فيض القدير شرح الجامع الصغير

حرف الراء

(3/573)


4359 - (رأت أمي) سيدة نساء بني زهرة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي (حين وضعتني) هذه رؤيا عين والرؤيا في الحديث الذي عقبه رؤيا نوم نبه عليه المصنف وبه يعرف أنه كان ينبغي له عكس هذا الترتيب (سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى) بموحدة مضمومة بلد من أعمال دمشق وخصت بذلك النور إشارة إلى أنها أول ما يفتح من بلاد الشام وقد وقع وأما جواب ابن رجب بأنه إشارة إلى بلوغ ملكه ذلك الموضع وأنه لا ينافي الزيادة عليه فغير ناهض وفي الروض الأنف أن خالد بن سعيد بن العاص رأى قبيل المبعث نورا خرج من زمزم حتى ظهرت له نخيل يثرب فقصها على أخيه فقال: إنها حفيرة عبد المطلب وهذا النور منهم. قال جمع: ولم يلد أبواه غيره <تنبيه> الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعا لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعا
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي العجفاء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم السلمي البصري هرم بن شيب وقيل بالعكس وقيل بصاد بدل السين المهملة وصنيع المصنف يصرح بأنه صحابي وهو وهم وإنما هو تابعي كبير روى عن عمر وغيره وثقه بعضهم وقال البخاري: في حديثه نظر

(3/573)


4360 - (رأت أمي) في المنام (كأنه خرج منها نور) لأنها حين حملت به كانت ظرفا للنور المنتقل إليها من أبيه (أضاءت منه) أي من ذلك النور (قصور الشام) فأول بولد يخرج منها يكون كذلك وذا النور إشارة لظهور نبوته ما بين المشرق والمغرب واضمحلال ظلمة الكفر والضلال. قال في اللطائف: هذا النور إشارة إلى ما جاء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به الشرك وخصت به الشام لأنها دار ملكة ومحل سلطانه وفي وصفه في الكتب السابقة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجرته يثرب وملكه بالشام
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أمامة) قال ابن حجر: صححه ابن حبان والحاكم

(3/573)


[ص:574] 4361 - (رأس الحكمة مخافة) وفي رواية خشية (الله) أي أصلها وأسها الخوف منه لأن الحكمة تمنع النفس عن المنهيات والشهوات والشبهات ولا يحمل على العمل بها إلا الخوف منه تعالى فيحاسب النفس على كل خطرة ونظرة ولذة ولأن الخشية تدعوه إلى الزهد في الدنيا فيفرغ قلبه فيعوضه الله في قلبه حكمة ينطق بها فالخوف سبب وأصل لورود الحكم والحكمة العلم بأحوال الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ويطلق على المعلومات وعلى أحكام الأمور وسلامتها من الآفات وعلى منع النفس من الشهوات وغير ذلك وأوثقها العمل بالطاعات بحيث يكون خوفه أكثر من رجائه فيحاسب على كل خطرة ونظرة ومخافة الله آكد أسباب النجاة (1) قيل: وجد حكيمين وفي يد أحدهما رقعة فيها إن أحسنت كل شيء فلا تطمئن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله وتخافه وتعلم أنه مسبب الأسباب وفي يد الآخر كنت فبل أن أعرف الله أشرب وأظمأ حتى عرفته رويت بلا شرب
(الحكيم) الترمذي (وابن لال) أبو بكر في المكارم والقضاعي في الشهاب (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه
_________
(1) قال الغزالي: وقد جمع الله للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وناهيك بذلك فقال تعالى: {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} {رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه}

(3/574)


4362 - (رأس الدين) أي أصله وعماده الذي يقوم به (النصيحة) قيل: لمن؟ قال: (لله ولدينه ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة) جعل النصيحة للكل رأسا لأن من نصح بعضا مما ذكر وترك بعضا لم يعتد بنصحه فكأنه غير ناصح للكل. قال في الكشاف: والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد
(سمويه طس عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات قال: رديء الحفظ قال الذهبي: فلم يصنع ابن حبان جيدا وقال الهيثمي: فيه أيوب بن سويد ضعف لا يحتج به قال العلائي: وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد

(3/574)


4363 - (رأس الدين الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثباته الورع بالكف عن أسباب التوسع في الأمور الدنيوية صيانة لدينه وحراسة لعرضه ومروءته والمتورع دائم المراقبة للحق حذرا من مزح حق بباطل وبذلك قوام الدين ونظامه يعني أن قضية الدين استعمال التورع فمن أهمله فلا كمال لدينه فإن من تعداه يوشك أن يقع في حيز الباطل. قال يحيى بن معاذ: كيف يكون زاهدا من لا ورع له؟ تورع فيما ليس لك ثم ازهد فيما لك
(عد عن أنس) بن مالك

(3/574)


4364 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس) وفي بعض التفاسير عن ابن جرير مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسيطا وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء وقال الحسن: سأل موسى ربه جماعا من العمل فقيل له: انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحبهم به <تنبيه> قال بعضهم: من أسباب التأليف المطلوب شرعا وهو عمدة في التحبب والتودد الذي هو رأس العقل والتهنئة بنحو الأعياد والشهور وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف: بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني
(طس عن علي) [ص:575] أمير المؤمنين وهو حديث آل البيت عن آبائهم إلى علي

(3/574)


4365 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى البيت) أي التسبب في محبتهم لك بالبشر والطلاقة والهدية والإحسان ونحو ذلك وتمامه في غير ترك الحق هكذا ساقه الديلمي وغيره وهو قيد معتبر فحذف المصنف له غير صواب اللهم إلا أن تكون رواية. قال بعض العارفين: علامة العاقل أربعة لا يتنكر من المصائب ولا يتخذ عمله رياء ويحتمل أذى الخلق ولا يكافئهم ويداري العباد على تفاوت أخلاقهم
(البزار) في مسنده عن أبي هريرة قال الهيثمي: وفيه عبيد الله بن عمر القيسي وهو ضعيف (هب) من حديث هشيم عن علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي: لم يسمعه هشيم بن علي وهذا حديث يعرف بأشعث بن براق عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلسه هشيم اه وأعاده مرة أخرى وقال: في هذا الإسناد ضعف
(رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس - طس عن علي)

(3/575)


4366 - (رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر) ولهذا قال الحكماء: اتسعت دار من يداري وضاقت أسباب من يماري وقال ابن أبي ليلى: أما أنا فلا أماري صاحبي فإما أن أغضبه وإما أن أكذبه قال في شرح الرسالة العضدية: والتودد طلب مودة الأكفاء والأمثال وأهل الفضل والكمال وأنشد:
فإذا أردت مودة تحظى بها. . . فعليك بالأكفاء والأمثال
قال: ومودة الأراذل تورث ذلة ومودة العلماء تورث عزا <فائدة> قال العسكري: ما من حديث صحيح إلا أصله في القرآن فقيل له: فحديث رأس العقل إلخ أين هو في القرآن قال: {واهجرهم هجرا جميلا}
(هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن أهل البيت أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له نسخة باطلة وعلي بن موسى الرضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له عجائب عن أبيه عن جده ورواه عن علي أيضا بالفظ المزبور الطبراني في الأوسط والجعاني في تاريخ الطالبين

(3/575)


4367 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) قالوا: معنى التودد في هذه الأخبار الإتيان بالأفعال التي تودك الناس ويحبونك لأجلها كما يشير إليه خبر ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس فمن فعل ذلك وده الناس لكن لا يريد بذلك محبتهم له بل يفعله لله لوجوب حق العباد لا لمطالبة الود منهم وإذا فعله لله أودع الله وده في قلوبهم بوده تعالى له {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} (وأهل التودد في الدنيا لهم درجة في الجنة) أي منزلة عالية فيها معدة لهم (ومن كانت له في الجنة درجة فهو في الجنة) ولهذا قال علي كرم الله وجهه: إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين عاقل يمكر بكم أو جاهل يعجل عليكم بما ليس فيكم وقال بعض الحكماء: من سمع كلمة فسكت عنها سقط عنه ما بعدها ومن أجاب عنها سمع ما هو أغيظ منها وقال الماوردي: التودد يعطف القلوب على المحبة ويزيل البغضاء ويكون ذلك بصنوف من البر ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فإن ذلك من سمات الفضل وشروط التودد فإنه ما أحد يعدم عدوا ولا يفقد حاسدا وبحسب وفور النعمة تكثر الأعداء والحسدة ومن أغفل تألف الأعداء وودادهم مع وفور النعمة وظهور الحسد توالي عليه من مكر حليمهم وبادره سفههم ما تصير به النعمة عذابا [ص:576] والدعة ملاما (ونصف العلم حسن المسألة) أي حسن سؤال الطالب للعلم فإنه إذا أحسن أن يسأله أقبل عليه العالم بشراشره وألقى إليه ما في سرائره فكأنه حاز نصف العلم من أول الطلب وكما أن حسن السؤال محمود في الأمور الدينية. فكذا في الدنيوية قال عبد الملك بن صالح للرشيد: أسألك بالقرابة والخاصة؟ أم بالخلافة والعامة؟ فقال: بل الأولى. قال: يداك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة فأعطاه وأجزل. وقال ابن زائدة لمعاوية: لم أزل أمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل: احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس العجب أن تفعل بل العجب أن لا تفعل فاستفهمه حاجته فقضاها (والاقتصاد في المعيشة نصف العيش يبقي) بضم أوله (نصف النفقة وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من) رجل (مخلط) لا يتوقى الشبهات ومن ثمة قال إياس بن معاوية: كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء قال بعض العارفين: والورع اجتناب ما يفسد أنواع القربات ويكدر صفاء المعاملة وحقيقته توقي كل ما يحذر منه وغايته تدقيق النظر في طهارة الإخلاص من شائبة الشرك الخفي (وما تم دين إنسان قط حتى يتم عقله) ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف له عبادة إنسان سأل عن عقله (والدعاء يرد الأمر) أي يرد القضاء المبرم كما صرح به في الرواية السابقة (وصدقة السر تطفئ غضب الرب) كما سبق توجيهه (وصدقة العلانية تقي ميتة السوء (1) وصنائع المعروف إلى الناس تقي صاحبها مصارع السوء) كما سبق (الآفات) يدل مما قبله أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الآفات (والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة وقيل أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ذكره ابن الأثير (والمعروف) وفي نسخة والعرف (ينقطع فيما بين الناس) أي ينقطع الثناء منهم على فاعله به (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من افتعله) وهذه أحاديث عدة مر أكثرها ويجئ منها فتداخلت في هذا الحديث واجتمعت فيه وهي كثيرة الفوائد جليلة العوائد
(الشيرازي) بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتية نسبة إلى شيراز قصبة فارس ودار الملك بها (في) كتاب (الألقاب هب) من حديث إسماعيل بن يحيى العسكري ولقبه سمعان عن إسحاق العمي عن يونس بن عبيد عن الحسن (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بما نصه: هذا إسناد ضعيف والحمل فيه على العسكري أو العمي اه ورواه الحاكم وأبو نعيم والديلمي ثم قال: وفي الباب علي أمير المؤمنين
_________
(1) بكسر الميم وفتح السين الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الموت مما لا تحمد عاقبته

(3/575)


[تابع حرف الراء]

(4/1)


4368 -[ص:2] (رأس العقل المداراة) قال ابن الأثير: غير مهموز ملاينة الناس وحسن صحتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك أو يؤذوك وقد يهمز ومن ثم قيل: اتق معاداة الرجال فإنك لا تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم وينبغي الاعتناء بمداراة العدو أكثر فقد قيل:
ألقى العدو بوجه لا قطوب به. . . يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأحزم الناس من يلقى أعاديه. . . في جسم حقد وثوب من مسرات
قال الماوردي: لكن ينبغي مع تألفه أن لا يكون له راكنا وبه واثقا بل يكون منه على حذر ومن مكره على تحرز فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل وجبلة لا تزول وإنما يستكف بالتأليف إظهارها ويستدفع به إضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يبيد (وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) قال ابن الأثير: روي عن ابن عباس في معناه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة لهم معروفهم وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها فإن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخله الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة وفيه أن المداراة محثوث عليها أي ما لم تؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة كما في الكشاف
(هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه: وصله منكر وإنما يروى منقطعا اه وفيه محمد بن الصباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول وحميد بن الربيع فإن كان هو الخراز فقد قال ابن عدي: يسرق الحديث أو السمرقندي فمجهول وعلي بن زيد بن جذعان ضعفوه

(4/2)


4369 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) مع حفظ الدين قال الغزالي: فعلى من ابتلى بمخالطة الناس مداراتهم ما أمكن ويقطع الطمع عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع خائب غالبا وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله عليها وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عداوة وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق تطلب العيوب وقل لعله قصر لعذر لم أطلع عليه وإذا أخطأوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداء إلا أن تعلق بإثم يفارقونه عن جهل فاذكر الحق بلطف بغير عنف ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لم لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم فإن أشد الناس حماقة من يزكي نفسه (وما يستغني رجل عن مشورة) فإن من اكتفى برأسه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن ثم قال حكيم: المشورة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معها رأي ولا يفقد معها حزم وقال بعض الحكماء: الخطأ مع الاسترشاد أجمل من الصواب مع الاستبداد (وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة) فإن الدنيا مزرعة الآخرة وأحكام الآخرة مترتبة على أحكامها كما سبق <تنبيه> قال ابن عربي: الناس أحوالهم بعد موتهم على قدر ما كانوا عليه في الدنيا للتفرغ لأمر ما معين أو مختلف على قدر ما تحققوا به وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا [ص:3] غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا عزا في نفسه وإما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غيره فلا يبالي في أي مقام وفي أي حال أقام عنده في ظاهره إنما المعتبر حاله في نفسه ذكر القشيري أن رجلا دفن رجلا ونزع الكفن عن خده ووضعه على التراب فقال له الميت: يا هذا أتذلني بين يدي من أعزني ورأيت أنا مثل ذلك أن صاحبي الحسن هاب غاسله أن يغسله ففتح عينه في المغسل وقال له: اغسل فلا فرق بين الحياة والموت <فائدة> أخرج العسكري عن سفيان بن عيينة قال: ما من حديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم صحيح إلا وأصله في القرآن فقيل: يا أبا محمد قوله رأس العقل بعد الإيمان المداراة أين المداراة في القرآن قال: قوله تعالى {واهجرهم هجرا جميلا} فهل الهجر الجميل إلا المداراة ومن ذلك {ادفع بالتي هي أحسن} {وقولوا للناس حسنا} {ولمن صبر وغفر} وغير ذلك
(هب عن سعيد بن المسيب مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب: مرسل وضعيف وقال ابن الجوزي: متن منكر وأقول فيه محمد بن عمرو وأبو جعفر قال الذهبي: مجهول ويحيى بن جعفر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين وقال: مجهول وزيد بن الحباب قال في الكاشف: لم يكن به بأس وقد يتهم والأشعث بن نزار ضعفوه وعلي بن زيد بن جذعان قال أحمد وغيره: ليس بشيء وبه يعرف أن إسناده عدم مع كونه مرسلا

(4/2)


4370 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس) أي أشرف ما دل عليه نور العقل بعد الإيمان بالله بمشاهدة عظمة الله وعزته وعقل نفسه عن السكون إلى غير الله مداراة الناس أي ملاينتهم وملاطفتهم ومن المداراة أن لا يذم طعاما ولا ينهر خادما ولا يطمع في تغيير شيء من جبلات الناس إلا ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة ومن ثمة قيل: اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل: من صحت مودته احتملت جفوته وقيل: إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء:
لما عفوت ولم أحقد علي أحد. . . أرحت نفسي من حمل العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته. . . لأدفع الشر عني بالتحيات
وأحسن البشر للإنسان أبغضه. . . كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات
ولست أسلم ممن لست أعرفه. . . فكيف أسلم من أهل المودات
الناس داء دواء الناس تركهم. . . وفي الجفاء لهم قطع الأخوات
فخالط الناس واصبر ما بليت بهم. . . أصم أبكم أعمى ذا تقيات
ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري: أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلا وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي: من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل: من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند الله وجيها مشفقا كما في الدنيا وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم [ص:4] يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى {فقولا له قولا لينا} وقال تعالى {وأعرض عن الجاهلين} قال الحليمي: ولم يكمل علم حسن المعاشرة إلا للمعصوم فإن غيره إن ضبط شيئا أغفل بإزائه غيره
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلا)

(4/3)


4371 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف: لا سؤدد لسيء الخلق وودع بعض العارفين أخا له عند سفره فقال له: عظني. فقال:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه. . . ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل
<فائدة> قال في الإحياء: ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح
(فر عن أنس) وفيه يحيى بن راشد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه النسائي

(4/4)


4372 - (رأس الكفر) وفي رواية رأس الفتنة أي منشؤه ذلك وابتداؤه يكون (نحو) بالنصب لأنه ظرف مستقر في محل رفع خبر المبتدأ (بالمشرق) وفي رواية للبخاري قبل المشرق أي أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل: قتل فيها خمس مئة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق وقال ابن العربي: إنما ذم المشرق لأنه كان مأوى الكفر في ذلك الزمن ومحل الفتن ثم عمه الإيمان وأيا ما كان فالحديث من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع قال ابن حجر: وهو إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة للمدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم ثم استمرت الفتن بعد البعثة من تلك الجهة (والفخر) بفتح الخاء ادعاء الشرف والعظمة (والخيلاء) بضم ففتح الكبر واحتقار الناس (في أهل الخيل والإبل والفدادين) بشد الدال وتخفف جمع فدان البقر التي يحرث عليه أو آلة الحرث والسكة فعلى التشديد فهي جمع فداد وهو من يعلو صوته في نحو خيله والفديد الصوت الشديد وعلى التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف وأيد الأول برواية وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر ووجه ذمهم شغلهم بما هم فيه عن أمر دينهم (أهل الوبر) بالتحريك أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر (والسكينة) فعيلة من السكون ذكر الصغاني أنها بكسر السين وهي الوقار والتواضع أو الطمأنينة والرحمة (في أهل الغنم) لأنهم دون أهل الوبر في التوسع والكثرة وهما سبب للفخر والخيلاء أو أراد بهم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم
(مالك) في الموطأ (ق عن أبي هريرة)

(4/4)


