الراموز على الصحاح

الْفَصْل الثَّانِي الدراسة اللُّغَوِيَّة

أ - اللهجات

تَعْرِيف اللهجة

اللهجة فِي الِاصْطِلَاح العلمي الحَدِيث هِيَ مَجْمُوعَة من الصِّفَات اللُّغَوِيَّة تنتمي إِلَى بيئة خَاصَّة أَو هِيَ قيود صوتية تلحظ عِنْد أَدَاء الْأَلْفَاظ فِي بيئة مُعينَة
ويشترك فِي هَذِه الصِّفَات جَمِيع أَفْرَاد البيئة وبيئة اللهجة هِيَ جُزْء من بيئة أوسع وأشمل تضم عده لهجات لكل مِنْهَا خصائصها وَلكنهَا تشترك جَمِيعًا فِي مَجْمُوعَة من الظَّوَاهِر اللُّغَوِيَّة الَّتِي تيَسّر اتِّصَال أَفْرَاد هَذِه البيئات بَعضهم بِبَعْض
وَإِذا أردنَا تنَاول اللهجات فِي الراموز فيمكننا أَن نقسمها إِلَى قسمَيْنِ
الْقسم الأول وَهُوَ مَا لم تنْسب فِيهِ اللهجة إِلَى قَبيلَة مُعينَة وَهُوَ الْقسم الْأَكْبَر
أما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَا نسبت فِيهِ اللهجة إِلَى قَبيلَة بِعَينهَا وَهُوَ يتَمَثَّل الْقسم الْأَصْغَر

(1/28)


الْقسم الأول اللهجات غير المنسوبة

وَهُوَ مِمَّا يُؤْخَذ على المُصَنّف إهماله نِسْبَة هَذَا الْجُزْء الْكَبِير من اللهجات إِلَى أَصْحَابهَا وَهَذِه عَادَة لمعظم المعجمين وَلَو فعلوا ذَلِك لأفادوا اللُّغَة الْعَرَبيَّة كثيرا
ونستطيع أَن نجمل مَنْهَج صَاحب الراموز فِي إِيرَاد اللهجات غير المنسوبة إِلَى مَا يَلِي
أ - درج المُصَنّف فِي كثير من الأحيان على أَن يَكْتَفِي بقوله كَذَا لُغَة فِي كَذَا وَمن أَمْثِلَة ذَلِك
1 - قَوْله فِي مَادَّة جيل الْحِيَل لُغَة فِي الْحول
2 - فِي مَادَّة صيل قَالَ صال كباع لُغَة فِيهِ كقال
3 - فِي مَادَّة أجن قَالَ الأجنة مُثَلّثَة لُغَة فِي الوجنة
4 - فِي مَادَّة حكى قَالَ حكى عَنهُ الْكَلَام يَحْكِي حِكَايَة ويحكو لُغَة
5 - فِي مَادَّة صهى قَالَ صهى الْجرْح كَقطع ندى وكفهم لُغَة

(1/29)


6 - فِي مَادَّة ذأى قَالَ ذأى البقل لُغَة فِي ذوى
7 - فِي مَادَّة رَبًّا قَالَ الربية بِالضَّمِّ لُغَة فِي الربو
ب - وَأَحْيَانا كَانَ المُصَنّف يجمع مَا ورد من اللهجات فِي اللَّفْظ الْوَاحِد نَظِير
1 - فِي مَادَّة شَمل قَالَ الشمَال بِالْفَتْح الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب وَلَا تكَاد تهب لَيْلًا ... وفيهَا ثَمَان لُغَات ثمَّ أَخذ المُصَنّف يعدد هَذِه اللُّغَات ذَاكِرًا لَهَا ضوابط من الْأَلْفَاظ حَتَّى يَسْتَطِيع الْقَارئ أَن يقف عَلَيْهَا
2 - فِي مَادَّة علل قَالَ وعل وَلَعَلَّ لُغَتَانِ
3 - ويلاحظ أَنه فِي مَادَّة غنن قَالَ وغن لُغَة فِي عَن بِمَعْنى لَعَلَّ
4 - فِي مَادَّة نعم قَالَ وَنعم وَبئسَ فعلان ماضيان الأَصْل نعم كعلم ثمَّ قيل نعم بِاتِّبَاع الكسرة الكسرة ثمَّ طرحت الثَّانِيَة وَالنُّون مَكْسُورَة وَقد يفتح فَهِيَ أَربع لُغَات
5 - فِي مَادَّة هيه قَالَ ... هَيْهَات كلمة تبعيد فِيهَا أحدى

(1/30)


وَخَمْسُونَ لُغَة أهـ وَمن الملاحظ أَن صَاحب الراموز قد تبع صَاحب الْقَامُوس فِي تَحْدِيد اللُّغَات فِي هَيْهَات بِإِحْدَى وَخمسين
6 - فِي مَادَّة لتا قَالَ اللتا بِحَذْف النُّون وَفِي جمعه خمس لُغَات اللَّاتِي وَاللات واللواتي واللوات واللوا ...
7 - فِي مَادَّة لذِي قَالَ الَّذِي اسْم مُبْهَم ... وَفِيه أَربع لُغَات الَّذِي واللذ بِكَسْر الذَّال وسكونها وَالَّذِي
8 - وَفِي الْمَادَّة ذَاتهَا قَالَ وَالَّذِي بشد الْيَاء وَفِي تثنيته ثَلَاث لُغَات
9 - وَفِي الْمَادَّة ذَاتهَا قَالَ واللذا بِحَذْف النُّون وَفِي جمعه لُغَتَانِ
ج - وَمِمَّا يحْسب فِي حَسَنَات المُصَنّف أَنه أَحْيَانًا كَانَ يحكم على اللُّغَة صِحَة أَو ضعفا فنراه
- فِي مَادَّة نقل يَقُول بِأَن الضَّم فِي النَّقْل لُغَة ضَعِيفَة وَأَحْيَانا يعبر عَن اللُّغَة بالرداءة

(1/31)


- يَقُول فِي مَادَّة وَحل الوحل الطين الرَّقِيق والتسكين لُغَة رَدِيئَة
وَتارَة يعبر عَن اللهجة بِأَنَّهَا مُنكرَة
- يَقُول فِي مَادَّة طمم طمطمانية حمير مَا فِي لغتها من الْكَلِمَات الْمُنكرَة
وَأُخْرَى يعبر عَن اللهجة بِأَنَّهَا من كَلَام الْعَامَّة
- فِي مَادَّة فَأم قَالَ والفئام الْجَمَاعَة من النَّاس لَا وَاحِد من لَفظه والعامة لَا تهمزه
وَأما اللُّغَة الصَّحِيحَة فَكَانَ دَائِما يعبر عَنْهَا بالفصاحة
- قَالَ فِي مَادَّة هَلُمَّ ولغة الْحجاز وَأهل نجد يَقُولُونَ هَلُمَّ وهلما وهلموا وهلمي وهلمن وَالْأول أفْصح
وَمن دفاعه عَن الْجَوْهَرِي فِي هَذَا المجال مَا ذكره فِي مَادَّة قصعل فقد غلط الصغاني الْجَوْهَرِي فِي ذكره اللَّفْظ بِالْقَافِ مصوبا أَنه بِالْفَاءِ
قَالَ المُصَنّف وَغلط الصغاني فِي تغليط الْجَوْهَرِي بقوله وَالصَّوَاب بِالْفَاءِ لِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ فصيحتان فِي الْمَعْنيين ومعنا اللَّئِيم

(1/32)


الْقسم الثَّانِي اللهجات المنسوبة

وَقد أورد المُصَنّف هَذِه اللهجات فِي نواحي مُتعَدِّدَة ومختلفة فِيمَا يَلِي بَيَان صورتهَا
أ - وَيُمكن القَوْل أَن المُصَنّف فِي هَذَا المجال كَانَ يَكْتَفِي بِذكر اللهجة منسوبة إِلَى أَهلهَا كَأَن يَقُول
- فِي مَادَّة رفل قَالَ الرفل الذيل لُغَة يَمَانِية
- فِي مَادَّة فوم قَالَ الفوم الثوم والحمص لُغَة شامية
- فِي مَادَّة لغن قَالَ وَبَعض بني تَمِيم يَقُول لغنك بِمَعْنى لَعَلَّك لَعَلَّك
- فِي مَادَّة سرى قَالَ وَأسرى لُغَة أهل الْحجاز
- فِي مَادَّة عتى قَالَ وعتى لُغَة هُذَيْل فِي حَتَّى
- فِي مَادَّة نهى قَالَ النَّهْي بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح الغدير فِي لُغَة أهل نجد

