمئن قلبه ويستريح بدنه من الحدة والشدة والغضب
وعذاب النفس (والصبر أمير جنوده) لأن الصبر ثبات القلب على
عزمه فإذا ثبت الأمير ثبت الجند لحرب العدو وإذا أتت النفس
بلذاتها فغلبت القلب حتى تستعمل الجوارح في المنهي فقد ذهب
الصبر وهو ذهاب العزم فبقي القلب أسيرا للنفس فانهزم العقل
والحلم والعلم والرفق واللين وجميع جنوده الذي أعطيها
(الحكيم) الترمذي (عن ابن عباس)
(3/112)
2882 - (ألا أعلمك كلمات من يرد الله به
خيرا) أي كثيرا (يعلمهن إياه) بأن يلهمه إياها ويسخر له من
يعلمه ذلك (ثم لا ينسيه) الله إياهن (أبدا) قال: علمني
قال: (قل اللهم إني ضعيف) أي عاجز يقال ضعف عن الشيء عجز
عن احتماله (فقو في رضاك ضعفي) أي اجبره به والضعف بفتح في
الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة
حسيا كان ذلك كضعف الجسد أو معنويا كضعف الرأي أو قلة
الاحتمال (وخذ إلى الخير بناصيتي) أي جرني إليه ودلني عليه
(واجعل الإسلام منتهى رضاي) أي غايته وأقصاه (اللهم إني
ضعيف فقوني وإني ذليل) أي مستهان بي عند الناس (فأعزني
وإني فقير فارزقني) أي ابسط لي في رزقي وفي رواية بدله
فأغنني
(طب عن ابن عمرو) بن العاص (ع ن عن بريدة) بن الحصيب قال
الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى وهو متروك وفي محل آخر واه
ضعيف جدا انتهى وقال غيره كذاب
(3/113)
2883 - (ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن
وتنفع من علمته) إياهن قال: علمنيهن قال: (صل ليلة الجمعة)
أي ليلة جمعة كانت (أربع ركعات) أمر بالصلاة قبل الدعاء
لأن طالب الحاجة يحتاج إلى قرع من بيده الأمر كله وأفضل
قرع بابه بالصلاة لما فيها من تعظيم الله وتمجيده والثناء
عليه والخشوع والافتقار والخضوع وغير ذلك (تقرأ في الركعة
الأولى بفاتحة الكتاب) أي بسورة الفاتحة بتمامها (ويس) أي
وبعدها تقرأ سورة يس بكمالها (وفي الثانية بفاتحة الكتاب)
بتمامها (وحم الدخان) وبعدها تقرأ سورة حم الدخان بتمامها
(وفي الثالثة بفاتحة الكتاب) بكمالها (وبالم السجدة) أي
وتقرأ بعدها سورة السجدة (وفي الرابعة بفاتحة الكتاب)
بتمامها (وتبارك المفصل) أي تقرأ بعدها سورة تبارك الذي هي
من المفصل (فإذا فرغت من التشهد) في آخر الرابعة (فاحمد
الله وأثن عليه) بما يستحقه من المحامد [ص:114] والثناء
وظاهر هذا أن يأتي بذلك قبل السلام (وصل على النبيين)
المراد بهم هنا ما يشمل المرسلين جميعا (واستغفر للمؤمنين)
أي والمؤمنات كما في نظائره (ثم) بعد إتيانك بذلك (قل
اللهم ارحمني بترك المعاصي) جمع معصية (أبدا ما أبقيتني)
أي مدة دوام بقائك لي في الدنيا (وارحمني من أن أتكلف ما
لا يعنيني) من قول أو فعل فإن من حسن إسلام المرء تركه ما
لا يعنيه (وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع)
بحذف حرف النداء وهو مراد (السماوات والأرض) أي مبتدعهما
يعني مخترعهما على غير مثال سبق (ذا الجلال) أي العظمة
(والإكرام والعزة التي لا ترام) أي لا يرومها مخلوق لتفردك
بها (أسألك يا الله يا رحمن بجلالك) أي بعظمتك (ونور وجهك)
الذي أشرقت له السماوات والأرض (أن تلزم قلبي حب كتابك)
يعني القرآن (كما علمتني) إياه والظاهر أن المراد تعقل
معانيه ومعرفة أسراره فإن قوله كما علمتني يشير إلى أنه
يدعو بذلك وهو حافظ له قائل له بلسانه فإن المراد المعرفة
العلمية القلبية (وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك
عني) بأن توفقني إلى النطق به على الوجه الذي ترضاه في حسن
الأداء (وأسألك أن تنور بالكتاب بصري وتطلق به لساني وتفرج
به كربي وتشرح به صدري وتستعمل به بدني وتقويني على ذلك
وتعينني عليه فإنه لا يعينني على الخير غيرك ولا يوفق له
إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن
الله وما أخطأ مؤمنا قط) (1) بنصب مؤمن بخط المصنف
(ت طب عن ابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم
يصب) في إيراده لأنه غايته أنه ضعيف
_________
(1) [" وما أخطأ مؤمنا قط ": أي أن فائدة هذا الدعاء لم
تفشل قط في إدراك المؤمن إذا دعا به. دار الحديث]
(3/113)
2884 - (ألا أنبئك بشر الناس) أي بمن هو
شرهم قال: بلى قال: (من أكل وحده) بخلا وشحا أن يأكل معه
نحو ضيفه أو تكبرا أو تيها أن يأكل معه عياله وأولاده
(ومنع رفده) بالكسر عطاءه وصلته (وسافر وحده) أي منفردا عن
الرفقة (وضرب عبده) يعني قنه عبدا أو أمة (ألا أنبئك بشر
من هذا) الإنسان المتصف بهذه القبائح قال: أنبئني قال:
(من) أي إنسان (يبغض الناس ويبغضونه) لدلالته على أن الملأ
الأعلى يبغضه وأن الله يبغضه (ألا أنبئك بشر من هذا)
الإنسان الذي هو في عداد الأشقياء (من يخشى) بالبناء
للمجهول أي من يخاف الناس [ص:115] (شره ولا يرجى خيره) أي
ولا يرجى الخير من جهته (ألا أنبئك بشر من هذا) الإنسان
الذي هو من أهل النيران (من باع آخرته بدنيا غيره) إذ هو
أخس الأخساء وأخسر الناس صفقة وأطولهم ندامة يوم القيامة
(ألا أنبئك بشر من هذا من أكل الدنيا بالدين) كالعالم الذي
جعل علمه مصيدة يصطاد بها الحكام ومرقاة لمصاحبة الحكام
والزاهد الذي قصد بزهده ولبسه الصوف أن يعتقد ويتبرك به
فيعطي ويعظم في النفوس فمن طلب الدنيا بالدين فما أعظم
مصيبته وما أطول بغيه وأقطع خزيه وخسرانه فإن الدنيا التي
يطلبها بالدين لا تسلم له والآخرة تسلب منه فمن طلبها بهما
خسرهما جميعا ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعا. <تنبيه>
من كلماتهم البليغة: أرضى الناس بالخسار بائع الدين
بالدينار
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل ورواه الطبراني
من حديث ابن عباس وضعفه المنذري
(3/114)
2885 - (ألا أنبئكم بخياركم) أي بالذين هم
من خياركم أيها المؤمنون قالوا: بلى قال: (الذين إذا رؤوا
ذكر الله) أي بسمتهم وهيئتهم لكون الواحد منهم حزينا
منكسرا مطرقا صامتا تظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته
وحركته وسكونه ونطقه لا ينظر إليه ناظر إلا كان نظره مذكرا
بالله وكانت صورته دليلا على علمه فأولئك يعرفون بسيماهم
في السكينة والذلة والتواضع وقال العارف ابن عربي: من تحقق
بعبوديته وتستر بعبادته بحيث إذا رؤي في غاية الضعف ذكر
الله عند رؤيته فذلك عندنا هو الولي فهؤلاء هم الذين إذا
رؤوا ذكر الله من صبرهم على البلاء ومحنة الله لهم الظاهرة
فلا يرفعون رؤوسهم لغير الله في أحوالهم فإذا رؤي منهم مثل
هذه الصفة ذكر الله بكونه اختصهم لنفسه قال: ومن لا علم له
بما قلنا يقول الولي صاحب الحال هو الذي له التكوين والفعل
بالهمة والتحكم في العالم والقهر والسلطان وهذه كلها أوصاف
فإذا رؤوا ذكر الله وهذا قول من لا يعلم ومقصود الشارع ما
ذكرناه
(حم هـ) وكذا أبو نعيم (عن أسماء بنت يزيد) من الزيادة ابن
السكن الأنصارية صحابية جليلة صاحبة حديث قال الهيثمي: فيه
شهر بن حوشب وثقه غير واحد وضعف وبقية رجال أحد إسناديه
رجال الصحيح
(3/115)
2886 - (ألا) قال القاضي: حرف تنبيه يؤكد
بها الجملة المصدرة بها (أنبئكم بخير أعمالكم) أي أفضلها
(وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها عند ربكم ومالككم
(وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة (وخير لكم من
إنفاق الذهب) قال الطيبي: مجرور عطف على خير أعمالكم من
حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل
أموالكم ونفوسكم (والورق) بكسر الراء الفضة (وخير لكم من
أن تلقوا عدوكم) يعني الكفار (فتضربوا أعناقهم ويضربوا
أعناقكم) يعني تقتلوهم ويقتلونكم بسيف أو غيره (ذكر الله)
لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط
يتقرب بها إلى [ص:116] الله تعالى والذكر هو المقصود
الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا الله وهي الكلمة العليا
وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني
عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي
الكل وليس غيره {قل إنما يوحى إلي أنما الهكم إله واحد} أي
الوحي مقصور على استئثار الله بالوحدانية لأن القصد الأعظم
من الوحي التوحيد {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} ولأمر ما
تجد العارفين يؤثرونها على جميع الأذكار لما فيها من
الخواص التي لا طريق إلى معرفتها إلا الوجدان والذوق
قالوا: وهذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به ولو
خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له
الجهاد أو الغنى الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له
الصدقة والقادر على الحج قيل له الحج أو من له أصلان قيل
له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار وقال ابن حجر:
المراد بالذكر هنا الذكر الكامل وهو ما اجتمع فيه ذكر
اللسان والقلب بالشكر واستحضار عظمة الرب وهذا لا يعدله
شيء وأفضل الجهاد وغيره إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان
المجرد وهذا الحديث يقتضي أن الذكر أفضل من تلاوة القرآن
وقضية الحديث المار وهو قوله أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن
يقتضي عكسه فوقع التعارض بينهما وجمع الغزالي بأن القرآن
أفضل لعموم الخلق والذكر أفضل للذاهب إلى الله في جميع
أحواله في بدايته ونهايته فإن القرآن مشتمل على صنوف
المعارف والأحوال والإرشاد إلى الطريق فما دام العبد
مفتقرا إلى تهذيب الأخلاق وتحصيل المعارف فالقرآن أولى له
فإن جاوز ذلك واستولى الذكر على قلبه فمداومة الذكر أولى
به فإن القرآن يجاذب خاطره ويسرح به في رياض الجنة والذاهب
إلى الله لا ينبغي أن يلتفت إلى الجنة بل يجعل همه هما
واحدا وذكره ذكرا واحدا ليدرك درجة الفناء والاستغراق
ولذلك قال تعالى: {ولذكر الله أكبر} . <تنبيه> أخذ ابن
الحاج من ذلك ترك طلب الدنيا أعظم عند الله من أخذها
والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شيء أفضل
من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب
أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها
لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال: أحبهما إلي الذي جانب
الدنيا. (تنبيه آخر) قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث
فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا: فالطريق
في ذلك أولا أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن
الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير
قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو
بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب
مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا
يخطر بباله شيء سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه الله
الله على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك
تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن
ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم
تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا
يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ورد عليهم النظار وذوي
الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى
الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة
(ت) في الدعوات (هـ) في ثواب التسبيح (ك) في الدعاء والذكر
(عن أبي الدرداء) عويمر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي
ورواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وسنده حسن
(3/115)
2887 - (ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في
الدنيا) أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال
الآخرة (جائعة عارية) بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار
عن حالها (يوم القيامة) أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف
الأعظم (ألا [ص:117] يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا
طاعمة) من طعام دار الرضى (ناعمة يوم القيامة) بطاعتها
مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى:
{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن
لبيوتهم سقفا من فضة} (ألا يا رب مكرم لنفسه) بمتابعة
هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها
وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها
(وهو لها مهين) فإن ذلك يبعده عن الله ويوجب حرمانه من
منال حظ المتقين في الآخرة (ألا يا رب مهين لنفسه)
بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على
الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة (وهو لها
مكرم) يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة
الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية ولله در القائل
وهو أبو إسحاق الشيرازي:
صبرت على بعض الأذى خوف كله. . . ودافعت عن نفسي بنفسي
فعزت
وجرعتها المكروه حتى تجرعت. . . ولو جملة جرعتها لاشمأزت
فيا رب عز ساق للنفس ذلة. . . ويا رب نفس بالتذلل عزت
وما العز إلا خيفة الله وحده. . . ومن خاف منه خافه ما
أقلت
(ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله
عند الله من خلاق) أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في
الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك
مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في
الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهما شرعيا كل يوم وقد
فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد
العزيز (ألا وإن عمل الجنة) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل
إليها (حزن) ضد السهل (بربوة) بضم الراء وتفتح مكان مرتفع
سمي ربوة لأنها ربت فعلت (ألا وإن عمل النار) أي العمل
الذي يقرب منها ويوصل إليها (سهل بسهوة) بسين مهملة أرض
لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة
لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على
النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما
يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس
وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا
خطر في قهر النفس وترك شهواتها (ألا يا رب شهوة ساعة)
واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرم يفضي به إلى مواقعة كبيرة
أو كلمة باطلة يمنع بها حقا أو يحق بها باطلا كأن يقتطع
بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه (أورثت حزنا طويلا)
في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ
لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله
ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن
متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من
جوامع الكلم
(ابن سعد) في الطبقات (هب عن أبي البجير) بالجيم صحابي قال
الذهبي: له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضا
وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه
(3/116)
2888 - (إياك) منصوب بفعل مضمر لا يجوز
إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره
هنا باعد واتق (وكل أمر يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما
تحتاج أن تعتذر عنه. قال ذا النون: ثلاثة من أعلام الكمال:
[ص:118] وزن الكلام قبل التفوه به ومجانبة ما يحوج إلى
الاعتذار وترك إجابة السفيه حلما عنه وأخرج أحمد في الزهد
عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: إياك وما يعتذر منه من
القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من
خير وخرج ابن عساكر عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد
العزيز: احفظ عني أربعا: لا تصحب سلطانا وإن أمرته بمعروف
ونهيته عن منكر ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن ولا
تصلن من قطع رحمه فإنه لك أقطع ولا تتكلمن بكلام تعتذر منه
غدا. وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم: دع ما يسبق إلى
القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فلست بموسع عذرا كل من
أسمعته نكرا وهذا الحديث عده العسكري من الأمثال وقد قال
جمع: بهاتين الكلمتين جميع آداب الدنيا والدين وفيه جمع
لما ذكره بعض سلفنا الصوفية أنه لا ينبغي دخول مواضع التهم
ومن ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر من خوفه من وجود
الألم فإن دخولها يوجب سقم القلب كما يوجب الأغذية الفاسدة
سقم البدن فإياك والدخول على الظلمة وقد رأى العارف أبو
هاشم عالما خارجا من بيت القاضي فقال له: نعوذ بالله من
علم لا ينفع
(الضياء) المقدسي (عن أنس) قال: قال رجل: يا رسول الله
أوصني وأوجز فذكره ورواه عنه أيضا الديلمي في مسند الفردوس
وسنده حسن قال: وأخرج البخاري في تاريخه وأحمد في الإيمان
والطبراني في الكبير بسند جيد عن سعد بن عبادة الأنصاري
وله صحبة موقوفا انظر إلى ما يعتذر منه من القول والفعل
فاجتنبه وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد والطبراني
في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر بلفظ إياك وما يعتذر منه
(3/117)
2889 - (إياك) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (وما
يسوء الأذن) قال ذلك ثلاثا والمراد احذري النطق بكلام يسوء
غيرك إذا سمع عنك ذلك فإنه موجب للتنافر والتقاطع والعداوة
وربما أوقع في الشرور والمراد بالأذن قوة منبثة في العصب
المفروش في قعر الصماخ فيه تحذير من الغيبة لوخامة عاقبتها
(حم م عن ابن أبي الغادية) بغين معجمة في خط المصنف قال:
خرجت أنا وحبيب بن الحرث وأم العلاء مهاجرين إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأسلمنا فقالت المرأة: أوصني فذكره
(أبو نعيم في المعرفة) أي في كتاب معرفة الصحابة من طريق
محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن العاص بن عمرو الطفاوي بن
حبيب (بن الحارث) قلت: يا رسول الله أوصني فذكره قال في
الإصابة: العاص مجهول (طب عن عمة العاص بن عمرو الطفاوي)
بضم الطاء وفتح الفاء وبعد الألف واو نسبة إلى طفاوة بطن
من قيس عيلان قال: حدثتني عمتي قالت: دخلت مع ناس على
النبي صلى الله عليه وسلم قلت: حدثني حديثا ينفعني الله به
فذكره قال الهيثمي: فيه العاص بن عمرو الطفاوي وهو مستور
روى عنه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وتمام بن السريع وبقية
رجال المسند رجال الصحيح اه وقال السخاوي: هذا مرسل فالعاص
لا صحبة له وقال شيخي يعني ابن حجر مجهول لكن ذكره ابن
حبان في الثقات اه ولذلك لم يذكره الذهبي في الصحابة
(3/118)
2890 - (إياك وقرين السوء) بالفتح مصدر
(فإنك به تعرف) أي تشتهر بما اشتهر من السوء قال تعالى:
{ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا} ومن ثم قالوا:
الإنسان موسوم بسيما من يقارن ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب.