4373 - (رأس هذا الأمر) أي الدين أو العبادة أو الأمر الذي سأل عنه السائل (الإسلام) أي النطق بالشهادتين فهو من جميع الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فلا أثر لسائر الأمور بدونه كما لا أثر لحياة الحيوان بدون رأسه ففيه استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية (ومن أسلم سلم) في الدنيا بحقن الدم وفي الآخرة [ص:5] بالفوز بالجنة إن صحبه إيمان (وعموده) الذي يقوم به ويعتمد عليه هو (الصلاة) فإنها المقيمة لشعار الدين الرافعة لمنار الإسلام كما أن العمود هو الذي يقيم البيت فهي العمل الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر (وذروة) بضم أوله وكسره قيل: وفتحه أيضا (سنامه) ذروة كل شيء أعلاه والسنام ما ارتفع من ظهر البعير (الجهاد) فهو أعلا أنواع العبادات من حيث إن به ظهور دين المؤمنين ومن ثم كان لا يناله إلا أفضلهم دينا وليس ذلك لغيره من العبادات فهو أعلا من هذه الجهة وإن فضله غيره من جهات أخر شبه الأمر المذكور بفحل إبل وخصها لكونها خيار أموالهم وببيت قاتم على عمد ثم ذكر ما يلائم المشبه به وهو الرأس والعمود والسنام وفيه إشارة إلى صعوبة الجهاد وعلو شأنه وتفوقه على جميع الأعمال كيف وهو يتضمن بذل النفس والمال <تنبيه> قال ابن الزملكاني: قد استبان من هذا ونحوه أن العبادات والقربات فيها أفضل ومفضول وقد دل على ذلك المعقول والمنقول ومنها ما يوصل إلى المقام الأسنى لكن قد يعرض للمفضول ما يكسبه على غيره فضلا فليفصل ذلك ليتخذه أصلا فإن العبادة تفضل تارة بحسب زمانها وأخرى بحسب مكانها وطورا بحسب حال المتصف بها وآونة بمقتضى سببها ومرة تترجح لعموم الانتفاع وأخرى بوقوعها في بعض الأزمة أو البقاع كما مر في خبر أفضل الأعمال ونحوه والحاصل أن العبادة تكون فاضلة ومفضولة باعتبارين مختلفين كما يصير فرض الكفاية في بعض الأحوال فرض عين
(طب عن معاذ) بن جبل

(4/4)


4374 - (راصوا الصفوف) أي تلاصقوا وضاموا أكتافكم بعضها إلى بعض حتى لا يكون بينكم فرجة تسع واقفا أو يلج فيها مار (فإن الشيطان يقوم في الخلل) الذي بين الصفوف ليشوش صلاتكم ويقطعها عليكم. قال القاضي: والرص ضم الشيء إلى الشيء. قال الله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص} فالتراص في الصفوف هو التداني والتقارب يقال رص البناء إذا ضم بعضه إلى بعض
(حم عن أنس) قال الهيثمي: رجاله موثقون اه. ومن ثم رمز المصنف لصحته

(4/5)


4375 - (راصوا صفوفكم) أي صلوها بتواصل المناكب (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم (وحاذوا بالأعناق) (1) بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق أنفسها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه ذكره القاضي. وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته: فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف بحاء مهملة وذال معجمة ووهم من قال بمعجمتين غنم سود صغار فكأن الشيطان يتصغر حتى يدخل في تضاعيف الصف قال الزمخشري: سميت به لأنها محذوفة عن المقدار الطويل
(ن عن أنس) رمز المصنف لصحته وظاهر اقتصاره على النسائي أنه تفرد بإخراجه عن الستة وإلا لذكره كعادته وليس كذلك فقد رواه أبو داود في الصلاة باللفظ المزبور
_________
(1) [وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى " المحاذاة " المراد في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء ومنهم الإمام المناوي في شرحه المذكور أعلاه: جعلها على سمت وخط واحد وليس المراد " إلصاقها " ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق
هذا ومع أنه لم يرد الأمر لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الخلفاء الراشدين ولا من الأئمة المجتهدين " بإلصاق " الأقدام فإنا نرى من يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف
ورغم حسن نية من يتبع أدعياء العلم هؤلاء فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم فهمهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبب اعتمادهم على ذلك الفهم الخاطئ دون الرجوع إلى شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين
فمن تلك المساوئ الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة أعلاه أي المحاذاة بالمناكب والأعناق
ومنها أنهم ينحنون وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك
ومنها أن المبالغين منهم يتعدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن تدبر صلاتهم وتشويشهم على الغير
ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان " كما وقف كبر؟ ؟ " أي بدون تفعل وتصنع في جميع ما يتعلق بوقفته
ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وقفة التكبر والتحدي وليست وقفة العبد المتذلل لربه
وقد أجري البحث بواسطة برنامج المحدث في الكتب التالية ولم يعثر على الأمر بالمحاذاة بين الأقدام: الجامع الصغير وزيادة الجامع الصغير ومجمع الزوائد. وإنما وجدت كلمة " حاذوا " في مثل الحديث 1366: " أقيموا الصفوف وحاذوا بالمناكب وأنصتوا. . . " والحديث 1367: " أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل. . . " ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام وإن فرض وجود الأمر " بالمحاذاة " بين " الأقدام " فتكون كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في هذا الحديث أي جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه
فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت غير مبدلين ولا مغيرين. آمين. دار الحديث]

(4/5)


4376 - (رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق) لم يسم الرجل ولا المسروق منه ولا المسروق (فقال له أسرقت؟) بهمزة الاستفهام وروي بدونها (قال كلا) حرف ردع أي ليس الأمر كما قلت ثم أكد ذلك بالحلف بقوله (والذي) وفي [ص:6] رواية لا والذي (لا إله إلا هو فقال عيسى آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله إذ المؤمن الكامل لا يحلف بالله كاذبا (وكذبت عيني) بالتشديد على التثنية ولبعضهم بالإفراد أي كذبت ما ظهر لي من سرقة لاحتمال أنه أخذ بإذن صاحبه أو لأنه بان له فيه حق وفي رواية للبخاري وكذبت بتخفيفها. قال بعضهم: والتخفيف هو الظاهر بدليل رواية مسلم وكذبت نفسي وهذا خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف لا أنه كذب نفسه حقيقة أو أراد صدقه في الحكم لأنه لم يحكم بعلمه وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي ويحتمل أنه رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله فلما حلف رجع إلى ظنه ذكره جمع وقال القرطبي: ظاهر قول عيسى له سرقت أنه خبر عما فعل من السرقة وكأنه حقق السرقة عليه لكونه رآه أخذ مالا لغيره ويحتمل أنه استفهام حذفت همزته وحذفها قليل وقول الرجل كلا أي لا نفي ثم أكده باليمين وقول عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي أي صدقت من حلف وكذبت ما ظهر من ظاهر السرقة فيحتمل أن يكون أخذ ما له فيه حق أو يكون لصاحبه إذن أو أخذه لتغلبه واستدل به على درء الحد بالشبهة ومنع القضاء بالعلم والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا وعند الشافعي جوازه إلا في الحدود
(حم ق ن هـ عن أبي هريرة)

(4/5)


4377 - (رأيت ربي عز وجل) بالمشاهدة العينية التي لم يحتمل الكليم أدنى شيء منها أو القلبية بمعنى التجلي التام فقد روي عنه عليه السلام لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل والأرجح أن الله جمع له بين الرؤية البصرية والجنانية ولا يعارضه قول الله لكليمه {لن تراني} وإن كان حرف لن لتأييد النفي إذ لا يلزم من نفيها عن موسى عليه السلام نفيها عن محمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه حي موجود فلا يمتنع رؤيته عقلا وحاسية العين غير ركن للرؤية ولولا حجب النفس والهوى لرأت العين في الدنيا ما يراه القلب وعكسه <فائدة> قال المؤلف: من خصائصه رؤيته للباري تعالى مرتين وركوب البراق في أحد القولين <تنبيه> هذا لا حديث رواه الدارقطني وغيره عن أنس وزاد فيه في أحسن صورة قال المؤلف: وهذا إن حمل على رؤية المنام فلا إشكال أو اليقظة فقد سئل عنه الكمال بن الهمام فأجاب بأن هذا حجاب الصورة اه. وجاء في بعض الروايات المطعون فيها رأيت ربي في صورة شاب. قال العارف ابن عربي: وهو حال من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كلام العرب واعلم أن المثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية لأن المثلية العقلية تستحيل عليه تعالى وتقدس وإذا وصفت موجودا بصفة أو أكثر ثم وصفت غيره بتلك الصفة فقد ماثله من وجه وإن كان بينهما تباين من جهة حقائق أخر لكنهما مشتركان في روح تلك الصفة ومعناها فكل منهما على صورة الآخر في تلك الصفة فافهم وانظر كونك دليلا عليه سبحانه فإذا دخلت من باب التعرية على المناظرة سلبت النقائص التي تجوز عليك عنه وإن كانت لم تقم به قط لكن المجسم والمشبه لما أضافها إليه سلب تلك الإضافة ولولاه لم يفعل ذلك اه. وقال القاضي: الحديث ورد بألفاظ منها أي صليت الليلة ما قضى لي ووضعت جنبي في المسجد فأتاني ربي في أحسن صورة وهذا لا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المشكل مشكلا والمشكل بغير شكله ثم لم يعد ذلك تخلل في الرؤيا أو خلل في الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم تعبير المنامات ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤية الأنبياء إلى تعبير وإن كان في اليقظة فلا بد من التعبير والتأويل فأقول صورة الشيء ما به يتميز الشيء عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزؤه المميز كما يطلق ذلك في الجثث يطلق ذلك في المعاني فيقال صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا فصورته تعالى ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء البالغة إلى أقصى مراتب الكمال
(حم عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اه. ومن ثمة رمز المصنف لصحته

(4/6)


4378 - (رأيت الملائكة تغسل حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب) لما قتلا شهيدين بأحد قال في مسند الفردوس: وذلك [ص:7] لأنهما أصيبا وهما جنبان اه واعلم أن الذي عليه الجمهور وهو مذهب الشافعي أن شهيد المعركة لا يغسل وأما غيره من كل مسلم فيجب غسله وإن شاهدنا الملائكة تغسله لأن المقصود من الغسل التعبد بفعلنا له فلا يسقط عنا بفعل غيرنا
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه ورواه عنه الديلمي أيضا

(4/6)


4379 - (رأيت إبراهيم) الخليل (ليلة أسري بي) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (فقال يا محمد أقرئ أمتك) أي أمة الإجابة (السلام) مني عليهم (وأخبرهم) عني (أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان) جمع قاع وهي أرض مستوية لا بناء ولا غراس فيها (وغراسها) جمع غرس وهو ما يغرس والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي. وقال الطيبي: هنا إشكال لأن الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل نحو قوله تعالى {تجري من تحتها الأنهار} على أنها ليست خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة والجواب أنها كانت قيعانا ثم أوجد الله فيها الأشجار والقصور على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إنه تعالى لما يسر له العمل لينال به الثواب جعل كالغارس لتلك الأشجار مجازا إطلاقا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله الأشجار عمل العامل أسند الغرس إليه والقصد بيان طيب الجنة والتشوق إليها والحث على ملازمة قول هؤلاء الكلمات التي هي الباقيات الصالحات. (تتمة) قال المؤلف: من خصائصه اختراق السماوات والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وإحياء الأنبياء له وصلاته إماما بهم وبالملائكة واطلاعه على الجنة والنار
عد هذه البيهقي (طب) وكذا في الأوسط والصغير (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفي وهو ضعيف ورواه الترمذي باختصار الحوقلة

(4/7)


4380 - (رأيت ليلة أسري بي) أرواح الأنبياء متشكلين بصور كانوا عليها في الحياة فرأيت (موسى رجلا آدم) أي أسمر (طوالا) بضم الطاء وتخفيف الواو أي طويلا (جعدا) أي جعد الجسم وهو اجتماعه واكتنازه لا الشعر على الأصح (كأنه من رجال شنوءة (1)) أي يشبه واحدا من هذه القبيلة والشنوءة بفتح الشين التباعد بين الأدناس لقب به حي من اليمن لطهارة نسبهم وحسن سيرتهم (ورأيت عيسى) ابن مريم (رجلا مربوع الخلق) أي بين الطول والقصر قال الطيبي: وقوله (إلى الحمرة) حال أي مائلا لونه إلى الحمرة (والبياض) فلم يكن شديد الحمرة والبياض (بسط الرأس) أي مسترسل شعر الرأس والسبوطة ضد الجعودة (ورأيت مالكا) هذه رواية البخاري في بعض النسخ. قال النووي: وأكثر الأصول ملك بالرفع وجوابه أنه منصوب لكن سقطت الألف خطأ (خازن النار) نار جهنم (و) رأيت (الدجال) تمامه عند البخاري في آيات أراهن الله إياه فلا تكن في مرية من لقائه اه. قيل: وهو من كلام الراوي أدرجه دفعا لاستبعاد السامع بدليل [ص:8] قوله إياه وإلا لقال إياي
(حم ق عن ابن عباس) واللفظ للبخاري
_________
(1) أي ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. ولقب به لشنآن كان بينه وبين أهله

(4/7)


4381 - (رأيت جبريل) أي على صورته التي خلق عليها قال البيهقي: وهذا من خصائصه وفي الصحيحين أنه لم يره في الصورة التي خلق عليها إلا مرتين قال ابن تيمية: يعني المرة التي في الأفق الأعلى والنزلة الأخرى عند سدرة المنتهى (له ست مئة جناح) قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد أو عن خبر الله أو ملائكته وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة لكي يبقى الكلام في كيفيتها فسبق عن السهيلي أنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة فكيف بست مئة فدل على أنها صفات لا تضبط بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالا واعترض بأن لفظ الطبراني يرجح أنها كالطير وقد ورد نثر الجناح بحيث يسد الأفق وهذا نص صريح في أن جبريل ملك موجود يرى بالعيان ويدرك بالبصر فمن زعم أنه خيال موجود في الأذهان لا العيان فقد كفر وخرج عن جميع الملل قال حجة الإسلام: والملك له صورتان مثالية وحقيقية بل يرى بصور مختلفة في وقت واحد في مكانين لكن لا ندرك حقيقة صورته بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة كما رأى النبي جبريل في صورته مرتين وكان يريه نفسه في غيرها كصورة آدمي وذلك لأن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى لأن عالم الشهادة كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلب فلا يكون إلا محاكيا للصفة وموافقا لها لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى الحسن إلا بصورة حسنة والقبيح بصورة قبيحة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق
(طب عن ابن عباس) هذا كالصريح في أنه لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ العدول للطبراني والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في تفسير النجم ورواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود بلفظ إن النبي رأى جبريل له ست مئة جناح وبلفظ رأى جبريل في صورته له ست مئة جناح ورواه ابن حبان بأتم من الكل ولفظه رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ست مئة جناح ينثر من ريشه الدر والياقوت اه

(4/8)


4382 - (رأيت أكثر من رأيت من الملائكة معتمين) أي على رؤوسهم أمثال العمائم من النور إذ الملائكة أجسام نورانية لا يليق لها هذه الملابس الجسمانية كما عرف مما تقرر
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة)

(4/8)


4383 - (رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد بمؤتة (ملكا) أي على صورة ملك من الملائكة (يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوضه الله جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل الله وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه الله أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اه. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعا {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود [ص:9] وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عنه بسند صحيح
(ت ك) في المناقب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه والد علي بن المديني واه اه. فقال ابن حجر في الفتح: في إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة رفعه " مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم " خرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم

(4/8)


4384 - (رأيت خديجة) وفي رواية أبصرت (خديجة) بنت خويلد القرشية الأسدية زوجته (على نهر من أنهار الجنة في بيت من القصب لا لغو فيه ولا نصب) بفتح الصاد أي تعب وقد سبق تقريره موضحا وهذا يحتمل رؤية اليقظة ورؤيا المنام ورؤيا الأنبياء وحي
(طب) وكذا في الأوسط (عن جابر) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة أنها ماتت قبل أن ينزل الفرائض والأحكام فذكره. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثق اه وقد رمز المصنف لحسنه

(4/9)


4385 - (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة) الظاهر أن المراد الباب الأعظم المحيط ويحتمل على كل باب من أبوابها (مكتوبا) وفي رواية يذهب (الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر) وفي رواية بثماني عشر (فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال: لأن السائل يسأل وعنده) أي وعنده شيء من الدنيا أي قد يكون ذلك (والمسقترض) أي طالب القرض (لا يستقرض إلا من حاجة) عرضت له ولولاها لما اقترض قال الحكيم: معناه أن المتصدق حسب له الدرهم الواحد بعشرة فدرهم صدقة وتسعة زيادة والقرض ضوعف له فيه فدرهم قرضه والتسعة مضاعفة فهو ثمانية عشر والدرهم القرض لم يحسب له لأنه يرجع إليه فبقي التضعيف فقط وهو ثمانية عشر والصدقة لم ترجع إليه الدرهم فصارت له عشرة بما أعطى
(هـ عن أنس) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف وأصله قول ابن الجوزي: حديث لا يصح قال أحمد: خالد بن يزيد أي أحد رجاله ليس بشيء وقال النسائي: ليس بثقة

(4/9)


4386 - (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم المعجمة وتخفيف الزاي أحد رؤساء خزاعة الذي ولوا البيت بعد جرهم قال ابن الكلبي: لما تفرق أهل سبأ بسبب سيل العرم نزلوا بئر مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به منهم فهو غساني وانخرعت منهم بنو عمرو بن يحيى عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة (يجر قصبه) بضم القاف وسكون الصاد أمعاءه {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} كأنه كوشف بسائر من يعاقب (في النار) لكونه استخرج من باطنه بدعة جر بها الجريرة إلى قومه. قال الزمخشري: القصب واحد الأقصاب وهي الأمعاء ومنه القصاب لأنه يعالجها وقال ابن الأثير: اسم للأمعاء كلها وقيل: ما كان أسفل البطن من الأمعاء (وكان أول من سبب السوائب) أي أول من سن عبادة الأصنام بمكة وجعل ذلك دينا وحملهم على التقرب إليها بتسيب السوائب أي إرسالها تذهب وتجيء كيف [ص:10] شاءت على ما هو مقرر في كتب التفسير وغيرها (وبحر البحيرة) (1) التي يمنحونها للطواغيت ولا يحلبها أحد واستشكل ذا بقولهم لا تعذب أهل الفترة وأجيب أن هذا خبر واحد لا يعارض به القطع ويقصر التعذيب على المنصوص عليه ونحوه كصاحب المجن وأن من بلغته الدعوة ليس بأهل فترة بل أهلها الأمم الكائنة بين الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل لهم عيسى ولا أدركوا محمدا
(حم ق عن أبي هريرة)
_________
(1) أي ووصل الوصيلة وهي الشاة إذا ولدت ثلاثة بطون أو خمسة أو سبعة فإن كان آخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة وأكل منه الرجال والنساء وإن كانت عناقا استحيوها وإن كان جديا وعناقا استحيوا الذكر من أجل الأنثى وقالوا: هذه العناق وصلت أخاها فلم يذبحوهما وكان لبن الأنثى حراما على النساء فإن مات منهما شيء أكله الرجال والنساء جميعا وحمى الحامي وهو الفحل من الإبل إذا لفح من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه شيء ولا يمنع من كلأ ولا ماء فإذا مات أكله الرجال والنساء واعلم أن الله جعل الأنعام رفقا بالعباد ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة قال تعالى {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} فكان أهل الجاهلية يقطعون طرق الانتفاع ويذهبون نعمة الله فيها ويزيلون المصلحة والمنفعة التي للعباد فيها بفعلهم الخبيث والنعم كثيرة الفائدة سهلة الانقياد وليس لها شراسة الدواب ولا نفرة الدواب ولشدة حاجة الناس إليها لم يخلق الله لها سلاحا شديدا كأنياب السباع وجعل من شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش وجعل قدمها سلاحها لتأمن به ولما كان أكلها الحشيش اقتضت الحكمة الإلهية أن جعل لها أفواها واسعة وأسنانا حدادا وأضراسا صلابا لتطحن به الحب والنوى