(1/33)


فِي الْألف اللينة فِي آخر الْكتاب قَالَ واللينة تكون ضميرا لاثْنَيْنِ فِي الْأَفْعَال وعلامة التَّثْنِيَة فِي الْأَسْمَاء وتقلب واوا فِي لُغَة أهل الْحجاز وَيُقَال لَا بَأْس بقتل الأفعو ... الخ
ب - وَإِذا شكّ المُصَنّف فِي اللَّفْظَة بَين شكه فِي ذَلِك بِأَن يَقُول مثلا
فِي مَادَّة زلل قَالَ الزلة السقطة عراقية أَو عامية
ج - وَأَحْيَانا يتَعَرَّض لبَعض خَصَائِص اللهجات
- فقد قَالَ فِي مَادَّة وصل وَكَانَ اسْم نبله ع م الموتصلة تفاؤلا بوصالها إِلَى الْعدَد وَهِي لُغَة قُرَيْش فَإِنَّهُم لَا يدغمون الْوَاو فِي التَّاء
- وَفِي مَادَّة حيى قَالَ استحيت بياء وَاحِدَة أَصله بياءين حذفت إِحْدَاهمَا للتَّخْفِيف وَهَذِه لُغَة حجازية وبياء وَاحِدَة تميمية
المثلثات

يُمكن أَن يُضَاف إِلَى اللهجات مَا يُسمى فِي علم الْعَرَبيَّة بالمثلثات وَهِي الْأَلْفَاظ الَّتِي اخْتلف ضَبطهَا على ثَلَاث صور مَعَ الِاتِّفَاق أَو الِاخْتِلَاف فِي الْمَعْنى

(1/34)


وَالَّذِي يدْخل مَعنا هُنَا هِيَ المثلثات المتفقة الْمَعْنى وَهِي كَثِيرَة جدا فِي الراموز مِمَّا يدل على عناية المُصَنّف بِجمع اللهجات الْكَثِيرَة فنجده مثلا
- فِي مَادَّة جلل يَقُول الجلة مُثَلّثَة البعر أَي بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَضمّهَا
- فِي مَادَّة غزل يَقُول المغزل مثلثلة الْمِيم مَا يغزل بِهِ
- فِي مَادَّة تمم يَقُول تمّ الشَّيْء يتم بِالْكَسْرِ وتماما مثلثين
- فِي مَادَّة أجن يَقُول الأجنة مُثَلّثَة لُغَة الوجنة
- فِي مَادَّة نبه نَص على تثليث الْفِعْل نبه فِي قَوْلهم نبه الرجل أَي شرف
- فِي مَادَّة دوا يَقُول الدَّوَاء مُثَلّثَة وَاحِد الْأَدْوِيَة
- فِي مَادَّة رغو يَقُول الرغوة مُثَلّثَة زبد اللَّبن

(1/35)


- فِي مَادَّة لمى يَقُول اللمى مُثَلّثَة اللَّام سَمُرَة فِي الشّفة
وطبيعي أَن هَذَا النَّوْع من المثلثات يرجع إِلَى اخْتِلَاف اللهجات فقد كَانَت قَبيلَة من الْعَرَب تفضل الضَّم وَأُخْرَى تُؤثر الْكسر وثالثة تنطق بِالْفَتْح وَمن المستبعد أَن تنطق قَبيلَة وَاحِدَة اللَّفْظ الْوَاحِد على صور مُخْتَلفَة لفائدة غير الْعَبَث الَّذِي تنزه عَنهُ الْعَرَب الْعُقَلَاء إِذْ مَا الْفَائِدَة فِي نطق اللَّفْظ على صور عديدة إِلَّا أَن يكون الْقَصْد التلاعب بالألفاظ من الْعَرَبِيّ الَّذِي عرف بالجدية والخشونة
وَلَكنَّا نرى الْعلمَاء قد نسبوا بعض هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَى قبائلها فنجدهم يَقُولُونَ مثلا أَن الْقرح بِالْفَتْح لُغَة أهل الْحجاز وبالضم لُغَة التميمين فِي قَوْله تَعَالَى {إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله}
ب - الْإِبْدَال - أَو التَّعَاقُب
هُنَاكَ ظَاهِرَة فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة تتمثل فِي حُلُول حرف مَحل حرف أخر من الْكَلِمَة مَعَ الْإِبْقَاء على الْحُرُوف بترتيبها وهيئتها وَدلَالَة اللَّفْظ دون تَغْيِير
هَذِه الظَّاهِرَة اخْتلف الْعلمَاء فِي تَسْمِيَتهَا فالقدامى وَكثير من الْمُحدثين يذهبون إِلَى تَسْمِيَتهَا بالإبدال لِأَن الْحَرْف قد أبدل وَحل

(1/36)


مَحَله حرف آخر وَيذْهب ابْن جنى وَبَعض الْمُحدثين إِلَى تَسْمِيَتهَا بالتعاقب أَي أَن أحد الحرفين قد أَتَى عقب الآخر وَحل مَحَله
والتسميتان متقاربتان إِلَّا أَن لفظ التَّعَاقُب أدل على مَا حدث فِي اللَّفْظ لِأَن التَّعَاقُب عملية إرادية تحدث فِي الْكَلِمَة بِخِلَاف لفظ الْإِبْدَال الَّذِي يدل على أَن الْحَرْف قد غير عَن قصد وَعمد وَقَالَ أَبُو الطّيب اللّغَوِيّ لَيْسَ المُرَاد بالإبدال أَن الْعَرَب تتعمد تعويض حرف من حرف وَإِنَّمَا هِيَ لُغَات مُخْتَلفَة لمعان متفقة تتقارب اللفظتان لِمَعْنى وَاحِد وَحَتَّى لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا فِي حرف وَاحِد وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن قَبيلَة وَاحِدَة لَا تَتَكَلَّم بِكَلِمَة طورا مَهْمُوزَة وطورا غير مَهْمُوزَة وَلَا بالصَّاد مرّة وبالسين أُخْرَى وَإِنَّمَا يَقُول هَذَا قوم وَذَلِكَ آخَرُونَ
وبالإضافة إِلَى ذَلِك فَإِن إِطْلَاق لفظ التَّعَاقُب على تَغْيِير الْحَرْف بالحرف يميزه عَن الْإِبْدَال الصرفي الَّذِي يُغير صُورَة اللَّفْظ وَلَا يحْتَفظ بالصورة الأولى وَلذَا حاول بَعضهم أَن يفرق بَينهمَا فَسَماهُ الْإِبْدَال اللّغَوِيّ لِأَنَّهُ من مبَاحث اللغويين أَو الْإِبْدَال الاشتقاقي لِأَنَّهُ انتزاع لفظ من آخر مَعَ تَغْيِير بعض حُرُوفه بِمَا يقاربها

(1/37)


وَهنا مُلَاحظَة تَنْحَصِر فِي أَن الْإِبْدَال الصوتي يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فَهُوَ إِمَّا مطرد عِنْد جَمِيع الْعَرَب أَو غير مطرد
فالمطرد وَهُوَ الَّذِي إِن وجد شَرطه وَجب تحَققه وَهُوَ الْإِبْدَال كإبدال تَاء الافتعال دَالا فِي ادعا وطاء فِي الطَّرْد وزايان فِي ازان
وَكَذَلِكَ التبدلات الصوتية الَّتِي تنَاولهَا عُلَمَاء التجويد كالقلب والإخفاء وإدغام النُّون الساكنة وَنَحْو ذَلِك
وَيشْتَرط فِي التبدل الصوتي الَّذِي يُسمى بالتعاقب أَن تكون بَين الصُّورَتَيْنِ المتعاقبتين علاقَة صوتية قَوِيَّة كالقرب فِي الْمخْرج أَو التَّمَاثُل فِي الصِّفَات الصوتية
مِثَال الْقرب فِي الْمخْرج مده مدح وبن بل وصراط سراط والصقر السقر
وَمِثَال التَّمَاثُل فِي الصِّفَات انات النَّاس والعانت العانس
ويلاحظ أَن هَذَا النَّوْع من التبدلات يتَوَقَّف على السماع لِأَن الْمُتَكَلّم لَيْسَ من حَقه ابتداعه فَهُوَ إِذن لَا يَأْخُذ شكل الْقَاعِدَة الْعَامَّة