وقال علي كرم الله وجهه: الصاحب مناسب ما شيء أدل على شيء
ولا الدخان على النار من الصاحب على الصاحب. وقال بعض
الحكماء: اعرف أخاك بأخيه قبلك وقال آخر: يظن بالمرء لا
يظن بقرينه قال عدي:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه. . . فكل قرين بالمقارن
يقتدي
فمقصود الحديث التحرز من أخلاء السوء وتجانب صحبة الريب
ليكون موفور العرض سليم العيب فلا يلام [ص:119] بلائمة
غيره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس)
(3/118)
2891 - (إياك والسمر بعد هدأة) بفتح وسكون
(الرجل) بكسر الراء وسكون الجيم وفي رواية الليل بدل الرجل
ذكره المصنف على حاشية نسخته (1) (فإنكم لا تدرون ما يأتي
الله تعالى في خلقه)
(ك) في الأدب (عن جابر) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي
_________
(1) ومراده النهي عن التحدث بعد سكون الناس وأخذهم مضاجعهم
ثم علل ذلك بقوله: فإنكم
(3/119)
2892 - (إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا
بالمتنعمين) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزا لكنه يوجب
الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم
والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره
أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة اشتريت بثلاثة
وثلاثين بعيرا وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك
فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا
يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة
وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك
فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال
العارف الجنيد: دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته
فقال: جاءته البارحة الصبية فقالت: يا أبت هذا الكوز أعلقه
لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء
فقلت: لمن أنت قالت: لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز
(حم هب عن معاذ) قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وقال المنذري
بعد ما عزاه لأحمد والبيهقي: رواة أحمد ثقات
(3/119)
2893 - (إياك والحلوب) أي احذر ذبح شاة ذات
لبن فعولة بمعنى مفعولة يقال: ناقة حلوب أي هي مما يحلب
قاله لأبي التيهان الأنصاري لما أضافه فأخذ الشفرة وذهب
ليذبح له وفيه قصة طويلة مشهورة في الأطعمة (1) كلاهما (عن
أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وخرجه الترمذي في الشمائل
مطولا
_________
(1) وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعا فخرج فرأى أبا
بكر وعمر قال: قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار
وسألهما عما أخرجهما فقالا: الجوع يا رسول الله فقال: وأنا
كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه
ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء
الرجل ليذبح وفرح بهم قائلا: من أكرم مني اليوم أضيافا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك فذكره وفي
مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي
بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا:
الجوع يا رسول الله قال: وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي
أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلا من الأنصار وهو أبو
الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال:
كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق
وشربوا حتى شبعوا ورووا
(3/119)
2894 - (إياك والخمر) أي احذر شربها (فإن
خطيئتها تفرع) بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين
مهملة (الخطايا) أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب
تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها (كما أن شجرتها)
يعني الكرمة (تفرع الشجر) أي تطول سائر الشجر التي تتعلق
بها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل
[ص:120] الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى
الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أم
الخبائث
(هـ عن خباب) بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة
مدلس
(3/119)
2895 - (إياك ونار المؤمن لا تحرقك) أي
احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع
إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار
نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقا وحريق كل نار
على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه
ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي
له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور
التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من
النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات (فإنه
وإن عثر كل يوم سبع مرات) أراد التكثير لا التحديد وإن
تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم (فإن يمينه)
أي يده اليمنى (بيد الله) بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا
يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته (إذا شاء أن
ينعشه) أي ينهضه ويقوي جانبه (أنعشه) أي إذا شاء أن يقيله
من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك
العثرة ليجدد عليه أمرا ويرفع له شأنا وقدرا إن أحدكم
ليدخل الجنة بالذنب يصيبه وليست تلك عثرة رفض بل عثرة
تدبير فعثرات الأولياء تتجدد لهم بها كرامات ويبرز لهم ما
كان غيبا عنهم من المحبة والعطف فينعشهم بذلك
(الحكيم) الترمذي (عن الغار بن ربيعة) لم أر في الصحابة
فيما وقفت عليه من اسمه كذلك فلينظر
(3/120)
2896 - (إياكم) بالنصب على التحذير
(والطعام الحار) أي تجنبوا أكله حتى يبرد (فإنه) أي أكله
حارا (يذهب بالبركة (1) إذ الآكل منه يأكل وهو مشغول بأذية
حره فلا يدري ما أكل (وعليكم بالبارد) أي الزموا الأكل منه
(فإنه أهنأ) للأكل (وأعظم بركة) من الحار فإن قلت: أول
الحديث ناطق بأنه لا بركة فيه وختامه يشير إلى أن في
كليهما بركة لكنها في البارد أعظم فهو كالمتدافع قلت: يمكن
حمل قوله أولا يذهب بالبركة على أن المراد بمعظمها لا كلها
فلا تدافع
(عبدان في) كتاب معرفة (الصحابة عن بولا) بموحدة غير منسوب
قال ابن حجر: الحديث إسناده مجهول كذا أورده أبو موسى
بالموحدة لكن ذكره عبد الغني في المؤتلف بمثناة فوقية وهو
الصواب وذكره ابن قانع بالموحدة فصحفه وأخطأ في إسناده اه
ملخصا
_________
(1) قوله: يذهب بالبركة الباء للتعدية أي يذهب بمعظمها
(3/120)
2897 - (إياكم والحمرة) أي اجتنبوا التزين
باللباس الأحمر القاني (فإنها أحب الزينة إلى الشيطان)
بمعنى أنه يحب هذا اللون ويرضاه ويعطف على من تزين به
ويقرب منه وهذا تمسك به من حرم لبس الأحمر القاني كالحنفية
(طب عن عمران بن حصين) قال الديلمي: وفي الباب عبد الرحمن
بن يزيد اه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما
يعقوب بن خالد بن نجيح البكري العبدي لم أعرفه وفي الآخر
بكر بن محمد يروي عن سعيد عن شعبة وبقية رجالهما ثقات
(3/120)
2898 - (إياكم وأبواب السلطان) أي اجتنبوها
ولا تقربوا بابا منها (فإنه) يعني باب السلطان الذي هو
واحد الأبواب (قد [ص:121] أصبح صعبا) أي شديدا (هبوطا) أي
منزلا لدرجة من لازمه مذلا له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ
هبوطا بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي
وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطا بحاء مهملة أي
يحبط العمل والمنزلة عند الله تعالى. قال الديلمي: وروي
خبوطا بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي
يضرب بيده على الأرض اه وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم
يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه
أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان
عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ
لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما
يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن
ويطري وينافق فيهلك ويهلك
(طب عن رجل من بني سليم) يعني به الأعور السلمي. قال
الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ورواه أيضا باللفظ المزبور عن
أبي الأعور المذكور أبو نعيم والديلمي والبيهقي في الشعب
(3/120)
2899 - (إياكم ومشارة الناس) في رواية
مشارة بفك الإدغام مفاعلة من الشر أي لا تفعل بهم شرا
تحوجهم إلى أن يفعلوا بك مثله (فإنها تدفن الغرة) بغين
معجمة مضمومة وراء مشددة الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة
الفرس وكل شيء ترتفع قيمته فهو غرة (وتظهر العرة) بعين
مهملة مضمومة وراء مشددة وهي القذر استعير للعيب والدنس
ورأيت بخط الحافظ ابن حجر في اللسان العورة بدل العرة قال
رجل للأعمش: كنت مع رجل فوقع فيك فههمت به فقال: لعل الذي
غضبت له لو سمعه لم يقل شيئا وقيل لبعضهم: فلان يبغضك قال:
ليس في قربه أنس ولا في بعده وحشة وقال مالك لمطرف: ما
تقول في الناس قال: الصديق يثني والعدو يقع قال: وما زال
الناس هكذا عدو وصديق لكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة
كلها
(هب عن أبي هريرة) ظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر
بخلافه بل تعقبه بما نصه تفرد به الوليد بن سلمة الأردني
وله من مثال هذا أفراد لم يتابع عليها اه والوليد هذا
أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: تركه الدارقطني
ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن شيخ
الطبراني محمد بن الحسن بن هديم لم أعرفه
(3/121)
2900 - (إياكم والجلوس) أي احذروا ندبا
القعود (على) في رواية في (الطرقات) يعني الشوارع المسلوكة
وفي رواية الصعدات بضمتين وهي كالطرقات وزنا ومعنى وذلك
لأن الجالس بها قلما سلم من رؤية ما يكره أو سماع ما لا
يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغير ذلك مما
قد يضعف القاعد عليها عن إزالته فقالوا: ما لنا من مجالسنا
بد نتحدث فيها فقال: (فإن) وفي رواية فإذا (أبيتم) من
الإباء (إلا) بالتشديد (المجالس) بفتح الميم مصدر ميمي أي
إن امتنعتم إلا عن الجلوس في الطريق كأن دعت حاجة فعبر عن
الجلوس بالمجالس وفي رواية فإن أتيتم إلى المجالس بالمثناة
وبإلى التي للغاية (فأعطوا) بهمزة قطع (الطريق حقها) أي
وفوها حقوقها الموظفة على الجالس فيها قالوا: يا رسول الله
وما حق الطريق قال: (غض) وفي رواية لأحمد غضوض قال أبو
البقاء: جمع غض وجاز أن يجمع المصدر هنا لتعدد فاعليه
ولاختلافه قال: ويجوز أن يكون واحدا كالقعود والجلوس
(البصر) أي كفه عن النظر إلى المحرم (وكف الأذى) أي
الامتناع مما يؤذي المارة من نحو إزراء وغيبة (ورد السلام)
على المسلم من المارة إكراما له (والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر) وإن ظن أن ذلك لا يفيد أي ونحو ذلك كإغاثة
ملهوف وتشميت عاطس وإفشاء سلام وغير ذلك من كل ما ندبه
الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات وزاد أبو داود
وإرشاد السبيل والطبراني وإغاثة الملهوف والنهي للتنزيه
لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق واحتج به من قال إن
سد الذرائع أولوي لا لزومي لأنه أولا نهى [ص:122] عن
الجلوس حسما للمادة فلما قالوا لا بد لنا منه فسح لهم فيه
بشرط أن يعطوا الطريق حقها
(حم د ق عن أبي سعيد) الخدري قال الديلمي: وفي الباب أبو
هريرة وغيره
(3/121)
2901 - (إياكم والظن) أي احذروا اتباع الظن
واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول والظن
تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي: وهو حرام كسوء
القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره
بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا
فالمنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل
إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا
علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف
لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته
وشاهدته فما لم تشاهده ولم تسمعه ثم وقع في قلبك فإنما
الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق
انتهى وقال العارف زروق: إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب
الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. . . وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عدوه. . . وأصبح في ليل من الشك مظلم
(فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر إذ القياس فإنه لزيادة
تمكن المسند إليه في ذكر السامع حث على الاجتناب (أكذب
الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس
الإنسان واستشكل تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم
مطابقته الواقع قولا أو غيره أو ما ينشأ عن الظن فوصف الظن
به مجازا. قال الغزالي: من مكائد الشيطان سوء الظن
بالمسلمين {إن بعض الظن إثم} ومن حكم بشيء على غيره بالظن
بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك أو
يقصر في القيام بحقوقه أو ينظر إليه بعين الإحتقار ويرى
نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات ولذلك منع الشرع من
التعرض للتهم. <تنبيه> قال الراغب: الظن إصابة بضرب من
الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقرب تارة
من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة
مبهما والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن
تخمين لم يعتمد وذم به {إن بعض الظن إثم} اه (ولا تجسسوا)
بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي:
التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري:
التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع
عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان
مستورا عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من
هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله أو
امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام
السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا
الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية وقيل الأول
التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره
والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني
أعم (ولا تنافسوا) بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في
الشيء والانفراد به ومنه {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}
وروي تناجشوا من النجش. قال القاضي: التناجش أن يزيد هذا
على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي
عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة (ولا تحاسدوا) أي
لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من
التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة:
المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون
[ص:123] خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض
لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر
فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره. قال في العارضة: التدابر
أن يولي كل منهم صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا
بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم: والفرق بين
المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي
تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف
النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة
ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف
النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر
وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوا صرتم
أعداء (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه) بكسر الخاء بأن يخطب
امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقا (حتى
ينكح أو يترك) أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره
خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما
إذا كان الخاطب مسلما فإن كان كافرا لم تحرم لكن الجمهور
على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقا
لكن له شروط مبينة في الفروع. <تنبيه> أخرج الحكيم الترمذي
عن أبي الدرداء قال: ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على
الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على
أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم
توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم
أنتم إلا قليلا منكم
(مالك) في الموطأ (حم ق) في الأدب (د ت عن أبي هريرة)
(3/122)
2902 - (إياكم والتعريس) أي النزول آخر
الليل لنحو نوم (على جواد الطريق) بتشديد الدال جمع جادة
أي معظم الطريق والمراد نفسها (والصلاة عليها) أي الطريق
يعني فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها
فإنها الملاعن) أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم
الجالبة لذلك والمصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم
بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي
(هـ عن جابر) بن عبد الله سكت عليه المصنف فلم يشر إليه
بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري
رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه: هذا
الحديث معلل بأمرين: الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله
فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به والثاني أن فيه
انقطاعا لكن رواه البزار مختصرا بسند على شرط مسلم اه.
وقال الولي العراقي: فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في
سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي:
ورجاله رجال الصحيح
(3/123)
2903 - (إياكم والوصال) أي اجتنبوا تتابع
الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن
المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها. قال
في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما قالوا:
فإنك تواصل قال: (إنكم لستم في ذلك مثلي) أي على صفتي أو
منزلتي من ربي (إني أبيت) في رواية أظل والبيتوتة والظلول
يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند
ربي دائما أبدا وهي عندية تشريف (يطعمني ربي ويسقيني)
حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازا عما
يغذيه الله به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته
وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من
غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق
فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون
عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر
وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهرا [ص:124]
لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم
يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم
ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا
وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن
أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة
يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب
عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز
البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفوا صفوا فقلما
تراه مجموعا في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب (فاكلفوا)
بسكون فضم احملوا (من العمل ما تطيقون) بين به وجه حكمة
النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم
وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله والخضوع في
فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة وشدة الجوع
تنافيه وتحول بين المكلف وبينه ثم الجمهور على أن الوصال
للنبي مباح وقال الإمام: قربة وفي المطلب أن خصوصيته به
على كل أمته لا على كل فرد فرد فقد اشتهر عن كثير من
الأكابر الوصال وقال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه
واصل ستين يوما
(ق عن أبي هريرة)
(3/123)
2904 - (إياكم) نصب على التحذير (وكثرة
الحلف في البيع) أي توقوا إكثاره فهو للزجر والتحذير على
حد إياك والأسد أي باعد نفسك عنه واحذره وتقييده بالكثرة
يؤذن بأن المراد النهي عن إكثار الأيمان ولو صادقة لأن
الكثرة مظنة الوقوع في المكذب كالواقع حول الحمى يوشك أن
يقع فيه مع ما فيه من ذكر الله لا على جهة تعظيمه بل تعظيم
السلعة فالحلف لها لا له أما الكاذبة فحرام وإن قلت (فإنه)
تعليل لما قبله (ينفق) أي يروج البيع (ثم يمحق) بفتح حرف
المضارعة أي يذهب بركته بوجه ما من تلف أو صرف فيما لا
ينفع. قال الطيبي: ثم للتراخي في الزمن يعني وإن أنفق
اليمين المبيع حالا فإنه يذهب بالبركة مآلا ويحتمل كونها
للتراخي في الرتبة أي إن محقه لبركته أبلغ حينئذ من
الإنفاق والمراد من محق البركة عدم النفع به دنيا أو دينا
حالا أو مآلا أو أعم
(حم م ن هـ) كلهم في البيع (عن أبي قتادة) الأنصاري ولم
يخرجه بهذا اللفظ البخاري
(3/124)
2905 - (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير
وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول
(على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع
الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير
ذوات المحارم ذكر الغزالي أن راهبا من بني إسرائيل أتاه
أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به
حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع
عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت
فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه
وحصروه فقال له الشيطان: اسجد لي تنج فسجد له فانظر إلى
حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية
وجعلها عنده
(حم ق ت عن عقبة بن عامر) وتمام الحديث قالوا: يا رسول
الله أرأيت الحمو قال: الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه
يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم
وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك
حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد
الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى
موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها
إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى
التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع
امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه
لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به
النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه
(3/124)
[ص:125] 2906 - (إياكم والشح) الذي هو قلة
الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو
أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل
بالمعاصي كما سبق (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم
(بالشح) كيف وهو من سوء الظن بالله (أمرهم بالبخل فبخلوا)
بكسر الخاء (وأمرهم بالقطيعة) للرحم (فقطعوها) ومن قطعها
قطع الله عنه رحمته وإفضاله (وأمرهم بالفجور) أي الميل عن
القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي (ففجروا) أي أمرهم
بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان
{أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا} ومن ثم ورد لا يجتمع
الشح والإيمان في قلب أبدا قال الماوردي: وينشأ عن الشح من
الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق
ناهيك بها ذما: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص
شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية
والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء
الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن
نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك
مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح
إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق
معه خير موجود ولا صلاح مأمول
(د ك) في الزكاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال: خطب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره
الذهبي
(3/125)
2907 - (إياكم والفتن) أي احذروا وقعها
والقرب منها (فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) فإنه
يؤدي إلى وقع السيف بآخرة
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي
ضعفوه
(3/125)
2908 - (إياكم والحسد) وهو كما قال
الحرالي: قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض
على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما
أهله له ومن ثم قال: (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يذهبها
ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس
لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله
أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة
ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن
المعاصي تحبط الطاعات. <تنبيه> قال الغزالي: الحاسد جمع
لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا
بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة فقصد
محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه
وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة. . . طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت. . . ما كان يعرف طيب نشر
العود
(د) في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده (عن أبي
هريرة) وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في
تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال: لا يصح
(3/125)
2909 - (إياكم والغلو في الدين) أي التشديد
فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها
[ص:126] وغوامض متعبداتها (فإنما هلك من كان قبلكم) من
الأمم (بالغلو في الدين) والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله
غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية: قوله
إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في
الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح
الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في
الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو
في القرآن بقوله تعالى: {لا تغلوا في دينكم} وسبب هذا
الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة
الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن
مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن
المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك
(حم ن هـ ك عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن منيع
والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية: هذا إسناد صحيح
على شرط مسلم
(3/125)
2910 - (إياكم والنعي) بفتح فسكون وهو خبر
الموت (فإن النعي من عمل الجاهلية) كانوا إذا مات منهم ذو
قدر ركب منهم إنسانا فرسا ويقول نعاه أي كنزال فلانا أي
انعه وأظهر خبر موته فهذا إذا وقع على وجه النوح يكون
حراما وأما الإعلام بموته من غير نوح فلا بأس به
(ت عن ابن مسعود) قال عبد الحق: روي مرفوعا وموقوفا
والموقوف أصح وتعقبه ابن القطان بما محصوله أنه ضعيف كيفما
كان لكن رواية الرفع ضعف وممن بين ضعفه مطلقا الترمذي نفسه
نعم روى الترمذي بسند صحيح نهي النبي صلى الله عليه وسلم
عن النعي
(3/126)
2911 - (إياكم والتعري) أي التجرد عن
اللباس وكشف العورة حرام إن كان ثم من يحرم نظره إليه وأما
إن كان في خلوة فإن كان لغرض جاز وإن كان لغير غرض حرم كشف
السوءتين فقط (فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين
يفضي الرجل إلى أهله) أي يجامع حليلته يريد الكرام
الكاتبين (فاستحيوهم) أي استحيوا منهم (وأكرموهم) بالتستر
بحضرتهم وعدم هتك حرمتهم
(ت) في الاستئذان (عن ابن عمر) ابن الخطاب وقال حسن غريب
قال ابن القطان: ولم يبين لم لا يصح وذلك لأن فيه ليث بن
أبي سليم والترمذي نفسه دائما يضعفه ويضعف به
(3/126)
2912 - (إياكم وسوء ذات البين) أي التسبب
في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل
بينهما فرقة أو فساد والبين من الأضداد الوصل والفراق
(فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب أو
المهلكة من حلق بعضهم بعضا أي قتل مأخوذ من حلق الشعر وقال
الزمخشري: الحالقة قطيعة الرحم والتظالم لأنها تجتاح الناس
وتهلكهم كما يحلق الشعر يقال: وقعت فيهم حالقة لم تدع شيئا
إلا أهلكته اه
(ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال: صحيح غريب انتهى وفيه
عبد الله بن جعفر المخزومي أورده الذهبي في الضعفاء وقال:
ثقة وقال ابن حبان: يستحق الترك
(3/126)
2913 - (إياكم والهوى فإن الهوى يصم ويعمي)
قال الحرالي: الهوى نزوع النفس إلى سفل شهواتها مقابلة
معتلي الروح لمنبعث الإنبساط لأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة
الماء والتراب والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار
وكان العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون
علوا وسفلا قاله الحرالي وقال القاضي: الهوى ميل النفس إلى
ما تشتهيه والمراد هنا الاسترسال في الشهوات ومطاوعة النفس
في كل ما تريد وسمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا
[ص:127] إلى الداهية وفي الآخرة إلى الهاوية قال العارف
الجنيد: أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام
فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل
ملتف بعباءة مطروح في الطريق فقال: إلي الساعة قلت: من غير
موعد قال: بلى سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك. قلت: قد فعل
قال: متى يصير داء النفس دواءها قلت: إذا خالف هواها قال:
يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد
ثم انصرف اه وقال الماوردي: الهوى عن الخير صاد وللعقل
مضاد ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها
ويجعل ستر المروءة مهتوكا ومدخل الشر مسلوكا
(السجزي) في كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عباس)
(3/126)
2914 - (إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال
علي فليقل حقا أو صدقا) إما شك من الراوي وإما لأن الحق
غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد
والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع
ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله
الكذب (ومن تقول) بشد الواو (علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده
من النار) أي فليتخذ له نزلا أي بيتا فيها ومن ثم كان
أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم الله وجهه:
لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بما لم أسمعه
(حم هـ ك عن أبي قتادة) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط
مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه
(3/127)
2915 - (إياكم ودعوة المظلوم) أي احذروا
جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كانت من
كافر فإنه) أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة
(ليس لها حجاب دون الله عز وجل) يعني أنها مستجابة قطعا
وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي: الظلم يشتمل
على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة
والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا لضعيف لا
يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو
استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل
بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه
ظلمه شيئا
(سمويه عن أنس) وله شواهد كثيرة سبقت ويجيء كثير منها
(3/127)
2916 - (إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها
لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار
الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها قال الغزالي: صغائر
المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل
الإيمان عند الخاتمة اه. وإن الله يعذب من شاء على الصغير
ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلا زيادة في
التوضيح فقال: (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا
بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به
خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني
أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر
لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما
قد لا يكترثون به وقال الغزالي: تصير الصغيرة [ص:128]
كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما
استعظمه العبد صغر عند الله وكلما استصغره عظم عند الله
لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك
النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به
وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة
والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم: إذا استخف
بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل
شيء بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس
إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان
إلى كل شيء في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على
قدره فيصير قلبه محجوبا عن الله فزوال الدنيا بكليتها أهون
من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه
لذلك حتى يستوجب الحرمان
(حم طب هب والضياء) المقدسي كلهم (عن سهل ابن سعد) قال
الهيثمي: كالمنذري رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني
في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد
الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة
(3/127)
2917 - (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن
على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة) ذكر الأرض أو
الفلاة مقحم (فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود
والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا
فأنضجوا ما فيها) قال الغزالي: وتواتر الصغائر عظيم
التأثير في سواد القلب وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر
فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة مع لين الماء وصلابة الحجر
قال العلائي: أخذ من كلام حجة الإسلام أن مقصود الحديث
الحث على عدم التهاون بالصغائر ومحاسبة النفس عليها وعدم
الغفلة عنها فإن في إهمالها هلاكه بل ربما تغلب الغفلة على
الإنسان فيفرح بالصغيرة ويتحجج بها ويعد التمكن منها نعمة
غافلا عن كونها وإن صغرت سبب للشقاوة حتى أن من المذنبين
من يتمدح بذنبه لشدة فرحه بمفارقته فيقول أما رأيتني كيف
مزقت عرضه ويقول المناظر: أما رأيتني كيف فضحته وذكرت
مساوئه حتى أخجلته وكيف استخففت به وحقرته ويقول التاجر:
أما رأيت كيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته وغبنته وذلك
وأمثاله من المهلكات
(حم طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير
عمران القطان وقد وثق اه وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد
وقال العلائي: حديث جيد على شرط الشيخين وقال ابن حجر سنده
حسن
(3/128)
2918 - (إياكم ومحادثة النساء) أي الأجانب
(فإنه) أي الشأن (لا يخلو رجل بامرأة) أجنبية بحيث تحتجب
أشخاصهما عن أبصار الناس والحال أنه (ليس لها محرم) أي
حاضر معهما (إلا هم بها) أي بجماعها أو بتعاطي مقدماته
فيحرم ذلك تحرزا من مظان الفتنة ومواقع الشبهة ومن حام حول
الحمى يوشك أن يقع فيه قال الغزالي: قال إبليس لموسى عليه
السلام: أريد أن أتوب اشفع لي إلى ربك فأوحى إليه مره أن
يسجد لقبر آدم عليه السلام ليتاب عليه فاستكبر [ص:129]
وقال: لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال إبليس: يا موسى
لك علي حق بما شفعت لي فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن حين
تغضب فإن وجهي في قلبك وعيني في عينك وحين الزحف فإني أذكر
للمجاهد ولده وزوجته حتى يولي وإياك أن تجالس امرأة ليست
ذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها
(الحكيم) الترمذي (في كتاب أسرار الحج عن سعد بن مسعود) في
الصحابة متعدد سعد بن مسعود الأنصاري وسعد بن مسعود الثقفي
وسعد بن مسعود الكندي فكان ينبغي تمييزه
(3/128)
2919 - (إياكم والغيبة) التي هي ذكر العيب
بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة أو بالقلب كما في
الإحياء (فإن الغيبة أشد من الزنا) أي من إثمه (إن الرجل
قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له
حتى يغفر له صاحبه) وهيهات أن يغفر له فقد اغتاب ابن جلا
بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلا: ليس في صحيفتي
حسنة أحسن منها فكيف أمحوها قال الغزالي: والغيبة هي
الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقا
فهو يرمي به حسناته شرقا وغربا ويمينا وشمالا وقد قيل
للحسن: اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت
إلي بعض حسناتك فأحببت مكافأتك وقال ابن المبارك: لو كنت
مغتابا لاغتبت أمي فإنها أحق بحسناتي قال الغزالي: العجب
ممن يطلق لسانه طول النهار في الأعراض ولا يستنكر ذلك مع
قوله هنا أشد من الزنا فيجب على من لم يمكنه كف لسانه في
المحاورات العزلة فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على
السكون مع المخالطة اه وقد نقل القرطبي الإجماع على أنها
كبيرة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (ذم الغيبة) وفي الصمت
(وأبو الشيخ [ابن حبان] ) الأصبهاني في التوبيخ وابن حبان
في الضعفاء وابن مردويه في التفسير كلهم (عن جابر) بن عبد
الله (وأبي سعيد) الخدري ورواه الطبراني عن جابر بلفظ
الغيبة أشد من الزنا والباقي سواء قال الهيثمي: وفيه عباد
بن كثير متروك
(3/129)
2920 - (إياكم والتمادح) وفي رواية والمدح
(فإنه الذبح) لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح
وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه وفيه ذبح
للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه
أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس
وعبيد الهوى وفي رواية فإنه من الذبح وذلك لأن المذبوح هو
الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور أو لأن المدح يورث
العجب والكبر وهو مهلك كالذبح فلذلك شبه به قال الغزالي
رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر
والثناء فلا تمدحه لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم
وطلبه للشكر ظلم وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير
وأما ما مدح به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أرشد إلى
ما يجوز من ذلك بقوله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى اه.
