فيض القدير شرح
الجامع الصغير فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف
الصاد]
(4/231)
5122 - (الصائم المتطوع أمير نفسه) وفي
رواية أمين نفسه وفي أخرى أمير أو أمين على نفسه على الشك
(إن شاء صام وإن شاء أفطر) فلا يلزمه بالشروع فيه إتمامه
ولا يقضيه إن أفطر وإليه ذهب الأكثر وقال أبو حنيفة (1) :
يلزمه إتمامه ويجب قضاؤه إن أفطر وقال مالك: حيث لا عذر
واحتجوا بحديث لعائشة فيه الأمر بالقضاء وأجيب بأن الأصح
إرساله وبفرض وقفه يحمل على الندب جمعا بين الأدلة وقال
ابن حزم: له الفطر وعليه القضاء وأفاد الحديث بمفهومه أن
غير المتطوع لا تخير له لأنه مأمور مجبور عليه
(حم ت ك عن أم هانئ) قالت: دخل علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدعا بشراب فشرب ثم ناولني فشربت فقلت: يا رسول
الله أما إني كنت صائمة فذكره قال الترمذي: في إسناده مقال
وكلام المؤلف يوهم أنه لم يروه من الستة إلا الترمذي ولا
كذلك بل رواه النسائي أيضا وأبو داود عن أم هانئ ثم قال
النسائي: في سنده اختلاف كثير
_________
(1) [ودليل الأحناف الذي يستدلون به ولم يذكر هنا هو قوله
تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة
لا يناهض بما هو دونه في الثبوت والدلالة كما تبين من
اختلاف المجتهدين فيه. هذا لتبيان رجوع أبي حنيفة للنص
خلافا للرأي وللمسلم تقليد أي من المجتهدين وإن استطاع
الخروج من الخلاف من غير حرج فهو أفضل. دار الحديث]
(4/231)
5123 - (الصائم المتطوع بالخيار ما بينه
وبين نصف النهار) أي له أن يفطر وأن ينوي الصوم قبل الزوال
ويثاب عليه لأن الصوم لا يتجزأ وفيه أن صوم النفل لا يلزم
بالشروع وهو مذهب الشافعي وأنه لا يشترط التبييت فيه
(هق) من حديث عون بن عمارة عن حميد (عن أنس) قال أعني
البيهقي: وعون ضعيف وعن جعفر بن الزبير عن القاسم (عن أبي
أمامة) قال الذهبي: وجعفر متروك رواه أيضا عن إبراهيم بن
مزاحم عن سريع بن نبهان عن أبي ذر قال الذهبي: وإبراهيم
وسريع مجهولان
(4/231)
5124 - (الصائم بعد رمضان كالكار بعد
الفار) أي من فرغ من الصوم ثم رجع إليه كمن هرب (1) من
القتال ثم عاد إليه فيتأكد صوم ست من شوال ولهذا كان
الشعبي يقول: الصوم يوما بعد رمضان أحب إلي من أن أصوم
الدهر كله
(هب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وفيه بقية بن الوليد
قال الذهبي: صدوق لكنه يروي عن من دب ودرج فكثرت مناكيره
وإسماعيل بن بشير قال العقيلي: متهم بالوضع ورواه عنه أيضا
أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي
_________
(1) [أي هرب مناورة حيث أنه متى قرن " الفر " مع " الكر "
فإنه يدل على المناورة وليس على الانخذال
ويفهم منه أيضا أنه كالذي يكر لحوقا بالذي فر من الأعداء
حيث فيه مناسبة للصائم الذي قهر عدوه الشيطان بصيام رمضان
فألجأه للفرار فكر بعده يضعفه بصيام آخر. دار الحديث]
(4/231)
5125 - (الصائم في عبادة وإن كان نائما على
فراشه) فأجر صومه منسحب على نومه وإن استغرق جميع النهار
بالنوم
(فر عن أنس) وفيه محمد بن أحمد بن سهيل. قال الذهبي في
الضعفاء: قال ابن عدي: ممن يضع الحديث
(4/231)
5126 - (الصائم في عبادة ما لم يغتب مسلما
أو يؤذه) وإلا فليس بالحقيقة صائما لأن حقيقة الصوم
التماسك عن كل ما من [ص:232] شأن المرء أن يتصرف فيه
فحقيقة الصوم هو الصوم عما ذكر لا صورته. ذكره الحرالي
(فر عن أبي هريرة) وفيه عبد الرحيم بن هارون قال الذهبي في
الضعفاء: قال الدارقطني: يكذب والحسن بن منصور قال ابن
الجوزي في العلل: غير معروف الحال وقال ابن عدي: حديث منكر
(4/231)
5127 - (الصائم في عبادة من حين يصبح) أي
يدخل في الصباح (إلى أن يمسي) أي يدخل في المساء وذلك
بغروب الشمس (ما لم يغتب) أي يذكر إنسانا بما يكرهه (فإذا
اغتاب خرق صومه) أي أفسد وأبطل ثوابه وإن حكم بصحته وسقط
عنه الفرض فلا يعاقب عليه في الآخرة نعم الغيبة تباح في
مواضع تتبعها بعضهم فبلغت نحو أربعين فالغيبة المباحة لا
تخرق الصوم ولا يبطل بها أجره
(فر عن ابن عباس)
(4/232)
5128 - (الصابر الصابر) أي الصابر الصبر
الكامل إنما هو (عند الصدمة الأولى) فإن مفاجأة المكروه
بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمتها كما سبق. قال في
المطامح: وفيه تنبيه على نوعه الأفضل وهذا أحد أنواع الصبر
الثلاثة وهو الصبر على أقضية الله. قال عمر: خير عيش
أدركناه بالصبر وإذا تأملت مراتب الكمال وجدتها كلها منوطة
به والنقصان من عدمه فالشجاعة صبر ساعة وما حفظت صحة البدن
والقلب والروح بمثله فهو الفاروق الأكبر والترياق الأعظم
ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله لكفى
(تخ عن أنس) رمز المصنف لحسنه
(4/232)
5129 - (الصبحة) أي نوم أول النهار (تمنع
الرزق) أي بعضه كما جاء مصرحا به في رواية وذلك لأنه وقت
الذكر ثم وقت طلب الرزق قال البيهقي: الصبحة النوم عند
الصباح وجوز في الفائق في صادها الضم والفتح وقال: إنما
نهى عنها لوقوعها وقت الذكر والمعاش وفي شرح السنة للبغوي:
بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد الصبح وفي
شرح الشهاب للعامري: إن كانت الرواية بالفتح فالمراد
الفعلة وهي المرة الواحدة أو بالرفع فالاسم ومعناه نوم
الغداة قبل ارتفاع الشمس لأن الملائكة الموكلين برزقه
يؤمرون بكرة اليوم بسوق رزقه إليه فعليه أن يقبل بذكره على
من يذكره برزقه فإن غفل ونام حرم بركة رزقه والاستغناء به
عن طلب غيره فليس المراد منع أصله وفي خبر أن المصطفى صلى
الله عليه وسلم أتى فاطمة وهي نائمة فقال: قومي فاشهدي
رزقك
(عم) في زوائد المسند كذا هو فيما وقفت عليه من النسخ
والذي رأيته في كلام جمع منهم الحافظ الهيثمي نسبة لأحمد
لا لابنه وأعله بإسحاق بن أبي فروة وقال: هو ضعيف. (عد هب)
كلهم عن الحسن بن أحمد عن يحيى بن عثمان عن إسماعيل بن
عياش عن ابن أبي فروة عن محمد بن يوسف عن عمرو بن عثمان
(عن عثمان) بن عفان. قال ابن الجوزي في الموضوعات: موضوع
ابن أبي فروة وإسحاق متروكان اه. (هب) من حديث سلمة بن علي
بن عياش عن رجل هو ابن أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة (عن أنس) بن مالك ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي
خرجه من طريقه وأقره والأمر بخلافه بل عقبه ببيان علته
فقال: إسحاق بن أبي فروة تفرد به وخلط في إسناده وأما ابن
عدي فقال: الحديث لا يصح إلا بابن أبي فروة وقد خلط في
إسناده فتارة جعله عن عثمان وتارة عن أنس وفي الميزان: هذا
حديث منكر وقال الزركشي في اللآلئ: هذا الحديث في مسند
الإمام أحمد من زيادات ابنه وهو ضعيف وتبعه المؤلف في
الدرر
(4/232)
[ص:233] 5130 - (الصبر نصف الإيمان (1)
واليقين الإيمان كله) لأن مدار اليقين على الإيمان بالله
وبقضائه وقدره وما جاء به رسله مع الثقة بوعده ووعيده فهو
متضمن للإيمان بكل ما يجب الإيمان به ومن ثم قال جمع:
اليقين قوة الإيمان بالقدر والسكون إليه وقال الغزالي:
المراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله عبده
إلى أصول الدين والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ
اليقين معرفة أن المعصية ضارة والطاعة نافعة ولا يمكن ترك
المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر وهو استعمال باعث
الدين في قهر باعث الهوى والكسل فكان الصبر نصف الإيمان
بهذا الاعتبار
(تتمة) قيل للأحنف: إنك لصبور فقال: الجزع شر الحالتين
يبعد المطلوب ويورث الحسرة ويبقي على صاحبه عار الأمد بلا
فائدة. وقال: هيئة المعاقبة تورث جبنا وهيئة الزلل تورث
خسرا
(حل هب عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: تفرد به يعقوب
بن حميد عن محمد بن خالد المخزومي والمحفوظ عن ابن مسعود
من قوله غير مرفوع اه. ويعقوب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم
وغير واحد
_________
(1) قال العلقمي: أراد به الورع إذ العبادة قسمان: نسك
وورع فالنسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه وإنما
ينتهى عنه بالصبر فكان نصف الإيمان
(4/233)
5131 - (الصبر رضا) يعني التحقق بالصبر
يفتح باب الوصول إلى مقام الرضى والتلذذ بالبلوى فإنه صراع
بين جند الملائكة وجند الشيطان ومهما أذعنت النفس وانقمعت
وتسلط باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث
ذلك مقام الرضا قال بعض العارفين: الصبر ثلاث مقامات أوله
ترك الشكوى وهي درجة التائبين ثم الرضى بالقضاء وهي درجة
الزاهدين ثم محبة ما يصنع به مولاه وهذه درجة الصديقين ثم
المراد في هذا الخبر وما بعده الصبر المحمود شرعا كما قال
الغزالي ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالصبر عن المحرم فرض
