فيض القدير شرح الجامع الصغير

حرف الكاف

(4/541)


6197 - (كاتم العلم) أي عن أهله (يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء) لما سبق أن العلم يتعدى نفعه إليهما فإنه آمر بالإحسان إليهما حتى بإحسان القتلة فكتمه يضر بهما وبغيرهما من الحيوانات وقد تظافرت النصوص القرآنية على ذم كاتم العلم {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} {وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلا به وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا وتارة خوفا أن يحتج عليهم بما أظهروه منه وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين للعلم فإنه تارة يكتمونه بخلا به وتارة كراهة أن ينال غيرهم من الفضل والتقدم والوجاهة ما نالوه وتارة اعتياضا برئاسة أو مال فيخاف من إظهاره انتقاص رتبته وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل وذلك كله مذموم وفاعله مطرود من منازل الأبرار ومقامات الأخيار مستوجب للعنة في هذه الدار ودار القرار
(ابن الجوزي في) كتاب (العلل) المتناهية في الأخبار الواهية (عن أبي سعيد) الخدري وقضية صنيع المصنف أن ابن الجوزي سكت عليه والأمر بخلافه فإن تعقبه بقوله: حديث لا يصح فيه يحيى بن العلاء قال أحمد: كذاب يضع

(4/541)


6198 - (كاد الحليم أن يكون نبيا) أي قرب من درجة النبوة وكاد من أفعال المقاربة وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكن لم يكن لفقد شرط أو عروض مانع. قال العسكري: كذا يرويه المحدثون ولا تكاد العرب تجمع بين كاد وأن وبهذا نزل القرآن. (لطيفة) قد ألغز أبو العلاء المصري في لفظة كاد فقال:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة. . . جرت في لساني جرهم وثمود
إذ ما نفت والله أعلم أثبتت. . . وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقال الشهاب الحجازي: فلم أجد أحدا أجاب فقلت
لقد كاد هذا اللغز يصدئ فكرتي. . . وما كدت أشفى غلتي بورود
وهذا جواب يرتضيه ذوو النهى. . . وممتنع عن فهم كل بليد
وهذا الجواب لغز أيضا فأوضحه بعضهم بقوله:
أشار الحجازي الإمام الذي حوى. . . علو ما زكت من طارف وتليد
إلى كاد إفصاحا لذي الفضل والنهى. . . وأبهم إبعادا لكل بليد
(خط) في ترجمة محمد البزدوي (عن أنس) وفيه يزيد الرقاشي متروك والربيع بن صبح ضعفه ابن معين وغيره ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح

(4/541)


[ص:542] 6199 - (كاد الفقر) أي الفقر مع الاضطرار إلى ما لا بد منه كما ذكره الغزالي (أن يكون كفرا) أي قارب أن يوقع في الكفر لأنه يحمل على حسد الأغنياء والحسد يأكل الحسنات وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه ويلثم به دينه وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه ولذلك استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفقر وقال سفيان الثوري: لأن أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذلي في سؤال الناس قال: ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض فلعلي أكفر ولا أشعر فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا لأنه يحمل المرء على ركوب كل صعب وذلول وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه كما فعل ابن الراوندي في قوله:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه. . . وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة. . . وصير العالم التحرير زنديقا
والفقر نعمة من نعم الله إلى الإنابة والالتجاء إليه والطلب منه وهو حلية الأنبياء ورتبة الأولياء وزي الصلحاء ومن ثم ورد خبر: إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين فهو نعمة جليلة بيد أنه مؤلم شديد التحمل <تنبيه> قال الغزالي: هذا الحديث ثناء على المال ولا تقف على وجه الجمع بين المدح والذم إلا بأن تعرف حكمة المال ومقصوده وإفادته وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه شر من وجوه وليس بخير محض ولا بشر محض بل هو سبب للأمرين معا يمدح مرة ويذم مرة والبصير المميز يدرك أن المحمود منه غير المذموم (وكاد الحسد أن يكون سابق القدر) أي كاد الحسد في قلب الحاسد أن يغلب على العلم بالقدر فلا يرى أن النعمة التي حسد عليها أنها صارت إليه بقدر الله وقضائه كما أنها لا تزول إلا بقضائه وقدره وغرض الحاسد زوال نعمة المحسود ولو تحقق القدر لم يحسده واستسلم وعلم أن الكل بقدر <تنبيه> قال ابن الأنباري في الانتصاف: لا يستعمل أن مع كاد في اختيار ولذلك لم يأت في القرآن ولا في كلام فصيح فأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا فإن صح فزيادة أن من كلام الراوي لا من كلام الرسول لأنه أفصح من نطق بالضاد وقال النووي: إثبات أن مع كاد جائز لكنه قليل وقال ابن مالك: وقوع خبر كاد مقرونا بأن قد خفي على أكثر النحاة وقوعه والصحيح جوازه لكنه قليل ولذلك لم يقع في القرآن لكن عدم وقوعه فيه لا يمنع من استعماله قياسا
(حل) من حديث المسيب بن واضح عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن حجاج بن قرافصة عن يزيد الرقاشي (عن أنس) ويزيد الرقاشي قال في الميزان: تالف وحجاج قال أبو زرعة: ليس بقوي ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وفيه يزيد المذكور ورواه الطبراني من وجه آخر بلفظ كاد الحسد أن يسبق القدر وكادت الحاجة أن تكون كفرا قال الحافظ العراقي: وفيه ضعف وقال السخاوي: طرقه كلها ضعيفة قال الزركشي: لكن يشهد له ما خرجه النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر فقال رجل ويعتدلان قال نعم

(4/542)


6200 - (كادت النميمة) أي قارب نقل الحديث من قوم لقوم على وجه الإفساد (أن تكون سحرا) أي خداعا ومكرا أو صرفا للشيء عن وجهه وإخراجا للباطل في صورة الحق فلما كادت النميمة أن تجذب السامع إلى بغض المنقول عنه ويوقع بينه وبين الشرور شبهت بالسحر الحقيقي
(ابن لال) في المكارم (عن أنس) وفيه الكديمي وقد مر غير مرة ضعفه والمعلى بن الفضل قال الذهبي في الضعفاء: له مناكير ويزيد الرقاشي قد تكرر أنه متروك

(4/542)


6201 - (كافل اليتيم) أي المربي له أو القائم بأمره من نحو نفقة وكسوة وتأديب وغير ذلك (له) كقريبه (أو لغيره) [ص:543] كالأجنبي (أنا وهو كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى (في الجنة) مصاحبا له فيها وقد تطابقت الشرائع والأديان على الحث على الإحسان إلى اليتيم وحق على من سمع هذا الحديث العمل به ليكون رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة أفضل من ذلك وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى من كلام داود عليه السلام كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع تحصد رواه الطبراني وكذا البخاري في الأدب المفرد
(عن أبي هريرة) ورواه البخاري بدون قوله ولغيره اه والتقديم والتأخير مع اتحاد المعنى لا أثر له ورواه الطبراني بزيادة قيل حسن لا بد منه. ولفظه كافل اليتيم أو لغيره إذا اتقى معي في الجنة كهاتين قال الهيثمي: رجاله ثقات والمراد اتقى في التصرف لليتيم

(4/542)


6202 - (كان أول من أضاف الضيف) أي أول الناس تضيفا (إبراهيم) الخليل قال في النهر: وهو الأب الحادي والثلاثون لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو أول من اختتن قال ابن المسيب: وأول من قص شاربه وأول من رأى الشيب والضيف مجازا باعتبار ما يؤول إليه وفي رواية كان يسمى أبا الضيفان كان يمشي الميل والميلين في طلب من يتغذى معه قيل دعا من يأكل معه فحضر فقال له قل بسم الله قال لا أدري ما الله فهبط جبريل فقال يا خليل الله إن الله يطعمه منذ خلقه وهو كافر فبخلت أنت عليه بلقمة وفي الكشاف كان لا يتغذى إلا مع ضيف فلم يجده يوما فإذا هو بفوج من الملائكة بصورة البشر فدعاهم فخيلوا له أن بهم جذاما فقال الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أن عافاني
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (قرى الضيف عن أبي هريرة)

(4/543)


6203 - (كان على موسى) بن عمران (يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف) بضم الكاف وتشديد الميم أو بكسر الكاف قلنسوة صغيرة أو مدورة (وسراويل صوف) قال ابن العربي: إنما جعل ثيابه كلها صوفا لأنه كان بمحل لم يتيسر له فيه سواه فأخذ باليسر وترك التكليف والعسر وكان من الاتفاق الحسن أن آتاه الله تلك الفضيلة وهو على تلك اللبسة التي لم يتكلفها وقال الزين العراقي: يحتمل كونه مقصودا للتواضع وترك التنعم أو لعدم وجود ما هو أرفع ويحتمل أنه اتفاقي لا عن قصد بل كان يلبس كل ما يجد كما كان نبينا يفعل (وكانت نعلاه من جلد حمار ميت) يحتمل أنها كانت مدبوغة فذكر في الحديث أصلها وترك ذكر الدباغ للعلم به وجرى العادة بدباغها قبل لبسها ويحتمل أن شرعه استعمالها بدون دباغ ولكونها من جلد ميت في الجملة قيل له {اخلع نعليك إنك بالواد المقدس} أي طأ الأرض بقدميك لتصيب قدميك بركة هذا الوادي الذي من الله به عليك فأخذ اليهود منه لزوم خلع النعلين في الصلاة وليس الأخذ صحيحا كما سبق قال ابن عربي: قد أمر بخلع نعليه التي جمعت ثلاثة أشياء الجلد وهو ظاهر الأمر أي لا تقف مع الظاهر في كل الأحوال الثاني البلادة فإنها منسوبة إلى الحمار الثالث كونه ميتا غير ذكي والموت الجهل وإذا كنت لا تعقل ما تقول ولا ما يقال لك كنت ميت والمناجي لا بد أن يكون بصفة من يعقل ما يقول وما يقال له فيكون حي القلب فطنا بمواقع الكلام غواصا على المعاني التي يقصدها من يناجيه واعلم أن هذا الحديث قد وقع فيه في بعض الروايات زيادة منكرة بشعة قال الحافظ ابن حجر: وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه أخرج ابن الجوزي في الموضوعات الحديث عن ابن مسعود باللفظ المذكور زاد في آخره فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة قال: أنا الله قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوق والمتهم به حميد الأعرج قال ابن حجر: كلا والله إن حميدا بريء من هذه الزيادة المنكرة وما أدرى ما أقول في ابن بطة بعد هذا
(ت) من حديث حميد بن علي الأعرج عن عبد الله بن الحارث (عن [ص:544] ابن مسعود) ثم قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال حميد هذا منكر الحديث اه. وذكر مثله في المستدرك ثم قال: هذا أصل كبير في التصوف وعده في الميزان من مناكير الأعرج لكن شاهده خبر أبي أمامة عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم قال الذهبي: ساقه من طريق ضعيف وسقط نصف السند من النسخة اه وبه عرف أنه لا اتجاه لجعل ابن الجوزي له في الموضوعات لكن قال الزين العراقي: هو حديث غير صحيح وقال المنذري: صححه الحاكم ظانا أن حميدا الأعرج هو ابن قيس المكي وإنما هو ابن علي وقيل ابن عمار أحد المتروكين

(4/543)


6204 - (كان داود) نبي الله (أعبد) وفي رواية من أعبد (البشر) أي أكثرهم عبادة في زمانه أو مطلقا والمراد أشكرهم قال تعالى {اعملوا آل داود شكرا} أي بالغ في شكري وابذل وسعك فيه قيل جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فما من ساعة إلا وإنسان منهم قائم يصلي
(ت ك) في التفسير من حديث فضيل عن محمد بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي بأن عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة اه وأفاد الهيثمي أن البزار رواه بإسناد حسن وبه يعرف أن المصنف لم يصب حيث آثر الرواية التي فيها الكذب على الرواية الحسنة بل قال في جواهر العقدين: إن الحديث في صحيح مسلم

(4/544)


6205 - (كان أيوب) النبي عليه السلام (أحلم الناس) أي أكثرهم حلما والحلم سعة الأخلاق (وأصبر الناس) أي أكثرهم صبرا على السقم وصفة الحليم تحمل أثقال الأمر والنهي بالرضى وسعة الصدر (وأكظمهم للغيظ) لأن الله شرح صدره فاتسع لتحمل مساوئ الخلق ومن ثم لما سئل حكيم عن الحلم قال: هو تطييب الأمور في الصدور وسئل علي: ما العلم؟ قال: خشية الرب واعتزال الخلق قيل: فما الحلم قال: كظم الغيظ وملاك النفس
(الحكيم) الترمذي (عن ابن أبزى) الذي وقفت عليه في كتب الحكيم ابن أبزى بفتح الهمزة وسكون الموحدة ثم زاي مقصور الخزاعي صحابي صغير

(4/544)


6206 - (كان الناس يعودون داود) أي يزورونه (يظنون أن به مرضا وما به شيء إلا شدة الخوف) وفي رواية للحكيم بدله الفرق (من الله تعالى) زاد أبو نعيم في رواية والحياء هذا لفظه وذلك لما غلب على قلبه من الهيبة الجلالية عاين القلب سلطانا عظيما فلم يتمالك لأنه لزمه الوجل حتى كاد يغلق كبده فظهرت العبرة على جوارحه الظاهرة قال يزيد الرقاشي: خرج داود في أربعين ألفا يعظهم ويخوفهم فمات منهم ثلاثون ألفا ورجع في عشرة آلاف وكان له جاريتان اتخذهما حتى إذا جاءه الخوف وسقط فاضطرب قعدتا على رجليه وصدره مخافة أن تتفرق مفاصله فيموت
(ابن عساكر) في ترجمة داود وكذا أبو نعيم والديلمي باللفظ المزبور ولعل المؤلف لم يستحضر كلا منهما عن (ابن عمر) بن الخطاب وفيه عندهما محمد بن عبد الرحمن بن غزوان قال الذهبي: قال ابن حبان يضع وقال ابن عدي متهم بالوضع ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير سديدة لإيهامه

(4/544)


6207 - (كان زكريا) بالمد والقصر والشد والتخفيف اسم أعجمي (نجارا) فيه إشارة إلى أن كل أحد لا ينبغي له أن يتكبر [ص:545] عن كسب يده لأن نبي الله مع علو درجته اختار هذه الحرفة وفيه أن التجارة لا تسقط المروءة وأنها فاضلة لا دناءة فيها فالاحتراف بها لا ينقص من مناصب أهل الفضائل
(حم م) في المناقب (هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن ماجه ولم يخرجه البخاري قال القرطبي: بل الحرف والصنائع غير الدينية زيادة في فضل أهل الفضل لحصول مزيد التواضع والاستغناء عن الغير وكسب الحلال الخالي عن المنة قال: وقد كان كثير من الأنبياء يزاولون الأعمال فآدم الزراعة ونوح التجارة وداود الحدادة وموسى الكتابة كان يكتب التوراة بيده وكل منهم قد رعى الغنم

(4/544)


6208 - (كان نبي من الأنبياء) إدريس أو دانيال أو خالد بن سنان (يخط) كانت العرب تأخذ خشبة وتخط خطوطا كثيرة على عجل كي لا يلحقها العدد وتمحو خطين خطين وإن بقي زوج فهو علامة النجاح أو فرد فعلامة الخيبة والعرب تسميه الأشحم ذكره الزمخشري. وقال القاضي: قوله يخط أي يضرب خطوطا كخطوط الرمل فيعرف الأحوال بالفراسة بتوسط تلك الخطوط (فمن وافق خطه) أي من وافق خطه خطه في الصورة والحالة وهي قوة الخاطر في الفراسة وكماله في العلم والورع الموجبين لها (فذاك) الذي تجدون إصابته أو فذاك الذي يصيب ذكره القاضي قال: والمشهور خطه بالنصب فيكون الفاعل مضمرا وروي بالرفع فيكون المفعول به محذوفا قال الحكيم: والخط علم عظيم خص به أهله وقيل المراد به الزجر عنه والنهي عن تعاطيه لأن خط ذلك النبي عليه السلام كان معجزة وعلما لنبوته وقد انقطعت نبوته ولم يقل فذلك الخط حرام دفعا لتوهم أن خط ذلك النبي عليه السلام حرام وقال النووي: الصحيح أن معناه أن من وافق خطه فهو مباح له لكن لا طريق لنا إلى العلم باليقين بالموافقة فلا يباح والقصد أنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا بها يقين اه فقال ابن الأثير: قال ابن عباس الحزر ما يخطه الحازر وهي بمهملة وزاي معجمة أي يحرز الأشياء ويقدرها بظنه وهو علم قد تركه الناس يأتي صاحب الحاجة إليه فيعطيه حلوانا فيقول اقعد حتى أخط وبين يديه غلام بيده منديل فيأتي أيضا رخوة فيخط فيها خطوطا بالعلة ليلا يلحقها العدد ثم يمحوها على مهل خطين خطين وغلامه يقول العيان بن عيان أسرع البيان فإن بقي خطان فعلامة النجح وإلا فالخيبة وهو علم معروف فيه تصانيف
(حم م) في الصلاة (د ن عن معاوية بن الحكم) بفتح الحاء والكاف السلمي قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام إلى أن قال ومنا رجال يخطون فذكره ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن معاوية

(4/545)


6209 - (كان رجل يداين الناس) أي يجعلهم مديونين له وفي رواية رجل لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس (فكان يقول لفتاه) أي غلامه كما صرح به في رواية أخرى (إذا أتيت معسرا) وهو من لم يجد وفاء (فتجاوز عنه) بنحو إنظار وحسن تقاض والتجاوز التسامح في التقاضي وقبول ما فيه نقص يسير (لعل الله) أي عسى الله (أن يتجاوز عنا) قال الطيبي: أراد القائل نفسه لكن جمع الضمير إرادة أن يتجاوز عمن فعل هذا الفعل ليدخل فيه دخولا أوليا ولهذا ندب للداعي أن يعم في الدعاء (فلقي الله) أي رحمته في القبر أو القيامة (فتجاوز عنه) أي غفر له ذنوبه ولم يؤاخذه بها لحسن ظنه ورجائه أنه يعفو عنه مع إفلاسه من الطاعات وأفاد بفضل إنظار المعسر والوضع عنه ولو لما قل وأنه مكفر وفضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار فعل الخير وإن قل فلعلها تكون سببا للرحمة والمغفرة
(حم ق ن) في البيع (عن أبي هريرة)

(4/545)


[ص:546] 6210 - (كان هذا الأمر) أي الخلافة (في حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح المثناة تحت قبيلة بواد من اليمن (فنزعه الله منهم) ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم (وجعله في قريش وسيعود إليهم) في آخر الزمان بعد نزعه من قريش
(حم طب عن ذي مخبر) بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الميم ويقال ذو مخبر بموحدة بدل الميمين أخي النجاشي صحابي خدم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال الهيثمي: رجالهما ثقات اه ومن ثم رمز المصنف لحسنه لكن قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر وإسماعيل بن عياش أحد رجاله ضعفوه وبقية مدلس يروي عن الضعفاء

(4/546)


6211 - (كان الحجر الأسود أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم) وليس من لازم تسويدها له أن تبيضه طاعات مؤمنيهم كما زعمه بعض الضالين ونسب للجاحظ فقد تكون من فوائد بقائه مسودا أن يأتي سواده شهيدا على الكفار يوم القيامة <فائدة> في أمالي ابن دريد عن الحبر أن آدم أهبط ومعه الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج فوضعه على أبي قبيس فكان يضيء بالليل كأنه القمر فحيث بلغ ضوءه كان من الحرم اه
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه

(4/546)


6212 - (كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة) بسبب إماطتها
(هـ عن أبي هريرة) ورواه أحمد وأبو يعلى عن أنس ورمز المصنف لحسنه

(4/546)


6213 - (كبر كبر) أي ليلي الكلام أو يبدأ بالكلام الأكبر وسببه أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود انطلقا إلى خيبر وهي يومئذ صلح فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم وهو أحدث القوم فقال فذكره
(حم ق د عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة ومثلثة ساكنة (حم عن رافع بن خديج) ورواه عنه أيضا الترمذي وابن ماجه في الديات والنسائي في القضاء فما أوهمه المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا أولئك غير صواب

(4/546)


6214 - (كبرت الملائكة على آدم) أربعا في الصلاة عليه زاد الحاكم في روايته وكبر أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وكبر عمر على أبي بكر وكبر صهيب على عمر أربعا وكبر الحسن على علي أربعا وكبر الحسين على الحسن أربعا اه. وهذا كما ترى صريح في رد قول الفاكهي أن الصلاة على الجنائز من خصائص هذه الأمة
(ك) عن مبارك بن فضالة عن الحسن (عن أنس) بن مالك (حل عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن مبارك ليس بحجة

(4/546)


6215 - (كبرت خيانة) أنثه باعتبار التمييز وهو فاعل معنى (أن تحدث أخاك حديثا) في الدين وإن لم يكن أخاك من النسب (هو لك به مصدق وأنت له به كاذب) لأنه ائتمنك فيما تحدثه به فإن كذبته فقد خنت أمانته وخنت أمانة [ص:547] الإيمان فيما أوجب من نصيحة الإخوان {والله لا يحب الخائنين} قال الطيبي: أخاك فاعل كبرت وأنث الفعل له باعتبار المعنى لأنه نفس الخيانة وفيه معنى التعجب كما في {كبر مقتا عند الله} والمراد خيانة عظيمة منك إذا حدثت أخاك المسلم بحديث وهو يعتمد عليك اعتمادا على أنك مسلم لا تكذب فيصدقك والحال أنك كاذب قال النووي: والتورية والتعريض إطلاق لفظ هو ظاهر في معنى ويريد معنى آخر يتناوله اللفظ لكنه خلاف ظاهره وهو ضرب من التغرير والخداع فإن دعت إليه مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا به فلا بأس وإلا كره فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق حرم عليه وعليه ينزل هذا الخبر ونحوه
(خد د) في الأدب (عن سفيان بن أسيد) بفتح الهمزة وإسناده كما قال النووي في الأذكار: فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود فاقتضى كونه حسنا عنده قال البغوي: ولا أعلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المنذري: رواه أبو داود من رواية بقية بن الوليد (حم طب) وكذا ابن عدي (عن النواس) بن سمعان قال المنذري: رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون وفيه خلف وبقية رجاله ثقات وقال الهيثمي: فيه شيخ الإمام أحمد عمر بن هارون ضعيف وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي: في حديث سفيان ضعفه ابن عدي وحديث النواس سنده جيد

(4/546)


6216 - (كبر) أي شق وعظم (مقتا عند الله الأكل من غير جوع) فإنه مذموم شرعا وطبا مورث لأمراض كثيرة وكثيرا ما يفضي إلى الموت فهو كفر لنعمة الحياة (والنوم من غير سهر والضحك من غير عجب) لأنه يقسي القلب وينسي ذكر الرب (وصوت الرنة) أي الصياح (عند المصيبة) أي عند حدوثها (والمزمار عند النعمة)
(فر عن ابن عمرو) بن العاص وفيه عبد الله بن أبان قال الذهبي: قال ابن عدي مجهول منكر الحديث وعمرو بن بكر السكسكي قال ابن عدي: منكر الحديث

(4/547)


6217 - (كبروا على موتاكم بالليل والنهار أربع تكبيرات) أي كبروا في الصلاة على الجنازة أربع تكبيرات سواء صليتم على موتاكم ليلا أو نهارا
(حم عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه

(4/547)


6218 - (كبري الله) يا أم هانئ التي قالت يا رسول الله دلني على عمل فإني ضعفت وكبرت وبدنت (مئة مرة) أي قولي (الله أكبر مئة مرة واحمدي الله مئة مرة) أي قولي الحمد لله مئة مرة (وسبحي الله مئة مرة) أي قولي (سبحان الله مئة مرة فإن ذلك خير من مئة فرس ملجم مسرج في سبيل الله) أي فإن ثواب هذه الكلمات أعظم من ثواب إعداد تلك الخيول للجهاد (وخير من مئة بدنة) أي وثوابها أعظم من ثواب مئة بدنة تنحر ويفرق لحمها على المساكين (وخير من مئة رقبة) أي وثوابها أعظم من ثواب عتق مئة رقبة لله تعالى وزاد الحاكم في رواية متقبلة وقول لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يشبهها عمل اه
(هـ عن أم هانئ) قالت: يا رسول الله دلني على عمل فإني قد ضعفت وكبرت وبدنت فذكره رمز المصنف لحسنه ورواه الحاكم عن زكريا بن منظور عن محمد بن عقبة عن أم هانئ وصححه وتعقبه الذهبي بأن زكريا ضعفوه وسقط من بين محمد وأم هانئ اه وسند ابن ماجه محرر

(4/547)


6219 - (كتاب الله القصاص) برفعهما على الابتداء والخبر وحذف مضاف أي حكمة القصاص والإشارة إلى نحو قوله [ص:548] {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} الآية وقوله {وإن عاقيتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية وقوله {والجروح قصاص} وكذا قوله {وكتبنا عليهم فيها} إلى قوله {السن بالسن} إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا إن لم يرد ناسخ ويجوز بنصب الأول على الإغراء أي عليكم كتاب الله والزموا كتاب الله ورفع الثاني على حذف الخبر أي القصاص أوجب أو مستحق والقصاص قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان
(حم ق د ن هـ عن أنس) بألفاظ متقاربة والمعنى متفق وهذا قاله في قصة كسر الربيع ثنية الأنصارية

(4/547)


6220 - (كتاب الله) أي القرآن (هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض) أي هو الوصلة التي يوثق عليها فيستمسك بها من أراد الرقي والعروج إلى معارج القدس وجوار الحق كأنه قيل ما السبب الموصل إلى الله الذي في السماء سلطانه فقال: هو التمسك بالقرآن والسبب في أصل اللغة هو الحبل
(ش وابن جرير) الطبري (عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لحسنه

(4/548)


6221 - (كتب الله مقادير الخلائق) أي أجرى القلم على اللوح أو غيره بتحصيل مقاديرها على وفق ما تعلق به وإرادته وليس المراد هنا أصل التقدير لأنه أزلي لا ابتداء له (قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) معناه طول الأمد وتكثير ما بين الخلق والتقدير من المدد لا التحديد إذ لم يكن قبل السماوات والأرض سنة ولا شهر فلا تدافع بينه وبين خبر الألفين المار قال البيضاوي: أو تقديره ببرهة من الدهر الذي يوم فيه كألف سنة مما تعدون أو من الزمان نفسه قال: فإن قلت كيف يحمل على الزمان وهو على المشهور مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ قلت فيه كلام وإن سلم فمن زعم ذلك قال بأنه مقدار الفلك الأعظم الذي هو عرش الرحمن وكان موجودا حينئذ بدليل قوله فيما بعده {وكان عرشه على الماء} (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات قال بعض أهل التحقيق: ذلك الماء هو العلم قال بعضهم: وفيه صراحة بأن أول المخلوقات العرش والماه والله أعلم بأيهما سبق الآخر ومن وهم أن هذا الخبر يدل على أن أولها العرش فحسب فقد وهم ثم أن ما ذكر من الأولية يعارضه خبر الترمذي أول ما خلق القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد وادعى بعضهم أن أول ما خلق الله الماء ثم أوجد منه سائر الأجرام تارة بالتلطيف وأخرى بالتكثيف <تنبيه> قال التونسي: في قوله {وكان عرشه على الماء} بيان استحالة الجهة في حقه تعالى لأن استقرار العرش على الماء فعلم بأنه لما خرقت العادة باستقرار هذا الجرم العظيم الذي هو أعظم الأجرام على الماء الذي ليس من عادة مثله بل ولا عادة أقل منه من الأجرام الراتبة أن يستقر على الماء علم أن الاستواء عليه ليس استواء استقرار وتمكن
(م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا الترمذي وغيره ولم يخرجه البخاري

(4/548)


6222 - (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي) هذا على وزان {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي أوجب وعدا أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على مقتضى الغضب من العقاب فإن الله عفو كريم يتجاوز عنه بفضله والمراد بالسيف القاطع بوقوعها ذكره الطيبي وقال القاضي: التزمها تفضلا وإحسانا والمراد بالرحمة ما يعم الدارين قال: والله تعالى غفور رحيم بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مسامح فيها اه. وقال التفتازاني: الكتابة باليد تصوير وتمثيل لإثباته وتقديره
(هـ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه

(4/548)


[ص:549] 6223 - (كتب علي الأضحى) أي التضحي (ولم يكتب عليكم) أيها الأمة (وأمرت بصلاة الضحى) أي بفعلها في كل يوم في وقتها المعروف (ولم تؤمروا بها) أي أمر إيجاب بل أمر ندب وهذا من أدلة الجمهور على عدم وجوب التضحية علينا وأوجبها الحنفية على المقيم القادر
(حم طب) وكذا أبو يعلى (عن ابن عباس) قال الذهبي: فيه جابر الجعفي ضعيف جدا بل كذاب رافضي خبيث وقال ابن حجر في التخريج: حديث ضعيف من جميع طرقه وصححه الحاكم فذهل اه. لكن قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح اه

(4/549)