ويستثنى منه أيضا ما جاء عن المعصوم كالألفاظ التي وصف بها
المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه كقوله نعم العبد
عبد الله
(هـ عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا أحمد وابن
منيع والحارث والديلمي
(3/129)
2921 - (إياكم) وفي رواية إياكن وهو ظاهر
لأنه وقع خطابا لنساء عثمان بن مظعون لما مات كما في
النهاية وغيرها (ونعيق الشيطان) يعني الصياح والنوح وأضيف
للشيطان لأنه الحامل عليه (فإنه مهما يكن من العين والقلب
فمن الرحمة وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان) أي هو
الآمر والموسوس به وهو مما يحبه ويرضاه ولفظ رواية [ص:130]
مسند أحمد إياكن ونعيق الشيطان وهو من عنقه إذا أخذ بعنقه
وعصر في حلقه ليصيح فجعل صياح النساء عند المصيبة مسببا عن
الشيطان لحمله لهن عليه
(الطيالسي) أبو داود (عن ابن عباس) وفيه علي بن زيد بن
جدعان وقد سبق بيان حاله ورواه عن أنس أيضا أحمد وابن منيع
والديلمي
(3/129)
2922 - (إياكم والجلوس في الشمس فإنها تبلي
الثوب وتنتن الريح وتظهر الداء الدفين) أي المدفون في
البدن فالقعود فيها منهي عنه إرشادا لضرره وقد صرح بذلك
جمع من الأطباء وقال الحارث بن كلدة: إياكم والقعود في
الشمس فإن كنتم لا بد فاعلين فتنكبوها بعد طلوع النجم
أربعين يوما ثم أنتم وهي سائر السنة
(ك) في الطب من حديث محمد ابن زياد الطحان عن ميمون بن
مهران (عن ابن عباس) وتعقب الذهبي على الحاكم بأنه من وضع
الطحان انتهى فكان ينبغي للمصنف حذفه
(3/130)
2923 - (إياكم والخذف) بخاء وذال معجمتين
أن تأخذ حصاة أو نواة بين سبابتيك وترمي بها (فإنها) أي
هذه الفعلة (تكسر السن وتفقأ العين ولا تنكي العدو) نكاية
يعتد بها
(طب عن عبد الله بن مغفل) قال الهيثمي: فيه الحسن بن دينار
وهو ضعيف لكن معناه في الصحيح ورواه عنه أيضا الدارقطني
وزاد بيان السبب وهو أنه رأى رجلا يخذف فنهاه ثم ذكره
(3/130)
2924 - (إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال
يذهب البهاء عن الوجه ويقطع الرزق) يعني يقلله ويقطع كثرة
بركته (ويسخط الرحمن) أي يغضبه (والخلود) أي وفيه الخلود
(في النار) أي نار جهنم أي إن استحله وهو زجر وتهويل وليس
على ظاهره ويكفي في قبحه أنه مع كمال رحمته شرع فيه أفحش
القتلات وأفضحها وأشنعها وأمر أن يشهد المؤمنون تعذيب
فاعله ومن قبحه أن بعض البهائم يستقبحه ففي البخاري عن
عمرو بن ميمون: رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة فاجتمع
عليهما القردة فرجموهما حتى ماتا
(طس عد) عن إسحاق بن أحمد بن جعفر عن محمد بن إسحاق
البكائي عن الحكم بن سليمان عن عمرو بن جميع عن ابن جريج
عن عطاء (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه عمرو بن جميع وهو
متروك وأورده ابن الجوزي في الموضوع من حديث ابن عدي هذا
وقال: فيه عمرو بن جميع كذاب انتهى فتعقبه المؤلف بأن
الطبراني خرجه ولم يزد على ذلك وهو تعقب أوهى من بيت
العنكبوت لأن ابن جميع الذي حكم بوضع الحديث لأجله في سند
الطبراني أيضا فما الذي ضعفه
(3/130)
2925 - (إياكم والدين) بفتح الدال (فإنه هم
بالليل) لأن اهتمامه بقضائه والنظر في أسباب أدائه يسلبه
لذة نومه (ومذلة بالنهار) [ص:131] فإنه يتذلل لغريمه
ليمهله هذا تحذير شديد عن إرتكاب الدين لا سيما لمن لا
يرجو له وفاء وقيل الدين قد يعدم الدين
(هب عن أنس) بن مالك وفيه الحارث بن شهاب قال الذهبي:
ضعفوه ورواه عنه أيضا الديلمي
(3/130)
2926 - (إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر
على أن لا يسجد لآدم) فكان من الكافرين قال ابن عطاء الله:
كان الشاذلي يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله تعالى حتى
أنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل به وعاص فأكرمه لأن ذلك
الطائع جاء وهو متكبر بعمله والعاصي دخل بكثرة معصيته وذلة
مخالفته ومن ثم قال بعض العارفين: العاصي الذليل الحقير
خير من الطائع المتكبر المعجب بنفسه ومعصية أورثت ذلا
واحتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا (وإياكم والحرص)
وهو كما قال الماوردي: شدة الكد والاسراف في الطلب قال:
وهو خلق يحدث عن البخل (فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من
الشجرة) فأخرج من الجنة فإنه حرص على الخلد في الجنة فأكل
منها بغير إذن ربها طمعا فيها فالحرص على الخلد أظلم عليه
فلو انكشفت عنه ظلمته لقال كيف أظفر بالخلد فيها مع أكلي
منها بغير إذن ربي ففي ذلك الوقت حصلت الغفلة منه فهاجت من
النفس شهوة الخلد فيها فوجد العدو فرصته فخدعه حتى صرعه
فجرى ما جرى قال الخواص: الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا
تتوهم أن أحدا يكذب ولا يحلف كاذبا فلذلك صدق من قال له
أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصا على عدم خروجه من
حضرة ربه الخاصة ونسي النهي السابق فانكشف له ستر تنفيذ
احذار ربه فكانت السقطة في استعجاله بالأكل من غير إذن
صريح فلذلك وصفه الله تعالى بأنه كان ظلوما جهولا حيث
اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك
ولذلك قال: {خلق الإنسان من عجل} {وكان الإنسان عجولا} اه
قال العارف ابن أدهم: قلة الحرص والطمع يورث الصدق والورع
وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجذع قال الماوردي: الحرص
والشح أصلا كل ذم وسببا كل لوم لأن الشح يمنع من أداء
الحقوق ويبعث على القطيعة والعقوق فأما الحرص فيسلب كل
فضائل النفس لاستيلائه عليها ويمنع من العبادة لتشاغله
عنها ويبعث على التورط في الشبهات لقلة تحرزه منها فهذه
ثلاث خصال هن جامعات للرذائل مانعات للفضائل مع أن الحريص
لا يستزيد بحرصه على رزقه سوى إذلال نفسه وإسخاط خالقه.
وقال بعض الحكماء: الحرص مفسدة في الدين والمروءة والله ما
عرفت في وجه رجل حرصا فرأيت أن فيه مصطنعا وقال آخر:
المقادير الغالبة لا تنال بالمغالبة والأرزاق المكتوبة لا
تنال بالشدة والمكالبة وليس للحريص غاية مطلوبة يقف عنها
ولا نهاية محدودة يقنع بها لأنه إن وصل بالحرص إلى ما أمله
أغراه ذلك بزيادة الحرص والأمل وإلا رأى إضاعة العناء لوما
والصبر عليه حزما وصار لما سلف من عني به أقوى رجاء وأبسط
أملا ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله لعلم أن من تمام
السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بما قسم
(وإياكم والحسد فإن ابني آدم) قابيل وهابيل (إنما قتل
أحدهما صاحبه حسدا (1) فهو) أي الكبر والحرص والحسد (أصل
كل خطيئة) فجميع الخطايا تنشأ عنها والكبر منازعة الذات
المتعالية في الصفة التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياها
فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء
الله والذلة بين عباد الله وفي الآخرة نار الله والحرص
مسابقة قدر الله ومن سبق القدر سبق [ص:132] وهو مغالبة
الحق تقدس ومن غالبه غلب فعقوبته في الدنيا الحرمان وفي
الآخرة النيران والحسد تسخط قضاء الله فيما لا عذر للعبد
فيه فعقوبته في الدنيا الغيظ الشديد وفي الآخرة نار الوعيد
وخص هذه الثلاثة بالذكر لأنها أصول الشر قال الحرالي: أصول
الشر ثلاثة الكبر الذي كان سبب بلاء إبليس والحرص الذي كان
سبب بلاء آدم عليه السلام من الشجرة والحسد الذي كان سبب
قتل قابيل هابيل وقال أبو حاتم: أحيد الموت خوفا من ثلاثة
أشياء الكبر والحرص والخيلاء فإن المتكبر لا يخرجه الله من
الدنيا حتى يريه الهوان من أرذل أهله وخدامه والحريص لا
يخرجه من الدنيا حتى يحوجه إلى كسرة أو شربة والمختال لا
يخرجه منها حتى يمرغه ببوله وقذره
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود)
_________
(1) قال البيضاوي: أوحى الله إلى آدم أن يزوج كل واحد
منهما توأم الآخر فسخط منه قابيل لأن أخته كانت أجمل فقال
لهما آدم: قربا قربانا فمن أيهما قبل يتزوجها فقبل قربان
هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطا وفعل ما فعل
(3/131)
2927 - (إياكم والطمع) الذي هو انبعاث هوى
النفس إلى ما في أيدي الناس (فإنه هو الفقر الحاضر) والحر
عبد إن طمع والعبد حر إن قنع وقد قال علي كرم الله وجهه في
قوله تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} إنها القناعة وقال حكيم:
أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع وقال بشر: لو لم يكن
في القنوع إلا التمتع بالعز لكفى وقال الشافعي: من غلبت
عليه شهوة الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع
زال عنه الخضوع وقال العارف المرسي رضي الله عنه: أردت أن
أشتري شيئا ممن يعرفني وقلت: لعله يحابيني فنوديت السلامة
في الدين بترك الطمع في المخلوقين وقال: الطمع ثلاثة أحرف
كلها مجوفة فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدا (وإياكم
وما يعتذر منه) أي قوا أنفسكم الكلام فيما يحوج إلى
الاعتذار كما سبق. (تتمة) قال بعض العارفين: الطمع طمعان
طمع يوجب الذل لله وهو إظهار الإفتقار وغايته العجز
والإنكسار وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية وطمع يوجب
الذل في الدارين أي وهو المراد هنا وهو رأس حب الدنيا وحب
الدنيا رأس كل خطيئة والخطيئة ذل وخزي وحقيقة الطمع أن
تعلق همتك وقلبك وأملك بما ليس عندك فإذا أمطرت مياه
الآمال على أرض الوجود وألقي فيها بذر الطمع بسقت أغصانها
بالذل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت
وأضللت
(طس) وكذا العسكري (عن جابر) قال الهيثمي: فيه ابن أبي
حميد مجمع على ضعفه
(3/132)
2928 - (إياكم والكبر) فإنما أهلك إبليس
الكبر قال: أنا خير منه وإنما كملت فضائل آدم عليه السلام
باعترافه على نفسه (فإن الكبر يكون في الرجل) أي الإنسان
(وإن عليه العباءة) من شدة الحاجة وضنك المعيشة وقلة الشيء
ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وماله وما ينبغي
لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يتكبر وقيل لحكيم: هل تعرف
نعمة لا يحسد عليها قال: التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا
يرحم صاحبه عليه قال: الكبر وقيل التواضع مع الجهل والبخل
أحمد عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء وقيل في بخيل
متكبر:
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما. . . تيه الملوك وأفعال
المماليك
قيل: أست في الماء وأنف في السماء
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: رجاله ثقات
(3/132)
2929 - (إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين)
الثوم والبصل (أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا) فإن الملائكة
تتأذى بريحهما (فإن كنتم لا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار
قتلا) هذا مجاز من باب قوله يميتون الصلاة لكنه عكسه فإن
إحياء الصلاة أداؤها [ص:133] لوقتها وإماتتها إخراجها عنه
فحياة البقلتين عبارة عن قوة ريحهما عند طراوتهما وموتهما
إزالة تلك الريح الكريهة بالنضج قال النوربشتي: وألحق بهما
ما له ريح كريهة من كل مأكول وألحق به عياض من به بخر أو
جرح له ريح وألحق بالمسجد نحو مدرسة ومصلى عيد من مجامع
العبادات والعلم والذكر والولائم لا الأسواق ونحوها ذكره
القاضي قال العراقي: وهل المراد بطبخهما استعمالهما في
الطعام بحيث لا يبقى عينهما أو نضجهما مع بقائهما بحالهما؟
الأقرب الثاني
(طس عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون
(3/132)
2930 - (إياكم والعضه) بفتح العين وسكون
الضاد المعجمة على الأشهر هي (النميمة القالة بين الناس)
أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بينهما فيما يحكى للبعض عن
البعض وقيل القالة بمعنى المقولة وزعم بعضهم أن القالة هنا
جمع وهم الذين ينقلون الكلام ويوقعون الخصومة بين الناس
ومن ثم قيل اجعل كلام الواشي ريحا تستريح وتريح قال أبو
تمام:
ومن يأذن إلى الواشين يسلق. . . مسامعه بألسنة حداد
وقال المتنبي:
لقد أباحك غشا في معاملة. . . من كنت معه بغير الصدق تنتفع
وقال العارف الشعراني رضي الله عنه: قال لي الشيخ عبد الحق
السنباطي رضي الله تعالى عنه: إذا قل عمل عبد ونقصت درجاته
وأراد الله رفعهما أوقع العلماء العاملين في الغيبة فيه
فتنقلب أعمالهم التي تعبوا فيها طول عمرهم في صحائفه فيأخذ
منها بقدر مظلمته فيصبح أعلى مقاما منهم من حيث لا يشعر
ولا يشعرون
(أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن ابن مسعود) رضي الله
تعالى عنه
(3/133)
2931 - (إياكم والكذب) فإن جريمته عظيمة
وعاقبته وخيمة فإن العبد إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه
الله وكذبه إيمانه من قلبه لأنه إذا قال لما لم يكن أنه
كان فقد زعم أنه تعالى خلقه ولم يكن خلقه فقد افترى على
الله فيكذبه إيمانه فلذلك قال: (فإن الكذب مجانب للإيمان)
بنص القرآن فإنه سبحانه علل عذاب المنافقين به في قوله:
{ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ولم يقل بما كانوا
يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه
فينبغي تجنبه لمنافاته لوصف الإيمان والتصديق روى ابن عبد
البر في التمهيد أن عبد الله بن جراد سأل النبي صلى الله
عليه وسلم هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك قال: هل يكذب؟
قال: لا. ومن آفات الكذب أنه يضيق الرزق فقد روى أبو الشيخ
[ابن حبان] في الطبقات عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه:
الكذب ينقص الرزق
(حم وأبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ وابن لال في مكارم
الأخلاق) وابن عدي في الكامل (عن أبي بكر الصديق) رضي الله
عنه قال: قام فينا خطيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقامي هذا عام أول ثم بكى وقال: إياكم والكذب إلخ قال
الزين العراقي: وإسناده حسن اه. وقال الدارقطني في العلل:
الأصح وقفه ورواه ابن عدي من عدة طرق ثم عول على وقفه
(3/133)
2932 - (إياكم والالتفات في الصلاة فإنها)
وفي رواية فإنه (هلكة) قال الراغب: الهلاك افتقاد الشيء
عنك وهو عند غيرك موجود ومنه {هلك عني سلطانيه} وهلاك
الشيء استحالته وفساده كقوله {ويهلك الحرث والنسل} والموت
نحو [ص:134] {إن امرؤ هلك} والهلكة في الحديث من القسم
الثاني لاستحالة كمال الصلاة بالالتفات اه. والالتفات في
الصلاة بالصدر بحيث يخرج عن سمت القبلة حرام مبطل لها
وبالوجه بلا حاجة مكروه تنزيها على الأصح عند أئمتنا
الشافعية كالجمهور ولأن فيه ترك الاستقبال ببعض البدن وقال
المتولي كالظاهرية: يحرم بلا ضرورة وقد ورد في كراهة
الالتفات صريحا عدة أحاديث منها خبر أحمد وغيره لا يزال
الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه
عنه انصرف فإن كان الالتفات لحاجة لم يكره للاتباع رواه
مسلم عن جابر والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله
عنه من حديث بكر الأسود عن الحسن
(هق عن أبي هريرة) ثم قال أعني العقيلي لا يتابع على هذا
اللفظ قال وفي النهي عن الالتفات أحاديث صالحة كذا في لسان
الميزان عنه وفيها بكر هذا قال البخاري: عن يحيى بن كثير
كذاب وضعفه النسائي وغيره وبه يعرف أن المصنف كما أنه لم
يصب في اقتصاره على العزو للعقيلي واقتطاعه من كلامه ما
عقب به الخبر من بيان حاله الموهم أنه خرجه وأقره لم يصب
في إيثاره الطريق المعلول على الطريق الصالحة التي أشار
إليها العقيلي نفسه وأعجب من ذلك أنه اقتصر على العزو
للعقيلي من كلامه فإنه أوهم أنه لا يوجد لأحد من الستة وقد
خرجه الترمذي عن أنس مرفوعا بأتم من هذا ولفظه إياكم
والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان
لا بد ففي التطوع لا في الفريضة اه بحروفه ثم قال الترمذي
حديث حسن فعدول المصنف عنه تقصير أو قصور
(3/133)
2933 - (إياكم والتعمق في الدين) أي الغلو
فيه وادعاء طلب أقصى غاياته (فإن الله تعالى قد جعله سهلا
فخذوا منه ما تطيقون فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن
كان يسيرا) أي ولا يحب العمل المتكلف غير الدائم وإن كان
كثيرا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض المتعمقين
وكان الصحب أقل الأمة تكلفا اقتداءا به ودين الله بين
الغالي والجافي خير الناس النميط الأوسط الذين ارتفعوا عن
تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين قال الحرالي:
محصول الحديث أن الدين مع سهولته ويسرته شديد لن يشاده أحد
إلا غلبه والأحكام مع وضوحها قد تخفى لما في تنزيل الكليات
على الجزئيات من الدقة إذ الجزء الواحد قد يتجاذبه كليات
فأكثر فلا يجردها من مواقع الشبه إلا من نور الله بصيرته
(أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمر) بن الخطاب
(3/134)
2934 - (إياي) فيه تحذير المتكلم نفسه وهو
شاذ عند النحاة كذا قيل قال ابن حجر: ويظهر أن الشذوذ في
لفظه وإلا فالمراد بالتحقيق تحذير المخاطب فكأنه حذر نفسه
بالأولى ليكون أبلغ ونحو نهي المرء نفسه ومراده نهي من
يخاطبه (والفرج) أي دعني من الفرج (يعني في الصلاة)
والمراد اتركوا إهمالها واصرفوا همتكم إلى سدها وظاهر أن
قوله يعني إلخ من كلام الراوي أو المصنف لا من الحديث
فتسوية الفرج من مندوبات الصلاة المؤكدة
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله ثقات
(3/134)
2935 - (إياي أن تتخذوا) أي دعوني من اتخاذ
(ظهور دوابكم منابر) يعني اتركوا جلوسكم عليها وهي واقفة
كما تجلسون على المنابر فإن ذلك يؤذيها (فإن الله تعالى
إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق
الأنفس وجعل [ص:135] لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم)
والنهي مخصوص باتخاذ ظهورها مقاعد لغير حاجة أما لحاجة لا
على الدوام فجائزة بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وعلى
آله وسلم خطب على ناقته وهي واقفة
(د عن أبي هريرة) قال ابن القطان: ليس مثل هذا الحديث يصح
لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة ولا يعرف له حال ثم قيل
هو رجل واحد وقبل رجلان وكيفما كان فحاله أو حالهما مجهولة
فمثله لا يصح
(3/134)
2936 - (أيام التشريق) وهي الثلاثة بعد يوم
العيد سميت به لأن لحم الأضاحي يشرق فيها بمنى أي يقدد
ويبرز للشمس وقيل يوم العيد من أيام التشريق فتكون أربعة
وعلى الأول لم يعد يوم النحر منها لأن له اسما خاصا وإلا
فالمعنى المقدر يشمله وهو المذكور في قوله (أيام أكل وشرب)
بضم الشين وفتحها هكذا ذكره بعض الشراح لكن حكى ابن
السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه إنما هو بالفتح فحسب
واستشهد بقوله سبحانه وتعالى: {فشاربون شرب الهيم} وأقره
التاج السبكي وقال أبو البقاء: الأفصح الأقيس فتح الشين
وهو مصدر كالأكل وأما ضمها وكسرها ففيه لغتان في المصدر
أيضا والمحققون على أن الضم والكسر اسمان للمصدر لا مصدر
(وذكر الله) أي أيام يأكل الناس فيها ويشربون ويذكرون
فإضافة الأيام إلى الأكل والشرب والذكر إضافة تخصيص قال
الأشرفي: وعقب الأكل والشرب يذكر الله لئلا يستغرق العبد
في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حقوق الله وقال الطيبي:
هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام
أوهم أنها لا تصلح إلا للدعة والأكل والشرب لأن الناس في
هذه الأيام ينبسطون فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا
أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية
ونظيره في التتميم للصيانة قول الشاعر:
فسقي ديارك غير مفسدها. . . صوب السحاب وديمة تهمي
وقال جمع: إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك لأن
القوم زوار الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للمضيف
أن يصوم دون إذن من أضافه كذا علله أمير المؤمنين علي كرم
الله وجهه فيما رواه عن البيهقي بسند مقبول واقتفاه في ذلك
أكابر الأئمة فقالوا: سر ذلك أنه تعالى دعى عباده إلى
زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه ومبلغ طاقته
وذبحوا هديهم فقبله منهم واتخذ لهم منه ضيافة ونصب لهم
مائدة جمعهم عليها وأطعمهم مما تقربوا به إليه والضيافة
ثلاثة أيام فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام وسنة
الملوك أنهم إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من