وعلى المحرم محرم كمن قطع يداه أو يد ولده وصبر وهكذا
الباقي فليس الصبر كله محمودا
(الحكيم) الترمذي في النوادر (وابن عساكر) في التاريخ (عن
أبي موسى) الأشعري ورواه عنه الديلمي أيضا
(4/233)
5132 - (الصبر والاحتساب أفضل من عتق
الرقاب ويدخل الله صاحبهن) أي الثلاثة (الجنة بغير حساب)
وبالصبر يفتح كل باب مغلق ثم هذا مطلق فيما يصبر عليه من
المصائب في النفوس والأموال وميثاق التكليف ومقيد بماذا
صبر ابتغاء وجه الله لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل
وأوقره عند الزلازل ولا لئلا يعاب بالجزع ولا لئلا يشمت به
الأعداء كقوله:
وتجلدي للشامتين أريهم. . . أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولأنه لا طائل تحت الهلع ولا مرد فيه للفائت وكل عمل له
وجوه يحمل عليها فعلى العاقل المؤمن أن ينوي منها ما كان
حسنا عند الله
(طب عن الحكيم بن عمير الثمالي)
(4/233)
5133 - (الصبر) أي الكامل الذي يترتب عليه
الأجر الجزيل (عند الصدمة الأولى) لكثرة المشقة حينئذ أوصل
الصدم الضرب في شيء صلب ثم استعمل مجازا في كل مكروه وقع
بغتة ومعناه أن الصبر عند قوة المصيبة أشد فالثواب عليه
أكثر فإن بطول الأيام تسلي المصائب فيصير الصبر طبعا وقد
بشر الله الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل [ص:234]
الدنيا فقال {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا
إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون}
(البزار) في مسنده (ع عن أبي هريرة) قال: مر النبي صلى
الله عليه وسلم على امرأة بالبقيع تبكي فأمرها بالصبر ثم
ذكره رمز المصنف لصحته وليس بجيد فقد قال الهيثمي وغيره:
فيه بكر بن الأسود أبو عبيد الناجي وهو ضعيف وقضية صنيع
المؤلف أن هذا لا يوجد مخرجا في أحد الصحيحين وإلا لما عدل
عنه وهو ذهول فاحش بل هو في صحيح البخاري بهذا اللفظ من
حديث أنس موصولا وإن هذا لشيء عجاب
(4/233)
5134 - (الصبر) الكثير الثواب: الصبر (عند
أول صدمة) أي عند فورة المصيبة وبعد ذلك يهون الأمر وتنكسر
حدة المصيبة وحرارة الرزية فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها
روعة تزعزع القلب وتزعجه فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت
حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا طالت
الأيام على المصائب وقع السلو وصار الصبر طبعا فلا يؤجر
عليه مثل ذلك
(البزار) في مسنده (عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وكأنه
ذهل عن قول الحافظ الهيثمي وغيره: فيه الواقدي وقد ضعفوه
(4/234)
5135 - (الصبر عند الصدمة الأولى والعبرة)
بالفتح: تحلب الدمع وانهماره (لا يملكها أحد صبابة المرء
إلى أخيه) الصبابة بالفتح رقة الشوق وشدته <فائدة> قال ابن
القيم: الصبر ينقسم إلى الأحكام الخمسة فالواجب الصبر على
فعل الواجب وترك المحرم وتحمل المصيبة والمندوب الصبر على
فعل المندوب وترك المكروه والمحرم الصبر على نحو ترك الأكل
حتى يموت والصبر على نحو حية أو سبع أو غرق أو كافر يقتله
والمكروه الصبر على نحو قلة الأكل جدا وعن جماع حليلته إذا
احتاجت والمباح على ما خير بين فعله وتركه
(ص عن الحسن مرسلا) هو البصري
(4/234)
5136 - (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من
الجسد) لأن الصبر يدخل في كل باب بل في كل مسألة من مسائل
الدين فكان من الإيمان بمنزلة الرأس من الإنسان قال علي
كرم الله وجهه: فإذا قطع الرأس مات الجسد ثم رفع صوته
قائلا: أما إنه لا إيمان لمن لا صبر له أي وإن كان فإيمان
قليل وصاحبه ممن {يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن
به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه} <تنبيه> عدوا من الصبر
الحسن التصبر على ما ينشأ عن الأفران وأهل الحسد سيما ذوي
البذاءة منهم واللبس ووقوع هؤلاء في الأعراض وتنقصهم لما
يهمهم من الأمراض وذلك واقع في كل زمن وحسبك قول الشافعي
في عقود الجمان في الذب عن أبي حنيفة النعمان كلام
المعاصرين مردود غالبه حسد وقد نسب إليه جماعة أشياء فاحشة
لا تصدر عمن يوصف بأدنى دين وهو منها بريء قصدوا بها شينه
وعدم انتشار ذكره {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}
(فر عن أنس) بن مالك (طب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا)
قال الحافظ العراقي: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف
(4/234)
5137 - (الصبر ثلاثة) أي أقسامه باعتبار
متعلقه ثلاثة (فصبر على المصيبة) حتى لا يستخطها (وصبر على
الطاعة) حتى يؤديها (وصبر على المعصية) حتى لا يقع فيها
وهذه الأنواع هي التي عناها العارف الكيلاني في فتوح الغيب
بقوله لا بد للعبد من أمر يفعله ونهي بتجنبه وقدر يصبر
عليه وذلك يتعلق بطرفين طرف من جهة الرب وطرف من جهة العبد
[ص:235] فالأول هو أن له سبحانه على عبده حكمان كوني قدري
وشرعي ديني فالكوني متعلق بخلقه والشرعي بأمره فالأول
يتوقف حصول الثواب فيه على الصبر والثاني لا يتم إلا به
فرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاثة الصبر على المقدور
وترك المحظور وفعل المأمور وأما الطرف الثاني فإن العبد لا
ينفك عن هذه الثلاثة أيضا ولا يسقط عنه ما بقي التكليف
فقيام عبودية القدر على ساق الصبر لا تستوي إلا عليه كما
لا تستوي السنبلة إلا على ساقها وهذه الثلاثة قد وقعت
الإشارة إليها بآية {أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن
المنكر واصبر على ما أصابك} (فمن صبر على المصيبة حتى
يردها بحسن عزائها كتب الله له) أي قدر أو أمر بالكتابة في
اللوح أو الصحف (ثلاث مئة درجة) أي منزلة عالية في الجنة
(ما بين الدرجتين) منها (كما بين السماء والأرض ومن صبر
على الطاعة) أي على فعلها وتحمل مشاقها (كتب الله له ست
مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلى منتهى
الأرضين) السبعة (ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مئة
درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش)
الذي هو أعلى المخلوقات وأرفعها (مرتين) وهذا صريح في أن
الصبر على المقدور أدنى المراتب ثم الصبر على المأمور ثم
عن المحظور وذلك لأن الصبر على مجرد القدر يأتي به البر
والفاجر والمؤمن والكافر فلا بد لكل منهم من الصبر عليه
اختيارا أو اضطرارا والصبر على الأوامر فوقه ودون الصبر عن
المحرمات فإن الأوامر أكثرها محبوب للنفوس لما فيها من
العدل والإحسان والإخلاص والبر والصبر على المخالفات صبر
على مخالفة هوى النفس وحملها على غير طبعها وهو أشق شيء
وأصعبه ومن صبر عن المعاصي التي أكثرها محاب للنفوس فقد
ترك المحبوب العاجل في هذه الدار لمحبوب آجل في دار أخرى
ولا يصبر عن ذلك إلا الصديقون وهذه الثلاثة محاب النفوس
الفاضلة الزكية قالوا: والمناهي من باب حمية النفس عن
لذاتها وحميتها مع قيام دواعي التناول وقوته خطب مهول
ولهذا كان باب قربان النهي مسدودا وباب الأمر مقيدا
بالمستطاع ومن ثم كان عامة العقوبات على المنهيات وأما ترك
المأمور فلم يرتب الله عليه حدا معينا وأعظم المأمورات
الصلاة وقد اختلف هل فيه حد أم لا وبهذا التقرير استبان سر
الترتيب الواقع في هذا الخبر
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في الصبر وأبو الشيخ
[ابن حبان] ) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) عن عبد الله بن
محمد زيرك عن عمر بن علي عن عمر بن يونس اليماني عن مدرك
بن محمد السدوسي عن رجل يقال له علي (عن علي) أمير
المؤمنين ورواه عنه أيضا الديلمي قال ابن الجوزي: والحديث
موضوع
(4/234)
5138 - (الصبي) يعني الطفل ولو أنثى (الذي
له أب) أي حي (يمسح رأسه) ندبا من أمام (إلى خلف واليتيم)
الذي مات أبوه وإن كان له أم (يمسح رأسه) من خلف (إلى
قدام) لأنه أبلغ في الإيناس به وظاهره يشمل أولاد الكفار
والمراد أن ذلك هو المناسب اللائق بالحال وقد مر بسط ذلك
أوائل الكتاب
(تخ عن ابن عباس)
(4/235)
5139 - (الصبي على شفعته حتى يدرك) أي إذا
كان له شقص من عقار فباع شريكه نصيبه فلم يأخذ الولي له
بالشفعة من [ص:236] كون الأخذ أحظ له (فإذا أدرك) أي بلغ
بسن أو احتلام (إن شاء أخذ) بالشفعة (وإن شاء ترك) الأخذ
بها
(طس عن جابر) بن عبد الله ورواه عنه الديلمي أيضا
(4/235)
5140 - (الصخرة صخرة بيت المقدس) ثابتة
(على نخلة والنخلة) ثابتة (على نهر من أنهار الجنة وتحت
النخلة آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان
سموط (1) أهل الجنة) أي قلائدهم من يوم موتهم (إلى يوم
القيامة) والسمط لحمل القلادة