6224 - (كتب على ابن آدم) أي قضى عليه وأثبت في اللوح المحفوظ وقيل خلق له إرادة وعدة من الحواس وغيرها والأول هو المناسب لمعاني هذا الباب (نصيبه من الزنا) أي مقدماته من التمني والتخطي لأجله والتكلم فيه طلبا أو حكاية أو استماعا ونحوها (مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) أي بالإتيان بما هو المقصود من ذلك أو بالترك أو بالكف عنه ولما كانت المقدمات من حيث كونها طلائع وأمارات تؤذن بوقوع ما هي وسيلة إليه تشابه المواعيد والأخبار عن الأمور المتوقعة سمى ترتب المقصود عليها الذي هو كالمدلول لها وعدم ترتبه صدقا وكذبا
(هـ عن أبي هريرة) ورواه البخاري مختصرا

(4/549)


6225 - (كثرة الحج والعمرة تمنع العلة) التي هي الفقر والمسكنة يعني أنهما سببان للغنى بخاصية فيهما علمها الشارع
(المحاملي) أبو الحسن بن إبراهيم (في أماليه) عن أم سلمة وفيه عبد الله بن شبيب المكي قال الذهبي في الضعفاء: متهم ذو مناكير وفليح بن سليمان قال النسائي وابن معين: ليس بقوي وخالد بن إلياس قال الذهبي: منكر وليس بالساقط

(4/549)


6226 - (كخ كخ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسرها منونة وغير منونة فهي ست لغات وهي كلمة ردع للطفل عن تناول شيء مستقذر قال الزمخشري: وتقال عند التقذر من الشيء أيضا قال:. . . وعاد وصل الغانيات كخا. . . اه. وهي من أسماء الأفعال على ما في التسهيل ومن أسماء الأصوات على ما في حواشيه الهشامية عربية أو معربة وهذه قالها للحسن وقد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فزجره وقال (ارم بها) وفي رواية اطرحها وفي أخرى ألقها ولا تعارض فإنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال كخ إشارة إلى استقذار ذلك ويحتمل عكسه (أما) بهمزة الاستفهام وفي رواية بحذفها وهي مرادة (شعرت) بالفتح فطنت يعني أخفي علي فطنتك (أنا) آل محمد صلى الله عليه وسلم (لا نأكل الصدقة) بالتعريف وفي رواية بدونه أي لحرمتها علينا وظاهره يعم النفل لكن السياق خصها بالفرض لأنه الذي يحرم على آله وفيه أن الطفل يجنب الحرام لينشأ عليه ويتمرن وحل تمكينه من اللعب بما لا يملكه حيث لا ضرر ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع المميز إعلاما بالنهي وأخذ منه ندب مخاطبة نحو العجمي بما يفهمه من لغته
(ق عن أبي هريرة)

(4/549)


[ص:550] 6227 - (كذب النسابون) قال في الكشاف: يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله علمها عن العباد (قال الله تعالى {وقرونا بين ذلك كثيرا} ) يعني هم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله قال ابن دحية: أجمع العلماء والإجماع حجة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا انتسب لا يجاوز عدنان
(ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس)

(4/550)


6228 - (كرامة) وفي رواية إكرام (الكتاب ختمه) زاد القضاعي في روايته وذلك قوله تعالى {إني ألقي إلي كتاب كريم} قيل في تفسيره وصفته بالكرم لكونه مختوما قال العامري: الكرم هنا التكريم للكتاب ويرجع إلى السر المودع فيه وقد يسمى المكتوب كتابا ومآل التكريم يعود إلى المكتوب فيه بصيانة سره بالختم ولما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكتاب إلى ملوك العجم قيل له لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم فاصطنعه وعن ابن المقنع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك ورواه من هذا الوجه القضاعي والثعلبي والواحدي قال ابن ظاهر: وافقه عندهم محمد بن مروان وهو متروك الحديث وقال العامري: هو جلي حسن

(4/550)


6229 - (كرم المرء دينه) أي به يشرف ويكرم ظاهرا وباطنا قولا وفعلا وفي رواية للعسكري كرم الرجل تقواه والكرم كثرة الخير والمنفعة لا ما في العرف من الاتفاق والبذل شرفا وفخرا (ومروءته عقله) لأن به يتميز عن الحيوان وبه يعقل نفسه عن كل خلق دنيء ويكفها عن شهواتها الرديئة وطباعها الدنيئة ويؤدي إلى كل ذي حق حقه من حق الحق والخلق فليس المراد بالمروءة ما في عرفكم من جمال الحال والاتساع في المال بذلا وإظهارا فليس كل عاقل يكون له مال يتوسع فيه بذلا وعطاء بل قال الحكماء: المروءة نوعان أحدهما البذل والعطاء والآخر كف الهمة عن الأسباب الدنيئة وهو أتم وأعلا (وحسبه خلقه) بالضم أي ليس شرفه بشرف آبائه بل بشرف أخلاقه وليس كرمه بكثرة ماله بل بمحاسن أخلاقه وقال الأزهري: أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه وإن لم يكن له نسب وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له. قال العلائي: وحاصل المروءة راجعة إلى مكارم الأخلاق لكنها إذا كانت غريزة تسمى مروءة وقيل المروءة إنصاف من دونك والسمو إلى من فوقك والجزاء مما أوتي إليك من خير أو شر
<تنبيه> قد أخذ أبو العتاهية معنى هذا الحديث فنظمه فقال:
كرم الفتى التقوى وقوته. . . محض اليقين ودينه حسبه
والأرض طينته وكل نبي. . . حوافيها واحد نسبه
(حم ك) في النكاح (هق) من وجهين وضعفهما (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي بأن فيه مسلما الزنجي ضعيف وقال البخاري: منكر الحديث وقال الرازي: لا يحتج به

(4/550)


6230 - (كسب الإماء حرام) أي بالزنا أو الغناء كما يفسره خبر أبي يعلى والديلمي كسب المغنيات والنوات حرام
(الضياء) المقدسي في المختارة (عن أنس) بن مالك قال ابن حجر: وصححه ابن حبان وفي الباب غيره

(4/550)


6231 - (كسر عظم الميت ككسره حيا)
(حم د هـ عن عائشة)

(4/550)


6232 - (كسر عظم الميت) المسلم المحترم (ككسر عظم الحي في الإثم) لأنه محترم بعد موته كاحترامه حال حياته قال [ص:551] ابن حجر في الفتح: يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته
(هـ عن أم سلمة) وقع في الإمام أن مسلما رواه ورد عليه

(4/550)


6233 - (كفى بالدهر) وفي رواية بالموت (واعظا) كفى بتقلبه بأهله مرققا ملينا للقلوب مبينا لقرب حلول الحمام لكل إنسان والسعيد من اتعظ بغيره (وبالموت مفرقا) بشد الراء وكسرها قال الحرالي: الواعظ إهزاز النفس بوعود الجزاء وهذا قد عده العسكري من الحكم والأمثال
(ابن السني في عمل يوم وليلة) وكذا العسكري (عن أنس) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جاري يؤذيني فقال: اصبر على أذاه وكف عنه أذاك فما لبثت إلا يسيرا إذ جاءه فقال: مات فذكره هذا من بليغ حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ووجيزها لأنه لما علم أن أسباب العظات كثيرة من العبر والآيات وطوارق الآفات وسوء عواقب الغفلات ومفارقة الدنيا وما بعد الممات قال: في عظة الموت كفاية عن جميع ذلك لأن الموت ينزعه عن جميع محبوباته في الدنيا ومخوفاته إما إلى الجنة وإما إلى ما يكرهه وذلك يوجب المنع من الركون إلى الدنيا والاستعداد إلى الآخرة وترك الغفلة

(4/551)


6234 - (كفى بالسلامة داء) لأن دوام سلامة العبد في نفسه وأهله من المصائب تورثه البطر والعجب والكبر وتحبب إليه الدنيا لما يألفه من الشهوات وحب الدنيا رأس كل خطيئة والتمتع بالشهوات المباحات يحجب القلوب عن الآخرة وكل ذلك يسقم الدين ويكدر الإيمان ويخرج إلى الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} لكن هذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في عدة أحاديث لأن المطلوب عافية سليمة العاقبة مما ذكر
(فر عن ابن عباس) وفيه عمران القطان قال الذهبي: ضعفه يحيى والنسائي قال الديلمي: وفي الباب أنس

(4/551)


6235 - (كفى بالسيف شاهدا) قاله لما بلغه أن سعد بن عبادة لما نزل قوله تعالى {والمحصنات من النساء} الآية. قال: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف ولم أمهله لآتي بأربعة شهداء وأخذ بقضيته أحمد فقال: لو أقام بينة أنه وجده مع امرأته فقتله هدر وإن لم يأت بأربعة شهداء وأوجب الشافعي القود لكن قال له فيما بينه وبين الله قتله ثم إن ما ذكر من أن لفظ الحديث شاهدا هو ما وقفت عليه في نسخ الكتاب لكن ذكر ابن الأثير أن الرواية كفى بالسيف أراد أن يقول شاهدا فأمسك ثم قال: لولا أن يتابع فيه الغيران والسكران وجواب لولا محذوف أراد لولا تهافت الغيران والسكران في القتل لتممت على جعله شاهدا وحكمت إلى هنا كلامه
(هـ عن سلمة بن المحبق) وفيه الفضل بن دلهم قال في الكاشف: قال أبو داود وغيره: ليس بقوي

(4/551)


6236 - (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع) يعني لو لم يكن للرجل إثما إلا تحدثه بكل ما يسمعه من غير بينة أنه صدق أم كذب يكفيه من الإثم لأنه إذا تحدث بكل ما يسمعه لم يخلص من الكذب إذ جميع ما يسمع ليس بصدق بل بعضه كذب فعليه أن يبحث ولا يتحدث إلا بما ظن صدقه فإن ظن كذبه حرم وإن شك وقد أسنده لقائله وبين حاله برئ من عهدته وإلا امتنع أيضا ومحل ذلك ما إذا لم يترتب عليه لحوق ضرر وإلا حرم وإن كان صدقا بل إن تعين الكذب طريقا لدفع ذلك وجب
(د ك عن أبي هريرة)

(4/551)


[ص:552] 6237 - (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتا ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان الله على كل شيء مقيتا} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة لله وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة
(حم د ك) في الزكاة (هق عن ابن عمرو) بن العاص صححه الحاكم وأقره الذهبي وقال في الرياض: إسناده صحيح ورواه عنه أيضا النسائي وهو عند مسلم بلفظ: كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملكه قوته وسببه كما في البيهقي: أن ابن عمرو كان ببيت المقدس فأتاه مولى له فقال: أقيم هنا رمضان؟ قال: هل تركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا. قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره

(4/552)


6238 - (كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمر دينه ودنياه) لأنه إنما يوثق به ويعتمد عليه فيما يخبر عنه عن أمر الدين والدنيا إذا استمرت أحواله من الخلق على الأمانة والعدل والصيانة فثقة المؤمنين به نوع شهادة له بالصدق والوفاء فيسعد بشهادتهم فإنهم شهداء الله في الأرض
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) بن مالك ورواه القضاعي في الشهاب وقال شارحه العامري: حسن غريب

(4/552)


6239 - (كفى بالمرء شرا أن يتسخط ما قرب إليه) أي ما قرب له المضيف من الضيافة فإن التكلف للضيف منهي عنه فإذا قدم له ما حضر فسخط فقد باء بشر عظيم لأنه ارتكب المنهي
(ابن أبي الدنيا في) كتاب (قرى الضيف) بكسر القاف (وأبو الحسن بن بشران في أماليه عن جابر) وفيه يحيى بن يعقوب القاضي. قال في الميزان: قال أبو حاتم محله الصدق وقال البخاري: منكر الحديث ثم ساق له هذا الخبر

(4/552)


6240 - (كفى بالمرء علما أن يخشى الله) إنما يخشى الله من عباده العلماء (وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بنفسه) لجمعه بين العجب والكبر والاغترار بالله. قال الغزالي: وهذه الآفة قلما ينفك عنها العلماء والعباد. قال: ومن اعتقد جزما أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله فإن الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله وحكمه لنفسه بأنه خير من غيره جهل محض وأمن من مكر الله {ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} وفي الفردوس من حديث أنس: كان حكيمان يلتقيان فيعظ أحدهما صاحبه فالتقيا فقال أحدهما لصاحبه: عظني وأوجز وأجمع فإني لا أقدر أن أقف عليك من العبادة فقال: احذر أن يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك
(هب عن مسروق مرسلا)

(4/552)


[تابع حرف الكاف]

(5/1)


6241 -[ص:2] (كفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) فالجاهل أو العاصي إذا عبد الله وتواضع وذل هيبة لله وخوفا منه فقد أطاع بقلبه فهو أطوع لله من العالم المتكبر والعابد المعجب. ولذلك روي أن رجلا من بني إسرائيل أتى عابدا منهم فوطئ على رقبته وهو ساجد فقال: ارفع فوالله الله لا يغفر الله لك فأوحى الله إليه أيها المتعالي علي بل أنت لا يغفر الله لك ولذلك قال الحسن: صاحب الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف الخز أي إن صاحب الخز يذل لصاحب الصوف ويرى الفضل له وصاحب الصوف يرى الفضل لنفسه
(حل عن ابن عمرو) ابن العاص. ورواه عنه الديلمي أيضا

(5/2)


6242 - (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) أي إذا لم يتثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه وإن لم يتعمد لكن التعمد شرط الإثم. قال القرطبي: والباء في بالمرء زائدة هنا على المفعول وفاعل كفى أن يحدث وقد تزاد الباء على فاعل كفى كقوله تعالى {وكفى بالله شهيدا}
(م) في مقدمة صحيحه (عن أبي هريرة) ورواه أبو داود في الأدب مرسلا

(5/2)


6243 - (كفى بالمرء من الشر أن يشار إليه بالأصابع) تمامه قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا؟ قال: وإن كان خيرا فهي مذلة إلا من رحمه الله وإن كان شرا فهو شر اه. قالوا: وفيه تحذير من شر الإشارة إلى الإنسان بالأصابع
(طب) وكذا أبو نعيم (عن عمران بن حصين) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه كثير بن مروان المقدسي قال العقيلي: لا يتابع كثير على لفظه إلا من جهة مقارنته وقال يحيى: كثير ضعيف وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح

(5/2)


6244 - (كفى بالمرء من الكذب) كذا هو في خط المؤلف وفي رواية العسكري: كفى بالمرء من الكذب كذبا (أن يحدث بكل ما سمع) أي لو لم يكن للرجل كذب إلا تحدثه بكل ما سمع من غير مبالاة أنه صادق أو كاذب لكفاه من جهة الكذب لأن جميع ما سمعه لا يكون صدقا وفيه زجر عن الحديث بشيء لا يعلم صدقه (وكفى بالمرء من الشح أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي) منه كله بحيث (لا أترك منه شيئا) ولو قليلا فإن ذلك شح عظيم ومن ثم عد الفقهاء مما ترد به الشهادة المضايقة في التافه وهذا عد من الحكم والأمثال
(ك) في البيع عن الأصم عن هلال ابن العلاء بن هلال بن عمر الرقي عن ابن عمر بن هلال قال: حدثني أبو غالب (عن أبي أمامة) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي أن هلال بن عمرو وأبوه لا يعرفان فالصحة من أين؟

(5/2)


[ص:3] 6245 - (كفى بالموت واعظا) كيف واليوم في الدور وغدا في القبور وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا. . . أرجى حياة أم من الموت أجزع
كيف وهو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر. قيل: أن أعرابيا كان يسير على جمل فخر الجمل ميتا فنزل عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تنبعث هذه أعضاءك كاملة وجوارحك سالمة ما شأنك ما الذي كان يبعثك ما الذي صرعك ما الذي عن الحركة منعك ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه متعجبا في أمره وأنشأ يقول:
جاءته من قبل المنون إشارة. . . فهوى صريعا لليدين وللفم
قال الحسن: قد أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت معه وقيل: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كل نعيم وقال الغزالي: الموت هو القيامة الصغرى ومن مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال له {لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وفيها يقال له {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} والقيامة الصغرى بالنسبة للكبرى كالولاية الصغرى بالنسبة للكبرى فإن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى الصغرى نسبة فضاء العالم إلى مضيق الرحم ونسبة فضاء العالم الذي يقدم عليه بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع فقس الآخرة بالأولى فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة والمقر بالصغرى لا الكبرى ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال فما أعظم غفلتك يا مسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالكبرى للجهل والضلال أفلا تكفيك القيامة الصغرى ألك اعتذار بعد قول سيد الأبرار كفى بالموت واعظا أما تستحي من استبطائك هجوم الموت إقتداءا برعاع الغافلين الذين لا ينظرون {إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون {فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} أيظنون أنهم في الدنيا خالدون {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم يعودون كلا {إن كل لما جميع لدينا محضرون} لكن {ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} قال الحراني: والوعظ دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق مما يخوفها في مقام التذكير بما يرجيها ويبسطها (وكفى باليقين غنى) لأنه سكون النفس عند جولان الموارد في الصدر لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيا فإذا رزق العبد السكون إلى قضاء الله والرضى به فقد أوتي الغناء الأكبر قال الخواص: الغنى حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن عطاياه رضى فذاك الغني كل الغنى وإن أمسى طاويا وأصبح معوزا
<تنبيه> قد تضمن هذا الخبر الحث على الزهد وهو أمر قد تطابقت عليه الملل والنحل قال الغزالي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وصحف إبراهيم وكل كتاب منزل ما أنزل إلا لدعوة الحق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم أن يكونوا ملوكا في الدنيا والآخرة أما ملك الدنيا فبالزهد والقناعة وأما الآخرة فبالقرب منه تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل معه والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا ليفوت عليهم ملك الأخرى إذ هما ضرتان ونعيم الدنيا لا يسلم له أيضا لكدرها ومنازعتها وطول الهم والغم وإلا لحسده عليها أيضا فلما كان الزهد أيضا جاء حتى عداه عنه ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه [ص:4] وبذلك يصير العبد حرا وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيكون مسخرا كالبهيمة يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد فما أعظم اغترار الإنسان أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكا وينال الربوبية بأن يصير عبدا ومثله هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد: هل لك حاجة قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك قال: كيف؟ قال: من أنت عبده فهو عبدي أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتهم فهم عبيدي فهذه هو الملك في الدنيا وهو الجار إلى ملك الآخرة فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة
(طب) من حديث الحسن البصري (عن عمار) بن ياسر وضعفه المنذري وقال العلائي: حديث غريب منقطع لأن الحسن لم يدرك عمارا وفيه أيضا الربيع بن بدر قال الدارقطني: متروك وقال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا وهو معروف من قول الفضيل بن عياض

(5/3)


6246 - (كفى بالموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة) لأنه أعظم المصائب وأبشع الرزايا وأشنع البلايا فتفكر يا ابن آدم في مصرعك وانتقالك من موضعك وإذا انتقلت من سعة إلى ضيق وخانك الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك ونقلت من مهادك فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك من مالك إلا الأكفان بل هو للخراب وجسمك للتراب فاعتبر يا مسكين بمن صار تحت الثرى وانقطع عن الأهل والأحباب بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر وجمع الأموال والذخائر فجاء الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه وليتأمل حال من مضى من إخوانه ودرج من أقاربه وخلانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحى التراب محاسن وجوههم وتفرقت في القبور أجزاؤهم وترملت نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم واقتسم غيرهم طريقهم وتلادهم وقيل إن الكنز الذي كان للغلامين كان فيه لوح من ذهب فيه " عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك
(ش حم في) كتاب (الزهد عن الربيع بن أنس مرسلا) بصري نزل خراسان روى عن أنس وغيره قال أبو حاتم: صدوق وقال ابن أبي داود: حبس بمرو ثلاثين سنة

(5/4)


6247 - (كفى بالمرء إثما أن يحبس عن من يملك قوته) قال النووي: قوته مفعول يحبس وقال المظهري: يحبس مبتدأ وكفى خبره مقدما أو خبر مبتدأ محذوف وإثما تمييز وهذا حث على النفقة على العيال وتحذير من التقصير فيها
(م) في الزكاة (عن ابن عمرو بن العاص) جاءه قهرمانه فقال: أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا قال: فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره

(5/4)


6248 - (كفى ببارقة السيوف) أي بلمعانها قال الراغب: البارقة لمعان السيف (على رأسه) يعني الشهيد (فتنة) فلا يفتن في قبره ولا يسأل إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم <تنبيه> قال القرطبي: إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل قدرا وأعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم في التنزيل على الشهداء {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} وقد جاء في المرابط الذي هو أقل رتبة من الشهيد أنه لا يفتن فكيف بمن هو أعلى منه وهو الشهيد
(ن عن رجل) له صحبة قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد فذكره

(5/4)


[ص:5] 6249 - (كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما) لأن كثرة المخاصمة تفضي غالبا في ما يذم صاحبه وقد ورد الترغيب في ترك المخاصمة ففي أبي داود عن أبي أمامة رفعه أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وأبغض العباد إلى الله تعالى الألد الخصم كما في الصحيحين ولهذا قال داود لابنه: يا بني إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان قال بعضهم: ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ولا أضيع للذة ولا اشغل للقلب من المخاصمة فإن قيل لا بد من الخصومة لاستيفاء الحقوق فالجواب ما قال الغزالي: أن الذم المتأكد إنما هو خاص بباطل أو بغير علم كوكلاء القاضي وقال بعض العارفين: إذا رأيت الرجل لجوجا مرائيا معجبا برأيه فقد تمت خسارته
(ت عن ابن عباس) وقال: غريب وخرجه عنه البيهقي والطبراني قال ابن حجر: وسنده ضعيف

(5/5)


6250 - (كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي علي) أخذ به جمع فأوجبوا الصلاة عليه كلما ذكر لكن الذي عليه الجمهور أنه إنما تجب عليه الصلاة في الصلوات الخمس
(ص عن الحسن مرسلا)

(5/5)


6251 - (كفى بالمرء نصرا أن ينظر إلى عدوه في معاصي الله) لأن العاصي ممقوت متعرض للعطب والمؤاخذة بذنوبه في الدنيا والآخرة وذلك نصر للمرء بلا شك
(فر عن علي) ظاهر صنيع المصنف أن الديلمي أسنده وليس كذلك

(5/5)


6252 - (كفى بالرجل أن يكون بذيا فاحشا بخيلا) فيه أن هذه الأخلاق الثلاثة مذمومة منهي عنها قال الغزالي: ومصدرها الخبث واللؤم قال إبراهيم بن ميسرة: يجاء بالفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب قال الغزالي: وحقيقته التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة ويجري أكثر ذلك في ألفاظ الوقاع وما ينطق به فإن لأهل الفساد عبارات فاحشة يستعملونها فيه وأهل الصلاح يتحاشون عن التعرض لها بل يكنون عنها ويدلون عليها بالرموز
(هب عن عقبة بن عامر) الجهني

(5/5)


6253 - (كفى بالمرء في دينه أن يكثر خطؤه) أي إثمه وذنوبه (وينقص حلمه وتقل حقيقته جيفة بالليل) أي نائم طول الليل كأنه جسد ميت لا روح فيه لا يتهجد ولا يذكر الله فيه (بطال بالنهار) لا حرقة له (كسول) جزوع (هلوع) صيغة مبالغة أي شديد الجزع والضجر (منوع رتوع) أي متسع في الخصب قال في الفردوس: الهلع الحرص والشح والرتوع الأكول بسعة ولهمة
(حل) وكذا الديلمي عن (الحكم بن عمير) وفيه بقية بن الوليد وقد مر غير مرة وعيسى بن إبراهيم قال الذهبي: تركه أبو حاتم

(5/5)


6254 - (كفى بالمرء إثما أن يشار إليه بالأصابع) قالوا: يا رسول الله وإن كان خيرا فقال: و (إن كان خيرا فهي مزلة إلا من رحم الله تعالى وإن كان شرا فهو شر) قال في الإحياء " قد ذكر الحسن للحديث تأويلا لا بأس به وهو أنه لما رواه [ص:6] قيل له: إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع فقال: إنه لم يعن هذا إنما عنى به المبتدع في دينه والفاسق في دنياه وفيه أن الاشتهار مذموم وأن المحمود الخمول إلا من نشره الله لنشر دينه من غير تكلف منه الشهرة
(هب) من حديث كثير بن مرة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وشاح (عن عمران بن حصين) ثم قال أعني البيهقي: كثير هذا غير قوي انتهى فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه خرجه وأقره غير سديد وفي الميزان: كثير ضعفوه وقال يحيى: كذاب ثم أورد له هذا الخبر

(5/5)


6255 - (كفاك الحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها) قال البيهقي: هذا إن صح فإنما أراد وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور به فقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقتلها ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ويدل لذلك حديث مسلم من قتل وزغة بضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية
(قط في الأفراد هق عن أبي هريرة) ورواه عنه الطبراني أيضا

(5/6)


6256 - (كفارة الذنب الندامة) أي ندامة تغطي ذنبه لأن الكافر كافر لأنه يغطي نعمة الله بالجحود قال الطيبي: الكفارة عبارة الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة وهي فعالة للمبالغة كصرابة وقتالة وهي من الصفات الغالبة في الاسمية والندم الغم اللازم والحزن (ولو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ليغفر لهم)
<تنبيه> قال رزين: من خصائص هذه الأمة أن الندم لهم توبة وكانت بنو إسرائيل إذا أخطأ أحدهم حرم عليه كل طيب من الطعام وتصبح خطيئته مكتوبة على باب داره
(حم طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه لكن قال الحافظ العراقي وتبعه الهيثمي: فيه يحيى بن عمر بن مالك الذكري وهو ضعيف

(5/6)


6257 - (كفارة المجلس) أي اللفظ الواقع في المجلس (أن يقول العبد) بعد أن يقوم كما جاء هكذا في رواية الأوسط للطبراني (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك) قال الحليمي: هذا قد يلتحق بقوله تعالى {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب}
(طب عن ابن عمرو) بن العاص (وعن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط انتهى لكن رواه النسائي في اليوم والليلة عن رافع بن خديج قال الحافظ العراقي: سنده حسن

(5/6)


6258 - (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين) قال ابن حجر: حمله بعضهم على النذر المطلق وأما حمل بعضهم على نذر اللجاج والغضب فلا يستقيم إلا في رواية كفارة اليمين من غير تعرض لقيد عدم التسمية وقال ابن العربي: النذر الذي لم يسم هو النذر المطلق وأما المقيد وهو المعين فلا بد من الوفاء به
(حم م 3) كلهم في النذر (عن عقبة بن عامر) ولم يخرجه البخاري وما جرى عليه المصنف من نسبة الحديث بتمامه إلى مسلم غير صواب وإنما رواه بدون قوله ولم يسم ورواه من عداه بدون قيد التسمية

(5/6)


[ص:7] 6259 - (كفارة من اغتبت) أي ذكرته بما يكره في غيبته (أن تستغفر له) أي تطلب له المغفرة من الله أي إن تعذرت مراجعته واستحلاله وإلا تعين ما لم يترتب عليه مفسدة
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت عن أبي عبيدة بن عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه عن عتبة بن عبد الرحمن القرشي عن خالد بن يزيد اليماني (عن أنس) بن مالك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: عتبة متروك وتعقبه المؤلف بأن البيهقي خرجه في الشعب عن عتبة وقال: إسناده ضعيف وبأن العراقي في تخريج الإحياء اقتصر على تضعيفه ورواه عنه الخطيب في التاريخ والديلمي فاقتصار المصنف هنا على ابن أبي الدنيا غير جيد لإبهامه قال الغزالي: وهذا الحديث يحتج به للحسن في قوله يكفيك من الغيبة الاستغفار دون الاستحلال

(5/7)


6260 - (كفارات الخطايا إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله من واجباته وسننه (على المكاره) من نحو شدة برد (وإعمال الأقدام إلى المساجد) أي السعي إليها لنحو صلاة (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) في المسجد وغيره فذلك يكفر الصغائر ما اجتنبت الكبائر
(هـ عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أبو الشيخ [ابن حبان] ورمز المصنف لحسنه

(5/7)


6261 - (كفر بالله تبرؤ) أي ذو تبرئ (من نسب وإن دق) ليس المراد بالكفر حقيقته التي يخلد صاحبها في النار ومناسبته إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله كأنه يقول خلقني الله من ماء فلان ولم يخلقني من ماء فلان والواقع خلافه
(البزار) في مسنده (عن أبي بكر) الصديق رمز المصنف لحسنه

(5/7)


6262 - (كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرف أو جحده وإن دق) قال ابن بطال: ليس معنى هذين الخبرين من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود وإنما المراد به من تحول عن نسبه لأبيه إلى غير أبيه عالما عامدا مختارا وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى {ادعوهم لآبائهم} {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} فنسب كل منهم إلى أبيه الحقيقي لكن بقي بعضهم مشهورا بمن تبناه فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي كالمقداد بن الأسود ليس الأسود أباه بل تبناه واسم أبيه الحقيقي عمر بن ثعلبة
(هـ عن ابن عمرو) بن العاص ورواه عنه أيضا أحمد والطبراني والديلمي وغيرهم

(5/7)