(1/38)


فقد اشْترط اللغويين فِيهِ أَن يكون بَين الحرفين الْمُبدل والمبدل مِنْهُ نوع من العلاقة الصوتية كَأَن يتقاربا مخرجا أَو صفة فَإِذا لم تكن هُنَا علاقَة فَلَا تَسْتَطِيع إِطْلَاق لفظ التَّعَاقُب عَلَيْهِ
يَقُول ابْن سَيّده فَأَما مَا لم يتقارب مخرجا البته فَقيل على حرفين غير متقاربين فَلَا يُسمى بَدَلا وَذَلِكَ فإبدال حرف من حُرُوف الْفَم من حرف من حُرُوف الْحلق
وَيُمكن تَقْسِيم مَا ورد فِي الراموز من الْأَلْفَاظ الْخَاصَّة بِهَذَا المجال إِلَى مَا يَأْتِي
1 - إِبْدَال بَين أصوات اللين
- قَالَ فِي مَادَّة برهم إِبْرَاهِيم اسْم أعجمي وابراهام وابراهم وابراهم بِحَذْف الْيَاء لُغَات فِيهِ
- قَالَ فِي مَادَّة صون وَجعل الثَّوْب فِي صوانه وصيانه مثلثين وَهُوَ وعاؤه الَّذِي يصان فِيهِ
قَالَ فِي مَادَّة حكى حكى عَنهُ الْكَلَام يحْكى حِكَايَة ويحكو لُغَة

(1/39)


- قَالَ فِي مَادَّة حلا وحلا وحلوانا بِالضَّمِّ
- قَالَ فِي مَادَّة سِتا الستا لُغَة فِي سدى الثَّوْب
2 - إِبْدَال بَين الْأَصْوَات الحلقية

- فِي مَادَّة دره قَالَ دره عَنْهُم وَلَهُم دفع مبدل درا فالإبدال بَين الْهمزَة الْيَاء وهما حلقيان
- فِي مَادَّة رمغل قَالَ أرمغل الدمع ارمعل فالإبدال بَين الْعين والغين وهما حلقيان
- فِي مَادَّة انن قَالَ أَن لُغَة فِي عَن فالإبدال بَين الْهمزَة الْعين وهما لقيان
- فِي مَادَّة نهم قَالَ نهم لُغَة فِي نحم فالإبدال بَين الْهَاء والحاء وهما حلقيان
3 - الْإِبْدَال بَين الْأَصْوَات الْمُخْتَلفَة

- بَين الْمِيم وَالْبَاء نَحْو قَوْله فِي مَادَّة نقم وهم مَيْمُون النقيمة إِبْدَال النقيبة

(1/40)


- فِي مَادَّة زنم قَالَ زنمة مثل زلمة
- بَين الْمِيم وَالْبَاء كَقَوْلِه فِي لزم لَازم لُغَة فِي لازب
- بَين الْفَاء والثاء كَقَوْلِه فِي مَادَّة فوم الفوم الثوم
- فِي مَادَّة فمم قَوْله فَم لُغَة فِي تمّ
- بَين الذَّال والثاء فِي مَادَّة حذا قَوْله وحذوته اعطيته وَالتُّرَاب فِي وَجهه حثوته لُغَة أَو إِبْدَال
- فِي مَادَّة لعذم كَقَوْلِه تلعذم لُغَة فِي تلعثم
بَين النُّون وَاللَّام كَقَوْلِه فِي مَادَّة رفن فرس رفن وَالْأَصْل رفل
- بَين الرَّاء وَالسِّين كَقَوْلِه فِي زدا والزدو لُغَة فِي السدو
بَين الْيَاء وَالسِّين كَقَوْلِه سدا السادي السَّادِس
- ويلاحظ أَن صَاحب الراموز لم يشر فِي كل هَذِه الْأَمْثِلَة إِلَى أَنَّهَا من قبيل الْإِبْدَال بل أَشَارَ إِلَى بَعْضهَا فَقَط
- وَمن حَسَنَاته أَنه إِذا شكّ فِي اللَّفْظ أهوَ من قبيل الْإِبْدَال أَو غَيره

(1/41)


نَص على ذَلِك كَقَوْلِه فِي مَادَّة كهل هُوَ كَاهِل بني فلَان أَي عمدتهم فِي الْمُهِمَّات وسندهم فِي الملمات شبهه بكاهل الْبَعِير الَّذِي عَلَيْهِ الْمحمل ويروي من كَاهِل أَي اسن وَصَارَ كهلا وَأنكر أَبُو سعيد الضَّرِير الْكَاهِل وَقَالَ يخلف الرجل فِي أَهله وَمَاله كَاهِن فَأَما أَن تكون اللَّام مبدلة من النُّون أَو أَخطَأ سمع السَّامع فَظن أَنه بِاللَّامِ اهـ
وَأَيْضًا فِي مَادَّة حذا قَالَ حذوته أَعْطيته وَالتُّرَاب فِي وَجهه جثوته أَو إِبْدَال أهـ وَقد مر هَذَا الْمثل قبل قَلِيل
ج - الْقلب

تتمثل هَذِه الظَّاهِرَة اللُّغَوِيَّة فِي تقدم بعض حُرُوف الْكَلِمَة على بعض وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم جبذ وجذب وَمَا أطيبه وَمَا أيطبه وَيعرف ذَلِك عِنْد عُلَمَاء التصريف بِالْقَلْبِ المكاني وَعند اللغويين بالاشتقاق الْكَبِير
وَتعْتَبر هَذِه الظَّاهِرَة اللُّغَوِيَّة مظْهرا من مظَاهر التنوع اللّغَوِيّ إِذْ فِيهِ يتبادل الصوتان فِي اللَّفْظ الْوَاحِد مكانيهما مَعَ حفاظ اللَّفْظ على دلَالَته وَمَعْنَاهُ

(1/42)


وَقبل أَن نستعرض مَنْهَج صَاحب الراموز فِي الْأَلْفَاظ المقلوبة يجدر بِنَا أَن نشِير إِلَى آراء اللغويين فِي إِثْبَات هَذِه الظَّاهِرَة اللُّغَوِيَّة وَهَذِه الآراء تَدور حول محور وَاحِد ملخصه هُوَ هَل لظاهرة الْقلب المكاني علاقَة باخْتلَاف اللهجات بِمَعْنى هَل كَانَ الْعَرَبِيّ يتَكَلَّم باللغة على أَكثر من صُورَة أم أَن كل صُورَة من هَذِه الصُّور اخْتصّت بهَا قَبيلَة من الْقَبَائِل
أما عُلَمَاء اللُّغَة فيرون أَن تَقْدِيم بعض حُرُوف الْكَلِمَة على بعض من قبيل الْقلب وَلَا علاقَة لَهُ باخْتلَاف اللهجات بِمَعْنى أَنه يُمكن أَن تنطق قَبيلَة وَاحِدَة أَو الْعَرَب جَمِيعًا الأَصْل والمقلوب مَعًا يَقُول ابْن دُرَيْد بَاب الْحُرُوف الَّتِي قلبت وَزعم قوم من النَّحْوِيين أَنَّهَا لُغَات ثمَّ جعل يسْرد الْأَمْثِلَة الْكَثِيرَة فاحتسب أَن جبذ وجبذب وَمَا أطيبه وأيطبه وصاقعة وصاعقة واضمحل وامضحل ولبكت الشَّيْء وبكلته وسحاب مكفهر ومكرهف كل هَذَا من قبيل الْقلب وَلَيْسَ من اخْتِلَاف اللُّغَات
أما النحويون فيرون أَن تَقْدِيم بعض حُرُوف الْكَلِمَة على بعض يجب أَن لَا يبت فِيهِ إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى شَيْء وَهُوَ أَنه إِذا أمكن جعل إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ أصلا وَالْأُخْرَى فرعا بِأَن كَانَت إِحْدَاهمَا أَكثر تَصرفا من الْأُخْرَى وَأكْثر اسْتِعْمَالا فَهَذَا يعْتَبر من قبيل الْقلب المكاني وَإِذا لم يكن ذَلِك كَانَا جَمِيعًا أصلين لَيْسَ أَحدهمَا مقلوبا من الآخر
يَقُول ابْن جنى فِي بَاب الاصلين يتقاربان فِي التَّرْكِيب بالتقديم التَّأْخِير اعْلَم أَن كل لفظين وجد فيهمَا تَقْدِيم وَتَأْخِير فَأمكن أَن