(طب عن عبادة بن الصامت) قال الهيثمي: فيه مخلد بن محمد
الرعيني وهذا الحديث من منكراته وفي الميزان محمد الرعيني
قال ابن عدي: حدث بالأباطيل فمن ذلك هذا الخبر وساقه إلى
آخر ما هنا ثم قال أعني الذهبي: رواه الخطيب في فضائل
القدس بإسناد مظلم وهو كذب ظاهر
_________
(1) قال الجوهري: السمط الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو
سلك
(4/236)
5141 - (الصدق بعدي مع عمر حيث كان) يعني
أي جهة يكون فيها فالصدق في تلك الجهة لما عرف من شدة
صلابته مع الحق والمراد الثناء عليه بأن له قدما عظيما
راسخا في ذلك فلا ينافي مشاركة غيره له فيه قال الحرالي:
والصدق مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان
قلبه وقال بعضهم: الصدق طريق حسن الخلق الذي ذهب بخيري
الدنيا والآخرة كما في خبر لأنه الهادي إليه والصدق يشمل
الصدق في القول والنية والإرادة والعزم وصدق العمل فالصدق
تحقيق المقامات ولهذا قيل من اتصف بهذه الأمور كان صديقا
(ابن النجار) في التاريخ (عن الفضل)
(4/236)
5142 - (الصدقة تسد سبعين بابا من السوء)
كذا رأيته بالسين المهملة والهمزة ورأيت في عدة أصول صحيحة
بشين معجمة وراء <تنبيه> قال المؤلف: الذكر أفضل من الصدقة
وهو أيضا يدفع البلاء والظاهر أن المراد بالسبعين التكثير
لا التحديد قياسا على نظائره وأن المراد بالباب الوجه
والجهة
(طب عن رافع بن خديج) قال الهيثمي: فيه حماد بن شعيب وهو
ضعيف
(4/236)
5143 - (الصدقة تمنع ميتة السوء) بكسر
الميم الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت قال
التوربشتي: وأراد بها ما لا تحمد عاقبته ولا تؤمن غائلته
من الحالات كالفقر المدقع والوصب الموجع والألم المقلق
والعلل المفضية إلى كفران النعمة ونسيان الذكر والأهوال
الشاغلة عما له وعليه ونحوها وقال الطيبي: الأولى أن يحمل
موت السوء على سوء الخاتمة ووخامة العاقبة من العذاب في
الآخرة قال أبو زرعة: ليس معناه أن العبد يقدر له ميتة
السوء فتدفعها الصدقة بل الأسباب مقدرة كما أن المسببات
مقدرة فمن قدر له ميتة السوء لا تقدر له الصدقة ومن لم
يقدر له ميتة السوء يقدر له الصدقة قال العامري: ميتة
السوء قد تكون في الصعوبة بسبب الموت كهدم وذات جنب وحرق
ونحوها وقد تكون سوء حالة في الدين كموته على بدعة أو شك
أو إصرار على كبيرة فحث على الصدقة لدفعها لذلك
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: فيه
من لا يعرف وبه يرد قول العامري: صحيح
(4/236)
5144 - (الصدقة تمنع) في رواية تسيد (سبعين
نوعا من أنواع البلاء أهونها الجذام والبرص) جعل الصدقة
كالدواء الذي [ص:237] هو برهان على زوال الداء وهذا مما
علمه الله لنبيه من الحكمة والطب الروحاني الذي يعجز عن
إدراكه الخلق لعدم استطاعتهم حصر الكليات في المحسوسات إذ
قصارى إدراكهم حصر الكليات المعقولات
(خط) في ترجمة الحويرث الهمداني (عن أنس) بن مالك وفيه
الحارث بن نعمان قال الذهبي: ضعفوه قال البخاري: منكر
الحديث وفي الكشاف قال أبو حاتم: غير قوي
(4/236)
5145 - (الصدقة على المسكين) الأجنبي
(صدقة) فقط (وهي على ذي الرحم اثنتان) أي صدقتان اثنتان
(صدقة وصلة) فهي عليه أفضل لاجتماع الشيئين ففيه حث على
الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد لكن هذا غالبي
وقد يقتضي الحال العكس ولهذا قال ابن حجر: عقب الخبر لا
يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال كون
المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بعكسه
(حم ت ن هـ ك) في الزكاة (عن سلمان بن عامر) الضبي حسنه
الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي قال ابن حجر: وفي الباب
أبو طلحة وأبو أمامة رواهما الطبراني
(4/237)
5146 - (الصدقة على وجهها) المطلوب شرعا
(واصطناع المعروف) إلى البر والفاجر (وبر الوالدين) أي
الأصلين المسلمين (وصلة الرحم) أي القرابة (تحول الشقاء
سعادة (1) وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء) ومن ثم عقب
الله الإيمان بها في آية البقرة {ولكن البر من آمن} إلخ
فأشعر بأنها المصدقة له ومن لم يتصدق كان مدعيا للإيمان
بلا بينة والمال شقيق الروح بذله أشق شيء على النفس والنفس
إذا رضيت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت
وانقادت خاضعة لصاحبها فجوزي بذلك
(حل عن علي) من حديث إسماعيل بن أبي رقاد عن إبراهيم عن
الأوزاعي قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب عن قوله عز وجل {يمحو الله ما يشاء
ويثبت} الآية قال: حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب سألت
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لأبشرنك بها يا
علي فبشر بها أمتي من بعدي الصدقة على وجهها إلخ ثم قال
مخرجه أبو نعيم: تفرد به إسماعيل وإبراهيم هو ابن أبي
سفيان ثقة
_________
(1) أي ينتقل العبد بسببها من ديوان الأشقياء إلى ديوان
السعداء أي بالنسبة لما في صحف الملائكة فلا تعارض بينه
وبين خبر فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أو سعيد وخبر
الشقي من شقي في بطن أمه
(4/237)
5147 - (الصدقات بالغدوات) جمع غدوة الضحوة
وهي مؤنثة والمراد الصدقة أول النهار (يذهبن بالعاهات) جمع
عاهة وهي الآفة والظاهر أن المراد ما يشمل الآفات الدينية
والمعنوية (1) وفي إفهامه أن الصدقة بالعشية تذهب العاهات
الليلية ومن فوائد الصدقة أن في بذلها السلامة من فتنة
المال {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} لأن من آمن وتصدق فقد
أسلم لله روحه وماله الذي هو عديل روحه فصار عبد الله حقا
وفيه إيماء إلى الحث على مفارقة كل محبوب سوى الله
(فر عن أنس) وفيه عمر بن قيس الكندي أورده الذهبي في
الضعفاء وقال: قال ابن معين: لا شيء ووثقه أبو حاتم
_________
(1) أي الدنيوية وفيه شمول للعاهات النهارية والليلية وقيد
المناوي العاهات بالنهارية
(4/237)
5148 - (الصديقون) جمع صديق. قال في
الكشاف: من أبنية المبالغة كالضحيك والنطيق والمراد فرط
صدقه وكثرة ما صدق [ص:238] به من غيوب الله وآياته وكتبه
ورسله (ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب آل يس
وعلى بن أبي طالب وهو أفضلهم) سموا بذلك لثباتهم على
التوحيد وعدم تزلزلهم عنه بالتعذيب والتهديد حتى قتلوا في
ذات الله عز وجل وفيه أن حبيبا غير نبي
(ابن النجار) في التاريخ (عن بن عباس)
(4/237)
5149 - (الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن
آل يس الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل
فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي
طالب وهو أفضلهم) قال القاضي: الصديقون الذين صعدت نفوسهم
تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية
والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا
عنها على ما هي عليه
(أبو نعيم في) كتاب المعرفة (وابن عساكر) وابن مردويه
والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أبيه أبي
ليلى) بفتح اللامين الأنصاري الكندي صحابي اسمه بلال أو
بلبل بالتصغير أو يسار أو داود أو أوس شهد أحدا وما بعدها
وعاش إلى خلافة علي
(4/238)
5150 - (الصرعة كل الصرعة) أصل الصرعة بضم
الصاد وفتح الراء المبالغ في الصراع الذي لا يغلب فنقله
إلى (الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع
غضبه) ويقهره فإذا قهره فقد قهر أعظم أعدائه وهذا من
الألفاظ التي نقلها الشرع عن وضعها اللغوي لضرب ما من
المجاز
(حم عن رجل) من الصحابة قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب فقال: ما ترون الصرعة قالوا: الذي لا يصرعه
الرجال فذكره قال الهيثمي: فيه أبو حفصة أو ابن حصنة مجهول
وبقية رجاله ثقات
(4/238)
5151 - (الصرم) أي الهجر (قد ذهب) أي أنه
قد جاء الشرع بإبطاله ونهى عن فعاله كما كان عليه أهل
الجاهلية
(البغوي) في المعجم (طب عن سعيد بن يربوع) المخزومي من
الطلقاء
_________
(1) [قوله: كما كان عليه أهل الجاهلية: أي يتهاجرون لأسباب
دنيوية ولهوى النفوس فلا يهجر المسلم المسلم إلا لله وشرط
ألا يترتب زيادة مفسدة. دار الحديث]
(4/238)
5152 - (الصعود جبل من نار) قال الطيبي:
التعريف للعهد والمشار إليه ما في قوله تعالى {سأرهقه
صعودا} أي سأغشيه عقبة شاقة المشاقة (يتصعد فيه الكافر
سبعين خريفا ثم يهوي كذلك) أي سبعين خريفا (فيه) أي في ذلك
الجبل (أبدا) أي يكون دائما في الصعود والهوي يعني قوله
تعالى {سأرهقه صعودا} قال الطيبي: زيد أبدا تأكيدا
(حم ت) في صفة جهنم (حب ك) وصححه (عن أبي سعيد) الخدري قال
الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث ابن لهيعة. اه.