في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم
الله الكل بضيافته فقال: {فكلوا منها وأطعموا} ومذهب
الشافعي أن صوم التشريق حرام ولا ينعقد وحرمه أبو حنيفة
وعقده وجوزه مالك وأحمد للمتمتع العادم للهدي
(حم م) في الصوم (عن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة وياء
تحتية وشين معجمة وهو ابن عبد الله الهذلي قال ابن حجر:
صحابي قليل الحديث ويقال له نبيشة الخير ولم يخرجه البخاري
ولا خرج عن نبيشة شيئا قال المصنف: وهذا متواتر
(3/135)
2937 - (أيكم خلف) بتخفيف اللام (الخارج)
أي لنحو غزو (في أهله) أي حلائله وعياله (وماله بخير) أي
بنوع من أنواعه كقضاء حاجة وحفظ مال (كان له) من الأجر
(مثل أجر الخارج) لفظ رواية الصحيح مثل نصف أجر الخارج قال
القرطبي: ولفظة مثل يشبه كونها مقحمة أي مزيدة من بعض
الرواة قال ابن حجر: ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في
الصحيح ويظهر أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل
للغازي والخالف له بخير فإن [ص:136] الثواب إذا انقسم
بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر قال ابن العربي:
هذا من فضل الله تعالى حيث جعل خلافة الغازي في أهله
كالغازي في الرتبة فإنه إذا خلفه بخير فكأنه لم يبرح من
بيته لقيام أموره فيه وصلاح حاله فكأن هذا قد غزى والقائم
على أهل الغازي وماله نائب عنه في عمل لا يمكن معه الغزو
فليس مقتصرا على النية فقط بل عامل فيما يتعلق بالغزو فصار
كأنه باشر معه الغزو فمن ثم كان له مثل أجره كاملا مضاعفا
ولا يلزم تساوي ثوابيهما
(م د عن أبي سعيد) الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل
ثم ذكره واستدركه الحاكم فوهم
(3/135)
2938 - (أيما) مركبة من أي وهي اسم ينوب
مناب حرفه ومن ما المبهمة المزيدة (إمام سها فصلى بالقوم
وهو جنب فقد مضت صلاتهم) على التمام أي صحتهم (ثم ليغتسل
هو) عن الجنابة (ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء) ساهيا
(فمثل ذلك) فتصح صلاة المقتدين به ولا تصح صلاته فيلزمه
الإعادة إلى هذا ذهب الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى بطلان
صلاة المقتدي ببطلان صلاة إمامه مطلقا قال قياسا على ما لو
صلى بغير إحرام والمصلي بلا طهر لا إحرام له والفرق بين
الركن والشرط لا يؤثر إذ لازمهما متحد وهو ظهور عدم
الشروع. (1)
(أبو نعيم في معجم شيوخه وابن النجار) في التاريخ (عن
البراء) بن عازب ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لمن ذكر
مع وجوده لغيره فقد رواه الدارقطني والديلمي عن جويبر عن
الضحاك بن مزاحم عن البراء وجويبر متروك والضحاك لم يلق
البراء قال ابن حجر رحمه الله: خرجه الدارقطني بإسناد فيه
ضعف وانقطاع
_________
(1) [والقياس ورد هنا مع ضعف الحديث أما لو كان الحديث
صحيحا فمعلوم أن أبا حنيفة لا يرده بالقياس. دار الحديث]
(3/136)
2939 - (أيما امرئ) بجر امرئ إضافة أي إليه
وبرفعه بدل من أي وما زائدة (قال لأخيه) أي في الإسلام
(كافر فقد باء بها أحدهما) أي رجع بها أحدهما (فإن كان كما
قال) أي كان في الباطن كافر (وإلا) أي وإن لم يكن كذلك
(رجعت عليه) أي فيكفر قال النووي: ضبطنا قوله كافر بالرفع
والتنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف قال القرطبي: صواب
تقييده كافر بالتنوين على أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي أنت
كافر وهو كافر وجعله بعضهم بغير تنوين فجعله منادى مفردا
محذوف حرف النداء وهو خطأ لأن حرف النداء لا يحذف مع
النكرات ولا مع المبهمات إلا فيما جرى مجرى أمثل نحو أطرق
كراء والباقي بها راجع إلى التكفيرة الواحدة ويحتمل عوده
إلى الكلمة
(م ت عن ابن عمر) بن الخطاب
(3/136)
2940 - (أيما امرأة) قال في التنقيح: أي
مبتدأ في معنى الشرط وما زائدة لتوكيد الشرط وقوله الآتي
فقد إلخ جواب الشرط (وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية
عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما
بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به
سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوءاتهن
هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى وكما هتكت نفسها ولم تصن
وجهها وخانت زوجها يهتك الله [ص:137] سترها والجزاء من جنس
العمل والهتك خرق الستر عما وراءه والهتيكة الفضيحة
(حم هـ ك) في الأدب (عن عائشة) رضي الله عنها دخل عليها
نسوة من حمص فقالت: لعلكن من اللواتي يدخلن الحمامات سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرته قال الحاكم: على
شرطهما وأقره الذهبي لكن أورده ابن الجوزي في الواهيات
وقال: لا يصح وأطال في بيانه
(3/136)
2941 - (أيما) قال الكرماني: زيد لفظ ما
على أي لزيادة التعميم (امرأة أصابت بخورا) بالفتح ما
يتبخر به والمراد هنا ريحه (فلا تشهد) أي تحضر (معنا) أي
الرجال (العشاء الأخيرة) لأن الليل آفاته كثيرة والظلمة
ساترة خص العشاء لأنها وقت انتشار الظلمة وخلو الطريق عن
المارة والفجار تتمكن حينئذ من قضاء الأوطار بخلاف الصبح
عند إدبار الليل وإقبال النهار فتنعكس القضية ذكره الطيبي
وقيد بالآخرة ليخرج المغرب قال ابن دقيق العيد: وفيه حرمة
التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك
داعية شهوة الرجال قال: وألحق به حسن الملبس والحلي الظاهر
(حم م) في الصلاة (د ن عن أبي هريرة) قال النسائي: ولا
أعلم أحدا تابع يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد على قوله عن
أبي هريرة وقد خالفه يعقوب الأشج رواه عن زينب الثقفية ثم
ساق حديث بشر عن زينب من طرق به ولم يخرجه البخاري
(3/137)
2942 - (أيما امرأة أدخلت على قوم) في
رواية ألحقت بقوم (من ليس منهم) بأن تنسب لزوجها ولدها من
غيره (فليست من الله في شيء) أي من الرحمة والعفو أو لا
علاقة بينها وبينه ولا عندها من حكم الله وأمره ودينه شيء
كأنه قال: هي بريئة من الله في كل أمورها ولذا أنكر شيئا
ثم أردف هذا الذم العام الشامل لجميع الأقسام بقوله (ولن
يدخلها الله جنته) مع السابقين المحسنين بل يؤخرها ويعذبها
ما شاء وقال لن إلخ ولم يكتف بدخولها في الأول لعمومه لأن
النساء لا تقف على حقيقة المراد منه لما فيه من نوع إجمال
وخفاء فعقبه بذكر أحد أنواعه التي يفهمها كل سامع قال
الحرالي: وفي فليست إفهام أن من حفظت فرجها فلم ترتكب هذه
الفاحشة العظمى فهي من الله في شيء لما أنها متمسكة بآية
{والذين هم لفروجهم حافظون} اه وذكر عدم دخول الجنة سيما
النساء ودخولها من أقوى أسباب النعيم ولأن قوله لم يدخلها
جنته تعريض بدخول النار إذ ليس ثم إلا جنة ونار (وأيما رجل
جحد ولده وهو ينظر إليه) أي وهو يرى أنه منه ويتحقق ذلك
كأنه يشاهد ذلك عيانا وهو ينكره وعبر بالجحود ليفيد مع
الوعيد على النفي الوعيد على قذف الزوجة (احتجب الله تعالى
منه) أي منعه رحمته وحرمه منها وهذا وعيد غليظ إذ لا غاية
في النعيم أعظم من النظر إليه تقدس وهو الغاية القصوى فويل
لمن لم ينلها (وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم
القيامة) بجحوده ولده وهو يعلم أنه منه وإظهار كذبه على
زوجته وهذا من أقوى أسباب الوعيد وقد ورد الوعيد الشديد في
حق من انتفى من ولده في عدة أخبار منها خبر وكيع عن ابن
عمر رفعه من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم
القيامة وفيه الجراح والد وكيع مختلف فيه ومنها خبر ابن
عدي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من انتفى من ولده
فليتبوأ مقعده من النار وفيه محمد بن أبي الزعيرة منكر
الحديث
(د ن هـ حب ك) وصححاه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه [ص:138]
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية
الملاعنة فذكره قال ابن حجر في التخريج: صححه الدارقطني في
العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري
وأنه لا يعرف إلا به وقال في الفتح بعد ما عزاه لأبي داود
والنسائي وابن حبان والحاكم في مسنده عن عبد الله بن يوسف
حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد
(3/137)
2943 - (أيما امرأة خرجت من بيتها) أي محل
إقامتها (بغير إذن زوجها) لغير ضرورة شرعية (كانت) في مدة
خروجها (في سخط الله تعالى) أي غضبه (حتى ترجع إلى بيتها
أو يرضى عنها زوجها) أما لو خرجت لما يجوز الخروج له
كإرادة زوجها لها بسوء فتنعكس القضية
(حط) من حديث إبراهيم بن هدية (عن أنس بن مالك) وقضية كلام
المصنف أن الخطيب خرجه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه تعقبه
بقوله قال أحمد بن حنبل إبراهيم بن هدية لا شيء في أحاديثه
مناكير وقال ابن معين: إنه كتب عنه ثم تبين له أنه كذاب
خبيث قال علي بن ثابت: هو أكذب من حماري هذا اه وقال
الذهبي في الضعفاء هو كذاب فكان ينبغي للمصنف حذفه من
الكتاب وليته إذ ذكره بين حاله وكما أنه لم يصب في ذلك لم
يصب في اقتصاره على عزوه للخطيب وحده فإن أبا نعيم خرجه من
طريقه وعنه الخطيب فعزوه للفرع وإهماله الأصل من سوء
التصرف
(3/138)
2944 - (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق) في
رواية طلاقها (من غير ما بأس) بزيادة ما للتأكيد والبأس
الشدة أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن
تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة
وجميل العشرة لكراهتها له أو بأن يضارها لتنخلع منه (فحرام
عليها) أي ممنوع عنها (رائحة الجنة) وأول ما يجد ريحها
المحسنون المتقون لا أنها لا تجد ريحها أصلا فهو لمزيد
المبالغة في التهديد وكم له من نظير قال ابن العربي: هذا
وعيد عظيم لا يقابل طلب المرأة الخروج من النكاح لو صح
وقال ابن حجر: الأخبار الواردة في ترغيب المرأة من طلب
طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث
ثوبان هذا
(حم د ت هـ حب ك عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم
قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: على شرطهما وأقره
الذهبي وابن حجر وصححه ابن خزيمة وابن حبان
(3/138)
2945 - (أيما امرأة) ذات زوج (ماتت وزوجها
عنها راض دخلت الجنة) أي مع الفائزين السابقين وإلا فكل من
مات على الإسلام لا بد من دخوله إياها ولو بعد دخوله النار
ومثله الزوجة السرية بل أولى
(ت هـ) في النكاح (ك) في البر والصلة (عن أم سلمة) قال
الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال
ابن الجوزي: هو من رواية مشادر الحميري عن أمه عن أم سلمة
وهما مجهولان
(3/138)
2946 - (أيما امرأة صامت) نفلا (بغير إذن
زوجها) وهو حاضر (فأرادها على شيء) يعني طلب منها أن
يجامعها فهو كناية حسنة عن ذلك (فامتنعت عليه كتب الله
عليها) أي أمر كاتب السيئات أن يكتب في صحيفتها (ثلاثا من
الكبائر) [ص:139] لصومها بغير إذنه واستمرارها فيه بعد
نهيه ونشوزها عليه بعدم تمكينه أما الفرض فلا يجوز قطعه
بجماع ولا غيره وهذا صريح في حرمة صوم المرأة نفلا بغير
إذن زوجها وهو شاهد
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه بقية وهو ثقة ولكنه
مدلس
(3/138)
2947 - (أيما إهاب) ككتاب جلد ميتة يقبل
الدباغ قال الزمخشري: سمي الجلد به لأنه أهبة للحي وبناء
للحماية على جسده كما قيل له المسك لإمساكه ما وراءه (دبغ)
يعني اندبغ بنازع للعضول بحيث لا يعود له النتن والفساد لو
نقع بماء (فقد طهر) بفتح الهاء وضمها أي ظاهره وباطنه دون
ما عليه من شعر لكن قليله عفو وهذا حجة على أحمد في قوله
إن جلد الميتة لا يطهر باندباغه ونص فيما ذهب إليه الشافعي
وأبو حنيفة أنه يطهر بدبغه لدلالة هذا اللفظ على الاستغراق
من جهة الشرط ومن جهة الإبهام والتنكير بما وخرج بما يقبل
الدباغ غيره كجلد خنزير فلا يطهر بالدبغ اتفاقا من
الشافعية والحنفية وكذا الكلب عند الشافعية لا الحنفية قال
الكمال: هذا الحديث كما تراه عام فإخراج الخنزير منه
لمعارضة الكتاب فيه وهو قوله {أو لحم خنزير فإنه رجس} بناء
على عود الضمير إلى المضاف إليه لأنه صالح لعوده وعند صلاح
كل من المضافين لذلك يجوز كل من الأمرين وقد جوز عود
الضمير عود ضمير " ميثاقه " في قوله تعالى {وينقضون عهد
الله من بعد ميثاقه} إلى كل من العهد ولفظ الجلالة وتعين
عوده إلى المضاف إليه في قوله سبحانه {واشكروا نعمة الله
إن كنتم إياه تعبدون} ضرورة صحة الكلام وإلى المضاف في نحو
رأيت ابن زايد فكلمته لأن المحدث عنه بالرؤية رتب على
الحديث الأول غير الحديث الثاني فتعين هو مرادا به وإلا
اختل النظم وإذا جاز كل منهما لغة والموضع موضع احتياط وجب
إعادته على ما فيه الاحتياط وهو مما قلنا فإن قيل يجب أن
يخرج من الخبر أيضا جلد الميتة بطريق النسخ بخبر أصحاب
السنن الأربعة أنه كتب قبل موته بشهر أو شهرين لا تتعففوا
من الميتة بإهاب ولا عصب قلنا الاضطراب في سنده ومتنه منع
تقديمه على هذا الحديث الصحيح فإن الناسخ معارض فلا بد من
مشاكلته في القوة ثم إن هذا الحديث مع حديث مسلم أن
المصطفى صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: هلا أخذتم
إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا: إنها ميتة فقال: إنما
حرم أكلها إلى ما ذهبوا إليه من أن ذكر بعض أفراد العام لا
يخصص
(ن هـ) قال ابن جماعة بأسانيد صحيحة (عن ابن عباس) وقضية
صنيع المؤلف أن هذا الحديث ليس في أحد الصحيحين ولا كذلك
بل هو في مسلم وهو مما تفرد به عن البخاري
(3/139)
2948 - (أيما رجل أم قوما) أي والحال أنهم
(له) أي ولإمامته (كارهون) لأمر يذم فيه شرعا كوال ظالم
ومن تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها أو لا يتحرز عن
النجاسة أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطى معيشة مذمومة أو
يعاشر الفساق ونحوهم وشبه ذلك سواء نصبه الإمام أم لا (لم
تجز صلاته أذنيه) أي لا يرفعهما الله رفع العمل الصالح بل
أدنى رفع فيحرم عليه أن يؤمهم إن اتصف بشيء من هذه الأوصاف
وكرهه الكل لذلك كما في الروضة ونص عليه الشافعي فإن كرهه
أكثرهم كره لذلك وعلم من هذا التقرير أن الحرمة أو الكراهة
إنما هي في حقه أما المقتدون الذي يكرهونه فلا تكره لهم
الصلاة خلفه وظن بعض أعاظم الشافعية أن المسئلتين واحدة
فوهم وخرج بقولنا أولا لأمر يذم ما لو كرهوه لغير ذلك فلا
كراهة في حقه بل اللوم عليهم
(طب) من رواية سليمان بن أيوب الطلحي (عن طلحة) بن عبيد
الله قال الهيثمي: وسليمان قال فيه أبو زرعة عامة أحاديثه
لا يتابع عليها وقال البزار: صاحب مناكير
(3/139)
[ص:140] 2949 - (أيما رجل استعمل رجلا على
عشرة أنفس) أي جعله أميرا على طائفة ولو قليلة جدا كعشرة
والحال أنه (علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله
وغش رسوله وغش جماعة المسلمين) بفعله ذلك لعكسه المقتضى
لتأميره المفضول على الفاضل وموضع ذلك ما إذا لم يقتض
الحال والوقت خلاف ذلك وإلا أنيط بالمصلحة وعلى ذلك ينزل
تأمير المصطفى صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص على قوم
فيهم أبو بكر وعمر وتأميره أسامة على من هما فيهم
(ع عن حذيفة) بن اليماني
(3/140)
2950 - (أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم
نفسه وكساها) منه (لمن دونه من خلق الله) أي وأطعم وكسى
منه من دون نفسه من عياله وغيرهم (فإنها) يعني هذه الخصلة
وهي الإطعام (له زكاة) أي نماء وبركة وطهرة (وأيما رجل
مسلم لم تكن له صدقة) يعني لا مال له يتصدق منه (فليقل)
ندبا (في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على
المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها) أي هذه
الصلاة (له زكاة) فاستفدنا أن الصلاة عليه تقوم مقام
الصدقة لذي العسرة وأنها سبب لبلوغ المآرب وإفاضة المطالب
وقضاء الحاجات في الحياة وبعد الممات واقتصاره على الصلاة
يؤذن بأنه لا يضم إليه السلام فيعكر على من كره الإفراد
ونعما ذهب إليه البعض من تخصيص الكراهة بغير ما ورد فيه
الإفراد بخصوصه كما هنا فلا نزيد فيه بل نقتصر على الوارد
(ع حب ك عن أبي سعيد) الخدري قال القسطلاني: وهو مختلف فيه
لكن إسناده حسن وأقول هو من رواية ابن لهيعة وهو معلوم
الحال عن دراج عن أبي الهيثم وقد ضعفوه كما سبق
(3/140)
2951 - (أيما رجل) ذكر رجل غالبي والمراد
إنسان (تدين دينا وهو مجمع) بضم الميم الأولى (على أن لا
يوفيه إياه لقي الله سارقا) أي يحشر في زمرة السارقين
ويجازى بجزائهم قال في الفردوس: يقال أدان إذا أخذ منه
الدين ويقال أدنت الرجل وداينته إذا بايعت منه بأجل وأدنت
منه إذا اشتريت منه بأجل
(هـ عن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء وسكون التحتية (بن
سنان) بالنون ابن قاسط بالقاف الرومي الصحابي المعذب في
الله وفيه يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي أورده الذهبي في
الضعفاء وقال: قال البخاري فيه نظر وعبد الحميد بن زياد
قال البخاري شيخ
(3/140)
2952 - (أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا
يعطيها من صداقها شيئا) قال الزمخشري: الصداق بالكسر أفصح
عند أصحابنا البصريين (مات يوم يموت وهو زان) أي مات وهو
ملتبس بإثم مثل إثم الزاني والزاني في النار بدليل قوله
بعده والخائن في النار (وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى
أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن والخائن
في النار) أي نار جهنم يعني يعذب فيها ما شاء الله ثم يخرج
(ع طب) من حديث عمرو بن دينار وكيل الزبير [ص:141] ابن
شعيب البصري عن بني صهيب (عن صهيب) قال عمرو: قال بنو صهيب
لصهيب: يا أبانا إن أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحدثون عن آبائهم فحدثنا فذكره قال الهيثمي: وعمرو بن
دينار هذا متروك
(3/140)
2953 - (أيما رجل عاد مريضا فإنما يخوض)
حالة ذهابه (في الرحمة) شبه الرحمة بالماء إما في التطهير
وإما في الشيوع والشمول ثم نسب إليها ما هو منسوب إلى
المشبه به من الخوض (فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة) أي
غمرته وسترته وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه
والأمر بخلافه بل قالوا فهذا للصحيح فما للمريض قال: تحط
عنه ذنوبه
(حم) من حديث أبي داود ولعله الحبطي (عن أنس) قال أبو
داود: أتيت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة المكان بعيد
ونحن يعجبنا أن نعودك فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى
عليه وعلى آله وسلم يقول: فذكره قال الهيثمي وأبو داود
ضعيف جدا
(3/141)
2954 - (أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج
شيطانه) أي رفع صوته قائلا (يا ويله عصم مني) بتزوجه
(دينه) وفي رواية للديلمي والثعلبي إذا تزوج أحدكم عج
شيطانه يا ويله عصم مني ثلثي دينه اه. وهي مبينة أن المراد
بالدين هنا معظمه
(ع) من حديث خالد بن إسماعيل المخزومي (عن جابر) قال
الهيثمي: فيه خالد بن إسماعيل المخزومي وهو متروك قال ابن
الجوزي: تفرد به خالد وقال ابن عدي: وكان يضع وقال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال اه ورواه الطبراني في
الأوسط من طريق خالد المذكور قال الهيثمي: وفيه خالد بن
إسماعيل المخزومي متروك
(3/141)
2955 - (أيما عبد جاءته موعظة) وهي التذكير
بالعواقب (من الله في دينه) أي في شيء من أمور دينه (فإنها
نعمة من الله سبقت إليه) أي ساقها الله إليه (فإن قبلها
بشكر) زاده الله من تلك النعمة {لئن شكرتم لأزيدنكم}
(وإلا) أي وإن لم يقابلها بالشكر (كانت حجة من الله عليه)
{لئلا يكون للناس على الله حجة} (ليزداد بها إثما ويزداد
الله عليه بها سخطا) أي غضبا وعقابا
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عطية بن قيس) أخي عبد الله
المازني شامي وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجا
لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر ولا لأحد ممن وضع لهم الرموز
وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن عطية
المذكور وسببه أن المنصور أحضر الأوزاعي وقال له: ما أبطأ
بك عنا قال: وما الذي تريده مني يا أمير المؤمنين قال:
الأخذ عنك والاقتباس منك فساق له موعظة سنية جعل هذا الخبر
مطلعها ورواه عن بسر أيضا ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء
قال الحافظ العراقي: وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح قال ابن
عدي: يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق
(3/141)
2956 - (أيما عبد أو امرأة قال أو قالت
لوليدتها) فعيلة بمعنى مفعولة أي أمتها والوليدة الأمة
وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الإنسان ثم أطلق ذلك على
كل أمة (يا زانية ولم يطلع منها على زنا جلدتها وليدتها
يوم القيامة) حد القذف (لأنه [ص:142] لا حد لهن في الدنيا)
أي ليس لها مطالبتها فإقامة الحد عليه أو عليها في الدنيا
لأنه لا يجب للولائد على ساداتهن في دار الدنيا فبين
بالحديث سقوطه في الدنيا لشرف المالكية قال ابن العربي:
وبه استدل علماؤنا على سقوط القصاص عنه بالجناية على
أعضائه ونفسه لأنه عقوبة تجب للحر على الحر فسقط عن الحر
بجنايته على العبد فأصل ذلك حد القذف وخبر من قتل عبده
قتلناه باطل أو مؤول ففيه رد على مالك حيث ذهب إلى أن
السيد لو قطع عضو عبده عتق عليه لكونه أتلف الرق في جزء
منه فسرى إلى آخره كما لو أعتقه وخالفه عامة الفقهاء
(ك عن عمرو بن العاص) أنه زار عمة له فدعت له بطعام فأبطأت
الجارية فقالت: ألا تستعجلي يا زانية فقال عمرو: سبحان
الله لقد قلت عظيما هل اطلعت منها على زنا؟ قالت: لا فقال:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فذكره
قال الحاكم: صحيح وتعقبه المنذري فقال: وكيف وعبد الملك بن
هارون متروك متهم
(3/141)
2957 - (أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله
عنه ثم أقيم عليه حده) في الدنيا أي وهو غير الكفر أما هو
إذا عوقب به في الدنيا فليس كفارة بل زيادة في النكال
وابتداء عقوبة (كفر) الله (عنه) بإقامة الحد عليه (ذلك
الذنب) فلا يؤاخذ به في الآخرة فإن الله أكرم وأعدل أن
يثني عليه العقوبة <تنبيه> قال ابن العربي: هذا الحديث
موضعه في حقوق الله أما حق الآدمي فلا يدخل تحت المغفرة
فلو زنى بامرأة فأقيم عليه الحد كفر عنه لكن حق زوجها
وأهلها باق فيما هتك من حرمتهم وجر من العار إليهم وكذا
القاتل إذا اقتص منه فهو كفارة للقتل في حق الله وحق الولي
لا المقتول فله مطالبته به في الآخرة اه
(ك) في الحدود (عن خزيمة بن ثابت) وقال: صحيح وأقره الذهبي
(3/142)
2958 - (أيما عبد) أي قن (مات في إباقه)
(1) أي حال تغيبه عن سيده تعديا (دخل النار) يعني استحق
دخولها ليعذب بها على عدم وفائه بحق سيده (وإن كان قتل)
حال أباقه (في سبيل الله) تعالى أي في جهاد الكفار ثم يخرج
منها إن مات مسلما ويدخل الجنة قطعا
(طس هب عن جابر) قال الهيثمي: فيه عبد الله بن محمد بن
عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات
_________
(1) [والعبد الآبق هو الهارب من سيده. دار الحديث]
(3/142)
2959 - (أيما عبد أبق من مواليه) بفتح
الباء إعراضا عنهم وأي للشرط مبتدأ وما زائدة للتأكيد وأبق
خبره لا صفة للعبد لأن المبتدأ يبقى بلا خبر وجواب الشرط
قوله (فقد كفر) أي نعمة الموالي وسترها ولم يقم بحقها
ويستمر هذا حاله (حتى يرجع إليهم) أو أراد بكفره أن عمله
من عمل الكفار أو أنه يؤدي إلى الكفر فإن فرض استحلاله
فذاك كافر حقيقة وذكره بلفظ العبدية هنا لا يناقضه خبر
النهي عن تسميته عبدا بقوله لا يقل أحدكم عبدي لأن المقام
هنا مقام تغليظ ذنب الإباق وثم مقام بيان الشفقة والإرفاق
(م) في الإيمان (عن جرير) موقوفا ونقل عنه بعض رواته أنه
قال سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لكن أكره أن يروى
عني ههنا بالبصرة
(3/142)
2960 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري)
أي على حالة عري للمكسي (كساه الله تعالى من خضر الجنة)
بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر أي من ثيابها الخضر فهو من
إقامة الصفة مقام الموصوف كما ذكره الطيبي (وأيما مسلم
أطعم مسلما على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة
وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ) أي [ص:143] عطش (سقاه الله
تعالى يوم القيامة من الرحيق) اسم من أسماء الخمر
(المختوم) أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك قال
النوربشتي: الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه والمختوم
الذي يختم من أوانيها وهو عبارة عن نفاستها وكرامتها وهذا
إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل والنصوص فيه كثيرة
والمراد أنه يختص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة
كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وشرابها ويظهر
أن المراد المسلم المعصوم ويحتمل إلحاق الذمي العاري
الجائع به
(حم د) في الزكاة (ت) كلهم (عن أبي سعيد) الخدري قال
المنذري: رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي خالد بن
يزيد الدالاني وحديثه حسن اه. ولينه ابن عدي
(3/142)
2961 - (أيما مسلم كسا مسلما ثوبا) أي لوجه
الله تعالى لا لغرض آخر (كان في حفظ الله تعالى) أي رعايته
وحراسته (ما بقيت عليه منه رقعة) أي مدة بقاء شيء منه عليه
وإن قل وصار خلقا جدا وليس المراد بالثوب في هذا الحديث
وما قبله القميص فحسب بل كل ما على البدن من اللباس
(طب عن ابن عباس) وفيه خالد بن طهمان أبو العلاء قال
الذهبي: ضعيف قال ابن معين: خلط قبل موته
(3/143)
2962 - (أيما) قال الطيبي: أيما من
المقحمات التي يستغنى بها إما عن تفصيل غير حامل أو تطويل
غير ممل (امرأة نكحت) أي تزوجت في رواية أنكحت نفسها وهي
أوضح (بغير إذن وليها (1)) أي تزوجت بغير إذن متولي أمر
تزويجها من قريب أو غيره (فنكاحها باطل) أي فعقدها باطل
ولا مجال لإرادة الوطء هنا لأن الكلام في صحة النكاح
وفساده (فنكاحها باطل فنكاحها باطل) كرره لتاكيد إفادة فسخ
النكاح من أصله وأنه لا ينعقد موقوفا على إجازة الولي وأنه
ركب على ثلاثة فيفسخ بعد العقد ويفسخ بعد الدخول ويفسخ بعد
الطول والولادة وتخصيصه البطلان هنا بغير الإذن غالبي
بدليل خبر لا نكاح إلا بولي لكن لما كان الغالب أنها لا
تزوج نفسها إلا بإذنه خص به (فإن دخل بها) أي أولج حشفته
في قبلها (فلها المهر بما استحل من فرجها) قال الرافعي:
فيه أن وطء الشبهة يوجب المهر وإذا وجب ثبت النسب وانتفى
الحد (فإن اشتجروا) أي تخاصم الأولياء وتنازعوا ومنه {فيما
شجر بينهم} قال الرافعي: المراد مشاجرة الفضل لا الاختلاف
فيما يباشر العقد (فالسلطان) يعني من له السلطان على تزويج
الأيامى فيشمل القاضي (مولى من لا مولى له) أي من ليس له
ولي خاص وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن لما سبق أن
أيما كلمة استيفاء واستيعاب فيشمل البكر والثيب والشريفة
والوضيعة قال القاضي: وهذا يؤيد منع المرأة مباشرة العقد
مطلقا إذ لو صحت عبارتها للعقد لأطلق لها ذلك عند عضل
الأولياء واختلافهم ولما فوض إلى السلطان قال أصحابنا: ومن
البعيد تأويل الحنفية الحديث على الصغيرة والأمة والمكاتبة
يعني حمله بعضهم أولا على الصغيرة لصحة تزويج الكبيرة
نفسها عندهم كجميع تصرفاتها فاعترض بأن الصغيرة غير امرأة
في الحكم فحمله بعضهم إجراء على الأمة فاعترض [ص:144]
بقوله فلها المهر فإن مهر الأمة لسيدها فحمله بعض متأخريهم
على المكاتبة فإن المهر لها
(حم د ت هـ ك) كلهم في النكاح (عن عائشة) حسنه الترمذي
وصححه ابن حبان وإعلاله بأنه من حديث ابن جريج عن سليمان
عن الزهري وابن جريج ذكر أنه سئل الزهري عنه فأنكره أبطله
الحاكم بأن أبا عاصم وعبد الرزاق ويحيى بن أيوب وحجاج بن
محمد صرحوا بسماعه عن الزهري والثقة قد بيناه فلا ينسى
بإنكاره وذكر نحوه ابن حبان
_________
(1) بغير إذن وليها لا مفهوم له عند الشافعي فنكاحها باطل
وإن أذن لها وليها لحديث لا نكاح إلا بولي
(3/143)
2963 - (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها
فنكاحها باطل فإن كان دخل بها فلها) عليه (صداقها) أي مهر
مثلها (بما استحل من فرجها ويفرق بينهما) بالبناء للمجهول
أي ويفرق القاضي بينهما لزوما (وإن كان لم يدخل بها فرق
بينهما) بمعنى أنه يحكم ببطلان العقد (والسلطان ولي من لا
ولي له) ولي امرأة ليس لها ولي خاص قال القاضي: هذه
الأحاديث صريحة في المنع عن استقلال المرأة بالتزويج وأنها
لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وقد اضطرب فيه
الحنفية فتارة متجاسرون على الطعن فيها بما لا ينجع ومرة
جنحوا إلى التأويل فقوم خصصوا امرأة بالأمة والصغيرة
والمكاتبة فأبطلوا به ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل فإنه
صدر الكلام بأي الشرطية وأكد بما الإبهامية ورتب الحكم على
وصف الاستقلال وترتيب الجزاء على الشرط المقتضي مع أن
الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان وعقد الصبية غير
باطل عندهم بل موقوف على إجازة الولي والأمة لا مهر لها
وقد قال: فلها المهر والكتابة بالنسبة إلى جنس النساء
نادرة فلا يصح قصر العام عليها وقوم أولوا قوله باطل بأنه
بصدد البطلان ومصيره إليه بتقدير اعتراض الأولياء عليها
إذا زوجت نفسها بغير كفء وذلك مع ما فيه من إبطال قصد
التعميم بزيف من وجوه أحدها أنه لا يناسب هذا التأكيد
والمبالغة ثانيهما أن المنقول المتعارف في تسميته الشيء
باسم ما يؤول إليه تسميته ما يكون المآل إليه قطعا {إنك
ميت وإنهم ميتون} أو غالبا نحو {إني أراني أعصر خمرا}
ثالثها أنه لو كان كذلك لاستحق المهر بالعقد لا بالوطء
ولذلك قالوا: يتقدر المسمى بالوطء ويتشطر بالطلاق قبله وقد
علق عليه السلام الاستحقاق على الوطء وجعل الاستحلال علة
لثبوته وهو يدل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل ولم أر
أحدا غيرهم من العلماء رخص للمرأة تزويج نفسها مطلقا وجوزه
مالك رضي الله عنه للدنيئة دون الشريفة اه
(طب عن ابن عمرو) بن العاص
(3/144)
2964 - (أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا
يحل له نكاح ابنتها) وإن سفلت (فإن لم يكن دخل بها فلينكح
ابنتها) إن شاء (1) (وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم
يدخل) بها (فلا يحل له نكاح أمها) أي لا يجوز ولا يصح
والفرق أن الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمها عقب العقد لترتيب
أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك بخلاف ابنتها أخذ به الجماعة
فقالوا: إذا دخل بامرأة حرمت عليه بنتها وقال داود: لا
تحرم إلا إن كانت في حجره
(ت عن ابن عمرو) ابن العاص ثم قال أعني الترمذي: لا يصح من
قبل إسناده إنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح وهما
يضعفان اه
_________
(1) فقوله " فلينكح ابنتها " هو للإباحة كما هو ظاهر في
هذا الحديث فقال المناوي: إن شاء. وليتنبه هنا أنه قد ترد
صيغة الأمر للإباحة في أحاديث أخرى ولكن لا يظهر وجه كونها
للإباحة بمثل ما يظهر في هذا الحديث من البداهة. فليتنبه
من ادعى الاجتهاد بغير حق في تلك الأحاديث الأخرى فحلل
وحرم بحسب ما ظهر لنظره الخاطئ وليراجع أقوال من شهدت له
الأمة قاطبة من المجتهدين. دار الحديث) ]
(3/144)
[ص:145] 2965 - (أيما رجل آتاه الله علما)
تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي
لكن خصه جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته (فكتمه) عن
الناس عند الحاجة إليه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من
نار) (1) شبه ما جعل من النار في فم الكاتم باللجام تشبيها
بليغا حيث خص النار وهو الذي أخرجه من باب الاستعارة وهذا
وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على
الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة أو
حطام دنيا أو لتقيه مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل
بالعلم ومن ثم قال علي كرم الله وجهه ما أخذ الله على أهل
الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا
(طب عن ابن مسعود) ورواه عنه في الأوسط أيضا قال الهيثمي:
وفي سند الأوسط النضر بن سعيد ضعفه العقيلي وفي سند الكبير
سواد بن مصعب وهو متروك اه والحديث أخرجه ابن الجوزي في
العلل عن ابن مسعود من عدة طرق وطعن فيه بما محصوله أن فيه
جماعة ما بين ضعيف ومتروك وكذاب
_________
(1) لما لجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار
له عوقب في الآخرة بلجام من نار قال العلقمي: وهذا خرج على
معنى مشاكة العقوبة للذنب وهذا في العلم الذي يتعين عليه
كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول علموني ما الإسلام وما
الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فيلزم
أن يجاب السائل ويترتب على منعه الوعيد والعقوبة وليس
الأمر كذلك ونوافل العلم الذي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها
(3/145)
2966 - (أيما رجل حالت شفاعته دون حد من
حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله) أي غضبه (حتى ينزع)
أي يقلع ويترك وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود أي
إذا وصلت إلى الإمام وثبتت كما يفيده أخبار آخر وإلا
فالستر أفضل (وأيما رجل شد غضبا) أي شد طرفه أي بصره
بالغضب (1) (على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند
الله حقه وحرص على سخطه وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم
القيامة) لأنه بمعاندة الله صار ظالما وقد قال تعالى: {ألا
لعنة الله على الظالمين} وأصل اللعنة الطرد لكن المراد به
هنا في وقت أو حال أو الشخص أو على صفة أو نحو ذلك (وأيما
رجل أشاع على رجل مسلم) أي أظهر عليه ما يعيبه (بكلمة وهو
منها بريء يشينه بها (2)) أي فعل ما فعل بقصد أن يشينه أي
يعيبه أو يعيره بها (في الدنيا) بين الناس (كان حقا على
الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بإنفاذ ما
قال) وليس بقادر على إنفاذه فهو كناية عن دوام تعذيبه بها
من قبيل الخبر المار كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين
(3) ومن قبيل قوله للمصورون أحيوا ما خلقتم
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال
المنذري: لا يحضرني الآن حال إسناده
_________
(1) ويحتمل أن يكون المعنى اشتد غضبه
(2) قال في المصباح: شانه شينا من باب عاب عابه والشين
خلاف الزين
(3) لعله خرج مخرج الزجر عن هذه الخصلة
(3/145)
2967 - (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض) ذكر
الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد (كلفه
الله أن يحفره [ص:146] حتى يبلغ أخر سبع أرضين) بفتح الراء
وتسكن (ثم يطوقه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية
فإنه يطوقه (يوم القيامة) أي يكلف نقل الأرض الذي أخذها
ظلما إلى المحشر وتكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة أو
معناه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض حالتئذ
كالطوق في عنقه الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الطوق
وبالأول جزم القشيري وصححه البغوي ولا مانع أن نتنوع هذه
الصفات لهذا الجاني أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب
بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ذكره ابن
حجر رحمه الله تعالى ويستمر كذلك (حتى يقضى بين الناس) ثم
يصير إلى الجنة أو إلى النار بحسب إرادة العزيز الجبار
وهذا وعيد شديد للغاصب قاطع بأن الغضب من أكبر الكبائر (1)
(طب) وكذا في الصغير (عن يعلى بن مرة) ورواه عنه أيضا أحمد
بعدة أسانيد قال الهيثمي: ورجال بعضها رجال الصحيح ورواه
عنه أيضا ابن حبان من هذا الوجه وكان ينبغي للمؤلف عزوه له
ولأحمد فإنهما مقدمان عندهم على العزو للطبراني
_________
(1) وهذا إن لم يحصل عفو من المغصوب منه ولم يفعل الغاصب
ما يكفر التبعات
(3/145)
2968 - (أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف
محروما) من الضيافة أي لم يطعمه القوم تلك الليلة (فله أن
يأخذ) من مالهم (بقدر قراه) أي ضيافته أي بقدر ما يصرف في
ثمن طعام يشبعه ليلته (ولا حرج عليه) في ذلك الأخذ قال
الطيبي: وقوله فأصبح الضيف مظهر أقيم مقام المضمر إشعارا
بأن المسلم الذي ضاف قوما يستحق لذاته أن يقرى فمن منع حقه
فقد ظلمه فحق لغيره من المسلمين نصره وأخذ بظاهره أحمد
فأوجب الضيافة وأن الضيف يستقل بأخذ ما يكفيه بغير رضى من
نزل عليه أو على نحو بستانه أو زرعه وحمله الجمهور على أنه
كان في أول الإسلام فإنها كانت واجبة حين إذ كانت المواساة
واجبة فلما ارتفع وجوب المواساة ارتفع وجوب الضيافة أو على
التأكيد كما في غسل الجمعة واجب فلما ارتفع وجود الاستقلال
بالأخذ على المضطر لكنه يعزم بدله أو بعد على مال أهل
الذمة المشروط عليهم ضيافة من نزل بهم لأدلة أخرى كخبر لا
يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس وأما قول بعض المالكية
المراد أن له أن يأخذ من عرضهم بلسانه ويذكر للناس عيوبهم
فعورض بأن من الأخذ العرض والتحدث بالعيب عيب ندب الشارع
إلى تركه لا إلى فعله واستدل بالخبر على مسألة الظفر
(ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد باللفظ المزبور قال
الهيثمي كالمنذري ورجاله ثقات ورواه أبو داود عن المقدام
بلفظ أيما رجل ضاف قوما فأصبح محروما والباقي سواء
(3/146)
2969 - (أيما نائحة) أي امرأة نائحة (ماتت
قبل أن تتوب ألبسها الله سربالا) وقد تطلق السرابيل على
الدروع (من نار وأقامها للناس يوم القيامة) لتشتهر في
عرصات القيامة بين أهل ذلك الموقف الأعظم فالنوح حرام شديد
التحريم
(ع عد ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: سنده حسن
(3/146)
[ص:147] 2970 - (أيما امرأة نزعت ثيابها)
أي قلعت ما يسترها منها (في غير بيتها) أي محل سكنها (خرق
الله عز وجل عنها ستره) لأنها لما لم تحافظ على ما أمرت به
من التستر عن الأجانب جوزيت بذلك والجزاء من جنس العمل
والظاهر أن نزع الثياب عبارة عن تكشفها للأجنبي لينال منها
الجماع أو مقدماته بخلاف ما لو نزعت ثيابها بين نساء مع
المحافظة على ستر العورة إذ لا وجه لدخولها في هذا الوعيد
(حم طب ك هب عن أبي أمامة)
(3/147)
2971 - (أيما امرأة استعطرت) أي استعملت
العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه (ثم خرجت) من بيتها
(فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك
(فهي زانية) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل
السبب كفاعل المسبب قال الطيبي: شبه خروجها من بيتها
متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا
بالزنا مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها (وكل عين زانية) أي
كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من
الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة
التلذذ بشم طيب أجنبية لأن الله إذا حرم شيئا زجرت الشريعة
عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى
كان ابن عمر رضي الله عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت
عنه حتى يبرد أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب قال
بعض الكبراء تزيين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب
المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة لأن العين
رائد القلب فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت
المحبة وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو
لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة ولهذا كان من
وصايا نساء العرب لبعضهن إياك أن تقع عين زوجك على شيء لا
يستملحه أو يشم منك ما يستقبحه
(حم ن ك) في التفسير (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم:
صحيح وأقره الذهبي وأقول فيه عند الأولين ثابت بن عمارة
أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: قال أبو حاتم: ليس
بالمتين عندهم ووثقه ابن معين
(3/147)
2972 - (أيما رجل أعتق غلاما ولم يسم) في
العتق (ماله) يعني ما في يده من كسبه وإضافته إليه إضافة
اختصاص لا تمليك (فالمال له) أي للغلام يعني ينبغي لسيده
أن يسمح له به منحة منه وتصدقا عليه بما في يديه ليكون
إتماما للصنيعة وزيادة لنعمة الإعتاق ذكره ابن الكمال
وغيره
(عن ابن مسعود)
(3/147)
2973 - (أيما امرئ) بكسر الراء (ولي من أمر
المسلمين شيئا لم يحطهم) بفتح فضم أي يكلؤهم ويحفظهم
ويصونهم ويذب عنهم والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى
عليه (بما يحوط به نفسه) أي بالذي يحفظ به نفسه ويصونها
فالمراد لم يعاملهم بما يحب أن يعامل به نفسه من نحو بذل
ونصح ونفقة وغيرها (لم يرح رائحة الجنة) حين يجد [ص:148]
ريحها الإمام العادل الحافظ لما استحفظ لا أنه لم يجده
أبدا قال الحرالي: والولاية القيام بالأمر عن وصلة واصلة
قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية: لا تحسب أن الخلافة جمع
المال وتفريقه إنما هي القول بالحق والعمل بالمعدلة وأخذ
الناس في ذات الله وقال العارف ابن عربي: الإمارة ابتلاء
لا تشريف ولو كانت تشريفا بقيت مع صاحبها في الآخرة في دار
السعداء ولو كانت تشريفا ما قيل له ولا تتبع الهوى فحجر
عليه والتحجير ابتلاء والتشريف إطلاق ويتحكم في العالم من
أسعده الله به ومن أشقاه من المؤمنين ومع ذلك أمر بالحق أن
يسمع له ويطيع وهذه حالة ابتلاء لا شرف فإنه في حركاته
فيها على حذر وقدم غرور ولهذا تكون يوم القيامة ندامة
(عن ابن عباس) قضية كلام المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا
عليه والأمر بخلافه فإنه ساقه من حديث إسماعيل بن شبيب
الطائفي وقال: أحاديثه مناكير غير محفوظة وأقره عليه في
اللسان
(3/147)
2974 - (أيما رجل عاهر) العاهر الزاني وعهر
إلى المرأة أتاها ليلا للفجور بها غلب على الزنى مطلقا
(بحرة أو أمة) يعني زنى بها فحملت (فالولد ولد زنا لا يرث
ولا يورث) لأن الشرع قطع الوصلة بينه وبين الزاني قريب له
إلا من قبل أمه وماء الزنا لا حرمة له مطلقا ولا يترتب
عليه شيء من أحكام التحريم والتوارث ونحوهما عند الشافعية
(ت) في الفرائض من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه
(عن) جده (ابن عمرو) بن العاصي قال الترمذي: والعمل على
هذا عند أهل العلم
(3/148)
2975 - (أيما مسلم شهد له أربعة) من
المسلمين وفي رواية أربعة نفر أي رجال (بخير) بعد موته من
الصحابة أو من غيرهم فمن اتصف بالعدالة لا نحو فاسق ومبتدع
(أدخله الله الجنة) أي مع السابقين والأولين أو من غير سبق
عذاب وإلا فمن مات على الإسلام دخلها ولا بد شهد له أحد أم
لا قال الراوي: فقلنا أو ثلاثة قال: (أو ثلاثة) فقلنا: أو
اثنان قال: (أو اثنان) قال: ثم لم نسأله عن الواحد أي
استبعادا للاكتفاء في مثل هذا المقام العظيم بأقل من نصاب
وترك الشق الثاني وهو الشهادة بالشر لفهمه حكمه بالقياس
على الخير أو اختصارا قال النووي: من مات فألهم الله الناس
بالثناء عليه بخير كان دليلا على كونه من أهل الجنة سواء
اقتضته أفعاله أم لا فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا
الإلهام يستدل به على تعيينها وبه تظهر فائدة الثناء
(حم خ) في الجنائز والشهادات (ن عن ابن عمر) بن الخطاب ولم
يخرجه مسلم
(3/148)
2976 - (أيما صبي) أو صبية (حج) حال صباه
(ثم بلغ الحنث) بسن أو احتلام (فعليه أن يحج حجة أخرى)
يعني يلزمه ذلك (وأيما أعرابي حج) قبل أن يسلم (ثم) أسلم و
(هاجر) من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (فعليه أن يحج حجة
أخرى) أي يلزمه الحج بإسلامه في استطاعته وإن لم يهاجر
(وأيما عبد) أي قن أو أمة (حج) حال رقه (ثم أعتق) أي أعتقه
سيده (فعليه أن يحج حجة أخرى) أي يلزمه الحج بعد مصيره حرا
قال الذهبي في المهذب: كأنه أراد بهجرته إسلامه كما تقرر
وفيه أنه يشترط لوقوع الحج عن فرض الإسلام البلوغ والحرية
فلا يجزئ حج الطفل والرقيق إن كملا بعده وعليه الشافعي نعم
إن كملا قبل الوقوف أو طواف العمرة أو في أثنائه أجزأهما
وأعاد السعي
(خط) في التاريخ (والضياء) المقدسي في المختارة (عن ابن
عباس) وظاهر صنيع المصنف أن الخطيب خرجه ساكتا عليه والأمر
بخلافه بل تعقبه بقوله [ص:149] لم يرفعه إلا زيد بن زريع
عن شعبة وهو غريب اه قال ابن حجر: تفرد برفعه محمد المنهال
عن يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عنه وأخرجه ابن عدي
وقال: إن يزيد بن زريع سرقه من محمد بن منهال اه. ورواه
الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اه
فلو عزاه المصنف له لكان أولى
(3/148)
2977 - (أيما مسلمين التقيا) في نحو طريق
(فأخذ أحدهما بيد صاحبه) أي أخذه يده اليمنى بيده اليمنى
(وتصافحا) ولو من فوق ثوب والأكمل بدونه (وحمدا الله) أي
اثنيا عليه وزاد قوله (جميعا) للتأكيد (تفرقا وليس بينهما
خطيئة) ظاهره يشمل الكبائر وقياس نظائره قصره على الصغائر
(حم والضياء) المقدسي (عن البراء) بن عازب قال أبو داود:
لقيني البراء فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال: تدري
لم أخذت بيدك؟ قلت: لا إلا أني ظننت أنك لم تفعله إلا لخير
فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم
ذكره
(3/149)
2978 - (أيما امرئ من المسلمين حلف عند
منبري هذا على يمين كاذبة يستحق بها حق مسلم أدخله الله
النار وإن كان على سواك أخضر) قال العكبري: تقديره وإن حلف
على سواك فحذف لدلالة الأولى عليه وعلى في قوله على يمين
زائدة أي حلف يمينا وفي ذكر المنبر زيادة في التأكيد قال
الرافعي: وهذا إشارة إلى أن اليمين يغلظ بالمكان كما يغلظ
بالزمان قال النووي: ودخل في قوله حق مسلم نحو جلد ميتة
وسرجين وسائر الاختصاصات وكذا كل حق ليس بمال كحد قذف
(حم عن جابر) بن عبد الله
- (أيما امرئ اقتطع حق امرئ مسلم) أي ذهب بطائفة منه
ففصلها عنه يقال اقتطعت من الشيء قطعة فصلتها (بيمين كاذبة
كانت له نكتة) والنكتة في الشيء كالنقطة والجمع نكت ونكات
مثل برمة وبرم وبرام ونكات الضم عامي (سوداء من نفاق في
قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة) فإن لم يدركه العفو
أدخل النار حتى تنجلي تلك النكتة ويكون فيها حتى يطهر من
درنه ويصلح لجوار الرحمن في الجنان
(الحسن بن سفيان طب ك عن ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور ابن
وديعة (الأنصاري) قيل: هو أحد الستة الذين تخلفوا عن تبوك
قال الذهبي: وذلك ضعيف
(3/149)
2979 - (أيما عبد) يعني قن ولو أمة قال ابن
حزم: لفظ العبد لغة يتناول الأمة لكن في الفتح فيه نظر
ولعله أراد المملوك وقال القرطبي: العبد اسم للملوك الذكر
بأصل وضعه والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ومن ثم قال إسحاق:
إن هذا الحكم لا يشمل الأنثى وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في
الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس
كقوله تعالى {إلا آتي الرحمن عبدا} فإنه يتناول الذكر
والأنثى قطعا وإما بطريق الإلحاق لعدم الفارق وقد قال إمام
الحرمين: إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع
قبل التفطن لوجه الجمع والفرق (كوتب على مئة اوقية) مثلا
ورواية الحاكم كوتب على ألف أوقية (فأداها إلا عشرة أواق)
في نسخ أواقي بشد الياء وقد تخفف جمع أوقية بضم الهمزة وشد
الياء معروفة (فهو عبد وأيما عبد كوتب على مئة دينار
فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد) المراد أنه أدى مال
الكتابة إلا شيئا قليلا بدليل الخبر الآتي [ص:150] المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم فلا يعتق إلا بأداء جميع ما عدا
القدر الذي يجب حطه عنه وهذا مذهب الجمهور ونقل عن علي كرم
الله وجهه أنه يعتق عنه بقدر ما أدى والمكاتب بالفتح من
تقع له الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تكسر
وتفتح كعين العتاقة قال الراغب: اشتقاقها من كتب بمعنى
أوجب ومنه {كتب عليكم الصيام} أو جمع وضم ومنه كتب الخط
وعلى الأول مأخذها من الالتزام وعلى الثاني من الخط لوجوده
عند عقدها غالبا. قال الروياني: وهي إسلامية ونوزع بأنها
كانت متعارفة في الجاهلية وأقرها الشارع وأحسن تعاريفها
أنها تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة
(حم د) في العتق والكتابة (هـ) في الأحكام كلهم من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله (بن عمرو) بن العاص
ورواه الحاكم باللفظ وصححه وأقره الذهبي
(3/149)
2980 - (أيما رجل مسلم) وفي رواية الاقتصار
على رجل وفي أخرى على مسلم (أعتق رجلا مسلما) لوجه الله
تعالى خالصا (فإن الله تعالى جاعل وقاء كل عظم) بكسر الواو
وتخفيف القاف والوقاية ما يصون الشيء ويستره عما يؤذيه (من
عظامه) أي العتيق (عظما من عظام محرره) بضم الميم وفتح
الراء المشددة أي من عظام القن الذي حرره (من النار) نار
جهنم جزاءا وفاقا (وأيما امرأة مسلمة) أعتقت امرأة معلمة
لوجه الله تعالى (فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها
عظما من عظام محررها) بفتح الراء المشددة (من النار يوم
القيامة) فاستفدنا أن الأفضل للذكر عتق الذكر وللأنثى
الأنثى وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى خلافا لمن عكس محتجا
بأن عتقها يستدعي صيرورة ولدها حرا سواء تزوجها حر أو عبد
بخلاف الذكر وعورض بأن عتق الأنثى غالبا يستلزم ضياعها
وبأن في عتق الذكر من المعاني العامة ما ليس في الأنثى
لصلاحيته للقضاء وغيره مما لا يصلح له الإناث وفي قوله إن
الله جاعل وقاء كل عظم إلى آخره إيماء إلى أنه ينبغي أن لا
يكون في الرقبة نقص ليحصل الاستيعاب وأنه ينبغي للفحل عتق
فحل لينال المعنى المعهود في عتق جميع أعضائه وقول الخطابي
هو نقص مجبور إذ الخصي ينتفع به فيما لا ينتفع بالفحل
استنكره النووي وغيره والكلام في الأولوية
(د حب عن أبي نجيح) بفتح النون (السلمي) وأبو نجيح السلمي
في الصحابة اثنان أحدهما عمرو بن عبسة والآخر العرباض بن
سارية فكان ينبغي تمييزه قال ابن حجر: إسناده صحيح ومثله
للترمذي من حديث أبي أمامة وللطبراني من حديث عبد الرحمن
بن عوف ورجاله ثقات
(3/150)
2981 - (أيما أمة ولدت من سيدها) أي وضعت
منه ما فيه صورة خلق آدمي (فإنها) ينعقد لها سبب العتق
وتكون (حرة إذا مات) السيد (إلا أن يعتقها قبل موته) فإنها
تصير حرة بالعتق ولا يتوقف عتقها على موته
(هـ ك عن ابن عباس) قال ابن حجر رحمه الله تعالى: له طرق
عند ابن ماجه وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه
الحسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف جدا اه. ورد الذهبي تصحيح
الحاكم له بأن حسينا هذا متروك وممن تعقبه عبد الحق وتبعه
في المنار وغيره
(3/150)
2982 - (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس)
وأكثروا اللغط (ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله) بأي صيغة
كانت من صيغ [ص:151] الذكر (أو يصلوا على نبيه) محمد صلى
الله عليه وسلم كذلك وفيه تلميح إلى قوله تعالى {ولو أنهم
إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول
لوجدوا الله توابا رحيما} (كانت عليهم ترة (1) من الله) أي
نقص وتبعة وحسرة وندامة لتفرقهم ولم يأتوا بما يكفر لفظهم
من حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم وهاء ترة عوض عن واوه المتروكة كواو عدة وسعة (إن
شاء) أي الله (عذبهم) لتركهم كفارة المجلس (وإن شاء غفر
لهم) فضلا وطولا منه تعالى ورحمة لهم {إن الله لا يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
(ك عن أبي هريرة) وقال صحيح وأقره الذهبي
_________
(1) قوله ترة بالنصب خبر لكان وأنها ضمير يرجع للجلوس
المفهوم من جلسوا
(3/150)
2983 - (أيما امرأة توفي عنها زوجها) أي
مات وهي في عصمته (فتزوجت بعده فهي) أي فتكون هي في الجنة
زوجة (لآخر أزواجها) (1) في الدنيا قالوا وهذا هو أحد
الأسباب المانعة من نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
بعده لما أنه سبق أنهن زوجاته في الجنة
(طب عن أبي الدرداء) وأصله أن معاوية خطب أم الدرداء بعد
موت أبي الدرداء فقالت: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة إلخ وما كنت لأختار على
أبي الدرداء فكتب إليها معاوية فعليك بالصوم فإنه محسمة
قال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط
_________
(1) [ولا يعارض هذا الحديث بالحديثين التاليين لضعفهما:
ورد في حديث طويل: " يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم
خلقا " - بضم الخاء واللام - قال الهيثمي: رواه الطبراني
وفيه سليمان بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي. وورد
حيث مثله عن أنس خاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم
حبيبة وقال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار باختصار وفيه
عبيد بن إسحاق وهو متروك وقد رضيه أبو حاتم وهو أسوأ أهل
الإسناد حالا
ويمكن الجمع بين الأحاديث الثلاثة بأنها تكون لآخر أزواجها
إذا تساووا في الخلق وإلا فتختار أحسنهم خلقا؟ ؟ والله
أعلم. دار الحديث]
(3/151)
2984 - (أيما رجل ضاف قوما) أي نزل بهم
ضيفا (فأصبح الضيف محروما) من القرى بأن لم يقدموا له عشاء
تلك الليلة (فإن نصره) بفتح النون نصرته وإعانته على أداء
حقه (حق على كل مسلم) أي مستحقة على كل من علم بحاله من
المسلمين (حتى يأخذ بقرى ليلته) أي بقدر ما يصرفه في عشائه
تلك الليلة أي ليلة واحدة كما في رواية أحمد والحاكم (من
زرعه وماله) ويقتصر على ما يشد الرمق أي بشين معجمة بقية
الروح أو مهملة أي بسد الخلل الحاصل من الجوع قال الطيبي:
وأفرد الضمير فيهما باعتبار المنزل عليه والمضيف وهو واحد
ثم هذا في المضطر أو في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة
المارة (1)
(حم د ك) في الأطعمة (عن المقدام) بن معد يكرب قال الحاكم:
صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: إسناده على شرط الصحيح
_________
(1) وقال العلقمي: قال شيخنا: هذه الأحاديث كانت في أول
الأمر حين كانت الضيافة واجبة وقد نسخ وجوبها وقد أشار
إليه أبو داود بقوله باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره
(3/151)
2985 - (أيما رجل كشف سترا) أي أزاله أو
نحاه (فأدخل بصره) يعني نظر إلى ما وراء الستر من حرم أو
غيرهن (من قبل أن يؤذن له) في الدخول (فقد أتى حدا لا يحل
أن يأتيه) أي فيحرم عليه ذلك (ولو أن رجلا) من أصحاب ما
وراء المكشوف من الستر (فقأ عينه) أي الناظر أي قذفه بنحو
حصاة فقلع عينه (لهدرت) أي عينه فلا يضمنها الرامي وفيه
حجة للشافعي أن من نظر من نحو كوة أو شق إلى بيت لا محرم
له فيه فرماه صاحب البيت فقلع عينه هدر وأوجب أبو حنيفة
الضمان (ولو أن رجلا مر على باب) أي منفذ نحو بيت (لا سترة
عليه) أي ليس عليه باب [ص:152] من نحو خشب يستر ما وراءه
عن العيون (فرأى عورة أهله) من الباب (فلا خطيئة عليه إنما
الخطيئة على أهل الباب) في تركهم ما أمروا به من الستر
وقلة مبالاتهم باطلاع الأجانب على عوراتهم وفي نسخ بدل
الباب البيت وهي أقعد قال الزين العراقي: فيه أنه يحرم
النظر في بيت غيره المستور بغير إذنه ولو ذميا وأنه يحرم
الدخول بطريق أولى
(حم ت عن أبي ذر) ظاهر صنيع المصنف أن كلا منهما روى الكل
والأمر بخلافه فإن الترمذي لم يرو إلا بعضه وتمامه عند
أحمد وقال الهيثمي كالمنذري ورجال أحمد رجال الصحيح غير
ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف
(3/151)
2986 - (أيما وال ولي من أمر المسلمين
شيئا) أي ولم يعدل فيهم (وقف به على جسر جهنم) يحتمل أنه
أراد به الصراط ويحتمل غيره والواقف به بعض الملائكة أو
الزبانية (فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو) منه عن مكانه
الذي هو فيه فيقع في جهنم عضوا عضوا فعلى الإمام أن يقاسي
النظر في أمر رعيته بظاهره وباطنه قال عمر: إن نمت الليل
لأضيعن نفسي وإن نمت النهار لأضيعن الرعية فكيف بالنوم بين
هاتين
(ابن عساكر) في التاريخ (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة (ابن عاصم) بن سفيان السقفي وقيل المخزومي
(3/152)
2987 - (أيما راع غش رعيته) أي مرعيته يعني
خانهم ولم ينصح لهم (فهو في النار) أي يعذب بنار جهنم شاء
الله أن يعذبه قال الزمخشري: والراعي القائم على الشيء
بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية ويقال من راعى هذا
الشيء أي متوليه وصاحبه والرعي حفظ الشيء لمصلحته وذهب
جمهور الصوفية إلى أن المراد بالراعي في هذا الخبر وما
أشبهه كخبر كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو الروح
الإنساني ورعية جوارحه فيجب أن يسلك بها في التخلية
والتحلية أعدل المسالك وأن يعدل في مملكة وجودها لأنها
بحسب الصورة هي المملكة وسلطان صولتها هو المالك ومرادهم
بعدلها أن يستعمل كل جارحة فيما طلب منها شرعا على جهة
الرفق والاقتصاد وأن يبدل كل خلق ذميم بخلق حميد قويم بناء
على أن الخلق يقبل التغيير وهو القول المنصور اه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معقل) بفتح الميم وسكون
المهملة (ابن يسار) ضد اليمين
(3/152)
2988 - (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه) أي
ساداته (فهو زان) وفي رواية للترمذي فهو عاهر وهذا نص صريح
في بطلان نكاحه بغير إذن سيده وإن أجازه بعد وهو مذهب
الشافعي إذ لم يقل في الخبر إلا أن يجيزه السيد
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقال
أحمد: حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه ورواه أحمد وأبو داود
والترمذي والحاكم وصححه بلفظ أيما مملوك نكح بغير إذن
مولاه فهو عاهر وفي رواية للترمذي فنكاحه باطل
(3/152)
2989 - (أيما امرأة مات لها ثلاثة) وفي
رواية ثلاث (من الولد) بفتحتين يشمل الذكر والأنثى وخص
الثلاثة لأنها [ص:153] أول مراتب الكثرة (كن) في رواية
كانوا أي الثلاث (لها) وأنث باعتبار النفس أو النسمة وهو
بضم الكاف وشد النون والولد يشمل الذكر والأنثى والمفرد
والجمع ويخرج السقط لكن فيه حديث مر (حجابا من النار) أي
نار جهنم وتمام الحديث عند البخاري نفسه قالت امرأة:
واثنان قال: واثنان هذا لفظه وكأنه أوحى إليه به حالا ولا
يبعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين أو كان عنده
علم به لكن أشفق عليهم أن يتكلموا فلما سئل لم يكن بد من
الجواب وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم يقاربه صبر
ويصرح به خبر الطبراني من مات له ولد ذكر أو أنثى سلم أو
لم يسلم رضي أو لم يرض صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب دون
الجنة اه قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا عمرو بن خالد فضعيف
(خ عن أبي سعيد) الخدري قال النساء للنبي صلى الله عليه
وسلم: اجعل لنا يوما فوعظهن فذكره وفي أخرى قالت امرأة:
واثنان قال: واثنان
(3/152)
2990 - (أيما رجل مس فرجه) أي ذكر نفسه
ببطن كفه أو حلقة دبره فالمس عام مخصوص كما سيأتي بيانه
(فليتوضأ) وجوبا حيث لا حائل لانتقاض طهره بمسه (وأيما
امرأة مست فرجها) أي ملتقى المنفد من قبلها أو حلقة دبرها
ببطن كفها (فلتتوضأ) وجوبا لبطلان طهرها به وإذا كان كذلك
فمس فرج غيره أفحش وأبلغ في اللذة فهو أولى بالنقض وبهذا
أخذ الشافعية والحنابلة وخالف الحنفية وسيأتي تقريره
(حم قط عن عمرو) بن العاص وهو من رواية عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال الذهبي في التنقيح: وإسناده قوي وقال ابن
حجر رحمه الله رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده فقيل عنه هكذا وقيل عن المثنى بن
الصباح عنه عن سعيد بن المسيب عن بسرة بنت صفوان وفي الباب
طلق بن علي وغيره
(3/153)
2991 - (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما
فهو فكاكه من النار) أي نار جهنم (يجزى) بضم الياء وفتح
الزاي غير مهموز أي ينوب (بكل عظم منه عظما منه) حتى الفرج
بالفرج كما في رواية (وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة
فهي فكاكها من النار تجزى بكل عظم منها عظما منها حتى
الفرج بالفرج وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما
فكاكه) بفتح الفاء وتكسر أي كانتا خلاصه (من النار يجزى
بكل عظمتين منهما عظما منه) فأفاد أن عتق العبد يعدل عتق
أمتين (1) ولهذا كان أكثر عتق النبي صلى الله عليه وسلم
ذكورا وهذا تنويه عظيم بفضل العتق لا يساويه فيه غيره إلا
قليلا. قال الخطابي رحمه الله: ويندب أن لا يكون القن
المعتق ناقصا عضوا بنحو عور أو شلل بل يكون سليما لينال
معتقه الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه
من الرق في الدنيا قال: وقد يزيد نقص العضو في الثمن
كالخصي يصلح لما لا يصلح له الفحل من نحو حفظ الحرم اه.
