المحكم والمحيط الأعظم (حرف النون)
(باب الثنائي المضاعف)
(النون والفاء)
[ن ف ن ف] النَّفْنَفُ الهواء وكل شيء بينه وبين الأرض مَهْوًى
نَفْنَفٌ والنَّفْنَفُ المفازة والنَّفْنافُ البعيد عن كُراعٍ
(مقلوبه)
[ف ن ن] الفَنُّ الحالُ والفَنُّ الضرب من الشيء والجمع أفنانٌ
وفُنُونٌ وهو الأُفْنُونُ وافتنَّ أخذ في فنون من القول والفنون
الأَخْلاط من الناس وإن المجلس ليجمع فنونًا من الناس أي ناسًا ليسوا
من قبيلة واحدة وفَنَّنَ الناس جعلهم فنونًا وفَنَّهُ يَفُنُّه فَنَّا
طرده وفَنَّه يَفُنُّه فَنّا عَنَّاهُ قال
(لأَجْعَلَنْ لابنَة عَمْرٍ وفَنَّا ... )
(حَتّى يكُونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا ... )
والفَنُّ الغَبْنُ والفعل كالفعل والمصدر كالمصدر وامرأة مِفَنَّةٌ
تكون من الغَبْنِ ويكون من الطرد والتَّعْنِيَةِ وأُفْنُون الشباب
أَوَّلُه وكذلك أُفْنُون السحاب
(10/462)
والفَنَنُ الغصن وقيل الغصن القضيب يعني
المَقْضُوبُ والفَنَنُ ما تشعَّب منه والجمع أَفْنانٌ قال سيبويه لم
يجاوزوا به هذا البناء وقول الشاعر
(مِنَّا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ حتّى ... أَغَاثَ شَرِيدَهُم
فَنَنُ الظَّلامِ)
فإنه استعار للظلام أفنانا لأنه يستر الناس بأستارها وأوراقها كما
تَستر الغصونُ بأفنانها وأوراقها وشجرة فَنْوَاءُ طويلة الأفنان على
غير قياس والفَنَنُ الفرع من الشجر والجمع كالجمع وامرأة فَنْوَاءُ
كثيرة الشعر والقياس في كل ذلك فنَّاءُ وشَعَرٌ فينَانٌ قال سيبويه
معناه أن له فنونا كأفنان الشجر ولذلك صرف ورجل فينَانٌ وامرأة
فينَانَةٌ وهذا هو القياس لأن المذكر فينَانٌ مصروفٌ مشتق من أَفْنانِ
الشجر وحكى ابن الأعرابيّ امرأة فَيْنَا كثيرة الشعر مقصور فإن كان هذا
كما حكاه فحكم فينان ألا يصرف وأُرَى ذلك وهما من ابن الأعرابيّ
وتَفَنَّنَ اضْطَرَبَ كالفَنَنِ وقال بعضهم تفنن اضطرب ولم يشتقّه من
الفنن والأول أولى قال
(لو أَنَّ عُودًا سَمْهَريا مِنْ قَنَا ... )
(أو مِنْ جِيَادِ الأَرْزَنَاتِ الأَرْزَنَا ... )
(لاقَى الَّذِي لاقَيتُه تَفَنَّنَا ... )
والأُفنُون الحيَّةُ وقيل العجوز وقيل الداهية وأُفنونُ اسم امرأةٍ وهو
أيضًا اسم شاعر سُمِّيَا بأحد هذه الأشياء والمُفَنَّنَةُ من النساء
الكبيرة السيئة الخلق ورجل مُفَنَّنٌ كذلك والتَّفْنِينُ تَفَرُّزُ
الثوب إذا بَلِيَ من غير تَشَقُّقٍ شديد وقيل هو اختلاف عَمَلِه
برِقَّةٍ في مكان وكثافةٍ في آخر وبه فسر ابن الأعرابيّ قول أَبان بن
عثمان اللحن في الرجُلِ
(10/463)
ذي الهيئة كالتفنين في الثوب الجيّد وثوب
مُفَنَّنٌ مختلف والفَنِينُ ورم في الإبط ووجع أنشد ابن الأعرابي
(فلا تنْكِحِي يَا أَسْمَ إِنْ كُنْتِ حُرَّةً ... عُتَيْبَة نَابًا
نُجَّ عَنْهَا فَنِينُها)
نصب نابا على الذم أو على البدل من عتيبة أي هو في الضعف كهذه الناب
التي هذه صفتها وهكذا وجدنا بضبط الحامض نُجَّ بضم النون والمعروف نجَّ
وبعير فَنِينٌ ومَفْنُونٌ به وَرَمٌ في إبطه والفَيْنانُ فرسُ قُرانَةَ
بن عُوَيَّةَ الضَّبِّيِّ
(النون والباء)
[ن ب ب] نَبَّ التيْسُ يَنِبُّ نبّا ونَبِيبًا ونِبَابًا ونَبْنَبَ صاح
عند الهِياجِ ونَبَّ عَتُودُ فلان إذا تكبَّر قال الفرزدق
(وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ نَبَّ عَتُودُه ... ضَرَبْنَاه تَحْتَ
الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكُرْدِ)
وأُنْبُوبُ القَصَبَةِ والرُّمْحِ وأنبوبتهما كعبهما ونبًّبَتِ
العِجْلَةُ وهي بقْلَة مستطيلة مع الأرض صارت لها أنابيب أي كُعُوبٌ
وأنبوب النبات كذلك وأنابيب الرِّئَةِ مخارج النَّفَس منها على التشبيه
بذلك وقوله أنشده ابن الأعرابي
(أَصْهَبُ هدَّارٌ لكُلِّ أَرْكُبِ ... )
(بِغَيْلَةٍ تَنْسَلُّ بَيْنَ الأَنْبُبِ ... )
يجوز أن يعنى بالأَنْبُبِ أنابيب الرئة كأنه حذف زوائد أنبوب فقال
نَبٌّ ثم كسَّره على أُنُبٍّ ثم أظهر التضعيف وكل ذلك للضرورة ولو قال
بين الأُنبُبِ فضم الهمزة لكان جائزًا ولوجهناه على أنه أراد الأُنبوب
فحذف ولساغ له أن يقول بين الأُنبب وإن كانت بَيْنَ تقتضي أكثر من واحد
لأنه أراد الجنس فكأنه قال بين الأنابيب
(10/464)
والأُنْبُوبُ السَّطْرُ من الشجر وأنبوب
الجبل طَرِيقَةٌ فيه هُذَلِيَّةٌ قال الهُذَلِيُّ
(في رَأسِ شَاهِقَةٍ أُنْبُوبُها خُصِرُ ... )
(مقلوبه)
[ب ن ن] البنَّةُ الريح الطيبة كرائحة التفاح ونحوه قال سيبويه جعلوه
اسمًا للرائحة كالخَطْمَةِ والبنَّةُ ريحُ مرابض الغنم والظباء والبقر
وربما سميت مرابض الغنم بَنَّةً قال
(وَعِيدٌ تَحْدُجُ الأَرْآمُ مِنْهُ ... وتكرَهُ بَنَّةَ الغَنَم
الذِّئابُ)
ورواه ابن دريد تَخْدِجُ أي تطرَحُ أولادها نُقَّصًا والبنَّة أيضًا
الرائحة المنتنة ومنه قول علي رضي الله عنه لبعض الحَاكَة وخطب إليه
بنته واللهِ إِنِّي لَكَأَنِّي أَجِدُ مِنْكَ بَنَّةَ الغَزْل والجمع
من كل ذلك بِنَانٌ وبَنَّ بالمكان يَبِنُّ بَنّا وأَبَنَّ أقام قال
(أَبَنَّ بها عَوْدُ المَبَاءَةِ طَيِّبٌ ... نَسِيمَ البِنانِ في
الكِنَاسِ المُظَلُلِ)
وَأَبَى الأصمعيُّ إلا أَبَنَّ وأَبَنَّتِ السحابةُ دامت ولزمت وقوله
(بَلَّ الذُّنابا عَبَسا مُبِنَّا ... )
يجوز أن يكون اللازمَ اللازِقَ ويجوز أن يكون من البنَّةِ التي هي
الرائحة المنتنة فإما أن يكون على الفعل وإما أن يكون على النسب
والبَنَانُ الأصابع وقيل أطرافها واحدته بَنَانَةٌ والبنان في قوله
تعالى {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} القيامة 4 يعني
(10/465)
شَوَاهُ قال الفارسي نجعلها كخف البعير فلا
ينتفع بها في صناعة فأما ما أنشده سيبويه من قوله
(قَدْ جَعَلَتْ مَيٌّ على الطِّرارِ ... )
(خَمْسَ بَنانٍ قَانِيَ الأَظْفَارِ ... )
فإنه أضاف إلى المفرد بحسب إضافة الجنس يعني بالمفرد أنه لم يُكسَّر
عليه واحد للجمع إنما هو كسِدْرَةٍ وسِدْرٍ وقوله تعالى {فاضربوا فوق
الأعناق واضربوا منهم كل بنان} الأنفال 12 قال أبو إسحاق البنانُ هنا
جميع أعضاء البدن والبَنَانَةُ والبُنَانَةُ الرَّوْضَةُ المُعْشِبَةُ
وبنانَةُ حيٌّ
(ومن خفيف هذا الباب)
[ب ن] بَنْ وَلابَنْ لغةٌ في بَلْ ولابَلْ وقيل هو على البدل
(ومما ضوعف من فائه ولامه)
[ب ن ب] بَنْبَانُ غير مصروف موضعٌ عن ثعلب
(النون والميم)
[ن م م] النَمُّ التَّوْرِيشُ والإغراء ورَفْعُ الحديث على وجه الإشاعة
والإفساد وقيل تزيين الكلام بالكذب نَمَّ يَنَمُّ وينُمُّ ونَمَّ به
وعليه نَمّا ونَمِيمَةً ونَمِيمًا وقيل النميم جمع نَمِيمَةٍ بعد أن
يكون اسمًا أنشد ثعلب في تَعْدِيَةِ نَمَّ بِعَلَى
(وَنَمَّ عَليْكَ الكاشِحُونَ وَقيلَ ذا ... عَليْكَ الهَوَى قَدْ
نَمَّ لو نَفَعَ النَّمُّ)
(10/466)
ورجل نَمُومٌ ونَمَّامٌ وَمِنَمٌّ ونَمٌّ
من قوم نَمِّينَ وأَنِمَّاءَ ونُمٍّ وصرح اللحياني بأن نُمّا جمع
نَمومٍ وهو القياس وامرأة نَمَّةٌ والنميمة صوت الكِنَانَةِ والكِتابةِ
وقيل هو وَسْوَاسُ همس الكلام والنَامَّة حياةُ النفس وفي الحديث لا
تُمِّثِلُوا بِنَامَّة الله أي بخلق الله ونامِيَةِ اللهِ أيضًا هذه
الأخيرة على البدل وأسْكَتَ اللهُ نامَّتَهُ أي جِرْسَهُ وسمعت
نامَّتَه ونَمَّتَهُ أي حِسَّهُ والأعرف في كل ذلك نَأْمَتَهُ ونَمَّ
الشيء سطعت رائحته والنَّمَّامُ نَبْتٌ طيب الريح صفة غالبة
ونَمْنَمَتْ الريحُ الترابَ خَطَّتْهُ وتركت عليه أثرا شِبْهَ الكتابة
وهو النِّمْنِمُ والنِّمنِيمُ قال ذو الرمة
(فِيفٌ عليها لِذَيْلِ الرِّيحِ نِمْنِيمُ ... )
والنَّمْنَمَةُ خطوطٌ قصارٌ شبه ما تُنمنم الريح وثوب مُنَمْنَمٌ
مَرْقُومٌ والنُّمْنُمُ البَيَاضُ الذي على أظفار الأحداث واحدته
نَمْنَمَةٌ ونُمْنُمَة والنَّمَّةُ النَّمْلةُ في بعض اللغات
والنُّمِّيُّ فُلُوسُ الرَّصاصِ رومية قال أوس بن حجر
(وقَارَفَتْ وَهْيَ لَمْ تَجْرَبْ وبَاعَ لها ... مِنْ الفَصافِصِ
بالنُّمِّيِّ سِفْسِيرُ)
واحدته نُمِّيَّةٌ والنُّمِّيُّ الصَّنْجَةُ والنُّمِّيُّ العيب عن
ثعلب وأنشد
(ولو شِئْتُ أَبْدَيْتُ نُمِّيَّهُمْ ... وأَدْخلْتُ تَحْتَ الثِّيَابِ
الإِبَرْ)
(10/467)
وما بها نُمِّيٌّ أي ما بها أحد
والنُّمِّيَّةُ الطبيعة قال الطرماح
(بِلا خَدَبٍ ولا خَوَرٍ إذا ما ... بَدَتْ نُمِّيَّةُ الخَدَبِ
النُّفاتِ)
(مقلوبه)
[م ن ن] مَنَّهُ يَمُنُّهُ مَنّا قطعه وحَبْلٌ مَنينٌ مقطوع والجمع
أَمِنَّةٌ ومُنُنٌ وكل حبل نزع به أو مُنِخَ مَنِينٌ ولا يقال
للرِّشَاءِ مِنَ الجلدِ مَنِينٌ والمَنينُ الغُبَارُ المتقطع والمَنُّ
الإعياء والفَتْرة ومَنَّ الناقةَ يمنُّها مَنّا ومَنَّنَها ومَنَّنَ
بها هَزَلَها من السفر وقد يكون ذلك في الإنسان وفي الخبر أن أبا كبير
غزا مع تأبط شرًا فمنَّنَ به ثلاثَ ليالٍ أي أجهده وأتعبه والمُنَّةُ
القوة وخص به قوة القلب والمَنِينُ القَوِيُّ والمَنَينُ الضعيف عن ابن
الأعرابي وأنشد
(يا رِيِّها إِنْ سَلِمَتْ يَمِيني ... )
(وسَلِمَ الساقِي الذي يَليني ... )
(ولم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِينِ ... )
ومنَّهُ السيرُ يمُنُّه منّا أضعفه ومَنَّه يَمُنُّهُ مَنّا نقصه
والمَنُونُ الموت لأنه يُمُنُّ كلَّ شيء يضعفه وينقصه ويقطعه وقيل
المنون الدهر وجعله عدي بن زيد جميعا فقال
(مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَرَّيْنَ أَمَّنْ ... ذَا عَلَيه مِنْ أَنْ
يُضَامَ خَفِيرُ)
(10/468)
وهو يذكر ويؤنث فمن أنث حمل على
المَنِيَّةِ ومن ذكَّر حمل على الموت قال أبو ذؤيب
(أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تتوجَّعُ ... والدَّهْرُ ليس بمُعْتَبٍ
مَنْ يجزَعُ)
وقد روى ورَيْبِها حملا على المنية ويحتمل أني يكون التأنيث راجعا إلى
معنى الجنسية والكثرة وذلك لأن الداهية توصف بالعموم والكثرة والانتشار
قال الفارسيُّ إنما ذكَّره لأنه ذهب به إلى معنى الجنس ومَنَّ عليه
يمُنُّ مَنّا أحسن وأنعم والاسم المِنَّةُ ومنَّ عليه وامْتَنَّ
وتَمَنَّنَ قَرَعَهُ بِمِنَّةٍ أنشد ثعلب
(أعطاكَ يا زيدُ الذي يُعطي النِّعمْ ... )
(مِنْ غَيْرِ لا تَمَنُّنٍ ولا عَدَمْ ... )
(بَوَائِكا لَمْ تَنْتَجِعْ مَعَ الغَنَمْ ... )
وفي المثل كَمنِّ الغَيثِ على العَرْفَجَةِ أصابها يابسةً فاخضرتْ يقول
أَتَمُنُّ عَليَّ كَمَنِّ الغَيْثِ على العَرْفَجَة قالوا ومَنَّ عليه
خَيْرَه يَمُنُّه مَنّا فَعدوه قال
(كأَنِّي إِذْ مَنَنْتُ عَلَيْكَ خَيرِي ... مَنْنتُ عَلَى مُقَطَّعَةٍ
النِّياطِ)
ومَنَّ يَمُنُّ مَنّا اعتقد عليه مَنّا وحَسِبَهُ عليه وقوله تعالى
{وإن لك لأجرا غير ممنون} القلم 3 جاء في التفسير غير محسُوبٍ وقيل غير
مقطوع والمِنِّينَا مِن المنِّ الذي هو اعتقاد المنِّ على الرجل وقال
أبو عبيد في بعض النسخ المِنيْنَا مِن المنِّ والامْتِنَانِ ورجُلٌ
مَنُونَةٌ ومَنُونٌ كثير الامتنان الأخيرة عن اللحياني والمَنُونُ من
النساء التي تُزَوَّجُ لمالها فهي تَمُنُّ على زوجها والمنَّانَةُ
كالمَنُون والمَنُّ طَلٌّ ينزل من السماء وقيل هو شِبْهُ العسل كان
ينزل على بني إسرائيل والمَنُّ كيل أو ميزان والجمع أَمْنَانٌ
(10/469)
والمُمَنُّ الذي لم يَدَّعِهِ أَبٌ
والمِنَنَةُ القُنْفٌ ذُ
(ومن خفيفه)
[م ن] مَنْ اسم بمعنى الذي وتكون للشرط وهو اسم مُغْنٍ عن الكلام
الكثير المتناهي في البِعادِ والطول وذلك أنك إذا قلت مَنْ يَقُمْ
أَقُمْ معه كفاك ذلك من ذكر جميع الناس ولولا هو لاحْتَجْتَ إلى أَنْ
تقول إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ أو عمرو أو جعفر أو قاسم ونحو ذلك ثم تَقِفُ
حَسِيرًا مبْهورًا ولما تجد إلى غرضك سبيلاً وتكون للاستفهام المحض
وتُثنَّى وتجمع في الحكاية كقولك مَنَانِ ومَنُونَ ومَنْتَانِ ومَنَاتٍ
فإذا وصلوا فهو في جميع ذلك مفرد مذكر وأما قول الشاعر
(أَتَوْا نَارِي فقلت مَنُونَ قالوا ... سَرَاةُ الجِنِّ قُلْتُ عِمُوا
ظلاما)
فمن رواه هكذا فإنه أجرى الوصل مُجْرَى الوقف فإن قلت فإنه في الوقف
إنما يكون مَنُونْ ساكنَ النون وأنت في البيت قد حركته فهذا إذًا ليس
على نية الوصل ولا على نية الوقف فالجواب أنه لما أجراه في الوصل على
حَدِّه في الوقف فأثبت الواو والنون التقتا ساكنتين فاضطر حينئذ إلى
أنْ حرك النون لالتقاء الساكنين لإقامة الوزن فهذه الحركة إذًا إنما هي
حركة مستحدثة لم تكن في الوقف وإنما اضطر إليها الوصلُ فأما مَنْ رواه
مَنُونَ أنْتُم فأمره مُشْكِلٌ وذلك أنه شبه مَنْ بأيٍّ فقال منون أنتم
على قوله أَيُّونَ أنتم وكما جُعل أحدهما على الآخر هنا كذلك جُمِعَ
بينهما في أن جُرِّدَ من الاستفهام كل منهما ألا ترى إلى حكاية يونس
عنهم ضرب مَنٌ مَنّا كقولك ضرب رجل رجلاً فنظير هذا في التجريد له من
معنى الاستفهام ما أنشدناه من قول الآخر
(وأسماءُ ما أسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ وأصْحَابِي بأَيَّ
وأَيْنَمَا)
فجعل أَيًا اسمًا للجهة فلما اجتمعت فيها التعريف والتأنيث منعها
الصرفَ وإن شئت
(10/470)
قلتَ كان تقديره مَنُونَ كالقول الأول ثم
قال أنتم أي أنتم المقصودون بهذا الاستثبات كقول عَدِيٍّ
(أَرَوَاحٌ مُوَدِعٌ أَمْ بُكُورٌ ... أَنْتَ فَانْظُرْ لأَيِّ ذَاكَ
تَصِيرُ)
إذا أردت أَنْتَ الهالِكُ وكذلك أراد لأيِّ ذَيْنِكَ وقولهم في جواب
مَنْ قال رأيت زيدًا المَنِيَّ يا هذا فالمَنِيُّ صفة غير مفيدة وإنما
معناه الإضافة إلى مَنْ لا يخص بذلك قبيلة معروفة كما أن مَنْ لا تخص
عَيْنًا وكذلك تقول المَنِيَّانِ والمَنِيُّونَ والمَنِيَّةُ
والمَنِيَّتانِ والمَنِيَّاتُ فإذا وَصَلْتَ أفردْتَ على ما بينه
سيبويه وتكون للاستفهام الذي فيه معنى التعجب نحو ما حكاه سيبويه من
قول العرب سبحان الله مَنْ هو وما هو وأما قوله
(جَادَتْ بِكفِّيْ كَانَ مَنْ أَرْمَى الْبَشَرَ ... )
فقد رُوي مَن أَرْمَى البَشَرْ بفتح ميم مَنْ أي بكفيَّ مَنْ هو أرمى
البشر وكان على هذا زائدة ولو لم تكن فيه هذه الرواية لما جاز القياس
عليه لفردوه وشذوذه عمّا عليه عَقْدُ هذا الموضع ألا ترى أنك لا تقول
مررت بوَجْهُهُ حَسَنٌ ولا نَظَرْتُ إلى غُلامُهُ سَعِيدٌ هذا قول ابن
جني وروايتنا كان مِنْ أرْمَى البَشَر أي بكَفَّيْ رجُلٍ كان مِنْ وهو
أيضًا اسم مُغْنٍ عن التكثير وذلك أنك إذا قلت مَنْ عندك أغناك ذلك عن
ذكرالناس ومِنْ تكون لابتداء الغاية في الأماكن وذلك قوله مِنْ مكان
كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا وتقول إذا كتبت كتابًا من فلان إلى فلان
فهذه الأسماء التي هي سوى الأماكن بمنزلتها وتكون أيضًا للتبعيض تقول
هذا من الثوب وهذا منهم كأنك قلت بعضه أو بعضهم وتكون للجنس وقوله
تعالى {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عن شيءٍ منه نَفْسًا} النساء 4 إن قال قائل
كيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله وإنما قال منه فالجواب في ذلك أن
مِنْ هاهنا للجنس كما قال {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} الحج 30 ولم
نؤمر باجتناب بعض الأوثان ولكن المعنى اجتنبوا الرِّجْسَ الذي هو وثن
وكلوا الشيءَ الذي هو مهرٌ وكذلك قوله تعالى {وَعَدَ اللهُ الذين
آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً
(10/471)
وأَجْرً عَظِيمًا} الفتح 29 وقد تدخل في
موضعٍ لو لم تدخل فيه كان الكلامُ مستقيمًا ولكنها توكيد بمنزلة ما إلا
أنها تجرُّ لأنها حرف إضافة وذلك قولك ما أتاني مِنْ رَجُلٍ وما رأيت
من أحد لو أخرجتَ مِنْ كان الكلام حسنا ولكنه أكد بِمِنْ لأن هذا موضع
تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس وكذلك وَيْحَهُ مِنْ رجل
إنما أراد أن يجعل التعجب مِنْ بعض الرجال وكذلك لِي مِلْؤُه من عسل
وهو أفضل مِنْ زيد إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم وكذلك إذا قلت
أخزى اللهُ الكاذبَ مِنِّي ومِنْك إلا أن هذا وقولك أفضل منك لا يستغنى
عن من فيهما لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها قال سيبويه وأما قولك رأيته
من ذلك الموضع فإنك جعلته غاية رؤيتك كما جعلته غايةً حيث أردت
الابتداء والمنتهى قال اللحياني فإذا لقيت النون ألِفَ الوصل فبعضهم
يخفض النون فيقول مِنِ القوم ومِنِ ابِنك وحكي عن طَيِّئٍ وكَلْبٍ
اطلبوا مِنِ الرحمن وبعضهم يفتح النون عند اللام وألف الوصل فيقول مِنَ
القوم ومِنَ ابنك قال وأُرَاهُمْ إنما ذهبوا في فتحها إلى الأصل لأن
أصلها إنما هو مِنّا قال فلما جُعِلَتْ أداةً حُذِفَتْ الألف وبقيت
النون مفتوحة قال وهي في قُضَاعَةَ وأنشد الكسائي عن بعض قضاعة
(بَذلْنا مَارِنَ الخَطِيِّ فيهم ... وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسَامِ)
(مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ حَتَّى ... أَغَاثَ شَرِيدَهُمْ
فَنَنُ الظَّلاَمِ)
قال ابن جني قال الكسائي أراد مِنْ وأصلها عندهم مِنّا واحتاج إليها
فأظهرها على الصحة هنا قال ابن جني يحتمل عندي أن يكون مِنَا فِعَلا من
مَنَى يَمْنِي إذا قَدَّرَ كقوله
(حَتَّى تُلاقِي الذي يَمْنِي لَكَ المانِي ... )
أي يُقَدِّرُ لك المُقدِّرُ فكأنه تقدير ذلك الوقت ومُوَازَنَتَهُ أي
من أول النهار لا يزيد ولا ينقص
(10/472)
قال سيبويه قالوا مِنَ الله ومِنَ الرسول
ومِنَ المؤمنين فتحوا لأنها لما كثرت في كلامهم ولم تكن فعلاً وكان
الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأَيْنَ وكَيْفَ يعني أنه قد كان حكمها
أن تُكسَّر لالتقاء الساكنين قال لكن فتحوا لما ذُكِرَ قال وزعموا أن
ناسًا من العرب يقولون مِنِ الله فيكسرونه ويُجرونه على القياس يعني أن
الأصل كل ذلك أن يُكسَّر لالتقاء الساكنين قال وقد اختلفت العرب في
مِنْ إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللام فكسره قوم على القياس وهي
أكثر في كلامهم وهي الجيدة ولم يكسِّروا في ألف اللام لأنها مع ألف
اللام أكثر إذ الألف واللام كثيرة في الكلام وتدخل في كل اسم نكرة
ففتحوا استخفافًا فصار مِنَ الله بمنزلة الشاذ وذلك قولك مِنِ ابنك
ومِنِ امرئٍ قال وقد فتح قوم فصحاءُ فقالوا مِنَ ابنكَ فأجروها مُجرى
قولك مِنَ المسلمين قال أبو إسحاق ويجوز حذف النون من مِنْ وعَنْ
لالتقاء الساكنين وحذفها من مِنْ أكثر من حذفها من عن لأن دخول مِنْ في
الكلام أكثر من دخول عن وأنشد
(أَخبِرْ أَبَا دَخْنَتُوسَ مَأْلَكَةً ... غَيْرَ الَّذْيِ قَدْ
يُقَالُ مِ الْكَذِبِ)
(باب الثلاثي الصحيح)
(النون والباء والميم)
[ب ن م] البَنَامُ لغة في البَنَانِ قال عمر بن أبي ربيعةَ
(فَقَالَتْ وعَضَّتْ بالبَنَامِ فَضَحْتَنِي ... )
(الثنائي المضاعف من المعتل)
(النون والهمزة)
[ن أن أ] النَأْنَأَةْ العَجْزُ
(10/473)
وقد تَنَأْنَأَ ونَأْنَأَ في رأيه
نَأْنَأَةً ومُنَأْناةً ضَعُفَ فيه ولم يُبْرِمْهُ ورجل نَأْنَأٌ
ونأْناءٌ عاجزٌ جَبانٌ ونَأْنَأَه كَفَّه وفي كتاب العين رجل نَأْنَأٌ
يُكثِرُ تقليب حَدَقَتَيْهِ والمعروف رَأْرَأٌ
(مقلوبه)
[أن ن] أَنَّ يَئِنُّ أنّا وأَنِينًا وأْنَاناً تأوَّه ورجلٌ أنَّانٌ
وأُنَّانٌ وأُنَنَةٌ كثيرُ الأَنِينِ وقيل الأُنَنَةُ الكثير النَّثِّ
للشكوى وامرأة أنَّانة كذلك وفي بعض وصايا العرب لا تتخذها حنَّانَةً
ولا مَنَّانَةً ولا أنَّانَةً ومَالَه حانَّةٌ ولا آنَّةٌ أي ناقةٌ ولا
شاةٌ وقيل الحانَّةُ الناقة والآنَّةُ الأَمَةُ تَئِنُّ من التعب
وأنَّتِ القوس تَئِنُّ أَنِينًا أَلانَتْ صوتَها ومدَّتْهُ حكاه أبو
حنيفة وأنشد قول رؤبة
(تَئِنُّ حِيْنَ يَجْذِبُ المَخْطُومَا ... )
(أَنِيْنَ عَبْرَى أَسْلَمَتْ حَمِيْمَا ... )
والأُنَنُ طائر يضرب إلى السواد له طَوْقٌ كهيئة طَوْقِ الدُّبْسِيّ
أحمر الرجلين والمنقار وقيل هو الوَرَشَانُ وقيل هو مثل الحمام إلا أنه
أسود وصوتُه أنين أُوْهْ أُوْهْ وإِنَّهُ لَمَئِنَّةٌ أن يفعل ذاك أي
خَلِيقٌ وقيل مَخْلَقَةٌ من ذاك وكذلك الاثنان والجميع والمؤنث وقد
يجوز أن تكون مَئِنَّةٌ فَعِلَّةً فهو على هذا ثلاثي وأتاه على
مَئِنَّة ذاك أي حينه ورُبَّانه وفي الحديث مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْه الرجل
أي بَيانٌ منه وأنَّ الماءَ يؤُنُّه أنّا صبَّه وفي كلام الأوائل أُنَّ
ماءً ثم اغْلِهِ حكاه ابن دريد قال وكان ابن الكلبي يرويه أُنَّ ماءً
ويزعم أن أُنَّ تصحيف وإِنَّ حرف تأكيد وقوله عز وجل {إن هذان لساحران}
طه 63 أخبر أبو علي
(10/474)
أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى أن إنَّ هنا
بمعنى نعم وهذان مرفوع بالابتداء وأن اللام في لساحران داخلة على غير
ضرورة وأن تقديره نعم هذان لهما ساحران وحكى عن أبي إسحاق أنه قال هذا
الذي عندي فيه والله أعلم وقد بين أبو عليٍّ فساد ذلك فغنِينا نحن عن
إيضاحه هنا فأما قوله عز وجل {إِنَّا كُلَّ شَيٍ خَلَقْناه بِقَدَرٍ}
القمر 49 {إنا نحن نحيي ونميت} ق 43 ونحو ذلك فأصله إنَّنَا ولكن حذفت
إحدى النونين من إِنَّ تخفيفًا وينبغي أن تكون الثانية منهما لأنها طرف
وهي أضعف ومن العرب من يبدل همزتها هاءً مع اللام كما أبدلوها في
هَرَقْتُ فيقول لَهِنَّكَ لرجُلُ صدقٍ قال سيبويه وليس كل العرب تتكلم
بها قال الشاعر
(أَلا يَا سَنَا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الحِمَى ... لَهِنَّكَ مِنْ
بَرْقٍ عَلَيَّ كَرِيمُ)
وحكى ابن الأعرابي هِنَّك وواهِنَّكَ وذلك على البدل أيضًا وأنَّ كإنَّ
في التأكيد إلا أنه تقع موقع الأسماء ولا تبدل همزتها هاءً ولذلك قال
سيبويه وليس إِنَّ كأنَّ إنَّ كالفعل وأنَّ كالاسم ولا تدخل اللام مع
المفتوحة فأما قراءة سعيد بن جبير {إلا إنهم ليأكلون الطعام} الفرقان
20 بالفتح فإن اللام زائدة كزيادتها في قوله
(لَهِنَّكِ في الدُّنَيا لَبَاقِيةُ العُمْرِ ... )
ولا أفعل كذا ما أنَّ في السماء نجما حكاه يعقوب ولا أعرف ما وجه فتح
أنَّ هنا إلا أن يكون على توهم الفعل كأنه قال ما ثبت أنَّ في السماء
نجمًا أو ما وجد أنَّ في السماء نجمًا وحكى اللحياني ما أنَّ ذلك الجبل
مكانه وما أنَّ حراءً مكانه ولم يُفسره وكأنَّ حرف تشبيه إنما هو أَنَّ
دخلت عليها الكاف قال ابن جني إن سأل سائل فقال ما وجه دخول الكاف
هاهنا وكيف أصل وضعها وترتيبها فالجواب أن أصل قولنا كأنَّ زيدًا عمروٌ
إنما هو إِنَّ زيدًا كعمرو فالكاف هنا تشبيه صريح وهي متعلقة بمحذوف
وكأنك قلت إن زيدًا كائنٌ كعمرو وإنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي
عليه عقدوا الجملة فأزالوا الكاف من وسط الجملة وقدموها إلى أَوَّلِها
لإفراط عنايتهم بالتشبيه
(10/475)
فلما أدخلوها على إنَّ من قبلها وجب فتح
إنَّ لأنَّ المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ولا تقع إلا أوَّلاً أبدا
وبقي معنى التشبيه الذي كان فيها وهي متوسطةٌ بحالِهِ فيها وهي متقدمة
وذلك قولهم كأنَّ زيدًا عمروٌ إلا أنَّ الكاف الآن لما تقدمت بطل أن
تكون معلقة بفعل ولا بشيء في معنى الفعل لأنها فارقت الموضع الذي يمكن
أن تتعلق فيها بمحذوف وتقدمت إلى أوَّل الجملة وزالت عن الموضع الذي
كانت فيه متعلقة بخبر إنَّ المحذوف فزال ما كان لها من التعلق بمعاني
الأفعال وليست هاهنا زائدة لأن معنى التشبيه موجود فيها وإن كانت قد
تقدمت وأزيلت عن مكانها فإن قلت إنَّ الكاف في كأنَّ الآن ليست متعلقة
بفعل وليس ذلك بمانع من الجر فيها ألا ترى أن الكاف في قوله {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيءٌ} الشورى 11 ليست متعلقة بفعل وهي مع ذلك جارَّةٌ
ويؤكد عندك أيضًا هنا أنها جارة فتحهم الهمزة بعدها كما يفتحونها بعد
العوامل الجارة وغيرها وذلك قولك عجبت من أنك قائم وأظن أنك منطلق
وبلغني أنك كريم فكما فَتَحْتَ أنَّ لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع
الأسماء كذلك فتحت أيضًا في كأنك قائم لأن قبلها عامًلا قد جرَّها وأما
قول الراجز
(فَبَادَ حَتَّى لَكَأنْ لَمْ يَسْكُنِ ... )
(فَالْيَومَ أَبْكِي وَمَتَى لَمْ يُبْكِني ... )
فإنه أكد الحرف باللام وقوله
(كَأنَّ دَرِيئَةً لَمَّا الْتَقَيْنَا ... لِنَصْلِ السَّيْفِ
مُجْتَمَعُ الصُّدَاعِ)
أَعْمَلَ معنى التشبيه في كأنَّ في الظرف الزماني الذي هو لما التقينا
وجاز ذلك في كأنَّ لما فيها من معنى التشبيه وقد تخفف أَنْ ويرفع ما
بعدها قال الشاعر
(أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما ... مِنِّي السَّلامَ وأَنْ
لاْ تُعْلِما أحَدا)
قال ابن جني سألت أبا عليٍّ فقلت لم رفع تقرآن فقال أراد النون الثقيلة
أي أنكما تقرآنِ قال أبو عليٍّ وأولى أَنْ المخففة من الثقيلة الفعلَ
بلا عوض ضرورة وهذا على كل حال وإن كان فيه بعض الصنعة فهو أسهل مما
ارتكبه الكوفيون
(10/476)
قال وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن
يحيى في تفسير أن تقرآن قال شبه أنْ بما فلم يُعملها في صلتها وهذا
مذهب البغداديّين قال وفي هذا بُعْدٌ وذلك أنَّ أنْ لا تقع إذا وصلت
حالاً أبدًا إنما هي للمضي أو الاستقبال نحو سرني أنْ قام زيد ويسرني
أنْ يقوم ولا تقول يسرني أن يقوم وهو في حال قيام وما إذا وصلت بالفعل
فكانت مصدرًا فهي للحال أبدًا نحو قولك ما تقوم حسن أي قيامك الذي أنت
عليه حسن فيبعد تشبيه واحدة منهما بالأخرى وكل واحدة منها موقع صاحبتها
ومن العرب من ينصب بها مخففة وتكون إنَّ في موضع أَجَلْ وحكى سيبويه
ائْتِ السوقَ أَنَّك تشتري لنا شيئًا أي لَعَلَّكَ وعليه وجه قوله
تعالى {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} الأنعام 109 إذ لو كانت
مفتوحةً عَنْهَا لكان ذلك عذرًا له قال الفارسي فسألت عنه أَوَانَ
القراءة أبا بكر فقال هو كقول الإنسان إنَّ فلانًا يقرأ ولا يفهم فتقول
أنت وما يدريك أنه لا يفهم وتبدل من همزة أنَّ مفتوحةً عَيْنٌ فيقال
علمت عَنَّك منطلق وقالوا لا أَفْعَلُهُ ما أنَّ في السماء نجم وما
أنَّ في الفرات قطرة أي ما كان وحكى اللحياني ما أنَّ في فراتٍ قطرةٌ
وقد ينصب ولا أفعَلَهُ ما أنَّ السماءَ سماءٌ قال اللحياني ما كان
وإنما فسره على المعنى وأَنَّى كلمة معناها كيف ومِنْ أَيْنَ
(ومن خفيف هذا الباب)
[أن] إنْ بمعنى ما في النفي وتُوصَلُ بها ما زائدة قال زُهَيْرٌ
(مَا إِنْ يَكَادُ يُخَلِّيهم لِوِجْهَتِهمْ ... تَخالُجُ الأَمْرِ
إِنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ)
وقوله أنشده سيبويه
(وَرَجِّ الفَتَى للخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ ... عَلَى السِّنِّ
خَيْرًا لا يزالُ يَزِيدُ)
فإنما دخلت إنْ على ما وإن كانت ما هنا مصدرية لشبهها لفظا بما النافية
التي تُؤَكَّدُ
(10/477)
بإنْ وشَبَهُ اللفظ بينهما يُصَيِّرُ ما
المصدرية إلى أنها كأنَّها ما التي معناها النفي أفلا ترى أنك لو لم
تجذب إحداهما إلى أنها كأنها بمعنى الأخرى لم يَجُزْ لك إلحاق إِنْ بها
قال سيبويه وقولهم افعل كذا وكذا إمَّا لا ألزموها ما عوضًا وهذا أحرى
إذ كانوا يقولون آثِرًا ما فيُلزمون ما شبهوها بما يَلْزَمُ من النونات
في لأفعلنَّ واللامِ في إن كان ليفعل وإن كان ليس مثلَه وإنما هو شاذ
وتكون للشرط نحو إِنْ فَعَلْتَ فَعَلْتُ وحكى ابن جني عن قُطْرُبٍ أن
طَيِّئًا تقول هِنْ فَعَلْتَ فَعَلْتُ يريدون إنْ فيبدلون وتكون زائدة
مع ما النافية وحكى ثعلب أعْطِه إنْ شاء أي إذا شاء ولا تُعْطِهِ إنْ
شاء معناه إذا شاء فلا تعطه وأَنْ تنصب الأفعال المضارعة ما لم تكن في
معنى أَنَّ قال سيبويه وقولهم أمَّا أنت منطلقًا انطلقت معك إنما هي
أَنْ ضُمَّتْ إليها ما وهي ما التوكيد ولزمت كراهيةَ أن يجحفوا بها
لتكونَ عِوَضًا من ذهاب الفعل كما كانت الهاء والألف عوضًا في الزنادقة
واليماني من الياء فأما قول الشاعر
(تَعَرَّضَتْ لِي بمكانٍ حِلِّ ... )
(تَعَرُّضَ المُهْرَةِ في الطِّوَلِّ ... )
(تَعَرُّضًا لَمْ يأْلُ عَنْ قَتْلاً لِي ... )
فإنه أراد لم يألُ أنْ قتلاً لي أي أن قتلني قتلاً فأبدل العين مكان
الهمزة وهذه عَنْعَنَةُ تميم وقد تقدمت ويجوز أن يكون أراد الحكاية
كأنه حكى النصب الذي كان معتادًا من قولها في بابه أي كانت تقول قتلاً
قتلاً أي أنا أقتله قتلاً ثم حكى ما كانت تَلْفِظُ به وقوله
(إنِّي زَعِيمٌ يا نُويْقَةُ ... إِنْ نَجوْتِ مِنَ الرَّوَاحِ)
(أَنْ تَهْبِطِينَ بِلادَ قَوْمٍ ... يُرْتِعُونَ مَعَ الطِّلاَحِ)
(10/478)
قال ثعلب قال الفراء هذه أنْ الدائرةُ
يَليها الماضي والدائم فتبطل عنهما فلما وليها المستقبل بطلت عنه كما
بطلت عن الماضي والدائم وتكون زائدة مع لمَّا التي بمعنى حين وتكون
معنى أَيْ نحو قوله تعالى {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} ص 6 قال بعضهم
لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي ليعير بها وبما بعدها عن معنى الفعل
الذي قبلها فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليُفَسَّر به ما قبلها
فيحسب ذلك امتنع الوقوف عليها وحكى ثعلب أيضًا أعْطِهِ إِلا أَنْ يشاءَ
أي لا تعطه إذا شاء ولا تعطه إلا أن يشاء معناه إذا شاء فأعطه وأَنَ
اسم المتكلم فإذا وقفت ألحقت ألفًا للسكوت ورُوِيَ عن قطرب أنه قال في
أَنَ خمس لغات أَنَ فَعَلْتُ وأَنَا فَعَلْتُ وآاْنَ فَعَلْتُ وأَنْه
فَعَلْتُ وأَنَّهْ فَعَلْتُ حكى كل ذلك عنه ابن جني وفيه ضعف كما ترى
قال ابن جني يجوز أن تكون الهاء في أنَّهْ بدلاً من الألف في أَنَا لأن
الأكثر في الاستعمال إنما هو أنا بالألف والهاء قليلة فهي بدل من الألف
ويجوز أن تكون الهاء أُلحقت لبيان الحركة كما أُلحقت الألف ولا تكون
بدلاً منها بل قائمة بنفسها كالتي في كِتَابِيَهْ وحِسَابِيَهْ وأنت
ضمير المخاطب الاسم أَنْ والتاءُ علامة المخاطب والأنثى أَنْتِ وتقول
في التثنية أنتما وليس بتثنية أنْتَ إذ لو كان تثنيةً لوجب أن تقول في
أَنْتَ أنتان إنما هو اسم مصوغ يدل على التثنية كما صيغ هذان وهاتان
وكُما مِنْ ضَرَبْتُكُما وهما يدل على التثنية وهو غير مُثنًى على
حَدٍّ زيد وزيدان
(النون والياء)
[ن ي ن] نَيَّانُ مَوْضِعٌ قال أنشده يعقوب في الألفاظ
(قَرَّبَها ولَمْ تكَدْ تَقْرَّبُ ... )
(مِنْ أَهْلِ نَيَّانَ وَسِيقٌ أَحْدَبُ ... )
وأما قول عطًّاف بن أبي شَعْفَرَة الكلبي
(فمَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمسِ حَتَّى كأنَّهُم ... بِذِي الرِّمثِ مِنْ
نَيَّاْ نَعامٌ نَوافِرُ)
فإنما أراد من نَيَّانَ فحذف
(10/479)
(مقلوبه)
[ي ي ن] يَيْنٌ اسم بلد عن كُراع قال ليس في الكلام اسم وقعت في أوله
ياءان غيره وقال ابن جني إنما هو يَيَنٌ وقَرَنَه بِدَدَنٍ
(النون والواو)
(ومما ضوعف من فائه ولامه)
[ن ون] النُّوْنُ الحوت والجمع نِيْنَانٌ والنُّونُ حرف هجاء وهو حرف
مجهور أَغَنُّ يكون أصلاً وبدلاً وزائدًا فالأصل نحو نون نُعْمٍ ونون
جَنْبٍ ونون حِصْنٍ وأما البدل فذهب بعضهم إلى أَنَّ النُونَ في
فَعْلانَ فَعْلَى بدلٌ من همزة فَعْلاءَ وإنما دعاهم إلى القول بذلك
أشياء منها أن الوزن في الحركة والسكون في فعلان وفعلاء واحدٌ وأن في
آخر فعلان زائدتين زيدتا معا والألفُ منها ألفٌ ساكنة كما أن فعلاء
كذلك ومنها أن مؤنث فعلان على غير بنائها كما أن مذكر فعلاء على غير
بنائها ومنها أن آخر فعلاء همزة التأنيث كما أن في آخر فعلان نونًا
تكون في فَعَلْنَ نحو قُمْنَ وقَعَدْنَ علامةَ تأنيثٍ فلما أشبهت
الهمزةُ النونَ هذا الإشباه وتقاربتا هذا التقارب لم تَخْلُوَا أن
تكونا أصلين كل واحدة منهما قائمة بنفسها غير مبدلة من صاحبتها أو تكون
إحداهما منقلبة عن الأخرى فالذي يدل على أنهما ليستا بأصلين بل النون
بدل من الهمزة قولهم في صنعاء وبَهْراء صنعانِيُّ وبَهْرَانِيُّ لما
أرادوا الإضافة إليهما فإبدالهم النون من الهمزة في صنعاء وبهراء يدل
على أنها في باب فَعْلان فَعْلى بدلٌ من همزة فعلاء وقد ينضاف إليه
مقويا له قولهم في جمع إنسان أناسيُّ وفي ظَرِبَانٍ ظَرَابِيُّ فجرى
هذا مَجْرَى قولهم صلفاءُ وصلافِيُّ وخَبْرَاءُ وخَبارِيُّ فردُّهم
النونَ في إنسانٍ وظَرِبَانٍ ياءً في ظرابيّ وأناسيّ وردُّهم همزة
خبراء وصلفاء ياءً يدل على أن الموضع للهمزة وأن النون داخلة عليها
والتنوين والتنوينة معروف ونوَّنَ الاسم ألحقه التنوينَ والنُّونَةُ
الثُّقْبَةُ في ذقن الصبي الصغير وفي حديث عثمان رضي الله عنه أنه رأى
(10/480)
صبياً مليحًا فقال دَسِّمُوا نُونَتَهُ أي
سَوِّدُوها لئلا تُصيبها العين حكاه الهروي في الغريبين
(مقلوبه)
[ون ن] الوَنُّ الصَنْجُ وهو الوَنْجُ كلاهما دخيل انقضى الثنائي
(باب الثلاثي المعتل)
(النون والفاء والهمزة)
[ن ف أ] النُّفَأُ القِطَعُ من النَبْت المتفرقة هنا وهنا وقيل هي
رِياضٌ مجتمعة تَنْقَطِعُ من معظم الكلأ وتُرْبِي عليه قال الأسود بن
يَعْفُرَ
(جَادَتْ سَوَارِيه وآزَرَ نَبْتَهُ ... نُفَأٌ مِن الصَّفْرَاءِ
والزُّبَّادِ)
واحدتها نُفَأَةٌ وقوله وآزر نبته يُقَوِّي أنَّ نُفَأَةً ونُفَأً من
باب عُشَرَةٍ وعُشَرٍ إذ لو كان مكسّرًا لاحتال حتى يقول آزرت
(مقلوبه)
[ن أف] نَتِفَ الشيء نَأَفًا ونَأَفًا أكله وقيل هو أَكْلُ خيارِ الشيء
وأوله ونئِفَتِ الراعيةُ المَرْعَى أكلته وزعم أبو حنيفة أنه على تأخير
الهمزة وليس هذا بقوي ونئِفَ من الشراب نأَفًا ونَأْفًا رَوِيَ
(مقلوبه)
[ف ن أ] مَالٌ ذُو فَنأٍ أي كثرةٍ كفنع وأُرَى الهمزة بدلاً من العين
وأنشدني أبو العلاء بيت أبي محجن الثقفي
(10/481)
(وَقَدْ أَجُودُ وَما مَالي بِذي فَنأٍ ...