(4/9)


4387 - (رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر) بن الخطاب لأن القلب إذا كان مطهرا عن مرعى الشيطان وقوته وهو الشهوات وكان له حظ من سلطان الجلال وإلهية لم يثبت لمقاومته شيء وهابه كل من رآه قال ابن عباس: كانت درته أهيب عند الناس من سيوف غيره وكانوا إذا أرادوا أن يكلموه رفعوا إلى بنته حفصة هيبة له
(عد عن عائشة) رضي الله عنها

(4/10)


4388 - (رأيت) زاد الطبراني في المنام (كأن امرأة سوداء ثائرة) شعر (الرأس) منتفشة من ثأر الشيء إذا انتشر وفي رواية أحمد ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس (خرجت) في رواية أخرجت بالبناء للمجهول ولعل فاعل الإخراج النبي لتسببه فيه بدعائه (من المدينة) النبوية (حتى نزلت مهيعة) (1) أي أرض مهيعة كعظيمة وهي الجحفة (فتأولتها) أي أولتها يعني فسرتها من أول الشيء تأويلا إذا فسره بما يؤول إليه قال القاضي: والتأويل اصطلاحا تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بين (أن وباء المدينة) أي مرضها والوباء مرض عام يمد ويقصر (نقل إليها) وجه التأويل أنه شق من اسم السوداء السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها والصور في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة كما يرى الشيطان في صورة كلب وخنزير ونحو ذلك. قال بعضهم: إنه يتقي شرب الماء من عين جحفة التي يقال لها عين خم فقل من شرب منها إلا حم وكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. قال السمهودي: والموجود من الحمى بالمدينة ليس حمى الوباء بل رحمة ربنا ودعوة نبينا التكفير
(خ ت هـ) في تعبير الرؤيا (عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) بفتح الميم وسكون الهاء بعدها تحتية مفتوحة ثم عين مهملة

(4/10)


[ص:11] 4389 - (رؤيا المؤمن) أي الصالح كما قيده به في الرواية الآتية فإن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مؤمن صادق صالح كما في المفهم (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) أي النبوة مجموع خصال تبلغ أجزاؤها ستة وأربعين ورؤياه جزء واحد منها وفي رواية يأتي بعضها من خمسة وأربعين وسبعة وأربعين وأربعة وأربعين وسبعين وخمسين وأربعين وخمس وعشرين وستة وعشرين وستين فهذه عشر روايات أكثرها في الصحيحين ولا سبيل إلى أخذ بعضها وطرح الباقي كما قال الماوردي قال: وأصحها وأشهرها عند المحدثين الأولى وفي الجمع بينها وجوه منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد البعثة حدث بأنها جزء من ستة وعشرين فلما أكمل عشرين حدث بأربعين فلما أكمل ثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعد ذلك بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته ورواية الخمسين لجبر الكسر والسبعين للمبالغة ومنها أن هذه التجزئة في طرق الوحي إذ منه ما سمع من الله بلا واسطة ومنه بالملك ومنه بالإلهام ومنه في المنام ومنه كصلصلة الجرس وغير ذلك فتكون تلك الحالات إذا عدت غايتها إلى سبعين ومنها أن من كان في صلاحه وصدقه على رتبة كاملة يناسب كمال نبي من الأنبياء كانت رؤياه جزءا من نبوة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكمالاتهم متفاضلة فكذا نسبة مقامات العارفين واستوجهه في المفهم وعبر النبوة دون الرسالة لأن الرسالة تزيد عليها بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها على بعض المغيبات
(حم ق عن أنس حم ق د ت عن عبادة بن الصامت حم ق هـ عن أبي هريرة) وفي الباب ابن مسعود وسمرة وحذيفة وغيرهم

(4/11)


4390 - (رؤيا المسلم) وكذا المسلمة لكن إذا كان لائقا وإلا ففي الفتح عن القيرواني وغيره من أئمة التعبير أن المرأة إذا أرادت ما ليست له أهلا فهو لزوجها والعبد لسيده والطفل لأبويه (الصالح) قيل: المراد به من استبدل مزاجه وتفرغ خياله عن الأمور المزعجة واللذات الوهمية وقيل: الذي يناسب حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الإطلاع على شيء من علم الغيب (جزء من سبعين جزءا من النبوة) يعني من أجزاء علم النبوة من حيث أن فيها إخبارا عن الغيب والنبوة وإن لم تبق فعلمها باق فهو من قبيل ذهبت النبوة وبقيت المبشرات أو أراد أنها كالنبوة في الحكم بالصحة لا أنها من النبوة حقيقة
(هـ عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته

(4/11)


4391 - (رؤيا المؤمن الصالح بشرى من الله) يبشره بها (وهي جزء من خمسين جزءا من النبوة) بالمعنى المقرر وقد يرى الصالح بل والفاسق والكافر الرؤيا الصادقة لكن نادرا لكثرة تمكن الشيطان منه بخلاف عكسه وحينئذ فالناس ثلاثة أقسام: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى التعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى التعبير ومن سواهم في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة أقسام: مستورون والغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيهم الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق قاله المهلب. قال القرطبي: وقد وقع لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة كمنام الملك الذي رأى سبع بقرات ومنام عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي كافرة ونحوه كثير لكنه قليل وقد يرى الصالح أضغاث [ص:12] الأحلام <تنبيه> قال ابن عربي: للرؤيا مكان ومحل وحال فحالها النوم وهو الغيبوبة عن المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة من التعب التي كانت عليه في اليقظة من الحركة وإن كانت في هواها والنوم قسمان قسم انتقال وفيه بعض راحة أو نيل غرض أو زيادة تعب والآخر قسم راحة فقط وهو النوم الخالص الصحيح الذي ذكر الله أنه جعله راحة للجوارح في حال اليقظة وجعل زمنه الليل غالبا وأما الانتقال فهو النوم الذي معه رؤيا فتنقل هذا لآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ليرى ما تقرر في خزانة الخيال التي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات وما صورته القوة المصورة التي هي في بعض خدم هذه الخزانة لترى النفس الناطقة ما استقر في خزانتها وما ثم في طبقات العالم من يعطي الأمر على ما هو عليه سوى الحضرة الخيالية فإنها تجمع بين ضدين وفيها تظهر الحقائق على ما هي عليه إما حال النوم أو الغيبة عن الحس بأي نوع كان وهي في النوم أتم وجودا وأعمه لأنه للعارفين والعامة وحال الغيبة والفناء والمحو لا يكون للعامة في الإلهيات
(الحكيم) الترمذي (طب) وكذا في الأوسط (عن العباس بن عبد المطلب) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: فيه إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات. اه. ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور لكنه قال ستين

(4/11)


4392 - (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) أي من علم النبوة زاد البخاري في رواية وما كان من النبوة فإنه لا يكذب. اه. لكن قيل: إنها مدرجة من كلام ابن سيرين وقيل: إنما خص هذا العدد لأن الوحي كان يأتيه على أربعين أو ستة وأربعين أو خمسين نوعا الرؤيا نوع من ذلك وقد حاول الحليمي تعداد تلك الأنواع (وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها) أي هي لا استقرار لها ما لم تعبر قال الطيبي: التركيب من قبيل التشبيه التمثيلي شبه الرؤيا بطائر سريع الطيران علق على رجله شيء يسقط بأدنى حركة فالرؤيا مستقرة على ما يسوقه القدر إليه من التعبير (فإذا تحدث بها سقطت) أي إذا كانت في حكم الواقع ألهم من يتحدث بها بتأويلها على ما قدر فتقع سريعا كما أن الطائر ينقض سريعا (ولا تحدث بها إلا لبيبا) أي عاقلا عارفا بالتعبير لأنه إنما يخبر بحقيقة تفسيرها بأقرب ما يعلم منها وقد يكون في تفسيره بشرى لك أو موعظة (أو حبيبا) لأنه لا يفسرها لك إلا بما تحبه
(ت عن أبي رزين) العقيلي رمز المصنف لصحته

(4/12)


4393 - (رؤيا المؤمن) الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها (كلام يكلم به العبد ربه في المنام) وبه فسر بعض السلف قوله سبحانه وتعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} قال من وراء حجاب في منامه وكانت رؤيا الأنبياء وحيا وأما رؤية غيرهم فلإلقاء الشيطان فيها لا يؤمن عليها والوحي محروس بخلاف غيره ولو كانت كالوحي لم تكن غرورا وقد قص الله شأن الرؤيا في تنزيله فسماه حديثا فقال: {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} ذكره الحكيم وروى الحاكم والعقيلي عن ابن عمر أن عمر لقي عليا فقال: يا أبا الحسن الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلئ نوما إلا يعرج بروحه إلى العرش فالذي يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي: هو حديث منكر ولم يصححه الحاكم
(طب والضياء) المقدسي (عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه اه. ورواه عنه أيضا الحكيم في نوادره قال الحافظ: وهو من روايته عن شيخه عن ابن أبي عمر وهو واه وفي سنده سعيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة

(4/12)


4394 - (رباط) بكسر ففتح مخففا (يوم في سبيل الله) أي ملازمة المحل الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين وإن [ص:13] كان وطنه خلافا لابن التين بشرط نية الإقامة به لدفع العدو (خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باق وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستولاء وهو أعم من الظرفية وأقوى وهذا دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد ففيه رد على مالك في قوله أقله أربعون يوما وكثيرا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إليه لكن غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في كثير من المواطن (وموضع سوط أحدكم) الذي يجاهد به العدو (في الجنة خير من الدنيا وما عليها) مما ذكر (والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة) أي فضلها والغدوة بالفتح المرة من الغدو وهو الخروج أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة من الرواح وهو من الزوال إلى الغروب وأو للتقسيم لا للشك (خير من الدنيا وما عليها) أي ثوابها أفضل من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان بحذافيرها وتنعم بجميعها والمراد أن الروحة يحصل بها هذا الثواب وكذا الغدوة ولا يختص بالغدو والرواح من بلده أو المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الحاصل لمن لو حصلت الدنيا كلها لأنفقها في الطاعة
(حم خ) في الجهاد (ت عن سهل بن سعد) الساعدي وعزاه ابن الأثير لمسلم قال المناوي: ولعله وهم

(4/12)


4395 - (رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (وليلة خير من صيام شهر وقيامه) لا يعارضه رواية خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل لاحتمال إعلامه بالزيادة أو لاختلاف العاملين أو العمل أو الإخلاص أو الزمن (وإن مات) أي المرابط وإن لم يجر له ذكر لدلالة قوله (مرابطا) عليه (جرى عليه عمله) أي أجر عمله (الذي كان يعمله) حال رباطه أي لا ينقطع أجره وهذه فضيلة لا يشركه فيها أحد ولا ينافيه عد جمع نحو عشرة ممن يجري عليهم ثوابهم بعد موتهم لأن المجرى على هذا ثواب عمله وثواب رباطه وأما أولئك فشيء واحد قال الطيبي: ومعنى جري عمله عليه أن يقدر له من العمل بعد موته كما جرى منه قبل الممات (وأجري عليه رزقه) أي يرزق في الجنة كالشهداء (وأمن) بفتح فكسر وفي رواية بضم الهمزة وزيادة واو (من الفتن) بفتح الفاء أي فتنة القبر وروى وأمن فتاني القبر أي اللذين يفتنان المقبور وفي رواية بضمها جمع فاتن وتكون للجنس أي كل ذي فتنة أو هو من إطلاق الجمع على اثنين أو أكثر من اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين فقد ورد ثلاثة وأربعة (1)
(م) في الجهاد (عن سلمان)
_________
(1) وقال الشيخ ولي الدين: المراد به مسائله منكر ونكير قال: ويحتمل أن يكون المراد أنهما لا يجيئان إليه ولا يختبرانه بالكلية بل يكفي موته مرابطا في سبيل الله شاهدا على صحة إيمانه ويحتمل أنهما يجيئان إليه لكن يأنس بهما بحيث إنهما لا يضرانه ولا يروعانه ولا يحصل له بسبب مجيئهما فتنة اه

(4/13)


4396 - (رباط يوم) واحد في سبيل الله (خير من صيام شهر وقيامه) لا يناقضه ما قيل قبله إنه خير من الدنيا وما فيها ولا ما بعده خير من ألف يوم لأن فضل الله مستزاد وجوده وكرمه منوال كل وقت ويمكن كون ذلك بحسب اختلاف الزمن والعمل والعامل قال القاضي: الرباط المرابطة وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في شفرهم وهؤلاء خيولهم في شفرهم ويكون كل منهم معد لصاحبه متربصا لقصده ثم اتسع فيه فأطلقت على ربط الخيل واستورادها لغزو أو عدو حيث كان وكيف كان وقد يتجوز به للمقام بأرض والتوقف فيها <تنبيه> هذا الحديث رواه أحمد بلفظ رباط يوم وليلة أفضل [ص:14] من صيام شهر وقيامه صائما لا يفطر وقائما لا يفتر قال أبو البقاء: صائما وقائما حالان وصاحب الحال محذوف دل عليه من صيام شهر وقيامه والتقرير أن يصوم الرجل شهرا ويقومه صائما وقائما
(حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف

(4/13)


4397 - (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) فجعل حسنة الجهاد بألف وأخذ البعض من تعبيره بالجمع المحلى بلام الاستغراق أن المرابط أفضل من المجاهد في المعركة وعكسه بعضهم مجيبا بأن الحديث في حق من فرض عليه الرباط وتعين بنصب الإمام قال في المطامح: اختلف هل الأفضل الجهاد أم الرباط والحديث يدل على أن الرباط أفضل لأنه جعله الغاية التي ينتهي إليها أعمال البر والرباط بحقن دماء المسلمين والجهاد بسفك دماء المشركين فانظر ما بين الدمين حتى يصح لك أفضل العملين
(ت ن ك) في الجهاد (عن عثمان) بن عفان قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي

(4/14)


4398 - (رباط شهر خير من صيام دهر) فيه جواز السجع وحسن موقعه سيما إذا كان غير مقصود ولا تكلف كما هنا (ومن مات) حال كونه (مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر) يوم القيامة (وغدي عليه برزقه وريح من الجنة) ببناء غدي وريح إلى المفعول (ويجري عليه أجر المرابط) ما دام في قبره (حتى يبعثه الله) يوم القيامة من الآمنين {الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
(طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته

(4/14)


4399 - (رباط يوم في سبيل الله يعدل عبادة شهر أو سنة) شك من الراوي (صيامها وقيامها من مات مرابطا في سبيل الله أعاذه الله من عذاب القبر وأجرى له أجر رباطه ما قامت الدنيا) أي مدة بقائها وهذا إذا قصد بذلك حراسة الدين ونصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى وإلا لم يحصل له الثواب الموعود
(الحارث عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وهو عجيب فقد عزاه الديلمي لمسلم من حديث سلمان ولعل المصنف ذهل عنه

(4/14)


4400 - (رب) قال الولي العراقي: فيها ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها كلاهما مع التشديد والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو متحركة ومع التجرد منها فهذه اثني عشرة والضم والفتح مع سكون الباء وضم الحرفين مع التشديد والتخفيف (أشعث) أي ثائر الشعر مغبره قد أخذ فيه الجهد حتى أصابه الشعث وغلبته الغبرة قال القاضي: الأشعث المغبر الرأس المتفرق الشعر وأصل التركيب هو التفرقة والانتشار (مدفوع بالأبواب) أي يدفع عند إرادته الدخول على الأعيان والحضور في المحافل إما باللسان أو باليد واللسان احتقارا له فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يقعد معهم ويجلس بينهم (لو أقسم) حلف (على الله) ليفعل شيئا (لأبره) أي أبر قسمه وأوقع مطلوبه إكراما له وصونا ليمينه عن الحنث لعظم [ص:15] منزلته عنده أو معنى القسم الدعاء وإبراره إجابته ورب هنا للتقليل قال في المغني: وليست هي للتقليل دائما خلافا للأكثر ولا للتكثير دائما خلافا لابن درستويه جمع بل للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا. إنما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك ليبصرك مراتب الشعث الغبر الأصفياء الأتقياء ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك تقديم ما قدموا ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب ويعلمك أن الزينة إنما هي بلباس التقوى <تنبيه> قال في المنن: من الأخفياء الشعث من يجاب دعاؤه كلما دعا حتى أن بعض السوقة كان كل من دعا عليه مات لوقته وأراد جماع زوجته فقالت: الأولاد متيقظون فقال: أماتهم الله فكانوا سبعة فصلوا عليهم بكرة النهار فبلغ البرهان المتولي فأحضره وقال: أماتك الله فمات وقال: لو بقي لأمات خلقا كثيرا
(حم م) في الرقاق (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وفي الباب ابن عمرو وغيره

(4/14)


4401 - (رب أشعث) أي جعد الرأس (أغبر) أي غير الغبار لونه لطول سفره في طاعة كحج وجهاد وزيارة رحم وكثرة عبادة (ذي طمرين) تثنية طمر وهو الثوب الخلق (ينبو عنه أعين الناس) أي ترجع وتغض عن النظر إليه احتقارا له واستهانة به يقال نبا السيف عن الضرب إذا رجع من غير قطع ونبا الطبع عن الشيء نفر فلم يقبله (لو أقسم على الله لأبره) أي لو سأل الله وأقسم عليه أن يفعله لفعل ولم يخيب دعوته وذلك لأن الانكسار ورثاثة الحال والهيئة من أعظم أسباب الإجابة ومن ثم ندب ذلك في الاستسقاء قال الحسن: احترقت أخصاص (1) بالبصرة إلا خص وسطها فقيل لصاحبها: ما لخصك لم تحترق قال: أقسمت على ربي أن لا يحرقه. ورأى أبو حفص رجلا مدهوشا فقال: مالك قال: ضل حماري ولا أملك غيره فوقف أبو حفص وقال: لا أخطو خطوة ما لم ترد حماره فظهر حماره فورا قال الغزالي: وهذا يجري لذوي الأنس وليس لغيرهم التشبه بهم وقال الجنيد: أهل الأنس يقولون في خلوتهم أشياء هي كفر عند العامة وفيه أن العبرة بالقلوب والأديان لا باللباس والمتاع والأبدان
(ك) في الرقائق (حل) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأقول: فيه عند أبي نعيم محمد بن زيد الأسلمي ضعفه النسائي وقبله وغيره
_________
(1) جمع خص قال في المصباح: الخص بيت من قصب والجمع أخصاص مثل قفل وأقفال

(4/15)