6263 - (كفر بالله العظيم عشرة) من المكلفين (من هذه الأمة الغال) أي الخائن في المغنم وغيره (والساحر والديوث) الذي لا يغار على أهله (وناكح المرأة في دبرها وشارب الخمر ومانع الزكاة ومن وجد سعة ومات ولم يحج والساعي في الفتن) بالإفساد (وبائع السلاح من أهل الحرب ومن نكح ذات محرم منه) أي كل منهم يكفر إن استحل ذلك لكن ينبغي استثناء الواطئ في دبر امرأته
(ابن عساكر) في تاريخه (عن البراء) بن عازب وظاهر صنيع المصنف [ص:8] أنه لم يره لأشهر من ابن عساكر مع أن الديلمي أخرجه باللفظ المزبور عن البراء المذكور من هذا الوجه

(5/7)


6264 - (كف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك)
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (الصمت عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه

(5/8)


6265 - (كف عنا جشاءك) هو الريح الذي يخرج من المعدة عند الشبع (فإن أكثرهم) يعني الناس (شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) والنهي عن الجشاء نهي عن سببه وهو الشبع وهو مذموم طبا وشرعا كيف وهو يقرب الشيطان ويهيج النفس إلى الطغيان والجوع يضيق مجاري الشيطان ويكسر سطوة النفس فيندفع شرهما ومن الشبع تنشأ شدة الشبق إلى المنكوحات ثم يتبعها شدة الرغبة إلى الجاه والمال اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات والمنكوحات ثم يتبع ذلك استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد من ذلك آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحسد والحقد والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء والبطر والأشر وذلك مفض إلى الجوع في القيامة وعدم السلامة إلا من رحم ربك
(ت هـ عن ابن عمر) بن الخطاب قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره قال الترمذي: حسن غريب وذلك الرجل هو أبو جحيفة كما صرح به في عدة روايات وكان لم يبلغ الحلم قال في المعارف: ولم يأكل بعد ذلك ملء بطنه حتى فارق الدنيا رمز المصنف لحسنه

(5/8)


6266 - (كف عنه أذاك واصبر لأذاه فكفى بالموت مفرقا) قاله لمن شكى إليه أذى جاره له ثم عاد عن قرب وذكر أنه مات قال الغزالي: فيه الأمر بالصبر لمن أوذي بفعل أو قول أو جنى عليه في نفسه أو ماله والصبر على ذلك بترك المكافأة قال بعض الصحابة: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانا إذا لم يصبر على الأذى وقال تعالى {ولنصبرن على ما آذيتمونا} وقال لرسوله {ودع أذاهم وتوكل على الله} وقال {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} إلى غير ذلك من الآيات ولذلك مدح تعالى العافين عن حقوقهم في القصاص فقال {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}
(ابن النجار) في التاريخ (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحبلي) بضم المهملة والموحدة وهو المغافري من ثقات الطبقة الثالثة (مرسلا) قال: شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاره فذكره

(5/8)


6267 - (كفوا صبيانكم) عن الانتشار (عند العشاء فإن للجن) حينئذ (انتشارا) أي تفرقا (وخطفة) أي استيلاء بسرعة
(د عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لصحته ورواه العسكري أيضا عن جابر بلفظ كفوا فراشيكم حتى تذهب فحمة عتمة العشاء وقال جمع: فاشية وهي ما ينشر ويفشو من نحو إبل وغنم قال: ومن لا يضبط من أصحاب الحديث يقول مواشيكم وهو تصحيف

(5/8)


6268 - (كفوا عن أهل لا إله إلا الله) وهم من نطق بها أي مع نطقه بالشهادة الثانية وإن لم يعلم ما في قلبه (لا تكفروهم بذنب) [ص:9] ارتكبوه وإن كان من أكبر الكبائر كالقتل والزنا والسرقة (فمن أكفر أهل لا إله إلا الله) أي حكم بكفرهم (فهو إلى الكفر أقرب) منه إلى الإيمان فمخالف الحق من أهل القبلة ليس بكافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد فإنه حينئذ ليس من أهل لا إله إلا الله فنكفره وقال علي كرم الله وجهه: أعلم الناس بالله أشدهم حبا وتعظيما لأهل لا إله إلا الله. قال ابن عربي: إياك ومعاداة أهل لا إله إلا الله فإن لهم من الله الولاية العامة فهم أولياء الله ولو جاؤوا بقراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته ومن لم يطلعك الله على عداوته لله فلا تتخذه عدوا فإذا تحققت أنه عدو الله وليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم بأبيه ولا تعاد عباد الله بالإنكار ولا بما ظهر على اللسان بل اكره فعله لا عينه والعدو لله إنما يكره عينه ففرق بين من يكره عينه وهو عدو الله ومن يكره فعله وهو المؤمن العاصي
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه الضحاك بن حمزة عن علي بن زيد وقد اختلف في الاحتجاج بهما

(5/8)


6269 - (كل آية في القرآن درجة في الجنة) فيقال للقارئ ارق في درجها على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميعه استولى على أقصى درج الجنة ومن قرأ جزءا منها فرقيه في الدرج بقدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة وهذا تحريض لنا على الإكثار من القراءة وملازمة التدبر والعمل به (ومصباح في بيوتكم) من كثرة الملائكة المفيضين للرحمة والمستمعين لتلاوته قال الإمام أحمد: رأيت الله عز وجل في النوم فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون عندك قال: بكلامي يا أحمد قلت: بفهم أو بغير فهم قال: بفهم أو بغير فهم
(حل عن ابن عمرو) ابن العاص وفيه رشد بن سعد وقد مر غير مرة تضعيفه

(5/9)


6270 - (كل ابن آدم يأكله التراب) أي كل أجزاء ابن آدم تبلى وتنعدم بالكلية أو المراد أنها باقية لكن زالت أعراضها المعهودة قال إمام الحرمين: ولم يدل قاطع سمعي على تعين أحدهما ولا يبعد أن تصير أجسام العباد بصفة أجسام التراب ثم تعاد بتركها إلى المعهود (إلا عجب الذنب) بفتح العين فسكون العظم الذي في أصل صلبه فإنه قاعدة البدن كقاعدة الجدار فيبقى ليركب خلقه منه عند قيام الناس من قبورهم وقال القاضي: أراد طول بقائه تحت التراب لا أنه لا يفنى أصلا لأنه خلاف المشهور (منه خلق ومنه يركب) أي منه ابتداء خلق الإنسان وابتداء تركيبه ويحتمل أن المراد ابتداء خلقه ومنه يركب خلقه عند قيام الساعة وهذا أظهر ثم هذا عام خص منه نحو عشرة أصناف كالأنبياء والشهداء والصديقين والعلماء العاملين والمؤذن المحتسب وحامل القرآن فمعنى الخبر كل ابن آدم مما يأكله التراب وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة
(م د ن عن أبي هريرة)

(5/9)


6271 - (كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين) لا يناقضه الخبر المار أنت ومالك لأبيك لما سبق أن معناه إذا احتاج لمالك أخذه لا أنه يباح له ماله على الإطلاق إذ لم يقل به أحد
(هق) عن أبي عبيد عن هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى (عن حبان) بكسر المهملة وموحدة مشددة وآخره نون ابن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة (الجمحي) أشار المصنف لصحته وهو ذهول أو قصور فقد استدرك عليه الذهبي في المهذب فقال: قلت لم يصح مع انقطاعه

(5/9)


[ص:10] 6272 - (كل البواكي) على موتاهن (يكذبن) أي فيما يصفن من الفضائل أو الفواضل (إلا أم سعد) بن معاذ فإنها لم تكذب فيما وصفته به لاتصاف ميتها بذلك
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم مرسلا) هو الزهري ولى قضاء واسط قال الذهبي: صدوق

(5/10)


6273 - (كل الخير أرجو من ربي) أي أؤمل منه أن يجمع في زمن الخيور ما تفرق في سائر الأنبياء وقد حقق الله رجاءه وهذا قاله للعباس في مرضه فبين به أنه يطلب للمريض أن يكون رجاؤه أقوى من خوفه عكس الصحيح
(ابن سعد) في الطبقات (وابن عساكر) في التاريخ (عن العباس) بن عبد المطلب

(5/10)


6274 - (كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها) أي جزاءه إلى (يوم القيامة) فيجازي بها فاعلها فيه إن شاء قال الطيبي: من في منها منصوبة المحل مفعولة بيؤخر وتكون ابتدائية (إلا عقوق الوالدين) أي الأصلين المسلمين (فإن الله يعجله) أي يعجل عقوبته (لصاحبه) أي فاعله (في الحياة الدنيا قبل الممات) ولا يغتر العاق بتأخير التأثير حالا بل يقع ولو بعد حين كما وقع لابن سيرين أنه لما ركبه الدين اغتم فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة ونظر بعض العباد إلى أمر فقيل له لتجدن غبه بعد أربعين سنة فكان كذلك. قال الذهبي: وفيه أن العقوق كبيرة وهو متفق عليه
(طب ك) في البر من حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه (عن أبي بكرة) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي فقال: بكار ضعيف

(5/10)


6275 - (كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم) الخليل يعني هم كلهم ذريته فليس من عربي إلا وهو منهم
(ابن سعد) في الطبقات (عن علي) بضم العين وفتح اللام بضبط المصنف (ابن رباح مرسلا) هو اللخمي وكان في المكتب إذ قتل عثمان

(5/10)


6276 - (كل الكذب يكتب على بن آدم إلا ثلاث الرجل يكذب في الحرب) فلا يكتب عليه في ذلك إثم (فإن الحرب خدعة) بل قد يجب إذا دعت إليه ضرورة أهل الإسلام (والرجل يكذب على المرأة فيرضيها) صادق بامرأته وغيرها كأمته أو نحو ابنته من عياله (والرجل يكذب بين الرجلين) بينهما نحو إحن وفتن (ليصلح بينهما) فالكذب في هذه الأحوال غير محرم بل قد يجب ومحصوله أن الكذب تجري فيه الأحكام الخمسة والضابط كما قال الغزالي: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام لفقد الحاجة وإن لم يكن للتوصل إليه إلا به جاز إن كان ذلك المقصود جائزا ويجب إن كان واجبا وله أمثلة كثيرة
(طب وابن السني في عمل يوم وليلة) والخرائطي في المكارم (عن النواس) بن سمعان رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه محمد [ص:11] ابن جامع العطار وهو ضعيف اه. وقال شيخه العراقي: فيه انقطاع وضعف ورواه ابن عدي عن أسماء بنت يزيد يرفعه بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: يا أيها الناس ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما يتتابع الفراش في النار؟ كل الكذب. إلى آخر ما هنا

(5/10)


6277 - (كل) مبتدأ (المسلم) فيه رد لزعم أن كلا لا تضاف إلا إلى نكرة (على المسلم حرام) خبره (ماله) أي أخذ ماله بنحو غصب (وعرضه) أي هتك عرضه بلا استحقاق (ودمه) أي إراقة دمه بلا حق وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورة معروفة من الدين بالضرورة وجعلها كل المسلم وحقيقته لشدة اضطراره إليها فالدم فيه حياته ومادته المال فهو ماء الحياة الدنيا والعرض به قيام صورته المعنوية واقتصر عليها لأن ما سواها فرع عنها وراجع إليها لأنه إذا قامت الصورة البدنية والمعنوية فلا حاجة لغيرهما وقيامهما إنما هو بتلك الثلاثة ولكون حرمتها هي الأصل والغالب لم يحتج لتقييدها بغير حق فقوله في رواية إلا بحقها إيضاح وبيان وذا حديث عظيم الفوائد كثير العوائد مشير إلى المبادئ والمقاصد (حسب امرئ من الشر) يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يحقر أخاه المسلم) أي يذله ويهينه ويزدريه ولا يعبأ به لأن الله أحسن تقويمه وسخر ما في السماوات والأرض لأجله ومشاركة غيره له إنما هي بطريق التبع وسماه مسلما ومؤمنا وعبدا وجعل الأنبياء الذين هم أعظم الخلق من جنسه فاحتقاره احتقار لما عظمه الله وشرفه ومنه أن لا يبدأه بالسلام ولا يرده عليه احتقارا
(د) في الأدب (هـ) في الزهد (عن أبي هريرة) ورواه مسلم بتمامه بتقديم وتأخير ولفظه بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه اه

(5/11)


6278 - (كل أمتي معافى) بفتح الفاء مقصورا اسم مفعول من عافاه الله إذا أعفاه وقال النووي: هو بالهاء في آخره هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة اه. وفي نسخ المصابيح وغيرها معافى بلا هاء كما هنا قال الطيبي: وعليه فينبغي أن تكتب ألفه بالياء فيكون مطابقا للفظ كل (إلا المجاهرين) أي لكن المجاهرين بالمعاصي لا يعافون من جاهر بكذا بمعنى جهر به وعبر بفاعل للمبالغة أو هو على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهد بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه (وإن من الجهار) أي الإظهار والإذاعة (أن يعمل الرجل بالليل عملا) مسيئا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح (وقد ستره الله فيقول عملت البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول من برح زال (كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) بإشهار ذنبه في الملأ وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر
(ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أبو يعلى وغيره

(5/11)


6279 - (كل أمتي معافى) اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفى الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه (إلا المجاهرين) أي المعلنين بالمعاصي [ص:12] المشتهرين بإظهارها الذين كشفوا ستر الله عنهم وروي المجاهرون بالرفع ووجهه بأن معافى في معنى النفي فيكون استثناء من كلام لغو موجب والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون ثم فسر المجاهر بأنه (الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه فيقول يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل) عنه فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح فالإظهار كفران لهذه النعمة وتهاون بستر الله قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امراته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه
(طس) وكذا الصغير (عن أبي قتادة) قال الهيثمي: وفيه عوف بن عمارة وهو ضعيف

(5/11)


6280 - (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) بفتح الهمزة والموحدة بامتناعه عن قبول الدعوى أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها لأن من ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع والمراد أمة الدعوة فالآبي هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة وقيل أمة الإجابة فالآبي هو العاصي منهم استثناهم تغليظا وزجرا عن المعاصي قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: (من أطاعني) أي انقاد وأذعن لما جئت به (دخل الجنة) وفاز بنعيمها الأبدي بين أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله (ومن عصاني) بعدم التصديق أو بفعل المنهي (فقد أبى) (1) فله سوء المنقلب بإبائه والموصوف بالإباء إن كان كافرا لا يدخل الجنة أصلا أو مسلما لم يدخلها مع السابقين الأولين قال الطيبي: ومن أبى عطف على محذوف أي عرفنا الذين يدخلون الجنة والذي أبى لا نعرفه وكان من حق الجواب أن يقال من عصاني فعدل إلى ما ذكره تنبيها به على أنهم ما عرفوا ذاك ولا هذا إذ التقدير من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة ومن اتبع هواه وزل عن الصواب وخل عن الطريق المستقيم دخل النار فوضع أبى موضعه وضعا للسبب موضع المسبب
(خ) في أواخر الصحيح (عن أبي هريرة) ولم يخرجه مسلم ووهم الحاكم في استدراكه وعجب إقرار الذهبي له عليه في تلخيصه
_________
(1) [من عصاه صلى الله عليه وسلم فقد أبى دخول الجنة لأنه أبى وامتنع عن الطريق الوحيد الموصل إليها. دار الحديث]

(5/12)


6281 - (كل امرئ مهيأ لما خلق له) أي مصروف مسهل لما خلق له إن خيرا فخير وإن شرا فشر وفيه إيماء إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به فإن عمله أمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبا وإن كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك لكن لا إطلاع لنا عليه فعلى المكلف بخاصة نفسه ولا يكلها إلى ما يؤول إليه أمره فيلام ويستحق العقوبة
(حم طب عن أبي الدرداء) قال: قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أو شيء نستأنفه فقال: بل فرغ منه قالوا: فكيف بالعمل فذكره قال الهيثمي: سليمان بن عنبسة وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر بعد ما عزاه لأحمد: سنده حسن

(5/12)


6282 - (كل امرئ في ظل صدقته) يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس (حتى يقضى) لفظ رواية الحاكم حتى يفصل (بين الناس) يعني أن المتصدق يكفى المخاوف ويصير في كنف الله وستره يقال أنا في ظل فلان أي في داره وحماه أو المراد الحقيقة بأن تجسد الصدقة فيصير بها في ظل بخلق الله وإيجاده كما قيل فيه وفي نظائره المعروفة كذبح [ص:13] الموت ووزن الأعمال {والله على كل شيء قدير} وكان بعض السلف لا يأتي عليه يوم إلا تصدق ولو ببصلة أو لقمة
(حم ك) في الزكاة (عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال في المهذب: إسناده قوي وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات

(5/12)


6283 - (كل أمر ذي بال) أي حال شريف محتفل ومهتم به شرعا كما يفيده التنوين المشعر بالتعظيم والبال أيضا القلب كأن الأمر ملك قلب صاحبه لاشتغاله به وقيل شبه الأمر بذي قلب على الاستعارة المكنية بأن يشبه برجل له قلب ثبت وجنان ذو عزم فنبه عن لازم المشبه به وهو البال المنكر تنكير تفخيم على موضع الاستعارة في أمر فيكون قوله أقطع من قوله (لا يبدأ فيه بالحمد أقطع) ترشيحا للاستعارة قال الطيبي: والأولى أن يحمل الحمد هنا على الثناء على الجميل من نعمة وغيرها من أوصاف الكمال والجلال والإكرام والإفضال. واعلم أن لفظ ابن ماجه لا يبدأ فيه بالحمد أقطع والبيهقي بالحمد لله ولفظ البغوي بحمد الله قال التاج السبكي: والكل بلفظ أقطع من غير إدخال الفاء على خبر المبتدأ وجاء في رواية فهو أجذم بإدخال الفاء على خبر المبتدأ وليس ذا في أكثر الروايات. قال النووي: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب وبين يدي جميع الأمور المهمة
(هـ هق) وكذا أبو عوانة الإسفرايني في مسنده المخرج على صحيح مسلم (عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه تبعا لابن الصلاح قال: وإنما لم يصح لأن فيه قرة بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين وغيره وأورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: منكر الحديث جدا ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد

(5/13)


6284 - (كل أمر ذي بال) أي ذي شأن وشرف وفي رواية كل كلام والأمر أعم من الكلام لأنه قد يكون فعلا فلذا آثر روايته. قال ابن السبكي: والحق أن بينهما عموما وخصوصا من وجه فالكلام قد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد يكون خبرا والأمر قد يكون فعلا وقد يكون قولا (لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) أي ناقص غير معتد به شرعا. وسبق أن المراد بالحمد ما هو أعم من لفظه وأنه ليس القصد خصوص لفظه فلا تنافي بين روايتي الحمد والبسملة قال الكازروني: وقد فهموا من تخصيص الأمر بذي البال أنه لا يلزم في ابتداء الأمر الحقير التسمية لأن الأمر الشريف ينبغي حفظه عن صيرورته أبتر والحقير لا اهتمام ولا اعتداد بشأنه
<تنبيه> قال النووي: في كتاب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا قال: ويحمل هذا الحديث وما أشبهه على أن المراد لا يبدأ فيه بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فكأنه روي على أوجه بذكر الله ببسم الله بحمد الله قال: وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ بلفظ الحمد بل بالبسملة اه. قال ابن حجر: والحديث الذي أشار إليه صححه ابن حبان وفي إسناده مقال. وبتقدير صحته فالرواية المشهورة بلفظ بحمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية ثم اللفظ وإن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهو الأمور التي تحتاج إلى تقديم الخطبة. وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الذي خرجه أبو داود بلفظ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير وقد جمعت كتب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو [ص:14] يؤيد ما قررته اه
(عبد القادر الرهاوي) بضم الراء كما في الصحاح نسبة إلى رها بالضم حي من مذحج وذكر ابن عبد الهادي عن عبد الغني بن سعيد المصري أنه بالفتح (في) أول كتاب (الأربعين) البلدانية وكذا الخطيب في تاريخه (عن أبي هريرة) قال النووي في الأذكار بعد سياقه هذا الحديث وما قبله: روينا هذه الألفاظ في الأربعين للرهاوي وهو حديث حسن وقد روي موصولا ومرسلا قال: ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا فالحكم الاتصال عند الجمهور

(5/13)


6285 - (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله) قال النووي في الأذكار: وأحسن العبارات فيه " الحمد لله رب العالمين " (والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة) قال ابن السبكي: دخول الفاء في خبر هذا المبتدأ مع عدم اشتماله على واقع موضع الشرط أو نحوه موصولا بظرف أو شبهه أو فعل صالح للشرطية وجهه أن المبتدأ وهو كل ما أضيف لموصوف بغير ظرف ولا جار ولا مجرور ولا فعل صالح للشرطية فجاز دخول الفاء على حد قوله:
كل أمر مباعد أو مداني. . . فمنوط بحكمة المتعالي
وفيه كالذي قبله تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع وقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على نبيه أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم من الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن ذكره كله الزمخشري
(الرهاوي) في الأربعين (عن أبي هريرة) ثم قال الرهاوي: غريب تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جدا لا يعتبر بروايته ولا بزيادته ومن ثم قال التاج السبكي: حديث غير ثابت وقال القسطلاني: في إسناده ضعفاء ومجاهيل وقال في اللسان كأصله إسماعيل بن أبي زياد قال الدارقطني: متروك يضع الحديث وقال الخليلي: شيخ ضعيف والراوي عنه حسين الزاهد الأصفهاني مجهول ورواه ابن المديني وابن منده وغيرهم بأسانيد كلها مشحونة بالضعفاء والمجاهيل

(5/14)


6286 - (كل أهل الجنة يرى مقعده من النار) أي نار جهنم (فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكرا) قال أبو البقاء: يكون بمعنى يحدث وكان تامة وشكر فاعلها ولو روي بالنصب كان خبر كان بمعنى انتهى وظاهره أن الرواية بالرفع والثابت بخط المصنف النصب فلعل فيه روايتين (وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون عليه حسرة) تمامه عند الحاكم ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}
(حم ك) في التفسير (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح

(5/14)


6287 - (كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا مسجدا) أو نحوه مما بنى بقصد القربة إلى الله كمدرسة ورباط فإنه [ص:15] ليس بوبال بل مطلوب محبوب بشرطه ويستثنى في خبر آخر ما لا بد منه لحاجة الإنسان للسكنى وذلك لأن حاجة النفس إلى المسكن كحاجتها إلى المطعم والمشرب والملبس والمركب فإذا كان البناء مما لا يستغنى عنه فلا ضير فيه والحاصل كما في الكشاف أن العمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه أي وحرام انتهى. وقال ابن الأثير: والوبال المكروه ما أراد به في الحديث العذاب في الآخرة
(هب عن أنس) رمز لحسنه

(5/14)


6288 - (كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه) أي إلا ما كان شيئا قليلا بقدر الحاجة فلا يوسعه ولا يرفعه خرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي عمار إذا رفع الرجل بناءه فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين؟ قال الشهاب ابن حجر: ومثله لا يقال من قبل الرائي وكتب عمر إلى أبي موسى لا تشتغلوا بالبناء قد كان لكم في بناء فارس والروم كفاية الزموا السنة تبقى لكم الدولة وقال نوح لما قيل له في الخص الذي بني له ليسكنه هذا لمن يموت كثير قال الزمخشري: ازدحم الناس على درجة الحسن فتحركت وكانت رثة فصاح بهم ابنه فزجره وقال: لولا أنه حان من الدنيا ارتحال وإلى الآخرة انتقال لجددنا لكم البناء شوقا للقائكم ورجاء لحديثكم وما على الدرجة نشفق ولكن عليكم فاربعوا (1) على أنفسكم ومر بدار لبعض العلماء جديدة فقال رفع الطين ووضع الدين غره من في الأرض ومقته من في السماء أخرب داره وعمر دار غيره وكان أبو ذر لا يبني قط شيئا من داره إذا انهدم ويقول: إن رب المنزل لا يدعنا نقيم به إلا بعض أيام (وكل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به)
(طب عن واثلة) بن الأسقع قال الهيثمي: فيه هانئ بن المتوكل قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال
_________
(1) [اربعوا: بهمزة وصل وفتح الباء كما في شرح مسلم للنووي. دار الحديث]

(5/15)


6289 - (كل بني آدم يمسه الشيطان) أي يطعنه في جنبه كما بينه في الرواية الآتية (يوم ولدته أمه إلا مريم) بنت عمران (وابنها) عيسى لاستجابة دعاء حنة لها بقولها {إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} وعلى هذا فالمس حقيقي وقيل أراد به الطمع في الإغواء لا حقيقة النخس وإلا لامتلأت الدنيا صياحا. فالاستهلال تصوير وتخييل لطمع الشيطان كأنه يمسه بيده وعليه فلا يرد ما قيل لو كان كذا لما خصا بالاستثناء لأن الصالحين كلهم كذا ما ذاك إلا لأن المراد كما قال عياض هما ومن في معناهما أما إذا أريد بالمس حقيقته وأنه من الفضائل فلا مانع من اختصاصهما حتى على المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ اختصاص المفضول بشيء لا يوجد في الفاضل غير عزيز كذا قرره بعض الأفاضل وهي زلقة زلقها مما عملته أيدي الزمخشري قال التفتازاني: طعن الزمخشري في صحة الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه وإلا فأي امتناع في أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما يرى ويسمع فليست تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يتصور في حق المولود حين يولد. قال: ثم أوله الزمخشري على تقدير صحته بأن المراد بالمس الطمع في إغوائه واستثناء مريم وابنها لعصمتهما ولما لم يخص هذا المعنى بهما عم الاستثناء لكل من يكون على صفتهما وهذا إما تكذيب للحديث بعد صحته وإما قول بتعليل الاستثناء والقياس عليه قال: وليت شعري من أين ثبت تحقق طمع الشيطان ورجائه وصدقه في أن هذا المولود محل لإغوائه ليلزمنا إخراج كل من لا سبيل له إلى إغوائه فلعله يطمع في إغواء من سوى مريم وابنها ولا يتمكن منه إلى هنا كلام السعد قال: وقد يشكل على ظاهر الحديث أن إعاذة أم مريم كانت بعد الوضع فلا يحل حملها على الإعاذة من المس الذي يكون حين الولادة والجواب أن المس ليس إلا بعد الانفصال وهو الوضع ومعه الإعاذة غايته أنه عبر عنه بالمضارع لقصد الاستمرار بخلاف الوضع والتسمية اه
(م عن أبي هريرة)

(5/15)


[ص:16] 6290 - (كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية (بإصبعه) بالإفراد وفي رواية للبخاري بالتثنية. قال الطيبي: المس والطعن عبارة عن الإصابة بما يؤذيه ويؤلمه لا كما زعمه المعتزلة أن المس تخييل واستهلاله صارخا من مسه تصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه. . . بما هو لاق من أذاها يهدد
وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأوسع مما كان فيه وارغد
فمن باب حسن التعليل فلا يستقيم تنزيل الحديث على أنه لا ينافيه وقال البيضاوي: مس الشيطان تعلقه بالمولود وتشويش حاله والإصابة بما يؤذيه ويؤلمه أولا كما قال تعالى عن أيوب {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} والاهتمام بحصول ما يصير ذريعة ومتسلقا في إغوائه اه. فقوله يؤلمه بين به أن المس حقيق ردا على الزمخشري (حين يولد) زاد البخاري في رواية في آل عمران فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب) أي المشيمة التي فيها الولد. قال ابن حجر: اقتصر هنا على عيسى دون الأولى لأن هذا بالنسبة للطعن في الجنب وذاك بالنسبة للمس أو هذا قبل الإعلام بما زاد وفيه بعد
(خ عن أبي هريرة) ورواه مسلم بمعناه في المناقب

(5/16)


6291 - (كل بني آدم حسود ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) هذا الحديث سقط من قلم المصنف منه طائفة فإن سياقه عند أبي نعيم الذي عزاه إليه: كل بني آدم حسود وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد اه. وإنما كان كل أدمي حسودا لأن الفضل يقتضي الحسد بالطبع فإذ نظر الإنسان إلى من فضل عليه في مال أو علم أو غيرهما لم تملكه نفسه عن أن يحسده فإن بادر بكفها انكف وإلا سقط في مهاوي الهلكة وقيل لا يفقد الحسد إلا من فقد الخير أجمع ولذلك قال بعض الشعراء:
إن العرانين تلقاها محسدة. . . ولا ترى للئام الناس حسادا
وقال أبو تمام:
وذو النقص في الدنيا. . . بذي الفضل مولع
وقال البحتري:
لا تحسدوه فضل رتبته التي. . . أعيت عليكم وافعلوا كفعاله
قال في عين العلم: ونبه بهذا الحديث على أن سبب الحسد خبث النفس وأنه داء جبلي مزمن قل من يسلم منه
(حل عن أنس) بن مالك وفيه مجاهيل

(5/16)


6292 - (كل بني آدم خطاء) بشد الطاء والتنوين يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطأ وهو من أبنية المبالغة. قال الطيبي: إن أريد بلفظ كل الكل من حيث هو كل فهو تغليب لأن الأنبياء ليسوا بمبالغين في الخطأ وإن أريد به الاستغراق وأن كل واحد خطاء لم يستقم إلا على التوزيع كما يقال هو ظلام للعبيد أي يظلم كل واحد واحد فهو ظالم بالنسبة إلى كل أحد ظلام بالنسبة إلى المجموع وإذا قلت هو ظلام لعبده ما كان مبالغا في الظلم (وخير الخطائين التوابون) يعني أن [ص:17] العبد لا بد أن يجري عليه ما سبق به القدر فكأنه قال لا بد لك من فعل الذنوب والخطايا لأن ذلك مكتوب عليك فأحدث توبة فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عظمت وإنما يؤتى من ترك التوبة وتأخيرها فإن الله غفور يحب التوابين وقد قال تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة} فما وصفهم بعد السيئة أصلا
(حم ت هـ ك عن أنس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة اه. قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل فيه لين وقال في موضع آخر: فيه ضعف وقال الزين العراقي: فيه علي بن مسعدة ضعفه البخاري اه. وقال جدي في أماليه: حديث فيه ضعف اه. لكن انتصر ابن القطان لتصحيح الحاكم وقال ابن مسعدة: صالح الحديث وغرابته إنما هي فيما انفرد به عن قتادة