(1/43)


يكون جَمِيعًا أصلين لَيْسَ أَحدهمَا مقلوبا عَن صَاحبه فَهُوَ الْقيَاس الَّذِي لَا يجوز غَيره وان لم يكن ذَلِك حكمت بِأَن أَحدهمَا مقلوب عَن صَاحبه ثمَّ أريت أَيهمَا الأَصْل وَأيهمَا الْفَرْع ... فَمَا تركيباه أصلان لَا قلب فيهمَا قَوْلهم جذب وجبذ لَيْسَ أَحدهمَا مقلوبا عَن صَاحبه وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا يتصرفان تَصرفا وَاحِدًا ... فان جعلت مَعَ هَذَا أَحدهمَا أصلا لصَاحبه فسد ذَلِك لِأَنَّك لم فعلته لم يكن أَحدهمَا أسعد بِهَذِهِ الْحَال من الآخر فَإِذا وقفت الْحَال بَينهمَا وَلم يُؤثر بالمزية أَحدهمَا وَجب أَن يتوازيا وَأَن يمثلا بصفحتيهما مَعًا وَكَذَلِكَ مَا هَذِه سَبيله
فان قصر أَحدهمَا عَن تصرف صَاحبه وَلم يُسَاوِيه فِيهِ كَانَ أوسعهما تَصرفا أصلا لصَاحبه وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم أَنى الشَّيْء يأنى وَأَن يئين فان مقلوب عَن أَنى
وَالدَّلِيل على ذَلِك وجودل مصدر أَنى يأني وَهُوَ الأنى وَلَا تَجِد لآن مصدرا ...
وَمثل ذَلِك فِي الْقلب قَوْلهم أَيِست من كَذَا فَهُوَ مقلوب يئست لأمرين ذكر أَبُو عَليّ أَحدهمَا وَهُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن أَيِست لَا مصدر لَهُ وَإِنَّمَا الْمصدر ل يئست وَهُوَ الْيَأْس واليأسة
مناقشته

يعْتَبر رَأْي اللغويين مجانبا للصَّوَاب حَيْثُ حكمُوا على مَا ورد بعض حُرُوفه مقدما على بعض بِأَنَّهُ من قبيل الْقلب وَذَلِكَ لِأَن بعض

(1/44)


هَذِه الْأَلْفَاظ روتها لنا المعاجم على أَنَّهَا من قبيل اخْتِلَاف اللهجات فقد ورد أَن اضمحل لُغَة جُمْهُور الْعَرَب وامضحل لُغَة بني كلاب مَعَ أَنَّهُمَا عِنْد اللغويين من قبيل الْقلب
وَمَعَ ذَلِك نجد أَن هَذَا النَّقْل يدل دلَالَة وَاضِحَة على عدم اسْتِقْرَار فكرة اللغويين على الْقلب عِنْد التطبيق فقد ورد فِي اللِّسَان أَن أكرهف لُغَة فِي أكفهر والمكرهف لُغَة فِي المكفهر وَفِي مَوضِع آخر قَالَ والمكرهف لُغَة فِي المكفهر أَو مقلوبه عَنهُ
كَذَلِك يَبْدُو ضعف مَذْهَب النَّحْوِيين وَذَلِكَ لِأَن المقياسين التَّصَرُّف والاستعمال لَا يَصح اتخاذهما أساسا للْحكم للأصالة والفرعية
الْقلب فِي الراموز

عَنى صَاحب الراموز بِالْقَلْبِ إِلَى حد كَبِير فنراه ينص كلما سنحت الفرصة على مَا هُوَ من قبيل الْقلب
وَقد الْتزم فِي هَذَا المجال نسقا وَاحِدًا هُوَ أَن يذكر اللَّفْظ ومقلوبه ناصا على أَن أَحدهمَا مقلوب من الآخر
- فِي مَادَّة خيل قَالَ وَهُوَ خَال وخائل وخال على الْقلب

(1/45)


- فِي مَادَّة فتل قَالَ فتله عَن وَجهه صرفه فَانْفَتَلَ قلب لفته
- فِي مَادَّة كهم قَالَ التكهم التَّعَرُّض للشر والاقتحام بِهِ وَرُبمَا يجْرِي مجْرى السخرية مقلوب من التهكم
فِي مَادَّة طمأن قَالَ وطمأن ظَهره وطأمن على الْقلب -
فِي مَادَّة قهقهة قَالَ القهقهة مقلوب الهقهقة فِي السّير
- فِي مَادَّة حدي قل وَقَوْلهمْ حادي عشر مقلوب وَاحِد
- فِي مَادَّة سأو قَالَ سأه قلب سَاءَهُ وسأوته بِمَعْنى سؤته
وَهَكَذَا يسْتَمر المصانف فِي إِيرَاد الْأَلْفَاظ المقلوبة مُشِيرا إِلَى أَنَّهَا من قبيل الْقلب وَهَذَا مِمَّا يعد من حَسَنَاته فإننا نجد بعض اللغويين يذكرُونَ مثل هَذِه الْأَلْفَاظ دونما إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا مَقْلُوبَة كَمَا ذكرنَا قبل قَلِيل

(1/46)


د - التضاد

مُقَدّمَة وتعريف

فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة كَلِمَات تتَمَيَّز بخاصية مزدوجة تسْتَعْمل على وَجْهَيْن متضادين كَقَوْلِهِم جلل للكبير وَالصَّغِير وللعظيم والصارخ المستغيث والمغيث ... الخ
وَهُوَ نوع من الْمُشْتَرك إِلَّا أَن الْمُشْتَرك يَقع على شَيْئَيْنِ ضدين وعَلى مُخْتَلفين غير ضدين فَمَا يَقع على الضدين كالجون وجلل وَمَا يَقع على مُخْتَلفين غير ضدين كَالْعَيْنِ ويقصد بالتضاد هُوَ اللَّفْظ الدَّال على مَعْنيين مُتَقَابلين
وَقد ألف كثير من الْعلمَاء فِي التضاد كتبا مِنْهُم
1 - أَبُو سعيد عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي ت 216 هـ
2 - أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن السّكيت ت 244 هـ
3 - أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد السجسْتانِي ت 255 هـ
4 - أَبُو بكر مَحْمُود بن الْقَاسِم الانباري ت 328 هـ
5 - سعيد بن الْمُبَارك الْمَعْرُوف بِابْن الدهان ت 569 هـ
6 - الْحسن بن مُحَمَّد الصغاني ت 650 هـ

(1/47)


وَقبل أَن نبين رَأينَا فِي الأضداد يحسن بِنَا أَن نصنف بعض مَا جَاءَ فِي الأضداد لنرى وجهة نظر الْعلمَاء
أ - فَمن الأضداد مَا يُطلق على اللَّفْظ وَمُقَابِله وَذَلِكَ نَحْو - القنيص الصَّائِد وَالصَّيْد _ الْغَرِيم المطالب والمطالب _ الْمَسْجُور المملوء والفارغ
ب _ وَمِنْهَا مَا أطلق على معنى فِي لهجة وعَلى ضِدّه فِي لهجة أُخْرَى
- السدفة فِي لُغَة تَمِيم الظلمَة وَفِي قيس الضَّوْء
- السامد فِي لُغَة طَيئ الحزين وَفِي لُغَة الْيمن اللاهي
- القلت فِي لُغَة الْحجاز النقرة الْكَبِيرَة وَعند قيس وَأسد وَتَمِيم النقرة الصَّغِيرَة
ج - وَمِنْهَا مَا أطلق على الضدين لِمَعْنى مُشْتَرك بَينهمَا
- الْقُرْء الْحيض الطُّهْر وَإِنَّمَا أَصله الْوَقْت يُقَال أَقرَأت الرِّيَاح هبت لوَقْتهَا

(1/48)