4402 - (رب ذي طمرين لا يؤبه به) أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه لحقارته (لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضاه وتمامه في رواية ابن عدي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا اه. قال بعض الصوفية: وهذه الطائفة العلية أهل الولاية الكبرى المكتسبة بالتخلق والتحقق وهم النازلون في العالم منزلة القلب في الجسد فهم تحت حكم الحق وتحت رتبة الأنبياء وفوق العامة بالتصريف وتحتهم بالافتقار وهم أهل التسليم والأدب والعلم والعمل والانكسار والافتقار والذلة والعجز والصبر على البلاء والقيام تحت الأسباب وتجرع الغصص الموت الأحمر والأزرق والأبيض والأسود وأهل الهمة والدعوة والخفاء والظهور والإلهام والتقييد والإطلاق وحفظ حقوق المراتب والأسباب وأهل القدم الراسخ النافذ في كل شيء وهم أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم وورثته ونوابه وحفظته ووكلاؤه وأهل الحشر والنشر والحساب والوزن والمشي على الصراط كما يمشي عليه أدنى المؤمنين فهم المجهولون عند غالب الناس في الدارين لعدم ظهورهم في الدنيا بشيء من صفات السادة وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر أهل الثبات عند كشف الساق في المحشر وهم المطلعون على جريان الأقدار وسريانها في الخلق وهم العبيد اختيارا سادة اضطرارا المكاشفون بعلم دهر الدهور من الأبد إلى الأزل في نفس واحد فكما تنزل الحق تعالى بإخباره لنا أنه ينزل إلى سماء الدنيا ليعلمنا التواضع مع بعضنا فكذا هم يتنزلون مع العامة بقدر أفهامهم اه. وفيه إيماء إلى مدح الخمول وقيل: الاقتصار على الخمول أدعى [ص:16] إلى السلامة ورب حقير أعظم قدرا عند الله من كثير من عظماء الدنيا والناس إنما اطلاعهم على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات وإنما الذي يعتبر عند الله خلوص الضمائر وتقوى القلوب وعلمهم من ذلك بمعزل فينبغي أن لا يتجرأ أحد على أحد استهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الحال وذا عاهة في بدنه أو غير لين في محادثته فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا منه فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهانة بمن عظمه الله وقد بلغ السلف إفراط توقيهم وتصونهم إلى أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي فعله ذكره الزمخشري <تنبيه> قال بعض العارفين: لا تحقر أحدا من خلق الله فإنه تعالى ما احتقره حين خلقه فلا يكون الله يظهر العناية بإيجاد من أوجده من عدم وتأتي أنت تحتقره فإن ذلك احتقار بمن أوجده وهو من أكبر الكبائر
(البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير جارية بن هرم وقد وثقه ابن حبان على ضعفه

(4/15)


4404 - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع) قال الغزالي: قيل هو الذي يفطر على حرام أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام (ورب قائم) أي متهجد في الأسحار (ليس له من قيامه إلا السهر) كالصلاة في الدار المغصوبة وأداها بغير جماعة لغير عذر فإنها تسقط القضاء ولا يترتب عليها الثواب ذكره الطيبي
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي

(4/16)


4405 - (رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم من صيامه الجوع والعطش) بمعنى أنه لا ثواب فيه لفقد شرط حصوله وهو الإخلاص أو الخشوع أو المراد لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وفي خبر مر " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل " وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح فلا يعاقب عقاب ترك العبادة بل يعاتب أشد عتاب حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ك هق عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي: إسناده حسن وقال تلميذه الهيثمي: رجاله موثوقون

(4/16)


4403 - (رب طاعم شاكر) لله تعالى على ما رزقه (أعظم أجرا من صائم صابر على ألم الجوع وفقد المألوف فالشاكر الذي تكامل شكره أعظم أجرا من الصابر فإن أول مقامه أنه صبر عن الطغيان بالنعمة ثم شكر المنعم برؤيتها منه وشكر النعمة حيث لم يستعز بها على معصية والصائم الصابر له مجرد الصبر وهذا من أقوى حجج من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضا

(4/16)


4406 - (رب عذق) بفتح العين وسكون الذال بضبط المصنف النخلة وبالكسر العرجون بما فيه (مذلل) بضم أوله والتشديد بضبط المصنف أي مسهل على من يجتني من التمر ويروى مدلى (لابن الدحداحة) ويقال ابن الدحداح بفتح الدالين المهملتين وسكون الحاء المهملة بينهما صحابي أنصاري لا يعرف إلا بأبيه مات في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه (في الجنة) مكافأة له على كونه تصدق بحائطه المشتمل على ست مئة نخلة لما سمع قوله سبحانه وتعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا}
(ابن سعد) في الطبقات (عن ابن مسعود) قال: لما نزل {من ذا الذي يقرض الله} الآية. قال ابن الدحداح: يا رسول الله استقرضنا ربنا قال: نعم قال: فإني أقرضته حائطا فيه ست مئة نخلة فذكره قال الهيثمي: رواه البزار وفيه حميد بن عطاء الأعرج [ص:17] ضعيف والطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل بن قيس ضعيف اه. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول عجيب وغفول غريب فقد خرجه الإمام مسلم عن بدار عن غندر عن سعيد عن سماك عن جابر بن سمرة يرفعه

(4/16)


4407 - (رب عابد جاهل) أي يعبد الله على جهل فيسخط الرحمن ويضحك الشيطان وهذا مضرته في الآخرة أعظم من غير المتعبد (ورب عالم فاجر) أي فاسق فعلمه وبال عليه (فاحذروا الجهال من العباد) بالتشديد جمع عابد (والفجار من العلماء) أي احترزوا عن الاعتزاز بتلبيساتهم فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين إذ الشياطين بسببهم تتدرع إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق
(عد فر) وكذا أبو نعيم (عن أبي أمامة) وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه ذكر أن بشرا الأنصاري أحد رواته وضاع وساق له أحاديث هذا منها ونقله عنه في الميزان كذلك فاقتصار المصنف على العزو له من سوء التصرف

(4/17)


4408 - (رب معلم حروف أبي جاد دارس في النجوم) أي يتلو علمها ويقرر درسها (ليس له عند الله خلاق) أي حظ ولا نصيب (يوم القيامة) الذي هو يوم الجزاء وأعطى كل ذي حظ حظه لانشغاله بما فيه اقتحام خطر وخوض جهالة وأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يعني وتضييع للعمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان بغير فائدة وذلك غاية الخسران وهذا محمول على علم التأثير لا التسيير كما سلف ويجيء جمعا بين الأدلة وقد ورد النهي عن تعليم الصبيان حروف أبي جاد وذكر أنها من هجاء جاد والنهي للكرامة لا للتحريم إذ لا ضرورة في تعلمها وعن ابن عباس أن أول كتاب أنزل من السماء أبو جاد
(طب) وكذا الديلمي (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه خالد بن يزيد العمي وهو كذاب ورواه عنه أيضا حميدة بن زنجويه بلفظ رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق

(4/17)


4409 - (رب حامل فقه غير فقيه) أي غير مستنبط علم الأحكام من طريق الاستدلال بل يحمل الرواية من غير أن يكون له استدلال واستنتج منه ذكره في القواطع (ومن لم ينفعه علمه ضره) وفي رواية غره (جهله اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه) قال الذهبي: إشارة إلى أن الفهوم تتفاضل وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أورده عليك أو حرف معناه فلا تبادر إلى تضليله ولهذا قال علي كرم الله وجهه لمن قال له أطلحة والزبير كانا على باطل: يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: وفيه شهر بن حوشب

(4/17)


4410 - (ربيع أمتي العنب والبطيخ) جعلهما ربيعا للأبدان لأن الإنسان يرتاح لأكلهما ويميل إليه فيربو نفعهما في البدن وينمو به ويظهر حسنه كما أن الربيع إظهار آثار رحمة الله وإحياء الأرض بعد موتها وفيه فضل العنب والبطيخ وهل [ص:18] الأفضل البطيخ أو العنب؟ فيه خلاف والأكثرين على تفضيل الثاني والأولى أكلهما معا ليكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا
(أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي (في كتاب الأطعمة وأبو عمرو النوقاني) بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون نسبة إلى نوقان إحدى مدينتي طوس (في كتاب البطيخ فر) وكذا العقيلي في الضعفاء (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن أحمد بن مهدي قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: ضعيف جدا عن محمد بن ضوء قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به كذاب متهتك بالخمرة والفجور عن عطاف بن خالد قال ابن معين: لا بأس به وقال أبو حاتم: ليس بذلك وقال الحاكم: ليس بمتين غمزه مالك وسبق أن السلمي وضاع ولهذا أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات وسكت عليه المؤلف في مختصرها

(4/17)


4411 - (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) إضافة الشهر إلى الله يدل على شرفه وفضله ومعنى الإضافة الإشارة إلى أن تحريمه من فعل الله ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحللونه (1) ويحرمون مكانه صفر وأخذ بقضيته بعض الشافعية فذهب إلى أن رجب أفضل الأشهر الحرم قال ابن رجب وغيره: وهو مردود والأصح أن الأفضل بعد رمضان المحرم ولرجب سبعة عشر اسما سردها إلى رجب وغيره وله أحكام معروفة أفردت بالتأليف
<تنبيه> قال في كتاب الصراط المستقيم: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خبر كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب وقال النووي: لم يثبت في صوم رجب ندب ولا نهي بعينه ولكن أصل الصوم مندوب
(أبو الفتح بن الفوارس في أماليه عن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث ضعيف جدا هو من مرسلات الحسن رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث ولا يصح في فضل رجب حديث اه. وكلام المؤلف كالصريح في أنه لم يره مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله وهو عجيب فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس من طرق ثلاث وابن نصر وغيرهما من حديث أنس باللفظ المزبور بعينه
_________
(1) في الأصل: " يحرولونه " وهو خطأ والصواب كما يدل عليه سياق النص هو " يحلونه " أو " يحللونه " فاخترنا هذا الخير. دار الحديث

(4/18)


4412 - (رحم الله أبا بكر) إنشاء بلفظ الخبر أي بجاه وأنعم عليه في الدارين (زوجني ابنته) عائشة (وحملني إلى دار الهجرة) المدينة على ناقة له (وأعتق بلالا من ماله) لما رآه يعذب في الله عذابا شديدا (وما نفعني مال في الإسلام) لعل المراد به في نصرته (ما نفعني مال أبي بكر) (1) روى ابن عساكر أنه أسلم وله أربعون ألف دينار وفي رواية أربعون ألف درهم فأنفقها عليه ولا يعارضه حديث البخاري أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه الراحلة إلى الهجرة إلا بالثمن لاحتمال أنه أبرأه منه وفي رواية أنه أبراه منه وفي رواية أنه لما قال انفعني إلخ بكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله. قال ابن المسيب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه وقد فسر [ص:19] قوله سبحانه {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى} بأن المراد منه أبو بكر قال في القوارف وغيره: ومن هنا عد الصوفية في الأخلاق شكر المحسن على الإحسان والدعاء له مع كمال توحيدهم وقطعهم النظر عن الأغيار ومشاهدتهم النعم من المنعم الجبار لكن يفعلونه اقتداء بسيدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم فإذا ارتقى الصوفي إلى ذروة التوحيد شكر الخلق بعد شكر الحق ويثبت لهم وجودا في المنع والعطاء بعد أن يرى المسبب أولا ولسعة علمه لا يحجبه الخلق عن الحق وفي النوادر عن بعضهم أدخلت صوفيا منزلي فقدمت له لبنا وسكرا فتناوله وقال: نحمد الله لا نحمدك فوضعت رجلي على عنقه فأخرجته ورجعت أكلته مع أهلي (رحم الله عمر) بن الخطاب (يقول الحق ولو كان مرا (2)) فكان لا يخاف في الله لومة لائم ومن ثمة قال: (لقد تركه الحق) أي قول الحق والعمل به (وما له من صديق) لعدم انقياد أكثر الخلق للحق ونفرتهم ممن يتصلب فيه ومن يلتزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الهوى قال بعض العارفين: لما لزمت النصح والتحقيق لم يتركا لي في الوجود صديقا (رحم الله عثمان) بن عفان (تستحيه الملائكة) أي تستحيي منه وكان أحيى هذه الأمة (وجهز جيش العسرة) من خالص ماله بما منه ألف بعير بأقتابها والمراد به تبوك كما في البخاري في المغازي (وزاد في مسجدنا) مسجد المدينة (حتى وسعنا) فإنه لما كثر المسلمون ضاق عليهم فصرف عليه عثمان حتى وسعه (رحم الله عليا) ابن أبي طالب (اللهم أدر الحق معه حيث دار) ومن ثم كان أقضى الصحابة وأفاد ندب شكر المحسن والاعتراف له في الملأ والمحافل والمجامع وليس ذلك تنقيصا لقدر الشاكر بل تعظيما له لظهور اتصافه بالإنصاف والمكافأة بالجميل
(ت عن علي) أمير المؤمنين رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: هذا الحديث يعرف بمختار قال البخاري: هو منكر الحديث وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه يتعمدها اه. وفي الميزان: مختار بن نافع منكر الحديث جدا ثم أورد من مناكيره هذا الخبر
_________
(1) فيه من الأخلاق الحسان شكر المنعم على الإحسان والدعاء له مع التوكل وصفاء التوحيد وقطع النظر عن الأغيار ورؤية النعم من المنعم الجبار
(2) أي كريها عظيم المشقة على قائله ككراهة مذاق الشيء

(4/18)


4413 - (رحم الله) عبد الله (بن رواحة) بفتح الراء والواو والمهملة مخففا البدري الخزرجي تبعهم ليلة العقبة وهو أول خارج إلى الغزو استشهد في غزوة مؤتة (كان حيثما أدركته الصلاة) وهو سائر على بعيره (أناخ) بعيره وصلى محافظة على أدائها أول وقتها (1) فإن صلى فرضا على الدابة وهي سائرة لم يصح وإن كانت واقفة وأتم الأركان صح لكن نزوله وصلاته على الأرض حيث أمكن أفضل فلذلك آثره هذا الصحابي الجليل
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه همام بن نافع الصنعاني قال في الميزان عن العقيلي: حديث غير محفوظ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور وزاد الإخوة ولفظه رحم الله أخي عبد الله بن رواحة كان أينما أدركته الصلاة أناخ قال الهيثمي: إسناد حسن انتهى. فاقتصار المصنف على ابن عساكر من ضيق العطن
_________
(1) وفيه أن يسن تعجيل الصلاة أول وقتها

(4/19)


4414 - (رحم الله قسا (1)) قيل: يا رسول الله تترحم على قس؟ قال: نعم إنه (كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم) الخليل وورد من طرق عن ابن عباس قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يعرف القس بن ساعدة [ص:20] الأيادي قالوا: كلنا قال: فما فعل قالوا: هلك قال: ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر يقول: أيها الناس من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا مهاد موضوع وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تغور أقسم قس قسما حتما لئن كان في الأمر رضى ليكونن سخطا إن الله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فقاموا أم تركوا فناموا؟ زاد في رواية أين الآباء والأجداد أين المريض والعواد أين الفراعنة الشداد أين من بنا وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغا وجمع وأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم مالا وأطول آجالا وأبعد آمالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود اه وفي السيرة اليعمرية وغيرها أن سبب الحديث أن رجلا أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ضلت له ضالة فطلبها فرأى قسا في ظل شجرة فسلم فرد فإذا هو بعين خوارة في أرض خوارة في مسجد بين قبرين وأسدين عظيمين فإذا سبق أحدهما للماء فتبعه الآخر ضربه بقضيب بيده وقال: ارجع حتى يشرب من قبلك فقلت: ما هذان العبران قال: أخوان لي كانا يعبدان الله لا يشركان به فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قيريهما حتى ألحق بهما ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع فانكب عليهما يقول:
خليلي هبا طالما قد رقدتما. . . أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تريا أني بسمعان مفرد. . . وما لي فيها من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا. . . طوال الليالي أو يجيب صداكما
أيكفيكما طول الحياة وما الذي. . . يرد على ذي لوعة إن بكاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا. . . كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فإنكما والموت أقرب غائب. . . بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية. . . لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله قسا إلخ. قال الحافظ في البيان: إن لقس وقومه فضيلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ وعظته وعجب من حسن كلامه وأظهر تصويبه وهذا شرف تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال
(طب) وكذا في الأوسط (عن غالب بن أبحر) بموحدة وجيم وزن أحمد ويقال غالب بن دلج بكسر الدال وبتحتية ثم معجمة المزني صحابي له حديث نزل الكوفة قال الهيثمي: رجاله ثفات
_________
(1) وقد كان خطيبا حكيما واعظا متعبدا وأبي مضاف إلى ضمير المتكلم وإسماعيل بدل من المضاف أو منصوبا بأعني أو خبر عن محذوف

(4/19)


4415 - (رحم الله لوطا) اسم أعجمي وصرف مع العجمة والعلمية وهو ابن هاران أو هارون أخي إبراهيم وهذا تمهيد وتقدمة للخطاب المزعج كما في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (كان يأوي) لفظ رواية البخاري لقد كان يأوي أي يأوي في الشدائد (إلى ركن شديد) أي أشد وأعظم وهو الله تعالى فإنه أشد الأركان وأعظمها وأصل ذلك أن قومه ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم إلى الإقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده منهم أحد فلما أراد الله إهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفي عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءه وعاتبوه على كتمانه أمرهم فقال: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} أي لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني قال القاضي: كأنه استغرب منه هذا القول وعده نادرة إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه وهو عصمة الله وحفظه وقال غيره: ترحم عليه لسهوه في ذلك الوقت حتى [ص:21] ضاق صدره فقال: {أو آوي إلى ركن شديد} أي إلى عز العشيرة وهو كان يحب الإيواء إلى الله وهو أشد الأركان وقال النووي: يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع له فشبههم بالركن من الحبل لشدتهم ومنعتهم (وما بعث الله بعده نبيا إلا كان في ثروة) أي كثرة ومنعة (من قومه) تمنع منه من يريده بسوء وتنصره وتحوطه واستشكل بآية {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} ولو كانوا في منعة لما قتلوا منهم ببيت المقدس في يوم واحد ثلاث مئة في التقييد بعدية لوط إلاحة بأنه لم يكن في منعة بشهادة {لو أن لي بكم قوة}
(ك) في أخبار الأنبياء (عن أبي هريرة) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي

(4/20)


4416 - (رحم الله حمير) ابن سبأ بن بشخب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة من اليمن (أفواههم سلام وأيديهم طعام) يعني أفواههم لم تزل ناطقة بالسلام على كل من لقيهم إيناسا وجبرا وأيديهم ممتدة بمناولة الطعام للضيف والجائع فجعل الأفواه والأيدي نفس السلام والطعام لمزيد المبالغة (وهم أهل أمن وإيمان) أي الناس آمنون من أيديهم وألسنتهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان مملوءة بنور الإيقان بعيدة من الشقاق نفورة من النفاق
(حم ت عن أبي هريرة) قال رجل: يا رسول الله العن حميرا فأعرض عنه مرارا فذكره

(4/21)


4417 - (رحم الله خرافة) بضم الخاء المعجمة وفتح المهملة (إنه كان رجلا صالحا) اسم رجل من عذرة استهوته الجن وحدث بما رأى فكذبوه وقالوا: حديث خرافة وجعلوه على كل ما يكذبونه وكل ما يستملح أو يتعجب منه روى الترمذي عن عائشة قالت: حدث النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بحديث فقالت امرأة منهن: كأنه حديث خرافة فقال: أتدري ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن فمكث دهرا ثم رجع فكان يحدث بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس: حديث خرافة وخرج ابن أبي الدنيا في ذم البغي عن أنس قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله فقالت إحداهن: كأن هذا حديث خرافة فقال: أتدرون ما خرافة؟ إنه كان رجلا صالحا من عذرة أصابته الجن فكان فيهم حينا فرجع فجعل يحدث بأحاديث لا تكون في الإنس فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم فأمرته أن يتزوج فذكر قصة طويلة قال ابن حجر: ورجاله ثقات إلا سحنة بن معونة فلم أعرفه
(الفضل) بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي بفتح المعجمة وشد الموحدة نسبة إلى ضبة أبي إد الكوفي كان علامة راوية للأدب ثقة (في) كتاب (الأمثال) قال: ذكر إسماعيل بن أبان عن زياد البكالي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال: سألت أي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة فقال: بلغني (عن عائشة) أنها قالت: قلت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حدثني بحديث خرافة فقال: رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته فلقيه ثلاثة من الجن فأسروه فقال واحد: نستعبده وقال آخر: نقتله وقال آخر: نعتقه فمر بهم رجل منهم فذكر قصة طويلة. هذا كله من رواية المفضل عن عائشة فاقتصر المصنف على الجملة الأولى وحذف ما بعدها قال الحافظ ابن حجر: ولم أر من ذكر خرافة في الصحابة لكن هذا الحديث يدل عليه