قال المناوي: وابن لهيعة مجروح
(4/238)
5153 - (الصعيد الطيب) أي تراب الأرض
الطهور سمي به لأن الآدميين يصعدونها ويمشون عليها (وضوء
المسلم) بفتح [ص:239] الواو كما ضبطه الطيبي قال: هو الماء
وفي الكلام تشبيه أي الصعيد الطيب كالماء في الطهارة اه
قال ابن حجر: أطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام
مقامه (وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو عشرين أو ثلاثين أو
أكثر فالمراد بالعشر التكثير لا التحديد وكذا إن وجده
وهناك مانع حسي أو شرعي قال الطيبي: قوله وإن إلخ هذا من
الشرط أي الذي يقطع عنه جزاؤه لمجرد المبالغة قال في
الفردوس: وهذا قول عامة الفقهاء سفيان والشافعي وأحمد
وغيرهم قال في الفتح عقب الحديث: أشار بذلك إلى أن التيمم
يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لكنها طهارة
ضرورة لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت قال البيهقي: وقد صح
عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فرض ولا يعلم له مخالف من
الصحابة
(ن حب) من حديث عمرو بن بجدان بضم الموحدة وسكون الجيم (عن
أبي ذر) ورواه أبو داود وغيره بلفظ الصعيد الطيب وضوء
المسلم ولو لم يجد عشر حجج فإذا وجد الماء فليمسه بشرته
قال النووي: حديث صحيح اه قال الحافظ في المختصر: إسناده
قوي وصححه ابن حبان والدارقطني
(4/238)
5154 - (الصعيد وضوء المسلم) بفتح الواو
(وإن لم يجد الماء عشر سنين) أو أكثر فجعل ما تحت قدم
المسلمين طهورا لهم عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء
المنصوص عليه بقوله {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم
به} (فإذا وجد الماء) ولم يمنع من استعماله مانع حسي أو
شرعي (فليتق الله) فليخفه (وليمسه) بضم الياء وكسر الميم
مضارع أمس ذكره الطيبي (بشرته) لفظ رواية الدارقطني لبشرته
قال العراقي: ليس المراد المسح بالإجماع بل الغسل والإمساس
يطلق على الغسل كثيرا بأن يتطهر به من الحدثين (فإن ذلك
خير) أي بركة وأجر. قال الأشرفي: ليس معناه أن الوضوء
والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل
المراد منه أن الوضوء أحب عند وجود الماء ولا يصح التيمم
كقوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}
مع أنه لا خير في الأصل لمستقر أهل النار وفيه أن التيمم
يبطل برؤية الماء بلا مانع حسي أو شرعي لا يقال قوله فإن
ذلك خبر يدل على أنه بطريق الندب لأنا نقول الخيرية لا
تنافى الفرضية قال الحنفية: وفي إطلاقه دلالة على نفي
تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة وذهب الشافعية إلى
التخصيص حيث كانت تلك الصلاة يسقط فرضها بالتيمم وأجابوا
عن الإطلاق وفيه أن الرفع خاص بالماء المطلق وعليه الشافعي
وإلحاق نعمان كل مائع يزيل به: رد بأنه قياس مع الفارق إذا
الماء أسرع إيصالا وانفصالا وقول مالك المستعمل طهور: رد
بأن السلف لم يرفعوا به مع إعواز الماء
(البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال البزار: لا نعلمه
روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه قال الهيثمي: ورجاله
رجال الصحيح اه. ورواه الدارقطني باللفظ المذكور عن أبي ذر
وطعن فيه
(4/239)
5155 - (الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب
المسلم والسواد خضاب الكافر) فالخضاب بالأولين محبوب مطلوب
لكونه دأب الصالحين. قال الغزالي: ما لم يفعله بنية التشبه
بأهل الدين وليس منهم فمذموم والخضاب بالسواد حرام نعم إن
فعله لأجل الغزو فلا بأس به إذا صحت النية ولم يكن فيه هوى
اه
(طب ك) في المناقب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال أبو عبد
الله القرشي: دخل ابن عمر على ابن عمرو وقد سود لحيته
فقال: السلام عليك أيها الشويب قال: أما تعرفني قال: أعرفك
شيخا وأنت اليوم شاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول فذكره قال الذهبي والزين العراقي تبعا لأبي حاتم:
حديث منكر قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه
(4/239)
[ص:240] 5156 - (الصلح جائز بين المسلمين)
هو لغة قطع النزاع وشرعا عقد وضع لرفع النزاع بين
المتخاصمين وخصهم لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم كمصالحة من
دراهم على أكثر منها فيحرم للربا وكأن يصالح على نحو خمر
(إلا صلحا أحل حراما) كذا في الجامع (أو حرم حلالا)
كمصالحة امرأته على أن لا يطأ أمته أو ضرتها وهذا أصل عظيم
في الصلح واستدل به الشافعية على أن الصلح على الإنكار
باطل خلافا للأئمة الثلاثة لأن المدعي إن كذب فقد استحل
مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على
نفسه ماله الذي هو حلال له أي بصورة عقد فلا يقال للإنسان
ترك بعض حقه
(حم د) في الأقضية من حديث كثير بن زيد الأسلمي (ك) في
البيوع من حديث عبد الله بن الحسين المصيصي (عن أبي هريرة
ت هـ) كلاهما في الأحكام من طريق كثير المذكور (عن عمرو بن
عوف) قال الحاكم: على شرطهما والمصيصي ثقة تفرد به وتعقبه
الذهبي قال ابن حبان: كان يسرق الحديث اه وتعقب ابن القطان
الأول بأن كثيرا فيه كلام كثير وقال البلقيني: في الاحتجاج
به خلاف وفي الميزان عن ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسيخة
موضوعة قال: ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي
لكونه صحح حديثه وقد قال الشافعي وأبو داود: هو ركن من
أركان الكذب
(4/240)
5157 - (الصمت حكمة) أي هو حكمة أي شيء
نافع يمنع من الجهل والسفه قالوا: سمي حكمة لأنه ينشأ عنها
وأن الصمت عن رديء الكلام وما لا يعني يثمر حكمة في قلب
الصامت ينطق عنها وينتفع بها ببركة كف نفسه عن شؤم عجلة
طبعه أما الصمت عن قول الحق ونشر العلم والعدل فلا (وقليل
فاعله) أي قل من يصمت عما لا يعنيه ويمنع عن التسارع إلى
النطق بما يشينه ويؤذيه في دينه ودنياه لغلبة النفس
الأمارة وعدم التهذيب لها بالرياضة يعني استعمال الصمت
حكمة لكن قليل من يستعملها ونقل هذا عن لقمان أيضا. قيل:
دخل على داود وهو يسرد الدرع وقد لين له الحديد فأراد أن
يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسها وقال: نعم
لبوس للحرب أنت فقال لقمان: الصمت إلخ فقال داود: بحق ما
سميت حكيما وليس شيء على الإنسان أضر من العين واللسان فما
عطب أكثر من عطب إلا بهما وما هلك أكثر من هلك إلا بسببهما
فلله كم من مورد هلكة أورداه أو مصدر رديء أصدراه. قال
الغزالي: حسبك من اللسان أن فيه ربحك وغنيمتك وثمرة تعبك
واجتهادك كله في الطاعة وإحباطها وإفسادها غالبا من قبل
اللسان قال بعضهم: وإذا كان الإنسان حاسما للسانه عن الشر
متكلما بالخير صار عادة له فيثقل عليه الكلام في الشر
والباطل ويكرهه وينفر منه
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك (فر عن ابن
عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وأورده
البيهقي في الشعب من طريق أنس وقال: غلط فيه عثمان بن سعيد
والصحيح رواية ثابت قال: والصحيح عن أنس أن لقمان قاله
ورواه كذلك ابن حبان في روضة العقلاء بسند صحيح إلى أنس
ورواه العسكري في الأمثال عن أبي الدرداء وزاد من كثر
كلامه فيما لا يعنيه كثرت خطاياه
(4/240)
5158 - (الصمت (1) أرفع العبادة) فإن أكثر
الخطايا من اللسان فإذا ملك الإنسان اللسان فكفه عما لا
يجوز فقد تلبس [ص:241] بباب عظيم من أبواب العبادة وقد
توافقت على ذلك الملل قال وهب: أجمعت الحكماء على أن رأس
الحكمة الصمت وقال الفضيل: لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من
حبس اللسان وقال لقمان لابنه: لو كان الكلام من فضة كان
السكوت من ذهب ومن كلامهم: ملاك حسن السمت إيثار طول الصمت
ومنه: الصمت عن الباطل صدقة. وقال الشاعر:
إذا تم عقل المرء قل كلامه. . . وأيقن بحمق المرء إن كان
مكثارا
<تنبيه> قال ابن عربي: الصمت قسمان: صمت باللسان عن الحديث
لغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملة واحدة وصمت بالقلب
عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان فمن صمت لسانه
ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سره
وتجلى له ربه ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان
الحكمة ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان
ومسخرة له فصمت اللسان من منازل العامة وأرباب السلوك وصمت
القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات وحال صمت السالكين
السلامة من الآفات وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس فمن
التزم الصمت في الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه
فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه كان
نجيا مؤيدا إذا نطق نطق بالصواب
(فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي:
خرجه ابن حبان والمغيرة بن عبد الرحمن قال ابن معين: ليس
بشيء ووثقه بعضهم
_________
(1) أي السكوت عما لا يعني وترك الرد على من اعتدى وأما
إذا كان الإنسان خاليا عن الناس فلا يكون سكوته من العبادة
(4/240)
5159 - (الصمت زين للعالم) لما فيه من
الوقار والهدر عار سيما للعالم المقتدى بأقواله وأفعاله
وقد ينطق بغير تأمل فيسبق لسانه بكلمة لا يلقى لها بالا
فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا كما في الخبر المار فعلى
العاقل سيما الفاضل أن يميز بين أشكال الكلام قبل النطق
ليكون على بصيرة من نفسه وبينة من ربه (وستر للجاهل) لأن
المرء مخبوء تحت لسانه وهو المنبئ عن شأنه فحاله مستور ما
لم يتكلم <تنبيه> قال الراغب: الفرق بين الصمت والسكوت
والإنصات والإصاخة أن الصمت أبلغ لأن قد يستعمل فيما لا
قوة فيه للنطق وفيما له قوة للنطق ولهذا قيل: لما لم يكن
له نطق الصمت والسكوت لما له نطق فترك استعماله والإنصات
سكوت مع استماع ومتى انفك أحدهما عن الآخر لم يقل له إنصات
وعليه قوله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}
فقوله وأنصتوا بعد الاستماع ذكر خاص بعد عام والإصاخة
الاستماع إلى ما يصعب استماعه وإدراكه كالسر والصوت من
مكان بعيد
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) ابن حبان (عن محرز بن زهير)
الأسلمي مدني له صحبة ورواية
(4/241)
5160 - (الصمت سيد الأخلاق) لأنه يعين على
الرياضة وهي من أهم الأركان في حكم المنازلة وتهذيب
الأخلاق والسلامة من عذاب الخلاق قال الغزالي: فعليك
بملازمة الصمت إلا بقدر الضرورة وقد كان الصديق يضع حجرا
في فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير الضرورة ويشير إلى لسانه
ويقول هذا أوردني الموارد فاحترز منه فإنه أقوى أسباب
هلاكك في الدنيا والآخرة (ومن مزح استخف به) (1) أي هان
على الناس ونظروا إليه بعين الاحتقار والهوان فاحفظ لسانك
منه فإنه يسقط المهابة ويريق ماء الوجه ويستجر الوحشة
ويؤذي القلوب ويورث الحقد فلا تمازح أحدا وإن مازحك غيرك
فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وكن من الذين إذا مروا
باللغو مروا كراما ومن كلام النبي سليمان ووصايا لقمان إن
كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب قال الديلمي: روي أنه مات
حبر من بني إسرائيل فلما وضع على سريره وجدوا على عنقه
لوحا من ذهب فيه ثلاثة أسطر هي هذه وظاهر صنيع المصنف أن
ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه
الديلمي: ومن حمل الأمر على القضاء استراح (2) اه. <تنبيه>
ما اقتضته هذه [ص:242] الأخبار من التزام الصمت غالبي كما
عرف من أدلة أخرى فاعتقاده قربة إما مطلقا أو في بعض
العبادات كصوم وحج فإطلاقه منهي عنه على خبر أبي داود لا
صمات يوم إلى الليل
(فر عن أنس) وفيه سعيد بن ميسرة قال الذهبي في الضعفاء:
قال ابن حبان: يروي الموضوعات وقال ابن عدي: هو من ظلمة
الأمة
_________
(1) [" ومن مزح استخف به ": أي من بالغ في المزح. أما
المزح اللطيف فمباح أو مسنون لقوله صلى الله عليه وسلم في
الحديث 2628: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. دار الحديث.]