وأَكْتُمُ السِّرَّ فيه ضَرْبَةُ العُنُقِ)
ورواية يعقوب في الألفاظ بذي فَنَعٍ
(مقلوبه)
[أن ف] الأَنْفُ المَنْخِرُ والجمع آنُف وآنَافٌ وأُنُوفٌ أنشد ابن
الأعرابي
(بِيضُ الوُجوه كريمةٌ أَحْسَابُهُم ... في كُلِّ نَائِبَةٍ عِزازُ
الآنُفِ)
وقال الأعشى
(إذا رَوَّحَ الرَّاعِي اللِّقَاحَ مُغرِّبًا ... وأَمْسَتْ على
آنافِها غَبَراتُها)
وقال حسان بن ثابت
(بيضُ الوجُوه كَرِيمةٌ أَحْسَابُهُم ... شُمُّ الأُنُوفِ منَ
الطِّرازِ الأوَّلِ)
وأَنَفَهُ يأنِفُهُ أَنْفًا أصاب أنْفَه ورجل أُنافِيٌّ عظيم الأَنْفِ
وامرأة أَنُوفٌ طيبة ريح الأنف وقال ابن الأعرابي هي التي يُعجبك
شَمُّك لها قال وقيل لأعرابي تزوَّجَ امرأةً كيف وجدتها فقال وجدتُها
رَصُوفا رَشُوفا أُنُوفا وكل ذلك قد تقدم تفسيره وبعيرٌ مَأْنُوفٌ يساق
بأنفه وأَنِفَ أَنَفًا فهو أَنِفٌ وآنِفٌ شكى أنفه منِ البُرَّةِ وفي
الحديث إِنَّ المُؤْمِنَ كَالْبَعِيرِالأَنِف والآنِف أي أنه لا يَريمُ
التشكي وقيل الأَنِفُ الذي عقره الخِطَامُ وإن كان من خِشاشٍ أو بُرَةٍ
في أَنْفِهِ فمعناه أنه ليس يمتنع على قائده في شيء للوجع الذي به وكان
الأصل في هذا أن يقال مأنُوفٌ كما قال مصدور ونحوه
(10/482)
وأَنَفَهُ جعله يشتكي أَنْفَه وأضاع مطلبَ
أَنْفِه وموضعَ أنفه أي الرَّحِمَ التي خرج منها عن ثعلب وأنشد
(وإذا الكَريمُ أَضَاعَ مَوْضِعَ أَنْفِهِ ... أَوْ عِرْضَهُ
لِكَرِيهَةٍ لم يَغْضَبِ)
وأَنْفَا القوس الحَدَّان اللذان في بواطن السِّيَتَيْن وأَنْفُ
النَعْلِ أَسَلَتُها وأَنْفُ كل شيء طرفه وأوله ويكون في الأزمنة
واستعمله أبو خِراشٍ في اللحْيَةِ فقال
(تُخَاصِمُ قَومًا لا تُلقَّى جَوابَهُمْ ... وقد أَخَذَتْ مِنْ أَنْفِ
لِحْيَتِكَ اليَدُ)
سمى مقدَّمها أَنْفا يقول فطالت لحيتُكَ حتى قَبَضْت عليها ولا عَقْلَ
لك مَثَلٌ وأَنْفُ النَّابِ طرفه حين يطلع وأنف النَّابِ حَرْفُه وأنف
البَرْدِ أشدُّه وجاء يعدو أَنْفَ الشدِّ والعَدْو أي أشدَّه وأَنْفُ
الجبل نادِرٌ يَنْدُرُ منه والمؤنَّفُ المحدَّدُ من كل شيء والمؤنَّفُ
المُسَوَّى وسَيْرٌ مُؤَنَّفٌ مَقْدُودٌ على قدرٍ واستواءٍ ومنه قول
الأعرابي يصف فرسًا لُهِزَ لَهْزَ العَيْر وَأنِّفَ تأنيف السَّيْر أي
قُدَّ حتى استوى كما يستوي السير المقدود ورَوْضَةٌ أُنُفٌ لم تُوطأ
واحتاج أبو النجم إليه فسكَّنه فقال
(أُنْفٌ تَرَى ذِبَّانَها تُعَلِّلُهْ ... )
وكلأٌ أُنُفٌ إذا كان بحاله لم يَرْعَه أحدٌ وكأس أُنُف مَلأَى وكذلك
المَنْهَلُ
(10/483)
والأُنُفُ الخَمْرُ التي لم يُستخرج من
دَنِّها شيء قبلها قال عبدة بن الطبيب
(ثُمَّ اصْطَبَحْنَا كُمَيْتًا قَرْقَفًا أُنُفًا ... مِن طَيِّبِ
الرَّاحِ واللَّذاتُ تَعْلِيلُ)
وأرضٌ أُنُفٌ وأَنِيفَةٌ مُنْبتَةٌ وهي آنَفُ بلاد الله وآنَفَ وَطِئَ
كلأ أُنُفًا واستأَنَفَ الشيء وائْتَنَفَهُ أخذ أوَّله وابتدأه وقيل
استقبله واستأنفه بوعدٍ ابتدأه به من غير أن يسأله إياه أنشد ثعلب
(وأَنْتِ المُنَى لو كُنْتِ تَسْتَأْنِفِيْننَا ... بِوَعْدٍ ولكنْ
مَعْتَفَاكِ جَدِيْبُ)
أي لو كنت تَعِدِيننا الوصلَ وأُنْفُ الشيء أَوَّلُه ومستأنفُهُ
والمُؤْنَفَةُ والمُؤَنَّفَةُ من الإبل التي يَتَتَبَّعُ بها أُنُفَ
المَرْعَى أي أوله وفي كتاب علي بن حمزة أَنْفُ المرعى ورجل مِئْنافٌ
يستأنف المرعى والمنازل والمونَّفةُ من النساء التي استُؤْنِفَتْ
بالنكاح أوّلاً يقال امرأة مُؤَنَّفَةٌ مكثَّفة وقد تقدم ذكر المكثفة
وجاء آنِفًا أي قَبَيلُ وفَعَلَهُ بآنِفَةٍ وآنِفًا عن ابن الأعرابي
ولم يفسره وعندي أنه مثل قولهم فَعَلَهُ أَنِفًا وقال الزجاج في قوله
تعالى {ماذا قال آنفا} محمد 16 أي ماذا قال الساعة في أوَّل وقت يقرب
منا ومعنى آنِفًا من قولك استأنفت الشيء إذا ابتدأته وأَنِفَ من الشيء
أَنَفًا وأَنَفَةً حَمِيَ وأَنِفَ الطعامَ وغيره أَنَفًا كَرِهَه ورجلٌ
أَنُوفٌ شديد الأَنَفَةِ والجمع أُنُفٌ وآنَفَهُ جعله يَأْنَفُ وقول ذي
الرمة
(رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيعاً وبُسْرَةً ... وَصَنْعَاءَ حَتَّى
آنَفَتْهَا فِصَالُهَا)
(10/484)
يجوز أن يكون آنفتها جعلتها تشتكي أُنُوفها
وإن شئت قلت إنه فاعَلَتْها من الأَنْف وقال عُمارة آنَفَتْها جعلتها
تأنَفُ منها كما يأنف الإنسان فقيل له إن الأصمعي يقول كذا وإن أبا
عمرو يقول كذا فقال الأصمعي عاضٌّ كذا من أُمِّهِ وأبو عمرو ماصٌّ كذا
من أُمّهِ أَأَقُول ويقولان فأَخْبَرَ الراوِيَةُ ابنَ الأعرابي بهذا
فقال صدق وأنت عرضتهما له وأَنْفٌ بلدة قال عَبْدُ مناف بن رِيْعٍ
الهذلي
(مِنَ الأَسَى أَهْلُ أَنْفٍ يَوْمَ جَاءَهُم ... جَيْشُ الحِمَارِ
فَكَانُوا عَارِضًا بَرِدَا)
(مقلوبه)
[أف ن] أَفَنَ الناقةَ والشاةَ يأْفِنُهَا أفْنًا حَلَبَهَا في غير
حِينها وقيل هو استخراجُ جميع ما في ضَرْعِها قال المُخَبَّلُ
(إذا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيَالَك أَفْنُهَا ... وإِنْ حُيِّنَتْ أَرْبَى
على الوَطْبِ حِينُهَا)
وقيل هو أن يحتلبها في كل وقت وقيل الأَفْنُ أن تُحلب الشاةُ والناقةُ
في غير وقت حلبها فيُفسدها ذلك ورجل مَأْفُونٌ ضعيف العقل والرأي وقيل
هو المتمدح بما ليس عنده والأولُ أصح وقد أُفِنَ أَفْنًا وَأَفَنًا
والأفِينُ كالمَأْفُونِ ومنه قولهم كثرة الرّقينِ تُعَفِّي على أَفَنِ
الأفين وأخذ الشيءَ بإفَّانِه أي بزَمَانِه وأوله وقد يكون فِعْلانا
وجاءه على إفَّانِ ذاك أي إبَّانه والأفانِي نَبْتٌ وقال ابن الأعرابي
هو شجرٌ بِيضٌ وأنشد
(كَأنَّ الأَفَانِي شَيْبٌ لها ... إذا التفَّ تَحْتَ عَنَاصِي
الوَبَرْ)
وقال أبو حنيفة الأفانِي من العشب وهي غبراء لها زهرة حمراء وهي طيبة
تكثر ولها كلأ يابس
(10/485)
وقيل الأفاني شيء ينبت كأنه حَمْصَةٌ
يُشَبَّهُ بفراخ القطا حين يُشَوِّكُ تبدأُ بقلة ثم تصير شجرة خضراء
غبراء قال النابغة في وصف حَمِيرٍ
(تَوَالِبُ يَرْفَعُ الأذناب عَنْها ... شَرَى أَسْتَاهِهِنَّ مِنَ
الأَفَانِي)
وزاد أبو المكارم أن الصبيان يجعلونها كالخواتم في أيديهم وأنها إذا
يبست وابيضت شوَّكتْ وشوكُها الحَماطُ وهو لا يقع في شراب إلا رِيْحَ
من يشربه وقال أبو السَّمْحِ هي من الجنْبَةِ شجيرة صغيرة مجتمع ورقها
كالكُبَّة وغُبَيْراء مَليسٌ ورقها وعيدانها شبه الزَّغَبِ لها شُوَيك
لا تكاد تَستَبِينُهُ فإذا وقع على جلد الإنسان وجده كأنه حريق نار
وربما شَرِيَ منه الجلدُ وسال منه الدمُ
(النون والباء والهمزة)
[ن ب أ] النَّبَأُ الخبر والجمع أنباءٌ وقوله تعالى {عم يتساءلون عن
النبإ العظيم} النبأ 1 2 قيل عن القرآن وقيل عن البعث وقيل عن أمره صلى
الله عليه وسلم وقد أنبأه إياه وبه وكذلك نَبَّأه متعدّية بحرف وغير
حرف وحكى سيبويه أنا أُنْبُؤُكَ على الإتْباع وقوله
(إلى هِنْدٍ مَتَى مَا تُسْأَلِي تُنْبَىْ ... )
أبدل همزةَ تُنْبَى إبدالاً صحيحًا حتى صارت الهمزة حرف علة فقوله
تُنْبَى كقوله تُقْضَى وهكذا رأيت هذا البيت وهو لا محالة ناقص
واستنبأَ النبأَ بحث عنه ونابأْتُ الرجلَ أنبأْتُه وأنبأَنِي قال ذو
الرمة
(زُرْقُ العُيُونِ إِذَا جَاوَرْتَهُم سَرَقُوا ... مَا يَسْرِقُ
العَبْدُ أَوْ نَابَأْتَهُم كَذَبُوا)
والنَّبِىْءُ المُخْبِرُ عن الله عز وجل مكية قال سيبويه الهمز فيه لغة
رديئة يعني لقلة استعمالها لأن القياس يمنع من ذلك ألا ترى إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل له يا نَبِيْءَ الله فقال لست
بِنَبِيْءِ الله ولكن نَبِيُّ الله وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أنكر
الهمز في اسمه فرده على قائله لأنه لم يدر بم سماه فأشفق أن
(10/486)
يُمسك على ذاك وفيه شيء يتعلق بالشرع فيكون
بالإمساك عنه مُبِيحَ محظورٍ أو حاظرَ مباحٍ والجمع أَنْبِئَاءُ
ونُبآءُ وقوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح}
الأحزاب 7 فقدمه صلى الله عليه وسلم على نوح في أخذ الميثاق فإنما ذلك
لأن الواو معناها الاجتماعُ وليس فيها دليل أن المذكور أولاً لا يستقيم
أن يكون معناه التأخير فالمعنى على مذهب أهل اللغة ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ابن مريم ومنك وجاء في التفسير إِنَّنِي خُلِقْتُ قَبْلَ
الأَنْبِيَاءِ وبُعِثْتُ بَعْدَهُمْ فعلى هذا لا تقديم في الكلام ولا
تأخير هو على نَسَقِه وأَخْذُ الميثاق حيث أُخرجوا من صلب آدم
كالذَّرِّ وهي النُّبوءَةُ وتنبأ الرجلُ ادَّعَى النُّبُوءَةَ وقد
أنعمت شرح هذه الكلمة وأَبَنْتُ اشتقاقها في الكتاب المخصِّص ونبأ من
بلد كذا ينبأُ نَبْأً ونُبُوءًا طَرَأَ والنَّابِيءُ الثَّوْرُ الذي
يَنْبَأُ من أرضٍ إلى أرضً أي يخرج ونَبَأَ عليهم يَنْبَأُ نَبْأً
هَجَمَ وطلع وكذلك نَبَهَ وطلع كلاهما على البدل ونَبَأَ نَبْأً
ونُبُوءًا ارتفع والنَّبْأَةُ النَّشْزُ والنَّبِيءُ الطريق الواضح
والنَّبْأَةُ صوت الكلاب وقيل هو الجِرْسُ أيّا كان وقد نَبَأَ نَبْأً
(مقلوبه)
[أن ب] أَنَّبَ الرجلَ لامه ووبَّخه وقيل بَكَّته وأَنَّبَهُ أيضًا
سأله فَجبَهَهُ والأَنَبُ الباذنجان واحدته أَنَبَةٌ عن أبي حنيفة
(مقلوبه)
[أب ن] أَبَنَ الرجلَ يأْبِنُهُ ويأبُنُهُ أبْنًا اتَّهمه وعابه وقال
اللحياني أَبَنْتُهُ بخير وشرٍّ آبُنُهُ وآبِنُهُ أبنًا وهو مأبُونٌ
بخير أو بشر فإذا أضربْتَ عن الخير والشَّرِّ فقلْتَ هو مأبونٌ لم يكن
إلا الشَّرِّ وكل ذلك ظنٌّ تظنه وأَبَّنَ الرجلَ كأبَنَهُ وأَبَنَ
الرجُلَ وأَبَّنَهُ كلاهما عابه في وجهه وعيَّره
(10/487)
والأُبْنَةُ العُقْدَة في العُودِ وهو
أيضًا مُخْرَجُ الغُصْنِ في القَوْسِ والأُبْنَةُ العَيْبُ وأصله من
ذلك والأُبْنَةُ العيب في الكلام وقد تقدم قول خالد بن صفوان في
الأُبْنَة والوصْمَة وأُبْنَةُ البعير غَلْصَمَتُهُ وإبَّانُ كل شيء
وقته وحينه الذي يكون فيه يقال جئته على إبَّان ذاك أي على زمنه وأخذ
الشيء بإبَّانه أي بزمانه وقيل بأوله ومن كلام سيبويه في قولهم يا
للعجب أي يا عَجَبُ تعالَ فإنه من إبَّانك وأحيانك وأَبَّنَ الرجلَ
وأَبَّلَهُ على البدل مدحه بعد موته قال مُتَمِّمٌ
(لَعَمْرِي وَمَا دَهْرِي بِتَأْبِينِ هالكٍ ... ولا جَزَعٍ مِمَّا
أَصَابَ فَأَوْجَعَا)
وقال ثعلب هو إذا ذكرْتَه بعد موته بخير وقال مَرَّةً هو إذا ذكرْتَه
بعد الموت وقد جاء في الشعر مدحًا للحي وهو قول الرَّاعِي
(فَرَفَّعَ أَصْحَابِي المَطِيَّ وَأَبْنُوا ... هُنَيْدَةَ فَاشْتَاقَ
العُيُونُ اللَّوامِحُ)
قال مدحها فاشتاقوا أن ينظروا إليها فأسرعوا السير إليها شوقًا منهم أن
ينظروا منها وأَبَّنَ الأَثَرَ وهو أن يَقْتَفِرَهُ فلا يَضِحُ له ولا
ينفلت منه والتَّأْبِينُ أن يُفْصَدَ العِرْقُ ويؤخذ دمه فيشوى ويؤكل
عن كراع وأُبَنُ الأَرضِ نَبْتٌ يخرج في رُءُوس الإِكامِ له أصلٌ ولا
يطول وكأنه شَعَرٌ يؤكل وهو سريع الخروج سريع الهَيْج عن أبي حنيفة
وأَبَانَانِ جبلان أحدهما أسود والآخر أبيض بينهما نهر يقال الرُّمَةُ
وبينهما نحوٌ من ثلاثة أميال وهو اسمٌ علمٌ لهما وأما قولهم للجبلين
المتقابلين أبانان فإن أَبَانَيْن اسم علم لهما بمنزلة زيد وخالد فإن
قلت فكيف جاز أن يكون بعض التثنية علمًا وإنما عامَّتُها نكرات ألا ترى
أن رجلان وغلامان كل واحد منهما نكرة غير علم فما بال أَبَانَيْن صار
علمًا فالجواب أن زيدين
(10/488)
ليسا في كل وقت مُصْطَحِبَينِ مقترنين بل
كل واحد منهما يُجامِعُ صاحبه ويفارقه فلما اصطحبا مرة وافترقا أخرى لم
يمكن أن يُخَصَّا باسم علم يفيدهما من غيرهما لأنهما شيئان كلُّ واحد
بائنٌ من صاحبه وأما أَبَانان فجبلان متقابلان لا يفارق واحد منهما
صاحبه فجريا لاتصال بعضهما ببعض مجرى المسمى الواحد نحو بكرٍ وقاسم
فكما خُصَّ كلُّ واحد من الأعلام باسم يفيده من أُمَّتِه كذلك خُصَّ
هذان الجبلان باسم يفيدهما من سائر الجبال لأنهما قد جريا مجرى الجبل
الواحد فكما أن ثَبِيرًا ويَذْبُلَ لما كان كل واحد منهما جبلاً واحدًا
متصلة أجزاؤه خص باسم لا يُشارَك فيه فكذلك أَبَانَانِ لما لم
يَفْتَرِقْ بعضهما من بعض وكانا لذلك كالجبل الواحد خُصَّا باسم علم
كما خص يَذْبُل ويَرَمْرَمُ وشَمامُ كل واحد منهما باسم علم قال مهلهل
(أَنْكَحَهَا فَقْدُها الأَرَاقِمَ في ... جَنْبٍ وَكَانَ الخِبَاءُ من
أدَمِ)
(لو بِأَبَانَيْنِ جاء يَخْطُبُها ... رُمِّلَ ما أَنْفُ خَاطِبٍ
بِدَمِ)
قال سيبويه وتقول هذان أبانان بَيِّنَيْنِ وإنما فرَّقوا بين أبانَيْنِ
وعرفات وبين زيدينِ وزيدينَ من قِبَلِ أنهما لم يجعلوا التثنية والجمع
علمًا لرجلين ولا لرجال بأعيانهم وجعلوا الاسم الواحد علمًا لشيء بعينه
كأنهم قالوا إذا قلنا ائت بزيد إنما نريد هذا الشخص الذي نيشير إليه
ولم يقولوا إذا قلنا جاء زيدان فإنما نعني شخصين بأعيانهما قد عُرفا
قبل ذلك وأُثْبَتَا ولكنهم قالوا إذا قلنا جاء زيدُ فلانٍ وزيد بن فلان
فإنما نعني شيئين بأعيانهما فكأنهم قالوا إذا قلنا ائت أبانينِ فإنما
نعني هذين الجبلين بأعيانهما اللذين نشير إليهما ألا ترى أنهم لم
يقولوا امْرُرْ بأبَانِ كذا وأبانِ كذا لم يفرقوا بينهما لأنهم جعلوا
أبانين اسمًا لهما يُعرفان به بأعيانهما وليس هذا في الأناسيّ ولا في
الدوابّ إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قِبَلِ أن
الأماكن لا تزول فيصير كل واحد من الجبلين داخلاً عندهم في مثل ما دخل
فيه صاحبه من الحال في الثبات والخِصْب والقحط ولا يشار إلى واحد منهما
بتعريف دون الآخر فصار كالواحد الذي لا يزايله منه شيء حيث كان في
الأناسي والدواب والإنسانان والدابتان لا يثبتان أبدا يزولان ويتصرفان
ويشار إلى أحدهما والآخر عنه غائب وقد يُفرد فيقال أَبَانُ قال امرؤ
القيس
(10/489)
(كَأَنَّ أَبَانًا في أَفَانِينِ وَدْقِهِ
... كَبِيرُ أُنَاسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ)
وأَبانٌ اسم رجل
(النون والهمزة والميم)
[ن أم] نَأَمَ الرجلُ يَنْئِمُ ويَنْأَمُ نئَيِماً وهو كالأنين وقيل هو
كالزَّجِيرِ وقيل هو الصوتُ الضعيف الخفي أيّا كان ونأم الأسدُ
يَنْئِمُ نَئِيمًا وهو دون الزئير قال ابن الأعرابيّ نأم الظبيُ
يَنئِمُ وأصله في الأسد وأنشد
(أَلا إِنَّ سَلْمَى مُغْزِلٌ بِثَيَالَةٍ ... تُرَاعِي غَزالا
بالضُّحَى غَيْرَ تَوْأَمِ)
(مَتَى تَسْتَثِرْهُ مِنْ مَنَامٍ يَنامُهُ ... لِتُرْضِعَهُ يَنْئِمْ
إِلَيْها وَيَبْغُمِ)
والنئيم صوت البوم ويقال أسكت الله نأمته يُدعى بذلك على الإنسان
والنَّأْمَةُ والنَئِيمُ صوت القوس قال أوس
(إِذَا مَا تَعَاطوَهَا سَمِعْتَ لِصَوْتِها ... إذا أَنْبَضُوا فِيها
نَئِيمًا وأَزْمَلا)
وقوله
(وسَمَاعِ مُدْجِنَةٍ تُعَلِّلُنا ... حَتَّى نَئُوْبَ تَنَؤُّمَ