(4/21)


[ص:22] 4418 - (رحم الله الأنصار (1)) الأوس والخزرج غلبت عليهم الصفة (وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) في رواية وأزواجهم وذرياتهم وفي أخرى وموالي الأنصار وهذا دعاء أو خبر وذلك لما لأصولهم من القيام في نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن معه حال شدة الخوف والضيق والعسرة وحمايتهم له حتى بلغ أوامر ربه وأظهر الدين وأسس قواعد الشريعة فعادت مآثرهم الشريفة على أبنائهم وذرياتهم ومن ثم أكد الوصية بهم في غير ما حديث
(هـ عن عمرو بن عوف) بن يزيد بن ملحة المزني ورواه عنه أيضا الطبراني وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني وهو ضعيف وقد حسن له الترمذي وبقية رجاله ثقات
_________
(1) أي أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم واللام للعهد جمع ناصر كأصحاب وصاحب أو جمع نصير كأشراف وشريف وهم أهل المدينة خصوا بهذا الاسم دون غيرهم من الصحابة لما فازوا به دون غيرهم حيث آثروه وأصحابه على أنفسهم في المنازل والأموال وعادوا جميع الفرق الموجودين من عرب ومن عجم بسببه وبسبب أصحابه فلهذا كان يحبهم وسماهم بالأنصار وحذر من بغضهم وجعله علامة النفاق ورغب في حبهم حتى جعل ذلك علامة الإيمان تنويها لعظيم فضلهم وفي صحيح مسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا الحكم أيضا جار في كل الصحابة إذ كل واحد منهم له سابقة وسالفة وعناء في الدين فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم محض النفاق لكن خص الأنصار بذلك لما ذكرنا من إيوائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ولمحبته في الأنصار قال: " ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها " وعن أنس " إن الأنصار اجتمعوا فقالوا: إلى متى نشرب هذه الآبار فلو أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لنا أن يفجر لنا هذه الجبال عيونا فجاءوا بجماعتهم إليه صلى الله عليه وسلم فلما رآهم قال: مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة قالوا: أي والله يا رسول الله قال: فإنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: الدنيا تريدون؟ اطلبوا الآخرة فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله ادع الله أن يغفر لنا فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار وفي رواية ولنساء الأنصار ولنساء أبناء الأنصار وفي رواية ولجيران الأنصار

(4/22)


4419 - (رحم الله المتخللين والمتخللات (1)) أي الرجال والنساء المتخللين من آثار الطعام والمخللين شعورهم في الطهارة فإن ذلك سنة مؤكدة
(هب عن ابن عباس) وفيه قدامة بن محمد المديني قال الذهبي في الضعفاء: وخرجه ابن حبان وإسماعيل بن شيبة قال الأزدي والنسائي: منكر الحديث ومن ثم قال البيهقي عقب تخريجه: فيه نظر
_________
(1) دعا لهم بالرحمة لاحتياطهم في العبادة فيتأكد الاعتناء به للدخول في دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم

(4/22)


4420 - (رحم الله المتخللين من أمتي) أمة الإجابة (في الوضوء) أي والغسل (و) في (الطعام) (1) وفي رواية " من " بدل " في " شمل الحديث المحرم فيندب له التخليل لكن برفق دعا له بالرحمة لمتابعة أدب السنة وليفعل ذلك كل مقصر رجاء دعوته والتخليل من الطعام تتبع ما بقي بين الأسنان ليخرجه بالخلال لئلا يبقى فينتن ريح الفم ويتأذى به من يناجيه فدعا له بالرحمة لاحتياطه للعبادة والأدب والحرمة وليقتدي به كل من علمه
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي أيوب) الأنصاري قال شارحه: حسن غريب ورواه عنه الديلمي
_________
(1) أحاديث التخليل المشروحة: 85، 3267، 3671، 3672، 3673، 3938، 3939، 3940، 3941، 4419، 4420، 6624، 6625، 9022]

(4/22)


4421 - (رحم الله المتسرولات من النساء) أي اللذين يلبسون السراويل بقصد السترة فهو لهن سنة مؤكدة محافظة على ستر [ص:23] عوراتهن ما أمكن
(قط في الأفراد ك في تاريخه) تاريخ نيسابور من حديث محمد بن القاسم العتكي عن محمد بن شاذان عن بشر بن الحكم عن عبد المؤمن بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة (هب) قال: حدثنا الحاكم إسناده هذا (عن أبي هريرة) قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس بالمسجد مرت امرأة على دابة فلما حاذته عثرت بها فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: متسرولة فذكره وفيه من لا يعرف (خط في كتاب المتفق والمفترق (1)) من حديث أبي بكر الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن بشر بن بشار عن سهل بن عبد الواسطي عن يوسف بن زياد عن عبد الرحمن (عن سعد بن طريف) قال ابن حجر: سعد بن طريف ذكره الخطيب في المتفق والمفترق وقال: يقال له صحبة ثم روى له هذا الحديث وقال: لم أكتبه إلا من هذا الوجه وفي إسناده غير واحد من المجهولين وقال ابن الجوزي: جعل الخطيب سعدا هذا من الصحابة وفرق بينه وبين سعد من طريق الإسكاف ولا أراه إلا هو وليس في الصحابة من اسمه سعد بن طريف وكان الإسكاف وضاعا للحديث ويوسف بن زياد قال الدارقطني: مشهور بالأباطيل فالحديث موضوع اه. ونازعه المؤلف في دعواه وضعه (عق) من حديث إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن الصباح بن مجاهد (عن مجاهد بلاغا) أي أنه قال: بلغني أن امرأة سقطت عن دابتها فانكشفت والنبي صلى الله عليه وسلم قريب منها فأعرض فقيل: عليها سراويل فذكره ومحمد بن مسلم ضعفه أحمد ووثقه غيره
_________
(1) هما ما اتفق لفظا وخطا وأقسامه كثيرة منها أبو عمرو الجوني اثنان أحدهما عبد الملك بن حبيب التابعي والثاني اسمه موسى بن سهيل مصري سكن بغداد روى عن هشام بن عمار وغيره. وللمتحدثين أيضا المؤتلف والمختلف وهو ما يتفق في الخط صورته ويختلف في اللفظ صفته كعثام بن علي وغنام بن أوس ويسير بن عمرو وبشير بن بشار

(4/22)


4422 - (رحم الله امرءا اكتسب طيبا) أي حلالا (وأنفق قصدا) أي بتدبير واعتدال من غير إفراط ولا تفريط (وقدم فضلا) أي ما فضل عن اتفاق نفسه وممونه بالمعروف بأن تصدق به على المحتاج ليدخره (ليوم فقره وحاجته) وهو يوم القيامة. قدم ذكر الطيب إيماء إلى أنه لا ينفعه يوم الجزاء عند الله إلا ما أنفقه من الحلال قال الحرالي: ولذلك لم يأذن الله لأحد في أكله حتى يتصف بالطيب للناس الذين هم أدنى المخاطبين بانسلاخ أكثرهم من العقل والشكر والإيمان ومحى اسمه عن الذين آمنوا {كلوا من طيبات ما رزقناكم}
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن عائشة)

(4/23)


4423 - (رحم الله امرءا أصلح من لسانه) بأن تجنب اللحن أو بأن ألزمه الصدق وجنبه الكذب حث على إصلاح الألسن بدعائه له بالرحمة وإصلاحه من وجهين أحدهما إصلاح نطقه بالعربية ولسان العرب أشرف الألسنة سميت عربية لإعرابها عن الأشياء وأفصحها عن الحقائق ما لم يفصح غيرها وجميع العلوم مفتقرة إليها سيما الشرعية فلا يدرك حقائق الكتاب والسنة إلا بوفور الحظ منها وروى بعض المحدثين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة بسكون اللام ثم قال مخاطبا بعض العلماء: لي منذ عشرين سنة ما حلقت رأسي قبلها لهذا النعي فقال: هذا تصحيف والحلق محركا أي نهى أن يتحلق الناس قبل الجمعة وقيل: إن النصارى كفرت بتصحيف كلمة أوحى الله إلى عيسى أنا ولدتك بالتشديد فخففوا الثاني إصلاح اللسان بالتقوى وإدامة ذكر الله أو الخير والتنزه عن كل ما يقبح شرعا أو عادة حتى يصلح لسانه فلا ينطق إلا بخير قال الحكماء: الخرس خير من الكذب وصدق [ص:24] اللسان أول السعادة وقال بعض البلغاء: لا سيف كالحق ولا عون كالصدق والكذب جماع كل شر
(ابن الأنباري) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة (في) كتاب (الوقف) والابتداء (والموهبي) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء والموحدة نسبة إلى موهب بطل من المغافر (في) كتاب (العلم عد خط في الجامع) لآداب المحدث والسامع كلهم (عن عمر) بن الخطاب وسببه أنه مر بقوم رموا رشفا فأخطأوا فقال: ما أسوأ رميكم قالوا: نحن متعلمين قال: لحنكم أشد علي من رميكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب باللفظ المزبور وكأنه أغفله ذهولا وأورده في الميزان في ترجمة عيسى بن إبراهيم وقال: هذا ليس بصحيح (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: حديث لا يصح

(4/23)


4424 - (رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا) قال ابن قدامة: هذا ترغيب فيه لكنه لم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر راويه لم يحافظ عليها وقال الغزالي: يستحب استحبابا مؤكدا رجاء الدخول في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإن دعوته مستجابة لا محالة
(د ت) وحسنه (حب) وصححه كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن القيم: اختلف فيه فصححه ابن حبان وضعفه غيره وقال ابن القطان: سكت عليه عبد الحق مسامحا لكونه من رغائب الآمال وفيه محمد بن مهيان وهاه أبو زرعة وقال الفلاس: له مناكير منها هذا الخبر

(4/24)


4425 - (رحم الله امرءا تكلم فغنم) بسبب قوله الخير (أو سكت) عما لا خير فيه (فسلم) بسبب صمته عن ذلك وأفهم بذلك أن قول الخير خير من السكوت لأن قول الخير ينتفع به من يسمعه والصمت لا يتعدى صاحبه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الأمثال <تنبيه> قال ابن عربي: أمراض النفس قولية وفعلية وتفاريع القولية كثيرة لكن عللها وأدويتها محصورة في أمرين الواحد أن لا تتكلم إذا اشتهيت أن تتكلم والآخر أن لا تتكلم إلا فيما إن سكت عنه عصيت وإلا فلا وإياك والكلام عند استحسان كلامك فإنه حالتئذ من أكبر الأمراض وما له دواء إلا الصمت إلا أن نجبر على رفع الستر وهذا هو الضابط اه
(هب عن أنس) ابن مالك (وعن الحسن) البصري (مرسلا) قال الحافظ العراقي: في سند المرسل رجاله ثقات والمسند فيه ضعف فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين

(4/24)


4426 - (رحم الله عبدا قال) أي خيرا (فغنم) ثوابا (أو سكت فسلم) من العقاب قال الديلمي: قال ذلك ثلاثا وعليه قيل:
وأمسكت إمساك الغبي وإنني. . . لأنطق من طير غدا فارق عشرا؟ ؟ (1)
(وقيل) :
تأمل فلا تستطيع رد مقالة. . . إذا القول في زلاته فارق الغما
_________
(1) " فارق عشرا ": هذه العبارة غير مقروءة في الأصل وهي بحاجة إلى تصحيح فليراجع. دار الحديث
_________
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان عن أبي أمامة ورواه عنه أيضا الديلمي ثم قال: وفي الباب أنس

(4/24)


4427 - (رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم) قال الماوردي: يشير به إلى أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر لا يمكن استرجاع بوادره ولا يقدر على دفع شوارده فحق على العاقل أن يحترز من زلله بالإمساك عنه أو الإقلال منه قال علي كرم الله وجهه: اللسان معيار إطاشة الجهل وأرجحه العقل
(ابن المبارك) في الزهد وكذا الخرائطي في مكارم الأخلاق (عن خالد بن أبي عمران مرسلا) هو التجيبي التونسي [ص:25] قاضي إفريقية عن عروة وغيره قال الذهبي: صدوق فقيه عابد مات سنة تسع وثلاثين ومئة

(4/24)


4428 - (رحم الله امرءا علق في بيته سوطا يؤدب به أهله) أي من أساء الأدب منهم ولا يتركهم هملا وقد يكون التأديب مقدما على العفو في بعض الأحوال وإنما قال علق ولم يقتصر على قوله أدب مع كونه أحضر إيذانا بأنه لا يضرب أو لا يزجر ويهدد ويحضر لهم آلة الضرب فإن نجع ذلك فيهم لا يتعداه لحصول الغرض وإلا ضرب ويتقي الوجه والمقاتل ولا يقصد بضربه تشفيا ولا انتقاما وإلا عاد وباله عليه
(عد) من حديث عباد بن كثير الثقفي عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد الله وظاهر صنيع المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه بل أعله بكثير هذا ونقل تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم

(4/25)


4429 - (رحم الله أهل المقبرة) بتثليث الباء اسم للموضع الذي تقبر فيه الأموات أي تدفن قال ذلك ثلاثا فسئل عن ذلك فقال: (تلك مقبرة تكون بعسقلان) بفتح فسكون بلد معروف واشتقاقه من العساقيل وهو السراب أو من العسقيل وهو الحجارة الضخمة كذا في معجم البلدان قال الحافظ ابن حجر: وكان عطاء راوي هذا الخبر يرابط بها كل عام أربعين يوما حتى مات يعني أنه يستشهد جماعة فيدفنون في مقبرة فيها وهذا علمه من طريق الكشف
(ص) عن إسماعيل بن عياش (عن عطاء الخراساني) نسبة إلى خراسان بلد مشهور قال الجرجاني: معنى خور كل وسان معناه سهل أي كل بلا تعب وقال غيره: معناه بالفارسية مطلع الشمس والعرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس فخراسان فارس كذا في المعجم (بلاغا) أي أنه قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وعطاء هو ابن أبي مسلم مولى الملهب بن أبي صعرة قال ابن حجر: صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدنس أرسل عن معاذ وأضرابه وروي عن عكرمة والطبقة وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات فتعقبه ابن حجر في القول المسدد بأنه حديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط فليس فيه ما يحيله الشرع ولا العقل فالحكم عليه بالبطلان لا يتجه وطريقة الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون الأحكام وقد ورد معناه في خبر مسند متصل عند أبي يعلى والبزار بلفظ إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استغفر وصلى على أهل مقبرة بعسقلان وفي خبر الطبراني إذا دارت الرحى في أمتي كان أهلها أي عسقلان في خير وعافية

(4/25)


4430 - (رحم الله حارس الحرس) بفتح الحاء والراء اسم الذي يحرس والحارس الحافظ وفي رواية بدله الجيش وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بكماله وكأنه وهم بل بقيته كما في الفردوس وغيره الذين يكونون بين الروم وعسكر المسلمين ينظرون لهم ويحذرونهم انتهى
: (هـ ك) في الجهاد (عن عقبة بن عامر) الجهني قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي

(4/25)


4431 - (رحم الله) هو ماضي بمعنى الطلب (رجلا قام من الليل) أي بعد النوم إذ لا يسمى تهجدا إلا صلاة بعد نوم (فصلى) أي ولو ركعة لخبر عليكم بصلاة الليل ولو ركعة (وأيقظ امرأته) في رواية أهله وهي أعم (فصلت فإن أبت) أن تستيقظ (نضح) أي رش (في وجهها الماء) ونبه به على ما في معناه من نحو ماء ورد أو زهر (1) وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة وإيقاظها لذلك وعكسه. (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإذا أبى نضحت في وجهه الماء) أفاد كما قال الطيبي [ص:26] أن من أصاب خيرا ينبغي أن يحب لغيره ما يحب لنفسه فيأخذ بالأقرب فالأقرب فقوله رحم الله رجلا فعل كذا تنبيه للأمة بمنزلة رش الماء على الوجه لاستيقاظ النائم وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما نال ما نال بالتهجد من الكرامة أراد أن يحصل لأمته حظ من ذلك فحثهم عليه عادلا عن صيغة الأمر للتلطف
(حم د ن هـ حب ك عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم وتعقب بأن فيه محمد بن عجلان تكلم فيه قوم ووثقه آخرون قال النووي بعد عزوه لأبي داود: إسناده صحيح
_________
(1) [أو منشفة صغيرة مبللة. ويقول كاتب هذه الحاشية من دار الحديث: إني استيقظت مرة بعد أن نضح الماء على وجهي كما ذكر في هذا الحديث فكان ذلك الاستيقاظ رغم شدة ثقل نومي يومها أسهل وأسرع وألطف ما أذكره على الإطلاق. ثم جربته على أحد أولادي وكان صعب الاستيقاظ فقام للحظته قائلا " شكرا ". فصلى الله على من علمنا الخير ودلنا إلى ألطف وأنجح السبل في ديننا ودنيانا آمين)
وخص الوجه بالنضح لشرفه ولأنه محل الحواس التي بها يحصل الإدراك. وفيه ندب أمر الزوجة بالصلاة (الفريضة والنافلة) وإيقاظها لذلك وعكسه. دار الحديث]

(4/25)


4432 - (رحم الله رجلا) مات و (غسلته امرأته وكفن في أخلاقه) أي ثيابه التي أشرفت على البلى وفعل ذلك بأبي بكر غسلته امرأته أسماء وكفن في ثيابه التي كان يتبذلها كذا في سنن البيهقي
(هق عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وليس بصواب فقد قال الذهبي: إسناده ضعيف فيه الحكم بن عبد الله تركوه

(4/26)


4433 - (رحم الله عبدا) أي إنسانا (كانت لأخيه عنده مظلمة) بكسر اللام على الأشهر وحكى الضم والفتح وأنكر (في عرض) بالكسر محل المدح والذم من الإنسان كما سبق (أو مال) بسائر أصنافه (فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ) أي تقبض روحه (وليس ثم) أي هناك يعني في القيامة (دينار ولا درهم) ليقضي منه ما عليه (فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته) فيوفى منها لصاحب الحق (وإن لم تكن له حسنات) أو لم توفي وبقيت عليه بقية (حملوا عليه من سيئاتهم) أي ألقي عليه أصحاب الحقوق من ذنوبهم التي اجترحوها بقدر حقوقهم ثم يقذف في النار كما صرح به في عدة أخبار وهذا الحديث خرجه مسلم بمعناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا ولفظه المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصدقة وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار ولا يعارض ذلك {ولا تزر وازرة وزر أخرى} لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الحق تعالى في عباده وقد تعلق بعض الذاهبين إلى صحة الإبراء من المجهول بهذا الحديث وقال ابن بطال: بل فيه حجة لاشتراط التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي كونها معلومة القدر وقال ابن المنير: إنما وقع في الخبر حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه إنما الخلاف فيما لو أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط معرفة قدره والحديث مطلق
(ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وظاهر صنيعه أن هذا مما لم يتعرض أحد الشيخين لتخريجه وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد رواه سلطان المحدثين البخاري مع خلف لفظي لا يصلح عذرا للعدول