(5/16)


6293 - (كل بني آدم ينتمون) قال في الفردوس: الانتماء الارتفاع في النسب (إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم) قال في أصل الروضة: من خصائصه أن أولاد بناته ينتسبون إليه بخلاف غيره اه. قال المصنف: ولم يذكروا مثله في أولاد بنات بناته كأولاد بنت بنته زينب من عبد الله بن جعفر وهم موجودون الآن فهم من آله وذريته وأولاده إجماعا لكن لا يشاركون أولاد الحسنين في الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقد فرقوا بين من يسمى ولد الرجل وبين من ينسب إليه فالخصوصية للطبقة العليا فقط فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه وأولاد زينب وأم كلثوم ابنتا فاطمة ينسبون إلى أبيهم لا إلى أمهم ولا إلى أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم جريا على قاعدة الشرع أن الولد يتبع أباه ما خرج عن ذلك إلا أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي نص عليها في هذا الخبر وهو مقصور على سلالة الحسنين رضي الله عنهما
(طب عن فاطمة الزهراء) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه أبو بشر ابن نعامة وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الأحاديث الواهية وقال: لا يصح. فقول المصنف هو حسن غير حسن

(5/17)


6294 - (كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم) انظر لفظه كيف خص التعصيب بأولادها دون أختيها ولهذا ذهب السلف والخلف إلى أن ابن الشريفة غير شريف إذا لم يكن أبوه شريفا وهل يطلق على الزينبية أنهم أشراف؟ خلاف هذا ما ذكره المؤلف وقال الشهاب ابن حجر الهيثمي: معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته أنه يطلق عليه أنه أب لهم وأنهم بنوه حتى يعتبر ذلك في الكفاءة فلا يكافئ شريفة هاشمي غير شريف قال: وقولهم إن بني هاشم والمطلب أكفاء محله فيما عدا هذه الصورة قال الذهبي: والعلامة الخضراء لا أصل لها في الشرع بل حدث سنة ثلاثة وسبعين وسبع مئة بأمر السلطان شعبان
(طب عن عمر) بن الخطاب وذلك أنه خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فاعتل بصغرها وقال: أعددتها لابن أخي جعفر فقال عمر: والله ما الباه أردت ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي: فيه بشر بن مهران وهو متروك

(5/17)


6295 - (كل بيعين) بتشديد التحتية بعد الموحدة (لا بيع بينهما) أي ليس بينهما بيع لازم (حتى يتفرقا) من مجلس العقد (إلا بيع الخيار) بينهما فيلزم البيع حينئذ بالتفرق فيلزم باشتراطه
(حم ق ن عن ابن عمر) بن الخطاب

(5/17)


6296 - (كل جسد) وفي رواية كل لحم (نبت من سحت فالنار أولى به) هذا وعيد شديد يفيد أن أكل أموال الناس [ص:18] بالباطل من الكبائر قال الذهبي: يدخل فيه المكاس وقاطع الطريق والسارق والخائن والزاني ومن استعار شيئا فجحده ومن طفف في وزن أو كيل ومن التقط مالا فلم يعرفه وأكله ولم يتملكه ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر ومخبر المشتري بالزائد هكذا عد هذه المذكورات من الكبائر مستدلا عليها بهذا الحديث ونحوه ولا يخلو بعضها من نزاع. <تنبيه> هذا الحديث مما تمسك به المعتزلة على ذهابهم إلى أنه لا شفاعة لصاحب الكبيرة وقالوا: هو نص صريح
(هب حل) من حديث زيد بن أرقم (عن أبي بكر) الصديق قال زيد: كان لأبي بكر مملوك يغل عليه فاتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ثم قال: من أين جئت به قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فأعطوني قال: أف لك كدت أن تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له لا تخرج إلا بالماء فجعل يشرب الماء ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له كل هذا من أجل لقمة قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره وفيه عبد الواحد بن واصل أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الأزدي وعبد الواحد بن زيد قال البخاري والنسائي: متروك قال أبو نعيم: وفي الباب عن عائشة وجابر

(5/17)


6297 - (كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة) إنما صرفه إلى الطاعة لأنها أكشف الأشياء وأشهرها عند الناس فالعامة إنما تعرف الطاعة والمعصية فكل ما أمر الله به فهو طاعة وما نهى عنه فهو معصية والطاعة عند الخواص بذل النفس فيما أمر ونهى والمعصية إباؤها وامتناعها والقنوت الركوع فكل شيء استقر ولم يتحرك فهو راكد فالقنوت مقابلة الشيء بالشيء راكد عليه والقنوت مقابلة القلب عظمة من وقف بين يديه فإذا قابله بقلبه فقد بذل له نفسه فقد أطاعه
(حم ع عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: في إسناد أحمد وأبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن حديثه وأقول فيه أيضا دراج عن أبي الهيثم وقد سبق أن أبا حاتم وغيره ضعفوه وأن أحمد قال: أحاديثه مناكير

(5/18)


6298 - (كل خطبة ليس فيها تشهد) وفي رواية شهادة موضع تشهد (فهي كاليد الجذماء) أي المقطوعة والجذم سرعة القطع يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء علي فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها لصاحبها قال ابن العربي: ذكر الله مفتح كل كلام ولولا الحاجة إلى الدنيا لكان الكلام كله مصروفا إليه فإذا لم يكن بد من الذكر فليكن بعد الذكر له وأراد بالتشهد هنا الشهادتين من إطلاق الجزء على الكل كما في التحيات قال القاضي: أصل التشهد الإتيان بكلمة الشهادة وسمى التشهد تشهدا لتضمنه إياهما ثم اتسع فيه فاستعمل في الثناء على الله تعالى والحمد له
(د) في الأدب من حديث مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب عن أبيه (عن أبي هريرة) وعبد الواحد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ثقة. قال ابن معين: ليس بشي. وقال الطيالسي: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها وعاصم أورده في الضعفاء أيضا وقال: قال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به أي وقد انفرد به كما قاله البيهقي قال: وإنما تكلم ابن معين في أبي هاشم الرفاعي لهذا الحديث

(5/18)


6299 - (كل خطوة) ضبطت بالضم والفتح (يخطوها أحدكم إلى الصلاة) أي إليها (تكتب له حسنة ويمحى عنه بها سيئة)
(حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وليس على ما ينبغي ففيه إبراهيم بن خالد أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: وثقوه وقال أبو حاتم: كان يتكلم بالرأي ليس محله محل المستمعين

(5/18)


[ص:19] 6300 - (كل خلة يطبع عليها المؤمن) أي يمكن أن يطبع عليها (إلا الخيانة والكذب) فلا يطبع عليهما وإنما يحصل له ذلك بالتطبع ولهذا صح سلب الإيمان عنه في قوله " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " ولا معارضة بين استثناء الخصلتين هنا وخبر من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق من إذا أؤتمن خان وإذا وعد أخلف وإذا حدث كذب لأن خلف الوعد داخل في الكذب والفجور من لوازم الخيانة
(ع عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: فيه علي بن هاشم مجروح وقال الدارقطني: وقفه على سعد أشبه بالصواب وقال الذهبي في الكبائر: روي بإسنادين ضعيفين اه

(5/19)


6301 - (كل خلق الله تعالى حسن) أي أخلاقه المخزونة عنده التي هي مئة وسبعة عشر كلها حسنة فمن أراد به خيرا منحه شيئا منها
(حم طب عن الشريد بن سويد) رمز المصنف لحسنه

(5/19)


6302 - (كل دابة من دواب البحر والبر ليس لها دم منعقد) كذا هو بخط المصنف وفي نسخ يتفصد وهو رواية (فليست لها ذكاة) قال في الفردوس: يقال تفصد الدم إذا سال اه
(طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك وجزم الحافظ ابن حجر بضعف سنده

(5/19)


6303 - (كل دعاء محجوب) عن القبول (حتى يصلي) بالبناء للمفعول أي حتى يصلي الداعي (على النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه إذ هي الوسيلة إلى الإجابة لكونها مقبولة والله من كرمه لا يقبل بعض الدعاء ويرد بعضا فالصلاة عليه شرط في الدعاء وهو عبادة والعبادة بدون شرطها لا تصح
(فر عن أنس) ابن مالك (هب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) عليه قال بعضهم: وقفه ظاهر وأما رواية أنس فيحتمل كونه ناقلا لكلام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ففيه تجريد جرد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه نبيا وخاطبه وهو هو وظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الوقف وأنه لم يرو عن علي إلا موقوفا والأمر بخلافه أما الأول فلأن فيه محمد بن عبد العزيز الدينوري قال الذهبي في الضعفاء: منكر الحديث وأما الثاني فقد رواه الطبراني في الأوسط عن علي موقوفا وزاد فيه الأول فقال: كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد قال الهيثمي: رجاله ثقات اه وبه يعرف أن اقتصار المصنف على رواية الديلمي الضعيفة ورواية البيهقي الموقوفة المعلولة وإهماله الطريق المسندة الجيدة الإسناد من سوء التصرف

(5/19)


6304 - (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات) حال كونه (مشركا) بالله يغني كافرا به وخص الشرك لأنه أغلب أنواع الكفر حالتئذ لا للإخراج (أو قتل مؤمنا متعمدا) بغير حق وهذا في الإشراك مقطوع به {إن الله لا يغفر أن يشرك به} وفي القتل منزل على ما إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ قال الذهبي في الكبائر: وأعظم من ذلك أن تمسك مؤمنا لمن عجز عن قتله فيقتله أو تشهد بالزور على جمع مؤمنين فتضرب أعناقهم بشهادتك الملعونة
(د عن أبي الدرداء [ص:20] حم ن) في المحاربة (ك) في الحدود (عن معاوية) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي قال المناوي وغيره: رجاله ليس فيهم إلا من روى له الشيخان أو أحدهما إلا أبا عوف الأنصاري وهو ثقة وقال الهيثمي: رواه البزار عن عبادة أيضا ورجاله ثقات

(5/19)


6305 - (كل ذي مال أحق بماله) من والده وولده (يصنع به ما شاء) من إعطاء وحرمان وزيادة ونقصان
(هق عن ابن المنكدر) بضم الميم وسكون النون عبد الله بن الهدير بضم الهاء وفتح المهملة ابن عبد العزى القرشي التيمي أحد أعلام التابعين (مرسلا)

(5/20)


6306 - (كل ذي ناب من السباع) يصول به كأسد ونمر وذئب وكلب (فأكله حرام) وبهذا أخذ جمهور السلف والخلف وهو قول الشافعي وأبو حنيفة ومالك في إحدى قوليه والثاني وبه قال جمهور صحبه يكره بخلاف ما له ناب لا يصول به كضبع فأكله غير حرام فإن فرض عدوه به كما قيل فيخص بحديثه عموم الحديث
(م) في الصيد (ن) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري قال ابن عبد البر: مجمع على صحته

(5/20)


6307 - (كل راع مسؤول عن رعيته) أي كل حافظ لشيء يسأله الله عنه يوم القيامة هل أصلح ما تحت نظره وقام بحقوقه أم لا
(خط) في ترجمة عبيد الله الخزاعي (عن أنس) وقال: تفرد به الزبير بن بكار ورواه عنه الطبراني ومن طريقه تلقاه الخطيب مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه ربيعة بن عثمان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق. وقال فيه أبو حاتم: منكر الحديث ورواه أيضا البيهقي في أشعب باللفظ المزبور

(5/20)


6308 - (كل سارحة ورائحة على قوم حرام على غيرهم) قال في الفردوس: السارحة التي تسرح بالغداة إلى مراعيها اه. والمراد أن كل ماشية أسامها القوم حرم على غيرهم التعرض لها بمنعها من الرعي وغيره
(طب) عن أبي أمامة قال الهيثمي: فيه سليمان بن سلمة الجبابري وهو ضعيف وقال غيره: فيه الحسن بن علي العمري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: حافظ رفع موقوفات قليلة وسليمان بن سلمة الجبابري تركه أبو حاتم وغيره وبقية ضعفوه

(5/20)


6309 - (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) وفي رواية بدل ونسبي وصهري قال الديلمي: السبب هنا الوصلة والمودة وكل ما يتوصل به إلى الشيء عنك فهو سبب وقيل السبب يكون بالتزويج والنسب بالولادة وهذا لا يعارضه حسنه في أخبار أخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعا لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه فقوله لا أغني عنكم أي بمجرد نفسي من عير ما يكرمني الله تعالى به أو كان قبل علمه بأنه يشفع ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء
(طب ك) في فضائل علي (هق عن عمر) بن الخطاب قال عمر: فتزوجت أم كلثوم لما سمعت ذلك وأحببت أن يكون بيني وبينه نسب وسبب خرج هذا السبب البزار (طب عن ابن عباس وعن المسور) بن مخرمة قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل منقطع وقال [ص:21] الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات

(5/20)


6310 - (كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم مفرد سلاميات عظام الجسد أو أنامله أو مفاصله أي كل مفصل من المفاصل الثلاث مئة وستين التي في كل واحد عظم (من الناس عليه) ذكره مع أن سلامى مؤنثة باعتبار العضو هي المفصل لا لرجوعه لكل كما قيل (صدقة) إيجابها عليه مجاز وفي الحقيقة واجبة علي صاحبه (كل يوم تطلع فيه الشمس) في مقابلة ما أنعم الله عليه في تلك السلامى من باهر النعم ودوامها ولو شاء لسلبها القدرة وهو فيه عادل فإبقاؤها لا سيما مع التقصير في خدمته توجب دوام شكره بالتصدق وغيره ما دامت تلك النعم إذ لو فقد له عظم واحد أو يبس أو لم ينبسط فلم ينقبض لاختلت حياته وعظم بلاؤه والصدقة تدفع البلاء وليس المراد بالصدقة هنا المالية فحسب بل كنى بها عن نوافل الطاعات كما يفيده قوله (تعدل) هو في تأويل المصدر مبتدأ خبره صدفة (بين الاثنين) متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين (صدقة عليهما) لوقايتهما مما يترتب عليه الخصام من قبيح الأقوال والأفعال (وتعين) فيه وما بعده ما ذكر أي وفي إعانتك (الرجل) يعني الإنسان (على دابته فيحمل عليها) المتاع أو الراكب بأن يعينه في الركوب أو يحمله كما هو (وترفع) بمثناة فوقية بضبط المصنف (له عليها متاعه صدقة) أي أجرها كأجر صدقة عليه حذفت المضافات وحرف التشبيه للمبالغة وكذا في أخواته وهذا تشبيه محسوس بمحسوس والجامع عقلي وهو ترتب الثواب على كل منهما (والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبضمها ما بين القدمين وهو مبتدأ والباء زائدة (يخطوها) في رواية يمشوها (إلى الصلاة صدقة) أطلق على الكلمة صدقة كدعاء وذكر وسلام وثناء وغير ذلك مما يجمع القلوب ويؤلفها وعلى الخطوة إلى الصلاة صدقة مع عدم تعدي نفعها إلى الغير للمشاركة وتشبيها لهما بالمال في سعة الأجر وقيل هما صدقة على نفس الفاعل وفيه حض على حضور الجماعة ولزوم المساجد والسعي إليها (ودل الطريق صدقة وتميط) بضم أوله تنحى (الأذى) أي مما يؤذي المارة كقذر وحجر وشوك (عن الطريق) يذكر ويؤنث (صدقة) على المسلمين وأخرت هذه لكونها دون ما قبلها كما يشير إليه خبر شعب الإيمان وحمل الأذى على أذى الظالم والطريق على طريقه تعالى وهو شرعه بعيد وشرط الثواب على هذه الأعمال خلوص النية
(حم ق عن أبي هريرة)

(5/21)


6311 - (كل سنن قوم لوط) أي طرائقهم (فقدت إلا ثلاثا) من سننها فإنها باقية إلى الآن معمول بها (جر نعال السيوف) على الأرض (وخضب الأظفار وكشف عن العورة)
(الشاشي وابن عساكر عن الزبير) بن العوام وقضية كلام المصنف أنه لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فإن أبا نعيم والديلمي خرجاه باللفظ المزبور عن الزبير المذكور

(5/21)


6312 - (كل شراب أسكر) أي الذي فيه قوة الإسكار ومن شأنه أن يسكر وفي رواية لمسلم كل شراب مسكر (فهو حرام) [ص:22] فيه عموم يشمل جميع الأشربة نيئا أو مطبوخا عنبا أو غيره فلا وجه لتخصيص أحد الأشربة كيف والأخبار متعاضدة على ذلك
(حم ق 4 عن عائشة) قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع بكسر الموحدة وسكون الفوقية وهو نبيذ العسل فذكره وفي رواية لمسلم عن أبي موسى كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام وفي رواية عنه أيضا أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة

(5/21)


6313 - (كل شرط) أي اشتراط (ليس في كتاب الله) أي في حكمه أو ليس فيه جوازه أو وجوبه بواسطته كالنص القرآني وقال القرطبي: قوله ليس في كتاب الله أي ليس مشروعا فيه تأصيلا ولا تفصيلا فإن من الأحكام ما لا يوجد تفصيله في الكتاب كالوضوء ومنها ما يوجد تأصيله دون تفصيله كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع والقياس (فهو باطل وإن كان مئة شرط) يعني وإن شرط مئة مرة لا يؤثر فذكره للمبالغة لا لقصد عين هذا العدد قال الطيبي: وهذا من الشرط الذي يتبع به الكلام السابق بلا جزاء للمبالغة وقال القرطبي: هذا خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط الشرعية صحيحة
(البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن ابن عباس) رمز لصحته

(5/22)


6314 - (كل شيء بقدر) أي جميع الأمور إنما هي بتقدير الله في الأزل فالذي قدر لا بد أن يقع والمراد كل المخلوقات أي بتقدير محكم وهو تعلق الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب (حتى العجز) التقصير فيما يجب فعله أو من الطاعة أو أعم (والكيس) بفتح الكاف أي النشاط والحذق والظرافة أو كمال العقل أو شدة معرفة الأمور أو تمييز ما فيه الضر من النفع قال الطيبي: قوبل الكيس بالعجز على المعنى لأن المقابل الحقيقي للكيس البلادة ولعجز القوة وفائدة هذا الأسلوب تقييد كل من اللفظين بما يضاد الآخر يعني حتى الكيس والقوة والبلادة والعجز من قدر الله فهو رد على من يثبت القدرة لغيره تعالى مطلقا ويقول إن أفعال العباد مستندة إلى قدرة العبد واختياره ولأن مصدر الفعل الداعية ومنشؤه القلب الموصوف بالكياسة والبلادة ثم القوة والضعف ومكانهما الأعضاء والجوارح إذا كانوا بقدر الله وقضائه فأي شيء يخرج عنهما وقال التوربشتي: الكيس جودة القريحة وأتى به في مقابل العجز لأنه الخصلة المفضية بصاحبها إلى الجلادة وإتيان الأمور من أبوابها وذلك يقتضي العجز ولذلك كنوا به عن الغلبة فقالوا كايسته فكيسته أي غلبته قال: والعجز هنا عدم القدرة وقيل ترك ما يجب فعله والعجز والكيس روي بالجر بحتى أو بعطفه على شيء وبالرفع على كل أو بأنه مبتدأ حذف خبره أي كائنان بقدر الله ورجح الطيبي أن حتى حرف جر بمعنى إلى نحو {حتى مطلع الفجر} قال: ومعنى الحديث يقتضي الغاية لأنه أراد به أن أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكيس الموصل صاحبه إلى البغية والعجز الذي يتأخر به عن دركها وقال ابن حجر: معناه أن كل شيء لا يقع في الوجود إلا وقد سبق به علم الله ومشيئته وإنما جعلهما في الحديث غاية لذلك إشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا مرادة منا فلا تقع بعد ذلك إلا بمشيئة الله {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وقال القونوي: لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل كل شيء منسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الأفعال والصفات والأحوال وغير ذلك فإن قلت: كيف هذا مع حديث الصحيح عن أم حبيبة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمعها وهي تقول اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأخي معاوية وبأبي فقال لها: سألت الله بأرزاق مقسومة وآجال مضروبة لا يعجل منها شيء قبل محله ولا يؤخر بعد محله فلو سألت الله أن يجيرك من عذاب القبر وعذاب النار انتهى فما الفرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حث عليه من طلب الإجارة من النار والقبر؟ فالجواب: [ص:23] أن المقدرات ضربان ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكلية المختصة بالإنسان أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها محصورة في أربعة أمور العمر والرزق والأجل والشقاء والسعادة وأما اللوازم الجزئية التفصيلية فإنها لم تكد تنحصر ولم يمكن تعيين ذكرها وأيضا فظهور بعضها وحصوله للإنسان يتوقف على أسباب وشروط ربما كان بالدعاء والكسب والسعي والتعمل من جملتها بمعنى أنه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط أو الشروط بخلاف تلك الأربعة فإنه ليس للإنسان في ذلك قصد ولا تعمل ولا سعي بل ذلك نتيجة قضاء الله وقدره بموجب علمه السابق الثابت المحكم أزلا وأبدا فهذا فرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حرض عليه فتدبر
(حم م) في الإيمان بالقدر (عن ابن عمر) بن الخطاب

(5/22)


6315 - (كل شيء فضل عن ظل بيت وجلف الخبز) بكسر وسكون (وثوب يواري عورة الرجل والماء لم يكن لابن آدم فيه حق) قال ابن الأثير: الجلف الخبز وحده لا أدم معه وقيل خبز يابس ويروى بفتح اللام جمع جلفة وهي الكسرة من الخبز وقال القاضي: الجلف هنا الظرف كالخرج والجوالق يريد ما يترك فيه الخبز
(حم) وكذا أبو نعيم في ترجمة عثمان (عن عثمان) بن عفان رمز المصنف لحسنه وفيه حريث بن السائب أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الساجي وفيه حمدان قال النسائي: ليس بثقة وقال أبو داود: رافضي

(5/23)


6316 - (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب) فهو مذموم واللذة التي لا تعقب ألما في الآخرة ولا التوصل إلى لذة هناك فهي باطلة إذ لا نفع فيها ولا ضرر وزمنها قليل ليس لتمتع النفس بها قدر (إلا أن يكون أربعة) أي واحد من أربعة هي (ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين (1)) قال القرطبي: فيه تحريم الغناء لأنه لم يرخص في شيء منه إلا في هذه الثلاثة فيحرم ما سواها من اللهو لأنه باطل كما في خبر آخر (وتعليم الرجل السباحة) أي العوم فإنه عون ولهذا كانت لذة اللعب بالدف جائزة لإعانتها على النكاح كما تعين لذة الرمي بالقوس وتأديب الفرس على الجهاد وكلاهما محبوب لله فما أعان على حصول محبوبه فهو من الحق ولهذا عد ملاعبة الرجل امرأته من الحق لإعانتها على النكاح المحبوب لله ولما كانت النفوس الضعيفة كالمرأة والصبي لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئا من اللهو واللعب بحيث لو فطمت بالكلية طلبت ما هو شر لها منه رخص لهما في ذلك ما لم يرخص لغيرهما كما دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله قائلا: هو لا يحب الباطل ولم يمنعهن لما يترتب عليه من المفسدة
(ن) من حديث عطاء بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير) الأنصاري قال: رأيتهما يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه وهو تقصير فقد قال في الإصابة: إسناده صحيح فكان حق المصنف أن يرمز لصحته وجابر هذا قال البخاري: له صحبة وقال ابن حبان: يقال له صحبة
_________
(1) قال العزيزي: الغرض بمعجمين بينهما راء مرمى السهم يحتمل أن المراد مشيه بينهما في القتال ليجمع السهام المرمى بها أو مبارزة للقتال اه

(5/23)


[ص:24] 6317 - (كل شيء للرجل حل من المرأة في) حال (صيامه ما خلا ما بين رجليها) كناية عن جماعها فتجوز القبلة لمن لم تحرك شهوته
(طس عن عائشة) وفيه إسماعيل بن عياش وقد مر غير مرة الخلاف فيه ومعاوية بن طويع اليزني أورده الذهبي في الذيل وقال: مجهول

(5/24)


6318 - (كل شيء ينقص) كذا هو بخط المصنف وفي رواية يغيض بغين وضاد معجمتين يقال غاض الشيء إذا نقص وفاض إذا زاد وكثر (إلا الشر فإنه) لا ينقص بل (يزاد فيه) يحتمل أن المراد كل زمان يأتي بعده أكثر شرا منه
(حم طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد أعله الهيثمي بأن فيه أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ورجل آخر لم يسم

(5/24)


6319 - (كل شيء جاوز الكعبين من الإزار) يعني كل شيء جاوزهما من قدم صاحب الإزار المسبل يعذب (في النار) عقوبة له على فعله حيث فعل خيلاء فإسبال الإزار بقصدها حرام لهذا الوعيد الشديد ويستثنى النساء ومن أسبله لضرورة كمن بقدميه نحو جرح يؤذيه نحو ذباب وفقد غيره ذكره الزين العراقي
(طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه اليمان ابن المغيرة ضعفه الجمهور

(5/24)


6320 - (كل شيء قطع من الحي فهو ميت) أفاد به أن ما أبين من الحي فحكمه كميتته طهارة ونجاسة فنحو يد الآدمي ومشيمته طاهر ونحو ألية الخروف نجسة
(حل) من حديث يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: تفرد به خارجة فيما أعلم ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد عن عطاء عن أبي واقد الليثي وهو المشهور الصحيح اه

(5/24)


6321 - (كل شيء خلق من الماء) فهو مادة الحياة وأصل العالم
(حم ك) في البر (عن أبي هريرة) قلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح خلا أبا ميمونة وهو ثقة

(5/24)


6322 - (كل شيء سوى الحديدة) وفي رواية الدارقطني كل شيء سوى السيف وهي مبينة للمراد بالحديدة (خطأ) أي غير صواب يعني أنه من وجب عليه القتل فقتله الإمام أو المستحق بغير السيف كان مخطئا (ولكل خطأ أرش) قال ابن حجر: يعارضه خبر أنس في قصة العرنيين فعند مسلم في بعض طرقه إنما سملهم لأنهم سملوا الرعاء فالأولى حمله على غير المماثلة في القصاص جمعا بين الأدلة وحجة الجمهور في ذهابهم إلى أن القاتل يقتل بما قتل به قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقوله {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}
(طب عن النعمان بن بشير) قال ابن حجر: سنده ضعيف وقال الذهبي في التنقيح: فيه جابر الجعفي واه وفي الميزان عن جمع: كذاب قائل بالرجعة ثم أورد له هذا الخبر وقال: قال البخاري: لا يتابع عليه ورواه البيهقي في سننه أيضا باللفظ المزبور ورواه الدارقطني وفيه عنده جابر المذكور

(5/24)


[ص:25] 6323 - (كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة) أي فيؤجر عليه بشرط الصبر والاحتساب على ما فيه مما سلف تقريره قال ابن العربي: فالكفارات سارية في الدنيا والإنسان لا يسلم من أمر يضيق صدره ويؤلمه حسا وعقلا حتى قرصة البرغوث والعثرة والآلام محدودة مؤقتة ورحمة الله غير موقتة فإنها وسعت كل شيء فمنها ما يكون من طريق المنة ومنها ما يؤخذ بطريق الوجوب الإلهي في قوله {كتب ربكم على نفسه الرحمة} بعد قوله {فسأكتبها} ثم كتبها فالناس يأخذونها جزاء وبعضهم يكون له امتنانا وكل ألم في العالم في الدنيا والآخرة مكفر لأمور مؤقتة محدودة وهو جزاء لمن يتألم به من كبير وصغير بشرط تعقل التألم لا بطريق الإحساس بالتألم من غير تعقله وهذا المدرك لا يدركه من لا كشف له فالرضيع لا يعقل التألم وإن أحس به إلا أن نحو أبويه وأقاربه يتألم ويتعقل لما يرى من تألمه بمرضه فيكون ذلك كفارة لمتعقله فإن زاد ذلك الترحم به كان مع التكفير عنه مأجورا وأما الطفل إذا استعقل التألم وطلب النفور عن السبب المؤلم فألمه كفارة لما صدر منه مما يأثم به غيره من إيذاء حيوان أو طفل آخر وإبائه عما يدعوه إليه أبواه أو قتله بنحو نملة يطؤها برجله وسر هذا الأمر عجيب سار في الموجودات حتى الإنسان يتألم بنحو غم وضيق صدر فإنه كفارة لذنوب أتاها من حيث لا يشعر وذلك كله يراه أهل الكشف تحققا
(ابن السني) في عمل يوم وليلة (عن أبي إدريس) عائذ بن عبد الله (الخولاني) بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون الشامي أحد علماء التابعين ولد يوم حنين وله رؤية لا رواية فهو من حيث الرؤية صحابي ومن حيث الرواية تابعي (مرسلا)