العُجْمِ)
ورواه ابن الأعرابي تنؤم مهموز على أنه من النئيم وقال يريد صياح
الديكة كأنه قال وقت تنؤم العجم وإنما سمى الديكة عُجما لأن كل حيوان
غير الإنسان عجم ورواه غيره تناوم العجم فالعُجْمُ على هذه الرواية
مُلُوك العَجَمِ والتناوم من النوم وذلك أن ملوك العَجَمِ كانت تنام
على اللهو وجاء بالمصدر على هذه الرواية في البيت على غير الفعل
والنَّأْمَةُ الحركة
(10/490)
(مقلوبه)
[م ن أ] المَنِيئَةُ الجِلْدُ أول ما يُدبغ مَنَأَهُ يَمْنَؤُهُ
مَنْئًا والمَنِيْئَةُ عند الفارسي مَفْعَلَةٌ من اللحم النَّئِْ
أنبأني بذلك عنه أبو العلاء ومَنَأ تَأْبَى ذلك والمنيئة المَدبغة
والمَمنْأَةُ الأرض السوداء تُهمز ولا تُهمز
(مقلوبه)
[أن م] الأَنَامُ الخَلْقُ ويجوز الأَنِيمُ في الشِّعر
(مقلوبه)
[م أن] المَأْنَةُ الطَّفْطَفَةُ وقيل هي شحمة لازقة بالصِّفَاق من
باطنه مُطبِّقَتُه كله وقيل هي السُّرَّةُ وما حولها وقيل هي لحمة تحت
السرة إلى العانة وقيل المَأْنَةُ من الفرس السرة وما حولها ومن البعير
الطَفْطَفَةُ والمأنة شحمة قَصِّ الصدر وقيل هي باطن الكِرْكَرَة قال
سيبويه المأنة تحت الكِركرة كذا قال تحت الكِرْكِرَة ولم يقل ما تحت
والجمع مَأَنَاتٌ ومُئُونٌ ومَأنَه يَمْأَنه مَأْنًا أصاب مَأْنَتَه
وجاءه أمرٌ ما مَأَنَ له أي لم يشعر به وما مَأَنَ مَأْنَه عن ابن
الأعرابي أي ما شعر به وأتاني أمر ما مَأنْتُ مأنَه وما مَألْتُ مَأْله
أي ما تهيأت له عن يعقوب وزعم أن اللام مبدلة من النون وقال اللحياني
أتاني ذلك وما مأَنْتُ مأْنه أي ما علمت به قال وقال بعضهم معناه ما
شَعَرْتُ به ولا تهيأت له ولا أخذت أهبته والمُؤْنَةُ القُوتُ مأن
القومَ ومَأَنَهُم قام عليهم وقول الهذلي
(10/491)
(رُوْيَدَ عَلِيّا جُدَّ مَا ثَدَيْ
أُمِّهم ... إِلَيْنَا ولَكِنْ بُغْضُهُم مُتَمَائِنُ)
معناه قديم وهو من قولهم جاءني الأمر وما مأنْتُ فيه مأْنَةً أي ما
طلبته ولا أطلت التعب فيه والتقاؤهما إذًا في معنى الطول والبعد وهذا
معنى القِدَمِ وقد روي متماين بغير همز فهو حينئذ من المَيْنِ وهو
الكذب وإنه لَمَئِنَّةٌ من كذا أي خَلِيقٌ وقوله أنشده أبو عبيدة
(فَتَهامَسُوا سِرّا فَقَالوا عَرِّسُوا ... مِنْ غَيْر تَمِئْنَةٍ
لغَيْر مُعَرَّسٍ)
يجوز أن يكون تَفْعِلةً من المَئِنَّةِ التي هي الموضع المُخْلَقُ
للنزول في غير موضع تعريس ولا علامة تدلهم عليه وقال ابن الأعرابي هو
تفعلة من المَؤُنَةُ التي هي القُوتُ وعلى ذلك استشهد بالبيت وقد تقدم
أنه مَفْعِلَةٌ فهو على هذا ثنائي وقد تقدم
(مقلوبه)
[أم ن] الأَمْنُ نقيض الخوف أَمِنَ أمْنًا وإمْنًا حكى هذا الزجاج
وأَمَنًا وأَمَنَةً وأَمَانًا وقوله تعالى {وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمنا} البقرة 125 قال أبو إسحاق أراد ذا أَمْنِ فهو آمِنٌ
وأَمِنٌ عن اللحياني وفي التنزيل {وهذا البلد الأمين} التين 3 أي
الآمِنِ يعني مكة وقوله
(أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّني ... حَلَفْتُ يَمِيْنًا
لا أَخُونُ أَمِيْنِي)
إنما يريد آمِنِي وقوله تعالى {إن المتقين في مقام أمين} الدخان 51 أي
قد أَمِنُوا فيه الغِيَرَ وأنت في آمِنٍ أي في أَمْنٍ اسم كالفَالِج
ورجل أُمَنَةٌ وأَمَنَةٌ أي يأمَنُ كُلَّ أحدٍ وقيل يأمنه الناس ولا
يخافون غائلته وأُمَنَةٌ أيضًا موثوق به مأمون وكان قياسه أُمْنَةٌ ألا
ترى أنه لم يعبر عنه إلا بمفعول
(10/492)
وقد آمنه وأمَّنَهُ وقرأ بعضهم {لست مؤمنا}
النساء 94 أي لا نُؤَمّنُكَ والمأمن موضع الأمْنِ والآمِنُ المستجير
ليأمن على نفسه عن ابن الأعرابي وأنشد
(فَأحسِبُوا لا أَمْنَ مِنْ صِدْقٍ وَبِرْ ... )
(وسَحِّ أَيْمانٍ قَليلاتِ الأَشرْ ... )
أي لا إجارة أَحْسِبُوه أعطوه ما يكفيه والأمانة والأَمَنَة نقيض
الخيانة لأنه يؤمن أذاه وقد أَمِنَه وأَمَّنَه وائتمنه واتّمنَه عن
ثعلب وهي نادرة وعذر من قال ذلك أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة
ما أصله حرف لين وذلك قولهم في افتعل من الأكل ائتكل ومن الإزرة ائتزر
فأشبه حينئذ ايتعد في لغة من لم يبدل الفاء تاء فقال اتَّمَنَ لقول
غيره ايتمن وأجود اللغتين إقرار الهمز كأن يقول ائتمن وقد تقدم مثل هذا
في قولهم اتَّهل واستأمنه كذلك وقد أَمُن أمانَةً ورجل أمين وأُمَّانٌ
مأمون به ثقة قال الأعشى
(ولقد شَهِدتُ التَّاجِرَ الْأُمَّانَ ... مَوْرُودًا شَرَابُهْ)
وقيل هو ذو الدين والفضل وما أحسن أَمَنَك وأَمْنَكَ أي دينك وخُلُقك
وآمن بالشيء صدَّق وأَمِنَ كَذِبَ مَنْ أخبره وحدَّ الزجاج الإيمان
فقال الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة ولما أتى به النبي صلى الله
عليه وسلم واعتقاده وتصديقه بالقلب ومن كان على هذه الصفة فهو مؤمن
مسلم غير مرتاب ولا شاكٌّ وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه لا
يدخله في ذلك ريب وفي التنزيل {وما أنت بمؤمن لنا} يوسف 17 أي بمصدق
وقوله {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} الذاريات 35 قال ثعلب المؤمن
بالقلب والمسلم باللسان وقال الزجاج صفة المؤمن بالله أن يكون راجيًا
ثوابه خاشيًا عقابه وقوله {ويؤمن للمؤمنين} التوبة 61 قال ثعلب يُصْدَق
المؤمنين وأدخل اللام للإضافة فأما قول بعضهم لا
(10/493)
تجده مؤمنا حتى تجده مؤمِن الرضى مؤمِن
الغضب أي مؤمنا عند رضاه مؤمنًا عند غضبه وقوله تعالى في قصة موسى عليه
السلام {وأنا أول المؤمنين} الأعراف 143 أراد أنا أول المؤمنين بأنك لا
تُرى في الدنيا والأمين القوي لأنه يوثق بقوته ويؤمنَ ضعفه وناقة
أَمُون وثيقة الخلق قد أمنت أن تكون ضعيفة وهي أيضًا التي أمنت العِثار
والإعياء والجَمْع أُمُنٌ وآمِنُ المال ما قد أُمِنَ لنفاسته أن يُنحر
أعني بالمال الإبل وقيل هو الشريف من أي مالٍ كان كأنه لو عَقَلَ لأمِن
أن يُبْذَلَ قال الحُويدِرة
(ونَقِي بِآمِنِ مَالِنَا أَحْسَابَنَا ... وَنُجِرُّ في الهَيْجَا
الرِّماحَ ونَدَّعِي)
ندّعي ندعو بأسمائنا فنجعلها شعارا لنا في الحرب وآمِنُ الحِلْمِ وثيقة
الذي قد أُمِن اختلاله وانحلاله قال
(والخَمْرُ لَيْسَتْ مِنْ أَخِيكَ وَلَكِنْ ... قَدْ تَغُرُّ بآمِنِ
الحِلْمِ)
ويروى قد تخون بثامر الحلم أي بتامِّه والمؤمن الله عز وجل يؤمِن عباده
من عذابه وهو المُهَيمِن قال الفارسي الهاء بدل من الهمزة والياء ملحقة
له ببناء مُدَحْرِجٍ وقال ثعلب هو المؤمن المصدِّق لعباده والميهمنُ
الشاهد على الشيء القائم عليه والإيمان الثقة وما آمن أن يجد صَحَابَةً
أي ما وثق وقيل معناه ما كاد والمأمونة من النساء المُسْترادُ لمثلها
قال ثعلب في الحديث الذي جاء مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ
وَجَارُه جَائِعٌ معنى ما آمن بي تشديدٌ أي ينبغي له أن يواسيه وآمين
وأَمِين كلمة تقال في إثر الدعاء قال الفارسي هي جملة مركبة من فعل
واسمٍ معناه استجب لي قال ودليل ذلك أن موسى عليه السلام لما دعا على
فرعون وأتباعه فقال {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم} يونس 88
قال هارون أَمِيْنَ فطبَّق الجملة بالجملة وقيل معنى أَمِين كذلك يكون
قال
(10/494)
(يَا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أبدًا
... ويَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا)
وقال
(تَبَاعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إِذْ سَأَلْتُهُ ... أَمِيْنَ فَزَادَ
اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا)
قال ابن جني قال أحمد بن يحيى قولهم آمين هو على إشباع فتحة الهمزة
فنشأت بعدها ألف فإما قول أبي العباس إن آمين بمنزلة عاصين فإنما يريد
أن الميم خفيفة كصادِ عاصين لا يريد به حقيقة الجمع وكيف ذلك وقد حكى
عن الحسن رحمه الله أنه قال أمين اسم من أسماء الله عز وجل فأين بك في
اعتقاد معنى الجمع مع هذا التفسير
(مقلوبه)
[ن م أ] النَّمْءُ أو النَّمو القمل الصغار عن كراع
(النون والفاء والياء)
[ن ف ي] نفى الشيء نفيًا تنحَّى ونفيته أنا نَفْيًا والسيل ينفي
الغُثَاء يحمله ويدفعه قال أبو ذؤيب يصف يَرَاعًا
(سَبِيٌّ مِنْ أَبَاءَتِه نفاه ... أَتيٌّ مَدَّه سُحَرٌ وَلُوْبُ)
ونفي الرجلُ عن الأرض ونفيته عنها قال القُطامي
(فَأصْبَحَ جَارَاكُمْ قَتِيْلاً وَنَافيًا ... أَصَمَّ فَزَادُوا في
مَسَامِعِهِ وَقْرَا)
وانتفى منه تبرأ ونفى الشيء نفيًا جحده ونفى ابنه جحده وهو نفيٌّ منه
فَعْيلٌ بمعنى مفعول ونفت الريح التراب نفيًا ونفيانا أطارته والنفي ما
نفته
(10/495)
ونفيُّ القدرِ ما جَفَأَتْ به عند الغَلْي
ونفت السحابة الماء مجَّته وهو النَفَيَانُ قال سيبويه هو السحاب ينفي
أول شيء رشًا أو بَرَدًا وقال إنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكنًا
فحركوا كما قالوا رَمَيا وغزوَا وكرهوا الحذف مخافة الالتباس فيصير
كأنه فَعَالٌ من غير بنات الياء والواو وهذا مطرد إلا ما شذ والطائر
يَنفي بجناحيه نَفيانا كما تنفى السحابة الرَّشَّ والبَرَدَ
والنَّفَيَانُ والنَّفِيُّ والنَّثِيُّ ما وقع عند الرِّشاء من الماء
على ظهر المستقِي لأن الرشاء ينفيه وقيل هو تطاير الماء عن الرشاء عند
الاستقاء وكذلك هو من الطين قال الراجز
(كَأَنَّ مَتْنَيْهِ منَ النَّفِيِّ ... )
(مَوَاقِعُ الطيرِ على الصُّفِي ... )
كذا أنشده أبو علي كأن متنيه وأنشده ابن دريد في الجمهرة كأن مَتْنَيَّ
وهو الصحيح لقوله بعده
(مِنْ طُولِ إِشْرَافِي على الطَّوِيّ ... )
وفسره ثعلب فقال شبه الماء وقد وقع على متني المستقِي بذَرْق الطائر
على الصُّفِيّ والنفِيُّ ما نفته الحوافر من الحصا وغيره في السير
وأتاني نَفِيُّكُم أي وعيدكم ونُفاية الشيء بقيته ورَدِيئه وكذلك
نُفَاوَتُه ونَفاتُه ونَفايتُه ونَفْوتُه ونَفيتهُ ونَفِيُّه وخص ابن
الأعرابي به رديء الطعام وإنما ذكَرْنا النِّفْوَة والنُّفاوة هاهنا
لأنها معاقَبة إذ ليس في الكلام ن ف ووضعا والنفيَّة شبه طبقٍ من خُوص
يُنقَّى به الطعام والنفيَّة والنُّفْيَةُ سُفْرَة مدورة تُتخذ من خوص
الأخيرة عن الهروي والنفِيُّ بغير هاء تُرسٌ يعمل من خوص وكلما رددته
فقد نفيته ونَفيتُ الدراهم أَثَرتُها للانتقاد قال
(10/496)
(تَنْفي يَدَاهَا الحَصَا فِي كُلِّ
هَاجِرَةٍ ... نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقادُ الصيارِيفُ)
وما جريت عليه نَفْيَةً في كلامه أي سقطة وفضيحة
(مقلوبه)
[ف ن ي] الفَنَاءُ نقيض البقاء وقد فنِي يفنَى وفَنى يفنَى نادر عن
كراع فَنَاءً وقال هي بلغة بَلْحَارِثِ بن كعب وأفناه وتفانى القوم
قتًلا أفنى بعضهم بعضًا وفنِي يفنى فناء هَرم وبذلك فسر أبو عبيد حديث
عُمر أنه قال حَجَّةً هَاهُنَا ثُمَّ احْدِجْ هَا هُنَا حَتَّى تَفْنَى
يعني الغزو وقال لبيد
(حَبَائِلُه مَبْثوثَةٌ بِسَبِيله ... وَيَفْنَى إذا ما أَخْطَأَتْهُ
الحَبائِلُ)
يقول إذا أخطأه الموت فإنه يهرم ويقال للشيخ الكبير فانٍ والفِناء سَعة
أمام الدار يعني بالسَّعة الاسم لا المصدر والجمع أفنِيةٌ وتبدل الفاء
من الفاء وقد تقدم وقال ابن جني هما أصلان وليس أحدهما بدلاً من صاحبه
لأن الفِناء من فِنيَ يفنَى وذلك لأن الدار هنا تفنى لأنك إذا تناهيت
إلى أقصى حدودها فنيت وأما ثِنَاؤها فمن ثَنَى يَثْنِي لأن هناك أيضًا
تنثني عن الانبساط لمجيء آخرها واستقصاء حدودها وقد تقدم وإنما قضينا
على همزتها أنها بدل من هاء لأن إبدال الهمزة من الياء إذا كانت لامًا
أكثر من إبدالها من الواو وإن كان بعض البغداذيين قد قال يجوز أن تكون
ألفه واوًا لقولهم شجرة فنواءُ أي واسعة فِناء الظل وهذا القول ليس
بقوي لأنا لم نسمع أحدًا يقول إن الفنواء من الفِناء إنما قالوا إنها
ذات الأفنان أو الطويلة الأفنان ورجل من أفناء القبائل أي لا يُدري من
أي قبيلة هو وقيل إنما يقال قوم من أفناء القبائل ولا يقال رجل وليس
للأفناء واحد وفَانَيْتُ الرجل داريته وسكَّنته قال الكميت يذكُر
همومًا اعترته
(10/497)
(تُقِيمُه تارةً وتُقْعِدُه ... كَما
يُفَانِي الشَّموسَ قَائِدُها)
والفَنا عنب الثعلب قال زهير
(كَأنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِه حَبُّ
الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ)
وقيل هو شجرٌ ذو حب أحمر ما لم يكسَّر تتخذ منه قراريط يوزن بها كل
حَبَّةٍ قيراط وقيل هي حشيشة تنبت في الغلط ترتفع عن الأرضِ قِيسَ
الإِصْبَعِ وأقلّ يرعاها المال وإنما قضينا على هذه الألفات بالياء
لأنها لام
(مقلوبه)
[ف ي ن] الفَيْنَة الحِين حكى الفارسي عن أبي زيد لَقيتُه فينةً
والفينةَ بعد الْفَيْنَةِ وفي الفيْنة قال فهذا مما اعتقب عليه تعريفان
العلمية والألف واللام كقولك شَعُوبُ والشَّعُوبُ للمَنِية
(مقلوبه)
[ي ف ن] اليَفَنُ الشيخ واستعاره بعض العرب للثور المسن فقال
(يَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى الحِسَانَا ... )
(أَنِّي اتَّخَذتُ اليَفَنَيْنِ شَانَا ... )
(السِّلْبَ واللُّوْمَةَ والعِيانَا ... )
حمل السِّلب على المعنى وإن شئت كان بدلاً كأنه قال اتخذت أداة اليفنين
أو شَوَار اليفنين واليَفَن ما بين مياه بني نمير بن عامر ويَفَن موضع
(النون والباء والياء)
[ب ن ي] البَنْيُ نقيض الهدم
(10/498)
بَنَاهُ بَنْيًا وبِنَاءً وبُنْيَانًا
وبِنْيَةً وبِنَايَةً وابْتَنَاهُ وبَنَّاهُ قال
(وَأَصْغَرَ مِنْ قَعْبِ الوَليد تَرَى به ... بُيوتًا مُبَنَّاةً
وَأَوْدِيةً خُضْرَا)
يعني العين وقول الأعور الشنِّي في صفة بعير أكراه
(لَمَّا رَأَيْتُ مَحْمَليه أَنَّا ... )
(مُخَدَّرَيْنِ كِدْتُ أَنْ أُجَنَّا ... )
(قَرَّبْتُ مِثْلَ العَلَم المُبَنَّا ... )
شبه البعير بالعَلَم لعظمه وضِخَمِه وعَنَى بالعلم القَصْرَ يعني أنه
شبهه بالقصر المبني المشيد كما قال الآخر
(كَرَأْسِ الفَدَنِ المُؤْيَدِ ... )
والبناء المبنيُّ والجمع أبنية وأَبنِيات جمع الجمع واستعمل أبو حنيفة
البناء في السفن فقال يصف لوحًا يجعله أصحاب المراكب في بناء السفن
وإنما أصل البناء فيما لا يَنمِي كالحجر والطين ونحوه والبنّاءُ
مُدَبِّرُ البُنْيَانِ وصانعه فأما قولهم في المثل أبناؤها أجناؤها
فزعم أبو عُبيدٍ أن أبناءً جمع بانٍ كشاهد وأشهاد وكذلك أجناؤها جمع
جان والبِنية والبُنْية ما بنيتَه وهو البُنَى والبِنَى وأنشد الفارسي
عن أبي الحسن
(أُولئك قَومٌ إِنْ بَنَوا أَحْسَنُوا البِنَى ... )
والبُنى قال أبو إسحاق إنما أراد بالبِنى جَمْعَ بِنية وإن أراد البناء
الذي هو ممدود جاز قصرُه في الشعر وقد تكون البنايَة في الشرف والفعلُ
كالفعل قال يزيد بن الحكم
(10/499)
(والنَّاسُ مُبْتَنَيانِ محمودُ ...