(4/26)


4434 - (رحم الله عبدا) دعاء أو خبر وقرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء (سمحا) بفتح فسكون جوادا أو مساهلا غير مضايق في الأمور وهذا صفة مشبهة تدل على الثبوت ولذا كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي حيث قال: (إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى) أي وفى ما عليه بسهولة (سمحا إذا اقتضى) أي طلب قضاء حقه [ص:27] وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة وترك المشاححة والتضييق في الطلب والتخلق بمكارم الأخلاق وقال القاضي: رتب الدعاء على ذلك ليدل على أن السهولة والتسامح سبب لاستحقاق الدعاء ويكون أهلا للرحمة والاقتضاء والتقاضي وهو طلب قضاء الحق. وقال ابن العربي: فإن كان سيء القضاء حسن الطلب فمطله بما عليه يحسب له في مقابله صبره بماله على غيره
(خ هـ) في البيع (عن جابر) مطولا ومختصرا

(4/26)


4435 - (رحم الله قوما يحسبهم الناس مرضى وما هم بمرضى) وإنما الذي ظهر على وجوههم من التغيير من استيلاء هيبة الجلال على قلوبهم وغلبة سلطان الخوف والقهر على أفئدتهم
(ابن المبارك) في الزهد (عن الحسن البصري مرسلا) قال الحافظ العراقي: ورواه أحمد موقوفا على علي

(4/27)


4436 - (رحم الله موسى) بن عمران كليم الرحمن (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به أي آذاه قومه بأشد مما أوذيت به من تشديد فرعون وقومه وإبائه عليهم وقصده إهلاكه بل ومن تعنت من آمن معه من بني إسرائيل حتى رموه بداء الأدرة واتهموه بقتل أخيه هارون لما مات معه في التيه بعد ما رأوا من معجزاته الحسية العجائب مما جاء به التنزيل من فظاظتهم وسوء طباعهم وفحش أخلاقهم (فصبر) قيل: لما سلك بهم البحر قالوا له: إن صحبنا لا نراهم فقال: سيروا فإنهم على طريق كطريقكم قالوا: لا نرضى حتى نراهم فقال: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة ففتحت لهم كوات في الماء فتراموا وتسمعوا وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال رجل يوم حنين: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فتغير وجهه ثم ذكره (1) وكان كلامه هذا شفقة عليهم ونصحا في الدين لا تهديدا وتثريبا إيثارا لحق الله على نفسه في ذلك المقام الذي هو عقب الفتح وتمكن السلطان الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويتشفى المغيظ المحنق ويدرك ثأره المؤثر فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسمحها ولله عقولهم ما أرزنها وأرجحها قال الزمخشري: وفيه تسلية للعالم لما يلقى من الجهلة وقال الغزالي: كما لا تخلو الأنبياء من الابتلاء بالمعاندين فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين فقلما انفك ولي أو عالم عن ضروب من الإيذاء بنحو إخراج من بلدة وسعاية إلى سلطان وشهادة عليه حتى بالكفر فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا فعلى العلماء العدل والقيام بنواميس الشريعة والصدع بالحق عند السلطان وإظهار السنن وإخماد البدع والقيام لله في أمور الدين ومصالح المسلمين وتحمل الأذى المترتب على ذلك ولا يرضون من فعالهم الظاهرة والباطنة بالجائز بل يأخذون بأحسنها وأكملها فإنهم القدوة والمرجع في الأحكام وحجة الله على العوام
(حم ق عن ابن مسعود) قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مئة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مثلها وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال: ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى إلخ
_________
(1) وقال ناس من الأنصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالتهم فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع أحدا غيرهم فلما اجتمعوا قال: ما كان حديث بلغني عنكم قال له بلغاؤهم وفقهاؤهم: أما ذوو رأينا فلم يقوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض
[تنبيه: هذه الحاشية لم يذكر رقمها في ضمن شرح المناوي فوضعناه في أكثر مكان مناسبة. دار الحديث]

(4/27)


[ص:28] 4437 - (رحم الله يوسف) النبي (إن كان لذا أناة حليما لو كنت أنا المحبوس) ولبثت في السجن هذه اللبثة (ثم أرسل إلي لخرجت سريعا) مبادرة إلى الخلاص والاستراحة منه ولم أقل {ارجع إلى ربك} الآية وهذا قاله تواضعا ورفعة لشأن يوسف وإيثارا لإخباره بكمال فضيلته وحسن نظره في بيان نزاهته وحمدا لصبره وترك عجلته وتنبيها على أن الأنبياء وإن كانوا من الله بمكان لا يرام فهم بشر يطرأ عليهم من الأحوال ما يطرأ على غيرهم فلا يعد ذلك نقصا
(ابن جرير) المجتهد المطلق المجمع على أمانته وجلاله في التهذيب (وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه

(4/28)


4438 - (رحم الله أخي يوسف لو أنا) كنت محبوسا تلك المدة (وأتاني الرسول) يدعوني إلى الملك (بعد طول الحبس لأسرعت الإجابة) أي إجابة رسول الملك الذي أخبر الله عنه بقوله {فلما جاءه الرسول} (حين قال له ارجع إلى ربك) أي سيدك (فاسأله ما بال النسوة) إلى آخر الآية وهذا من حسن تواضعه وثنائه على يوسف كما تقرر لا أنه كان عليه إثم أو تقصير لو كان محل يوسف عليه السلام لخرج مع الرسول وإنما أراد لم يكن يستثقل محنة الله فيعجل بل كان صابرا محتسبا مع طول أمد الحبس عليه. قال في الكشاف: إنما تأتي وتثبت في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما سجن فيه لئلا يتسلق له الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلونه سلما إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في الحبس سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير فإن قيل: إنما ذكر المصطفى هذا على جهة المدح ليوسف فما باله يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره قلنا: إنما أخذ لنفسه وجها آخر من أن الرأي وجه آخر أي لو كنت أنا لبادرت الخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك وذلك أن هذه النقيصة والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد عليه السلام حمل الناس على الأحزم من الأمور دون التعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من ذلك السجن بما يفتح له ذلك من البقاء في سجنه وإن كان يوسف أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك وقال بعضهم: خاف يوسف أن يخرج من السجن فيناله من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك المنزلة ويقولون هذا الذي راود امرأة مولاه فأراد بيان براءته وتحقيق منزلته
(حم في) كتاب (الزهد وابن المنذر عن الحسن) البصري (مرسلا)

(4/28)


4439 - (رحم الله أخي يحيى) سماه أخا لأن نسب الدين أعظم من نسب الماء والطين (حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير) ابن سنتين أو ثلاث على ما في تاريخ الحاكم عن الحبر بسند واه وأصح منه أنه كان ابن ثمان (فقال) لهم (أللعب [ص:29] خلقت) استفهام إنكاري أي بل خلقت للعبادة وهي الآن مطلوبة مني لأن الله أحكم عقله في صباه وإذا كان هذا مقال من لم يبلغ الحنث (فكيف بمن أدرك الحنث في مقاله) (1) وهذا يوضحه ما رواه ابن قتيبة من حديث ابن عمرو أن يحيى دخل بيت المقدس وهو ابن ثمان فنظر إلى العباد واجتهادهم فرجع إلى أبويه فمر في طريقه بصبيان يلعبون فقالوا: هلم نلعب فقال: إني لم أخلق للعب فذلك قوله تعالى {وآتيناه الحكم صبيا}
(ابن عساكر) في التاريخ (عن معاذ) بن جبل
_________
(1) أي صار قوله في حال صغره كقول من بلغ وكمل عقله أي لا يليق بي اللعب لأن الله تعالى أكمل عقلي في حال صباي ويحتمل أن يكون فكيف إلخ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس من كلام يحيى

(4/28)


4440 - (رحم الله من حفظ لسانه) أي صانه عن التكلم فيما لا يعنيه قال الماوردي: للكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها ولا يعرى من النقص إلا أن يستوعبها وهي أربعة: الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في جلب نفع أو دفع ضر الثاني: أن يأتي به في محله ويتوخى به إصابة فرصة الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته الرابع: أن يتخير اللفظ اللذي يتكلم به فهذه الأربعة متى أخل المتكلم بشروط منها فقد أخطأ (وعرف زمانه) (1) أي ما يليق به فعمل على ما يناسبه (واستقامت طريقته) أي استعمل القصد في أموره كتب ابن عبد العزيز إلى ولده وقد بلغه أنه اتخذ خاتما من فضة أما بعد فإنه قد بلغني عنك أنك اتخذت خاتما من فضة فإذا وصلك كتابي فبعه واشتري به طعاما وأطعمه الفقراء واتخذ خاتما من حديد وانقش عليه " رحم الله من عرف قدر نفسه فاستراح "
(فر عن ابن عباس) وفيه محمد بن زياد اليشكري الميموني قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد: كذاب خبيث يضع الحديث وقال الدارقطني: كذاب اه ورواه الحاكم أيضا وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى
_________
(1) أي زمن تكليفه الذي يجري عليه فيه القلم فيحذره أو أهل زمانه فيقتدي بصالحهم ويتباعد عن طالحهم

(4/29)


4441 - (رحم الله قسا) بن ساعدة الأيادي عاش ثلاث مئة وثمانين سنة وقيل: ست مئة قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا فسألهم عنه فقالوا: مات فقال: (كأني أنظر إليه) بسوق عكاظ (على جمل) أحمر أورق أي يضرب إلى الخضرة كلون الرماد أو إلى سواد (تكلم بكلام له حلاوة لا أحفظه) فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله فقال: هاتوه فذكروا خطبته البديعة السابقة المشحونة بالحكم والمواعظ وهو أول من آمن بالبعث من الجاهلية وأول من قال أما بعد وأول من كتب من فلان إلى فلان
(الأزدي) نسبة إلى أزدشنوءة بفتح الهمزة وسكون الزاي وكسر المهملة وهو أزد بن الغوث بن نيث بن ملكان (في الضعفاء عن أبي هريرة) وورد من عدة طرق أخرى قال ابن حجر: وكلها ضعيفة قال المصنف: إذا ضم بعضها إلى بعض حكم بحسنه فزعم ابن الجوزي وضعه غير سديد

(4/29)


4442 - (رحم الله والدا أعان ولده على بره) بتوفيته ما له عليه من الحقوق فكما أن لك على ولدك حقا فلولدك عليك حق فمتى كان الوالد غأويا جافيا جر ولده إلى القطيعة والعقوق
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) بن حيان (في) كتاب (الثواب عن علي) أمير المؤمنين وكذا عن عمر وقال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف

(4/29)


4443 - (رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه) أي أداه من غير زيادة ولا نقص فمن زاد أو نقص فهو مغير لا مبدل (من هو أوعى منه) أي أعظم تذكرا يقال وعى يعي عيا إذا حفظ كلاما بقلبه ودام على حفظه ولم ينسه زاد في رواية فرب مبلغ أوعى من سامع أي لما رزق من جودة الفهم وكمال العلم والمعرفة وخص مبلغ السنة بالدعاء بالرحمة لكونه سعى في إحياء السنة ونشر العلم وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} قال البعض: فيه أنه يجيء آخر الزمان من يفوق من قبله في الفهم ونازعه ابن جماعة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن زيد بن خالد الجهني) ورواه الحاكم بنحوه

(4/29)


[ص:30] 4444 - (رحم الله إخواني بقزوين) في إثبات الأخوة لهم دلالة على علو مرتبتهم وحيازتهم فضيلة ذاك الجناب الأفخم ولوصفه لهم بالأخوة جعلهم جمع كالصحابة بل مقتضى الأخوة عند الإنصاف أخص من الصحبة وهي الأخوة الدينية من حيث كونهم قائمين بالحق كل القيام ذكره في المطامح
(ابن أبي حاتم في) كتاب (فضائل قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء بعدها نون مدينة كبيرة شهيرة من بلاد العجم برز منها أئمة أكابر ذكره ابن خلكان في ترجمة أخي الإمام الغزالي (عن أبي هريرة وابن عباس معا - أبو العلاء العطار فيها عن علي)

(4/30)


4445 - (رحم الله عينا بكت من خشية الله) أي من خوفه (ورحم الله عينا سهرت في سبيل الله) أي في الحرس في الرباط أو في قتال الكفار عند مقاومة العدو
(حل عن أبي هريرة) وقال: غريب من حديث الثوري لم يكتبه إلا محمد بن عبد الله الحميدي عن شعيب بن حرب

(4/30)


4446 - (رحمة الله علينا وعلى موسى) هذا من حسن الأدب نحو {عفا الله عنك} تمهيدا لدفع ما يوحش من نسبة العجلة وعدم التأني إليه (لو صبر) بمعنى تصبر عن المبادرة بالسؤال للخضر عن إتلاف المال وقتل نفس لم تبلغ وترك الاستخبار عن ذلك حتى يكون هو الذي يخبره كما شرط ذلك عليه بقوله {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} (لرأى من صاحبه) الخضر (العجب) تمامه عند النسائي ولكنه قال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} انتهى. فبتركه الوفاء بالشرط حرم بركة صحبته واستفادة العلم من جهته (1) قالوا: وقد أدب الله العلماء بنفسه حيث لم يرد العلم إلى الله بنفسه لما سئل هل في الأرض أعلم منك قال المرسي: كنت في البحر وانفتح المركب واشتد الريح فانفتحت السماء ونزل ملكان أحدهما يقول موسى أعلم من الخضر والآخر يقول الخضر أعلم فنزل ملك آخر فقال: والله ما علم الخضر في علم موسى إلا كعلم الهدهد في علم سليمان قال ابن حجر: هذا الحديث مما استدل به من زعم أنه لم يكن الخضر حالة هذه المقالة موجودا إذ لو كان لأمكنه أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى وأجاب من ادعى بقاءه بأن التمني إنما كان يقع بينه وبين موسى وغير موسى لا يقوم مقامه قال ابن عطاء الله: وبقاء الخضر إلى الآن أجمع عليه هذه الطائفة وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه واشتهر إلى أن بلغ حد التواتر الذي لا يمكن جحده وفيه من آداب الدعاء أنه يبدأ بنفسه وفضل العلم والأدب مع العالم وحرمة المشايخ وترك اعتراض الكبير على كبير ولو دونه في الرتبة ولا يبدره بالإنكار بل يصبر حتى يكشف له القناع وأن على المتعلم تقليد معلمه حتى فيما خالف رأيه فإن خطأ مرشده أنفع من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب أحيانا بالحرارة ليزيد في قوته إلى حد يحتمل معه صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له بالطب وقال بعضهم: هذا أصل عظيم في وجوب التسليم في كل ما جاء به الشرع وإن لم تظهر حكمته للعقول
(د ن ك) في كتاب الأنبياء (عن أبي) بن كعب (زاد الباوردي " العجاب ") قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وهذا الحديث رواه الشيخان في قصة حديث الخضر وموسى بلفظ يرحم الله موسى لوددت أن لو كان صبر حتى يقص علينا من أخبارها
_________
ولا دلالة فيه على تفضيل الخضر عليه فقد يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل

(4/30)


[ص:31] 4447 - (رحماء أمتي أوساطها) أي الذي يكونون في وسطها يعني قبل ظهور الأشراط
(فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عثمان بن عطاء أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وغيره وعمرو بن شعيب اختلف فيه

(4/31)


4448 - (رد جواب الكتاب كرد السلام) أي إذا كتب لك رجل بالسلام في كتاب ووصل إليك وعلمته بقراءتك أو بقراءة غيرك وجب عليك الرد باللفظ أو المراسلة وبه صرح جمع من الشافعية وهو مذهب ابن عباس قال النووي: ولو أرسل السلام مع إنسان وجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة ونوزع بأنه بالوديعة أشبه قال ابن حجر: والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه بالأمانة وإلا فوديعة ثم قال النووي: ولو أتاه شخص بسلام مع شخص أو في ورقة وجب الرد فورا ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرجه النسائي ويتأكد رد جواب الكتاب فإن تركه ربما أورث ضغائن ولهذا أنشد:
إذا كتب الخليل إلى خليل. . . فحق واجب رد الجواب
إذا الإخوان فاتهم التلاقي. . . فما صلة بأحسن من كتاب
قال الحرالي: والرد الرجوع إلى ما كان منه من البدء
(عد) من حديث الحسن بن محمد البلخي قاضي مرو عن حميد (عن أنس) بن مالك قضية صنيع المصنف أن مخرجه ابن عدي خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله منكر جدا البلخي يروي الموضوعات والرواي عنه يروي المناكير وفي اللسان كل أحاديثه مناكير وقال ابن حبان: يروي الموضوعات لا تحل الرواية عنه ثم ساق له هذا الحديث ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن له شاهدا وهو قول ابن عباس المشار إليه بقوله (ابن لال) أبو بكر القرشي عن جعفر الخلدي عن عبيد بن غنام عن علي بن حكيم عن أبي مالك الجهني عن جويبر عن الضحاك (عن ابن عباس) ظاهر تصرف المؤلف أن ابن عباس رفعه والأمر بخلافه وإنما هو من كلامه فقد قال ابن تيمية: رفعه غير ثابت

(4/31)


4449 - (رد سلام المسلم على المسلم صدقة (1)) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة وربما أفهم هذا أنه مندوب لا واجب والجمهور على الوجوب وأفهم أن الكافر لا يرد عليه وهو إجماع
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الشعاب عن أبي هريرة) ورواه عنه الديلمي أيضا
_________
(1) الجار والمجرور متعلق برد ويجوز فتح السين وإسكانها وإن ثبتت الرواية بأحدهما فهي متبعة أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة أي الزكاة فإنه واجب

(4/31)


4450 - (ردوا السائل ولو بظلف (1)) بكسر فسكون (محرق) لو للتقليل والمراد الرد بالإعطاء والمعنى تصدقوا بما تيسر كثر أو قل ولو بلغ في القلة الظلف مثلا فإنه خير من العدم وقال أبو حيان: الواو الداخلة على الشرط للعطف لكونها لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق تقديره ردوه بشيء على حال ولو بظلف وقيد الإحراق أي النييء كما هو عادتهم فيه لأن النييء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي وقال الطيبي: هذا تتميم لإرادة المبالغة في ظلف كقولها " كأنه علم في رأسه نار " يعني لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف فهو مثل ضرب للمبالغة والذهاب إلى أن الظلف إذ ذاك كأن له عندهم قيمة بعيد عن الاتجاه
(مالك) في الموطأ (حم تخ ن) في الزكاة (عن حواء بنت السكن) تدعى أم يحيد كفضيل يقال هي أخت أسماء كانت من المبايعات وفي التقريب: هي جدة عمرو بن معاذ صحابية [ص:32] لها حديث أي وهو هذا قال ابن عبد البر: حديث مضطرب
_________
(1) الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخف للبعير وقيد بالمحرق لمزيد المبالغة