(2) [" استراح ": أي من سعى جهده وعلم بالأسباب ثم أقر أن
النتائج حلوة أو مرة هي من قضاء الله فقد استراح كما ورد
في الحديث 5131: الصبر رضا. فانظر شرحه. دار الحديث.]
(4/241)
5161 - (الصمد الذي لا جوف له) يقال شيء
مصمد لا جوف له وهذا قاله في تفسير قوله تعالى {الله
الصمد} لما سئل عن تفسيره
(طب عن بريدة) بن الحصيب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان]
والديلمي
(4/242)
5162 - (الصور) المذكور في قوله تعالى {يوم
ينفخ في الصور} (قرن) أي على هيئة البوق دائرة رأسه كعرض
السماوات والأرض وإسرافيل واضع فاه عليه ينظر نحو العرش أن
يؤذن له حتى (ينفخ فيه) فإذا نفخ صعق من في السماوات ومن
في الأرض أي ماتوا إلا من شاء الله. قال الحليمي: والظاهر
أن الصور وإن كان الذي ينفخ فيه النفختان جميعا فإن صيحة
الإصعاق تخالف صيحة الإحياء وجاء في أخبار أن فيه ثقبا
بعدد الأرواح كلها وأنها تجتمع فيه في النفخة الثانية
فيخرج منه كل روح نحو جسدها
(حم د ت ك عن ابن عمرو)
(4/242)
5163 - (الصورة الرأس) أي الصورة المحرمة
ما كانت ذات رأس (فإذا قطع الرأس فلا صورة) فتصوير الحيوان
حرام لكن إذا قطعت رأسه انتفى التحريم لأنها بدون الرأس لا
تسمى صورة
(الإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي
لكن بيض لسنده
(4/242)
5164 - (الصوم جنة) بضم الجيم وقاية في
الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح وفي الآخرة من
النار لأنه يقمع الهوى ويردع الشهوات التي هي من أسلحة
الشيطان فإن الشبع مجلبة الآثام منقصة للإيمان ولهذا قال
عليه الصلاة والسلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه "
فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته وتشوشت فكرته لما يستولي على
معادن إدراكه من الأبخرة الكثيرة المتصاعدة من معدته إلى
دماغه فلا يمكنه نظر صحيح ولا يتفق له رأي صالح وقد يقع في
مداحض فيروغ عن الحق كما أشار إليه خبر لا تشبعوا فتطفئوا
نور المعرفة من قلوبكم وغلب عليه الكسل والنعاس فيمنعه عن
وظائف العبادات وقويت قوى البدن وكثرت المواد والفضول
فينبعث غضبه وشهوته وتشتد مشقته لدفع ما زاد على ما يحتاجه
بدنه فيوقعه ذلك في المحارم قال بعض الأعلام: صوم العوام
عن المفطرات وصوم الخواص عن الغفلات وصوم العوام جنة عن
الإحراق وصوم الخواص جنة لقلوبهم عن الحجب والافتراق
(ن عن معاذ) بن جبل ورواه القضاعي في الشهاب وقال العامري
في شرحه: صحيح
(4/242)
5165 - (الصوم جنة) بضبط ما قبله (من عذاب
الله) فليس للنار عليه سبيل كما لا سبيل لها على مواضع
الوضوء لأن الصوم يغمر البدن كله فهو جنة لجميعه برحمة
الله من النار
(هب عن عثمان بن أبي العاص) وفيه سعيد الجرائري ضعفه ابن
القطان
(4/242)
5166 - (الصوم جنة يستجن بها العبد من
النار) وأصل الجنة بالضم الترس شبه الصوم به لأنه يحمي
الصائم عن الآفات [ص:243] النفسانية في الدنيا وعن العقاب
في الأخرى قال القاضي: والجنة بالضم الترس وبالكسر الجنون
وبالفتح الشجر المظل وأطلقت على البستان بما فيها من
الأشجار وعلى دار الثواب لما فيها من البساتين وثلاثيتها
مأخوذ من الجن بمعنى الستر
(طب عنه) أي عن عثمان قال الهيثمي: سنده حسن
(4/242)
5167 - (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)
أي الغنيمة التي تحصل بغير مشقة والعرب تستعمل البارد في
شيء ذي راحة والبرد ضد الحرارة لأن الحرارة غالبة في
بلادهم فإذا وجدوا بردا عدوه راحة وقيل الباردة الثابتة من
برد لي على فلان كذا أي ثبت أو الطيبة من برد الهواء إذا
طاب والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب وأيضا إن الهواء
والماء لما كان طيبهما ببردهما سيما من بلاد تهامة والحجاز
قيل هواء بارد وماء بارد على سبيل الاستطابة ثم كثر حتى
قيل عيش بارد وغنيمة باردة ذكره الزمخشري. قال الطيبي:
والتركيب من قلب التشبيه لأن الأصل الصوم في الشتاء
كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن الأصل في التشبيه أن
يلحق الناقص كالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل
الأسد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى
الدرجة القصوى في المبالغة ومعناه الصائم في الشتاء يحوز
الأجر من غير أن تمسه مشقة الجوع
(حم ع طب هق عن عامر بن مسعود) بن أمية بن خلف قال البيهقي
في الشعب: قال يعقوب ليس لعامر هذا صحبة (طس عد هب عن أنس)
بن مالك (عد هب عن جابر) بن عبد الله قال الهيثمي: فيه
سعيد بن بشير ثقة لكنه اختلط انتهى. وفيه الوليد بن مسلم
أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة مدلس سيما في شيوخ
الأوزاعي وزهير بن محمد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه
ضعف ما وقال البخاري: روى عنه أيضا أهل الشام مناكير وقال
ابن معين: ضعيف
(4/243)
5168 - (الصوم يدق) بضم فكسر بضبط المصنف
(المصير) أي الأمعاء أي يصيرها دقيقة والدقة ضد الغلط
(ويذبل) بضم فسكون فكسر للموحدة بضبط المصنف (اللحم) أي
يذهب طراوته والمراد أن الصوم يرق المصارين ويذهب نداوة
اللحم ورطوبته وهذا عند الإكثار منه (ويبعد) بالتشديد
والكسر بضبط المصنف (من السعير) أي جهنم (إن لله تعالى
مائدة عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر لا يقعد عليها إلا الصائمون) أي المكثرون للصوم أو
مطلقا (1)
(طس وأبو القاسم بن بشران في أماليه عن أنس) بن مالك قال
الهيثمي: فيه عبد المجيد بن كثير الحرالي لم أجد من ترجمه
_________
(1) [ولعله الأرجح بدليل قوله تعالى {قالوا ما سلككم في
سقر قالوا لم نك من المصلين} إذ المقصود أنهم لم يكونوا
يصلون ما افترض عليهم لا أنهم لم يكونوا يكثرون من الصلاة
فيما دون الفريضة. والله أعلم. دار الحديث]
(4/243)
5169 - (الصوم يوم تصومون والفطر يوم
تفطرون والأضحى يوم تضحون) قال في الفردوس: فسره بعض أهل
العلم فقال: الصوم والفطر والتضحية مع الجماعة ومعظم الناس
(ت عن أبي هريرة) وقال: غريب حسن ورواه عنه أيضا الديلمي
(4/243)
5170 - (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة
ورمضان إلى رمضان) قال الطيبي: المضاف محذوف أي صلاة
الجمعة منتهية [ص:244] إلى الجمعة وصوم رمضان منتهيا إلى
صوم رمضان وقوله (مكفرات) عن الكل و (لما بينهن) معمول
لاسم الفاعل ولذا دخلت اللام و (إذا اجتنبت الكبائر) شرط
وجزاء دل عليه ما قبله اه وقال النووي: معناه أن الذنوب
كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر لأن الذنوب تغفر ما لم تكن
كبيرة فإن كانت لا تغفر إلا صغائره ثم كل من المذكورات
صالح للتكفير فإن لم يكن له صغائر كتب له حسنات ورفع له
درجات
(حم م) في الطهارة (ت) في الصلاة لكنه لم يذكر رمضان (عن
أبي هريرة)
(4/243)
5171 - (الصلوات الخمس كفارة لما بينهن) من
الصغائر (ما اجتنبت الكبائر والجمعة إلى الجمعة) أي كفارة
لما بينهما ما اجتنبت الكبائر (وزيادة ثلاثة أيام) وذلك
لأن العبد وإن توقى لا بد له من تدنيسه بالذنوب وهو تعالى
قدوس لا يقربه إلا قديس طاهر فجعل أداء الفرائض تطهيرا له
من أدناسه {إن الحسنات يذهبن السيئات} فإذا تطهر العبد
بهذه الطهارة صلح لدار الطهارة وقرب القدوس <تنبيه> قال
ابن بزيزة: هنا إشكال صعب وهو أن الصغائر بنص القرآن مكفرة
باجتناب الكبائر فما الذي يكفره الصلوات؟ وأجاب البلقيني
بأن معنى {إن تجتنبوا} الموافاة على هذه الحال من الإيمان
أو التكليف إلى الموت والذي في الحديث أن الصلوات الخمس
تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك
اليوم فالسؤال غير وارد وبفرض وروده فالتخلص منه أنه لا
يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الخمس فمن لم يفعلها لم يجتنب
لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها وأحوال
المكلف بالنسبة لما يصدر منه من صغيرة وكبيرة خمسة: أحدها
أن لا يصدر منه شيء فهذا ترفع درجاته. الثانية يأتي بصغائر
بلا إصرار فهذا يكفر عنه جزما. الثالثة مثله لكن مع
الإصرار فلا يكفر لأن الإصرار كبيرة. الرابعة يأتي بكبيرة
واحدة وصغائر. الخامسة يأتي بكبائر وصغائر وفيه نظر يحتمل
إذا لم يجتنب أن تكفر الصغائر فقط والأرجح لا تكفر أصلا إذ
مفهوم المخالفة إذا لم يتعين جهته لا يعمل به
(حل عن أنس)
(4/244)
5172 - (الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة
وما ملكت أيمانكم) نصب على الإغراء أي الزموا المحافظة على