(5/25)


6324 - (كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعاء الوالد لولده)
(ابن النجار) في التاريخ (عن أنس) كلام المصنف يؤذن بأنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وإلا لما أبعد النجعة وهو عجيب فقد خرجه أبو يعلى والديلمي باللفظ المزبور عن أنس

(5/25)


6325 - (كل شيء يتكلم به ابن آدم فإنه مكتوب عليه) أي يكتبه عليه الملكان الحافظان (فإذا أخطأ الخطيئة) قال في الفردوس: يقال خطئ إذا أذنب وأخطأ إذا لم يصب الصواب (ثم أحب أن يتوب إلى الله عز وجل فليأت بقعة مرتفعة فليمدد يديه إلى الله ثم يقول اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع أبدا فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك) قال السهيلي: هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث الخروج إلى براز من الأرض وإتيان بقعة رفيعة لعل المراد به مفارقة موضع المعصية فإنه موضع سوء وأهله كذلك إذا رآهم تشبه بهم أو رأوه فلم يبصروه ولم ينكروا عليه ويشهد لهذا التأويل أخبار كثيرة ومما يشير إلى ذلك الأمر بالخروج من ديار ثمود فهو إشارة إلى أن هجر مواضع المعصية من توابع التوبة لأن التوبة طهارة من الذنب ولا بد في الطهارة من طهارة القلب والجوارح ومن طهارة موضع التوبة كموضع الصلاة والثوب والبدن اه
(طب ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه قال في المهذب: إنه منكر

(5/25)


[ص:26] 6326 - (كل صلاة) لفظ عام يشمل الفرض والنفل والجماعة والفرادى لأن لفظ كل للعموم (لا يقرأ فيها بأم الكتاب) أي الفاتحة سميت به لأنها أول القرآن في التلاوة (فهي خداج) أي ذات خداج بكسر الخاء مصدر خدجت الناقة إذا ألقت ولدها ناقصا فلا تصح فاستعير للناقص أي فصلاته ذات نقصان أو خدجة أي ناقصة نقص فساد وبطلان فلا تصح الصلاة بدونها للمنفرد ولا للمقتدي عند الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجب على المأموم قراءة ووافقه مالك وأحمد في الجهرية
<تنبيه> قال ابن عربي: المصلي يناجي ربه والمناجاة كلام والقرآن كلام والعبد لا يعلم ما يكلم به ربه وقت مناجاته فكلمه ربه لما قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ثم إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي الحديث فما ذكر في حق المصلي إذا ناجاه يناجيه بغير كلامه ثم عين من كلامه أم القرآن إذا كان لا يناجي إلا بكلامه وبالجامع من كلامه والأم هي الجامعة فكأن الحديث مفسرا لما تيسر من القرآن
(حم عن عائشة حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هق عن علي) بن أبى طالب (خط عن أبي أمامة) الباهلي ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن جابر وزاد إلا أن يكون وراء الإمام وقال: فيه يحيى بن سلام ضعيف

(5/26)


6327 - (كل طعام لا يذكر اسم الله عليه فإنما هو داء) أي يضر بالجسد وبالروح وبالقلب (ولا بركة فيه وكفارة ذلك إن كانت المائدة موضوعة أن تسمي) الله تعالى بأن تقول بسم الله على أوله وآخره (وتعيد يدك) إلى تناول الطعام (وإن كانت قد رفعت أن تسمي الله وتلعق أصابعك) قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله قال ابن حجر: وفي نقل الإجماع نظر إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل وإلا فقد ذهب جمع إلى وجوبها وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة
(ابن عساكر) في ترجمة منصور بن عمار من حديثه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير (عن عقبة بن عامر) ثم قال أعني ابن عساكر: قال ابن عدي: ابن عمار منكر الحديث اه وقال الدارقطني: له أحاديث لا يتابع عليها وابن لهيعة حاله معروف ورواه أيضا من هذا الوجه الديلمي والمخلص والبغوي وغيرهما فاقتصار المصنف على ابن عساكر غير جيد

(5/26)


6328 - (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه) وهو المجنون (والمغلوب على عقله) الذي لا يتحصل شيء من أمره قال ابن العربي: قد اتفق الكل على سقوط أثر قوله شرعا لكن يحاول له وليه أمره كله إن كان له ولي وإلا فالسلطان ولي من لا ولي له وقال: وهذا بخلاف المجنون الذي يجن مرة ويفيق أخرى فإنه في حال جنونه ساقط القول وفي حالة إفاقته معتبرة إلا إن غلب عليه الصرع فعتهه فيلحق بالأول
(ت) في الطلاق من حديث عطاء بن عجلان (عن أبي هريرة) قال الترمذي: وعطاء ضعيف ذاهب الحديث اه. قال ابن الجوزي: عطاء قال يحيى: كذاب كان يوضع له الحديث فيتحدث به وقال الرازي: متروك وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كتب حديثه إلا للإعتبار اه وقال ابن حجر: ضعيف جدا فيه عطاء بن عجلان متروك

(5/26)


6329 - (كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر) . (ك) عن جابر (صح) (1)

(5/26)


6330 - كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن محسر وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة) . (هـ) عن جابر (صح)
_________
(1) هذا الحديث والذي بعده ساقطان من نسخ الشرح

(5/26)


[ص:27] 6331 - (كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عرنة) بضم العين المهملة وفتح الراء وزان رطبة وفي لغة بضمتين موضع بين منى وعرفات وتصغيرها عرينة وبها سميت القبيلة والنسبة إليها عرنى (وكل المزدلفة موقف وارفعوا عن بطن محسر) بصيغة اسم الفاعل وهو واد بين منى ومزدلفة سميت به لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات (وكل فجاج منى منحر وكل أيام التشريق ذبح) وقال الطيبي: أراد به التوسعة ونفي الحرج
(حم عن جبير بن مطعم) قال الهيثمي: رجاله موثقون

(5/27)


6332 - (كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله عز وجل فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة) قال القاضي: معناه أن الرجل إذا مات لا يزاد عن ثواب ما عمل ولا ينقص منه شيء إلا الغازي فإن ثواب مرابطته ينمو ويتضاعف وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره إليه أو لا يزاد فاندفع قول البعض هذا الحديث يكاد يخل بالحصر المذكور في خبر " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث "
(طب حل عن العرباض) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات

(5/27)


6333 - (كل عين زانية) يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم وذلك زناها أي فليحذر من النظر ولا يدع أحد العصمة من هذا الخطر فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي مع جلالته يا علي لا تتبع النظرة النظرة (والمرأة) في نسخة فالمرأة بالفاء (إذا استعطرت فمرت بالمجلس) فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها فكل من ينظر إليها فقد زنى بعينه ويحصل لها إثم لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه فإذن هي سبب زناه بالعين (فهي) أيضا (زانية) وفي رواية فهي كذا وكذا يعني زانية
(حم ت) في الاستئذان عن (أبي موسى) الأشعري قال الترمذي: حسن صحيح رمز المصنف لحسنه وقال الهيثمي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف تفرد الترمذي به من بين الستة وهو ذهول فقد رواه أيضا النسائي في الزينة باللفظ المذكور

(5/27)


6334 - (كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت في سبيل الله وعينا خرج منها مثل رأس [ص:28] الذباب من خشية الله) فلا تبكي يوم القيامة بكاء حزن بل بكاء فرح وسرور لما ترى من عظيم إكرام الله لها وعظيم ثوابه
(حل عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه

(5/27)


6335 - (كل قرض صدقة) من المقرض على المقترض أي يؤجر عليه كأجر الصدقة
(طس حل عن ابن مسعود) قال الهيثمي عقب عزوه للطبراني: فيه جعفر بن ميسرة وهو ضعيف وقال غيره: فيه غسان بن الربيع أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه الدارقطني وجعفر بن ميسرة الأشجعي قال أبو حاتم: منكر الحديث جدا

(5/28)


6336 - (كل قرض جر منفعة) إلى المقرض (فهو ربا) أي في حكم الربا فيكون عقد القرض باطلا فإذا شرط في عقده ما يجلب نفعا إلى المقرض من نحو زيادة قدر أو صفة بطل
(الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن علي) أمير المؤمنين قال السخاوي: إسناده ساقط وأقول: فيه سوار بن مصعب قال الذهبي: قال أحمد والدارقطني: متروك

(5/28)


6337 - (كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم) أي مقطوع البركة أو ناقصها وما جرى عليه المصنف من أن لفظ الحمد بغير لام التعريف هو ما وقع لابن الملقن وغيره قال الكمال بن أبي شريف: والصواب في الرواية إثباتها وهكذا هو في نسخ أبي داود المعتمدة بالحمد لله
(د) في الأدب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أيضا النسائي في عمل يوم وليلة وابن ماجه في النكاح وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي وغيرهم قال ابن حجر: اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني إرساله

(5/28)


6338 - (كل كلم) بفتح فسكون (يكلمه) بضم فسكون أي كل جرح يجرحه (المسلم في سبيل الله) قد يخرج في غير سبيله وفي رواية والله أعلم بمن يكلم في سبيله إشارة إلى الإخلاص (تكون يوم القيامة كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية كل كلمة يكلمها (إذ طعنت تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى أصله تتفجر (دما واللون لون الدم والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح (عرف مسك) وإنما أتى على هيئته ليشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة طيب ريحه إظهار فضله لأهل الموقف وانتشار ذلك فيهم ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد وفيه طهارة المسك ورد عليه من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد
(ق) في الجهاد (عن أبي هريرة)

(5/28)


6339 - (كل ما) قال الحرالي: كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات (صنعت إلى أهلك) ابتغاء لوجه الله كما قيد به في عدة أخبار (فهو صدقة عليهم) فما أنفقه الإنسان بنية التقرب به فهو داخل في قسم إرادة الآخرة والسعي إليها قال السبكي: والعبادة أربعة أقسام أحدها ما وضعه الشرع عبادة كصلاة وصوم وحج وصدقة فمتى صح فقربة مطلقا وثانيها ما طلب الشرع من مكارم الأخلاق كإفشاء سلام ونحوه مما فيه مصلحة فإن وجد بنية الامتثال فقربة وإلا فمباح ثالثها ما لا يستقل بتحصيل مصلحة فإنما يفعل للتوصل به لغيره كالمشي فهو وسيلة فيكون بحسب ما قصد رابعها ما وضع مباحا مقصودا لتحصيل مصلحة دنيوية كأكل وشرب ونوم فإن حصل بغير نية أو نية دنيوية فمباح أو بنية دينية ففيه ثواب على النية فقط عند البعض وعليها مع الفعل عند البعض وهو الحق اه
(طب) من حديث الزبرقان بن عبد الله [ص:29] بن عمرو بن أمية عن أبيه (عن) جده (عمرو بن أمية) الضمري قال: مر على عثمان أو على عبد الرحمن بن عوف بمرط فاستغلاه فمر به على عمرو بن أمية فاشتراه فكساه امرأته فمر به عثمان أو عبد الرحمن فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت قال: تصدقت به على أهلي قال: أو كل ما صنعت إلى أهلك صدقة فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر ذلك فذكر ما قال عمرو لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: صدق عمرو كل ما صنعت إلخ والزبرقان هذا مشهور وثقه النسائي وغيره وأخرج له أيضا الترمذي وأبو داود وليس هو بالزبرقان الضمري ذاك انفرد به وقد كتبهما الذهبي وأشار إلى ضعف الفرق وأبوه انفرد به النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وجده صحابي مشهور من غير مرة ومن لطائف إسناد هذا الحديث أن من رواية الرجل عن أبيه عن جده وقال المنذري عقب عزوه لأبي يعلى والطبراني: رواته ثقات وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير فكان حقه الرمز لصحته

(5/28)


6340 - (كل مال النبي) ولفظ رواية الترمذي كل مال نبي أو مال كل نبي صدقة إذ النكرة في الإثبات للعموم (صدقة إلا ما أطعمه) في نسخة أطعمه الله وفي أخرى أطعمه بضم الهمزة أي أنا لكوني المتصرف في أموال المسلمين وضمير أطعمه على الأول عائد للنبي أو لله أي إلا ما نص على أنه يأكل منه عياله (أهله وكساهم إنا) معشر الأنبياء (لا نورث) وحكمته أن لا يتمنى الوارث موت نبي فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لمورثهم فيهلك الظان وينفر عنهم ولأنهم أحياء ولأنه تعالى شرفهم بقطع حظوظهم من الدنيا وما بأيديهم منها إنما هو عارية وأمانة ومنفعة لعيالهم وأممهم وأما قوله تعالى {وورث سليمان داود} فالمراد إرث العلم وكذا قول زكريا {يرثني} وقد كان ينفق من ماله ويتصدق بفضله ثم توفي فصنع الصديق كفعله
(د عن الزبير) وشهد به جمع من الصحابة رمز المصنف لحسنه

(5/29)


6341 - (كل مال أدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا) على وجه الأرض فالكنز في عرف الشرع ما لم تؤد زكاته كيفما كان وفي لسان العرب المال المجتمع المخزون فوق الأرض وتحتها قال ابن الأثير: فهو حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل. وقال ابن عبد البر: والاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي ولا أعلم مخالفا في أن الكنز ما لم تؤد زكاته إلا شيئا روى عن علي وأبي ذر والضحاك وذهب إليه قوم من أهل الزهد قالوا: إن في المال حقوقا سوى الزكاة وقال القاضي: لما نزل {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية كبر ذلك على الصحابة وظنوا أنها تمنع عن جمع المال وضبطه رأسا وأن كل من أثل مالا قل أم جل فالوعيد لاحق به فبين صلى الله عليه وسلم أن المراد في الكنز بالآية ليس الجمع والضبط مطلقا بل الحبس عن المستحق والامتناع عن الإنفاق الواجب الذي هو الزكاة وأنه تعالى ما رتب الوعيد على الكنز وحده بل على الكنز مع عدم الإنفاق وهو الزكاة
(هق عن ابن عمر) بن الخطاب مرفوعا وموقوفا وقال البيهقي: ليس بمحفوظ والمشهور وقفه

(5/29)


6342 - (كل ما توعدون في مئة سنة) أي يكون وقوع جميعه في مئة سنة من آخر الزمان لأنه يقع في مئة سنة من البعثة والوفاة
(البزار) في مسنده (عن ثوبان) ورواه ابن الجوزي وأعله

(5/29)


6343 - (كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته ومأدبة الله القرآن فلا تهجروه) سبق عن الزمخشري أن المأدبة مصدر بمنزلة [ص:30] الأدب وهو الدعاء إلى الطعام وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوليمة فالمعنى أن كل مولم يحب أن يأتيه الناس في وليمته إذا دعاهم وضيافة الله لخلقه القرآن فلا تتركوه بل داوموا على قراءته
(هب عن سمرة) بن جندب ورواه عنه الديلمي في الفردوس

(5/29)


6344 - (كل مؤذ في النار) يعني كل ما يؤذي من نحو حشرات وسباع يكون في نار جهنم عقوبة لأهلها وقيل هو وعيد لمن يؤذي الناس أي كل من آذى الناس في الدنيا من الناس أو من غيرهم يعذبه الله في تلك الدار في نار الآخرة ذكره الزمخشري والخطابي
(خط) في ترجمة عثمان الأشج المعروف بابن أبي الدنيا (وابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن علي) أمير المؤمنين. قال الخطيب: وعثمان عندي ليس بشيء اه. وأورده الذهبي في المتروكين وقال: خبر غريب

(5/30)


6345 - (كل مسجد فيه إمام ومؤذي فالاعتكاف فيه يصح) أخذ بظاهره الحنابلة فقالوا: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة وقال الثلاثة: يصح في كل مسجد
(قط عن حذيفة) قال الذهبي: هذا الحديث في نهاية الضعف وذلك لأن فيه سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث. قال ابن حبان: يضع على الأثبات ما لا يخفى ووهاه ابن عدي وأورد له من الواهيات عدة هذا منها وفي اللسان سليمان بن بشار متهم بوضع الحديث

(5/30)


6346 - (كل مسكر حرام) سواء كان من عنب أو نقيع زبيب أو تمر أو عسل أو غيرها كما ذهب إلى ذلك الجمهور واستدلوا بمطلق قوله كل على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا فدخل نحو حشيش وبنج وغيرهما وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وجزم آخرون بأنها مخدرة. قال الحافظ ابن حجر: وهي مكابرة لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة وبفرض تسليم عدم إسكارها فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء
(حم ق د ن هـ عن أبي موسى) الأشعري (حم ن عن أنس) بن مالك (حم د ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (حم ن هـ عن أبي هريرة هـ عن ابن مسعود) قال: قالوا يا رسول الله إن شرابا يصنع يقال له المزر وإن شرابا يقال له البتع من العسل فذكره. قال المصنف: الحديث متواتر

(5/30)


6347 - (كل مسكر خمر) أي مخامر للعقل ومغطيه يعني أن الخمر اسم لكل ما يوجد فيه الإسكار وللشرع أن يحدث الأسماء بعد أن لم تكن كما أن له وضع الأحكام كذلك أو أنه كالخمر في الحرمة ووجوب الحد وإن لم يكن خمرا (وكل مسكر حرام) قال الزين العراقي: كذا في رواية الصحيح وفي بعض طرقه في الصحيح وكل خمر حرام والكل صحيح اه. والرواية الثانية يحصل منها مقدمتان وينتج ذلك كل مسكر حرام اه. قال ابن العربي: من زعم أن قوله كل مسكر خمر معناه مثل الخمر لأن حذف مثل في مثله مسموع شائع فقد وهم. قال: بل الأصل عدم التقدير ولا يصار إلى التقدير إلا لحاجة ولا يقال احتجنا إليه لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث لبيان الأسماء قلنا بل بيان الأسماء من جملة الأحكام لمن يعلمها وقال الطيبي: فيه دليل على جواز القياس باطراد العلة وقال في الفائق: قول نعمان الخمر كل ما أسكر فغيره حلال طاهر رد بخبر كل مسكر خمر إن من الحنطة خمرا الخمر من هاتين الشجرتين فالخمر [ص:31] في الكل حقيقة شرعية أو مجاز في الغير فيلزم النجاسة والتحريم (ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها) أي مصر عليها وهي معنى قوله في الرواية الأخرى لم يتب وفي رواية الصحيح إلا أن يتوب وفيه أن التوبة تكفر الكبائر والواو للحال وإدمانها مداومة شربها (لم يشربها في الآخرة) يعني لم يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا لم يشربها لم يدخلها أو أنه يدخلها ويحرم شربها بأن تنزع منه شهوتها ذكره ابن عبد البر واستشكل بأن من لا يشتهي شيئا لا يخطر بباله لا يحصل له عقوبة ذلك وشهوات الجنة كثيرة يستغني بعضها عن بعض وأجاب الزين العراقي بأن كل شهوة يجد لها لذة لا يجدها لغيرها فيكون ذلك نقصا في نعيمه بل ورد في الحديث أن الطعام الواحد في الجنة يجد لكل لقمة منه لذة لا يجدها لما قبلها فهذا في النوع الواحد فكيف بنعيم برأسه
(حم م 4) في الأشربة (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه

(5/30)


6348 - (كل مسكر حرام) سواء اتخذ من العنب أم من غيره وفرق الحنفية بينهما بدعوى المغايرة في الاسم مع اتحاد العلة فيهما فإن كل ما قدر في المتخذ من العنب يقدر في المتخذ من غيرها. قال القرطبي: وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه للأصل في جميع أوصافه مع موافقته لظهور النصوص الصحيحة (وما أسكر منه الفرق) بالتحريك مكيلة تسع ستة عشر رطلا وبالسكون تسع مئة وعشرون رطلا (فملء الكف منه حرام) قال الطيبي: الفرق وملء الكف كلاهما عبارة عن التكثير والتقليل لا التحديد قال القرطبي: الأحاديث الواردة في هذا الباب على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا أن الأمر بتجنب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ومن غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادروا إلى إراقة ما كان من عصير غير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم للنهي عن إضاعة المال فلما بادروا للإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره مطلقا قال: وأما الأحاديث التي تمسك بها المخالف فلا شيء منها يثبت
(د ت عن عائشة) قال القرطبي: إسناده صحيح ولذلك رمز المؤلف لصحته ورواه مسلم عن ابن عمر بنحوه

(5/31)


6349 - (كل مشكل) أي كل حكم أشكل علينا لخفاء النص فيه أو لتعارض نصين أو لعدم نص صريح ولم يقع على ذلك الحكم إجماع واجتهد فيه مجتهد ولم يظهر له شيء أو فقد المجتهد فهو (حرام) لبقائه على إشكاله بالنسبة للعلماء وغيرهم (وليس في الدين إشكال) عند الراسخين في العلم غالبا لعلمهم الحكم في الحادثة بنص أو إجماع أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإذا تردد شيء بين الحل والحرمة اجتهد فإن ظهر له الحكم بدليل غير خال عن تطرق الاحتمال فالورع العمل بالأحوط
(طب) وكذا القضاعي (عن تميم الداري) قال الهيثمي: فيه الحسين بن عبد الله بن ضمرة وهو مجمع على ضعفه وفي الميزان: كذبه مالك وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب وقال أحمد: لا يساوي شيئا وقال أبو زرعة: يضرب على حديثه وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ومن مناكيره هذا الحديث

(5/31)


6350 - (كل مصور) لذي روح (في النار) أي يكون يوم القيامة في نار جهنم لتعاطيه ما يشبه ما انفرد الله به من الخلق [ص:32] والاختراع (يجعل له) بفتح ياء يجعل والفاعل الله أضمر للعلم به (بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم) أي يعذبه نفس الصورة بأن يجعل فيه روح والباء في بكل صورة شخصا يعذبه فالباء بمعنى لام السبب
(حم م) في اللباس من حديث سعيد بن أبي الحسن (عن ابن عباس) قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال له: ادن مني فدنا ثم قال: ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال له: أفتك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول فذكره

(5/31)


6351 - (كل معروف) أي ما عرف فيه رضى الله عنه من جملة الخيرات وقال الحرالي: هو ما يشهد عيانه بموافقته وقبول موقعه بين الأنفس فلا يلحقها منه تنكر وقال في موضع آخر: هو ما تقبله الأنفس ولا تجد منه نكيرا (صدقة) أي ثوابه كثواب الصدقة وفيه إشارة إلى أنه لا يحتقر شيء من المعروف قال ابن بطال: دل الحديث على أن كل شيء يفعله الإنسان أو يقوله يكتب له به صدقة وقال ابن أبي جمرة: المراد بالصدقة الثواب فإن قارنت النية أثيب صاحبه جزما وإلا ففيه احتمال قال: وفيه إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في المحسوس فلا تختص بأهل اليسار مثلا بل كل أحد يمكنه فعلها غالبا بلا مشقة
(حم) بسند رجاله رجال الصحيح (خ) في الأدب (عن جابر) ابن عبد الله (حم م) في الزكاة (د) في الأدب (عن حذيفة) بن اليمان قال المصنف: هذا حديث متواتر

(5/32)


6352 - (كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة) تسمية هذا وما قبله وما بعده صدقة من مجاز المشابهة أي لهذه الأشياء أجر كأجر الصدقة في الجنس لأن الجمع صادر عن رضا الله مكافأة على طاعته إما في القدر أو الصفة فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغايتها وقيل معناه أنها صدقة على نفسه واستدل بظاهر هذه الأحاديث الكعبي على أنه ليس في الشرع شيء يباح بل إما أجر وإما وزر فمن اشتغل بشيء عن المعصية أجر قال ابن التين: والجماعة على خلافه
(خط في الجامع) في آداب المحدث والسامع (عن جابر) بن عبد الله (طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف وقال الهيثمي: في سند الطبراني صدقة بن موسى الدقيقي وهو ضعيف

(5/32)


6353 - (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أنواع البر وثوابه من تصدق بالمال والمعروف لغة ما عرف وشرعا قال ابن عرفة الطاعة: ولما تكرر الأمر بالصدقة في الكتاب والسنة مالت إليها القلوب فأخبرهم بأن كل طاعة من قول أو فعل أو بذل صدقة يشترك فيها المتصدقون حثا منه للكافة على المبادرة إلى فعل المرء طاقته وسميت صدقة لأنها من تصديق الوعد بنفع الطاعة عاجلا وثوابها آجلا (وما أنفق المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة) لأنه ينكف بذلك عن السؤال ويكف من ينفق عليه (وما وقى به المرء المسلم عرضه) أي يعطيه الشاعر ومن يخاف لسانه وشره (كتب له به صدقة) أي دفع به النقيصة عن عرضه بذكر ما يهتضم به في نفسه وفي أسلافه فإنه صدقة لأن صيانة العرض من جملة الخيرات لما أنه يحرم على الغير كالدم والمال قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله متطوعا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق في فعله ويقال لكل ما يحابي به المرء [ص:33] من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه قال عبد الحميد الهلالي: قلت لابن المنكدر: ما وقى الرجل به عرضه قال: يعطي الشاعر أو ذا اللسان (وكل نفقة أنفقها المسلم فعلى الله خلفها والله ضامن إلا نفقة في بنيان أو معصية) ظاهر هذا أنه لا يشترط في حصول الثواب نية القربة لكنه مقيد في أخبار أخر بقوله وهو يحتسبها فيحمل المطلق على المقيد وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة فإن نفقة الزوجة من ملاذ الدنيا المباحة ووضع اللقمة في فمها إنما يكون عند الملاعبة وهي أبعد الشيء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع ذلك فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه يثاب عليه ثواب الصدقة ففي غير هذه الحالة أولى
(عبد بن حميد ك) من حديث عبد الحميد بن الحسن عن محمد بن المنكدر (عن جابر) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن عبد الحميد ضعفوه وقال في الميزان: غريب جدا

(5/32)


6354 - (كل معروف صدقة) قال القاضي: المعروف في اصطلاح الشارع ما عرف حسنه بالشرع وبإزائه المنكر وهو ما أنكره وحرمه وقال الراغب: المعروف اسم لكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل معا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال ابن أبي جمرة: يطلق المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من عمل البر جرت به العادة أم لا (والدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان) أي المتحير في أمره الحزين المسكين
<تنبيه> قال الماوردي: المعروف نوعان قول وعمل فالقول طيب الكلام وحسن البشر والتودد بجميل القول والباعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع لكن لا يسرف فيه فيكون ملقا مذموما وإن توسط واقتصد فهو بر محمود وفي منثور الحكم من قل حياؤه قل أحباؤه والعمل بذل الجاه والإسعاف بالنفس والمعونة في النائبة والباعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حد بخلاف الأولى فإنها وإن كثرت أفعال تعود بنفعين نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر ونفع على المعان بها في التخفيف والمساعدة فلذلك سماه هنا صدقة
(هب عن ابن عباس) وفيه طلحة بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أحمد: متروك وقال الحافظ العراقي: رواه الطبراني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحجاج ضعيف وقد جاء مفرقا في أخبار أخر

(5/33)


6355 - (كل من ورد) وفي رواية لأبي نعيم كل من وافى (القيامة) من الأمم (عطشان) أي فترد كل أمة على نبيها في حوضه فيسقي من أطاعه منهم
(حل هب) كلاهما من حديث سهل بن نصر عن ابن أسماك الهيثمي بن جماز عن يزيد الرقاشي (عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: دخلت على يزيد وهو يبكي في يوم حار وقد عطش نفسه أربعين سنة فقال: أدخل تعال نبكي على الماء البارد في اليوم الحار حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره ومحمد بن صبيح بن سماك أورده الذهبي في الضعفاء قال ابن نمير: ليس حديثه بشيء والهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي: متروك ويزيد الرقاشي قال النسائي: متروك وقال الذهبي: ضعيف

(5/33)


6356 - (كل مولود) من بني آدم (يولد على الفطرة) اللام للعهد والمعهود فطرة الله التي فطر الناس عليها أي الخلقة التي خلق الناس عليها من الاستعداد لقبول الدين والنهي لتتجلى بالحق وقبول الاستعداد والتأبي عن الباطل والتمييز بين [ص:34] الخطأ والصواب (حتى يعرب عنه لسانه) فحينئذ إن ترك بحاله وخلى وطبعه ولم يتعرض له من الخارج من يصده عن النظر الصحيح من فساد التربية وتقليد الأبوين والألف بالمحسوسات والانهماك في الشهوات ونحو ذلك لينظر فيما نصب من الدلالة الجلية على التوحيد وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك نظرا صحيحا يوصله إلى الحق وإلى الرشد عرف الصواب ولزم ما طبع عليه في الأصل ولم يختر إلا الملة الحنيفية وإن لم ينكر بحاله بأن كان أبواه نحو يهوديين أو نصرانيين (فأبواه) هما اللذان (يهودانه) أي يصيرانه يهوديا بأن يدخلاه في دين اليهودية المحرف المبدل بتفويتهما له (أو ينصرانه) أي يصيرانه نصرانيا (أو يمجسانه) أي يدخلانه المجوسية كذلك بأن يصداه عما ولد عليه ويزينا له الملة المبدلة والنحل الزائفة ولا ينافيه {لا تبديل لخلق الله} لأن المراد به لا ينبغي أن تبدل تلك الفطرة التي من شأنها أن لا تبدل أو هو خبر بمعنى النهي ذكره البيضاوي وقال الطيبي: الفطرة تدل على نوع من الفطر وهو الابتداء والاختراع والمعنى بها هنا تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة بالتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها لغيرها لأن هذا الدين حسنه مركوز في النفوس وإنما يعدل عنه بآفة من الآفات البشرية والتقليد والفاء في فأبواه للتعقيب أو للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه انتهى. والحاصل أن الإنسان مفطور على التهيئ للإسلام بالقوة لكن لا بد من تعلمه بالفعل فمن قدر الله كونه من أهل السعادة قيض الله له من يعلمه سبيل الهدى فصار مهذبا بالفعل ومن خذله وأشقاه سبب له من يغير فطرته ويثني عزمته والله سبحانه هو المتصرف في عبيده كيف يشاء {فألهمها فجورها وتقواها} قال الطيبي: فإن قلت أمر الغلام الذي قتله الخضر ينقض هذا البيت لأنه لم يلحق بأبويه بل خيف إلحاقهما به قلت لا ينقض بل يرفعه ويستبد بثباته لأن الخضر نظر إلى عالم الغيب وقتل الغلام وموسى اعتبر عالم الشهادة وظاهر الشرع فأنكر عليه ولذلك لما اعتذر الخضر بالخفى أمسك عنه
(ع طب هق عن الأسود بن سريع) له صحبة كان شاعر بني منقذ قضى بالبصرة قال في اللسان: وهذا له أسانيد جياد انتهى. ومن ثم رمز المصنف لصحته ورواه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ " كل إنسان تلده أمه على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين " فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكز الشيطان في خصيتيه إلا مريم وابنها " ورواه البخاري بلفظ " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء "

(5/33)


6357 - (كل ميت) في أبي داود بالتعريف قال أبو زرعة: والصواب التنكير لاقتضاء التعريف استغراق أجزائه فيصير معناه يختم على كل جزء من أجزاء الميت وليس صحيحا فالتعريف تحريف (يختم على عمله) المراد به طي صحيفته وأن لا يكتب له بعد موته عمل (إلا الذي مات) أي الملازم في السفر للجهاد (في سبيل الله فإنه ينمو له عمله) أي يزيد (إلى يوم القيامة) قال الأبي: يعني الثواب المترتب على رباط اليوم والليلة يجري له دائما ولا يعارضه حديث " إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث " إما لأنه لا مفهوم للعدد في الثلاث وإما بأن يرجع هذا إلى إحدى الثلاث هنا وهو صدقة جارية (ويؤمن) بضم ففتح فتشديد (من فتان القبر) أي فتانيه منكر ونكير أي لا يأتيانه ولا يختبرانه بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه قال عياض: رويناه للأكثر بضم الفاء وجمع فاتن وعن الطبري بالفتح وذكره أبو داود مفسرا فقال: وأمن فتان القبر وقال القرطبي: هو جمع فاتن ويكون للجنس أو يؤمن من كل ذي فتنة فيه لكن المتبادر لا يضرانه ولا يفتن بهما <تنبيه> قال القرطبي: لا معنى للنمو إلا المضاعفة وهي موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه بل هي فضل دائم من الله تعالى لأن أعمال البر لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه ببيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما عمله من الأعمال الصالحة
(د ت [ص:35] ك) في الجهاد (عن فضالة عن عبيد حم عن عقبة بن عامر) قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف

(5/34)


6358 - (كل ميسر) وفي رواية يسر بضم أوله وكسر المهملة الثقيلة (لما خلق له) أي مهيأ لما خلق لأجله قابل له بطبعه قال المفسرون في قوله فسنيسره أي سنهديه من يسر الفرس للراكب إذا سرجها وألجمها فليس المراد به هنا ما يقابل التعسير وأما قول الشريف في شرح حاشية المفتاح معناه كل موفق لما خلق لأجله فغير سديد كما بينه ابن الكمال وغيره لأن التوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد وليس المعنى هنا مقصور عليه بل المراد التهيئة لما خلق لأجله من خير وشر {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} (تنبيه آخر) قال الراغب: لما احتاج الناس بعضهم لبعض سخر كل واحد منهم لصناعة ما يتعاطاه وجعل بين طبائعهم وصنائعهم مناسبات خفية واتفاقات سماوية ليؤثر الواحد بعد الواحد حرفة ينشرح صدره بملابستها وتعطيه قواه لمزاولتها فإذا جعل إليه صناعة أخرى ربما وجد مستبلدا فيها متبرما منها سخرهم الله لذلك لئلا يختاروا كلهم صناعة واحدة فتبطل الأقوات والمعاونات ولولا ذلك ما اختاروا من الأسماء إلا أحسنها ومن البلاد إلا أطيبها ومن الصناعات إلا أجملها ومن الأفعال إلا أرفعها ولتنازعوا فيه لكن الله بحكمته جعل كلا منهم في ذلك مخيرا فالناس إما راض بصنعته لا يبغي عنها حولا كالحائك الذي رضي بصناعته ويعيب الحجام الذي يرضى بصناعته وبذلك انتظم أمرهم {كل حزب بما لديهم فرحون} وإما كاره لها يكابدها مع كراهته إياها كأنه لا يجد عنها بدلا وعلى ذلك دل هذا الحديث {نحن قسمنا بينهم معيشهتم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} فالتباين والتفرق والاختلاف سبب الالتئام والاجتماع والاتفاق فسبحان الله ما أحسن صنعه
(حم ق د عن عمران بن حصين ت عن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي بكر) الصديق قيل يا رسول الله أتعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم قال: فلم يعمل العاملون؟ فذكره

(5/35)


6359 - (كل نائحة تكذب إلا أم سعد) بن معاذ القائلة حين احتمل نعشه:
ويل أم سعد أضر أمه وجدا. . . وسيدا سد به مسدا
قالوا: من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير وفي النياحة لخولة بنت حكيم وفي تعجيل صدقة عامين للعباس وفي ترك الإحداد لأسماء بنت عميس وفي الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذي يولد لعلي وفي فتح باب من داره في المسجد له وفي فتح خوخة فيه لأبي بكر وفي أكل المجامع في رمضان من كفارة نفسه وغير ذلك
(ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) ورواه الطبراني أيضا في الكبير والديلمي

(5/35)


6360 - (كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة) بن عبد المطلب فإنها غير كاذبة في ندبه أي فلها النوح عليه فرخص لها فيه بخصوصها وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء كما تقرر قال في النهاية: الندب أن تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله
(ابن سعد) في الطبقات (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (مرسلا) أرسل عن عمرو عن خاله سعد بن أبي وقاص

(5/35)


6361 - (كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري) قال المصنف: قيل معناه أن أمته ينسبون إليه وأمم [ص:36] سائر الأنبياء لا ينسبون إليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب ورجح بما ذكر في سبب الحديث الآتي بيانه قال الطيبي: والنسب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الآباء والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها المتزوج وعلم بهذا الحديث ونحوه عظيم نفع الانتساب إليه عليه السلام ولا يعارضه ما في أخبار آخر من حثه لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا لكن الله يملكه نفع أقاربه فقوله لا أغني عنكم شيئا أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله به من نحو شفاعة ومعفرة فخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف
(ابن عساكر) في ترجمة زيد بن عمر بن الخطاب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه (عن عمر بن الخطاب) قال محمد خطب عمر إلى ابنته أم كلثوم فقال والله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ففعل فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين فقال زفوني ثم ذكره قال الذهبي: فيه ابن وكيع لا يعتمد لكن ورد فيه مرسل حسن

(5/35)


6362 - (كل نعيم زائل إلا نعيم أهل الجنة وكل هم منقطع إلا هم أهل النار) أي الخالدين فيها لدوام هذا الهم ومن ثم قال الحسن: كل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون الناس يسير
(ابن لال عن أنس) بن مالك وفيه محمد بن حمدويه قال في الميزان: حدث بخبر باطل وعمرو بن الأزهر قال البخاري: يرمى بالكذب وقال أحمد: يضع الحديث وقال النسائي: متروك

(5/36)


6363 - (كل نفس تحشر على هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه عمله شيئا) هذا ورد على سبيل الزجر والتنفير عن معاهدة الكفار
(طس عن جابر) قال الهيثمي: في إسناده ضعفاء وثقوا

(5/36)


6364 - (كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها) ومن لا أهل له ولا بعل سيد على جوارحه فعلى كل أحد أن يعرف قدر ما ولاه الله عليه ويعلم أنه رقيب عليه وهو الذي استخلفه على ذلك وجعل له عليه السيادة ونبه بذلك على أن السيد إذا نقص من حال من ساد عليه نقص من سيادته بقدر ذلك وعزل بقدره ذكره الحرالي
(ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا باللفظ المزبور

(5/36)


6365 - (كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان) لغير نحو مسجد وما كان زائدا على الحاجة كما يشير إليه الخبر الآتي وغيره قال الحكيم: إنما صار غير مأجور لأنه ينفق في دنيا قد أذن الله في خرابها يزيد في زينتها حتى جعلت فتنة وبلوى للعباد ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن انتقل إلى ربه ما بنى مسكنا لنفسه وتبعه أولياء أمته فما وضع أحدهم لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وذلك لأنهم رأوا الدنيا جسرا منصوبا من خشب على نهر عظيم وهم عابرون فيه راحلون عنه فهل رأيتم أحدا يبني على جسر خشب سيما وقد عرفنا أن المطر ينزل والنهر يعظم بالسيول والجسور تنقطع فكل من بنى على جسر خشب عرضه للتلف فلو كشف الله بصيرة عمار الدنيا حتى روأها جسرا والنهر الذي بنيت عليه خطرا لما بنوا فلم تكن لهم عيون يبصرون بها الدنيا وإنها قنطرة خشب على نهر خرار ولا كان لهم سمع يسمعون قول الرسول صلى الله عليه وسلم العالم بما أوحى إليه أن الدنيا قنطرة فلا بالإيمان عملوا ولا على [ص:37] الرؤية والكشف حصلوا {وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا}
(طب) وكذا الحكيم (عن خباب) بن الأرت رمز المصنف لحسنه قال الحافظ العراقي: إسناده جيد اه. فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة وهو ذهول فقد خرجه ابن ماجه عن جنابه باللفظ المزبور

(5/36)


6366 - (كل نفقة ينفقها المسلم على نفسه وعلى عياله وعلى صديقه وعلى بهيمه يؤجر عليها إلا في بناء إلا بناء مسجد (2) يبتغي به وجه الله) وذلك لأنها نفقة في دنيا قد أذن الله بخرابها يزيد في زينتها التي هي فتنة وبلوى للعباد وعاقبتها أن يصير ما عليها صعيدا جرزا في خبر أن أبا الدرداء بنى كنيفا في منزله بحمص فكتب إليه عمر " لقد كان لك يا عويمر فيما بنت فارس والروم كفاية عن تزيين الدنيا وقد أذن الله بخرابها فإذا أتاك كتابي فارحل من حمص إلى دمشق فجعل ذلك عقوبة له "
(هب عن) أبي حمزة (إبراهيم مرسلا) وفيه علي بن الجعد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: متقن فيه تجهم وقيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر
_________
(1) [قوله " إلا في بناء إلا بناء مسجد ": أي لا يؤجر في نفقة البناء إلا إن كان مسجدا. دار الحديث]

(5/37)


6367 - (كل يمين يحلف بها دون الله شرك) قال ابن العربي: يريد به شرك الأعمال لا شرك الاعتقاد من قبيل قوله " من أبق من مولاه فقد كفر " وذلك لأن اليمين عقد القلب على فعل أو ترك أخبر به الحالف ثم أكده بمعظم عنده فحجر الشرع التعظيم على غير الله لأنه إنما يجب له
(ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو نعيم والديلمي

(5/37)


6368 - (كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلا يليق بمن أصله التراب الافتخار والتكبر والتجبر (لينتهين) اللام في جواب القسم أي والله لينتهين (قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن) عطف على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام هو واو الجمع المحذوف من ليكونن يعني والله إن أحد الأمرين واقع لا محالة إما الانتهاء أو كونهم (أهون على الله من الجعلان) دويبة سوداء قوتها الغائط فإن شمت ريحا طيبة ماتت فليحذر كل عاقل من الاتكال على شرف نفسه وفضيلة آبائه فإن ذلك يورث النقص والانحطاط عن معالمهم فنهايته الحسرة والندامة وغايته العداوة إذ كل يظهر مثالب الآخر ويثبت مفاخر نفسه فيؤدي لذلك فلا ينبغي لعاقل الإعجاب بنفسه {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
والناس يجمعهم في الأنساب. . . وإنما اختلفوا في الفضل شتاتا
وقيل:
إذا افتخرت بآباء مضوا سلفا. . . قالوا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقيل:
وليس فخار المرء إلا بنفسه. . . وإن عد آباء كراما ذوي نسب
وشرف النسب وإن كان له ثمرة فينبغي للمتصف به أن لا يعجب بنفسه ولا يفاخر بحسبه بل يهضم نفسه
(البزار) في مسنده (عن حذيفة) بن اليمان رمز المصنف لحسنه وليس كما ذكر فقد أعله الهيثمي بأن فيه الحسن بن الحسين المقري وهو ضعيف

(5/37)


6369 - (كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله) أي فارق الجماعة وخرج عن الطاعة التي يستوجب بها دخول الجنة (شراد البعير على أهله) شبهه به في قوة نفاره وحدة فراره لأن من ترك التسبب إلى شيء لا يوجد بغيره فقد أباه ونفر [ص:38] عنه والإباء شدة الامتناع وخص البعير لأنه أشد الحيوانات نفارا فإذا انفلت لا يكاد يلحق
(طس ك عن أبي هريرة) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد وهو ثقة

(5/37)


6370 - (كلكم راع) أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره من الرعاية وهي الحفظ يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان واليا ومن عدم الخيانة إن كان موليا عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة (فالإمام) أي الأعظم أو نائبه في رواية فالأمير (راع) فيمن ولي عليهم يقيم الحدود والأحكام على سنن الشرع ويحفظ الشرائع ويحمي البيضة ويجاهد العدو (وهو مسؤول عن رعيته) هل راعى حقوقهم أو لا (والرجل راع في أهله) زوجة وغيرها (وهو مسؤول عن رعيته) هل وفاهم حقوقهم من نحو نفقة وكسوة وحسن عشرة (والمرأة راعية في بيت زوجها) بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له والشفقة عليه والأمانة في ماله وحفظ عياله وأضيافه ونفسها (وهي مسؤولة عن رعيتها) هل قامت بما يجب عليها ونصحت في التدبير أو لا فإذا أدخل الرجل قوته بيته فالمرأة أمينة عليه وإن اختزنه دونها خرج عن أمانتها الخاصة وصارت هي وغيرها فيه سواء فإن سرقت من المخزن قطعت وفاقا للشافعي ومالك خلافا لأبي حنيفة في قوله: لا قطع بين الزوجين قال ابن العربي: كنت بالروضة المقدسة وعندنا عز الإسلام السميكاتي أحد أئمة الشافعية فتذاكرت معه المسألة وقلت الحنفية يقولون الزوجية توجب اتحادا في الأبدان تمنع من القطع كاتحاد الأبوة والبنوة فقال: هذا باطل إذ لو كان موجبا للاتحاد بينهما لأسقط القصاص فإذا كانت شبهة هذا الاتحاد لا تسقط العقوبة في محلها وهو البدن فأولى أن لا تسقط الواجب في غير محلها وهو المال وهو القطع بالسرقة (والخادم راع في مال سيده) بحفظه فعليه القيام بما يستحقه عليه من حسن خدمته ونصحه (وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه) بحفظه وتدبير مصلحته (وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع) بالفاء جواب شرط محذوف الفذلكة وهي التي يأتي بها المحاسب بعد التفصيل ويقول فلك كذا وكذا حفظا للحساب وتوقيا عن الزيادة والنقص (وكلكم مسؤول عن رعيته) عمم أولا ثم خصص ثانيا وقسم الخصوصية إلى جهة الرجل وجهة المرأة وجهة الخادم وجهة النسب ثم عم آخرا تأكيد البيان الحكم أولا وآخرا وفيه رد العجز على الصدر ذكره كله البيضاوي وقال الطيبي: كلكم راع تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي وكلكم مسؤول عن رعيته وفيه معنى التشبيه وهذا مطرد في التفصيل ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد وهذا القدر المشترك في التفصيل وأفاد أن الراعي غير مطلوب لذاته بل أقيم لحفظ ما استرعاه ويشمل المنفرد إذ يصدق عليه أنه راع في جوارحه بفعل المأمور وترك المنهي وفيه تكذيب لوضاع أموي افترى خبر إذا استرعى عبدا للخلافة كتب له الحسنات لا السيئات
(حم ق د ت عن ابن عمر)

(5/38)


6371 - (كلما طال عمر المسلم كان له خير) لأنه في الدنيا كتاجر سافر ليتجر فيربح فيعود لوطنه سالما غانما فرأس ماله عمره ونقده أنفاسه ومزاولة جوارحه وربحه العمل فكلما زاد رأس المال زاد الربح واستشكل بأنه قد يعمل السيئات [ص:39] فيزيد عمره شرا وأجيب بحمل المؤمن على الكامل وبأن المؤمن بصدد أن يفعل ما يكفر ذنوبه لمن تجنب الكبائر أو فعل الحسنات فيقاوم بتضعيفها سيئاته وما دام الإيمان باق فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير
(طب) من حديث شداد (عن عوف بن مالك) قال شداد: قال عوف يا طاعون خذني إليك فقالوا: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما إلخ. قال: بلى. رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: فيه النهاس بن فهم وهو ضعيف فرمز المصنف لحسنه فيه ما فيه

(5/38)


6372 - (كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم) قال الحكيم: كان هذا الدعاء عند أهل البيت معروفا مشهورا يسمونه دعاء الفرج فيتكلمون به في النوائب والشدائد متعارفا عندهم غياثه والفرج به
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في كتاب الفرج) بعد الشدة (عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه

(5/39)


6373 - (كلمات من ذكرهن مئة مرة دبر كل صلاة الله أكبر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا قوة إلا بالله لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن) كناية عبر بها عن الكثرة عرفا قال النووي: ومن قالهن أكثر من مئة مرة فله الأجر المذكور والزيادة عليه وليس ذا من التحديد المنهي عن مجاوزة أعداده كعدد الركعات
(حم عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه وليس بجيد فقد قال الهيثمي: فيه أبو كثير لم أعرفه وبقية رجاله حديثهم حسن

(5/39)


6374 - (كلمات من قالهن عند وفاته دخل الجنة لا إله إلا الله الحليم الكريم) يقولها (ثلاثا) من المرات (الحمد لله رب العالمين) يقولها (ثلاثا) من المرات (تبارك الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) ظاهر السياق أن هذه يقولها واحدة بخلاف الأولين وظاهره أن ذلك يكون آخر كلامه ويعارضه خبر من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة والقياس أنه يأتي بهذه الكلمات ثم يأتي بكلمة الشهادة
(ابن عساكر) في التاريخ (عن علي) أمير المؤمنين

(5/39)


7375 - (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس عند فراغه) أي عند انتهاء لفظ ذلك المجلس وإرادة القيام منه (ثلاث مرات إلا كفر) بالبناء المفعول (بهن عنه) ما وقع منه من اللغط في ذلك المجلس (ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم الله بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة) والكلمات المذكورة هي (سبحانك اللهم وبحمدك [ص:40] لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) فإن ذلك يجبر ما كان وقع في ذلك المجلس مما يوجب العقوبة من حصائد الألسنة والهفوات والسقطات
(د حب عن أبي هريرة)

(5/39)


6376 - (كلمتان) أراد بالكلمة الكلام من قبيل كلمة الشهادة وهو خبر وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله ونكتة تقديم الخبر تشويق السامع للمبتدأ (خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان) وصفها بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وإشارة إلى رشاقتهما قال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريها على اللسان بما خف على الحامل كنحو متاع فلا يثقله ففيه إشارة إلى أن التكاليف صعبة شاقة ثقيلة وهذه سهلة مع كونها تثقل في الميزان كثقل المشاق (حبيبتان) أي محبوبتان والمراد أن قائلها محبوب (إلى الرحمن) لتضمنها المدح بالصفات السلبية المدلول عليها بالتنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد وخص الرحمن من الأسماء الحسنى تنبيها على سعة الرحمة حيث يجازي على العمل القليل بثواب كثير جزيل (سبحان الله) أي تنزيهه عما لا يليق به (وبحمده) الواو للحال أي أسبحه متلبسا بحمدي له أو عاطفة أي أسبحه وأتلبس بحمده والحمد مضاف إلى الفاعل والمراد لازمه أو ما يوجبه (سبحان الله العظيم) وفيه جواز السجع إذا وقع بغير كلفة وحث على المواظبة على الكلمتين وتحريض على ملازمتهما وتعريض بأن جميع التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان ثقل غيرها من التكاليف فلا يليق تركها روي أن عيسى عليه السلام سئل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف قال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت عليكم فلا يحملنكم ثقلها على تركها فإن بذلك تثقل الموازين يوم القيامة والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت عليكم فلا يحملنكم على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة
(حم ق ت عن أبي هريرة) ورواه عنه النسائي في اليوم والليلة

(5/40)


6377 - (كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض لا إله إلا الله والله أكبر) والمراد إذا قال ذلك بإخلاص وصحة نية وحضور قلب
(طب) من حديث معاذ بن أبي عبد الله بن رافع (عن معاذ) ابن جبل قال معاذ بن عبد الله: كنت في مجلس فيه ابن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الرحمن بن أبي عمرة فقال ابن أبي عمرة: سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: معاذ بن عبد الله لم أعرفه وابن لهيعة فيه ضعف وبقية رجاله ثقات

(5/40)


6378 - (كلمتان قالهما فرعون ما علمت لكم من إله غيري إلى قوله أنا ربكم الأعلى فإن بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى)
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عباس)

(5/40)


6379 - (كلم موسى) بالبناء المفعول والفاعل الله أي كلم الله موسى (ببيت لحم) قرية من قرى بيت المقدس
(ابن عساكر) في تاريخه (عن أنس) بن مالك

(5/40)


[ص:41] 6380 - (كلم المجذوم) أي من أصابه الجذام (وبينك وبينه قيد) بكسر فسكون (رمح أو رمحين) لئلا يعرض لك جذام فتظن أنه أعداك مع أن ذلك لا يكون إلا بتقدير الله وهذا خطاب لمن ضعف يقينه ووقف نظره عند الأسباب وما رواه الخطيب عن أنس كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فأتاه مجذوم فأراد أن يدخل عليه فقال: يا أنس اثن البساط لا يطأ عليه بقدمه اه. فلعله كان بحضرة من قصر نظره ووقف عند السبب
(ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن عبد الله بن أبي أوفى) قال ابن حجر في الفتح: وسنده واه

(5/41)


6381 - (كل الثوم نيئا فلولا أني أناجي ربي لأكلته) الذي وقفت عليه لأبي نعيم كلوا الثوم وتداووا به فإن فيه شفاء من سبعين داء ولولا أن الملك يأتيني لأكلته بحروفه ثم إن هذا الحديث قد عورض بأحاديث النهي عن أكل الثوم وأجاب زين الحفاظ العراقي بأن هذا حديث لا يصح فلا يقاوم الصحيح وبأن الأمر بعد النهي للإباحة بدليل حديث أبي داود كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه
(حل وأبو بكر في الغيلانيات عن علي) أمير المؤمنين وفيه حبة العرني قال الذهبي في الضعفاء: شيعي غالي ضعفه الدارقطني وقال زين الحفاظ: ضعفه الجمهور

(5/41)


6382 - (كل) بلفظ الأمر جوازا (الجنين في بطن الناقة) التي ذكيت وخرج ولدها وليس فيه حياة مستقرة فإن ذكاتها ذكاته والناقة مثال فغيرها من كل مأكول كذلك
(خط عن جابر بن عبد الله)

(5/41)


6383 - (كل) معي أيها المجذوم (بسم الله ثقة بالله) أي كل معي أثق ثقة بالله (وتوكلا على الله) أي وأتوكل توكلا عليه فالفعل المقدر منصوب على الحال والثقة الاعتماد هذا درجة من قوي توكله واطمأنت نفسه على مشاركة الأسباب وليس من هذا القبيل من ضعف يقينه ووقف مع الأسباب فإن مباعدته للمجذوم واتقاءه إياه أولى فلا تناقض بين الأخبار كما زعمه بعض الضالين
(4) في الطب (حب ك) في الأطعمة (عن جابر) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها في قصعة ثم ذكره قال ابن حجر: حديث حسن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفيه نظر اه. وقال ابن الجوزي: تفرد به المفضل بن فضالة وليس بذلك ولا يتابع عليه إلا من طريق لين

(5/41)


6384 - (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) قاله لمن رقي معتوها في القيود بالفاتحة ثلاثا غدوة وعشية وجمع بزاقه فتفل فشفي فأعطوه جعلا فقال: لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
(حم د) في البيع والطب (ك) في فضائل القرآن (عن عم خارجة) بن الصلت قيل اسمه علاقة بن صخار وقيل عبد الله بن عبثر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضا النسائي في الطب

(5/41)


6385 - (كل ما أصميت) أي ما أسرعت إزهاق روحه من الصيد والإصماء أن تقتل الصيد مكانه (ودع ما أنميت) أي ما أصبته بنحو سهم أو كلب فمات وأنت تراه والإنماء أن يصيب إصابة غير قاتلة وخرج به ما لو أصابه فغاب ومات [ص:42] ولا يدري حاله فلا يأكله
(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه. قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن أظنه القرشي وهو متروك

(5/41)


6386 - (كل) من السمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء وإذا خرج منه كان عيشه عيش مذبوح (ما طفا) أي علا من طفا بغير همز يطفو إذا علا الماء ولم يرسب (على البحر) وهو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه فأفاد حل ميتة البحر سواء مات بالاصطياد أم بنفسه وهو قول الجمهور وعن الحنفية يكره وفرقوا بين ما لفظه فمات وما مات بغير آفة وتمسكوا بحديث ابن الزبير عن جابر: ما ألقاه البحر أو جزره فكلوه. وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه خرجه أبو داود مرفوعا ونوزع فيه بالضعف والانقطاع والقياس يقتضي الحل لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية فكذا لو مات فيه فيحل أكله وإن أنتن كما قاله النووي والنهي عن أكل اللحم إذا أنتن للتنزيه نعم إن خيف منه ضرر حرم
(ابن مردويه) في تفسيره (عن أنس) ويخالفه خبر أبي داود وابن ماجه: كلوا ما حسر عنه البحر وما قذف ودعوا ما طفا فوقه

(5/42)


6387 - (كل ما فرى الأوداج) جمع ودج بالتحريك وهو العرق الذي في الأخدع (ما لم يكن قرض) بضاد معجمة بخط المصنف (سن أو حز ظفر) قال ابن الأثير: الرواية كل أمر بالأكل وقد ردها أبو عبيدة وغيره وقالوا: إنما هو كل ما أفرى الأوداج أي كل شيء أفرى والفري القطع أما السن والظفر فلا يحل أكل ما ذبح بهما لأنهما لا يفريان ولا يقع بهما غالبا إلا الخنق الذي ليس هو على صورة الذبح وظاهر الحديث أنه لا فرق بين المتصل والمنفصل وهو مذهب الجمهور وخصه الحنفية بالمتصل وأحلوا الذبح بالمنفصل وفرقوا بأنه في المتصل في معنى الخنق وبالمنفصل في معنى الآلة المستقلة من خشب أو غيره
(طب عن أبي أمامة) قال الذهبي: إسناده ضعيف

(5/42)


6388 - (كل ما ردت عليك قوسك) قاله لمن قال: يا رسول الله أفتني في قوسي. قال ابن بطال: أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولو لم يعلم هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهوى أو من وقوعه على الأرض وأنه لو وقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل أو أن السهم إذا لم ينفذ في مقاتله لا يؤكل إلا إذا أدركت ذكاته
(حم عن عقبة بن عامر) الجهني. قال الهيثمي: وفيه راو لم يسم (وحذيفة) بن اليمان (حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص (هـ عن ثعلبة) جرثوم أو جرهم أو جرثم أو ناشب أو جرثومة أو عرنوف أو ناشر أو لاشن أو لاشر أو لاش أو لاشق والأشهر الأول وهو ابن عمرو أو ناسب أو ناسم أو ناسر أو لاسن أو ماسح أو لاسم أو جلهم أو حمير أو جرهم أو غير ذلك (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون نسبة إلى بني خشين بطن من النمر بن وبرة من قضاعة وكان إسلام أبي ثعلبة قبل خبير وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه فأسلموا وهذا الحديث رمز المصنف لحسنه. قال الحافظ ابن حجر: وفيه ابن لهيعة اه. وقضية صنيع المؤلف أن ابن ماجه قد تفرد بإخراجه من بين الستة وليس كذلك بل هو في أبي داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي ثعلبة قال: يا رسول الله أفتني في قوسي قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي. قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك وقوله يصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن

(5/42)


[ص:43] 6389 - (كل مع صاحب البلاء) كأجذم وأبرص (تواضعا لربك وإيمانا) فإنه لا يصيبك منه شيء إلا بتقدير الله تعالى وهذا خطاب لمن قوي يقينه أما من لم يصل إلى هذه الدرجة فمأمور بعدم أكله معه كما يفيده خبر: فر من المجذوم
(الطحاوي) في مسنده (عن أبي ذر)