(4/31)


4451 - (ردوا السلام) على المسلم وجوبا لكن إن أتى بالسلام باللفظ العربي أما لو سلم بغيره فهل يستحق الجواب أقوال ثالثها يجب لمن لم يحسن العربية ويجب الرد فورا فإن أخر ثم رد لم يعد جوابا ذكره القاضي حسين ومحله حيث لا عذر قاله ابن حجر ولو وقع الابتداء بصيغة الجمع لم يكف الرد بصيغة الإفراد لأن الجمع يقتضي التعظيم فلا يكون ردا بالمثل فضلا عن الأحسن كذا ذكره ابن دقيق العيد (وغضوا البصر) عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه (وأحسنوا الكلام) أي ألينوا القول وتلطفوا مع الخلق نظرا للخالق فأفاد به أنه تسن المحافظة على شعائر الإسلام وظواهر الأحكام سيما للعلماء الأعلام كإفشاء السلام للخاص والعام ونهى عن منكر وأمر بمعروف إلى غير ذلك مما هو معروف
(ابن قانع) في المعجم (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رمز المصنف لحسنه

(4/32)


4452 - (ردوا القتلى إلى مضاجعها) وفي رواية إلى مضاجعهم أي لا تنقلوا الشهداء عن مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا لفضل البقعة بالنسبة إليهم لكونها محل الشهادة وكذا من مات ببلد لا ينقل لغيره وهذا مستثنى من ندب جمع الأقارب في مقبرة واحدة. قال الزين العراقي: وهذا تشريف عظيم للشهداء لشبههم بالأنبياء حيث يدفن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المكان الذي مات فيه فألحق بهم الشهداء وقال المظهر: فيه أن الميت لا ينقل من الموضع الذي مات فيه إلى بلد أخرى قال الأشرفي: هذا كان في الابتداء أما بعده فلا. كما روي أن جابرا جاء بأبيه الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع فدفنه قال بعضهم: ولعله كان لضرورة
(ت) وحسنه (حب) كلاهما من رواية ربيح أو نبيح العنزي (عن جابر) قال: جاءت عمتي بأبي يوم أحد لتدفنه في مقابرنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ردوا القتلى إلى مضاجعها قال الترمذي: حسن صحيح. قال الزين العراقي: وقد حكى الترمذي نفسه عن البخاري أنه قال في ربيح منكر الحديث. وقال أحمد: غير معروف اه. وقضية صنيع المؤلف أن الترمذي تفرد به عن الستة وإلا لما خصه والأمر بخلافه فقد قال الزين العراقي: خرج حديث جابر هذا بقية أصحاب السنن

(4/32)


4453 - (ردوا المخيط) بالكسر الإبرة (والخياط) أي الخيط (من غل مخيطا أو خياطا) من الغنيمة (كلف يوم القيامة أن يجيء به وليس بجاء) يعني يعذب ويقال له جيء به وليس بقدر على ذلك فهو كناية عن دوام تعذيبه وهذا قاله لما قفل من حنين فجاء رجل يستحله خياطا أو مخيطا فذكره
(طب عن المستورد) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري حجازي نزل الكوفة ولأبيه صحبة قال الهيثمي: فيه أبو بكر عبد الله بن حكيم الزاهري وهو ضعيف وقواه البعض فلم يلتفت إليه ورواه البيهقي من وجه آخر وتعقبه الذهبي بأن فيه نكارة

(4/32)


4454 - (ردوا مذمة السائل) بفتح الميم وبفتح الذال وتكسر أي ما يذمك به على إضاعته (ولو بمثل رأس الذباب) أي ولو بشيء قليل جدا وفي رواية ولو بمثل رأس الطائر من الطعام قال عيسى عليه السلام: من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام وفيه كما قال الغزالي حل السؤال عند الاضطرار ولو كان السؤال حراما لما جاز إعانة المعتدي على عداوته والإعطاء إعانة
(عق عن عائشة) قال ابن الجوزي: حديث لا يصح والمتهم به إسحاق [ص:33] ابن نجيح قال أحمد: وهو من أكذب الناس وقال يحيى: كان يضع وقال الذهبي: أفته من عثمان الوقاص

(4/32)


4455 - (رسول الرجل إلى الرجل إذنه) (1) أي هو بمنزلة إذنه له في الدخول إذا وصل إلى محل المدعو إليه وأخذ بظاهره جمع فلم يوجبوا على المرسل إليه استئذانا إذا وصل وأوجبه آخرون وعليه العمل وقال في المطامح: وهو أقرب لمعقولية الاستئذان وجمع بأن الأول فيهما إذا قربت الرسالة والثاني إذا بعدت قال ابن التين: والكلام فيمن ليس عنده من يستأذن لأجله والأحوط والاستئذان كيفما كان
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) وسكت عليه ورواه عنه أيضا البخاري في الأدب المفرد وابن حبان وعده البغوي في الحسان
_________
(1) أي إذا أرسل رجل إلى آخر رسولا يدعوه للقدوم فذلك هو إذنه بالدخول وذلك إن كان لا يخشى منه اطلاع على العورات وإلا فعليه الاستئذان. أما إن كان لدخول مكان عمل أو بستان لا يوجد فيه من يستأذن لأجله فيشمله الحديث. دار الحديث

(4/33)


4456 - (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم فمن امتثل أمر الله فقد بر الله وأكرمه وعظمه فرضى عنه ومن خالف أمره غضب عليه وهذا ما لم يشهد شاهد أبوة الدين بأن الوالد فيما يرومه خارج عن سبيل المتقين وإلا فرضى الرب في هذه الحالة في مخالفته وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة وقد تظاهرت على ذلك النصوص وفي خبر مرفوع لعن الله العاق لوالديه قال الذهبي: وإسناده حسن وقال وهب: أوحى الله إلى موسى وقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولدا يبره ومن عقهما قصرت عمره ووهبت له ولدا يعقه وقال أبو بكر بن أبي مريم: قرأت في التوراة من يضرب أباه يقتل
(ت) في البر (ك) في البر (عن ابن عمرو) بن العاص على شرط مسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد وهو متروك

(4/33)


4457 - (رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما) أي غضبهما الذي لا يخالف القوانين الشرعية كما تقرر قال الزين العراقي: وأخذ من عمومه أنه سبحانه يرضى عنه وإن لم يؤد حقوق ربه أو بعضها إذا كان الولد مسلما فإن قيل: ما وجه تعلق رضى الله عنه برضى الوالد قلنا: الجزاء من جنس العمل فلما أرضى من أمر الله بإرضائه رضي الله عنه فهو من قبيل لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الغزالي: وآداب الولد مع والده أن يسمع كلامه ويقوم بقيامه ويمتثل أمره ولا يمشي أمامه ولا يرفع صوته ويلبي دعوته ويحرص على طلب مرضاته ويخفض له جناحه بالصبر ولا يمن بالبر له ولا بالقيام بأمره ولا ينظر إليه شزرا ولا يقطب وجهه في وجهه
(طب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: وفيه عصمة بن محمد أيضا وهو متروك

(4/33)


4458 - (رضيت لأمتي ما) أي الشيء الذي (رضي لها) به أبو عبد الرحمن عبد الله (ابن) مسعود الهذلي وأمه (أم عبد) الهذلية أسلم قديما وشهد المشاهد كلها وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ولا يحجبه وهو صاحب سؤاله ونعليه وطهوره وبشره بالجنة وإنما رضي لأمته ما رضيه لها لأنه كان يشبهه في مشيه وسمته وهديه وكان نحيفا قصيرا جدا طوله نحو ذراع ولي قضاء الكوفة وما يليها في خلافة عمر ومات بها أو بالمدينة سنة اثنين وثلاثين عن بضع وستين
(ك عن ابن مسعود) ورواه عنه البزار وزاد وكرهت لها ما كره ابن أم عبد قال الهيثمي: وفيه محمد بن حميد الرازي وهو ثقة وبقية رجاله وثقوا

(4/33)


[ص:34] 4459 - (رغم) بكسر الغين وتفتح أي لصق أنفه بالتراب وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان (أنف الرجل) يعني إنسان وذكر الرجل وصف طردي وكذا يقال فيما بعده (ذكرت عنده) بالبناء للمفعول (فلم يصل علي) أي لحقه ذل وخزي مجازاة له على ترك تعظيمي أو خاب وخسر من قدر أن ينطق بأربع كلمات توجبه لنفسه عشر صلوات من الله ورفع عشر درجات وحط عشر خطيئات فلم يفعل لأن الصلاة عليه عبارة عن تعظيمه فمن عظمه عظمه الله ومن لم يعظمه أهانه الله وحقر شأنه قال الطيبي: والفاء استبعادية كهي في قوله تعالى {فأعرض عنها} والمعنى بعيد من العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بما ذكر فلم يغتنمه حتى يموت فحقيق أن يذله الله اه. ورد بأن جعلها للتعقيب أولى ليفيد ذم التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره (ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) أي رغم أنف من علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام غفر له ما سلف من الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه (ورغم أنف رجل) أي إنه مدعو عليه أو مخبر عنه بلزوم ذل وصغار لا يطاق (أدرك عنده أبواه الكبر) قيد به مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كل زمن لشدة احتياجهما إلى البر والخدمة في تلك الحالة (فلم يدخلاه الجنة) لعقوقه لهما وتقصيره في حقهما وهو إسناد مجازي يعني ذل وخسر من أدرك أبويه أو أحدهما في كبر السن ولم يسع في تحصيل مآربه والقيام بخدمته فيستوجب الجنة جعل دخول الجنة بما يلابس الأبوين وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما ومسبب عنهما وتعظيمهما مستلزم لتعظيم الله ولذلك قرن تعالى الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته فمن لم يغتنم الإحسان إليهما سيما حال كبرهما فجدير بأن يهان ويحقر شأنه
(ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه وقال الحاكم: صحيح قال ابن حجر: وله شواهد

(4/34)


4460 - (رغم أنفه) بالكسر أي لصق بالرغام أي التراب هذا أصله ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الظالم وقال القاضي: يستعمل رغم مجازا بمعنى كره من باب إطلاق اسم السبب على المسبب (ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) كرره ثلاثا لزيادة التنفير والتحذير (من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة) يعني لم يخدمهما حتى يدخل الجنة بسببهما قال بعضهم: والنبي رؤوف رحيم أرسل رحمة للعالمين فدعاؤه هنا على من آمن ببعد الرحمة لعله فيمن اشتغل بشهواته عن مرضات ربه بعد ما دله على سبيل الفلاح فتجافى عنه فكأنه أبى إلا النار بإكبابه على العصيان والتمرد على الرحمن فلم يستوجب الغفران حيث لم يعظم من أرسل رحمة بالصلاة عليه ولم يقم بتعظيم حرمة شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار واستخف بحق والديه فلم يقم بحقهما فحق لهؤلاء أن يطهرهم بالنار إن لم يدركهم اللطف
(حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري

(4/34)


4461 - (رفع عن أمتي الخطأ) أي إثمه لا حكمه إذ حكمه من الضمان لا يرتفع كما هو مقرر في الفروع (والنسيان) كذلك ما لم يتعاط بسببه حتى فوت الواجب فإنه يأثم (وما استكرهوا عليه) أي في غير الزنا والقتل إذ لا يباحان بالإكراه فالحديث منزل على ما سواهما قال البيضاوي: ومفهومه أن الخطأ والنسيان كان يؤاخذ بهما أولا إذ لا تمتنع [ص:35] المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك وإن كان خطأ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم يكن عزيمة لكنه تعالى وعدنا التجأوز عنه رحمة وفضلا ومن ثم أمر الإنسان بالدعاء به استدامة واعتدادا بالنعمة وفي جمع الجوامع أن هذا ليس من المجمد وخالف البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله وبعض الحنفية قالوا: لا يصح رفع المذكورات مع وجودها فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة لجمعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد منه رفع المؤاخذة اه. وقال ابن الهمام: قوله رفع إلخ من باب المقتضي ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ومن اعتبر في الحكم الأعم من حكم الدنيا والآخرة فقد عمته من حيث لا يدري إذ قد أثبته في غير محل الضرورة من تصحيح الكلام وصار كما لو أطال الكلام ساهيا فإنه يقول بالفساد فإن الشر في أن رفع فساده وجب شمول الصحة وإلا فشمول عدمها وإنما عفي القليل من العمل لعدم التحرز عنه اه
(طب عن ثوبان) رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد تعقبه الهيثمي بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف اه. وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر في الطلاق من الروضة أنه حسن ولم يسلم له ذلك بل اعترض باختلاف فيه وتباين الروايات وبقول ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة وذكر عبد الله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره ونقل الخلال عن أحمد من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله اه. وقد خفي هذا الحديث على الإمام ابن الهمام فقال: هذا الحديث يذكره الفقهاء بهذا اللفظ ولا يوجد في شيء من كتب الحديث

(4/34)


4462 - (رفع القلم عن ثلاثة) كناية عن عدم التكليف إذ التكليف يلزم منه الكتابة فعبر بالكتابة عنه وعبر بلفظ الرافع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا لثلاثة وأن صفة الرفع لا تنفك عن غيرهم (عن النائم حتى يستيقظ) من نومه (وعن المبتلى) بداء الجنون (حتى يبرأ) منه بالإفاقة وفي رواية بدل هذا وعن المجنون حتى يعقل (وعن الصبي) يعني الطفل وإن ميز (حتى يكبر (1)) وفي رواية حتى يشب وفي رواية حتى يبلغ وفي رواية أخرى حتى يحتلم. قال ابن حبان: المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم دون الخير قال الزين العراقي: وهو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منهم لزوال الشعور فالمرفوع عن الصبي قلم المؤاخذة لا قلم الثواب لقوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما سألته: ألهذا حج قال: نعم. واختلف في تصرف الصبي فصححه أبو حنيفة ومالك بإذن وليه وأبطله الشافعي فالشافعي راعى التكليف وهما راعيا التمييز
(حم د ن هـ ك عن عائشة) وقال الحاكم: على شرطهما. قال ابن حجر: ورواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة من طرق عن علي وفيه قصة جرت له مع عمر وعلقها البخاري
_________
(1) بفتح أوله وثالثه أي يبلغ كما في رواية والمراد برفع القلم ترك كتابة الشر عليهم والرفع لا يقتضي تقدم وضع كما في قول يوسف {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله} وهو لم يكن على تلك الملة أصلا وكذا قول شعيب {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا منها} ومعلوم أن شعيبا لم يكن على ملتهم قط

(4/35)


4463 - (رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ) من جنونه بالإفاقة (وعن النائم حتى يستيقظ) [ص:36] من نومه (وعن الصبي حتى يحتلم) قال السبكي: ليس في رواية حتى يكبر من البيان وفي قوله حتى يبلغ في هذه الرواية فالتمسك بها لبيانها وصحة سندها أولى وقوله تعالى حتى يبلغ مطلق والاحتلام مقيد فحمل عليه لأن الاحتلام بلوغ قطعا وعدم بلوغ الخمسة عشر ليس ببلوغ قطعا
(حم د ك) في الحدود (عن علي) أمير المؤمنين (وعمر) بن الخطاب وذلك أن عمر أمر بامرأة مجنونة أن ترجم لكونها زنت فمر بها علي فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال لعمر: أما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره فقال: صدقت وخلى عنها وقد أورده الحافظ ابن حجر من طرق عديدة بألفاظ متقاربة ثم قال: وهذه طرق يقوى بعضها بعضا وقد أطنب النسائي في تخريجها ثم قال: لا يصح منها شيء والموقوف أولى بالصواب

(4/35)


4464 - (ركعة من عالم بالله خير من ألف ركعة من متجاهل بالله) لأن العالم به إنما يصلي صلاة باستيفاء المكملات من نحو تدبر وخشوع وخضوع والجاهل به وإن أتم أركانها وسننها لا ينال في مئة سنة ما يناله ذاك في لحظة واحدة من الفتوحات السبحانية والأسرار الرحمنية
(الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن علي) أمير المؤمنين ورواه الديلمي من حديث أنس

(4/36)


4465 - (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) قال في الرياض: وفي رواية لهما يعني الشيخين أحب إلي من الدنيا جميعا أي نعيم ثوابها خير من كل ما يتنعم به في الدنيا فالمفاضلة راجعة لذات النعيم لا إلى نفس ركعتي الفجر فلا يعارضه خبر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ذكره جمع وقال الطيبي: إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما يجري على زعم من يرى فيها خيرا أو يكون من باب {أي الفريقين خير مقاما} وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابا منها
(م ن عن عائشة) ولم يخرجه البخاري واستدركه الحاكم فوهم

(4/36)


4466 - (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك (1)) لا دليل فيه على أفضليته على الجماعة التي هي بسبع وعشرين درجة إذ لم يتحد الجزاء في الخبرين فدرجة من هذه قد تعدل بدرجات من تلك السبعين ركعة
(قط في الأفراد عن أم الدرداء) ورواه أيضا البزار بلفظ ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك قال الهيثمي: ورجاله موثوقون اه. ورواه الحميدي وأبو نعيم عن جابر. قال المنذري: وإسناده حسن قال السمهودي: كل رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس وبه يعرف أن قول المجموع خبر السواك ضعيف من سائر طرقه لا معول عليه
_________
(1) لما فيه من الفوائد التي منها طيب رائحة الفم وتذكر الشهادة عند الموت والظاهر أن هذا خرج مخرج الحث على السواك

(4/36)


4467 - (ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) قال في التنقية: دل على أن السواك للصلاة أفضل من الجماعة ورده السمهودي بأن أدلة مشروعية الجماعة مقتضية لمزيد اعتناء الشارع بها وأنها أرجح في نظره ولا يلزم من ثبوت المضاعفة لشيء تفضيله على ما لم يثبت له ذلك لأن المضاعفة من جملة المزايا فلا تمنع وجود مزايا غيرها في الأجر يترجح بها كيف وصلاة النفل في بيت بالمدينة أفضل منها بمسجدها مع اختصاص المضاعفة (ودعوة [ص:37] في السر أفضل من سبعين دعوة في العلانية) ومن ثم كان دعاء الإنسان لأخيه بظهر الغيب أرجى إجابة وأسرع قبولا (وصدقة في السر أفضل من سبعين صدقة في العلانية) لبعدها عن الرياء ودلالتها على الإخلاص كما سبق توجيهه
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (فر) كلاهما (عن أبي هريرة) وفيه إسماعيل بن أبي زياد فإن كان الشامي فقد قال الذهبي: عن الدارقطني: يضع الحديث أو الشقري فقد قال ابن معين: كذاب أو السكوني فجزم الذهبي بتكذيبه وأبان بن عياش قال أحمد: تركوا حديثه

(4/36)


4468 - (ركعتان بعمامة) أي يصليها الإنسان وهو متعمم (خير من سبعين ركعة بلا عمامة) أي أفضل من سبعين ركعة يصليها حاسرا لأن الصلاة حضرة الملك والدخول إلى حضرة الملك بغير تجمل خلاف الأدب
(فر عن جابر) ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي فلو عزاه إلى الأصل لكان أولى ثم إن فيه طارق بن عبد الرحمن أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال النسائي: ليس بقوي عن محمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ ومن ثم قال السخاوي: هذا الحديث لا يثبت