- الذفر الرَّائِحَة الطّيبَة والنتنة وَأَصله مَعْنَاهُ حِدة الرّيح فِي الطّيب وَالنَّتن جَمِيعًا
- المأتم النِّسَاء المجتمعات فِي الْحزن والفرح وأصل مَعْنَاهُ اجْتِمَاع النِّسَاء مُطلقًا
د - من الأضداد مَا أطلق على الشَّيْء بِذَاتِهِ ثمَّ أطلق على معنى أخر مستمد من اسْتِعْمَال هَذَا الشَّيْء مثل
الظعينة الْمَرْأَة فِي الهودج والظعائن الهوادج
- الكأس الْإِنَاء ذَاته وَيُطلق على مَا فِيهِ من الشَّرَاب
وَقد اخْتلفت آراء اللغويين فِي الأضداد وتعددت وجهات نظرهم فِيهَا بَين مؤيد ومنكر ومعترف بهَا تَحت شُرُوط خَاصَّة
وَنحن لَا نسلم بِوُقُوع التضاد فِي الدّلَالَة الْأَصْلِيَّة للمادة كَمَا لَا نسلم بِوُقُوعِهِ فِي هَذَا الْعدَد الْكَبِير الَّذِي أوردوه فكثير مِمَّا قَالُوهُ لَا يثبت للمناقشة وَإِنَّمَا نسلم أَن بعض الْأَلْفَاظ يقبل تأويلات مُخْتَلفَة بِسَبَب صيغتها أَو بِسَبَب اخْتِلَاف الاعتبارات فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى تضَاد دلالتها

(1/49)


ولتوضيح ذَلِك نناقش بعض مَا قَالَه صَاحب الراموز

1 - فِي مَادَّة جون نَص على أَن الجون للأبيض وَالْأسود وَهَذَا أَيْضا فِي الْقَامُوس (215 / 4 جون) والمزهر (1 / 388) مُطلق اللَّوْن كَمَا نَص على أُدي شير قَالَ الجون مُعرب كَون وَمَعْنَاهُ اللَّوْن وَمِمَّا يُؤَيّد أَنه يَأْتِي بِمَعْنى الْأَبْيَض وَالْأسود والأخضر والأحمر والأدهم ... ...
وعَلى ذَلِك فتخصيصهم الجون الْأَبْيَض وَالْأسود لَا وَجه لَهُ
2 - فِي مَادَّة نهل أَشَارَ إِلَى الناهل يُطلق على الريان والعطشان وَهُوَ كَذَلِك فِي الْقَامُوس (نهل 4 / 58) مَعَ أَن الْأَصْمَعِي يَقُول الناهل الشَّارِب يُقَال أنهلته سقيته الشربة الأولى وعللته مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فَإِنَّمَا قيل للعطشان ناهل على التفاؤل يُقَال المفاز للمهلكة وللملدوغ سليم ... . قَالَ المثقب الْعَبْدي
هَل عِنْد هِنْد لفؤاد صدى من نهلة فِي الْيَوْم أَو فِي غَد
وَقَالَ الْجَعْدِي
(سبقت إِلَى فرط ناهل ... تنابله يحفرون الرساسا)

(1/50)


فالناهل هُنَا تدل على الشَّارِب أَو شربة بعد عَطش وواضح أَن الشربة الأولى قد لَا تروي ريا كَامِلا وَمَعَ ذَلِك فَإِن من نهل لَا يُسمى عطشانا على سَبِيل الْحَقِيقَة الْكَامِلَة وكل الشواهد الَّتِي ذكروها لَا تقطع بِاسْتِعْمَال الناهل بِمَعْنى العطشان فَفِي قَول الأخطل
(وأخوهما السفاح ظمأ خيله ... حَتَّى وردن حبا الْكلاب نهالا)
أَي عطاشا وَلَكِن أَرَادَ بِهِ طَرِيق مَاء مَا فسر الْأَصْمَعِي
3 - فِي مَادَّة سلم أَشَارَ المُصَنّف إِلَى أَن السَّلِيم يُطلق على الملدوغ وَيَعْنِي أَنه من الأضداد وَهُوَ كَذَلِك أَيْضا فِي الْقَامُوس (سلم 4 / 131) وأضداد السجسْتانِي (ص 114) وَلَكِن إِطْلَاق السَّلِيم على اللديغ لَيْسَ على وَجه الْحَقِيقَة الْكَامِلَة وَإِنَّمَا هُوَ على التفاؤل لَهُ بالسلامة يُؤَيّد ذَلِك قَول أبي حَاتِم وَقَالُوا السَّلِيم السَّالِم والسليم الملدوغ وَهُوَ عِنْدِي على التفاؤل قَالَ النبياني يصف حَيَّة لدغت رجلا
_ (يسهد من نوم الْعشَاء سليمها ... لحلى النِّسَاء فِي يَدَيْهِ قعاقع)
يَجْعَل الْحلِيّ فِي يَدي الملدوغ ليتخشخش فَلَا ينَام فَإِنَّهُ إِذا نَام مَاتَ وَقَالَ آخر
(يلاقي من تذكر آل ليلى ... كَمَا يلقى السَّلِيم من الْعداد)

(1/51)


والعداد وَقت فِي كل سنة يعاود السم فِيهِ فيهيج بالملدوغ
4 - فِي مَادَّة شوه قَالَ المُصَنّف وَامْرَأَة شوهاء مليحة حسناء ضد) وَهُوَ أَيْضا فِي الْقَامُوس (شوه 295 / 4) وأضداد الْأَصْمَعِي
وَلَكِنِّي أرى وَهَذَا هُوَ الْوَاقِع أَن الشوهاء فِي القبيحة أصل ثمَّ أطلق اللَّفْظ على الْحَسْنَاء المليحة على سَبِيل ذَر الرماد فِي الْعُيُون لِأَن الْعَرَب كَانَت تخشى الْحَسَد وتتطير مِنْهُ وَهَذَا على غرار قَول جميل
(رمى الله فِي عَيْني بثينة بالقذى ... وَفِي الغر من أنيابها بالقوادح)
5 - قَالَ صَاحب الراموز فِي أَمن الْإِيمَان المؤتمن والمؤتمن ضد فَتَأْوِيل اللَّفْظ باسم الْفَاعِل بضاد تَأْوِيله باسم المفتول
وَهَكَذَا كَمَا رَأينَا أَن إِطْلَاق الْعلمَاء الضدية على كل لفظ احْتمل مَعْنيين مُتَقَابلين فِيهِ شَيْء من التَّوَسُّع
هـ - النَّحْو

إِن المتصفح للراموز يجد فِيهِ كثيرا من مسَائِل النَّحْو وَالصرْف المتنائرة فِي مواده مِمَّا يدل على أَن الرجل كَانَت لَهُ اطلاعات نحوية وَاسِعَة وسنتعرف على بعض مَا رسمه المُصَنّف من هَذِه الْمسَائِل

(1/52)


1 - فَفِي مَادَّة فصل يفرق المُصَنّف بَين تَسْمِيَة أهل الْبَصْرَة ضمير الْفَصْل وَتَسْمِيَة الْكُوفِيّين لَهُ بالعماد فَيَقُول الْفَصْل عِنْد الْبَصرِيين كالعماد عِنْد الْكُوفِيّين ق {إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك} فضمير هُوَ فصل وعماد
2 - فِي مَادَّة فلل يُشِير إِلَى قَوْلهم يافل لَيْسَ مرخم يَا فلَان بل هُوَ مَحْذُوف مِنْهُ وَلذَلِك سكنوا اللَّام مِنْهُ ثمَّ يخطأ الْكُوفِيّين فِي اعتبارهم اياه ترخيما يَقُول وَالْوَجْه الصَّحِيح مَا ذكره الْجَزرِي هُوَ أَنه لَا يُقَال الا بِسُكُون اللَّام وَلَو كَانَ ترخيما لفتحوها أَو ضموها
3 - يُؤَكد فِي مَادَّة لَهُم مَذْهَب الْبَصرِيين من أَن قَوْلهم اللَّهُمَّ فالميم فِيهِ عوض من حُرُوف النداء مُشِيرا بذلك إِلَى الْمَذْهَب الآخر الَّذِي يرى أَن الْمِيم لَيست عوضا فِي حرف النداء وَهَذَا الْمَذْهَب مَذْهَب أهل الْكُوفَة
4 - وَيُشِير فِي مَادَّة ... . إِلَى مَا رَآهُ البصريون من أَن نعم وَبئسَ فعلان فَيَقُول وَنعم وَبئسَ فعلان ماضيان الأَصْل نعم كعلم ثمَّ قيل نعم بِاتِّبَاع الكسرة الْكسر ثمَّ طرحت الثَّانِيَة وَالنُّون مَكْسُورَة وَقد يفتح فَهِيَ أَربع لُغَات وَكَذَا بئس
وَالْمَعْرُوف أَن القَوْل بفعليه نعم وَبئسَ مَذْهَب الْبَصرِيين