الصلاة والإحسان لما ملكت أيمانكم من الأرقاء وحث عليهما
لضعف المملوك وكونه مظنة للتقصير في حقه وميل الطبع إلى
الكسل وإيثار الراحة والنفس تنفر بطبعها عن كثير من
العبودية سيما إذا اتفق ذلك مع قسوة القلب وغلبة الرين
والميل إلى اللذة ومخالطة أهل الغفلة فلا يكاد العبد مع
ذلك يفعلها وإن فعلها بتكلف وتشتت قلب وذهول عنها وطلب
لفراقها
(حم ن) في الزكاة (هـ) في الجنائز (حب عن أنس) بن مالك (حم
هـ عن أم سلمة) أم المؤمنين (طب عن ابن عمر) بن الخطاب
(4/244)
5173 - (الصلاة) أل فيه للجنس فيشمل الفرض
والنفل أو للعهد فيختص بالفرض (في مسجد قباء) هو من عوالي
المدينة والأشهر مده وصرفه وتذكيره وجاء ضد هذه الثلاثة
(كعمرة) وفي رواية ابن أبي شيبة بسند صحيح " لأن أصلي في
مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين لو
يعلمون ما في قباء لصرفوا إليه أكباد الإبل " [ص:245] وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يزوره راكبا وماشيا قال الحافظ
الزين العراقي: فيه ندب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه ويسن
كونه يوم السبت لحديث ابن عمر المتفق عليه بذلك ومن حكمته
أنه كان يوم السبت يتفرغ لنفسه ويشتغل بقية الجمعة من أول
الأحد بمصالح الأمة ولا ينافي هذا خبر لا تشد الرحال إلا
إلى ثلاثة مساجد لأن بين قباء والمدينة ثلاثة أميال وما
قرب من المصر ليس في الذهاب إليه شد رحل
(حم ت هـ ك عن أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة (ابن ظهير)
وهو بضم أوله وهو ابن رافع بن عدي الأوسي الحارثي ابن عم
رافع بن خديج معروف شهد الخندق وقال الحافظ العراقي: لهما
صحبة قال: ورواته كلهم ثقات وقول ابن العربي إنه ضعيف غير
جيد
(4/244)
5174 - (الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين
صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين
صلاة) أي بلغ ثوابها ثواب خمسين صلاة صلاها بدون ذلك
وظاهره أن الصلاة مع الانفراد في الفلاة مع الإتيان
بكمالاتها يضاعف ثوابها على ثواب الصلاة الجماعة ضعفين (1)
وكأن وجهه أنه إذا كان في الفلاة منفردا مع إتمام الأركان
وتوفر الخشوع وغير ذلك من المكملات يحضره من الملائكة
ومؤمني الجن ما لا يحصى ولم أر من قال بذلك. (2)
(ك عن أبي سعيد) الخدري قال الحاكم: على شرطهما وأقره
الذهبي
_________
(1) [وقال في شرح الحديث 5078 أن السياق يشير إلى من صلاها
بجماعة في الفلاة. دار الحديث]
(2) [وكذلك ففي صلاته بالفلاة منفردا تنتفي جميع دواعي
الرياء وذلك سبب في المضاعفة وحيث أن الأعمال بالنيات
فالمنفرد المعذور عن حضور الجماعة قد يحصل له ثواب من
حضرها من باب قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 1937: إن
الله تعالى يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام
في وثاقه وللمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره. دار الحديث]
(4/245)
5175 - (الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف
صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس
بخمس مئة صلاة) قال العراقي: ذكر هنا وفيما سبق أن الصلاة
بالمسجد الحرام بمئة ألف وفي خبر الطبراني عن عمران الصلاة
فيه خير من ألف صلاة وقد يؤول على أن المراد خير من مئة
صلاة في مسجد المدينة فلا تعارض وفي خبر أحمد عن الأرقم
الصلاة بمكة أفضل من ألف صلاة ببيت المقدس وقضيته كون
الصلاة بالمسجد الحرام بألف ألف صلاة وإذا تعذر الجمع رجع
للترجيح وأصح هذه الأحاديث حديث ابن الزبير وجابر وابن عمر
الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة قال: وأما الاختلاف
في مسجد المدينة فأكثر الأخبار الصحيحة في أن الصلاة فيه
خير من ألف صلاة وأصح طرق أحاديث الصلاة ببيت المقدس أنها
بألف فالتفاوت بينه وبين مسجد المدينة بالزيادة على الألف
فحسب
(طب عن أبي الدرداء) قال الزين العراقي في شرح الترمذي:
إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو
حديث حسن اه. قال ابن حجر: رواه ابن عدي عن جابر وإسناده
ضعيف
(4/245)
5176 - (الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف
صلاة والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة والصلاة في مسجد
الرباطات) جمع رباط ويجمع أيضا على ربط بضمتين وهو اسم من
رابط مرابطة من باب قاتل إذا لازم ثغر العدو والرباط الذي
بيني للفقراء مولد (ألف صلاة)
(حل عن أنس) بإسناد ضعيف
(4/245)
5177 - (الصلاة في المسجد الجامع) أي الذي
يجمع فيه الناس أي يقيمون الجمعة (تعدل الفريضة) أي تعدل
ثواب صلاتها [ص:246] فيه ولم أر من أخذ بذلك من الأئمة
(حجة مبرورة) أي مقبولة (والنافلة كعمرة متقبلة وفضلت
الصلاة في المسجد الجامع على ما سواه من المساجد بخمس مئة
صلاة)
(طس عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه نوح بن ذكوان
وضعفه أبو حاتم
(4/245)
5178 - (الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف
صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا
أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام وشهر رمضان)
أي صومه (في مسجدي هذا أفضل من صوم ألف شهر رمضان فيما
سواه إلا المسجد الحرام)
<تنبيه> نختم هذه الأخبار بالإشارة إلى شيء من تفاضل
البقاع في الشرف وأن لها تأثيرا في القلوب. قال العارف ابن
عربي: من شرط القائم الشاهد المشاهد صاحب المقامات
والمشاهدات يعلم أن للأمكنة في القلوب اللطيفة تأثيرا ولو
وجد القلب في أي محل كان الوجود الأعم فوجوده بالمسجد
الحرام أسنى وأتم فكما تتفاضل المنازل الروحانية تتفاضل
المنازل الجسمانية وإلا فهل الدر مثل الحجر الأصم إلا عند
صاحب الحال وأما الكامل صاحب المقام فيميز بينهما كما ميز
الحق بينهما فالحكيم الواصل من أعطى كل ذي حق حقه فذلك
واحد عصره وصاحب وقته وفرق بين مدينة أكثر عمادها الشهوات
وبين مدينة أكثر عمادها الآيات البينات ووجود القلوب في
بعض المواطن أكثر من بعض أمر محسوس وكان بعض الأصفياء يترك
الخلوة بالمنارة بشرقي تونس ويختلي بالرابطة التي في وسط
المقابر وهي تعزى إلى الخضر ويقول أجد قلبي هناك أكثر وذلك
من أجل من يعمر ذلك المحل من الملائكة أو الجن وأماكن
الصالحين الأموات ومشاهدهم تنفعل لها القلوب اللطيفة ولذلك
تفاضل المساجد في وجود القلب فقد تجد قلبك في مسجد أكثر
منه في مسجد وذلك ليس للتراب بل لمجالسة الأتراب وهمهم ومن
لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمسجد فهو لا صاحب
حال ولا مقام ولا شك كشفا وعلما أنه وإن طمرت الملائكة
جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب أن أعلاهم رتبة
وأعظمهم علما ومعرفة عمرة المسجد الحرام وعلى قدر جلسائك
يكون وجودك فإن همم الجلساء لها تأثير في قلب الجليس على
قدر مراتبهم وقد طاف بالبيت مئة ألف نبي وأربعة وعشرون
ألفا سوى الأولياء وما منهم إلا وله همة متعلقة بالبيت
وبالمسجد الحرام والبلد الحرام والإحساس بتفاضل الأماكن من
أوصاف العارفين
(هب عن جابر)
(4/246)
5179 - (الصلاة نصف النهار) أي عند
الاستواء (تكره) تحريما لا تنزيها على الأصح وعليهما فلا
تنعقد عند الشافعية (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تكره (لأن
جهنم كل يوم تسجر) أي توقد (إلا يوم الجمعة) فإنها لا تسجر
فلا تحرم وبه فارقت حالة الاستواء في بقية الأيام. قال ابن
سيد الناس: من رواة هذا الخبر من تفقه على أبي قتادة فمثله
لا يقال إلا بتوقيف
(عد عن أبي قتادة) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده
لسنده
(4/246)
5180 - (الصلاة نور المؤمن) أي تنور وجه
صاحبها في الدنيا وتكسبه جمالا وبهاءا كما هو مشاهد محسوس
و [تنور] قلبه لأنها [ص:247] تشرق فيه أنوار المعارف
ومكاشفات الحقائق و [تنور] قبره كما قال أبو الدرداء صلوا
ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر (1) وتركها يظلم القلب
فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت
الحيرة حتى يقع تاركها في البدع والضلالات وهو لا يشعر
كأعمى خرج في ظلمة وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في
العين ثم حتى تعلو الوجه فيصير سوادا يدركه أهل البصائر
وتحصل حين ذلك الوحشة بينه وبين الناس سيما أهل الخير فيجد
وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم وحرم
بركة النفع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب
الرحمن
(القضاعي) في مسند الشهاب (وابن عساكر) في التاريخ (عن
أنس) ورواه عنه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور فلو عزاه
إليهما لكان أولى قال العامري في شرح الشهاب: صحيح
_________
(1) [وتنور له في الآخرة لقوله تعالى عن المؤمنين {نورهم
يسعى بين أيديهم} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
3170: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. دار
الحديث]
(4/246)
5181 - (الصلاة خير موضوع) بإضافة خير إلى
موضوع أي أفضل ما وضعه الله أي شرعه من العبادات (فمن
استطاع أن يستكثر) منها (فليستكثر) لأن بها تبدو قوة
الإيمان في شهود ملازمة خدمة الأركان ومن كان أقواهم
إيمانا كان أكثرهم وأطولهم صلاة وقنوتا وإيقانا وقد جعلها
الله فروضا وسننا. كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي
جعل عليه كل يوم ألف ركعة فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت
قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: يا نفس إنما أريد إكرامك غدا
عند الله والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ الفراش منك
نصيبا وقال بعضهم: مكث عندنا رجل ثلاثة عشر سنة يصلي كل
يوم ألف ركعة حتى أقعد فكان إذا صلى العصر احتبى واستقبل
القبلة ثم قال: عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا عجبت
للخليقة كيف شاءت سواك. ثم يسكت إلى الغروب. وقال
الداراني: لو خيرت بين ركعتين وبين دخول الفردوس لاخترت
الركعتين لأني في الفردوس بحظي وفي الركعتين بحق ربي
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه عبد المنعم بن بشير
اه. وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجا لأعلى من الطبراني
ولا أحق بالعزو إليه وليس كذلك فقد رواه الإمام أحمد وابن
حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر
(4/247)
5182 - (الصلاة قربان كل تقي) أي أن
الأتقياء من الناس يتقربون بها إلى الله أي يطلبون القرب
منه بها والقربان مصدر من قرب يقرب والتقي تقي مطلق وتقي
مقيد فمن اتقى الله في سره وعلنه وبذل جهده في فرائضه
وتجنب مناهيه فهو تقي على الإطلاق وإنما يتقبل الله من
المتقين فصلاة هذا قربان بلا شرط والمقيد قيد عمله
بالمشيئة فإن قبلت صلاته كانت قربانا له وإلا فلا ويمكن أن
يراد بقربان أن الصلاة من التقي بمنزلة الأضحية والهدى
لفقدهما
(القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين ورواه
أبو يعلى عن جابر بلفظ الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة
تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار
(4/247)
5183 - (الصلاة خدمة الله في الأرض) ومن
أحب ملكا لازم خدمته (1) (فمن صلى ولم يرفع يديه فهو) أي
ذلك الفعل (خداج) بكسر الخاء أي فصلاته ذات نقصان (هكذا
أخبرني جبريل) ناقلا (عن الله عز وجل إن بكل إشارة) في
الصلاة (درجة) أي منزلة عالية (وحسنة) في الجنة وقد تميزت
الصلاة على غيرها من الفرائض بأمور لا تكاد تحصى ولو لم
يكن إلا أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم إياها عن الله عز
وجل بلا واسطة وذلك ليلة الإسراء لكفى
(فر عن ابن عباس) وفيه أحمد بن علي بن حسنويه شيخ الحاكم
قال الذهبي: متهم بالوضع وشبابة بن سوار أورده الذهبي في
الضعفاء وقال: أحمد كان داعية في الإرجاء وورقاء اليشكري
لينه القطان
_________
(1) [وهذه الخدمة عبارة عن القيام بواجبات العبودية والله
غني عن العالمين. دار الحديث]
(4/247)
[ص:248] 5184 - (الصلاة خلف رجل ورع مقبولة
والهدية إلى رجل ورع مقبولة والجلوس مع رجل ورع من العبادة
والمذاكرة معه صدقة) أي يثاب عليها كثواب الصدقة والورع
المتقي للشبهات وهو معنى قول من قال: وهو من يدع ما لا بأس
به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس
(فر عن البراء) بن عازب وفيه عبد الصمد بن حسان قال
الذهبي: تركه أحمد بن حنبل
(4/248)
5185 - (الصلاة عماد الدين) قال الغزالي:
فيها أسرار لأجلها كانت عمادا منها ما فيها من التواضع
بالمثول قائما بالركوع والسجود وهي خدمة الله في الأرض
والملوك لا تخدم بالكسل والتهاون بل بالجد والتذلل فلذلك
كانت عماد الدين وعلم الإيمان يكثر بقوته ويقل بضعفه ولذا
كان سعيد بن المسيب دائم الإقبال على الصلاة حتى قيل فيه
لو قيل له إن جهنم لتسعر لك وحدك ما قدر على أن يزيد عمله
شيئا وكان يقول لنفسه إذا دخل الليل قومي إلى خدمة ربك يا
مأوى كل شر تريدين أن تغفلي بالنهار وتنامي بالليل والله
لأدعنك تزحفي زحف البعير فيصبح وقدماه منتفختان صلى ورضي
الله عنه الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة
(هب) من حديث عكرمة (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني
البيهقي: عكرمة لم يسمع من عمر قال: وأظن عن ابن عمر اه.
قال الحافظ العراقي في حاشية الكشاف: فيه ضعف وانقطاع قال
الحاكم: عكرمة لم يسمع من عمر ورواه من حديث ابن عمر ولم
يقف عليه ابن الصلاح فقال في مشكل الوسيط: إنه غير معروف
اه. وقول النووي في التنقيح: حديث منكر باطل رده ابن حجر
وشنع وأخرجه أيضا الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي
(4/248)
5186 - (الصلاة عمود الدين) ومن ثم أيقظ
المصطفى صلى الله عليه وسلم أحب آله فاطمة وعليا في ليلة
واحدة مرتين من نومهما حتى جلس علي في الثانية وهو يعرك
عينيه ويقول والله ما نصلي إلا ما كتب لنا إنما أنفسنا بيد
الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فولى النبي صلى الله عليه
وسلم وهو يضرب بيديه على فخذيه ويقول ما نصلي إلا ما كتب
لنا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} وكان ثابت بن أسلم يقوم
الليل كله خمسين سنة فإذا جاء السحر قال: اللهم إن كنت
أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك فلما مات وسدوا
لحده وقعت لبنة فإذا هو قائم يصلي حالا وشهد ذلك من حضر
جنازته وكان يقول الصلاة خدمة الله في الأرض ولو كان شيء
أفضل منها لما قال تعالى {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي
في المحراب}
(أبو نعيم) بضم النون وفتح المهملة (الفضل بن دكين) بضم
المعجمة وفتح الكاف واسم دكين عمرو بن حماد التميمي الطلحي
الكوفي الأحول الملائي بضم الميم الحافظ أحد الأعلام من
كبار شيوخ البخاري (في) كتاب فضل (الصلاة) لم يذكر المصنف
الصحابي وقال ابن حجر: هو عن حبيب بن سليم عن بلال بن يحيى
مرسلا ورجاله ثقات وله طرق أخرى بينتها في تخريج الكشاف
وتبعه المصنف في حاشية البيضاوي
(4/248)
5187 - (الصلاة عماد الدين) أي أصله وأسه
وهي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين
(والجهاد سنام العمل) أي أعلاه وأمثله كيف وفيه بذل النفس
وإنفاق الأموال في رضى العلي المتعال (والزكاة بين ذلك) أي
رتبتها في الفضل بين الصلاة والجهاد وهذا بالنظر إلى الأصل
وإلا فقد يعرض ما يصير الجهاد أفضل وأهم كما تقدم
(فر) وكذا الأصبهاني في الترغيب (عن علي) أمير المؤمنين
قال الزيلعي: وفيه الحارث ضعيف جدا وذهل ابن الصلاح في
مشكل الوسيط قال: هذا غير صحيح ولا معروف فكأنه لم يظفر به
(4/248)
[ص:249] 5188 - (الصلاة ميزان) أي هي ميزان
الإيمان (فمن أوفى) بأن حافظ عليها بواجباتها ومندوباتها
(استوفى) (1) ما وعد به من الفوز بدار الثواب والنجاة من
أليم العقاب وبالصلاة يوزن إيمان الإنسان لأنها محل مناجاة
الرحمن لا واسطة فيها بين المصلي وربه وبها تظهر أثر
المحبة لأنه لا شيء ألذ عند المحب من الخلوة بمحبوبه ليفوز
بمطلوبه <تنبيه> قال السهروردي: اشتقاق الصلاة من الصلى
وهو النار والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها تعرض على
النار وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء وسبحات
وجه الله الكريم لو كشف حجابها أحرقت من أدركته يصيب بها
المصلي من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به
اعوجاجه بل يتحقق معراجه فالمصلي كالمصلي بالنار ومن اصطلى
بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض على النار إلا تحلة
القسم
(هب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الحاكم والديلمي
_________
(1) [أي أن الحديث يمثل الصلاة بالميزان فبمقدار ما يوفي
المرء الميزان ويعدل فيه بإحسان الصلاة أو الإكثار منها
فهو يستوفي ما وعد به من الفوز بالثواب والنجاة من العقاب.