البِنَايَةِ أَوْ ذَمِيمُ)
وقال لبيد
(فَبَنَى لَنَا بَيْتًا رَفِيعًا سَمْكُهُ ... فَسَما إِلَيه كَهْلُها
وغُلامُهَا)
وأَبنيت الرجل أعطيته بناء أو ما يبني به داره والبناء يكون من الخباء
والجمع أبنيَة والبناء لزوم آخر الكلمة ضربًا واحدًا من السكون أو
الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل وكأنهم إنما سموه بناءً لأنه لما
لزم ضربًا واحدًا فلم يتغير تغير الإعراب سمي بناء من حيث كان البناء
لازمًا موضعًا لا يزول من مكان إلى غيره وليس كذلك سائر الآلات
المنقولة المبتذَلة كالخيمة والمِظلة والفسطاط والسُّرادق ونحو ذلك
وعلى أنه قد أوقع على هذا الضرب من المستعمَلات من مكان إلى مكان لفظ
البناء تشبيهًا بذلك من حيث كان مسكونا وحاجزا ومُظِلاً بالبناء من
الآجر والطين والجِصِّ والبِنَيَّة الكعبة لشرفها إذ هى أرفع مبنَّى
وبنى الرجلَ اصطنعه قال بعض المولدين
(يبني الرجال وغيره يَبْنِي القرى ... شتان بين قُرًى وبين رجال)
وكذلك ابتناه وبَنى الطعام لحمَه بِنَاءً أنبته أنشد ثعلب
(مُظَاهِرَةً شَحْمًا عَتيقًا وعُوطَطًا ... فَقْد بَنَيَا لحمًا لها
مُتَبَانِيَا)
ورواه سيبويه أَنْبتا وتَبَنَّى السَنَام سَمِنَ قال يزيدُ بن الأعور
الشَّنْيُّ
(مُسْتَحملاً أَعْرَفَ قَدْ تَبَنَّى ... )
وقول الأخفش في كتاب القوافي أما غلامي إذا أردت الإضافة مع غلامِ في
غير الإضافة فليس بإبطاء لأن هذه الياء ألزمت الميم كسرةً وصيرته إلى
أن يُبنى عليه وقولك لرجلٍ ليس هذا الكسر الذي فيه ببناء قال ابن جني
المعتبر الآن في باب غلامي مع
(10/500)
غلامِ هو ثلاثة أشياء وهو أن غلامِ نكرةٌ
وغلامي معرفةٌ وأيضًا فإن في غلامي ياء ثابتةً وليس غلامِ بلا ياء كذلك
والثالث أن كسرة غلامي بناءٌ عنده كما ذُكر وكسرة ميم مررت بغلامٍ
إعراب لا بناء وإذا جاز رجلٌ مع رجلٍ وأحدهما معرفة والآخر نكرة ليس
بينهما أكثر من هذا فما اجتمع فيه ثلاثة أشياء من الخلاف أجدرُ بالجواز
قال وعلى أن أبا الحسن الأخفش قد يمكن أن يكون أراد بقوله إن حركة ميم
غلامي بناء أنه قد اقتُصر بالميم على الكسرة ومُنعت اختلاف الحركات
التي تكون مع غير الياء نحو غلامه وغلامكم ولا يريد به البناء الذي
يعاقب الإعراب نحوَ حيثُ وأينَ وأمس والمِبْنَاةُ والمَبْنَاةُ كهيئة
الستر والنَّطَع والمِبْنَاةُ أيضًا العَيْبَةُ قال النابغة
(عَلى ظَهْرِ مِبْنَاةٍ جَديدٍ سَيُورُهَا ... يَطُوْفُ بِهَا وَسْطَ
اللَّطِيْمَةِ بائِعُ)
والبَانِية من القِسِيّ التي لصِق وترها بكبِدها حتى كاد ينقطع وهو عيب
وهي البَانَاةُ طائية ورجل باناةٌ مُنحنٍ على وتره عند الرمي قال امرؤ
القيس
(عَارِضٍ زَوْرَاءَ مِنْ نَشَمٍ ... غَيْرِ بَانَاةٍ عَلَى وَتَرِهْ)
والبَوَانِي أضلاع الزَّور والبواني قوائم الناقة وألقى بوانيه أقام
بالمكان وثبت كألقى عصاه وبَنَيْتُ عن حال الرَّكِيّة نَحّيتُ الرشاء
عنه لئلا يقع التراب على الحافر وبنى فلان على أَهْله ولا يقال بأهله
هذا قول أهل اللغة وحكى ابن جني بَنَى فُلانٌ بأهْلِه وابتنى بها
عَدَّاهما جميعًا بالباء والابَن الوَلَدُ فَعَلٌ محذوفة اللام
مَجتَلَب لها ألف الوصل وإنما قضِي أنه من الياء لأن بَنَى يَبْني أكثر
في كلامهم من يَبْنُو والجمع أبناء وحكى اللحياني هؤلاء أبنا أبنائهم
والأبناء قوم من أبناء فارسَ ارتهنتهم العرب وغلب عليهم هذا الاسم
كغلبة
(10/501)
الأنصار والنسب إليه على ذلك أَبْنَاوِيٌّ
في لغة بني سعد كذلك حكاه سيبويه عنهم قال وحدثني أبو الخطاب أن ناسًا
من العرب يقولون في الإضافة إليهم بَنَوِيٌّ يردونه إلى الواحد فهذا
على أن لا يكون اسمًا للحي والاسم البُنُوة للضمة قال سيبويه وألحقوا
ابنًا الهاء فقالوا ابنة وأما بنت فليس على ابن وإنما هي صيغة على
حِدَةٍ ألحقوها الياء للإلحاق ثم أبدلوا التاء منها وقيل إنها مبدلة من
واو وسيأتي ذكره قال سيبويه وإنما بِنْتٌ كعِدْلٍ وإذا نسبْتَ إليها
قلت بَنَوِيٌّ وقال يونس بِنْتِيٌّ ولابنٍ وبنتٍ أسماءٌ تضاف إليها قد
أبنتُها في الكتاب المخصص
(مقلوبه)
[ن ي ب] النَّابُ السِّنُّ التي خَلْفَ الرَّباعية وهي أنثى قال سيبويه
أمالوا نابًا في حدِّ الرفع تشبيهًا له بألف رمى لأنها منقلبة عن ياء
وهو نادر يعني أن الألف المنقلبة عن الياء والواو إنما تُمال إذا كانت
لامًا وذلك في الأفعال خاصة وما جاء من هذا في الاسم كالمكَا نادر وأشذ
منه ما كانت ألفه منقلبة عن ياء عينا والجمع أَنْيُبٌ عن اللحياني
وأَنْيَابٌ ونُيُوبٌ وأَنَابِيْبُ الأخيرة عن سيبويه جمع الجمع
كأَبْيَاتٍ وأَنَابِيْتَ ورجل أَنْيَبُ غليظ الناب لا يَضْغَمُ شيئًا
إلا كسره عن ثعلب وأنشد
(فَقُلْتُ تَعَلَّم أَنَّنِي غَيْرُ نَائِمٍ ... إلى مُسْتَقِلٍّ
بالخِيَانَةِ أَنْيَبَا)
ونُيُوبٌ نُيَّبٌ على المبالغة قال
(مَجُوبَةٌ جَوْبَ الرَّحَا لَمْ يُثْقَبِ ... )
(يَعَضُّ مِنْهَا بالنُّيُوبِ النُّيَّبِ ... )
ونِبْتُه أصبت نَابَه واستعار بعضهم الأنياب للشر أنشد ثعلب
(أَفِرُّ حِذَارِ الشَّرِّ والشَّرُّ تَارِكي ... وأَطْعَنُ في
أَنْيَابِهِ وهو كَالِحُ)
والناب الناقة المسنة سمَّوها بذلك حين طال نابها وعظُم مؤنثةٌ أيضًا
وهو مما سُمي فيه الكل باسم الجزء وتصغير الناب من الإبل تُيَيْبٌ بغير
هاء وهذا على نحو قولهم للمرأة ما أنت إلا بُطَيْنٌ وللمهزولة إبرةُ
الكعبِ وإشفَى المِرفق والنَّيوب كالناب وجمعهما معا أنيابٌ ونُيوبٌ
ونِيْبٌ فذهب سيبويه إلى أن نِيْبًا جمع
(10/502)
ناب وقال بَنوها على فُعْلٍ كما بَنَوا
الدار على فُعْلٍ كراهية نُيُوب لأنهما ضمةٌ في ياء وقبلها ضمة وبعدها
واو فكرهوا ذلك وقالوا فيها أيضًا أنياب كقدَم وأقدام هذا قوله والذي
عندي أن أنيابًا جمع نابٍ على ما فعلتُ في هذا النحو كقدَم وأقدام وأن
نِيْبًا جمع نَيوبٍ كما حكى هو عن يونسَ أن من العرب من يقول صِيْدٌ
وبِيْضٌ في جمع صَيْودٍ وبَيوضٍ على من قال رُسْلٌ وهي التميميّةُ
ويُقَويّ مذهب سيبويه أن نِيْبًا لو كانت جمع نَيوب لكانت خليقة
بِنُيُبٍ كما قالوا في صَيُودٍ صُيُدٌ وفي بَيُوضٍ بُيُضٌ لأنهم لا
يكرهون في الياء من هذا الضرب ما يكرهون في الواو ولِخفّتها وثقل الواو
فأن لم يقولوا نُيُبٌ دليل على أن نِيْبًا جمع ناب كما ذهب إليه سيبويه
وكلا المذهبين قياس إذا صحت نَيُوب وإلا فَنِيْبٌ جمع ناب كما ذهب إليه
سيبويه قياسًا على دُورٍ وقال اللحياني الناب من الإبل مؤنثة لا غير
وقد مُنَيَّبٌ وهي مُنَيٍّ بٌ وناب القوم سيدهم ونَيَّبَ النَّبْت
وتَنَيِّبَ خرجت أرومته وكذلك الشَّيْبُ وأُراه على التشبيه بالناب قال
مُضَرِّسٌ
(فَقَالَتْ أَمَا يَنْهَاكَ عَنْ تَبَعِ الصِّبَى ... مَعَالِيْكَ
وَالشَيْبُ الذي قد تَنَيَّبَا)
(مقلوبه)
[ب ي ن] البَيْنُ الفرقة والوصل وهو يكون اسمًا وظرفا متمكنًا وفي
التنزيل {لقد تقطع بينكم} الأنعام 94 أي وصلكم ومن قرأ {بينكم} بالنصب
احتمل أمرين أحدهما أن يكون الفاعلُ مضمرا أي لقد تقطع الأمر أو العقد
أو الود بينكم والآخر ما كان يراه الأخفش من أن يكون بينكم وإن كان
منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله غير أنه أقِرَّت عليه نصبه الظرف وإن
كان مرفوع الموضع لا طراد استعمالهم إياه ظرفًا إلا أن استعمال الجملة
التي هي صفة للمبتدأ مكانه أسهلُ من استعمالها فاعلة لأنه ليس يلزم أن
يكون المبتدأ اسمًا محضًا كلزوم ذلك في الفاعل ألا ترى إلى قولهم تسمع
بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أن تراه أي سماعك به خير من رؤيتك إياه وقد بان
الحيُّ بَيْنًا وبَيْنُونَةً أنشد ثعلب
(فَهَاجَ جَوًى في القَلْبِ ضُمِّنَهُ الهوى ... بِبَيْنُونَةٍ يَنْأى
بِهَا مَنْ يُوادِعُ)
(10/503)
وبان الشيء بَيْنَا وبُيُونًا وبَيْنُونَةً
انقطع وأَبَنْتُهُ أنا وأبان الرجل ابْنَهُ بمال فبانَ بَيْنًا
وَبُيونًا وبَيْنُونَةً وحكى الفارسيُ عن أبي زيدٍ طلب إلى أبويه
البايِنة أي أن يُبِيناهُ بمال ولا تكون البايِنَةُ إلا من الأبوين أو
أحدهما وحكى عنه بان عنه وبانه وأنشد
(كأنَّ عَيْنَيَّ وقد بانوني ... )
(غَرْبَانِ في جدولٍ مَنْجَنونِ ... )
وتباين الرجلان بان كل واحد منهما عن صاحبه وكذلك في الشركة إذا انفصلا
وبَانَتِ المرأة عن الرجلِ وهي باين انفصلت عنه بطلاق وتطليقةٌ باينةٌ
بالهاء لا غيرُ وبِئْرٌ بَيُونٌ واسعةٌ ما بين الجالَيْن وأنشد أبو علي
الفارسي
(إنكَ لو دَعوْتني ودوني ... )
(زوراءُ ذاتُ منزعٍ بَيُونِ ... )
(لقلتُ لبيكَ إذا تدعوني ... )
وأبان الدلو عن طي البِئْرِ حاد بها عنه لئلا يصيبَها فتنخرقَ قال
(دَلْوُ عراكٍ لجَّ بي مَنِينُها ... )
(لم تر قبلي ماتحًا يُبِينُها ... )
ويقال هو بيني وبينه ولا يعطف عليه إلا بالواو لأنه لا يكون إلا من
اثنين وقالوا بَيْنَا نحن كذلك إذ حدث كذا قال أنشده سيبويه
(بَيْنَا نحنُ نرقبهُ أتانا ... مُعَلِّقَ وَفْضَةٍ وزنادِ راعي)
إنما أراد بينَ نحن نرقبه أتانا فأشبع الفتحة فحدثت بعدها الألف فإن
قيل فلمَ أضاف الظرفَ الذي هو بَيْنَ وقد علمنا أن هذا الظرفَ لا يضاف
من الأسماء إلا إلى ما
(10/504)
يدل على أكثر من الواحد أو ما عُطف عليه
غيره بالواو دون سائرِ حروف العطف نحوُ المال بَيْنَ القوم والمال
بَيْنَ زيدٍ وعمرو وقوله نحن نرقبه جملة والجملة لا مذهب لها بعد هذا
الظرف فالجواب أن ها هنا واسطةً محذوفًا وتقدير الكلام بَيْنَ أوقاتِ
نحن نرقبه أتانا أي أتانا بين أوقات رِقْبَتَنا إياه والجمل مما يضاف
إليها أسماء الزمان نحوَ أتيتُكَ زمنَ الحجّاجُ أمِيرٌ وأوانَ الخليفة
عبد الملكِ ثم إنه حذف المضاف الذي هو أوقات وأَوْلَى الظرفَ الذي كان
مضافًا إلى المحذوف الجملةَ التي أقيمت مُقام المضافِ إليها كقوله
تعالى {واسأل القرية} يوسف 82 أي أهلها وبَيْنَا وبينما من حروف
الابتداء وليست الألف في بينا بصلةٍ وقالوا بَيْنَ بَيْنَ يريدون
التوسط قال عَبيد
(نَحْمي حَقيقَتنا وبعضُ ... القومِ يَسْقطُ بَيْنَ بَيْنَا)
وكما يقولون همزةُ بَيْنَ بَيْنَ أي أنها بين الهمزة وبين الحرف الذي
عنه حركتها إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف وإن كانت مكسورة فهي
بين الهمزة والياء وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو إلا أنها ليس
لها تَمَكُّنُ الهمزة المحققة وهي مع ما ذكرنا من أمرها في ضُعفها وقلة
تمكنها بزنة المحققة ولا تقع الهمزة المخففة أولاً أبدًا لقربها
بالضُّعف من الساكن فالمفتوحة نحو قولِكَ في سألَ سالَ والمكسورةُ نحو
قولك في سئِمَ سَيِمَ والمضمومةُ نحو قولك في لَؤُمَ لَوُمَ وهو معنى
قول سيبويه بين بين أي أنها ضعيفة ليس لها تَمَكُّنُ المحققة ولا خلوص
الحرف الذي منه حركتها ولقيتُهُ بُعَيْدَاتٍ بَيْنٍ إذا لقيتَهُ بعد
حينٍ ثم أمسكتَ عنه ثم أتيتَهُ وقوله
(وما خِفْتُ حتى بَيَّنَ الشِّربُ والأذى ... بقانِئِةٍ أنّي من الحيِّ
أَبْيَنُ)
أي بائِنُ وقالوا بانَ الشيءٌ واستَبانَ وتَبَيّنَ وأبان وبَيَّنَ وفي
المثل قد أفصح الصبح لذي عينين أي تبين وقال ابن ذَريحٍ
(10/505)
(وللحبِّ آياتٌ تُبَيِّنُ بالفتى ... شحوبا
وتَعْرَى من يديه الأشاجِعُ)
هكذا أنشده ثعلَبٌ ويُروى تَبَيَّنَ بالفتى شحوبٌ وقوله تعالى {وهو في
الخصام غير مبين} الزخرف 18 يريد النساءَ أي الأنثى لا تكاد تستوي في
الحجة ولا تُبينُ وقيل في التفسير إن المرأة لا تكاد تَحتج بحجة إلا
عليها وقد قيل إنه يُعْنَى به الأصنام والأول أجود وقوله تعالى
{والكتاب المبين} الدخان 2 الزخرف 2 مَعْنَى المُبِينِ الذي أبان طرق
الهدى من طُرُق الضلالة وأبان كل ما تحتاجُ إليه الأُمَّةُ وقوله جلَّ
وعزَّ {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}
الطلاق 1 أي ظاهرةٍ مُتَبَيَّنَةٍ قال ثعلبٌ يقول إذا طلقها لم يحل لها
أن تخرج من بيته ولا أن يخرجها هو إلا بَحَد يقام عليها ولا تَبِيْنُ
عن الموضع الذي طلقت فِيه حتى تنقضي العِدّة ثم تخرج حيث شاءت وبنتُهُ
أنا وأَبَنْتُهُ واستنبتُهُ وبينتُهُ كل ذلك تبينتُهُ ورُوي بيت ذي
الرمة
(تُبَيِّنُ نِسبةَ المَرْثيِّ لُؤمًا ... كما بَيَّنَتْ في الأَدَمِ
العَوَارَا)
أي تتبينها كما تَبَيَّنْتَ ورواه على بن حمزة تُبَيِّنُ نسبةُ بالرفع
على قوله قد بَيَّن الصبحُ لذي عينين قال سيبويه وهو التبيانُ وليس على
الفعل إنما هو بناءٌ على حِدَةٍ ولو كان مصدرًا لَفَتَحْتَ
كالتَّقْتَال فإنما هو من بَيَّنْتُ كالغارة من أَغَرْتُ وقال كُرَاعُ
التبيان مصدر ولا نظير له إلا التلقاءُ وقد تقدم وبينَهُمَا بَيْنٌ أي
بُعدٌ لغة في بَوْنٍ والواو أعلى وقد بانه بيْنًا والبيان الإفصاح مع
ذكاء ورجلٌ بَيِّنٌ فصيح والجمع أَبْنِيَاءُ صحت الياء بسكون ما قبلها
وحكى اللحياني في جمْعه أَبْيَانٌ وبُينَاء فأما أبيان فكَميتٍ وأموات
قال سيبويه شبهوا فَيْعِلاً بفاعِل حين قالوا شاهد وأشهاد قال ومثلُهُ
يعني مَيْتًا وأمواتًا قَيْلٌ وأقوالٌ وكَيْسٌ وأكْيَاسٌ وأما بُينَاءُ
فنادِرٌ
(10/506)
والأقيس في كل ذلك جمعه بالواو والنون وهو
قول سيبويه ونخلة بايِنَةٌ فارقت كَبَايِسَها الكوافيرَ وامتدت
عراجينُها وطالت حكاه أبو حنيفة وأنشد لِخُبَيبٍ القشيري
(من كل بائِنَةٍ تُبِينُ عُذُوقَها ... عَنْها وَحَاضِنةٍ لها ميقارِ)
قوله تُبِينُ عُذُوقها يعني أنها تُبِينُ عُذُوقها عن نفسِها والباينُ
والباينةُ من القِسيِّ التي بانت من وترِهَا وهو ضِدُّ البانِيَة إِلا
أنهُمَا عيبٌ والبَانَاة مقلوبٌ عن الباينة والباناةُ النَّبْلُ
الصغارُ حكاه السُّكَرىُّ عن أبى الخطّابِ وللناقة حالبانِ أحدهما
يُمسِكُ العُلْبَةَ من الجانب الأيمنِ والآخر يَحْلُبُ من الجانب
الأيسر والذي يَحْلُبُ يسمى المُستَعْلِي والذي يُمسِكُ يُسمَّى
البايِنَ والبِينُ من الأرضِ قدرُ مدِّ البصر وقيل هو ارتفاع في غِلَظٍ
وقيل هو الفصلُ بينَ الأرْضَيْنِ والبِينُ أيضًا الناحية وبَيْنٌ موضعٌ
قريب من الحِيرَة ومُبينٌ موضعٌ أيضًا قال
(يا رِيَّها اليومَ على مُبِينِ ... )
(على مُبينٍ جَرَدِ القَصيمِ ... )
جمع بين النون والميم وهذا هو الإكفاءُ وبَيْنَونَةُ موضعٌ قال
(يا ريحَ بينُونةَ لا تَذْمِينَا ... )
(جئتِ بألوانِ المُصَفَّرِينا ... )
وهُمَا بَيْنونَتانِ بَينُونةُ القُصْوَى وبينونة الدنيا وكلتاهما في
شِقِّ بَني سعد بَيْنَ عُمَانَ ويَبْرِينَ
(10/507)
وَعَدَنُ أبْيَنَ وَيْبَينَ موضع وحَكى
السيرافيُّ عَدَنُ إِبْيَنَ وقال إِبْيَنُ موضع ومثَّلَ سيبويه بإبينَ
ولم يُفسِّره والبَان شجرٌ يسمُو ويطول في استواءٍ مثلَ نباتِ الأَثلِ
وورقهُ أيضًا هدب كهَدَبِ الأَثل وليس لخشبه صلابةٌ واحَدِتُهُ بَانَةٌ
قال أبو زيادٍ من العضَاه البانُ وله هدبٌ طِوَالٌ شديد الخضرة ينبُتُ
في الهَضْبِ وثمرته تشبه قرونَ اللوبياءِ إلا أن خضرتها شديدةٌ وفيها
حَبٌّ ومن ذلك الحبِّ يُستخرج دهن البَانِ ولاستواء نباتها ونبات
أفنانِها وطُولها ونَعْمَتِها شبه الشعراءُ الجارية الناعمةَ ذاتَ
الشَّطاطِ بها فقيل كأنها بانةٌ وكأنها غُصْنُ بانٍ قال قيس بن
الخَطِيم
(حَوْراءُ جَيْداءُ يُستضاءُ بها ... كأنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ)
وإنما قَضَيْنَا على ألفِ البانِ بالياءِ وإن كانَتْ عينًا لغلبةَ ب ي
ن على ب ون النون والميم والياءُ
(النون والميم والياء)
[ن م ي] النماءُ الزيادة نمى يَنْمِي نَمْيًا ونُمِيّا وَنَماءً قال
أبو عُبَيْدٍ قال الكِسَائيُّ ولم أسمع ينمو بالواو إلا من أخوينِ من
بني سُلَيمٍ قال ثم سألتُ عنهُ جماعةَ بني سُلَيمٍ فلم يعرفوه بالواو
هذا قول أَبِي عبيدٍ وَأمَّا يعقوبُ فقال يَنمِي ويَنمُو فسوى بينهما
وأنْمَيتُ الشيءَ ونَمَّيتُه جعلتُهُ نامِيًا ونَمِي الحديثُ يَنمِي
ارتفعَ ونَمِيُتهُ رفعتُهُ وأنميتُهُ أذعتُهُ على وجه النميمة وقيلَ
نَمّيتُهُ مُشددٌ أَسْنَدتُهُ ورفعته ونمَّيتُهُ مشددٌ أيضًا
بَلَّغْتُهُ على جهة النميمة والإشاعة والصحيح أن نميْتُهُ رفعتُهُ على
وجه الإصلاح ونمَّيتُهُ بالتشديد رفعته على وجه الإشاعة أو النميْمَة
وقول ساعدةَ بن جُؤَيَّةَ
(10/508)
(فَبَيْنَا هُمُ يَتَّابَعُونَ
لِيَنْتَمُوا ... بِقَذْفٍ نِيافٍ مُسْتَقِلٍّ صُخُورُهَا)
أراد ليصعَدُوا إلى ذلك القذف ونَمَيتُهُ إلى أبيه نَمْيًا وَنُمِيّا
وأَنْمَيْته عزوتُهُ وانْتَمَى إليه انتَسَبَ وهي النميمة وفلان ينمِي
إلى حَسَبٍ ويَنْتَمِي يرتفع إِلَيه ونمَّيتُ النار رفعتُها وأشبَعتُ
وقُودَهَا والنماءُ الرَّيْعُ ونَمَى الإنسانُ سَمِنَ وناقَةٌ نامية
سمينةٌ وقد أنماها الكلأُ وَنَمَى الماءُ طما وانتَمى البازِيُّ
والصقرُ وغيرهما وتَنمَّى ارتفع من مكانٍ إلى آخَرَ قال أبو ذؤيبٍ
(تَنَمَّى بها اليَعْسُوبُ حتَّى أَقَرَّها ... إلى مالَفٍ رَحْبِ
المَباءةِ عَاسلِ)
أي ذُو عَسَلٍ والنَّامَيةُ القضيبُ الذي عليه العناقِيدُ وقيل هي
عَينُ الكَرْم الذي يَتَشَقَّقُ عن وَرَقِه وحبّه وقد أَنْمَى الكرْمُ
والنامِيةُ خَلْقُ اللهِ وقال عُمر رحمه الله لا تمثلوا بناميةِ الله
أي بخلْق الله وأنميت الصيد وذلك أن ترميَهُ فتصيبهُ ويذهبَ عنك فيموتَ
بعدما يغيبُ وَنَمَى هو قال امرؤُ القيس
(فهوَ لا تَنْمِي رميّتُهُ ... ماله لا عُدَّ من نَفَرِهْ)
(مقلوبه)
[م ن ي] المَنَى القدَرُ
(10/509)
مناهُ اللهُ يَمنِيه قَدَّرَهُ والمَنَى
والمِنيِّة المَوتُ لأنَّهُ قُدِّر علينا قال أبو قلابةَ الهُذَليُّ
(ولا تقولنْ لشيءٍ سَوْفَ أَفْعَلُهُ ... حتَّى تلاقِيَ ما يَمْنِي لك
الماني)
وامتَنيتُ الشيءَ اختلَقتُهُ ومُنِيْتُ بكذا وكذا ابتُليتُ به
ومُنِيْنَا له وُفِّقْنَا وداري مَنَى داركَ أي إزاءها وقُبَالَتَها
والمَنَى القصد وقول الأخطل
(أمستْ منَاهَا بأرضٍ ما يُبَلِّغُهَا ... بصاحِبِ الهَمِّ إلا
الجَسْرةُ الأُجُدُ)
قيل أراد قَصْدَهَا وأنَّثَ على قولك ذهبتْ بعض أصابعه وإن شئت أضمرتَ
في أمستْ كما أنشده سيبويه من قوله
(إذا ما المرءُ كان أبوه عَبْسٌ ... فحسبُك ما تريدُ إلى الكَلاَمِ)
وقد قيل إنه أراد مَنانِ لَها فحذف وقَد تقدم والمَنِيُّ ماءُ الرجلِ
وجمعه مُنْيٌ حكاه ابن جني وأنشد
(أسْلَمْتُمُوهَا فباتَتْ غيرَ طاهِرةٍ ... مُنْيُ الرِّجالِ على
الفَخِذَيْن كالمُومِ)
وقَدْ مَنَيْتُ منْيًا وأَمْنَيْتُ وَمِنًى بمكة يُصْرَف ولا تُصْرَف
سُمِّيتْ بذلك لما يُمْنَى فيها من الدماء أي يُراقُ وقال ثعلبٌ هو من
قولهم مَنَى الله عليه المَوتَ أي قَدَّره لأن الهَدْيَ يُنْحَرُ
هنالِكَ وامتَنَى القومُ وأَمْنَوا أَتوا مِنًى وَمِنًى موضعٌ آخَرُ
بِنَجدٍ قيل إياه عَنَى لَبِيْدٌ بقَوله
(10/510)
(عَفَتِ الديارُ مَحلُّها فَمُقامُها ...