(1/53)


وَالْكسَائِيّ من الْكُوفِيّين أما سَائِر الْكُوفِيّين فهما عِنْدهم اسمان مبتدآن
5 - يُشِير فِي مَادَّة أنن إِلَى أَن بعض الْعَرَب ينصب بِأَن الاسمين ويسوق شَاهدا من الشّعْر وَهُوَ
(إِذا اسود جنح اللَّيْل فلتأت فلتكن ... خطاك خفافا أَن حراسنا أسدا)
وَشَاهدا من الحَدِيث
أَن قَعْر جَهَنَّم خمسين خَرِيفًا
ويوضح أَيْضا استعمالات أَن الْمَفْتُوحَة فَهِيَ قد تَجِيء بِمَعْنى لَعَلَّ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} وان المخففة قد تَجِيء بِمَعْنى أَي وَقد تَجِيء صلَة لما كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} وَقد تكون زَائِدَة {وَمَا لَهُم أَلا يعذبهم الله} وَقد تَجِيء مَصْدَرِيَّة أَو شَرْطِيَّة وَبِمَعْنى لِئَلَّا ... الخ ويسوق

(1/54)


الشواهد الْمُخْتَلفَة على هَذِه الاستعمالات الْكَثِيرَة مَعَ الاستطراد المبسط وَيُشِير إِلَى تَخْفيف إِن وَأَن وَاحْتِمَال أَعمالهَا وإلغائهما والى أَن وَكَأن تخفف فَلَا تعْمل والبصريون يعملونها عها كل ذَلِك مَعَ سوق الشواهد الْمُوَضّحَة
6 - وَقد يذكر الرجل رَحمَه الله الرَّأْي الآخر أَحْيَانًا مِمَّا يدل على عدم تعصبه فَفِي يمن مثلا قَالَ وأيمن اله بِضَم الْمِيم وَفتحهَا اسْم وضع للقسم وَهُوَ جمع يَمِين والفه وصل عِنْد الْأَكْثَر وَرُبمَا حذفوا النُّون فَقَالُوا أيم الله بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا
فَقَوله وَهُوَ جمع يَمِين هَذَا مَذْهَب أهل الْكُوفَة وَيرى البصريون أَنه لَيْسَ جمع يَمِين بل هُوَ اسْم مُفْرد مُشْتَقّ من الْيَمين
وَقَوله وألفه وصل عِنْد الْأَكْثَر هُوَ مَذْهَب أهل الْبَصْرَة أما الْكُوفِيُّونَ فيرون أَن همزته للْقطع لِأَنَّهُ جمع وَلكنهَا وصلت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَبقيت فتحتها على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الأَصْل
7 - وَمن محاسنه أَنه يتعامل مَعَ القضايا النحوية فيستوفيها وَلَا يمر عَلَيْهَا مُرُور الْكِرَام فنقرأ لَهُ فِي مَادَّة أَي هـ أَيَّة اسْم فعل الْأَمر مَعْنَاهُ طلب الزِّيَادَة من حَدِيث أَو عمل فَإِن وصلت نونت فَقلت ايه حَدثنَا والمنون طلب حَدِيثا مَا وَغير الْمنون الزِّيَادَة من الحَدِيث الْمَعْهُود وَإِذا اسكنته وكففته قلت أَيهَا عَنَّا وَإِذا أردْت

(1/55)


التبعيد قلت أَيهَا بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى هَيْهَات وَمِنْهُم من يَقُول ايهات وَرُبمَا قَالُوا أيهان
وَهَكَذَا فِي كل مَسْأَلَة يَتَنَاوَلهَا المُصَنّف مِمَّا يدل على سَعَة اطلاعاته النحوية
والمصطلحات

أَشَارَ المُصَنّف إِلَى مصطلحات الْعُلُوم الْمُخْتَلفَة فَهُوَ لَا يفتأ يذكر مصطلحات النَّحْو وَالْعرُوض وَالْفِقْه وَعلم الْأَصْوَات وَغير هَذَا كثير فمثلا
1 - فِي مجَال نَصه على المصطلحات النحوية

- فِي مَادَّة فصل ذكر أَن الْفَصْل عِنْد الْبَصرِيين كالعماد عِنْد الْكُوفِيّين وَاسْتدلَّ لَهُ بقوله تَعَالَى {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك} فضمير هُوَ فصل وعماد
- فِي مَادَّة حَشا قَالَ حاشا لَك بِمَعْنى حاشاك كلمة يسْتَثْنى بهَا وَتَكون حرف جر وفعلا ينصب مَا بعْدهَا ... وَأنْكرهُ سِيبَوَيْهٍ وَأَجَازَهُ الْمبرد
فِي مجَال نَصه على الْعرُوض

_ فِي مَادَّة فصل ذكر الفاصلة من الْعرُوض وَقسمهَا

(1/56)


قسمَيْنِ صغرى وَهِي ثَلَاث متحركات بعْدهَا سَاكن نَحْو ذَهَبا وكبرى وَهِي أَربع متحركات بعْدهَا سَاكن مثل علمنَا
فِي مَادَّة روى قَالَ الروى حرف القافية الَّتِي تبنى عَلَيْهِ القصيدة أَو تنْسب إِلَيْهِ فيقل قافية لامية أَو ميمية
3 - فِي مجَال نَصه على المصطلحات الْفِقْهِيَّة

- فِي مَادَّة قدم قَالَ وَمِنْه قَول الْفُقَهَاء اذا تقدم المُشْتَرِي فِي حَائِط مائل أَو أُوذِنَ وَأخْبر أَن هَذَا قد مَال
_ فِي مَادَّة خدن قَالَ وَفِي كَلَام الْفُقَهَاء لَا يجوز شَهَادَة صَاحب الْغناء
_ فِي مَادَّة قوا قَالَ وَقَول الْفُقَهَاء اشْترى الشُّرَكَاء شَيْئا ثمَّ اقتووه وَصورته ان يشتروا سلْعَة بيعا وخيصا ثمَّ قاوى بَعضهم بَعْضًا أَي يزايدواهم أنفسهم حَتَّى بلغُوا غَايَة ثمنهَا فَإِذا استخلصها وَاحِد مِنْهُم بِنَفسِهِ فقد اقتوها وَقَالَ عَطاء لِعبيد الله ابْن عتبَة امْرَأَة كَانَ زَوجهَا مَمْلُوكا فاشترته قَالَ إِن اقتوته فرق بَينهمَا ... الخ

(1/57)


ز - التعريب

هَذَا عَامل من عوامل نمو اللُّغَة وظاهرة من ظواهر التقاء اللُّغَات وتأثير بَعْضهَا فِي بعض ويقصد بالمعرب الْأَلْفَاظ الَّتِي نقلت من اللُّغَات الْأَجْنَبِيَّة إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة سَوَاء وَقع فِيهَا تَغْيِير أم لم يَقع ويعرفه السُّيُوطِيّ بِأَنَّهُ مَا استعملته الْعَرَب من الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة لمعان فِي غير لغتها
وَقَالَ الْجَوْهَرِي تعريب الِاسْم الأعجمي أَن تتفوه بِهِ الْعَرَب على منهاجها
وتتسرب الْكَلِمَات الْأَجْنَبِيَّة إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة عَن طرق أهمها طَرِيقَانِ
1 - الْمُعَامَلَات التجارية الحيوية بَين الشعوب الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَاط والمعايشة مِمَّا يفتح الطَّرِيق لأساليب جَدِيدَة من اقتباس الْعَادَات والتقاليد وَمَا يستتبعه ذَلِك من شيوع أَلْفَاظ جَدِيدَة مستحدثة وأساليب لم تكن مَوْجُودَة قبل هَذَا الِاخْتِلَاط
2 - مَا حدث فِي النهضة الثقافية الْعَرَبيَّة فِي صدر الدولة العباسية حِين نشط الاهتمام بترجمة الْعُلُوم والفنون الْأَجْنَبِيَّة إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَلَا سِيمَا مَا كَانَ فِي عصر الْخَلِيفَة الْمَأْمُون حِين عقدت