(5/43)


6390 - (كلوا الزيت) زيت الزيتون (وادهنوا به) من ادهن رأسه على افتعل طلاه بالدهن وتولى ذلك بنفسه. قال الزين العراقي: والمراد بالادهان دهن الشعر به وقيده في رواية بدهن شعر الرأس وعادة العرب دهن شعورهم لئلا تشعث لكن لا يحمل الأمر به على الإكثار منه ولا على التقصير فيه بل بحيث لا تشعث رأسه فقط (فإنه) يخرج (من شجرة مباركة) لكثرة ما فيها من القوى النفاعة أو لأنها تنبت بالأرض المقدسة التي بورك فيها ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ما يخرج منها من الزيت
(ت) في الأطعمة (عن عمر) بن الخطاب (حم ت) في الأطعمة (ك) في التفسير (عن أبي أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين. قال الحافظ العراقي: كذا قيده الدارقطني والقول بأنه بالضم لا يصح. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن عبد البر: في سنده من الطريقين اضطراب

(5/43)


6391 - (كلوا الزيت وادهنوا به) قال بعضهم: مثال هذا الأمر للإباحة والندب لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه (فإنه طيب مبارك) أي كثير الخير والنفع والأمر فيه وفيما قبله إرشادي كما مر قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما في البلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيها خطر بالبصر
(هـ ك) من حديث عبد الله بن سعيد المقبري عن جده (عن أبي هريرة) وصححه فرده الذهبي بأن عبد الله واه وقال الزين العراقي بعد عزوه لابن ماجه وحده: فيه عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف

(5/43)


6392 - (كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء) الظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره يعني أدواء كثيرة (منها الجذام) ظاهر هذا الخبر وما قبله أن إساغة المائعات تسمى أكلا فإذن هو يشكل على قولهم في تعريف الأكل هو إيصال ما يتأتى فيه المضغ إلى الجوف ممضوغا كان أو غيره قال ابن الكمال: فإذن لا يكون اللبن والسويق مأكولا اه. فالحديث كما ترى صريح في رده
(أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن أبي هريرة)

(5/43)


6393 - (كلوا التين) في الموجز هو حار قليلا رطب كثير الماء جيد الغذاء سريع الانحدار واليابس حار لطيف أغذى من جميع الفواكه (فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين وإنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس) ويفتح السدد ويدر البول وينضج الدماميل ويحسن اللون ويلين ويبرد ويوافق الكلى والمثانة وعلى الريق يفتح مجاري الغذاء
(ابن السني وأبو نعيم) كلاهما في الطب (فر) كلهم من حديث يحيى بن أبي كثير عن الثقة (عن أبي ذر) والذي وقفت عليه لابن السني والديلمي ليس على هذا السياق بل سياقه بعد قوله هي التين وينفع من النقرس اه

(5/43)


[ص:44] 6394 - (كلوا التمر على الريق فإنه) مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ويغذي كثيرا و (يقتل الدود) فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية فإذا أديم استعماله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه وقتله
(أبو بكر في الغلانيات فر) وكذا ابن عدي كلهم (عن ابن عباس) وفيه أبو بكر الشافعي قال في الميزان: شيخ للحاكم متهم بالوضع وعصمة بن محمد قال في الضعفاء: تركوه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات

(5/44)


6395 - (كلوا البلح بالتمر) قال في المصباح: البلح تمر النخل ما دام أخضر فإذا أخذ في التلون فبسر فإذ تكامل لونه فهو الزهو قال ابن القيم: إنما أمر بأكله معه دون البسر لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب فكل يصلح للآخر والبسر والتمر حاران وإن كان التمر أشد حرارة والتمر حار في الثانية وهل هو رطب أو يابس؟ قولان وهو مقو للكبد ملين يزيد في الباه ويغذي. (كلوا الخلق بالجديد فإن الشيطان إذا رآه غضب وقال عاش ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد) وفي رواية الجديد بالخلق وقال في شرح الألفية: معناه ركيك لا ينطبق على محاسن الشريعة لأن الشيطان لا يغضب من حياة ابن آدم بل من حياته مسلما مطيعا لله ومن ثم اتفقوا على نكارته
(ن هـ ك) في الأطعمة (عن عائشة) قال الدارقطني: تفرد به يحيى بن محمد أبو زكير بن هشام قال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وقال ابن حبان: أبو زكير لا يحتج به يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل روي هذا الحديث ولا أصل له ومدار الحديث من جميع طرقه على أبي زكير وفيه أيضا محمد بن شداد قال الدارقطني: لا يكتب حديثه وتابعه نعيم بن حماد عن أبي زكير ونعيم غير ثقة وفي الميزان: هذا حديث منكر رواه الحاكم ولم يصححه مع تساهله في التصحيح اه. ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع والحاصل أن متنه منكر وفي سنده ضعفاء والمنكر من قبيل الضعف ففيه ضعف على ضعف إن سلم عدم وضعه

(5/44)


6396 - (كلوا جميعا) أي مجتمعين كما أمرتم بالصلاة كذلك (ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة) وهو محسوس لا سيما إذا كان المجتمعون على الطعام إخوانا على طاعته كما في المطامح قال ابن المنذر: يؤخذ منه استحباب الاجتماع على الطعام وأن لا يأكل المرء وحده وفيه إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت النعمة معها والبركة فتعم الحاضرين قال بعضهم: وفي الأكل مع الجماعة فوائد منها ائتلاف القلوب وكثرة الرزق والمدد وامتثال أمر الشارع لأنه تعالى أمرنا بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ولا يستقيم ذلك إلا بائتلاف القلوب ولا تألف إلا بالاجتماع على الطعام وشر الناس من أكل وحده ومنع رفده كما مر في حديث فمن فعل ذلك وأراد من الناس نصرته على إقامة الدين فقد أتى البيوت من غير أبوابها وربما خذلوه عنادا لبغضهم له إذ البخيل مبغوض ولو كثر تعبده والسخي محبوب ولو فاسقا كما هو مشاهد
(هـ) من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه (عن عمر) بن الخطاب رمز لحسنه وليس كما ظنه فقد ضعفه المنذري قال: فيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير واهي الحديث وقال ابن حجر: عمرو بن دينار هذا ضعفوه وهو غير عمرو بن دينار شيخ ابن عيينة ذاك وثقوه

(5/44)


6397 - (كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة [ص:45] والأربعة كلوا جميعا ولا تفرقوا) بحذف إحدى التاءين (فإن البركة في المجاعة) قال ابن حجر: يؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة ونقل إسحاق بن راهويه عن جبير أن معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين والذي يشبع الاثنين يكفي قوت أربعة وفيه أن لا ينبغي للمرء أن يحتقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية لا حقيقة الشبع
(العسكري في) كتاب (المواعظ عن عمر) بن الخطاب ورواه أيضا عنه الطبراني في الأوسط بدون قوله فإن البركة إلخ وضعفه المنذري

(5/44)


6398 - (كلوا لحوم الأضاحي) قال ابن العربي: لما كان إراقة دم الأضحية لله أذن في أكلها رحمة وقد كان القرابين لا تؤكل في سائر الشرائع فمن خصائص هذه الأمة أكل قرابينها (وادخروا) قاله لهم بعد ما نهاهم عن الادخار فوق ثلاث لجهد أصاب الناس ذلك العام فلم يضحي إلا بعضهم فحثهم على المواساة فلما زالت العلة ارتفع النهي عن الادخار فرخص لهم فيه فالأمر للإباحة لا للوجوب خلافا للظاهرية وأفهم اقتصاره عليها عدم جواز البيع واتفقوا عليه لكن اختلف في الجلد فجوز أبو حنيفة بيعه بما ينتفع به ومنعه الجمهور
(حم ك) في الأضحية (عن أبي سعيد) الخدري (وقتادة بن النعمان) قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي وقال زين الحفاظ: ودخل في عمومه المنفرد والآكل مع غيره وفيه احتمال للخطابي

(5/45)


6399 - (كلوا في القصعة من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها) بالتحريك وقد يسكن (فإن البركة تنزل في وسطها مع ما فيه من القناعة والبعد عن الشره والنهمة والأمر للإرشاد أو الندب بل قيل للوجوب قال زين الحفاظ العراقي: وجه النهي عن الأكل من الوسط أن وجه الطعام أفضله وأطيبه فإذا قصده بالأكل استأثر به على رفقته وهو ترك أدب وسوء عشرة فأما إذا أكل وحدة فلا حرج والمراد بالبركة هنا الإمداد من الله وقال ابن العربي: البركة في الطعام لمعان كثيرة فمنها استمراره وصونه عن مرور الأيدي عليه فتتقذره النفس وأن زبدة المرق في الوسط فإذا أخذ الطعام من الحواشي ينتثر عليه شيئا فشيئا وإن أخذه من أعلاه فما بعده دونه في الطيب اه. قال الزين: وشمل عموم الطعام الخبز فلا يأكل من وسط الرغيف كما في الإحياء بل يأكل من استدارته إلا إذا قل الخبز ويندب الأكل مما يلي الآكل ويكره مما يلي غيره قال في المطامح: وهل للآكل أن يدير الصفحة إذا وضعها ربها أم لا لأن مالكها أملك بوضعها؟ ذهب جماعة من المحدثين إلى الثاني
(حم هق عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه

(5/45)


6400 - (كلوا من حواليها) يعني القصعة التي فيها الطعام (وذروا ذروتها) أي اتركوا أعلاها ووسطها ندبا لا وجوبا وبين وجه ذلك بقوله (يبارك فيها) فإنكم إذا فعلتم ذلك يبارك فيها وليس المراد ترك الأكل من الأعلى والوسط بل إنه يبدأ بالأكل من حواليها حتى ينتهي إلى الوسط فيأكل ثم يلحسها فإنها تستغفر له كما يأتي في حديث زاد البيهقي: ثم قال: فوالذي نفسي بيده ليفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه بسم الله
(د هـ عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة ومهملة كان للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصعة يقال لها الغراء يجملها أربعة رجال فلما أصبحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعني وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله [ص:46] صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة قال: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال: كلوا فذكره قال في الرياض: إسناده حسن ورواه عنه أيضا البيهقي في السنن قال في المهذب: وإسناده صالح

(5/45)


6401 - (كلوا بسم الله) أي قائلين بسم الله (من حواليها وأعفوا رأسها) عن الأكل (فإن البركة تأتيها من فوقها) قال في المطامح: تحقيق هذه البركة وكيفية نزولها أمر إيماني لا يطلع على حقيقته وأخذ منه ابن العربي أن الآكل يأكل الرغيف على ثلاث وثلاثين لقمة ويستدير من الجوانب حتى ينتهي إلى الوسط كما يشير إليه قوله فإن البركة تأتيها من فوقها إلى هنا كلامه فأما ما ذكره من الأكل من حواليها فقد يسلم وأما هذا العدد فليس في الحديث دلالة عليه البتة
(هـ عن واثلة) بن الأسقع وفيه ابن لهيعة

(5/46)


6402 - (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف) أي مجاوزة حد (ولا مخيلة) كعظيمة بمعنى الخيلاء وهو التكبر وقيل بوزن مفعلة من اختال إذا تكبر أي بلا عجب ولا كبر {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} ولفظ رواية النسائي وابن ماجه " كلوا واشربوا وتصدقوا ما لم يخف إسراف ولا مخيلة " وهذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه والإسراف يضر بالجسد والمعيشة والخيلاء تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس وبالآخرة حيث تكسب الإثم
(حم ن هـ ك عن ابن عمرو) بن العاص وقال الحاكم: صحيح وهو عندهم من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال المنذري: ورواته إلى عمرو ثقات محتج بهم في الصحيح

(5/46)


6403 - (كلوا السفرجل فإنه يجلي عن الفؤاد ويذهب بطخاء الصدر) قال أبو عبيد: الطخاء ثقل وغشاء يقال ما في السماء طخاء أي سحاب وظلمة قال الزمخشري: عن جعفر بن محمد ريح الملائكة ريح الورد وريح الأنبياء ريح السفرجل وريح الآس ريح الحور
(ابن السني) أحمد بن محمد بن إسحاق (وأبو نعيم) في الطب (عن جابر) بن عبد الله

(5/46)


6404 - (كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر) أي غليه وحرارته والسفرجل بارد قابض جيد للمعدة والحلو منه أقل بردا ويبسا والحامض أشد يبسا وبردا وأكله يسكن الظمأ والقيء ويدر البول ويعقل البطن وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة ويمنع الغثيان وتصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام ويقوي المعدة والكبد ويشد القلب ويسكن النفس
(ابن السني وأبو نعيم) معا في الطب (فر عن أنس) وفيه محمد بن موسى الحوشي قال الذهبي: قال أبو داود: ضعيف عن عيسى بن شعيب قال ابن حبان: يستحق الترك

(5/46)


6405 - (كلوا السفرجل فإنه يجم الفؤاد) أي يريحه وقيل يفتحه ويوسعه من جمام الماء وهو اتساعه وكثرته (ويشجع القلب) أي يقويه (ويحسن الولد) قيل يجمعه على صلاحه ونشاطه قال الحرالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينبه على حكمة الله في الأشياء التي بها يتناول أو يجتنب عملا بقوله تعالى {يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} فكان يبين لهم حكمة الله في المتناول من مخلوقاته ومعرفة أخص منافعها مما خلقه ليكون غذاء في سعته أو ضرورة أو إداما أو فاكهة ودواء كذلك ومعرفة موازنة ما بين الانتفاع بالشيء ومضرته واستعماله على حكم الأغلب من منفعته [ص:47] واجتنابه على حكم الأغلب من مضرته
(فر عن عوف بن مالك) وفيه عبد الرحمن العرزمي أورده الذهبي في الضعفاء ونقل تضعيفه عن الدارقطني قال ابن الجوزي: ليس لخبر السفرجل مدار يرجع إليه وقال ابن القيم: روي في السفرجل أحاديث هذا منها ولا تصح

(5/46)


6406 - (كما تكونوا يولى عليكم) فإذا اتقيتم الله وخفتم عقابه ولى عليكم من يخافه فيكم وعكسه وفي بعض الكتب المنزلة أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رجمة وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم ومن دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا وروى الطبراني عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يدعو على الحجاج فقال: لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم فقد روي أعمالكم عمالكم وكما تكونوا يولى عليكم
(فر) وكذا القضاعي كلاهما من حديث يحيى بن هاشم عن يونس بن إسحاق عن أبيه عن جده (عن أبي بكرة) مرفوعا قال السخاوي: ورواية يحيى في عداد من يضع (هب) من جهة يحيى بن هشام عن يونس بن إسحاق (عن أبي إسحاق) عمر بن عبد الله (السبيعي مرسلا) بلفظ كما تكونون كذلك يؤمر عليكم ثم قال: هذا منقطع وراويه يحيى بن هشام ضعيف والسبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة وسكون المثناة تحت وعين مهملة نسبة إلى سبيع بطن من همدان وله طريق أخرى مسندة عند ابن جميع في معجمه والقضاعي من جهة أحمد بن عثمان الكرماني عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا قال ابن طاهر: والمبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالعمدة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة

(5/47)


6407 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار وهما طريقان فأيهما أخذتم أدركتم) إليه وفي رواية للعسكري وهما طريقان في أيهما سلكتم وردتم على أهله وفي رواية فأيهما أخذتم أدتكم إليه وهذا الحديث قد عده العسكري وغيره من الحكم والأمثال
(ابن عساكر) في تاريخه وكذا ابن منيع والعسكري (عن أبي ذر) وفيه مكبر بن عثمان التنوخي قال في الميزان عن ابن حبان: منكر الحديث جدا ثم ساق من مناكيره هذا الخبر

(5/47)


6408 - (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار فاسلكوا أي طريق شئتم فأي طريق سلكتم وردتم على أهله) فمن سلك طريق أهل الله ورد عليهم فصار من السعداء ومن سلك طريق الفجار ورد عليهم وكان منهم فصار من الأشقياء والإنسان مع من أحب ومن تشبه بقوم فهو منهم والعبد يبعث على ما مات عليه
(حل عن يزيد بن مرثد مرسلا)

(5/47)


6409 - (كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء) وفي رواية لأبي نعيم أيضا كما لا يضر مع الإيمان ذنب لا ينفع مع الشرك عمل انتهى. وأراد بالإيمان الحقيقي الكامل الذي يملأ القلب نورا فتستأنس النفس وتصير تحت سلطنته وقهره فهذا هو الذي لا يضر معه شيء من الأشياء إذ الإيمان كما في شرح الحكم قد يكون بالغيب وقد يكون عن كشف وشهود وهو الحقيقي
(خط عن عمر) بن الخطاب وفيه منذر بن زياد الطائي وعنه حجاج بن [ص:48] نصير ومنذر قال في الميزان عن الدارقطني: متروك الحديث وساق له ابن عدي مناكير منها هذا الخبر وقال الفلاس: كان كذابا وحجاج ضعفه ابن معين وغيره وقال البخاري: متروك (حل) من حديث يحيى بن اليمان عن سفيان عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه عن مسروق (عن ابن عمرو) بن العاص ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن إبراهيم تفرد به يحيى بن اليمان ويحيى بن اليمان ثقة من رجال مسلم لكنه فلج في آخر عمره فساء حفظه

(5/47)


6410 - (كما يضاعف لنا) معشر الأنبياء (الأجر) أي الثواب ورفع الدرجات (يضاعف علينا البلاء) وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما سبق ولذلك كان على المصطفى صلى الله عليه وسلم من التشديدات في التكليفات ما لم يكن على غيره وكان يوعك كما يوعك الرجلان
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه

(5/48)


6411 - (كما تدين تدان) أي كما تفعل تجازى بفعلك وكما تفعل يفعل معك سمى الفعل المبتدأ جزاء والجزاء هو الفعل الواقع بعده ثوابا كان أو عقابا للمشاكلة كما في {وجزاء سيئة سيئة مثلها} مع أن الجزاء المماثل مأذون فيه شرعا فيكون حسنا لا سيئا قال الميداني في ذلك: ويجوز إجراؤه على ظاهره أي كما تجازي أنت الناس على صنيعهم تجازى أنت على صنيعك والكاف في محل نصب للمصدر أي تدان دينا مثل دينك والقصاص إن لم يكن فيك أخذ من ذريتك ولهذا قال تعالى {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله} فاتق الله في أولاد غيرك يحفظك في ذريتك وييسر لهم ببركة تقواك ما تقر به عينك بعد موتك وإن لم تتق الله فيهم فأنت مؤاخذ بذلك في نفسك وذريتك وما فعلته كله يفعل بهم وهم وإن كانوا لم يفعلوا لكنهم تبعا لأولئك الأصول وناشئون عنهم {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}
(عد) من جهة مكرم بن عبد الله الجوزجاني عن محمد بن عبد الملك الأنصاري عن نافع (عن ابن عمر) ثم ضعفه بمحمد المذكور فعزو الحديث لمخرجه وحذفه من كلامه وتصريحه بتضعيفه غير صواب قال الزركشي: ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وفي الزهد عن أبي قلابة مرسلا بلفظ الذنب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت وكما تدين تدان وبه يتقوى وقال ابن حجر: له شاهد مرسل خرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة يرفعه قال: ورجاله ثقات ورواه أحمد في الزهد عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء فذكره

(5/48)


6412 - (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضى ما أقسم لأجله (منهم البراء بن مالك) أخو أنس لأبويه قال أنس: ثم إن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أقسمت على ربك عز وجل لأبرك فأقسم على ربك فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسمت يا براء على ربك قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا رواه أبو نعيم وغيره عن أنس
(ت والضياء) في المختارة (عن أنس) ورواه عنه أيضا الحاكم وصححه أبو نعيم

(5/48)


6413 - (كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم عمار بن ياسر) قال الزين العراقي: وقد قلت في ذلك: [ص:49]
لا تحسب الفخر في لبس وتدريع. . . ووصف حسن وزي غير مشروع
فرب أشعث ذي طمرين مدفوع. . . إن قال قولا تراه غير مسموع
لكنه عند رب الناس ذي قسم. . . بر إذا رام أمرا غير ممنوع
<تنبيه> قال ابن عربي: هؤلاء الذي أرادهم بهذا الحديث هم الرجال المسمون بالملامتية الذين حلوا من الولاية أقصى درجاتها وهذا ما يسمى مقام القرب اقتطعهم لله إليه وحبسهم في خيام الأعمال الظاهرة فلا يعرفون بخرق العوائد فلا يلفت إليهم بل هم غامضون في الناس مغمورون فيهم وقد قال بعضهم في صفتهم لما سئل عن قولهم: العارف مسود الوجه في الدنيا والآخرة أي مستغرقا لأوقاته كلها في تجليات الحق له فلا يرى نفسه ولا مقامه كونا من الأكوان والأكوان في نور الحق ظلمة فلا يشهد إلا سواد الدوام التجلي عليه فهو مع الحق في الدارين أو المراد بالتسويد السيادة وبالوجه حقيقة الإنسان أي له السيادة في الدارين واعلم أن الظهور للرسل كمال وللأولياء نقص لأن الرسل مضطرون إليه لأجل التشريع بخلاف الأولياء فإن الله أكمل لهم الدين فكمال حالهم ستر مرتبتهم عن نفوسهم فضلا عن غيرهم فمن منازل صونهم أداء الفريضة مع الجماعة ولا يتوطن مكانا في المسجد وإذا كلمه الناس كلمهم ورأى الحق عليه رقيبا في كلامه وإذا سمع كلامهم سمع كذلك ويقلل مجالسة الناس حتى جيرانه لئلا يشعر به ويقضي حاجة الصغير والأرملة ويلاعب أولاده وأهله بما يرضي الله ويمزج ولا يقول إلا حقا وإن عرف في موضع انتقل إلى غيره فإن لم تمكنه النقلة استقضى من يعرفه وألح عليه في حوائجه حتى ينفي عنه وإن كان عنده مقام التحول في الصورة تحول كما كان قضيب البان وهذا كله حيث لم يرد الحق إظهاره
(ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) ورواه أيضا الطبراني في الأوسط عنها باللفظ المزبور فما أوهمه صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز غير جيد قال الهيثمي: وسنده ضعيف لكنه يجبر بتعدده فقد رواه الرافعي في أماليه أيضا

(5/48)


6414 - (كم من عذق) بكسر العين المهملة غصن من نخلة وأما بفتحها فالنخلة بكمالها وليس مرادا هنا (معلق لأبي الدحداح) بدالين وحاءين مهملات ولا يعرف اسمه (في الجنة) جزاء له على جبره لخاطر اليتيم الذي خاصمه أبو لبانة في نخلة فبكى فاشتراها أبو الدحداح من أبي لبابة بحديقة فأعطاها اليتيم فبإشارة الباقي على الفاني جوزى بتكثير النخل في الجنة فوق ما لأمثاله والجزاء من جنس العمل
(حم م د ت عن جابر بن سمرة) ورواه عنه الطيالسي أيضا

(5/49)


6415 - (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه) فيه تأكيد عظيم لرعاية حق الجار والحث على مؤاساته وإن جار وذلك سبب للائتلاف والاتصال فإن أهان كل أحد جاره انعكس الحال
(خد عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي والأصفهاني وضعفه المنذري

(5/49)


6416 - (كم من عاقل عقل عن الله أمره وهو حقير عند الناس ذميم المنظر) ينجو إذا وقف على معرفة نفسه واشتغل بالعلم بحقائقه من حيث هو إنسان فلم ير فرقا بينه وبين العالم الأكبر ورأى أنه مطيع لله ساجد له قائم بما تعين عليه من عبادة خالقه فطلب الحقيقة التي يجتمع فيها مع العالم فلم يجد إلا الإمكان والافتقار والذلة والخضوع والمسكنة [ص:50] ثم رأى أن العالم فطر على عبادة ربه فافتقر هذا العاقل إلى من يرشده وينزله الطريق المقربة إلى سعادته لما سمع قوله سبحانه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فعبده بالافتقار إليه كما عبده سائر العالم ثم رأى أن الله قد حد له حدودا ونهاه عن تعديها وأن يأتي من أمره بما استطاع فتعين عليه العلم بما شرعه الله يقيم عبادته الفرعية كما أقام الأصلية فعلمها فإذا علم أمر ربه ونهيه ووفى حقه وحق عبوديته فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه فهو من الناجين الفرجين يوم القيامة (وكم من ظريف اللسان جميل المنظر عظيم الشأن هالك غدا في القيامة) لسوء عمله وكآبة منقلبه وقبح سيرته وسوء سريرته إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم فالقلب هو محل نظر الحق فلا عبرة بحسن الظاهر وزخرف اللسان مع خبث الجنان
(هب) من حديث نهشل بن سعيد عن عبادة بن كثير عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي: تفرد به نهشل بن عباد اه. ونهشل هذا قال الذهبي: قال ابن راهويه: كان كذابا وعباد بن كثير قال البخاري: تركوه وعبد الله بن دينار قال الذهبي: ليس بالقوي

(5/49)


6417 - (كم ممن) وفي رواية من (أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد وكم ممن قد مات على فراشه وحتف أنفه عند الله صديق شهيد) قال في الفردوس: قال أبو عبيد: يقال مات فلان حتف أنفه إذا مات على فراشه وقال غيره: قيل له ذلك لأن نفسه تخرج بتنفسه من فيه وأنفه وغلب أحد الاسمين على الآخر لتجاورهما وأصل هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السهم فذكره وعلى ذلك ترجم البخاري باب لا يقال فلان شهيد أي على سبيل القطع والجزم إلا أن يكون بالوحي فالمقصود بالحديث النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال
(حل) من حديث عبد الله بن خبيق عن يوسف بن أسباط عن حماد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت (عن أبي ذر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعدون الشهيد فيكم قالوا: من أصابه السلاح فذكره ثم قال أبو نعيم: غريب بهذا الإسناد واللفظ لم نكتبه إلا من حديث يوسف اه ويوسف بن أسباط أورده الذهبي في الضعفاء وقال: وثقه يحيى وقال أبو حاتم: لا يحتج به وقال ابن حجر: في إسناده نظر فإنه من رواية عبد الله بن خبيق بمعجمة ثم موحدة وقاف مصغرا عن يوسف بن أسباط الزاهد

(5/50)


6418 - (كم من حوراء عيناء) أي واسعة العين بيضاء أعدت لرجل في الجنة (وما كان مهرها) في الدنيا (إلا) شيئا قليلا مثل (قبضة) قبضها (من حنطة أو مثلها من تمر) وناولها لمسكين قاصدا بها وجه الله تعالى فيثيبه بها زوجة في الجنة من الحور العين وتتعدد الزوجات بتعدد القبضات سبحان الكريم ما أوسع عطاءه
(عق) عن أحمد بن محمد النصيبي عن هشام بن عبد الملك عن عقبة بن السكن الفزاري عن أبان بن المجبر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال ابن حبان: باطل وأبان متروك وقال مخرجه العقيلي: لا يتابعه عليه إلا من هو مثله أو دونه وفي الميزان عن ابن حبان: حديث باطل وقال الأزدي: أبان متروك الحديث وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصرها فلم يتعقبه

(5/50)


6419 - (كم من مستقبل يوما لا يستكمله غدا ومنتظر غدا لا يدركه) بين به أن على العاقل أن يروض نفسه ويكشف لها حالة [ص:51] الأجل ويصرفها عن غرور الأمل حتى لا يطول الأمل أجلا قصيرا ولا ينسيه موتا ولا نشورا والليل والنهار يتراكضان تراكض البريد يقربان كل بعيد ويخلقان كل جديد قال رجل لزاهد في البصرة: ألك حاجة ببغداد قال: ما أحب أن أشط أملي بمن يذهب لبغداد ويجيء أما سمعت قول عيسى عليه السلام الدنيا ثلاثة أيام أمس مضى ما بيدك منه وغدا لا تدري أتدركه أم لا ويوم أنت فيه فاغتنمه وقال إمام الحرمين: الدنيا ثلاثة أنفاس نفس مضى عملت فيه ما عملت ونفس أنت فيه ونفس لا تدري أتدركه أم لا إذ كم من تنفس نفسا ففاجأه الموت قبل النفس الآخر فلست تملك إلا نفسا واحدا لا يوما ولا ساعة فبادر في هذا النفس إلى الطاعة قبل الفوت وإلى التوبة قبل الموت ولا تهتم بالرزق فلعلك لا تبقى حتى تحتاج إليه فيكون وقتك ضائعا والهم فاضلا
(فر عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه عون بن عبد الله أورده في اللسان ونقل عن الدارقطني ما يفيد تضعيفه

(5/50)