بِمِنًى تأبَّدَ غَوْلُهَا فَرِجامُهَا)
وتَمنَّى الشيءَ أَرَادَهُ وَمَنَّاهُ إياهُ وبه وهِيَ المُنْيَةُ
والمِنْيَةُ وَالأُمنِيَّةُ وتَمَنَّى الكتاب قرَأهُ وكتبه وفي التنزيل
{إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} أي قرأ وتلا وقال الشاعر
(تمنّى كتابَ اللهِ أول ليلةٍ ... وآخره لاقى حِمامَ المقادر)
وقال آخر
(تَمَنَّى كِتابَ الله آخِرَ لَيْلِه ... تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ
على رِسْلِ)
أي تلا كتاب الله مُتَرسلاً فيه كما تلا داودُ الزبورَ مترسلاً فيه
وتَمنَّى كَذَبَ وتَمَنَّى الحديث اخترعهُ وَالمُنْيَةُ والمِنْيَةُ
أيام الناقة التي لم يُسْتَبَنْ فيهَا لقاحُهَا مِنْ حِيالِها فمُنيةُ
البِكْرِ التي لم تَحمِلْ قبل ذلك عَشْرُ ليالٍ ومُنْيَةُ الثِّنْيِ
وهو البطنُ الثاني خَمْسَ عَشْرة ليلةً فإذا مَضتْ عُرِفَ ألاقِحٌ هِيَ
أم لا غيرُ لاقحٍ وقد استَمْنِيتُهَا والمُنوةُ كالمُنية قُلِبت الياءُ
واوًا للضمَّة أنشد أبو حنيفةَ لثعلبَةَ ابن عُبَيْدٍ يصف النخْلَ
(تنادَوا بجدٍّ واشمَعلّتْ رِعَاؤُهَا ... لعشرين يومًا من مُنُوَّتها
تَمْضي)
فجعل المنوَّة للنخل ذَهَابا إلى التشبيه لَهَا بالإبل وأراد العشرين
يومًا مِنْ مُنُوَّتِها مضَتْ فوضع يفْعلُ موضع فَعَلْت وهو واسع حكاه
سيبويه فقال اعلمْ أن أفْعَلُ قد تقع موقع فَعَلْتُ وأنشد
(ولقد أمرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني ... فمضيتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا
يَعْنِيني)
أراد ولقد مَرَرْتُ
(10/511)
ومَنَيْتُ الرجل مَنْيًا اختَبَرتُه
ومُنِيْتُ به مَنْيًا بُلِيتُ ومَانَيْتُهُ جازيتُهُ ومَانَيْتُهُ
لَزِمْتُهُ ومانَيتُهُ انتظرتُهُ وطاولتُهُ وأنشد يَعْقُوبُ
(من أجلِها بِفتْيَةٍ مانَوْني ... )
وأنشد لغيلان بن حُريثٍ
(إِلاَّ يَكُن فيها هُرَارٌ فإنني ... بسلٍّ يُمَانيها إلى الحَوْل
خَائفُ)
وتَمَنٍّ بَلَدٌ بين مكة والمدينة قال كُثَيِّر عزة
(كأن دموعَ العينِ لما تخلَّلَتْ ... مخارِمَ بِيضًا من تمنٍّ
جِمالُها)
(قُلِبْنَ غُرُوبًا من سُمَيْحَةَ أُنْزِعَتْ ... بِهِنّ السَّوَاني
فَاستدارَ مَحالُها)
(مقلوبه)
[ي ن م] اليَنَمَةُ نِبْتَةٌ من أحْرارِ البقول تَنبُتُ في السهل
وَدَكَادِكِ الأرض لها ورق طوال لِطَافٌ مُحدَّبُ الأطرافِ عليه وَبَرٌ
أَغْبَرُ كأنه قِطَعُ الفِرَاء وزهرتُها مثل سُنْبُلَة الشعير
وحَبُّهَا صغيرٌ وقالَ أبو حنيفَةَ اليَنَمَةُ لَيْسَ لها زَهْرٌ
وفيهَا حَبٌّ كثير تُسْمنُ عليها الإبلُ ولا تغزُرُ قال ومن كلامِ
العرب قالت اليَنَمةُ أَنَا اليَنَمَهْ أَغْبُقُ الصَبِيَّ بعد
العَتَمَهْ وأَكُبُّ الثُّمالَ فوق الأَكَمَهْ تقول درِّي يُعَجَّل
للصبِي وذلك أنّ الصبِيَّ لا يَصبِرُ والجَمْعُ يَنَمٌ قال مُرَقَّشٌ
وَوَصَفَ ثَوْرَ وَحْشٍ
(بَاتَ بغَيبٍ مُعْشبٍ نَبْتُهُ ... مُخْتَلِطٍ حُرْبُثُهُ واليَنَمْ)
(مقلوبه)
[م ي ن] مَانَ مَيْنًا كَذَبَ
(10/512)
ورجل مَيُونٌ وميَّانٌ كذّاب
(مقلوبه)
[ي م ن] اليُمْنُ خلاف الشُّؤْم وقد يَمِنَ الرجل يَمْنًا ويُمِنَ
وتَيَمَّنَ به واستَيْمَنَ وإنهُ لميْمُونٌ عَلَيهم ورجلٌ أيْمنُ
ومَيمُونٌ والجمع أيامِنُ والأيامِنُ خلافُ الأشَائِم ويقال قَدِم
فُلان على أَيمَنِ اليمين أي على اليُمْنِ والمَيْمَنةُ اليُمْنُ وقوله
تعالى {فأصحاب الميمنة} الواقعة 8 أي أصحاب اليُمْنِ على أَنْفُسِهم أي
كانوا مَيَامينَ على أنفسهم غَيرَ مَشَائِيمَ واليَمِنُ نقيضُ
اليَسَارِ والجمع أيمُنٌ وأيْمَانٌ ويَمايِيْنُ فأمّا قوله
(قد جَرَت الطيرُ أَيَامنِيْنَا ... )
(قالت وكنت رَجلاً فَطيْنَا ... )
(هذا لَعَمْرو الله إسرائِيْنَا ... )
فعندي أنه جَمَعَ يَمينًا على أَيمُنٍ ثم جَمَعَ أيْمُنًا على أَيامِنَ
ثم أراد وراءَ ذلكَ جمعًا آخَرَ فلم يجد جَمْعًا من جُموعِ التكسير
أكثرَ مِنْ هذا لأن باب أَفَاعِلَ وفَوَاعِلَ وفعائِلَ ونحوها نهايَةُ
الجمعِ فرجعَ إلى الجمع بالواو والنونِ كقول الآخَرِ
(فَهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدَائِداتُها ... )
بلغَ نهايةَ الجمعِ التي هي حَدَائِدُ فلم يجد بعدَ ذلك بناءً من
أبْنِيَةِ الجمع المُكَسَّرِ فجمعَهُ بالألف والتاءِ وكقولِ الآخر
(جَذْبَ الصراريِّينَ بالكُرُور ... )
جَمَعَ صارِيًا على صُرَّاءٍ ثم جمع صُرَّاءً على صَرَارِيٍّ ثم جمع
صَراريَّ بالياء والنونِ وقد كان يجب لهذا الراجزِ أن يقولَ
أياميِنِينا لأن جمعَ أَفْعَالَ كجمع إفْعَالٍ لكن لمَّا أزمع أن يقول
في النصفِ الثاني أو البيت الثاني فطينَا ووزنُهُ فَعُولنْ أرادَ أن
يَبنى قولَهُ
(10/513)
أيامِنينا على فَعُولُنْ أيضًا ليُسوِّيَ
الضَّرْبينِ أو العَرُوضين ونظير هذه التسوية قولهُ
(قد رَوِيَتْ غَيرَ الدُّهَيْدِهِيْنا ... )
(قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكريْنَا ... )
كان حُكمُه أن يقولَ غَيرَ الدُّهَيْدِهينا لأن الألِفَ في دَهْدَاهٍ
رابعَةٌ وحُكْمُ حرف اللينِ إذَا ثَبتَ في الواحدِ رابعًا أن يثبُتَ في
الجمع ياءً كقولك سرادحٌ وسَراديحُ وقِندِيلٌ وقناديل ويُهْلُولٌ
وبهاليلُ ولكن أرادَ أن يسوّي بين دُهَيْدِهينا وبين أُبيَكرينا فجعل
الضربين جميعًا أو العروضين فَعُولُنْ وقد يجوز أن يكون أيامِنيْنَا
جمع أيامِنَ الذي هو جمع أَيْمُنٍ فلا يكون هنالك حذُفٌ وأَمَّا قوله
(هذا لعمرُو الله إِسرائينَا ... )
فإنّ قالت هنا بمعنى ظنّتْ فعدتْهُ إلى مفعولينِ كما تعدَّى قال إلى
مفعولينِ وذلك في لغة بني سُلَيْمٍ حكاه سيبويه عن أبي الخطّاب ولو
أراد قال التي ليست في مَعْنَى الظنّ لرفعَ وليس أحدٌ منَ العرب
يَنْصِبُ بقال التي في معنى ظنّ إلا بَني سُلَيم وهي اليُمْنَى لا
تُكَسَّرُ قال أبو عُبَيْدٍ وأما قول عُمَر رضي الله عنه وَزَوّدتْنَا
يُمَيتَنَيْها فقياسه يُمَيّنَيْهَا لأنه تصغير يَمينٍ لكن قال
يُمَيْنَتَيْهَا على تصغير الترخيم وإنما قال يُمَيْنَتَيْهَا ولم يقل
يَدَيها ولا كَفَّيْها لأنه لم يُرد أنها جمعت كفيها ثم أَعطَتْهُما
بجميع الكفينِ ولكنه أراد أنها أعطَتْ كُلَّ واحدٍ كفّا واحِدةً
بيَمينها وَأَيْمَنَ أَخَذَ يَمِينًا وَيَمنَ به ويَامَنَ وتيامَنَ
ذَهَبَ به ذات اليَمينِ وحكى سيبويه يَمَنَ يَيْمِنُ يعني أخذ ذاتَ
اليمينِ قال وسَلّمُوا لأنّ الياءَ أخفُّ عليهم من الواوِ وقوله تعالى
{إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} الصافات 28 قال الزجّاجُ هذا قول
الكفّارِ للذين أضلوهم كنتم تخدعونَنَا بأقوى الأسباب فكنتم تأتوننا
مِنْ قِبَلِ الدّين فَتُرُونَنَا أنّ الدين والحقَّ ما تضلوننا به وقيل
معناه كنتم تأتوننا من قِبَلِ الشهوة لأن اليَمِينَ مَوضِعُ الْكبِدِ
والكبدُ مَظِنَّةُ الشهوة والإرادة ألا ترى أنّ القلبَ لا
(10/514)
شيءَ له من ذلكَ لأنه من ناحية الشمال
والتيَمُّنُ أنّ يوضعَ الرجلُ على جنبِه الأَيْمَنِ في القبر قال
(إذَا الشيخُ عَلْبا ثُمّ أصبح جِلْدُهُ ... كَرَحْضِ غِسيلٍ
فالتيَمُّنُ أَرْوَحُ)
وأخذ يَمْنَةً وَيمنًا وَيسْرَةً ويَسَرًا أي ناحية يَمِين ويسارٍ
واليَمَنُ ما كانَ عَنْ يمين القِبَلة مِنْ بلادِ الغَور النسبُ إليه
يَمَنِيٌّ ويَمَانٍ على نادر النسب وألفُهُ عِوَضُ من الياءِ ولا تدلُّ
على ما تدل عليه الياءُ إِذْ ليس حكمُ العقيِبِ أنْ يدلّ على ما يدل
عَلَيه عَقيبُهُ دائمًا فإن سَمَّيتَ رجُلاً بِيَمَنٍ ثم أضفتَ إليه
فعلى القياس وكذلك جميعُ هذا الضربِ وقد خَصُّوا باليَمَنِ موضعًا مَا
أو غلَّبُوه عليه وعلى هذا لا يجوزُ ذهبتُ اليَمَنَ وإنّما يجوزُ على
اعتقاد العموم ونظيرهُ الشأمُ ويدُلُّك على أنّ اليَمَنَ جنسِيٌّ غيرُ
عَلَميٍّ أنّهم قد قالوا فيه اليَمْنَةُ واليُمْنَةُ وأَيْمَنَ القَومُ
ويَمّنُوا أتَوا اليَمَنَ وقولُ أبِي كَبِيرٍ الهُذَليّ
(تَعْوِي الذِّئَابُ من المخافَةِ حَوْلَهُ ... إهلاكَ رَكْبِ اليامِنِ
المُتَطوِّفِ)
إمّا أنْ يكون على النسبِ وإمّا أنْ يكونَ على الفعلِ ولا أعْرِف له
فِعْلاً ورجلٌ أَيْمَنُ يَصْنَعُ بِيُمْنَاه وقال أبو حَنيفَةَ
يَمِنَنى ويَمَننَي جاء عن يميني واليَمِينُ الحِلفُ أُنثى والجمعُ
أَيْمُنٌ وأَيْمانٌ وقالوا أَيْمُنُ الله وأَيْمُ الله وإيمُنُ الله
وإيمُ الله ومُ الله فحذفوا ومِ الله أُجرِي مُجْرَى مُ اللهِ قال
سيبويه وقالوا لايْمُ الله واستدل بذلك على أنّ ألفَها ألِفُ وصْلٍ قال
ابن جِنّي أمّا أيَمُنٌ في القسم فحذفت الهمزةُ منها وهي اسمٌ مِنْ
قِبَلِ أنَّ هذا اسمٌ غَيرُ متمكِّنٍ ولم يستعمل إلا في القسم وحْدَهُ
فلما ضارعَ الحرفَ بقلة تمكُّنِه فُتِحَ تشبيهًا بالهمزةِ اللاحقة لحرف
التعريفِ وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرفَ وأيضًا فقد
حكى يونس إيمُ الله بالكسر فقد جاءَ فيه الكسرُ أيضًا كما ترى ويؤكِّدُ
عندك أيضًا حالَ هذا الاسم في مضارعته الحرفَ أنّهم قد تلاعبُوا به
وأضعَفوهُ فقالوا مرّة أيمُنُ الله ومرّةً أيْمُ الله ومرّة إيْمُ الله
ومرّة مِ الله ومرّة مُ الله فلما حذفوه
(10/515)
هذا الحذف المُفْرِطَ وأصارُوهُ من كونه
عَلَى حَرْفٍ إلى لفظِ الحروفِ قوِيَ شبَهُ الحرفِ عليه ففتحوا
هَمْزتَهُ تشبيهًا بهمزة لامِ التعريف وقالَ مَرّةً ومما يجيزُهُ
القياسُ غَيْرَ أَنْ لم يَرِدْ به الاستعمالُ خَبَرُ الأيْمُنِ مِن
قولهم لايمُنُ اللهِ لأنطلقنّ فهذا مبتدأٌ محذُوفُ الخبر وصارَ طولُ
الكلامِ بجوابِ القسم عِوَضًا منِ الخبر واستَيْمَنْتُ الرجلَ
استخلفتهُ عن اللحيانِي واليَمِينُ القوة والقدرة وبه فُسِّرَ قوله
تعالى {لأخذنا منه باليمين} الحاقة 45 وقيل أراد باليد اليُمْنَى وقولُ
الشَّمَّاخ
(إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجْدٍ ... تَلَقّاها عَرابةُ باليَمِينِ)
قيلَ أرادَ القوّة وقيل أراد اليد اليُمْنَى وأمّا قوله {فراغ عليهم
ضربا باليمين} الصافات 93 فقيل معناه بالحَلِف لقوله {وتالله لأكيدن
أصنامكم} الأنبياء 57 واليَمِينُ المنزلةُ يقال هو عندنا باليَمِيْنِ
أي بمنزلةٍ حَسَنَةٍ واليَمْنَةُ واليُمْنَةُ ضربٌ من بُرُود اليَمَنِ
وأَيمُنُ اسم رجلٍ وأيمُنُ موضع قال المُسّيَبُ أو غَيرُهُ
(شَرَكَا بَمَاءِ الذَّوْبِ تجمعُهُ ... في طوْد أيْمَنَ مِنْ قُرى
قَسْرِ)
(النون والفاء والواو)
[ن ف و] نِفْوَةُ الشَّيءِ ونُفَاوتُه بَقِيّتُهُ وأرداؤُهُ ونَفَوتُه
لُغَةٌ في نَفَيتُهُ والنَّيِّفُ الفضل عن اللحياني وحكى عن الأصمعي ضع
النَّيْفَ في موضعه أي الفَضْلَ ونَافَ الشيءُ نَوْفًا ارتفَعَ
وأَنَافَ الشيءُ على غيرِه ارتفع وأشرفَ قال طرفةُ
(10/516)
(وأَنَافَتْ بِهَوادٍ تُلُعٍ ... كجذوعٍ
شُذِّبَتْ عنها القُشُرْ)
والنَّيِّفُ والنَّيْفُ كَميِّت ومَيْتٍ الزيادة والنَّيِّفُ
والنَّيِّفَةُ ما بين العَقْدَين لأنها زيادةٌ يقال لها عَشَرةٌ
ونَيِّفٌ وكذلك سائرُ العُقُودِ قال اللحياني يقال عشرون ونَيِّفٌ
ومِائَةٌ ونَيّفٌ وألفٌ ونَيِّفٌ ولا يقال نَيِّفٌ إلا بعد عَقدٍ قال
وإنما قيل نَيِّفٌ لأنه زائدٌ على العددِ الذي حواهُ ذلك العَقْدُ
وأَنَافَتِ الدراهمُ كذا زادتْ وقال ابن جني في كتابه الموسوم
بالمُعرِبِ وأنتَ تراهم قدِ استحدثوا في خَبْلَهُ من قوله
(لمَّا رأيتُ الدَّهْرَ جَمّا خَبْلهو ... )
حرف مَدٍّ أنافوه على وزنِ البَيْت فَعدَّى أنافوهُ وليس هذا
بِمَعْروفٍ وإنّما عَدَّاهُ لأنّه في مَعْنَى زادُوا ونَيَّفَ على
الخمسينَ وغيرِها زاد ونَيَّفَ العددَ على ما تقول زادَ وأمرأَةٌ
مُنِيفَةٌ ونِيَافٌ تامة الطُّوْل والحُسْنِ وجَمَلٌ نِيَاف وناقة
نِيَافٌ طَوِيْلا السَّنَام قال ابنُ جني ياءُ كُلِّ ذلك منقلبةٌ عَنْ
واوٍ لأنه من النَّوفِ الّذي هُوَ العُلُوُّ والارتفاعُ قُلبَتْ فيه
الواوُ تخفيفًا لا وجوبًا ألا ترى إلى صِحّة صِوَانٍ وَخِوَانٍ
وَصِوارٍ على أنه قد حُكي حِلوَانٌ وَصِيَارٌ وذلك تخفيف لا عن صنعةٍ
ووجوب وقد تجوز أن يكون نَيافٌ مصدرًا جاريًا على فِعلٍ معتل مقدرٍ
فيجري حينئذٍ مجرى قيامٍ وَصيَامٍ وَوُصِفَ به كما يوصف بالمصادر
وفَلاة نياف طويلة عريضة قال
(إذَا اعتَلَى عَرْضِ نِيافٍ فِلِّ ... )
(أَذْرَى أَساهِيكَ عَتيْقٍ أَلِّ ... )
(بعَطْفِ ضَبْعَيْ مَرِحٍ شِمِلِّ ... )
ويُروى بأَوبِ
(10/517)
والنَّوْفُ أسفلُ الذِّيلِ لزيادته وطوله
عَنْ كُرَاع والنَّوْفُ السَّنَامُ وخص بعضهم به سَنَامَ البعير
والنَّوْفُ البَظْرُ وكُلُّ ذلك في معنى الزيادة والارتفاع ونَوْفٌ اسم
رجلٍ ويَنُوفُ عَقَبَةٌ معروفةٌ سميت بذلك لارتفاعها وأنشد أحمد بنُ
يحيى
(عُقَابُ يَنوفٍ لا عُقَابُ القَواعِلِ ... )
ورواهُ ابن جني تَنُوفٍ وقال هو تَفْعَلُ منِ النَّوْفِ وهو الارتفاعُ
سُميت بذلك لعلُوّها وعبدُ منافٍ بَطْنٌ من قُرَيشٍ قال سيبويه الإضافة
إليه مَنَافِيٌّ وهو مما وَقَعَتْ فيه الإضافةُ إلى الثاني دُونَ الأول
لأنه لو أضيفَ إلى الأول لالتبس
(مقلوبه)
[ف ن و] الفناة البقرةُ والجمعُ فنواتٌ وشَعرٌ أَفْنَى في مَعنَى
فَيْنَانٍ وليس من لَفْظه وامرأَةٌ فَنْوَاءُ أَثِيثَةُ الشعَرِ من
رَوَى ذلك ابن الأعرابي وأمّا جُمْهُور أهلِ اللغةِ فقالوا امرأَةٌ
فَنْوَاءُ أي إِنّ لشَعَرِها فُنُونًا كَأفنانِ الشَّجَرِ وكَذلكَ
شَجَرةٌ فَنْوَاءُ إنّما هي ذَاتُ الأَفْنَانِ فقياسها فَناءُ أيضًا
(مقلوبه)
[وف ن] جِئْتُ عَلَى وَفَنِه أَي أَثرِه قال ابن دُرَيدٍ وليس بِثَبْتٍ
(النون والباء والواو)
[ن ب و] نَبَا بَصُره عنه نُبُوّا وَنُبِيّا قال أَبو نُخَيْلَةَ
(لمَّا نَبَاني صَاحبي نُبِيّا ... )
ونَبْوَةً ونَبَا السيفُ عن الضَّرِيْبَةِ نَبْوًا ونَبْوَةً لا يراد
بالنَّبْوةِ المرَّةُ الواحدِةُ كَلَّ ونَبَتْ صُورتُهُ قَبُحَتْ فَلَم
تَقْبَلها العينُ ونَبَا به مَنْزِلُهُ لم يُوَافِقْهُ
(10/518)
ونَبَا فُلانٌ عَلَى فُلانٍ لمْ يَنْقَدْ
لَهُ ونَبَا جَنْبِي عن الفراشِ لم يَطْمئِنّ عليه ونَبَا السَّهْمُ عن
الهَدَفِ نَبْوًا قَصَّرَ ونَبَا عن الشيءِ نَبْوًا ونَبْوَةً
زَايَلَهُ والنَّبْو العُلُوُّ والارتفاعُ وَقَدْ نَبَا والنَّبْوةُ
والنَّبِيُّ ما ارتفع من الأرض والنَّبِيُّ العلمُ من أَعْلاَمِ الأرضِ
الَّتي يُهتدى بِهَا قال بعضُهم ومنه اشتقاق النَّبِيِّ لأنه أَرْفَعُ
خَلْقِ اللهِ وذلك لأنه يُهتدَى به وقد تقدم ذكرُ النبِيِّ في الهَمزِ
وهُم أَهْلُ بَيتِ النُّبوَّة والنَّباوَةُ والنَّبِيُّ الرَّمْلُ
ونَبَاةُ مَقْصُورٌ مَوْضعٌ عن الأخفش قالَ سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيةَ
(فالسِّدْرُ مُخْتَلَجٌ وَغُوْدرَ طافيًا ... ما بَينَ عَيْنَ إلى
نَبَاَة الأثْأَبُ)
وَرُوِيَ نَبَاتَا وقَدْ تقدّمَ ونُبَيٌّ مكانٌ بالشأْمِ دون البِشْرِ