(1/58)


المجامع العلمية وأنشئت دور الْحِكْمَة وَصَارَ يؤمها كثير من الْعلمَاء للنَّظَر فِيمَا عربه المترجمون من الْكَلِمَات الْأَجْنَبِيَّة
طَريقَة الْعَرَب فِي التعريب

كَانَ الْعَرَب إِذا عربوا كلمة صاغوها على غرار الأوزان الَّتِي تعرفوا عَلَيْهَا إِلَّا مَا ندر مثل ابريم وتنقل هُنَا نصا لصَاحب المعرب أبي مَنْصُور الجواليقي يُوضح مَذْهَب الْعَرَب فِي النُّطْق بالالفاظ الْأَجْنَبِيَّة يَقُول ... اعْلَم أَنهم كثير مَا يجترئون على تَغْيِير الْأَسْمَاء الأعجمية إِذا استعملوها فيبدلون الْحُرُوف الَّتِي لَيست من حروفهم إِلَى أقربها مخرجا وَرُبمَا أبدلوا مَا بعد مخرجه أَيْضا وَرُبمَا غيروا الْبناء من الْكَلَام الْفَارِسِي إِلَى أبنية الْعَرَب وَهَذَا التَّغْيِير بإبدال حرف من حرف أَو زِيَادَة حرف أَو نُقْصَان حرف أَو إِبْدَال حَرَكَة بحركة أَو إسكان محرك أَو تَحْرِيك سَاكن وَرُبمَا تركُوا الْحَرْف على حَاله وَلم يغيروه أَي ان الْعَرَب لنفورهم من العجمة واستتقالهم لَهَا كَانُوا يتصرفون فِي اللَّفْظ الْأَجْنَبِيّ بِأَيّ طَرِيق ليبعدوه بذلك عَن أصل لغته ويلبسوه ثوبا جَدِيدا
أَنْوَاع المعرب

ويمكننا حِينَئِذٍ أَن نقسم الْأَلْفَاظ الَّتِي دخلت الْعَرَبيَّة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام
1 - لفظ لَيْسَ لَهُ مرادف عَرَبِيّ اسْتَعْملهُ الْعَرَب للدلالة على

(1/59)


شَيْء لم يعرفهُ الْعَرَب فِي بيئتهم وَذَلِكَ مثل قَوْلهم الخشكان وهـ دَقِيق الْحِنْطَة إِذا عجن بشيرك وَبسط وملئ بالسكر واللوز أَو الفستق وَمَاء الْورْد ثمَّ جمع وخبز وَأهل الشَّام يُسَمِّيه المكفن
وَأَيْضًا كَقَوْلِهِم الديباج والدرياق
وَيَنْبَغِي فِي هَذَا النَّوْع أَن نحاول النّظر فِي المعاجم والمراجع لَعَلَّنَا نجد لفظا عَرَبيا مُسَاوِيا لَهُ فِي الْوَفَاء بِالْمَعْنَى وَيكون النُّطْق فنعرضه للاستعمال حَتَّى تتمرن عَلَيْهِ الْأَلْسِنَة فَإِذا لم يتَحَقَّق ذَلِك وَجب الالتجاء إِلَى تعريب مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَة
2 - مَاله مرادف عَرَبِيّ مسَاوٍ لَهُ فِي السهولة والجرس وَهَذَا يجوز اسْتِعْمَاله وَذَلِكَ مثل الخربز والبطيخ فقد جَاءَ فِي حَدِيث أنس قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين الخربز وَالرّطب وَهُوَ الْبِطِّيخ بِالْفَارِسِيَّةِ
3 - مَاله مرادف عَرَبِيّ لَا يُسَاوِيه فِي الجرس والاستساغة وَلَا فِي الِاسْتِعْمَال وَهَذَا مَحل نظر فقد يفصل المعرب حِينَئِذٍ إِذا كَانَ مرادفه الْعَرَبِيّ مَهْجُورًا وَذَلِكَ مثل كلمة التوت سهل النُّطْق والجرس وَلذَلِك فَهِيَ اكثر اسْتِعْمَالا من مرادفها الْعَرَبِيّ

(1/60)


المعرب قبل الْإِسْلَام

التقى الْعَرَب قبل الْإِسْلَام فِي رحلتي الشتَاء والصيف من كل عَام بجيرانهم فِي الْجنُوب وَالشمَال وَكَانَ الهدف الأول من هَذَا اللِّقَاء التبادل التجاري وَكسب المَال وَمَعَ ذَلِك فقد تأثرت اللُّغَة الْعَرَبيَّة بذلك التبادل فِي الْتِقَاط بعض الْكَلِمَات من لُغَات هَؤُلَاءِ الْجِيرَان وَهِي كَلِمَات تدل فِي معظمها على أَشْيَاء مادية لم تكن مَوْجُودَة فِي شبه الجزيرة الْعَرَبيَّة أَي أَنَّهَا كَانَت ضَرُورَة لغوية
وَنحن واجدون شَيْئا من ذَلِك فِي شعر عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ الَّذِي تربى فِي بلاط الاكاسرة فقد ورد لَهُ شعر كثير فِيهِ بصمات أَعْجَمِيَّة فِي الْأَلْفَاظ وَكَذَلِكَ فِي شعر الْأَعْشَى انْظُر مثلا إِلَى قَوْله
(لنا جلسان عِنْدهَا وبنفسج ... وسيسنبر والمرزجوش منمنما)
فقد ذكر فِي هَذَا الْبَيْت أَرْبَعَة أَلْفَاظ أَعْجَمِيَّة لأنواع مُخْتَلفَة من الأزهار ونعتبر أَن تأثر الْعَرَبيَّة باللغات الْأَجْنَبِيَّة قبل الْإِسْلَام كَانَ قَطْرَة فِي مُحِيط التأثر بعد الْإِسْلَام
المعرب بعد الْإِسْلَام

وعندما بزغ فجر الْإِسْلَام وامتد نوره إِلَى سَائِر الأصقاع وانتشرت اللُّغَة الْعَرَبيَّة والتقت بِالْفَارِسِيَّةِ والرومية والتركية والبربرية وَكَانَ التأثر والتأثير بيد أَن جَانب تَأْثِير الْعَرَبيَّة فِي هَذِه

(1/61)


اللُّغَات كَانَ أقوى بِحَيْثُ بعد مُضِيّ فَتْرَة من الزَّمَان طفت الْعَرَبيَّة على هَذِه اللُّغَات ومحتها وَلَكِن هَذِه اللُّغَات تركت بصماتها وَاضِحَة فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة
ونظرة إِلَى مؤلفات الْعلمَاء والأدباء الْمُسلمين من غير الْعَرَب ترينا أَنَّهَا حافلة بِكَلِمَات من لغاتهم الْأَصْلِيَّة بل أَن الْعَرَب الاصحاح قد تأثروا أَيْضا بِهَذِهِ اللُّغَات فيروى عَن الإِمَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سَأَلَ شريحا عَن مَسْأَلَة فِي الْفَرَائِض وَلما أَجَابَهُ شُرَيْح قَالَ لَهُ الإِمَام عَليّ قالون وَهِي كلمة رُومِية وَمَعْنَاهَا أصبت
بل أَن الْقُرْآن الْكَرِيم قد تضمن طَائِفَة من الْكَلِمَات الأعجمية الَّتِي أدخلها الْعَرَب فِي كَلَامهم وصقلوها بِالِاسْتِعْمَالِ وَمن ذَلِك الاصر أَواه تنور حطة الرس الرقيم زنجبيل سِجِّين سندس فردوس ياقوت ... الخ
وَكَانَت هَذِه الْكَلِمَات مثار جدل الْعلمَاء إِذْ كَيفَ يتَضَمَّن الْقُرْآن ألفاظا أَعْجَمِيَّة مَعَ قَوْله تَعَالَى فِيهِ {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين}
والرأي أَن هَذِه الْكَلِمَات وان كَانَت أَعْجَمِيَّة الأَصْل إِلَّا أَنَّهَا بِاسْتِعْمَال الْعَرَب لَهَا قد أَصبَحت من لغتهم وأضحت عَرَبِيَّة خَالِصَة يَقُول السُّيُوطِيّ نقلا عَن أبي عُبَيْدَة ... وَذَلِكَ أَن هَذِه الْحُرُوف