وأشار به إلى أن النقص المجبور بالمنفعة مغتفر
(طب عن [ص:154] عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة
بالجنة (د هـ طب عن مرة) بفتح الميم (ابن كعب) بن مرة
الفهري (ت عن أبي أمامة) الباهلي وقال: حسن
_________
(1) قال القاضي: اختلف العلماء هل الأفضل عتق الإناث أم
الذكور فقال بعضهم الإناث لأنها إذا عتقت كان ولدها حرا
سواء تزوجها حر أو عبد وقال آخرون عتق الذكور أفضل لما في
الذكر من المعاني العامة التي لا توجد في الإناث كالقضاء
والجهاد ولأن من الإناث من إذا عتقت تضيع بخلاف العبيد
وهذا القول هو الصحيح
(3/153)
2992 - (أيما امرأة زوجها وليان) أي أذنت
لهما معا أو أطلقت أو أذنت لأحدهما وقالت: زوجني بزيد
وللآخر زوجني بعمرو (فهي) زوجة (للأول) أي السابق (منهما)
ببينة أو تصادق معتبر فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا معا
(وأيما رجل باع بيعا) أي مرتا (من رجلين فهو للأول) أي
فالبيع للسابق (منهما) فإن وقعا معا أو جهل السبق بطلا
(حم ع ك) كلهم في النكاح إلا القزويني ففي التجارة كلهم من
حديث الحسن (عن سمرة) بن جندب وحسنه الترمذي وقال الحاكم
على شرط البخاري وأقره الذهبي قال ابن حجر: وصحته موقوفة
على ثبوت سماع الحسن من سمرة فإن رجاله ثقات
(3/154)
2993 - (أيما امرأة نكحت) أي تزوجت (على
صداق أو حباء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة
والمد: أصله العطية وهي المسمى بالحلوان وقيل هو عطية خاصة
(أو عدة) ظاهره أنه يلزمه الوفاء وعند ابن ماجه أو هبة بدل
عدة (قبل عصمة النكاح) أي قبل عقد النكاح (فهو لها) أي
مختص بها دون أبيها لأنه وهب لها قبل العقد الذي شرط فيه
لأبيها ما شرط فليس لأبيها حق فيه إلا برضاها (وما كان بعد
عصمة النكاح فهو لمن أعطيه) أي وما شرط من نحو هبة أو عدة
مع عقد النكاح فهو ثابت لمن أعطيه ولا فرق بين الأب وغيره
قال الخطابي: هذا موكول على ما شرطه الولي لنفسه غير المهر
(وأحق ما أكرم) بضم فسكون فكسر (عليه الرجل) أي لأجله فعلى
للتعليل (ابنته (1)) بالرفع خبر أحق وقد ينصب على حذف كان
تقديره أحق ما أكرم لأجله الرجل إذا كانت ابنته (أو أخته)
قال ابن رسلان: ظاهر العطف أن الحكم المذكور لا يختص بالأب
بل في معناه كل ولي ولم أر من قال به
(حم د ن هـ عن ابن عمرو) ابن العاص
_________
(1) وبهذا قال إسحاق بن راهويه وقد روى عن زين العابدين
أنه زوج ابنته واشترط لنفسه شيئا وروي عن مسروق أنه لما
زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج
والمساكين وقال للزوج: جهز امرأتك وقال عطاء وطاوس وعكرمة
وعمر بن عبد العزيز وسفيان النووي ومالك في الرجل ينكح
المرأة على أن لأبيها شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك
كله للمرأة دون الأب قال أصحابنا: ولو نكح بألف على أن
لأبيها أو أن يعطي أباها ألفا فالمذهب فساد الصداق المسمى
ووجوب مهر المثل لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد
والمهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها
(3/154)
2994 - (أيما امرأة) ثيب أو بكر (زوجت
نفسها من غير ولي فهي زانية) نص صريح في اشتراط الولي لصحة
النكاح وبهذا أخذ الشافعي وقوله من غير ولي إيضاح
(خط عن معاذ) بن جبل قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وفيه أبو
عصمة نوح بن أبي مريم قال يحيى ليس بشيء لا يكتب حديثه
وقال السعدي: سقط حديثه وقال مسلم والدارقطني ونوح وضع
حديث فضائل القرآن
(3/154)
[ص:155] 2995 - (أيما امرأة تطيبت) أي
استعملت الطيب الذي هو ذو الريح (ثم خرجت إلى المسجد) تصلي
فيه (لم تقبل لها صلاة) ما دامت متطيبة (حتى تغتسل) يعني
تزيل أثر ريح الطيب بغسل أو غيره أي لأنها لا تثاب على
الصلاة ما دامت متطيبة لكنها صحيحة مغنية عن القضاء مسقطة
للفرض فعبر عن نفي الثواب بنفي القبول إرعابا وزجرا
(هـ عن أبي هريرة) وفيه عاصم بن عبد الله ضعفه جمع
(3/155)
2996 - (أيما امرأة زادت في رأسها شعرا ليس
منه فإنه زور تزيد فيه) فيه حجة لمذهب الليث أن الممتنع
وصل الشعر بالشعر أما لو وصلت شعرها بغير شعر كخرقة وصوف
فلا يشمله النهي وبه أخذ بعضهم وضعفه الجمهور مطلقا (1)
(ن عن معاوية) بن أبي سفيان ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره
_________
(1) وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها
حلق شعر رأسها بغير ضرورة
(3/155)
2997 - (أيما رجل أعتق أمة ثم تزوج بها
بمهر جديد فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج
(طب عن أبي موسى) الأشعري
(3/155)
2998 - (أيما رجل قام إلى وضوئه) يحتمل
كونه بفتح الواو أي الماء ليتوضأ منه ويحتمل بالضم أي إلى
فعل الوضوء (يريد الصلاة) بذلك الوضوء (ثم غسل كفيه نزلت
خطيئته من كفيه مع أول قطرة) تقطر منهما قال القاضي: هو
مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وكذا يقال
فيما بعده وقال الطيبي: هذا وما بعده تمثيل وتصوير لبراءته
عن الذنوب كلها على سبيل المبالغة لكن هذا العام خص
بالتغاير (فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول
قطرة) تقطر منه (فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى
الكعبين سلم من كل ذنب هو له ومن كل خطيئة كهيئة (يوم
ولدته أمه) ويصير سالما من الذنوب مثل وقت ولادته (فإذا
قام إلى الصلاة) وصلاها (رفعه الله عز وجل بها درجة) أي
منزلة عالية في الجنة (وإن قعد) أي عن الصلاة أي لم يصلها
بذلك (قعد سالما) من الخطايا قال الطيبي: فإن قلت ذكر لكل
عضو ما يختص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك العضو والوجه
مشتمل على الأنف والفم فلم خصت بالذكر دونهما قلت العين
طليعة القلب ورائده وكذا الأذن فإذا ذكرا أغنيا عن سائرها
قال: والبصر واليد والرجل كلها تأكيدات تفيد مبالغة في
الإزالة واعلم أنه قد زاد في رواية للطبراني بعد غسل
اليدين إلى المرفقين فإذا مسح برأسه تناثرت خطاياه من أصول
الشعر والمراد بخطايا الرأس نحو الفكر في محرم وتحريك
الرأس استهزاء بمسلم وتمكين المرأة أجنبيا من مسه مثلا
والخيلاء بشعره والعمامة وإرسال العذبة فخرا وكبرا ونحو
ذلك <تنبيه> قال القصيري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل
يديه تطهيرهما من تناول ما أبعده عن الله ونفضهما مما
يشغله عنه وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال
الخبيثة وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوباته [ص:156]
وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يملكه ويهبطه من أعلا عليين
إلى أسفل سافلين وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع
الهوى ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله وتطهير
الأنف من الأنفة والكبر والعين من التطلع إلى المكروهات
والنظر لغير الله بنفع أو ضر واليدين تطهيرهما من تناول ما
أبعده عن الله والرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر
والقدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى
وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى
الفوز وهكذا ليصلح الجسد للوقوف بين يدي القدوس تعالى
(حم عن أبي أمامة) الباهلي قال المنذري: رواه أحمد وغيره
من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وقد حسبها
الترمذي لغير هذا المتن وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس
به
(3/155)
2999 - (أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله)
أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله (فبلغ) إلى العدو (مخطئا أو
مصيبا فله من الأجر كرقبة) أي مثل أجر نسمة (أعتقها من ولد
إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليه السلام (وأيما رجل شاب في
سبيل الله) أي في الجهاد أو في الرباط يعني من هول ذلك
ويحتمل أن المراد داوم على الجهاد حتى أسن (فهو له نور) أي
فالشيب نور له فإن قلت: ورد في غير ما خبر أن الشيب نور
لكل مؤمن فما الذي تميز به هذا المجاهد قلت: فالشيب في
نفسه نور لكل مؤمن كما في حديث فالحاصل لهذا الرجل نور على
نور (وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فكل عضو من المعتق) بكسر
التاء (بعضو من المعتق) بفتحها (فداء (1) من النار) أي
يجعله الله له فداء من نار جهنم والمرأة مثل الرجل (وأيما
رجل قام) أي هب من نومه أو تحول من مقعده (وهو) أي والحال
أنه (يريد الصلاة) يعني التهجد (فأفضى الوضوء إلى أماكنه
سلم من كل ذنب وخطيئة هي له فإن قام إلى الصلاة رفعه الله
بها درجة) أي منزلة عالية في الجنة (وإن رقد) بعد ذلك (رقد
سالما) من الذنوب والبلايا لحفظ الله له ورضاه عنه
(طب عن عمرو بن عبسة) بن عامر أو ابن خالد السلمي
_________
(1) بنصب فداء على الحال أو التمييز أو المفعول المطلق
والمراد مثل الرجل
(3/156)
3000 - (أيما وال ولي أمر أمتي بعدي (1)
أقيم على الصراط) أي وقف به على متن جهنم (ونشرت الملائكة
صحيفته) التي فيها حسناته وسيئاته (فإن كان عادلا نجاه
الله بعدله) أي بسبب عدله بين خليقته (وإن كان جائرا انتفض
به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله) أي تفارق كل مفصل
مفصل منه (حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة عام) يعني
بعدا كثيرا جدا فالمراد التكثير لا التحديد كما في نظائره
(ثم ينخرق به الصراط فأول ما يتقي به النار أنفه وحر وجهه)
لأنه لما [ص:157] خرق حرمة من قلده الله أمره من عباده
واستهان بهم وخان فيما جعل أمينا عليه ناسب أن ينخرق به
متن الصراط والجزاء من جنس العمل وهذا وعيد شديد وتهديد
ليس عليه مزيد والظاهر أن في الحديث تقديما وتأخيرا وأن
الانخراق به قبل تفرق أعضائه ثم تتفرق أعضاؤه من الهوى وقد
يقال هو على بابه ويكون المراد بالأعضاء اليدين والرجلين
خاصة
(أبو القاسم بن بشران في أماليه عن علي) أمير المؤمنين كرم
الله وجهه
_________
(1) قوله بعدي قيد بالبعدية لإخراج من ولي أمر أمته في
حياته من أمرائه فإنه لا يجري فيه التفصيل الآتي لأنهم
كلهم عدول
(3/156)
3001 - (أيما مسلم استرسل إلى مسلم) أي
استأنس واطمأن إليه (فغبنه) في بيع أو شراء أي غلبه بنقص
في العوض أو غيره (كان غبنه ذلك ربا) أي مثل الربا في
التحريم ومنه أخذ بعض الأئمة ثبوت الخيار في الغبن ومذهب
الشافعي رضي الله عنه لا حرمة ولا خيار لتفريط المشتري
بعدم الاحتياط
(حل عن أبي أمامة) ورواه عنه الطبراني أيضا باللفظ المزبور
وفيه موسى بن عمير القرشي الراوي عن مكحول قال الذهبي قال
أبو حاتم ذاهب الحديث
(3/157)
3002 - (أيما امرأة قعدت على بيت أولادها
فهي معي في الجنة) الظاهر أن المراد بقعودها عليهم تعزبها
ليتمهم وصبرها عن الرجال وعن التوسع في النفقة منهم لأجل
الأولاد وأن المراد بالمعية المعية في السبق إلى الجنة
بقرينة خبر أنا أول من يدخل الجنة لكن تبادرني امرأة فأقول
من أنت فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي وأما درجة
المصطفى صلى الله عليه وسلم فليس معه فيها أحد
(ابن بشران) في أماليه (عن أنس)
(3/157)
3003 - (أيما راع) أي حافظ مؤتمن على شيء
من أمور المسلمين وكل من وكل بحفظ شيء فهو راع ومعانيهم
مختلفة فرعاية الإمام وأمرائه ولاية أمور الرعية (لم يرحم
رعيته) بأن لم يعاملهم بالرحمة ولم يذب عنهم وأهمل أمرهم
وضيع حقهم (حرم الله عليه الجنة) أي دخولها قبل تطهيره
بالنار لأن الراعي ليس بمطلوب لذاته وإنما أقيم لحفظ ما
استرعاه فإذا لم يتصرف فيه بما أمر به فقد غش وخان فاستحق
دخول دار الهوان وهذا شامل حتى للرجل الذي هو من آحاد
الناس فإنه راع لعياله فإذا لم ينظر إليهم بالشفقة والعطف
والإحسان فهو داخل في هذا الوعيد الشديد نسأل الله الغفران
وأن يرضي عنا خصماءنا يوم الحساب والميزان
(خيثمة الطرابلسي في جزئه) الحديثي (عن أبي سعيد) الخدري
(3/157)
3004 - (أيما ناشئ نشأ في طلب العلم
والعبادة) تعميم بعد تخصيص (حتى يكبر (1)) أي يطعن في السن
(أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا)
بالتشديد أي مثل ثوابهم أجمعين. قال في الفردوس: النشئ
الأحداث الواحد ناشئ مثل خادم وخدم وأنشأ الرجل إذا ابتدأ
والنشئ ابتداع الشيء وابتداؤه اه. وظاهره أن هذا الثواب
الموعود إنما هو في علم شرعي قصد بطلبه وجه الله تعالى
(طب عن أبي أمامة) قال في الميزان: هذا منكر جدا اه. وقال
الهيثمي: فيه يوسف [ص:158] ابن عطية متروك الحديث
_________
(1) بفتح الباء الموحدة أي يطعن في السن ويموت على ذلك قال
في الصحاح: كبر بمعنى طعن في السن بكسر الباء في الماضي
وفتحها في المضارع وأما كبر بمعنى عظم فهو بضمها فيهما
(3/157)
3005 - (أيما قوم نودي فيهم بالأذان صباحا
كان لهم أمانا من عذاب الله تعالى) ذلك اليوم وتلك الليلة
(حتى يمسوا وأيما قوم نودي فيهم بالأذان مساء كان لهم
أمانا من عذاب الله تعالى حتى يصبحوا) أي يدخلوا في الصباح
والظاهر أن المراد بالعذاب هنا القتال بدليل خبر أنه صلى
الله عليه وسلم كان إذا نزل بساحة قوم فسمع الأذان كف عن
القتال ذلك اليوم
(طب عن معقل ابن يسار) قال الهيثمي: فيه أغلب بن تميم وهو
ضعيف
(3/158)
3006 - (أيما مال أديت زكاته) الشرعية
لمستحقيها (فليس بكنز (1)) فلا يدخل صاحبه بادخاره في قوله
تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل
الله فبشرهم بعذاب أليم}
(خط) من حديث عبد العزيز البالسي (عن جابر) أورده ابن
الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح قال أحمد: اضرب على حديث
عبد العزيز البالسي فإنه كذاب وقال موضوع
_________
(1) وإن دفن في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن
لم يدفن فيدخل صاحبه في آية والذين يكنزون
(3/158)
3007 - (أيما راع استرعى رعية) أي طلب منه
أن يكون راعي جماعة أي أميرهم (فلم يحطها) أي لم يحفظها
يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا حفظه وصانه وذب عنه
(بالأمانة والنصيحة) أي بإرادة الخير والصلاح (ضاقت عليه
رحمة الله التي وسعت كل شيء (1) يعني أنه يبعد عن منازل
الأبرار ويساق مع العصاة إلى النار فإذا طهر من دنسه شمله
الغفران وصلح إلى جوار الرحمن قال العارف ابن عربي:
فالحاكم خليفة الله فإن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما
هم فيه من فنون اللذات وميل الشهوات ولم ينظر في أحوال من
أمر النظر في أحواله من رعاياه فقد عزل نفسه عن الخلافة
بفعله ورمت به المرتبة وبقي عليه السؤال من الله والوبال
والخيبة وفقد الرياسة والسيادة وحرمه الله خيرها وندم حيث
لا ينفعه الندم
(خط عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب العبسي
_________
(1) بمعنى أنه يحرم منها وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير لأن
رحمة الله ترجى للعاصين
(3/158)
3008 - (أيما وال ولي شيئا من أمر أمتي)
أمة الإجابة (فلم ينصح لهم) في أمر دينهم ودنياهم (ويجتهد
لهم) فيما يصلحهم (كنصيحته وجهده) أي اجتهاده (لنفسه كبه
الله تعالى على وجهه يوم القيامة في النار) نار جهنم (1)
لأن الله تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم
النصيحة لهم لا لنفسه فلما قلب القضية استحق النار
الجهنمية
(طب عن معقل بن يسار) ضد اليمين
_________
(1) أي ألقاه الله فيها على وجه الإذلال والإهانة
والاحتقار وقد تدركه الرحمة فيعفى عنه
(3/158)
3009 - (أيما وال ولي على قوم فلان) لهم أي
لاطفهم بالقول والفعل (ورفق) بهم وساسهم بلطف (رفق الله
تعالى [ص:159] به يوم القيامة) في الحساب والعتاب ومن
عامله بالرفق في ذلك المقام فهو من السعداء بلا كلام والله
تعالى يحب الرفق في الأمر كله
(ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب عن عائشة) رضي الله عنها
(3/158)
3010 - (أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع)
بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس (فإن عليه
مثل أوزار من اتبعه) على ذلك (ولا ينقص من أوزارهم شيئا)
فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم
القيامة (وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع) بالبناء للمجهول
أيضا أي اتبعه قوم عليها (فإن له مثل أجور من اتبعه) منهم
(ولا ينقص من أجورهم شيئا) فإن من سن سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة
على الخير قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة} {وتعاونوا على البر والتقوى} {ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير} وفيه حث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير
من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به
(هـ عن أنس)
(3/159)
3011 - (أين الراضون بالمقدور) أي بما قدره
الله تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم قليل (أين
الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل
كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار
الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي
الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر {وما الحياة الدنيا
إلا متاع الغرور} والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال
وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا
يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه
ميل إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم
تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل:
أشد الغم عندي في سرور. . . تيقن عنه صاحبه انتقالا
ولست بمفراح إذا الدهر سرني. . . ولا جازع من صرفه المتقلب
وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في
معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار
التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في
الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض
له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا
(هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله
بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا)
(3/159)
3012 - (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في
الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن
تموت حتى تستوفي رزقها) {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في
الحياة الدنيا} (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا
فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا
بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه
والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات
يلوح لك صدق قول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونه. . . بؤس اللبيب وطيب عيش
الأحمق
قال الفخر الرازي: يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل
بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته {نحن [ص:160]
قسمنا بينهم معيشتهم} وقال الزمخشري: قيل لبزرجمهر: تعال