قال القُطَامِيُّ
(لمَّا وَرَدْنَ نُبَيّا واسْتَتَبِّ بنا ... مُسْحنفِرٌ كخطُوطِ
السِّيحِ مُنْسحِلُ)
والنَّبِيُّ موضِعٌ بِعَيْنه والنَّبَوَانُ ماءٌ بعينه قال
(شَرْحٌ رَوَاءٌ لكُمَا وَزُنْقُبُ ... )
(والنَّبَوَانُ قَصَبٌ مُثَقَّبُ ... )
يَعْني بالقَصَبِ مَخَارِجَ مَاءِ العُيُون ومُثَقَّبٌ مفتُوحٌ بالماءِ
(مقلوبه)
[ن وب] نَابَ الأَمْرُ نَوْبًا ونَوْبَةً نزل
(10/519)
والنَّائِبَةُ النازلة وَهيَ النَّوَائِبُ
والنُّوَبُ الأخَيْرَةُ نَادِرةُ قال ابن جنيٍّ مَجِيءُ فَعْلَةٍ عَلَى
فُعَلٍ يُرِيكَ أَنَّها كَأَنَّها إنّما جاءَتْ عندهم مِنْ فُعْلَةٍ
فكأنّ نَوْبَةً نُوْبَةٌ وإنّما ذلك لأنّ الواوَ مِمَّا سبيلُهُ أن
يأتي تابعًا للضمة قال وهذا يُؤَكدُ عندك ضَعفَ حُرُوف اللينِ
الثَّلاثَة وكذلكَ القولُ في دَولةٍ وجَوْبَةٍ وقد تقدم والنَّوْبُ
اسمٌ لِجمَعِ نائِبٍ مثلُ زائرٍ وزَوْرٍ وقيل هُوَ جَمْعٌ والنَّوْبَةُ
الجَماعَةُ منَ الناس وقولُهُ أنشده ثَعلَبٌ
(انقطَعَ الرشاءُ وانحلّ النَّوْبُ ... )
(وجَاءَ مِن بَنَاتِ وَطَّاءٍ نَوْبُ ... )
يجوز أن يكون النوبُ فيه من الجمع الذي لا يفارق واحدَهُ إلا بالهَاءِ
وأن يكون جَمْعَ نائبٍ كَزَائرٍ وَزَوْرٍ على ما تقدّمَ والنَّوْبُ ما
كان منك مسيرةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ قال لَبيدٌ
(إحْدَى بَني جَعْفَرٍ كَلِفْتُ بِهَا ... لَم تُمْسِ نَوْبًا مِني ولا
قَرَبَا)
وقيل ما كان على ثَلاثَة أَيّامٍ وقيل ما كان على فَرْسَخينِ أو
ثَلاثَةٍ وقيل النَّوْبُ القُرْبُ قال أبو ذُؤَيبٍ
(أَرِقْتُ لذكرِه من غَيْرِ نَوْبِ ... كما يَهْتَاجُ مَوْشيٌّ
نَقِيْبُ)
ونُبْتُهُ نَوْبًا وانتَبْتُهُ أَتيتُهُ على نَوْبٍ والنَّوَبَةُ
الفُرصَةُ والدّولَةُ والجمع نُوَبٌ نادِرٌ وتَنَاوَبَ القومُ الماءَ
تقاسمُوُه على المَقلَة وهي حَصَاةُ القَسْمِ ونابَ الشيءُ عن الشيءِ
يَنُوبُ قامَ مَقَامَهُ وأَنَبْتُهُ أَنا عَنهُ ونَاوَبَهُ عَاقَبَهُ
(10/520)
ونابَ إلى الله وأنابَ إليه تابَ ورَجَعَ
وفي التنزيل {منيبين إليه} الروم 31 أَي رَاجِعينَ إلى كُلِّ ما أمَرَ
به غَيرَ خارجينَ عن شيءٍ من أَمرِه وقَولُهُ تعالى {وأنيبوا إلى ربكم
وأسلموا له} الزمر 54 أي توبوا إليه وارجعوا وقيلَ إنها نزلَتْ في
قَومٍ فُتِنوا في دينهم وعُذِّبُوا بمكَّةَ فرجعوا عن الإسلامِ فقيل
إِنّ هؤلاءِ لا يُغْفَرُ لهم بعدَ رجوعِهم عن الإسلامِ فأَعلَمَ اللهُ
أنّهم إن تابوا وأسلموا غُفِرَ لهم والنُّوْبُ جيل من السودانِ
والنُّوْبُ النَّحْلُ قال أبُو ذُؤَيبٍ
(إذَا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَا ... وحالفها في بيت
نُوبٍ عوابلِ)
قال أبُو عُبَيدَةَ سُمِّيَتْ نُوْبًا لأنها تَضْرِب إلى السَّوَاد
وقال أبو عُبَيدٍ سُمِّيتْ به لأنها ترعى ثم تنُوبُ إلى موضِعها فَمَنْ
جَعَلَها مُشبّهةً بالنوبِ لأنّها تَضربُ إلى السوادِ فَلا واحِدَ
لَهَا ومَنْ سَمَّاها بذلك لأنّها تَرْعَى ثمّ تنُوبُ فواحِدُها نائبٌ
والمَنابُ الطريقُ إلى الماءِ ونائبٌ اسمُ رجلٍ
(مقلوبه)
[ون ب] ونَبَّهُ لُغَةٌ في أَنَّبَهُ
(مقلوبه)
[ب ن و] بَنَا في الشَّرَفِ يَبْنُو وعلى هذا تُؤُوِّل قولُ الحُطَيئَة
(أولئِك قومُ إنْ بَنَوْا أحسَنوا البُنَا ... )
قالوا إِنَهُ جَمعُ بُنْوَةٍِ أو بِنْوَةٍ قال الأصمعِيُّ أنشدت
أعرابيّا هذا البيتَ
( ... أحسنوا البنا ... )
فقال لي أَيْ بُنَا أَحسَنُوا البُنَا أرادَ بالأَوّل أَيْ بُنَيَّ
والابن الوَلَدُ ولامُهُ في الأصل مُنقَلبةٌ عَنْ واوٍ عند بعضهم
كأنّهُ مِن هذا والأُنثى ابنَةٌ وبِنْتٌ الأَخيرَةُ على غيرِ بناءِ
مُذَكّرِهَا ولامُ بنِتٍ وَاوٌ والتاءُ بَدلٌ منها
(10/521)
قال ابنُ جنيٍّ أصلُهَا بَنَوَةٌ
وَوَزْنُها فَعَلٌ فألحَقَتها التاءُ المبدلةُ مِن لامها بِوَزن حِلْسٍ
فقالوا بِنْتٌ وليست التاءُ فيها بعلامَةِ تأنيثٍ كما ظَنَّ مَنْ لا
خِبْرَةَ لَهُ بهذا الشأن وذلك لسكون مَا قَبلَها وهذا مَذهبُ سيبويهِ
وهو الصحيحُ وقد نصّ عليه في باب ما لا ينصرفُ فقال لو سَمَّيتَ بها
رجلاً لصرْفتَها معرفةً ولو كانت للتأنيثِ لمَا انصرف الاسمُ على أن
سيبويه قد تسمَّح في بعض ألفاظِه في الكتاب فقال في بِنْتٍ هي علامة
تأنيثٍ وإنّما ذلك تَجوُّز منه في اللفظ لأنّه أرسلَهُ غُفْلاً وقد
قَيَّدهُ وعَلَّلَهُ في باب ما لا ينصرفُ والأخذ بقوله المعلَّلِ
أَقْوَى منَ الأخذ بقوله الغُفْلِ المُرْسَلِ ووجْهُ تَجَوُّزه أنَّهُ
لمَّا كانتْ التاءُ لا تبدلُ من الواو فيها إلا مع المُؤَنَّث صارَتْ
كأنها علامَةُ تأنيثٍ وأَعني بالصيغَة فيها بِناءَهَا على فِعْلٍ
وأصلُهَا فَعَلٌ بدلالة تكسيرِهم إِيّاه على أفْعَالٍ وإبدالُ الواوِ
فيها لازمٌ لأنّه عَمَلٌ اختُصّ بهِ المُؤَنثُ ويدلُّ أيضًا على ذلك
إقامَتُهم إياهُ مُقامَ العلامة الصريحة وتَعَاقُبُهَا فيها على الكلمة
الواحدَةِ وذلك نحو ابنَةٍ وبنتٍ فالصيغة في بِنْتٍ قائِمَةٌ مَقَامَ
الهاءِ في ابنَةٍ فكما أنّ الهاءَ علامةُ تأنيثٍ فكذلك صيغةُ بِنْتٍ
علامةُ تأنيثها وليس بنتٌ مِن ابنَةٍ كَصَعْبٍ مِن صَعْبةٍ إنّما نظيرُ
صَعْبَةٍ مِن صَعْبٍ ابنةُ مِن ابنٍ ولا دِلالة لك في البُنّوَّةِ على
أنّ الذاهبَ من بنتٍ واوٌ لكِنْ إبدالُ التاءِ من حرف العلةِ يدل على
أنَّهُ منَ الواو لأنّ إبدالَ التاءِ مِنَ الواوِ أضعَافُ إبدالِهَا
منَ الياءِ والنسبُ إلى بنتٍ بَنَوِيٌّ فأَمّا قولُ يُونُسَ بِنْتِيٌّ
وأخْتِيٌّ فمردودٌ عند سيبويه وقد أُنعمَ تَعْلِيلُهُ في غيرِ مَوضعٍ
وقوله تعالى {هؤلاء بناتي هُنَّ أطْهَرُ لكم} هود 78 كَنَّى ببناتِهِ
عن نسائِهم ونِسِاءُ أُمَّة كُلِّ نَبِيٍّ بمَنزِلَةِ بناتِه
وأزوَاجُهُ بمنزلةِ أمهاتهم هذا قول الزجّاجِ قال سيبويه وقالوا ابنَمٌ
فزادوا الميمَ كما زِيدتْ في فُسْحُمٍ ودِلقِمٍ وكأَنَّها في ابنَمٍ
أَمْثَلُ قليلاً لأنّ الاسمَ محذُوفُ اللامِ فكأنها عِوضٌ منها وليس في
فُسحُمٍ ونحوِه حَذْفٌ فأمّا قول رُؤبة
(بُكَاءَ ثَكْلَى فَقَدَتْ حَميمَا ... )
(فَهْيَ تُرَثِّي بأَبَا وابنَامَا ... )
فإنّما أَرادَ وابنيْ ما لكن حَكَى نُدْبتَها واحتمل الجمع بينَ الياءِ
والألف هاهُنَا لأنه أرادَ الحكاية كأنّ النادبَةَ آثَرتْ وابنا على
ابنِي لأنّ الألفَ هَاهُنَا أَمْنَعُ نَدْبًا وأَمَدُّ لِلصَّوتِ إذْ
في الألف من ذلك ما ليس في الياءِ ولذلك قالَتْ بأَبَا ولَمْ تقُلُ
بأَبِي والحكايَةُ قد
(10/522)
يُحتَملُ فيها مَا لا يُحتَملُ في غيرِها
ألا ترى أنّهُم قد قالوا مَنْ زيدًا في جواب مَنْ قال رأيتُ زَيْدًا
ومَنْ زيْدٍ في جواب مَنْ قال مَرَرْتُ بزيدٍ ويُرْوَى فَهْيَ تنادي
بأبي وابني ما فإذا كان ذلك فَهُو على وَجْهه وما في كلِّ ذلكَ زائدةٌ
وَجَمْعُ الابنِ أبناءٌ وقالوا في تصغيرِه أُبَيْنُونَ وجَمْعُ البنت
بَنَاتٌ وبناتُ الليلِ الهمُومُ أنشد ثعلَبٌ
(تَظلُّ بناتُ الليلِ حَوْليَ عُكَّفًا ... عُكُوفَ البواكي
بَيْنَهُنَّ قَتيلُ)
وقول أميَّةَ بن أبي عائذٍ الهُذَلِيِّ
(فَسَبَتْ بناتِ القلبِ فَهْيَ دَهائِنٌ ... بحِبالِها كالطيرِ في
الأقفاصِ)
إنّما عنى ببناتِه طوَائِفَهُ وأبناءُ فارسَ قومٌ مِن أولادِهم
ارتُهنُوا باليَمن والنسبُ إليهم أبْنَاوِيٌّ والاسم من كل ذلك
البُنُوّةُ وللأَبِ والابن والبنْت أَشْيَاءُ كثيرةٌ يُضَافُ إليها قد
جمعتها وتقصَّيْتُها في الكتابِ المُخصَّصِ وتَبَنَّاهُ اتخذه ابنًا
وقال الزجّاجُ تَبَنَّى به يريد تَبنَّاهُ وقولُه أنشده ابنُ الأعرابِي
(يَا سَعْدُ يا بنَ عَمَلي يا سَعْدُ ... )
أرادَ يا مَنْ يَعمَلُ عَمَلي أو مثلَ عَمَلي قال والعرب تقول الرفق
بُنَيُّ الحِلم أي مثلُهُ وقد تقدّمَ جميعُ ذلكَ في الياءِ
(مقلوبه)
[ب ون] البَوْنُ والبُوْنُ مسافةُ ما بين الشيئَينِ قال كُثيرُ عزةَ
(إذَا جاوزُوا مَعروفَهُ أسْلَمتهمُ ... إلى غَمْرَةٍ لا يُنظِرُ
القومَ بوْنُهَا)
وقد بَانَ صاحبَهُ بَوْنًا والبُوانُ من أعمدة الخِبَاءِ والجمع
أبْوِنَةٌ وبُوْنٌ وبُوَنٌ وأَبَاها سيبويه
(10/523)
والبُوْنُ مَوضعٌ قال ابن دُريدٍ لا أدري
ما صحَّتُهُ والبُوَيْنُ موضعٌ قال مَعْقَلُ بن خُوَيْلدٍ
(لعَمْري لقد نادى المُنَادَى فَراعَني ... غَدَاةَ البُوَيْنِ مِنْ
قَريبٍ فَأَسْمَعَا)
وبُوَاناتٌ موضعٌ قال مَعْنُ بنُ أَوْسٍ
(سَرَتْ مِنْ بُوَانَاتٍ فَبُونٍ فأصْبَحتْ ... بِقَوْرَانِ قَوْرَانِ
الرِّصَافِ تُرَاكِلُه)
(النون والميم والواو)
[ن م و] نَمَا الشيءُ يَنْمُوْ نُمُوّا زادَ وَكَثُرَ قال أبُو
عُبَيْدٍ قال الكسائيُّ لم أسْمَعْهُ إلا من أخوينِ من بَني سُلَيْمٍ
ثم سَأَلْتُ عَنهُ جَمَاعَةَ بَني سُلَيمٍ فلم يَعرِفُوهُ بالواوِ
وَهيَ النِّمْوَةُ ونَمَا الخِضَابُ ازدادَ حُمرةً وسَوَادًا وقد تقدمَ
كلُّ ذلكَ في الياءِ وقال اللحيانيُّ وزعمَ الكسائيُّ أَنّ أَبَا زيادٍ
أنشدَهُ
(يا حُبًّ لَيْلَى لا تَغَيَّرْ وازْدَد ... )
(وانْمُ كَمَا يَنْمُو الخِضَابُ في اليَدِ ... )
والروايةُ المشهورةُ وانمِ كَمَا ينمِي
(مقلوبه)
[ن وم] النَّومُ النُّعَاسُ نامَ يَنَامُ نَوْمًا ونِيامًا عن سيبويه
والاسم النِّيمةُ وقولُهُ
(تاللهِ ما زيدٌ بِنامَ صاحبُهْ ... )
(ولا مخالِطُ اللَّيانِ جَانبُهْ ... )
قيل إنّ نام صاحبُه عَلَمٌ اسمُ رجلٍ وإذا كانَ كذلك جَرَى مَجْرَى
بَنِي شابَ قَرْنَاهَا فإن قلتَ فإنّ قولَهُ ولا مُخَالطِ اللَّيانِ
جانبُهْ ليس علمًا وإِنَّما هُوَ صِفَةٌ وهو
(10/524)
معطوفٌ على نامَ صاحبُهْ فيجب أنْ يكونَ
نامَ صاحبُهْ صِفَةٌ أيضًا قيل قد يكون في الجملِ إذا سُمِّيَ بها
مَعَاني الأفْعَالِ ألا ترى أن شابَ قَرْنَاهَا تَصُرُّ وتَحلُبُ هُوَ
اسمٌ عَلَمٌ وفيه مع ذلك مَعْنَى الذمّ وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله
ولا مخالطِ اللَّيانِ جانِبِهْ معطوفًا على ما في قوله نام صاحبُهْ من
معنى الفِعْلِ وما لَهُ نِيْمَةُ لَيْلَةٍ عن اللحيانيِّ أَرَاهُ يعني
ما ينام عليه لَيْلَةً واحِدَةً ورجلٌ نائمٌ ونَؤُومٌ ونُوْمةٌ ونُوَمٌ
الأخيرة عن سيبويه مِن قوْمٍ نيَامٍ ونُوَّمٍ وَنُيَّمٍ قلبُوا الواوَ
ياءً لقربها مِنَ الطرَف ونِيَّمٍ عن سيبويه كَسَّرُوا لمكَانِ الياءِ
ونُوَّامٍ ونُيَّامٍ الأخيرة نادرةٌ لبُعدها مِنَ الطرفِ قال
(أَلا طَرَقَتْنَا مَيَّةُ بْنَةُ مُنْذِرٍ ... فَمَا أَرَّقَ
النُّيَّامَ إِلاَّ سَلاَمُهَا)
كذا سُمِعَ مِن أبي الغَمْرِ ونَوْمٌ اسم للجَمْعِ عندَ سيبَوَيْه
وجَمْعٌ عند غَيرِهِ وقد يَكُونُ النَّومُ للوَاحِد وامْرَأةٌ نائِمةٌ
مِنْ نِسوَةٍ نُوَّمٍ عن سيبويه وأكثَرُ هذا الجَمْعِ في فاعلٍ دون
فاعِلَةٍ وامرأةٌ نَؤُوْمٌ الضَّحَى نَائِمتُهَا وإِنّما حَقيقَتُه
نَؤُمٌ بالضَّحَى أوْ في الضَّحَى واستنَامَ وتَنَاوَمَ طَلَبَ
النَّومَ وإنّهُ لَحَسَنُ النِّيمَة أي النَّومِ والمَنامُ والمنَامَةُ
موضعُ النومِ الأَخيرةُ عن اللحياني وفي التنزيل {إذ يريكهم الله في
منامك قليلا} الأنفال 43 وقيل هو هنا العَينُ لأنّ النومَ هُنَالكَ
يَكُونُ وقد يَكُونُ النومُ يُعْنَى به المَنَامُ لأنّهُ قد جاءَ في
التفسير أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رآهم في النَّومِ قليلاً
وقَصَّ الرُّؤْيَا على أصحابه فقالوا صْدَقَتْ رُؤياك يا رسولَ اللهِ
وقد أَنامَهُ ونوَّمهُ ويقالُ في النداءِ خاصّةً يا نَوْمانُ أي كثيرَ
النوم قال ابنُ جنيٍّ وفي المَثَلِ أَصْبِحْ نَومَانُ فَأَصْبِحْ على
هذا من قولك أَصْبَحَ الرَّجُلُ إذا دخل في الصبْحِ وروايَةُ سيبَويهِ
أصبِحْ لَيلُ أي لِتَزُلْ حتى يُعَاقبك الإصْبَاحُ قال الأَعْشَى
(يقولونَ أَصْبِحْ لَيْلُ والليلُ عاتمُ ... )
(10/525)
ورُبَّما قالوا يا نَومُ يُسَّمُونَ
بالمَصْدَر وأصابَ الثأرَ المُنيمَ أي الثَأرَ الّذي فيه وَفاءُ
طَلِبَتِه وفُلانٌ لا ينامُ ولا يُنْيمُ أي لا يَدَعُ أحدًا ينامُ قالت
الخَنْسَاءُ
(كما مِنْ هاشمٍ أَقْرَرْتُ عَيْني ... وكانَتْ لا تَنَامُ ولا
تُنِيْمُ)
وقولهُ
(يَبُكُّ الحَوضَ عَلاَّها وَنَهْلا ... وَخَلْفَ ذِيَادِهَا عَطَنٌ
مُنِيْمُ)
مَعْنَاهُ تَسْكُنُ إِلَيه فَيُنْيْمُهَا ونَاوَمَني فَنُمْتُهُ أي
كُنْتُ أشَدَّ نَوْمًا مِنْهُ ونَامَ الخَلْخَالُ إذا انقَطَعَ
صَوْتُهُ من امتِلاءِ السَّاقِ تَشْبِيهًا بالنَّائمِ من الإنسَانِ
وغَيرِه كما يُقَالُ استَيْقَظَ إِذا صَوَّتَ قالَ طُرَيْحٌ
(نَامَتْ خَلاخِلُهَا وجَالُ وِشاحُهَا ... وجَرى الإزارُ عَلى كَثيبٍ
أَهْيَلِ)
(فاستَيْقَظَتْ منها قَلائِدُهَا الّتي ... عَقدَتْ على جِيدِ الغزالِ
الأكْحَلِ)
وَقَولُهُم نامَ هَمُّهُ معناه لم يكن لَهُ هَمٌّ حكاهُ ثَعْلَبٌ ورجلٌ
نُوَمَةٌ ونَوِيْمٌ مُغَفَّلٌ ونُوْمَةٌ خامِلٌ وكله مِنَ النَّومِ
كأَنَّهُ نائِمٌ لِغَفْلَتِه وخُموله وما نَامَتِ السّماءُ الليْلَةَ
مَطرًا وهو مَثَلٌ بذلك وكذلك البَرْقُ قالَ سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيةَ
(حَتّى شآها كَلِيْلٌ مَوهِنًا عَمِلٌ ... بَاتَتْ طِرَابًا وبَاتَ
اللَّيْلُ لَمْ يَنَمِ)
ومُستَنَامُ الماءِ حيث ينقعُ ثم ينشفُ هكذا قال أبو حنيفة ينقع
والمعروف يستنقعُ كأنّ الماءَ يَنَامُ هنالك والمَنَامَةُ القَطِيْفَةُ
وهي النِّيمُ وقولُ تأبَّط شرّا
(نيافُ القُراطِ غَرَّاهُ الثَّنَايَا ... تَعَرَّضُ للشباب ونعْمَ
نِيْمُ)
(10/526)
قيل عنى بالنِّيْمِ القَطِيفَةَ وقيل عنى
به الضجيعَ وحكى المُفَسِّرُ أَنَّ العَرَبَ تَقُولُ هوَ نِيْمُ
المرأةِ وهي نِيْمتُهُ والمَنَامَةُ الدُّكَّان وحِدِيثُ عَلِيٍّ دخَلَ
عَلَيَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا على المَنَامَةِ
يَحتَمِلُ أن يكونَ الدُّكّانَ وأن تكونَ القَطِيْفَةَ ونَامَ الثَّوبُ
يَنَامُ نَوْمًا أَخْلَقَ وانقطع ونَامَتِ السُّوقُ كَسَدَتْ ونَامَتِ
الريحُ سَكَنَتْ كما قالوا ماتَتْ ونَامَ البَحْرُ هَدَأَ حَكَاهُ
الفَارِسيُّ ونَامَتِ النارُ هَمَدَتْ كُلُّه من النوم الذي هو ضِدُّ
اليَقَظة واستَنَامَ إلى الشيءِ استَأْنَسَ به والنَّامَةُ قاعَةُ
الفَرْجِ والنِّيْمُ الفَرْو القَصِيرُ والنِّيمُ كُلُّ لَيِّنٍ من
ثَوْبٍ أَو عَيْشٍ والنِّيْمُ الدَّرَجُ الذي في الرِّمَالِ إذا جَرَتْ
عَلَيه الرّيحُ قال ذُو الرّمة
(حتّى انجلى الليلُ عَنَّا في مُلَمَّعةٍ ... مثلِ الأَديمِ لها مِن
هَبْوَةٍ نِيمُ)
والنيْمُ شَجرٌ تُعمَلُ منه القِدَاحُ قال أبو حنيفةَ النِّيْمُ شَجَرٌ
لَهُ شوك لَيِّنٌ وورقٌ صِغَارٌ وله حَبٌّ كثيرٌ متفَرِّقٌ أمثالُ
الحِمِّص حامِضٌ فإذا أينع اسوَدَّ وحَلا وهو يُؤكَلُ ومنابتُهُ
الجبالُ قال ساعدةُ ووصَفَ وَعِلا في شاهقٍ