دار الحديث]
(4/249)
5189 - (الصلاة تسود وجه الشيطان) فهي أعظم
الأسلحة عليه (والصدقة تكسر ظهره والتحابب إلى الله
والتوادد في العمل يقطع دابره) سواد الوجه وما بعده كناية
عن إرغامه وإحزانه بطاعة العبد لربه وظهور الكآبة عليه
بتخيب سعيه في إضلاله ووسوسته (فإذا فعلتم ذلك تباعد منكم
كمطلع الشمس من مغربها) ففي المحافظة على ما ذكر كمال صلاح
الدنيا والآخرة سيما إدرار الأرزاق وإذلال الأعداء
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضا البزار وفيه عبد
الله بن محمد بن وهب الحافظ أورده الذهبي في الضعفاء. وقال
الدارقطني: متروك وزافر بن سليمان قال ابن عدي: لا يتابع
على حديثه وثابت الثمالي قال الذهبي: ضعيف جدا
(4/249)
5190 - (الصلاة) النافلة (على ظهر الدابة
هكذا وهكذا وهكذا) قال في الفردوس: يعني إلى القبلة وغيرها
في غير المكتوبة جائزة مما هو جهة مقصده
(طب) وكذا الديلمي (عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: فيه
يونس بن حارث ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان
(4/249)
5191 - (الصلاة علي نور على الصراط ومن صلى
علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما) فيه
أن الصلاة عليه نور على الصراط ونجاة ورحمة وأخذ من إفراد
الصلاة هنا أن محل كراهة إفرادها عن السلام فيما لم يرد
الإفراد فيه بخصوصه وإلا فلا يزاد على الوارد
(الأزدي في) كتاب (الضعفاء قط في الأفراد عن أبي هريرة) ثم
قال الدارقطني: تفرد به حجاج بن سنان عن علي بن زيد فلم
يروه عن حجاج إلا السكن بن أبي السكن قال ابن حجر في تخريج
الأذكار: والأربعة ضعفاء وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر وضعفه
ابن حجر
(4/249)
5192 - (الصيام جنة) أي سترة بين الصائم
وبين النار أو حجاب بين الصائم وبين شهوته لأنه يكسر
الشهوة ويضعف القوة
(حم ن عن أبي هريرة)
(4/249)
5193 - (الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد
النون أي وقاية وستر (من النار كجنة أحدكم من القتال) قال
ابن عبد البر: [ص:250] حسبك بهذا فضلا للصائم وهذا إذا لم
يخرقه بنحو غيبة أو كذب كما مر مرارا
(حم ق هـ عن عثمان بن أبي العاص) ورواه عنه أيضا ابن عبد
البر وغيره
(4/249)
5194 - (الصيام جنة حصينة من النار) أي من
نار جهنم لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بها
(هب عن جابر) وفيه يوسف بن يعقوب القاضي قال الذهبي في
الضعفاء: مجهول وأحمد بن عيسى وابن لهيعة ضعيفان
(4/250)
5195 - (الصيام جنة وحصن حصين من النار)
قال المحقق أبو زرعة: من هذا الخبر وما قبله وما بعده أخذ
جمع أن الصوم أفضل العبادات البدنية مطلقا لكن ذهب الشافعي
إلى أن أفضلها الصلاة
(حم هب عن أبي هريرة) قال الهيثمي: هو في الصحيح خلا قوله
وحصن إلخ وسنده حسن
(4/250)
5196 - (الصيام جنة) أي وقاية (ما لم
يخرقها) أي بالغيبة فإنه إذا اغتاب فقد خرق ذلك السائر له
من النار بفعله وتمام الحديث عند البيهقي ومن ابتلاه الله
بلاء في جسده فله حظه
(ن هق عن أبي عبيدة) بن الجراح
(4/250)
5197 - (الصيام جنة ما لم يخرقها بكذب أو
غيبة) فيه كالذي قبله تحذير الصائم من الغيبة وقد ذهب
الأوزاعي إلى أنها تفطر الصائم وتوجب عليه القضاء وزعم أنه
خارق للإجماع إبطال بحكاية المنذري وغيره له عن عائشة
وسفيان الثوري
(طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر وهو
ضعيف
(4/250)
5198 - (الصيام جنة وهو حصن من حصون المؤمن
وكل عمل لصاحبه إلا الصيام يقول الله الصيام) خالص (لي) لا
يطلع عليه غيري (وأنا أجزي به) صاحبه جزاءا كثيرا وأتولى
الجزاء عليه بنفسي فلا أكله إلى ملك مقرب ولا غيره لأنه سر
بيني وبين عبدي لأنه لما كف نفسه عن شهواتها جوزي بتولي
الله سبحانه إحسانه
(طب) والديلمي (عن أبي أمامة) قال الهيثمي: سنده حسن
(4/250)
5199 - (الصيام جنة من النار فمن أصبح
صائما فلا يجهل يومئذ) فإن الجهل لا يليق بحال الصائم (وإن
امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي
نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) بضم الخاء تغيره وفتحه قيل
خطأ (أطيب عند الله من ريح المسك) فإذا كان هذا بتغير ريح
فمه فما ظنك بصلاته وقراءته وسائر عباداته؟ قال ابن جماعة:
وفيه أن خلوف فم الصائم أفضل من دم الجريح في سبيل الله
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهيد: إن ريحه ريح
المسك وقال في خلوف الصائم: إنه أطيب منه ووجهه أن الجريح
يظهر أمره للناس فربما داخله رياء والصائم لا يعلم بصومه
إلا الله فلعدم دخول الرياء فيه صار أرفع
(ن عن عائشة) رمز المصنف لصحته
(4/250)
[ص:251] 5200 - (الصيام نصف الصبر) لأن
الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب فالنفس تشتهي
الشيء لمحصول اللذة بإدراكه وتغضب لفوته وتنفر لنفرتها من
المؤلم والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن
والفرج دون مقتضى الغضب لكن من كمال الصوم حبس النفس عنهما
وبه تمسك من فضل الصبر على الشكر
(هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه وكأنه لم ير قول ابن
العربي في السراج حديث ضعيف جدا
(4/251)
5201 - (الصيام نصف الصبر) لأن جماع
العبادات فعل وكف والصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف وهو شرط
الصبر فهما صبران صبر عن أشياء وصبر على أشياء والصوم معين
على أحدهما فهو نصف الصبر ذكره الحليمي وقال الغزالي: هذا
مع خبر الصبر نصف الإيمان ينتج أن الصوم ربع الإيمان ثم هو
متميز بخاصية النسبة إلى الله من بين سائر الأركان وقوله
الصيام نصف الصبر مع قوله تعالى {إنما يوفى الصابرين
أجرهم} إلخ ينتج أن ثواب الصوام يتجاوز قانون التقدير
والحساب اه. وما ذكر هنا من أنه نصف الصبر يعارضه ما صار
إليه بعض المفسرين من أن المراد بالصبر في آية {واستعينوا
بالصبر} الصوم بدليل مقابلته بالصلاة أما على ما ذهب إليه
الأكثر من تفسير بالعبادة كلها فلا تعارض (وعلى كل شيء
زكاة وزكاة الجسد الصيام) لأنه ينقص من قوة البدن وينحل
الجسم فيكون الصيام كأنه أخرج شيئا من جسده لوجه الله فكأن
زكاته
(هب عن أبي هريرة) وفيه محمد بن يعقوب قال الذهبي في
الضعفاء: له مناكير وموسى بن عبيد ضعفوه وقال أحمد: لا تحل
الرواية عليه
(4/251)
5202 - (الصيام لا رياء فيه قال الله تعالى
هو لي) إنما أضيف إليه مع أن العبادة بل العالم كله له
لأنه لم يعبد أحد من دون الله بالصوم فلا شريك له فيه
بخلاف غيره أو أنه بعيد عن الرياء لعدم الإطلاع عليه أو أن
الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته ومن تخلق بشيء منها
فقد تقرب إليه بما يتعلق بهذه الصفة فيورثه محبة الله التي
هي للعبد قبول دعائه وتكفير سيئاته وحمايته أو هي إضافة
تشريف كقوله {ناقة الله} أو إضافة حماية {إن عبادي ليس لك
عليهم سلطان} (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه
وكثرة الثواب لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا
واسطة اقتضى سرعة العطاء وشرفه (يدع طعامه وشرابه من أجلي)
نبه به على أن الثواب المرتب على الصيام إنما يحصل بإخلاص
العمل فإن كان لغرض مذموم كرياء كان وبالا فرب صائم حظه من
صيامه الجوع ورب صائم حظه القرب والرضا <تنبيه> قال
الطيبي: إن قلت هذا الحديث ونحوه يدل على أن الصوم أفضل من
الصلاة والصدقة قلت إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة
أفضل من الصدقة وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد
الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل
منها وما يدلى إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها
كان أفضل
(هب عن أبي هريرة) ورواه أيضا ابن منيع وأبو نعيم والديلمي
(4/251)
5203 - (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم
القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات) كذا
بخط المصنف [ص:252] وفي نسخ بدله الشراب وهو تحريف أي
تناولهما (بالنهار) كله (فشفعني فيه ويقول القرآن أي رب
منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان) بضم الياء وشد
الفاء أي يشفعهما الله تعالى فيه ويدخله الجنة وهذا القول
يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق
{والله على كل شيء قدير} ويحتمل أنه يوكل ملكا يقول عنهما
ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل
(حم طب ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: إسناده
حسن وقال غيره: فيه ابن لهيعة
(4/251)
|