نتناظر في القدر قال: وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا
دل على باطن ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن
التدبير ليس للعباد وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من
الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن
أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم
كرر لك فقال (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي اطلبوا
الرزق طلبا رفيقا وبين كيفية الإجمال بقوله فيه (خذوا ما
حل) لكم تناوله (ودعوا) أي اتركوا (ما حرم) عليكم أخذه
ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقا قدر له
لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا
الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه والعبد أسير القدرة
سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل الله به فإنها إنما تكون
بالله والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر
باضطراره عالم بافتقاره والدنيا حجاب الآخرة ومن كشف عن
بصر قلبه رأى الآخرة بعين إيقانه ومن نظر إلى الآخرة زهد
في الدنيا إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد
العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال: إن لي نفسا
تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى
مناصب الآخرة
(هـ عن جابر)
(3/159)
3013 - (أيها الناس عليكم بالقصد) أي
الزموا السداد والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط (عليكم
بالقصد) كرره للتأكيد قال الحكماء: الفضائل هيئات متوسطة
بين فضيلتين كما أن الخير متوسط بين رذيلتين فما جاوز
التوسط خرج عن حد الفضيلة وقال حكيم للإسكندر: أيها الملك
عليك بالاعتدال في كل الأمور فإن الزيادة عيب والنقصان عجز
(فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما
والملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء فيورث الكلال
في الفعل والاعراض عنه وهذا مستحيل في حقه فإسناد الملال
إليه تقدس على طريق المشاكلة من قبيل {وجزاء سيئة سيئة
مثلها} أو هو محمول على غايته وهو الاعراض
(هـ ع حب عن جابر) بن عبد الله
(3/160)
3014 - (أيها الناس) قال ابن مالك في شرح
الكافية: إذا قلت أيها الرجل فأيها والرجل كاسم واحد وأي
مدعو والرجل نعت له ملازم لأن أي مبهم لا يستعمل بغير صلة
إلا في الجزاء والاستفهام وها حرف تنبيه فإذا قلت يا أيها
الرجل لم يصح في الرجل إلا الرفع لأنه المنادى حقيقة وأي
يتوصل به إليه وإن قصد به مؤنث زيدت التاء نحو {يا أيتها
النفس المطمئنة} (اتقوا الله) أي بالغوا في الخوف منه
باستحضار ما له من العظمة وإظهار نواميس العدل يوم الفصل
(فوالله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى) له (منه
يوم القيامة) (1) الذي يظهر فيه عدله أتم الظهور ويدين فيه
العباد بما فعلوا ولهذا لما سب رجل الحجاج عند الحسن فقال
مه فإن الله ينتقم للحجاج كما ينتقم منه
(عبد بن حميد عن أبي سعيد) الخدري
_________
(1) حيث لم يعف عنه المظلوم ولم تحفه العناية الإلهية
فيرضيه الله عنه وذكر المؤمن غالبي فمن له ذمة أو عهد أو
أمان كذلك
(3/160)
3015 - (أيها الناس لا تعلقوا علي بواحدة)
أي لا تأخذوا علي في فعل ولا قول واحد يعني لا تنسبوني
فيما أشرعه وأسنه [ص:161] كان وحيا إلهيا وحكما ربانيا أي
ما لم يقم دليل على أن ذلك من الخصوصيات (ما أحللت إلا ما
أحل الله تعالى وما حرمت إلا ما حرم الله تعالى) أي فإني
مأمور في كل ما آتيه أو أذره وقد فرض الله في الوحي اتباع
الرسول فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله {وما آتاكم الرسول
فخذوه} ومن رد فإنما رد على الله <تنبيه> قال العارف ابن
عربي: لو جاز أن يجيء الكاذب بما جاء به الصادق لانقلبت
الحقائق وتبدلت القدرة بالعجز ولاستند الكذب إلى حضرة العز
وهذا كله محال وغاية الضلال فما ثبت للواحد الأول يثبت
للثاني في جميع الوجوه والمعاني
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة)
(3/160)
3016 - (أيها المصلي وحده) أي المنفرد عن
الصف (ألا) هلا (وصلت إلى الصف فدخلت) معهم (أو جررت إليك
رجلا) من الصف ليصطف معك (إن ضاق بك المكان) أي الصف (فقام
معك) فصرتما صفا (أعد صلاتك) التي صليتها منفردا عن الصف
(فإنه لا صلاة لك) أي كاملة قاله لرجل رآه يصلي خلف القوم
والأمر بالإعادة للندب لا للوجوب
(طب عن وابصة) بكسر الموحدة وفتح المهملة ابن معبد رواه
عنه أبو يعلى وفيه مالك بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء
وقال ثقة ضعفه أبو داود عن السري بن إسماعيل قال يحيى:
استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك
(3/161)
3017 - (أيتها الأمة) أي أمة الإجابة (إني
لا أخاف عليكم فيما لا تعلمون) فإن الجاهل إذا لم يقصر
معذور (ولكن انظروا) أي تأملوا (كيف تعملون فيما تعلمون)
قال عيسى عليه الصلاة والسلام: مثل الذي يتعلم العلم ولا
يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت
وكذا من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس
الأشهاد وقال ابن دينار: إذا لم يعمل العالم بعلمه زلت
موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفاء وقال السقطي:
اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر فسألته
فقال: قيل لي في النوم كيف تضيع العلم ضيعك الله فقلت: إني
لا أحفظه قال: حفظه العمل به فتركت الطلب وأقبلت على العمل
(حل) من حديث الحسين بن جعفر القتات عن حميد بن صالح عن
فضيل عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه (عن أبي هريرة) ثم قال:
لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن عبيد الله بن
موهب المدني
(3/161)
3018 - (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء (عبد
زار أخا له في الله (1) نودي) من قبل الله على لسان بعض
ملائكته (أن طبت) في نفسك (وطابت لك الجنة ويقول الله عز
وجل عبدي زارني علي قراه) أي علي ضيافته (ولن أرضى لعبدي
بقرى دون الجنة) أضاف الزيارة إليه تعالى وإنما هي للعبد
المزور العاجز حثا للخلق على المؤاخاة في الله والتزاور
والتحابب فيه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن
زيارة المؤمن لأخيه في الله تعالى عيادة لله من حيث أنها
إنما فعلت لوجه الله فهو على المجاز والاستعارة فافهم.
[ص:162]
(ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن أنس)
_________
(1) وفي العزيزي في بالفاء كما في كثير من النسخ
(3/161)
3019 - (أي) بفتح الهمزة وتخفيف الياء
مقلوب يا وهو حرف نداء ذكره أبو البقاء (أخي) ناداه نداء
تعطف وشفقة ليكون أدعى إلى الإمتثال والقبول {ادع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (إني موصيك بوصية (1)
فاحفظها) عني (لعل الله أن ينفعك بها) أي باستحضارها
والعمل بمضمونها (زر القبور) أي قبور المؤمنين لا سيما
الصالحين (تذكر بها) أي بزيارتها أو مشاهدة القبور
والاعتبار بحال أهلها (الآخرة) لأن من رأى مصارع من قبله
وعلم أنه عما قريب صائر إليهم حركه ذلك لا محالة إلى تذكر
الآخرة قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله بالليل؟ قال: لا
(بالنهار) لما في الليل من مزيد الاستيحاش ولعل هذ لغير
الكاملين أما من أنسه ليس إلا بالله ووحشته ليست إلا من
الناس فهما في حقه سيان بشهادة خروج المصطفى صلى الله عليه
وسلم إلى البقيع ليلا يستغفر لأهله وتكون الزيارة (أحيانا)
لا في كل وقت (ولا تكثر) منها لئلا تتعطل عن مهماتك
الأخروية والدنيوية قال السبكي: وزيارتها أقسام أحدها
لمجرد رؤيتها بغير معرفة بأصحابها ولا قصد استغفار لهم ولا
تبرك بهم ولا أداء حق لهم وهو مستحب لهذا الخبر الثاني
الدعاء لهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع
وهو مستحب لكل ميت مسلم الثالث للتبرك إذا كانوا صلحاء قال
السارمساجي المالكي: وذلك في غير قبر بني بدعة وفيه نظر
الرابع لأداء حقهم فمن له حق على إنسان يبره بزيارته ومنه
زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فينبغي ذلك رحمة
للميت ورقة وتأنيسا والآثار في انتفاع الموتى بزيارة
الأحياء وإدراكهم لها لا تحصى (واغسل الموتى فإن معالجة
جسد خاو) أي فارغ من الروح (عظة بليغة) وأعظم بها من عظة
قال الذهبي: هو دواء للنفوس القاسية والطباع المتكبرة وقيل
لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلة الأموات
وقال بعضهم: لنا من كل ميت نشاهده عظة بحاله وعبرة بمآله
والموعظة بفتح الميم الوعظ وهي التذكير بالعواقب وقال
بعضهم: الموعظة التذكير بالله وتليين القلوب بالترغيب
والترهيب (وصل على الجنائز) من عرفت منهم ومن لم تعرف (لعل
ذلك يحزن قلبك فإن الحزين في ظل الله تعالى) أي في ظل عرشه
أو تحت كنفه (معرض لكل خير وجالس المساكين) أي والفقراء
إيناسا لهم وجبرا لخواطرهم (وسلم عليهم) أي ابتدئهم
بالسلام (إذا لقيتهم) في الطرق وغيرها (وكل مع صاحب البلاء
تواضعا لله تعالى) بمؤاكلته (وإيمانا به) أي تصديقا بأنه
لا يصيبك من ذلك البلاء إلا ما قدر عليك في الأزل وأنه لا
عدوى ولا طيرة وهذا خوطب به من قوي توكله كما خاطب بقوله
فر من المجذوم من كان ضعيف التوكل فالتدافع مدفوع (والبس
الخشن الضيق من الثياب) من نحو قميص وجبة وعمامة (لعل العز
والكبرياء لا يكون لهما فيك مساغ وتزين أحيانا) بالملابس
الحسنة (لعبادة ربك) كما في الجمعة والعيدين (فإن المؤمن
كذلك يفعل) أي يلبس الخشن حتى إذا جاء موسم من المواسم
الإسلامية [ص:163] أو اجتماع لعبادة تزين (تعففا) أي
إظهارا للعفة على الناس (وتكرما) عليهم (وتجملا (2)) بينهم
حتى يدفع عنه سمة الفقر ورثاثة الهيئة (ولا تعذب شيئا مما
خلق الله بالنار) فإنه لا يعذب بالنار إلا خالقها وإذا
قتلتم فأحسنوا القتلة وهذا هو المقام الذي درج عليه جمهور
الأولياء والعاقل من تبعهم في ذلك فإن قيل إن بعض الصحب
كان يلبس الحلة بخمس مئة دينار ولبس طاوس اليماني بردة
بسبعين دينارا ولبس الشافعي حلة بألف دينار كساها له محمد
بن الحسن لما ورد بغداد ومعلوم أن هؤلاء موصوفون بكمال
الزهد فالجواب أنهم لم يفعلوه رغبة في الدنيا بل اتفاقا أو
بيانا لامتهانهم إياها أو عملا برخصة الشارع أحيانا فإنه
يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقد قال بعض
العارفين: إذا أحكم العبد مقام الزهد لم يضره ما لبس وأكل
<فائدة> أخبرنا والدي الشيخ تاج العارفين المناوي الشافعي
قال: حدثنا الشيخ الصالح زين الدين معاذ قال: حدثنا شيخ
الإسلام بقية المجتهدين الأعلام شرف الدين يحيى المناوي من
حفظه ولفظه إملاء عن المحقق الحافظ أبي زرعة القرافي عن
قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن أحمد بن عساكر عن زينب
الشقرية عن علامة الإسلام أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد
الزمخشري لنفسه:
ليس السيادة أكماما مطرزة. . . ولا مراكب يجري فوقها الذهب
وإنما هي أفعال مهذبة. . . ومكرمات يليها العقل والأدب
وما أخو المجد إلا من بغى شرفا. . . يوما فهان عليه النفس
والسلب
وأفضل الناس حر ليس يغلبه. . . على الحجى شهوة فيه ولا غضب
(ابن عساكر) في ترجمة أبي ذر (عن أبي ذر) وفيه موسى بن
داود أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول ويعقوب ابن
إبراهيم لا يعرف عن يحيى بن سعيد عن رجل مجهول
_________
(1) أي بليغة عظيمة النفع لمن فتح الله قفل قلبه وجعل
خليفته مستقيمة وأذنه سميعة
(2) يحتمل أنه بالحاء المهملة أي تحملا عنهم مؤونة مواساته
ويحتمل بالجيم أي تجملا في الملبس للتحدث بالنعمة
(3/162)
3020 - (أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا)
أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعد (1) وكان صلى الله عليه
وسلم واقفا على شفير قبر وبكى حتى بل الثرى وإذا كان هذا
حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا؟ والعجب كل العجب
من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل
والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من
سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به
الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف
من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل
خصوصا الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر
وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير ولله در
حسان رضي الله عنه حيث يقول:
تخير خليلا من فعالك إنما. . . قرين الفتى في القبر ما كان
يفعل
(تتمة) حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم
بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون
إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال: يا أبا سعيد يزعم
الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال: من خيرهم
ومن شرهم قال: يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال: ما أنا
بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال: شهادة
أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال: نعم والله العدة ثم
قال الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني. . . أشد من القبر التهابا
وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد. . . عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
[ص:164]
(حم هـ عن البراء) بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس على شفير قبر فبكى ثم
ذكره قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه: إسناده حسن وفيه
محمد بن مالك أبو المغيرة قال في الميزان: قال ابن حبان لا
يحتج به ثم أورد له هذا الخبر
_________
(1) أي فليتخذ عدة تنفعه في بيت الظلمة والوحشة وهو العمل
الصالح
(3/163)
3021 - (أيحسب) الهمزة للإنكار (أحدكم) فيه
حذف تقديره أيظن أحدكم (إذا كان يبلغه الحديث عني) حال
كونه (متكئا على أريكته (1) أي سريره أو فراشه أو منصته
وكل ما يتكؤ عليه فهو أريكة قال القاضي: الأريكة الحجلة
وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس جمعها أرائك وقال
الراغب: سميت به إما لكونها متخذة من الأراك أو لكونها
مكانا للإقامة وأصل الأراك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز
به في غيره من الإقامات قال البغوي: أراد بهذه الصفة أصحاب
الترفه والدعة الذين لزموا البيوت وقعدوا عن طلب العلم
وقال المظهر: أراد بالوصف التكبر والسلطنة (أن الله تعالى
لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن (2)) هذا من تتمة مقولة
ذلك الإنسان أي قد يظن بقوله بيننا وبينكم كتاب الله أن
الله لم يحرم إلا ما في القرآن وما ذكر من أن سياق الحديث
هكذا هو ما وقع للمصنف عازبا لأبي داود وقد سقطت منه لفظة
وأصله أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم
شيئا هكذا هو ثابت في رواية أبي داود فسقط من قلم المؤلف
لفظ يظن قال بعض شراح أبي داود وقوله يظن بدل من يحسب بدل
الفعل من الفعل كقول الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا. . . تجد حطبا جزلا ونارا
تأججا
فقوله تلمم بدل من تأتنا لأن الإلمام نوع من الإتيان (ألا)
يعني تنبهوا لما ألقيه عليكم (وإني والله قد أمرت) بفتح
الهمزة والميم (ووعظت) ومتعلق الأمر والوعظ محذوف أي أمرت
ووعظت بأشياء (ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن) بكسر
الميم وسكون المثلثة وتفنح أي قدره (أو أكثر) وهي في
الحقيقة مستمدة مني فإنها بيان له {وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس} قال المظهر: أو في قوله أو أكثر ليست للشك
لترقبه الزيادة طورا بعد طور ومكاشفة لحظة فلحظة فكوشف له
أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله ثم كوشف بالزيادة
متصلا به قال الطيبي: مثلها في قوله تعالى {مئة ألف أو
يزيدون} (وإن الله تعالى لم يحل لكم) بضم الياء وكسر الحاء
(أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب) أي أهل الذمة (إلا بإذن) منهم
لكم صريحا وفي معنى بيوتهم متعبداتهم من نحو كنيسة وبيعة
(ولا ضرب نسائهم) أي ولا يحل لكم ضرب أحد نسائهم لأخذ
الطعام أو غيره قهرا أو لتجامعوهن فلا تظنوا أن نساء أهل
الذمة حل لكم كنساء الحربيين (ولا أكل ثمارهم) أي ونحوها
من كل مأكول (إذا أعطوكم الذي عليهم) من جزية وغيرها
والحديث كناية عن عدم التعرض لهم بالإيذاء في أهل أو مسكن
أو مال إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية وإنما [ص:165] وضع
قوله الذي عليهم موضع الجزية إيذانا بفخامة العلة وفيه
وجوب طاعة الرسول وقد نطق به التنزيل قال الطيبي: وكلمة
التنبيه مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية معطية معنى
تحقق ما بعدها ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها
إلا مصدرا بما يصدر به جواب القسم وشقيقتها أما وتكررها
يؤذن بتوبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة
والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا مع الكتاب فكيف
بمن رجح الرأي على الحديث؟ قيل وما أوتيه غير القرآن على
أنواع: أحدها الأحاديث القدسية التي أسندها إلى رب العزة.
الثاني ما ألهم. الثالث ما رآه في النوم. الرابع ما نفث
جبريل عليه السلام في روعه أي في قلبه في غير ما موضع
(د) في الخراج (عن العرياض) بكسر العين المهملة وفتح
التحتية ابن سارية السلمي بضم المهملة قال: نزلنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم خيبر وكان صاحبها ماردا متكبرا فقال:
يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا
نساءنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمر ابن عوف أن
يركب فرسا وينادي إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وإن اجتمعوا
للصلاة فاجتمعوا فصلى بهم فذكره قال المناوي رحمه الله:
فيه أشعث بن شعبة المصيصي فيه مقال
_________
(1) في النهاية: الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر ولا
يسمى منفردا أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو
فراش أو منصة اه. قال ابن رسلان: ويترجح هذا هنا فإنهم
كانوا في غزوة خيبر ولم تكن الحجلة موجودة عليه وهي بفتح
الحاء والجيم بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار
(2) ليس بظاهر بل المقول محذوف أي فيقول بيننا وبينكم كتاب
الله إن الله لم يحرم إلخ
(3/164)
3022 - (أيمن امرئ وأشأمه) أي أعظم ما في
جوارح الإنسان يمنا أي بركة وأعظم ما فيها شؤما أي شرا (ما
بين لحييه) وهو اللسان واللحيان بفتح اللام وسكون المهملة
العظمان اللذان بجانبي الفم فقوله أيمن بضم الميم من اليمن
وهو البركة وأشأم بالهمزة بعد الشين من الشؤم وهو الشر وقد
مر مرارا أن أكثر خطايا ابن آدم من اللسان وأن الأعضاء
كلها تكفره وأنه إن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت فهو
المتبوع والإمام في الخير والشر
(طب عن عدي بن حاتم)
(3/165)
|