(4/37)


4469 - (ركعتان خفيفتان) يصليهما الإنسان (خير له من الدنيا) أي نعيمها (وما عليها) من اللذات والشهوات (ولو أنكم تفعلون ما أمرتكم به) من إكثار الصلاة التي هي خير موضوع (لأكلتم غير اذرعاء ولا أشقياء) بالذال المعجمة جمع ذرع ككتف وهو الطويل اللسان بالشر والسيار ليلا ونهارا يريد عليه الصلاة والسلام بذلك لو فعلتم ما أمرتم به من التطوع بالصلاة وتوكلتم على الله حق توكله لأكلتم رزقكم مساقا إليكم من غير نصب ولا تعب ولا جد في الطلب ولما احتجتم إلى كثرة اللدد والخصومة والسعي ليلا ونهارا في تحصيلها من غير إجمال في الطلب
(سمويه طب عن أبي أمامة)

(4/37)


4470 - (ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون) أي تتنقلون به (يزيدهما هذا) الرجل الذي ترونه أشعث أغبر لا يؤبه به ولا يلتفت إليه (في عمله أحب إليه من بقية دنياكم) لأن الصلاة توصل إلى علو الدرجات في الجنان والخلود في جوار الرحمن وسيأتي أن الصلاة مكيال فمن وفى استوفى والصلاة فرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل فلذلك كانت ركعتان يزيدهما الرجل في صلاته خير من الدنيا وما فيها
(ابن المبارك) في الزهد (عن أبي هريرة)

(4/37)


4471 - (ركعتان) يصليهما المرء (في جوف الليل) أي بعد النوم (يكفران الخطايا) يعني الصغائر لا الكبائر كما مر ويجيء بما فيه في عدة مواضع
(فر عن جابر) وفيه أحمد بن محمد بن الأزهر قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: حدث بمناكير وذكر ابن حبان أنه جرب عليه الكذب وعبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة النيسابوري قال الذهبي في الذيل: قال الحاكم: الغالب على روايته المناكير ورواه الحاكم أيضا عن جابر ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فلوعزاه المصنف له لكان أجود

(4/37)


[ص:38] 4472 - (ركعتان من الضحى) أي من صلاتها (تعدلان عند الله بحجة وعمرة متقبلتين) متنفلا بهما فليس المراد حجة الإسلام وعمرته وهذا ترغيب عظيم في فضل صلاة الضحى ورد على من ذهب لعدم ندبها
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (في الثواب عن أنس) ورواه عنه الديلمي أيضا

(4/38)


4473 - (ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب) لعل وجهه أن المتزوج مجتمع الحواس والأعزب مشغول بمدافعة الغلمة وقمع الشهوة فلا يتوفر له الخشوع الذي هو روح الصلاة. (1)
(عق) عن محمد بن حنفية القصبي عن الحسن بن جبلة عن مجاشع بن عمرو عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة مجاشع بن عمرو من حديثه وقال: حديثه منكر غير محفوظ. وفي الميزان عن ابن معين أنه أحد الكذابين ثم أورد له هذا الخبر وقال البخاري: مجاشع بن عمرو منكر مجهول وحكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن قال: له طريق أخرى وهي ما أشار إليها بقوله
_________
(1) [وحيث أن التزوج من السنة فيبقى احتمال أن تضاعف الأجر الموعود هنا هو أيضا لاتباع السنة وليس فقط بسبب ما ذكر من اجتماع الحواس. دار الحديث]

(4/38)


4474 - (ركعتان من المتأهل) يعني المتزوج (خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب) (1) كما تقرر ولا تعارض بينه وبين ما قبله لاحتمال أن يكون أعلم أولا بالسبعين ثم زاد الله في الفضل فأخبر بالزيادة (2)
(تمام في فوائده) عن محمد بن هارون بن شعيب بن إسماعيل بن محمد العدوي عن سليمان بن عبد الرحمن عن مسعود بن عمرو البكري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك (والضياء) في المختارة (عن أنس) من هذا الطريق بعينه اه. قال المؤلف: لكن تعقبه الحافظ ابن حجر في أطرافه فقال: هذا حديث منكر ما لإخراجه معنى اه. بنصه وفي الميزان مسعود بن عمرو البكري لا أعرفه وخبره باطل ثم ساق هذا الخبر بعينه اه
_________
(1) [انظر شرح الحديث السابق رقم 4473. دار الحديث]
(2) [من الزيادة ما يأتي بداءة من الله ومنها ما يأتي استجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث 1175: أعطيت سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحد سبعين ألفا. دار الحديث]
وكما ذكر في شرح الحديث 4389، أن في الجمع بين اختلاف الأعداد في روايات " رؤيا المؤمن جزء من. . . جزءا من أجزاء النبوة " عدة وجوه. قال: منها الاختلاف بمراتب الأشخاص في الكمال والنقص وما بينهما من النسب. ومنها أن اختلاف العدد وقع بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. . .]

(4/38)


4475 - (ركعتان من رجل) ذكر الرجل وصف طردي يعني إنسان (ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط) أي يخلط العمل الصالح بالعمل السيء ويخلط عمل الدنيا بعمل الآخرة لأن المخلط مشتغل بالدنيا وباطنه متعلق بإرادتها ولا يعطي الصلاة حقها والورع يستنير قلبه بالحكمة وتعاونه أعضاءه في العبادة فتكثر قيمة عمله ويعظم قدره ويغزر شرفه بحيث يصير قليله أفضل من كثير غيره وإذا كانت العبادة تكثر وتشرف بذلك فحق لمن طلب العبادة أن يتحرى الورع ما أمكن
(فر عن أنس) وفيه يونس بن عبيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: مجهول ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] وأبو نعيم وعنهما تلقاه الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف إلى الأصل لأجاد

(4/38)


4476 - (ركعتان من عالم) أي عالم بعلمه (أفضل من سبعين ركعة من غير عالم (1)) عامل فإن الجاهل مظنة الإخلال ببعض الأركان والشروط أو المكملات بخلاف العالم والعلم أس العمل ومن لم يعرف ما يلزمه فعله من الواجبات الشرعية بأحكامها وشروطها حتى يقيمها فهو في حيرة وضلال فربما أقام على شيء سنين وأزمانا مما يفسد [ص:39] عليه صلاته أو طهارته ويخرجهما هن كونهما واقعتين على وفق السنة وهو لا يشعر. (2)
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن محمد بن علي مرسلا)
_________
(1) لأن الجاهل بكيفية العبادة لا تصح عبادته وإن صادفت الصحة
(2) [والجهل ليس بعذر في الإسلام. وكلام المناوي هذا يصف أخف أحوال الجاهل أما إذا أضاف إلى جهله التجاسر على الاستنباط والاجتهاد وتفسير القرآن والسنة بالرأي فتصبح الكثير من أعماله المبنية على رأيه الخاطئ تبعده عن الله تعالى وهو يظن أنه يحسن صنعا نعوذ بالله من ذلك. دار الحديث]

(4/38)


4477 - (ركعتان يركعهما ابن آدم في جوف الليل الأخير خير له من الدنيا وما فيها) من النعيم لو فرض أنه حصل له وحده وتنعم به وحده (ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما) أي الركعتين (عليهم) أي أوجبتهما وهذا صريح في عدم وجوب التهجد على الأمة
(ابن نصر) محمد المروزي في كتاب قيام الليل وآدم ابن أبي إياس في الثواب (عن حسان بن عطية مرسلا) هو أبو بكر المحاربي قال الذهبي: ثقة عابد نبيل لكنه قدري. قال الحافظ العراقي: وصله الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر ولا يصح

(4/39)


4478 - (رمضان بمكة) أي صوم شهر رمضان وهو مقيم بها (أفضل من) صوم (ألف رمضان بغير مكة) لأنه تعالى اختارها لبيته وجعلها مناسك لعباده وحرما آمنا وخصها بخواص كثيرة منها مضاعفة الحسنات وفي مضاعفة السيئات قولان وحاول ابن القيم تنزيلهما على حالين فقال: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها فإن سيئة تكن سيئة كبيرة فجزاؤها مثلها وصغيرها جزاؤها مثلها والسيئة في حرم الله وعلى بساطه أكبر منها في أطراف الأرض ولهذا من عصى الملك على بساط ملكه ليس كمن عصاه بمحل بعيد
(البزار) في مسند (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عاصم بن عمرو ضعفه من الأئمة أحمد وغيره ووثقه ابن حبان وقال: يخطىء ويخالف

(4/39)


4479 - (رمضان شهر مبارك نفتح فيه أبواب الجنة) أي أبواب أسبابها مجاز عن كثرة الطاعة ووجوه البر وهو كناية عن نزول الرحمة وعموم المغفرة فإن الباب إذا فتح يخرج ما فيه متواليا أو هو حقيقة وإن من مات من المؤمنين برمضان يكون من أهلها ويأتيه من روحها فرق من يموت في غيره (وتغلق فيه أبواب السعير) فيه العمل المذكور في أبواب الجنة (وتصفد فيه الشياطين) أي تشد وتربط بالأصفاد وهي القيود والمراد قهرها بكسر الشهوة النفسية بالجوع أو تصفد حقيقة تعظيما للشهر ولا ينافيه وقوع الشرور فيه لأنها إنما تغل عن الصائم حقيقة بشروطه أو عن كل صائم والشر من جهات أخر كالنفس الخبيثة أو المقيد هو المتمرد منهم فيقع الشر من غيره (وينادي مناد) أي ملك أو المراد أنه يلقى ذلك في قلوب من يريد الله إقباله على الخير (كل ليلة يا باغي الخير هلم) أي يا طالبه أقبل فهذا وقت تيسر العبادة وحبس الشياطين أو يا طالب الثواب أقبل فهذا أوانك فإنك تعطى ثوابا كثيرا بعمل قليل لشرف الشهر (ويا باغي الشر أقصر) فهذا زمن قبول التوبة والتوفيق للعمل الصالح ولله عتقاه من النار لعلك تكون من زمرتهم
(حم هب عن رجل) من الصحابة. رمز المصنف لحسنه وفيه عطاء بن السائب قال في الكاشف: ثقة ساء حفظه بآخره وقال أحمد: من سمع منه قديما فصحيح

(4/39)


4480 - (رمضان بالمدينة) أي النبوية أي صومه (خير من ألف) أي من صوم ألف (رمضان فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة (وجمعة) أي وصلاة جمعة (بالمدينة خير من) صلاة (ألف جمعة فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة قال [ص:40] بعضهم: وكذا يقال في سائر العبادات بها وببيت المقدس بخمس مئة في الكل. قال القونوي في شرح التعرف: ورمضان من خصائص هذه الأمة
(طب والضياء) المقدسي (عن بلال بن الحارث المزني) بضم الميم وفتح الزاي المدني صحابي مات سنة ستين قال الهيثمي: فيه عبد الله بن كثير وهو ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عبد الله بن كثير ثم قال: وهذا باطل والإسناد مظلم تفرد به عنه عبد الله بن أيوب المخزومي ولم يصب ضياء الدين بإخراجه في المختارة

(4/39)


4481 - (رميا بني إسماعيل) أي ارموا رميا يا بني إسماعيل والخطاب للعرب (فإن أباكم) إسماعيل بن إبراهيم (كان راميا) فيه فضل الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية التمرن على الجهاد والتدرب ورياضة الأعضاء لذلك وأن الجد الأعلى يسمى أبا والتنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وحسن خلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها
(حم هـ ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفر يرمون فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الشيخين وإلا لما عدل بغيره وهو ذهول فقد خرجه البخاري ولفظه في الجهاد: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال: ارموا فأنا معكم كلكم

(4/40)


4482 - (رهان الخيل طلق) أي المراهنة يعني المسابقة عليها جائزة قال في العارضة: رهان الخيل عبارة عن حبسها على المسابقة من الرهن وهو الحبس وذلك لأنه تعالى سخر الخيل وأذن في الكر والفر والإيجاف عليها ولم يكن بد من تدريبها وتأديبها والتأدب بها حتى يقتحم غمرة الحرب ليكون أنفع وأنجع في المقصود فشرع الشارع المسابقة عليها على الكيفية المبينة في الفروع
(سمويه والضياء) في المختارة (عن رفاعة) بكسر الراء وخفة الفاء ابن رافع بن مالك الزرقي بدري وأبو نقيب بقي إلى إمارة معاوية ورواه أبو نعيم في الصحابة من رواية يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها مرفوعا

(4/40)


4483 - (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) أي بالغ عاقل ذكر حر مقيم غير معذور فلا رخصة في تركها لمن ذكر فليس له أن يلزم العزلة ويترك الجمعة لأجل التفرغ للعبادة والسلامة من أذى الخلق وما نقل عن بعض الكاملين من التخلف عن شهودها فلعله تيقن أن الضرر الذي يلحقه في مخالطة الناس بسبب هذه الفروض أعظم من تركها فحينئذ يكون له عذر كذا ذكره الغزالي قال: وقد رأيت أنا بمكة بعض العلماء المتفردين لا يحضر المسجد الحرام في الجماعات مع قربه منه وسلامة حاله فحاورته في ذلك فذكر من عذره أن ما يجده من الثواب لا يغني بما يلحقه من الآثام والتبعات في الخروج للمسجد ولقاء الناس
(ن عن حفصة) أم المؤمنين ورواه عنها أيضا الديلمي

(4/40)


4484 - (روحوا القلوب ساعة فساعة) وفي رواية ساعة وساعة أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب قال أبو الدرداء: إني لأجم فؤادي (1) ببعض الباطل أي اللهو الجائز لأنشط للحق وذكر [ص:41] عند المصطفى صلى الله عليه وسلم القرآن والشعر فجاء أبو بكر فقال: أقراءة وشعر فقال: نعم ساعة هذا وساعة ذاك وقال علي كرم الله وجهه: أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي تكل وقال بعضهم: إنما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأولئك الأكابر الذين استولت هموم الآخرة على قلوبهم فخشي عليها أن تحترق وقال الحكيم في شرح هذا الحديث: الذكر المذهل للنفوس إنما يدوم ساعة وساعة ثم ينقطع ولولا ذلك ما انتفع بالعيش والناس في الذكر طبقات: فمنهم من يدوم له ذكره وقت الذكر ثم تعلوه غفلة حتى يقع في التخليط وهو الظالم لنفسه ومنهم من يدوم له ذكره في وقت الذكر ثم تعلوه معرفته بسعة رحمة الله وحسن معاملة عباده فتطيب نفسه بذلك فيصل إلى معاينته وهو المقتصد. وأما أهل اليقين وهم السابقون فقد جاوزوا هذه الخطة ولهم درجات قال: فقوله ساعة وساعة أي ساعة للذكر وساعة للنفس لأن القلب إذا حجب عن احتمال ما يحل به يحتاج إلى مزاج ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما صار إلى سدرة المنتهى فغشيها ما غشى وأشرق النور حال دونه فراش من ذهب وتحولت السدرة زبرجدا وياقوتا فلما لم يقم بصره للنور عورض بذلك مزاجا ليقوى ويستقر كأنه شغل قلبه بهذا المزاج عما رأى لئلا ينفر ولا يجد قرارا
(أبو بكر المقري في فوائده والقضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن أبي بكر المذكور (وعن أنس) بن مالك (د في مراسيله عن ابن شهاب) يعني الزهري (مرسلا) قال البخاري: ويشهد له ما في مسلم وغيره يا حنظلة ساعة وساعة وقال شارح الشهاب: إنه حسن
_________
(1) " لأجم فؤادي " و " أجموا ": قال في النهاية: وفي حديث طلحة رضي الله عنه " رمى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفرجلة وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد " أي تريحه وقيل تجمعه وتكمل صلاحه ونشاطه. انتهى من النهاية. ومنه " الاستجمام ". دار الحديث]

(4/40)


4485 - (رياض الجنة المساجد) أي فالزموا الجلوس فيها وواظبوا عليها قال الغزالي: ولا مناقضة بينه وبين الأخبار الآمرة بالعزلة لأن هذا في غير زمن الفتنة أو المراد أنه يحضر في المسجد ولا يخالط الناس ولا يداخلهم فيكون بالشخص معهم وبالمعنى منفردا وهذا هو المروي في معنى العزلة والانفراد الذي نحن في شرحه لا التفرد بالشخص والمكان فافهم ولهذا قال إبراهيم بن أدهم: كن واحدا جامعيا ومن ربك ذا أنس ومن الناس ذا وحشة والمدارس والمرابط جمعت المعنيين والفائدتين التفرد عن الناس بالصحبة والمشاركة في الخير لتكثير شعار الإسلام إلى هنا كلامه
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة والديلمي

(4/41)


4486 - (ريح الجنة توجد من مسيرة خمس مئة عام ولا يجدها) أي ولا يشم ريحها (من) أي إنسان (طلب الدنيا بعمل الآخرة) كأن أظهر الصيام والصلاة والتنسك ولباس الصوف ليوهم الناس أنه من الصالحين فيعطي وهذا أبلغ زجر من هذا الفعل القبيح الموجب لدخول النار فإنه إذا لم يشم ريح الجنة من هذه المسافة البعيدة فهو لا يدخلها وإذا لم يدخلها دخل النار إذ لا منزلة بين المنزلتين ومن ثم ورد في خبر سيأتي إن ملائكة السماوات والأرضين تلعنه لتلبيسه وتدليسه
(فر عن ابن عباس)

(4/41)


4487 - (ريح الجنوب من الجنة) وهي الريح اليمانية (وهي الرياح اللوافح التي ذكر) ها (الله في كتابه) القرآن (فيها منافع للناس والشمال) كسلام ويهمز كجعفر (من النار) نار جهنم (تخرج) فتمر (بالجنة فيصيبها نفحة منها فبردها من ذلك) وهي [ص:42] تهب من جهة القطب حارة في الصيف والرياح أربع هذان والثالث الصبا تهب من مطلع الشمس وهي القبول أيضا والرابعة الدبور كرسول تهب من المغرب
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب السحاب وابن جرير) الطبري الإمام المجتهد المطلق (وأبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حيان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة)

(4/41)


4488 - (ريح الولد من ريح الجنة) يحتمل أن ذلك في ولده خاصة فاطمة وابنيها لأن في ولدها طعم ثمار الجنة بدليل خبر الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة ومنه قيل لعلي أبو الريحانتين ويحتمل أن المراد كل ولد صالح للمؤمن لأنه تعالى خلق آدم في الجنة وغشى حواء فيها وولد له فيها فبنو آدم من نسلها ولهذا قال ابن أدهم: نحن من أهل الجنة سبانا إبليس بالخطيئة فهل للأسير من راحة إلا أن يرجع إلى ما سبي منه؟ فريح الولد من ريح الجنة لأنه أقرب إليها من أبيه ولم يتدنس بعد بالخطايا والمراد أن الولد كسب الرجل والكسب الطيب والعمل الصالح مقدمة الجنة وهو الزاد إليها (نكتة) قيل لحكيم: أي الريح أطيب قال: ريح ولد أربه وبدن أحبه
(طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه عن شيخه محمد بن عثمان بن سعيد وهو ضعيف وقال شيخه الزين العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وابن حبان في الضعفاء عن ابن عباس وفيه مندل بن علي ضعيف اه. وأقول: رواه أيضا البيهقي في الشعب وفيه مندل المذكور

(4/42)