6420 - (كمل) بتثليث الميم لكن الكسر ضعيف والكمال المتناهي والتمام (من الرجال كثير) لأن كمال المرء في سبعة العلم والحق والعدل والصواب الصدق والأدب والكمال في هذه الخصال موجود في كثير من الرجال بفضل العقول وتفاوتها لأن المعرفة تبع للعقل والنساء ناقصات عقل فعقلهن على النصف من الرجال ولهذا عدلت شهادة اثنتين رجلا (ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا آسية) بنت مزاحم قيل من العمالقة وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى وقيل عمة موسى وقيل بنت عمة فرعون (امرأة فرعون) أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى (ومريم بنت عمران) أم عيسى فإنهما برزتا على الرجال لما أعطيتا من سلوك السبيل إلى الله ثم الوصول إليه ثم الاتصال به والمراد بالكمال هنا التناهي في الفضائل والبر والتقوى وحسن الخصال وتمسك به من زعم نبوة مريم وآسية لأن كمال البشر إنما هو في مقام النبوة وارد بأن الكمال في شيء ما يكون حصوله للكامل أوفى من غيره والنبوة ليست أولى للنساء لبنائها على الظهور للدعوة وحالهن الاستنكار والكمال في حقهن الصديقية ثم الظاهر أنهما خير نساء عصرهما والتفضيل بينهما مسكوت عنه وعلم من دليل منفصل أن مريم أفضل وزادت عليهما فاطمة بزيادة كمال من كمال أبويها (وأن فضل عائشة) بنت أبي بكر الصديق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) لا تصريح فيه بأفضلية عائشة على غيرها لأن فضل الثريد على غيره إنما هو لسهولة مساغه وتيسر تناوله وكان يومئذ جل طعامهم
<تنبيه> قال ابن عربي: كمال الوجود وجود النقص فيه إذ لو لم يكن كان كمال الوجود ناقصا لعدم لنقص فيه قال تعالى {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} فما نقصه شيئا حتى النقص أعطاه فهذا كمال العلم ولله كمال يليق به وللإنسان كمال يليق به ومن نقص من الناس عن هذا الكمال فذلك النقص الذي في العالم لأن الإنسان من جملة العالم وما كل إنسان يقبل الكمال وما عداه فكامل في مرتبته لا ينقص شيء بنص القرآن فما ظهر في العالم نقص إلا في الإنسان لأنه مجموع حقائق العالم وهو المختصر الوجيز منه
(حم ق ت عن أبي موسى) الأشعري رواه عنه النسائي أيضا

(5/51)


6421 - (كن في الدنيا كأنك غريب) أي عش بباطنك عيش الغريب عن وطنه بخروجك عن أوطان عاداتها ومألوفاتها بالزهد في الدنيا والتزود منها للآخرة فإنها الوطن أي أن الآخرة هي دار القرار كما أن الغريب حيث حل نازع لوطنه ومهما نال من الطرف أعدها لوطنه وكلما قرب مرحلة سره وإن تعوق ساعة ساءه فلا يتخذ في سفره المساكن [ص:52] والأصدقاء بل يجتزئ بالقليل قدر ما يقطع به مساقة عبوره لأن الإنسان إنما أوجد ليمتحن بالطاعة فيثاب أو بالإثم فيعاقب {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} فهو كعبد أرسله سيده في حاجة فهو إما غريب أو عابر سبيل فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه وهذا أصل عظيم في قصر الأمل وأن لا يتخذ الدنيا وطنا وسكنا بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بد له من مركب وزاد ورفقاء وطريق يسلكها فالمركب نفسه ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للراكب والزاد التقوى والرفقاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصراط المستقيم وإذا سلك الطريق لم يزل خائفا من القطاع إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع (أو عابر سبيل) قال الطيبي: الأحسن جعل أو بمعنى بل شبه الناسك السالك بغريب لا مسكن له يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن بلد الغربة وابن السبيل بينه وبين مقصده أودية رديئة ومفارز مهلكة وقطاع وشأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة قال بعض العارفين: الأرواح خلقت قبل الأجساد ثم أفيضت من عالمها العلوي النوراني فأودعت هذا الجسد الترابي الظلماني فاجتمعا اجتماع غربة كل منهما يشير إلى وطنه ويطير إلى مسكنه فالبدن أخلد إلى الأرض والروح بدون السمو لم ترض
راحت مشرقة ورحت مغربا. . . شتان بين مشرق ومغرب
(خ) في الرقاق (عن ابن عمر) بن الخطاب (زاد حم د ت هـ وعد نفسك من أهل القبور) أي استمر سائرا ولا تفتر فإن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية فلا تتنافس في عمارة الدور فعل المستوطن المغرور فيأتيك الموت من غير استعداد وتقدم على سفر الآخرة بغير زاد رواه العسكري وزاد: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فإنه لا تدري ما اسمك غدا قالوا: وذا من جوامع الكلم

(5/51)


6422 - (كن ورعا تكن أعبد الناس) أي داوم عليه في جميع الحالات حتى يصير طبعا لك فتكون أعبد الناس لدوام مراقبتك واشتغالك بأفضل العبادات بظاهرك وباطنك بإيثار حقك على حظك وهذا كمال العبودية ولهذا قال الحسن: ملاك الدين الورع وقد رجع ابن المبارك من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها وأبو يزيد إلى همدان لرد نملة وجدها في قرطم اشتراه وقال: غريبة عن وطنها وابن أدهم من القدس للبصرة لرد تمرة فانظر إلى قوة ورع هؤلاء وتشبه بهم إن أردت السعادة (وكن قنعا تكن أشكر الناس) لأن العبد إذا قنع بما أعطاه الله رضي بما قسم له وإذا رضي شكر فزاده الله من فضله جزاء لشكره وكلما زاد شكرا ازداد فضلا {لئن شكرتم لأزيدنكم} (وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان لإعراضك عن هواك وإن لم تحب لهم ما تحب لنفسك فأنت مؤمنا ناقص الإيمان لمتابعتك هواك (وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) أي كامل الإسلام فإن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه (وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) وفي رواية البيهقي بدله فإن في كثرة الضحك فساد لقلب وإذا فسد القلب فسد الجسد كله. <تنبيه> الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا وللقلب حياة وموت فحياته بدوام الطاعة وموته بإجابة غير الله من النفس والهوى والشيطان بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة بنص الخبر أوحى الله إلى داود ومن عصاني فقد مات ومن أسباب موت [ص:53] القلب الأشر والبطر والفرح وإذا مات لم يستجب له الله إذا دعاه
<تنبيه> المأمور بالكف عن كثرة الضحك إنما هو أمثالنا أما من ذاق مشرب القوم من الأحباب فليس مرادا بهذا الخطاب قال بعض العارفين: جلس ذو النون للوعظ والناس حوله يبكون وشاب يضحك فزجره فأنشأ يقول:
كلهم يعبدون الله من خوف النار. . . ويرون النجاة حظا جزيلا
ليس لي في الجنان والنار رأي. . . أنا لا أبتغي بحبي بديلا
فقيل له: فإن طردك فما تفعل؟ قال:
فإذا لم أجد من الحب وصلا. . . رمت في النار منزلا ومقيلا
ثم أزعجت أهلها ببكائي. . . بكرة في ضريعها وأصيلا
معشر المشركين نوحوا علي. . . أنا عبد أحببت مولى جليلا
لم أكن في الذي ادعيت صدوقا. . . فجزائي منه العذاب الوبيلا
وقال ابن عربي: خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها وجمالها كأن عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني
(هب) من حديث أبي رجاء وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) قال العلائي: وأبو رجاء متكلم فيه وأقول: فيه أيضا يزيد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يرى بالقدر وبه يعرف أن العامري لم يصب في زعمه لصحته

(5/52)


6423 - (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) بأن جعله الله حقيقة تقصر عقولنا عن معرفتها وأفاض عليها وصف النبوة من ذلك الوقت ثم لما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر بكليته جسما وروحا وأما قول الحجة المراد بالخلق التقدير لا الإيجاد فإنه قبل ولادته لم يكن موجودا فتعقبه السبكي بأنه لو كان كذلك لم يختص
(ابن سعد) في الطبقات (عن قتادة مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسندا لأحد وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال والديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ثم إن فيه بقية وقد مر الكلام فيه وسعيد بن بشير ضعفه ابن معين وغيره

(5/53)


6424 - (كنت نبيا) لم يقل كنت إنسانا ولا كنت موجودا إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر بذاته جسما وروحا فكان الحكم له باطنا أوفى كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان الشرع واحدا (وآدم بين الروح والجسد) يعني أنه تعالى أخبره بمرتبته وهو روح قبل إيجاد الأجسام الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ذكره ابن عربي ومنه أخذ بعضهم قوله لما أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد أول من قال بلى ولهذا صار متقدما على الأنبياء وهو آخر من يبعث فإن قيل حقيقة آدم في هذا الهيكل المخلوق من طين المنفوخ فيه الروح فمجموع الروح والجسد [ص:54] هو المسمى بآدم فما معنى وآدم بين الروح والجسد؟ فالجواب أنه مجاز عما قبل تمام خلقته قريبا منه كما يقال فلان بين الصحة والمرض أي حالة تقرب من كل منهما قال السخاوي: وما اشتهر على الألسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فلم أقف عليه
(ابن سعد) في الطبقات (حل عن ميسرة الفجر) له صحبة من أعراب البصرة (ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء طب عن ابن عباس) قال: قيل يا رسول الله متى كنت نبيا فذكره قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد وفيه قيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الترمذي في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري ولم يعرفه قال أبو عيسى: وهو غريب وأخرجه البخاري في تاريخه وأحمد بن السكن والبغوي عن ميسرة أيضا وأخرجه عنه الحاكم بلفظ قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا قال: وآدم بين الروح والجسد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأخرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور عنه قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح

(5/53)


6425 - (كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط) فإنهما كانا أشد الناس إيذاء وظلما له وقد بلغ من إيذائهما ما حكاه بقوله (إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى) كالغائط والدم (فيطرحونه على بابي) تناهيا في إيصال الأذية مبالغة في إضرار تلك النفس الطاهرة الزكية لما أراد الله وقدر في الأزل من تضاعف العقاب على تلك النفوس الشقية وقصة أبي جهل في وضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد مشهورة وفي ذلك إرشاد إلى ندب تحمل الأذى من الجار وأن من صبر فله عقبى الدار
(ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة)

(5/54)


6426 - (كنت من أفل الناس في الجماع حتى أنزل الله علي الكفيت) بفتح الكاف وسكون الفاء وفتح الياء بضبط المصنف كذا رأيته بخطه في نسخته (فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم) هذا صريح في رد ما قيل إن معنى الكفيت في خبر ورزقت الكفيت ما أكفت به معيشتي أي أضم وأصلح قال ابن سيد الناس: وكثرة الجماع محمودة عند العرب إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمدح به سيرة مرضية
(ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن إبراهيم مرسلا) وهو الزهري (وعن صالح بن كيسان مرسلا) رأى ابن عمر وسمع عروة والزهري قال الذهبي: كان جامعا بين الفقه والحديث والمروءة وغير ذلك

(5/54)


6427 - (كنت نهيتكم عن الأشربة) جمع شراب وهو كل مائع رقيق يشرب ولا يتأتى فيه المضغ حلالا أو حراما قاله ابن الكمال (إلا في ظروف الأدم) فإنها جلد رقيق لا تجعل الماء حارا فلا يصير مسكرا وأما الآن فاشربوا في كل وعاء ولو غير أدم (غير أن لا تشربوا مسكرا) فإن زمن الجاهلية قد بعد واشتهر التحريم وتقرر في النفوس فينسخ ما كان قبل ذلك من تحريم الانتباذ في تلك الأوعية خوفا من مصيره مسكرا فلما تقرر الأمر أبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط عدم الإسكار
(م عن بريدة) بن الحصيب كزبيب وفي رواية له عنه أيضا نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل [ص:55] شيئا ولا تحرمه وكل مسكر حرام

(5/54)


6428 - (كنت نهيتكم عن الأوعية) أي عن الانتباذ في الظروف (فانبذوا) في أي وعاء كان ولو أخضر وأبيض لعموم الخبر خلافا لبعض المتقدمين (واجتنبوا كل مسكر) أي ما من شأنه الإسكار أي من أي شراب كان وهذا نسخ صريح لنهيه عن النبذ في المزفت والنقير وبه أخذ الحبر
(هـ) عن بريدة ورواه عنه أيضا ابن جرير وغيره

(5/55)


6429 - (كنت نهيتكم) نهي تنزيه أو تحريم (عن لحوم الأضاحي) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها (فوق ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر وأوجبت عليكم التصديق بها عند مضي الثلاث وإنما نهيتكم عن ذلك (ليتسع ذوو الطول) أي ليوسع أصحاب الغنى (على من لا طول له) أي على الفقراء (فكلوا ما بدا لكم) أي مدة بدو الأكل لكم ولو فوق ثلاث (وأطعموا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح الآن الادخار فوق ثلاث والأكل متى شاء مطلقا قال القرطبي: وهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم يبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض قال النووي: وهذا من نسخ السنة بالسنة قال ابن العربي: هذا من ناسخ الحديث ومنسوخه وهو باب عسر أعسر من القرن وقد كان أكلها مباحا ثم حرم ثم أبيح ففيه رد على المعتزلة الذي يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر قالوا: ومحل جواز الأكل في التطوع لا المنذور
(هـ عن بريدة) وفي الباب عن علي وغيره

(5/55)


6430 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى (فزوروا القبور) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر أو تقبيل أو سجود عليه أو نحو ذلك فإنه كما قال السبكي بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال (فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة) ونعم الدواء لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه فإن انتفع بالإكثار منها فذاك وإلا أكثر من مشاهدة المحتضرين فليس الخبر كالعيان قال القاضي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بتكاثر الأموال فعل الجاهلية وأما الآن فقد جاء الإسلام وهدم قواعد الشرك فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر المموت والبلى قال ابن تيمية: قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي وعلله بأنها تذكر الموت والدار الآخرة وأذن إذنا عاما في زيارة قبر المسلم والكافر والسبب الذي ورد عليه لفظ الخبر يوجب دخول الكافر والعلة موجودة في ذلك كله وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والاستغفار لهم فهذا المعنى يختص بالمسلمين انتهى
(هـ عن ابن مسعود) قال المنذري: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذه الأحاديث لم يخرج منها شيء في أحد الصحيحين وليس كذلك بل جمع مسلم غالبها في حديث واحد وهو نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وعن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا انتهى. وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بنحوه

(5/55)


[ص:56] 6431 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا) بالضم أي قبيحا أو فحشا وقد أهجر في منطقة أفحش وأكثر الكلام فيما لا ينبغي وقوله نهيتكم خطاب رجال فلا يدخل فيه الإناث على المختار عند أصحابنا فلا يندب لهن لكن يجوز مع الكراهة ثم الزيارة بمجرد هذا القصد يستومي فيها القبور كما سبق قال السبكي: متى كانت الزيادة بهذا القصد لا يشرع فيها قصد قبر بعينه ولا تشد الرحال لها وعليه يحمل ما في شرح مسلم من منع شد الرجال لزيارة القبور وكذا بقصد التبرك إلا الأنبياء فقط وقال بعضهم: استدل به على حل زيارة القبور هب الزائر ذكرا أم أنثى والمزور مسلما أم كافرا قال النووي: بالجواز قطع الجمهور وقال صاحب الحاوي: ولا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط انتهى. وحجة الماوردي آية {ولا تقم على قبره} وفيه نظر انتهى
(ك) في الجنائز (عن أنس) قال ابن حجر: سنده ضعيف

(5/56)


6432 - (كنس المساجد مهور الحور العين) بمعنى أن له بكل كنسة يكنسها لمسجد من المساجد حوراء في الجنة ويظهر أن ذلك إذا فعله محتسبا لا بأجرة كما هو المتعارف الآن
(ابن الجوزي) في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية من حديث عبد الواحد بن زيد عن الحسن (عن أنس) بن مالك وأورده أيضا بسنده في الموضوعات وحكم بوضعه وقال: فيه مجاهيل وعبد الواحد بن زيد متروك انتهى وروى نحوه الديلمي والطبراني

(5/56)


6433 - (كونوا في الدنيا أضيافا) يعني بمنزلة الضيف ودار ضيافتكم الإسلام والضيف ينزل حيث ينزله المضيف ويأكل ما قدم له ولا يتحكم فإنه لا بد من الارتحال وسائر ما تراه في هذه الدنيا خيال ومن لا يعرف مرتبة الخيال فلا عنده من المعرفة رائحة بحال وقد قال عليه الصلاة والسلام الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فنبه به على أن ما أدرك في هذه الدار كإدراك النائم في النوم وهو خيال فبالموت يرى أنه استيقظ وهكذا كل حال يكون فيه لا بد لك من الانتقال عنه كالضيف لا بد له من الانتقال (واتخذوا المساجد بيوتا) يعني لدينكم إليها تأوون وإلى ذكر الله فيها تسكنون ولطاعته فيها تأنسون ولدينكم بكثرة المقام فيها تحصنون كبيوت الدنيا لأسباب دنياكم ولأنس أهليكم وتحصين أموالكم واتخذوها لمعاشكم وفكاهتكم وخصوماتكم فإنها لم تبن لذلك كما في الخبر المار (وعودوا قلوبكم الرقة) أي عند ذكر الله ووعده ووعيده ورقتها بدوام الفكر في الذكر ونسيان ذكر الخالق بإيثار ذكر الحق ويحتمل أن المراد تعويد القلب الرقة على الإخوان وإصفائها بذكر الله (وأكثروا التفكر والبكاء) يعني التفكر في عظمة الله وقوة بطشه فيكثر البكاء والحذر يمتنع من متابعة هواه كما قال (ولا تختلفن) في رواية لئلا تختلفن (بكم الأهواء) أما أهواء الدنيا فتقطع عن الاستعداد للآخرة وأما أهواء البدع في الدين فتقطع عن المولى (تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون) وهذا الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعهم عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج عن ملك الحيوان
(الحسن بن سفيان حل) وكذا الديلمي (عن الحكم بن عمير) وفيه عندهم جميعا بقية وموسى بن حبيب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم

(5/56)


[ص:57] 6434 - (كونوا للعلم رعاة) كذا هو في الفردوس وغيره بالراء وفي نسخ بالواو فليحرر (ولا تكونوا له رواة) تمامه عند مخرجه أبي نعيم فقد يرعوي من لا يروى وقد يروى من لا يرعوي إنكم لم تكونوا عالمين حتى تكونوا بما علمتم عاملين اه بلفظه. فاقتصار المصنف على هذه القطعة وحذف ما عداها من سوء التصرف وإن كان جائزا. قال في شرح الحكم: علم الهداية يحصل به المقصود من أوله وهلة وعلم الرواية لا تحصل به الهداية إلا بشرط وتدرج. وعلم الهداية تسبقه الخشية للقلب فتسكنه الهيبة والحياء والأنس وقال الماوردي: ربما عنى المتعلم بالحفظ من غير تصور ولا فهم حتى يصير حافظا لألفاظ المعاني وهو لا يتصورها ولا يفهم ما تضمنها يروي بغير روية ويخير عن غير خبرة فهو كالكتاب الذي لا يدفع شبهة ولا يؤدي حجة
(حل عن ابن مسعود) من رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ابن مسعود

(5/57)


6435 - (كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل) لأن اللسان ترجمان القلب يؤدي إليه القلب علم ما فيه فيعبر عنه اللسان فيرمي به إلى الأسماع فيولج القلب إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكلام ابن آدم على ضروب منها ما يخلص للآخرة فذلك محبوب مطلوب متوعد عليه خير. ومنها ما يخلص للدنيا ولا نصيب للآخرة فيه وذلك مرغوب عنه متوعد عليه ومنها ما لا بد لهم منه في معاشهم كأخذ وعطاء فذلك مأذون فيه والحساب من ورائه ومن ثم قال بعض السلف: ما تكلمت بكلمة منذ عشرين سنة لم أتدبرها قبل التكلم بها إلا ندمت عليها إلا ذكر الله وهذا الحديث مقتبس من قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية. قال: كلام يكون بخير فهو له وفيه ثواب وشر فهو عليه وفيه عقاب ولغو وعله حسابه وعقابه فلا يضيع نعمة نطقه فيما لا حاجة إليه وربما جر كثرة الكلام المباح إلى الحرام
(ت هـ ك هب عن أم حبيبة) قال الترمذي: غريب

(5/57)


6436 - (كلام أهل السماوات) من الملائكة (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي أن ذلك أكثر كلامهم
(خط) في ترجمة خلف الموازيني (عن أنس) وفيه أحمد بن محمد بن عمران. قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف معروف وداود بن صفير قال الدارقطني وغيره: منكر الحديث وابن عدي: غاليا في التشيع ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح

(5/57)


6437 - (كلامي لا ينسخ كلام الله وكلام الله ينسخ كلامي وكلام الله ينسخ بعضه بعضا) وهذا من خصائص هذه الشريعة وهذا النبي صلى الله عليه وسلم. قال الجلال: من خصائصه أن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ ثم هذا الحديث احتج به من منع نسخ الكتاب بالسنة وذهب الأكثر إلى جوازه لأن السنة مما أتى به الله قالوا: والخبر منكر
(عد قط عن جابر) قال الذهبي: فيه جيرون بن واقد الإفريقي متهم فإنه روى بقلة حيائه هذا الحديث اه. وقال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه جيرون غير ثقة وعنه داود بن محمد القنطري أتى بحديثين باطلين قاله الذهبي وقال ابن الجوزي في العلل: قال ابن عدي هذا حديث منكر وفي الميزان تفرد به القنطري وهو موضوع وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذف ما أعله به غير مرضي

(5/57)


[ص:58] 6438 - (كيف أنتم) أي كيف الحال بكم فهو سؤال عن الحال وعامله محذوف أي كيف تصنعون فلما حذف الفعل أبرز الفاعل (إذا كنتم من دينكم في مثل القمر ليلة البدر لا يبصره منكم إلا البصير)
(ابن عساكر) في ترجمة صدقة الخراساني (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وأقره ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال: إن صدقة ضعفه أحمد والنسائي ووثقه أبو زرعة اه. وفي الضعفاء للذهبي عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به

(5/58)


6439 - (كيف أنتم) أي كيف تصنعون (إذا جارت عليكم الولاة) الحال المسؤول عنها أتصبرون أم تقاتلون وترك القتال لازم كما هو مصرح به في عدة أخبار
(طب عن عبد الله بن بسر) المازني رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه عمرو بن هلال الحمصي مولى بني أمية قال الهيثمي: جهله ابن عدي قال في الميزان: قال ابن عدي: غير معروف ولا حديثه بمحفوظ وأشار إلى هذا الحديث قال في اللسان: قال ابن عدي هذا الذي ضعفه ابن عدي

(5/58)


6440 - (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) أي الخليفة من قريش على ما وجب واطرد أو وإمامكم في الصلاة رجل منكم كما في مسلم أن يقال له صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة. وقال الطيبي: معنى الحديث أي يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم وصحح المولى التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل فإمامته أولى وفي رواية بدل إمامكم منك ويؤمكم منكم ومعناه يحكم بشريعة الإسلام وهذا استفهام عن حال من يكونون أحياء عند نزول عيسى كيف يكون سرورهم بلقاء هذا النبي الكريم وكيف يكون فخر هذه الأمة وعيسى روح الله يصلي وراء إمامهم وذلك لا يلزم انفصال عيسى من الرسالة لأن جميع الرسل بعثوا بالدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل والنهي عما خالف ذلك من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحدة منها حق بالإضافة إلى زمانها مراعى فيه صلاح من خوطب به فإذا نزل المتقدم في أيام المتأخر نزل به على وقفه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي تنبيها على أن اتباعه لا ينافى الإيمان به بل يوجبه
(ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا

(5/58)


6441 - (كيف أنت يا عويمر) أي أخبرني على أي حالة تكون يا عويمر وهو تصغير عامر (إذا قيل لك) من قبل الله تعالى (يوم القيامة أعلمت أم جهلت فإن قلت علمت قيل لك فماذا عملت بما علمت وإن قلت جهلت قيل لك فما كان عذرك فيما جهلت ألا تعلمت) هذا من الأدلة الشرعية على قبح الجهل وعلى وبال عدم العمل بالعلم وهو استعظام لما يقع يومئذ من الدهشة والتحير في الجواب والارتباك فيما لا حيلة في دفعه ولا سبيل إلى التخلص منه وأن ما يحدث المرء به نفسه ويسهله عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يجدي فأفاد أن الغفلة عن الله على ضربين الجهل بأمر الدين فلا يعرف ما يأتي ولا يعلم ما يذر والسهو عما يعلم ذهابا عن إتيان ما أمر الله به وركوبا لما نهى عنه بشهوة النفس وغرور الدنيا وزخارفها وهذا أقبح النوعين
(ابن عساكر) في تاريخه عن (أبي الدرداء)

(5/58)


[ص:59] 6442 - (كيف بكم) قال الطيبي: كيف يسأل بها عن الحال أي ما حالكم وكيف أنتم (إذا كنتم عن) وفي نسخ في (دينكم كرؤية الهلال) كيف تفعلون وكيف يكون حالكم إذا خفيت عليكم أحكام دينكم فلم تبصرونها لغلبة الجهل واستيلاء الرين على القلب وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون في أمر مهول لا مخلص منه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة)

(5/59)


6443 - (كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم) استخبار فيه إنكار وتعجيب أي أخبروني كيف يطهر الله قوما لا ينصرون الظالم القوي على العاجز الضعيف مع تمكنهم من ذلك أي لا يطهرهم الله أبدا فما أعجب حالكم إن ظننتم أنكم مع تماديكم في ذلك يطهركم ولأن التقديس من قدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ويقال قدس إذا طهر لأن مطهر الشيء يبعده عن الأفذار
(هـ هب عن جابر) بن عبد الله

(5/59)


6444 - (كيف يقدس الله أمة) أي من أين يتطرق إليها التقديس والحال أنه (لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متعتع) بفتح التاء أي من غير أن يصيبه ويزعجه قال القاضي: ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فترك إزالة المنكر مع القدرة أبلغ في الذم وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن ذنب النبي أيوب الذي ابتلي به أنه استعان به مسكين على ظالم فلم يعنه
(ع هق) وكذلك في الشعب (عن بريدة) قال: لما قدم جعفر من الحبشة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني ما أعجب ما رأيته بها قال: موت امرأة على رأسها مكتل فأصابها فارس فرماه فجعلت تلمه وتقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فذكره قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط وبقية رجاله ثقات وقال بعضهم عقب عزوه للبيهقي: وفيه عمرو ابن قيس عن عطاء أورده الذهبي في المتروكين وقال: تركوه واتهم أي بالوضع

(5/59)


6445 - (كيف وقد قيل) قاله لعقبة وقد تزوج فأخبرته امرأة أنها أرضعتهما فركب إليه يسأله فقال: كيف أي كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها من الرضاع فإنه بعيد من المروءة والورع ففارقها ونكحت غيره قال الشافعي: كأنه لم يره شهادة فكره له المقام معها تورعا أي فأمره بفراقها لا من طريق الحاكم بل بالورع لأن شهادة المرضعة على فعلها لا يقبل عند الجمهور وأخذ أحمد بظاهر الخبر فقبلها ولم يجز بحضرته ترافع ولا أداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار وهو كسائر ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص لا يثبت إلا بأربع قاله القاضي قال الطيبي: كيف سؤال عن الحال وقد قيل حال وهما يستدعيان عاملا يعمل فيهما يعني كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها؟ هذا بعيد من المروءة والورع وفيه أنه يجب تجنب مواقع التهم وأنشدوا:
قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا. . . فما اعتذارك عن قول إذا قيلا
(خ) في الشهادات (عن) أبي سروعة بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الواو والمهملة (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن الحارث) بالمثلثة بن عامر القرشي النوفلي من مسلمة الفتح ورواه أبو داود في القضاء والترمذي في الرضاع والنسائي في النكاح

(5/59)


[ص:60] 6446 - (كيلوا طعامكم) عند البيع وخروجه من مخزنه (يبارك لكم فيه) أي يحصل فيه الخير والبركة والنمو بنفي الجهالة عنه أما في البيع والشراء فظاهر وأما كيل ما يخرجه لعياله فلأنه إذا أخرجه جزافا قد ينقص عن كفايتهم فيتضررون أو يزيد فلا يعرف ما يدخر لتمام السنة فأمر بالكيل ليبلغهم المدة التي ادخر لها. قال ابن الجوزي وغيره: وهذه البركة يحتمل كونها للتسمية عليه وكونها لما بورك في مد أهل المدينة بدعوته ولا ينافيه خبر عائشة أنها كانت تخرج قوتها بغير كيل فبورك لها فيه حتى علمت المدة التي تبلغ إليها عند انقضائها لأن ما هنا في طعام يشترى أو يخرج من مخزنه فبركته بكيله لإقامة القسط والعدل وعائشة كالته اختبارا فدخله النقص وقوله يبارك بالجزم جوابا للأمر
(حم خ) في الأطعمة (عن المقدام) بكسر الميم (بن معد يكرب) غير معروف (تخ هـ عن عبد الله بن بسر حم هـ عن أبي أيوب طب عن أبي الدرداء)

(5/60)


6447 - (كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل) قال البعض: كأنه يشير إلى أنه إذا علم كيله ووزنه حلت البركة بنفي الجهالة ونفي التهمة عن الطعام بيده وكان بعضهم إذا أنفذ حاجة مع غلمانه ختمها ويقول فيه فائدتان سلامة سرى من سوء الظن بالغلام ويمنعه من الخيانة ويعوده الأمانة لكن مجرد الكيل لا يحصل البركة ما لم ينضم له قصد الامتثال فيما يشرع كيله ومجرد عدم الكيل لا ينزعها ما لم ينضم له قصد الاختبار والمعارضة
(ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ورواه القضاعي وغيره وقال بعضهم: حسن غريب

(5/60)