(1/62)


أَي الْكَلِمَات أُصُولهَا أَعْجَمِيَّة كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء إِلَّا أَنَّهَا سَقَطت إِلَى الْعَرَب فأعربتها بألسنتها وحولتها عَن أَلْفَاظ الْعَجم إِلَى ألفاظها فَصَارَت عَرَبِيَّة ثمَّ نزل الْقُرْآن وَقد اخْتلطت هَذِه الْحُرُوف بِكَلَام الْعَرَب فَمن قَالَ أَنَّهَا عَرَبِيَّة فَهُوَ صَادِق وَمن قَالَ أَنَّهَا أَعْجَمِيَّة فَهُوَ صَادِق
الْأَلْفَاظ المعربة فِي الراموز

وَيُمكن اجمال طَرِيق الراموز فِي إِيرَاد الْأَلْفَاظ المعربة فِيمَا يَلِي
1 - كَانَ صاحبنا ينص على اللَّفْظ المعرب وَهَذَا يعد من حَسَنَاته إِذْ لَا يكَاد يفوتهُ من ذَلِك شَيْء وَهُوَ شَأْن الْعلمَاء الحراص على اللُّغَة أَلا يدخلهَا شوائب أَجْنَبِيَّة
2 - واكثر اللُّغَات الَّتِي نسبت إِلَيْهَا الْأَلْفَاظ كَانَت الفارسية إِذْ كَانَت أوفر حظا من غَيرهَا وان مُعظم الْأَلْفَاظ الَّتِي نسبوها إِنَّمَا كَانَ إِلَيْهَا مَعَ ذَلِك لَيْسَ صَحِيحا فِي بعض الأحيان وَلَعَلَّ جهل الْعلمَاء باللغات الْأُخْرَى هُوَ الَّذِي دفعهم لذَلِك وَأَيْضًا لما رَأَوْهُ من عظم اتِّصَال الْعَرَب بالفرس دون غَيرهم مُنْذُ الْقدَم
فَإِذا شكّ فِي اللَّفْظ أهوَ مُعرب أم غير مُعرب نَص على ذَلِك مثلا
- فِي مَادَّة حرجل والحرجلة كَأَنَّهُ مُعرب حركلة
- فِي مَادَّة قندفل القندفيل الضخم وَأَظنهُ مُعرب كندبيل

(1/63)


وَلَكِن شَأْنه فِي ذَلِك شَأْن كثير من الْعلمَاء اللغويين لم يكن فِي اكثر الأحيان يبين لنا من أَي لُغَة عرب هَذَا اللَّفْظ فنراه مثلا
_ فِي مَادَّة جلل الجل الْورْد مُعرب
- فِي مَادَّة زندبل الزندبيل الْفِيل الْعَظِيم مُعرب
_ فِي مَادَّة برسم الابريسم بِفَتْح السِّين مُعرب
_ فِي مَادَّة دِرْهَم الدِّرْهَم مُعرب
- فِي مَادَّة موم الموم الشمع مُعرب
هَذَا فِي الْكثير الْغَائِب وَأَحْيَانا ينص على اللُّغَة الْأَصْلِيَّة للفظ فنراه يَقُول مثلا
- فِي مَادَّة سجل السجنجل الْمرْآة رومى مُعرب
_ فِي مَادَّة بذم باذام ... وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ اللوز
- فِي مَادَّة بسطم بسطَام اسْم ملك من مُلُوك فَارس فعربوه
_ فِي مَادَّة مَرْيَم اسْم أم عيسىء م كلمة عبرانية
- فِي مَادَّة قهرم القهرمان كالخازن بلغَة الْفرس

(1/64)


وَأَحْيَانا كَانَ المُصَنّف يذكر أصل اللَّفْظ المعرب فِي لغته فمثلا نرَاهُ يَقُول
_ فِي مَادَّة جيل جيلان بِالْكَسْرِ اقليم بالعجم مُعرب كيلان
_ فِي مَادَّة سجل سجيل ... هِيَ حِجَارَة من طين طبخت بِنَار جَهَنَّم مُعرب سنك كل
- فِي مَادَّة سدل والسدلي مُعرب سهدلة
- فِي مَادَّة صنم لصنم مُعرب شمن
_ فِي مَادَّة رجا الارجوان بِالضَّمِّ صبغ أَحْمَر شَدِيد الْحمرَة أَو مُعرب أرغوان
- هَذَا مُجمل طَريقَة المُصَنّف فِي إِيرَاد المعرب وَرُبمَا كَانَ هَذَا ناشئا عَن مَعْرفَته باللغة الَّتِي أخذت مِنْهَا الْعَرَبيَّة
ح - الاتجاه اللّغَوِيّ الْعَام

1 - كَانَ الرجل من اللغويين المحافظين فقد كَانَ ملتزها بالمسموع لَا يعدل عَنهُ وَأَن كَانَ الْقيَاس بِغَيْر ذَلِك فَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي

(1/65)


_ مَادَّة حلل وَرجل حل من الاحلال وحلال وَمحل وَلَا تقل حَال وان كَانَ قِيَاسا
_ مَادَّة خيل وخل الشَّيْء يخاله ... وَتقول فِي مستقبله اخال بِكَسْر الْهمزَة أفْصح وَالْبَعْض يفتحها على الْقيَاس
2 - استقصاؤه للصيغ مِمَّا يدل على دقة بَحثه فِي بطُون الْكتب فنراه يَقُول
_ فِي مَادَّة خزعل وناقة بهَا خزعال صلع وَلَيْسَ فعلان فِي كَلَامهم من غير المضاعف سواهُ
3 - إِشَارَته إِلَى الْخَطَأ الشَّائِع كَقَوْلِه
_ فِي مَادَّة ثمن وَتقول ثَمَانِيَة رجال وثماني نسْوَة وثماني مائَة بِإِثْبَات الْيَاء فِي الْإِضَافَة حَال النصب وإسقاطها مَعَ التَّنْوِين عِنْد الرّفْع والجر وَقَوله
(وَلَقَد شربت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرَة واثنتين وأربعا)
بِحَذْف الْيَاء من ثَمَان فعلى لُغَة من يَقُول طوال الأيد
4 - كَانَ المُصَنّف يُشِير باستمرار إِلَى النَّوَادِر فنراه مثلا يَقُول فِي

(1/66)


- فِي مَادَّة ذال ذأل النَّاقة كَقطع وذألانا بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْمَشْي الْخَفِيف اَوْ السرعة وَبِه سمى الذِّئْب ذؤالة ج ذؤلان وذألان الذِّئْب يجمع على ذأليل بِاللَّامِ نَادِر
_ مَادَّة رخل الرخل بِالْكَسْرِ وككبد الْأُنْثَى من أَوْلَاد الضَّأْن ج رخال ورخلان ورخال نَادِر
5 - إِشَارَته إِلَى الشواذ مِثْلَمَا فعل فِي
- مَادَّة سحل كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة كُرْسُف يرْوى بِالْفَتْح مَنْسُوب إِلَى السحول وَهُوَ الْقصار لِأَنَّهُ يسحلها أَي يغسلوا أَو ع بِالْيمن وبالضم جمع سحل الثَّوْب الْأَبْيَض وَفِيه شذوذ لِأَنَّهُ نِسْبَة إِلَى الْجمع أَو اسْم الْقرْيَة بِالضَّمِّ أَيْضا
_ مادم حمم قَالَ وحم الرجل مَجْهُولا من الْحمى وأحمه الله فَهُوَ مَحْمُوم من الشاذ وَوجه شذوذه أَنه جَاءَ صِيغَة الْمَفْعُول من أفعل وَالْقِيَاس محم
وَهَكَذَا فان مَا ذَكرْنَاهُ يعْتَبر شَيْئا قَلِيلا مِمَّا ذكره مُحَمَّد بن حسن صَاحب كتاب الرامز فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة

(1/67)