(ثمّ يُنوشُ إذا آدَ النهارُ له ... بعدَ الترقُّبِ من نِيمٍ ومن
كَتَمِ)
والنِّيْمُ بالفارسية نِصفُ الشيءِ ومنه قَولهُمْ للقُبَّةِ الصغيرةِ
نيمٌ خَائجِهْ أي نِصْفُ بَيْضَةٍ والبَيْضَةُ عندهم خاياه
(10/527)
فأُعرِبَتْ فقيل خائِجهْ ونَوْمَانُ نَبْتٌ
عن السِّيرافيّ وإنّما قَضَيْنَا على ياءِ النِّيِم في وُجوهِهَا
كُلِّها بالواوِ لوجودِ ن وم وعَدَمِ ن ي م
(مقلوبه)
[م ن و] المَنَا الكيلُ والميزانُ وَتَثْنِيَتُهُ مَنَوَانِ ومَنَيانِ
والأُوْلَى أَعْلَى وأَرى الياءَ معاقِبةٌ لِطَلَبِ الخفَّةِ والجَمْعُ
أَمْنَاءٌ ومَنَوْتُ الرجلَ مَنْوًا أختَبَرْتُهُ ومَنَاهُ اللهُ
بِحُبِّهَا مَنْوًا ابتَلاهُ ومُنِيْتُ به مَنْوًا بُليْتُ وَمَنَاةُ
صَخْرَةٌ كانتْ لهُذَيْلٍ وخُزَاعةَ تَعبُدُهَا من دونِ اللهِ تعالى من
قولكَ مَنَوْتُ الشيءَ ابتلَيْتُهُ وقد تقدّم عامة ذلك في الياء
والمَنْوَةُ الأُمْنيَّةُ في بعض اللّغات وأَرَاهم غَيَّروا الآخِر
بالإبْدَالِ كما غَيَّرَوا الأولَ بالفَتْحِ
(مقلوبه)
[ون م] الوَنِيْمُ خَرْءُ الذبابِ وَنَمَ وَنْمًا وَوَنيْمًا
(مقلوبه)
[م ون] مَانَ الرجلُ أَهْلَهُ يَمُوْنُهُم مَوْنًا ومَؤُنَةً كفاهم
وأَنْفَقَ عليهم والاسْمُ المَايِنَةُ والمَوُوْنَةُ بغيرِ همزٍ على
الأصل ومَنْ قال نَؤُرٌ قال مَؤُوْنَةٌ والمَانُ الكَلُّ وهُوَ
السِّنُّ الذي يُحْرَثُ به أُرَاهُ فارسيّا وكذلِكَ تَفسيرُهُ
فَارسِيٌّ أيضًا كُلُّهُ عن أبي حَنِيفَةَ وإِنّما قضينا على ألِفه
بالواوِ لأنّها عينٌ ومَاوَانُ وذُو مَاوَانَ مَوْضِعٌ وقد قيلَ
مَاوَانُ مِنَ المَاءِ ولا أدري كيفَ هذانِ انقضى الثلاثي المعتل
(10/528)
(باب الثلاثي
اللفيف)
(النون والهمزة والياء)
[ن أي] النأْيُ البُعْدُ والنأْيُ المُفارقَةُ وقول الحُطَيئةَ
(وهندٌ أَتَى من دونها النَّأْيُ والبُعْدُ ... )
إِنّما أراد المفارقَةَ ولو أرادَ البُعَد لما جَمَعَ بينهما نَأَى عنه
ونآهُ يَنْأْى نَأْيًا وانتَأَى وأَنأَيْتُهُ أبْعَدتُهُ والنُّؤيُ
والنِّئْيُ والنَّأْيُ والنُّؤَي على مِثالِ النُّقَى التقى عن ثعْلَبٍ
الحَفِيْرُ حول الخِبَاءِ أو الخَيْمَة يدفعُ عنها السيل يَمِيْنًا
وشمالاً ويُبْعِدُهُ قال
(عَلَيْها مُوقِدٌ ونُؤَى رمادِ ... )
والجمعُ أَنْأَآءٌ وأَنَاءٌ حكاهُ يَعقُوبُ في المقلوبِ ونُئِيٌّ
ونِئِيٌّ وأَنْأيْتُ الخِبَاءَ عَمِلْتُ له نُؤْيًا وَنَأَيْتُ
النُّؤْيَ أنْأآهُ وأنْأَيتُهُ عَمِلْتُهُ وَانتَأَى نُؤْيًا اتخذَهُ
(مقلوبه)
[ن ي أ] نَآءَ الشيءُ كَنَأَى مَقْلُوبٌ مِنْهُ أنشا يعقُوبُ
(أقولُ وقد ناءَتْ بِهمْ غَرْبَةُ النَّوَى ... نَوًى خَيْتَعُورٌ لا
تَشِطَّ دِيارُكِ)
وَنَاءَ الشيءُ نَيْئًا وهو نَيْءٌ بَيِّنُ النُّيُوءِ والنُّيُوءْةَ
لم يَنْضَجْ وَلَحْمٌ نَيْءٌ لم تَمْسَسْهُ نارٌ قال أَبُو ذُؤَيْبٍ
(10/529)
(عُقَارٌ كَمَاءِ النِّيءِ لَيستْ
بِخَمْطَةٍ ... ولا خَلَّةٍ يَكْوِي الشَّرُوبَ شِهابُهَا)
شهابُها نارُهَا وَحِدَّتُها وأَنَأْتُهُ أَنَا
(مقلوبه)
[أن ي] أَنَى الشيءُ أَنْيًا وَإِنِّي وأَنآءُ وهُوَ أَنِيٌّ حَانَ
وأدْرَكَ وخَصَّ بَعْضُهم به النَباتَ والإناءُ الَّذي يُرْتَفَقُ به
وهو مشتقٌّ مِن ذلكَ لأنه قد بَلَغَ أَنْ يُعْتَملَ بما يُعَانَى به من
طَبْخٍ أَوْ خَرْزٍ أَو نِجَارةٍ والجمعُ آنيَةٌ وأَوَانٍ الأخيرَةُ
جَمعُ الجمعِ مثلُ أَسْقِيَةٍ وأَسَاقٍ والألفُ في آنيَةٍ مُبَدلَةُ
مِنَ الهمزةٍ ولستْ بمُخَفَّفَةٍ عنها لا نقلابِها في التكسيرِ واوًا
ولولا ذلكَ لحُكمَ عليه بالقلْبِ دُوْنَ البَدَل لأنّ القلْبَ قياسيٌّ
والبدلَ مَوقُوفٌ وَأَنَى الماءُ سَخَنَ وبَلَغَ في الحرارةِ وفي
التنزيلِ {وبين حميم آن} الرحمن 44 وفيه {تسقى من عين آنية} الغاشية 5
أي متناهيةٍ في شدة الحرِّ وكذلك سائر الجواهر وبلغ الشيءُ إناه
وأناءَهُ أي غايتُهُ وفي التنزيلِ {غير ناظرين إناه} الأحزاب 53 أي
نُضْجَهُ وإدْرَاكَهُ والأَنَاةُ والأَنى الحِلمُ والوَقَارُ وأَنَى
وتَأَنَّى واستأْنَى تَثَبَّتَ وأَنَى أُنِيّا فهو أَنِيٌّ تأَخَّرَ
وأبْطَأَ وَآنَى كأَنَى وفي الحديث في صَلاة الجُمْعَة آنَيْتُ
وآذَيْتَ وآنَيْتُ الشيءَ أَخَّرْتُهُ قال الحُطَيْئةُ
(وآنَيْتُ العَشَاءَ إلى سُهَيلٍ ... أَوِ الشِّعْرَى فطال بي
الأَنَاءُ)
وَالإنْيُ والأَنَى الوَهْنُ أو السَّاعَةُ مِنَ اللَّيلِ وقيلَ
السَّاعَةُ منهُ أَيَّ سَاعةٍ كانَتْ وحكى الفارسيُّ عن ثَعْلَبٍ
إِنْوٌ في هذا المَعْنَى قال وهو من باب أَشَاوَى وقيلَ الإنَى
النّهارُ كُلُّهُ والجمعُ آنَاءٌ وَأُنِيٌّ قال
(يا ليتَ لِي مِثْلَ شَرِيبِي مِنْ غَنِي ... )
(10/530)
(وهوَ شَريبُ الصِّدْقِ ضَحّاكُ الأُنِيْ
... )
يَقُولُ في أَيّ ساعةٍ منَ الليلِ جِئْتُهُ وجَدْتُهُ يَضْحَكُ وحكى
الفارسيُّ أَتَيْتُهُ آنِيَةً بعدَ آنِيةٍ أي تَارَةً بعدَ تَارَةٍ
هكذا حكاهُ وأُرَاهُ بَنَى مِنَ الإنَى فَاعِلَةً ورَوَى
(وآنِيَةً يَخْرُجْنَ مِن غَامرٍ ضَحْل ... )
والمعروفُ آوِنَةً وقال عُروَةُ في وَصِيَّتِهِ لِبَنِيْهِ يا بَنيَّ
إذَا رأَيتُم خَلَّةً رَائِعةً مِن رجلٍ فَلا تَقْطَعُوا أنَاتكمُ
مِنْه وإن كان عند الناسِ رجُلَ سَوْءٍ أي رجَاءَكُم وقولُ
السُّلَمِيَّة أنشدُهُ يعقُوبُ
(عنِ الأمرِ الّذِي يُؤْنيكَ عنهُ ... وعن أهلِ النصيحَةِ وَالوِدَادِ)
قالَ أرادَ يُنْئيكَ مِنَ النأْيِ وهو البُعدُ فَقُدِّمَتِ الهمزةُ
قبلَ النونِ
(مقلوبه)
[أي ن] آنَ الشيءُ أَيْنًا حانَ لُغَةٌ في أَنَى وليس بمَقلُوبٍ عَنهُ
لوجود المصدرَ وقالَ
(أَلَمَّا يَئنْ لي أَنْ تُجَلَّى عَمَايَتي ... وأُقْصِرُ عن لَيْلَى
بَلَى قد أَنَى لِيَا)
فجاءَ باللغتينِ جميعًا وقالوا آنَ أَيْنُكَ وإِينُكَ أي حيْنُكَ
وقالوا الآنَ فجعلُوهُ اسْمًا لزمان الحَالِ ثم وضَعُوُه على التوسُّعِ
فقالوا أَنَا الآنَ أَفْعَلُ كذا وكذا والألف واللامُ فيه زايِدَةٌ
لأَنّ الاسم مَعْرِفَةٌ بِغِيرهما وَإِنَّما هو مَعْرِفَةٌ بلامٍ
أُخرَى مقدَّرةٍ غَيْرَ هذه الظاهرة قال ابن جنيٍّ قولُهُ عَزّ اسمُهُ
{قالوا الآن جئت بالحق} البقرة 71 الذي يَدُلُّ على أنّ اللامَ في
الآنَ زائِدَةٌ أَنَّهَا لا تَخْلُو مِن أن تكون للتعريفِ كَمَا
يَظُنُّ مخالفُنا أو تكون زائدَةً لغيرِ التعريف كَمَا نقولُ نحنُ
فالذي يَدُلُّ على أنَّها لغَيرِ التعريف أَنَّا اعتبرنا جميع ما
لامُهُ للتعريفِ فإذَا إسقاطُ لامِهِ جائزٌ فيه وذلكَ نَحْوُ رَجُلٍ
والرجلِ وغُلاَمٍ والغلامِ ولم يقولوا افعَلْهُ آنَ كَمَا قالوا
افْعَلْهُ الآن فدل هذا على أنَّ اللامَ فيهِ ليستْ للتعريف بل هي
زائدَةٌ كما تُزَادُ غَيرُهُ من الحُروف فإذا ثَبَتَ أَنَّها زائدةٌ
فقد وَجَبَ
(10/531)
النظرُ فيما تَعَرَّفَ به الآنَ فَلَنْ
يخلُو من أَحَدِ وجوه التعريف الخمسة إِمّا لأنّه من الأسماء المضمَرة
أو من الأسماءِ الأعلامِ أو من الأسماء المُبهَمة أو مِنَ الأسماء
المُضَافةِ أو من الأَسماءِ المُعرَّفَة باللام فمحالٌ أن يكونَ مِنَ
الأسماءِ المُضْمرة لأنّها معروفةٌ محدودةٌ وليستِ الآن كذلكَ ومُحَالٌ
أَنْ تكونَ من الأسماءِ الأعلام لأن تلكَ تَخُصُّ الواحِدَ بعنيه
والآنَ يَقَعُ عَلَى كُلَّ وقتٍ حاضرٍ لا يَخُصُّ بعضَ ذلكَ دونَ بعضٍ
ولم يَقُلْ أحدٌ أَنَّ الآنَ من الأسماءِ الأعلامِ ومُحَالٌ أيضًا أَنْ
تكونَ من أسماءِ الإشارَةِ لأَنَّ جميعَ أسماءِ الإشارة لا تَجدُ في
واحدٍ منها لامَ التَّعْرِيفِ وذلك نَحوُ هذا وهذه وذاكَ وتلكَ
وهَؤُلاءِ وما أشبَهَ ذلكَ وذهبَ أبُو إسحاقَ إلى أَنَّ الآنَ إنّما
تَعَرُّفُهُ بالإشارة وأَنّه إِنَّما بُنيَ لما كانت الألف واللام فيه
لغير عهدٍ متقدم إنما تقول الآن كان كذا وكذا لمن لم يتقدم لك معه ذكر
الوقت الحاضر فأما فساد كونه من أسماء الإشارة فقد تقدم وأما ما اعتلَّ
به من أنه إنما بُنِيَ لأنَّ الألفَ واللامَ فيه لغير عَهْدٍ متقدِّمٍ
ففاسدٌ أيضًا لأنّا قد نجدُ الألفَ واللامَ في كَثِيرٍ من الأسماءِ على
غير تقدُّمٍ عَهْدٍ وتلك الأسماءُ مَعَ كونِ اللامِ فيها مَعَارِفُ
وذلك قولكَ يأيُّها الرجلُ ونَظَرْتُ إلى هذا الغلامِ فقد بطل بِمَا
ذكرْنَا أَنْ تكونَ الآنَ مِنَ الأسماءِ المشارِ بها ومحالٌ أيضًا أَنْ
تكونَ من الأسماءِ المُتَعَرِّفة بالإضافَة لأنَّا لا نجدُ بعده اسمًا
هو مُضافٌ إِليهِ فإذا بطلتْ واستحالتِ الأوجُهُ الأَربعَةُ المقَدَّمُ
ذِكرُهَا لم يبقَ إِلا أَنْ يكونَ مُعَرَّفًا باللامِ نَحوُ الرجلِ
والغلامِ وقد دلتْ الدلالَةُ عَلَى أَنّ الآنَ لَيْسَ مُعَرَّفًا
باللامِ الظاهرةِ الّتي فيهِ لأنّهُ لَو كانَ مُعَرَّفًا بها لَجَاز
سقوطُهَا منه فلزومُ هذه اللامِ للآنِ دَليلٌ عَلَى أَنَّها ليستْ
للتَعريفِ وإِذا كان معرّفًا باللامِ لا محالةَ واستحالَ أَنْ تكونَ
اللامُ فيه هي التي عرّفْته وَجَبَ أَنْ يكونَ معرّفًا بلامٍ أُخرى
مَحذوفةٍ غيرِ هذه الظاهرة الّتي فيه بمنزِلَة أَمْسِ في أنّهُ تَعرّفَ
بلامٍ مُرَادةٍ والقولُ فيهما واحِدٌ ولذلك بُنِيَا لتضمُّنِهمَا معنى
حرفِ التَّعرِيف قال ابنُ جنيٍّ وهذا رَأْيُ أبي عليٍّ رَحمَهُ اللهُ
وعنه أَخَذْتُهُ وهو الصوابُ قال سيبويه وقالوا الآنَ آنُكَ كذا
قرأْناهُ في كتابِ سيبويه بنصبِ الآنَ ورفع آنُكَ وكذلكَ الآنَ حَدُّ
الزمَانَينِ هكذا قرأْناهُ أيضًا بالنصب وقال ابنُ جنيٍّ اللامُ في
قَولهم الآنَ حَدُّ الزَمَانَينِ بمنزلَتها في قولك الرجلُ أَفضلُ مِنَ
المرأَةِ أي هذا الجنسُ أفضلُ مِنْ هذا الجنس فكذلكَ الآنَ إذا
رَفَعَهُ جَعَلَهُ جِنسَ هذا المستعملِ في قولهم كنتُ الآنَ عنده فمعنى
هذا كنتُ في هذا الوقت الحاضرِ بعضُهُ وقد تَصَرّمتْ أَجزاءٌ منه عندهُ
وبُنِيَتِ الآنَ لتضمُّنِها معنى الحرف
(10/532)
وَآنَ أَيْنًا أَعْيَا وقال أبو عُبَيْدٍ
لا فِعْلَ للأيْنِ الّذي هو الإعْيَاءُ والأَيْنُ الحَيَّةُ نُوْنُهُ
بدلٌ منَ الميمِ قال اللحيانيُّ والأيْنُ والأَيْمُ أيضًا الرجُلُ
والجَمَلُ وأَيْنَ سؤَالٌ عن مكانٍ وهي مُغْنيَةٌ عن الكلامِ الكثير
وذلكَ أَنَّكَ إذا قُلتَ أيْنَ بيتُكَ أغناك ذلك عن ذكرِ الأماكنِ
كلِّهَا وهو اسمٌ لأنَّكَ تقولُ من أَيْنَ قال اللحيانيُّ وهِيَ
مُؤَنَّثةُ قال وإِنْ شِئْتَ ذكَّرْتَ وكذلكَ كلُّ مَا جَعَلَهُ
الكُتَّابُ اسما مِنَ الأَدَوَاتِ والصفاتِ التأنيثُ فيه أَعْرَفُ
والتذكيرُ جائزٌ فأَمَّا قولُ حُمَيد بنِ ثَورٍ الهلالي
(وأَسمَاءُ مَا أَسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ... إليَّ وأصحابِي بأيَّ
وَأَيْنَمَا)
فإِنّهُ جعلَ أَيْنَ عَلمًا للبُقْعَة مجردًا من معنى الاستفهامِ
فَمَنَعَهَا الصرفَ للتعريفَ والتأْنيث كَأَيَّ فتكُونُ الفتحةُ في
آخرِ أَيْنَ علَى هذا فتحةَ الجرِّ وإِعرابًا مثلَهَا في مررتُ بأحمَد
وتكونُ مَا على هذا زائدةً وأَيْنَ وحْدَها هِيَ الاسمُ كما كانَتْ
أَيَّ وحْدَها هي الاسمَ فهذا وَجْهٌ ويجوز أَنْ يكونَ رَكَّبَ أَيْن
مع مَا فلمّا فعلَ ذلكَ فتحَ الأولَ منهمَا كفتحةِ الياءِ منْ حَيَّ
لمَّا ضَمَّ حَيَّ إلى هَلْ والفتحةُ في النون على هذا حادثَةٌ
للتركيبِ وليستْ بالّتي كانتْ في أَيْنَ وهيَ استفهامٌ لأنَّ حركةَ
التركيبِ خَلفَتْهَا ونابت عنها وإذا كانتْ فتحةُ التركيبِ تؤثرُ في
حركةِ الإعرابِ فَتُزِيلُهَا إليها نحو قولكَ هذهِ خمسَةٌ فتُعرِبُ ثم
تقولُ في التركيبِ هذه خمسةَ عَشَرَ فَتَخْلُفُ فتحةُ التركيب ضَمّةَ
الإعراب على قُوَّةِ حركة الإعرابِ كانَ إِبدالُ حركة البناءِ من حركة
البناءِ أَحْرَى بالجوازِ وأَقربَ في القياس وأيّانَ بمعنى مَتَى قالَ
اللحيانيُّ هي مُؤَنثةٌ وإِنْ ذَكَّرتَ جاز قال ابن جِنيٍّ إِذَا كانتْ
بمعنى مَتَى فينبغي أَنْ تكونَ شرْطًا ولم يذكُرَها أصحابُنَا في
الظروف المشروط بها نحوُ مَتَى وأَيْنَ وأَيَّ حينٍ هذا هو الوَجْهُ
وقد يُمكنُ أن يكونَ فيها معنى الشرط وإن لم يكن شرطًا صريحًا كإذا في
غالبِ الأمر قال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ
(نُفَاثِيَّةٌ أَيّانَ مَا شاءَ أَهلُها ... رَأَوا فُوقَهَا في
الخُصِّ لم يَتَغَيَّبِ)
يَهْجُو امرأَةً شبَّهَ حِرَها بفُوقِ السهمِ وحكى الزجاجُ فيه
إِيَّانَ وفي التنزيل {أيَّان
(10/533)
يُبْعَثونَ} النمل 65 وَ {إِيَّانَ يبعثون}
والأوَاينُ بلَدٌ قال مَالِكُ بنُ خَالِدٍ الهُذَليُّ
(فَهيهاتَ ناسٌ من أُناسٍ دِيَارُهُم ... دُفَاقٌ وَدَارُ الآخرينَ
الأوايِنُ)
وقد يجوزُ أَنْ تكونَ وَاوًا
(النون والهمزة والواو)
[ن أو] نَأوْتُ بَعُدْتُ لُغَةٌ في نَأيْتُ
(مقلوبه)
[ن وأ] ناءَ بحمْله يَنُوْءُ نَوْءًا وتَنْوَاءً نهض وقيل أَثفلَ
فَسَقط فهو من الأضداد وناءَ به الحِمْلُ وَأَناءَهُ وقالوا له عندي
مَا ساءَهُ ونَاءَهُ فإذَا أَفْردُوا قالوا أَناءَهُ لأَنَّهم إِنّما
قالوا ناءَهُ لمَكَانٍ ساءَهُ كما قالوا مَرَأَهُ لمكانٍ هَنَأهُ
وإنّما هو أَمْرَأهُ والنَّوْءُ النّجمُ إذا مالَ للمَغِيْبِ والجمعُ
أَنْوَاءٌ ونُوْءَانٌ قال حسانُ
(وَيَثْرِبُ تَعْلَمُ أَنَّا بِهَا ... إِذَا قَحَط الغَيْثُ
نُوْآنُهَا)
وقد ناءَ نَوْءًا واستَنَاءَ واستنْأَى الأخيرةُ على القَلب قال
(يَجُرُّ ويَسْتَنْئِيْ نَشاصًا كأَنّهُ ... بِغَيْقَةَ لمَّا جَلْجَلَ
الصوتَ جالِبُ)
قال أبُو حَنيفةَ استَنْأَوا الوَسْمِيَّ نظروا إليه وأَصلُهُ مِنَ
النَّوْءِ فقدّمَ الهمزة وقيلَ مَعْنَى النَّوْءِ سُقُوطُ النَّجْمِ في
المغربِ مع الفجر وطُلُوعُ آخرَ يقابلُهُ من ساعِتِه في المشرقِ وإنّما
سُمي نَوْءًا لأنّهُ إذا سَقَطَ الغَارِبُ ناءَ الطالِعُ وذلكَ
النُّهوضُ هُو النّوْءُ بَعضُهُم يجعَلُ النّوْءَ السقُوطَ كأنّهُ منَ
الأضداد قالَ أبو حَنِيْفَةَ نَوْءُ النّجْمِ هو أَوّل سُقُوطٍ
يُدْركُهُ بالغَداة إذا همَّتِ الكواكبُ بالمُصُوحِ وذلك في بَيَاضِ
الفجرِ المُستطيرِ وفي بعض نُسَخِ الإِصْلاحِ
(10/534)
ما بالباديَّة أَنْوَأُ مِن فُلانٍ أي
أَعْلمُ بَأَنْوَاءِ النّجُوم منهُ ولا فِعْلَ له وهذا أَحَدُ مَا جاء
من هذا الضربِ من غير أَنْ يكونَ له فِعلٌ وإِنّما هو من باب أَحْنَكِ
الشاتَينِ وأَحْنَكِ البعيرَيْنِ فَافْهَمْ وناوَأْتُ الرجل
مُنَاوَأَةً فاخرتُهُ وعاديتُهُ
(مقلوبه)
[أن و] مَضَى إِنْوٌ منَ اللّيل أي وقتٌ لُغةٌ في إِنْيٍ قال أبو علي
وهذا كقَولهم جَبَوْتُ الخَراجَ جِبَاوَةً أبْدَلْتَ الواوَ من الياءِ
(مقلوبه)
[أون] أُنتُ بالشيءِ أَوْنًا وَأُنتُ عليهِ كِلاهُمَا رَفَقْتُ وأُنْتُ
في السّيرِ أَوْنًا إِذَا اتَّدَعْتَ ولم تَعْجَلْ وأُنْتُ أَوْنًا
تَرَفَّهْتُ وتَوَدَّعْتُ وبَيْني وبَينَ مَكّةَ عَشْرُ لَيالٍ
آئِنَاتٍ أي وادِعَاتٍ وتَأوَّنَ في الأَمرِ تَلَبَّثَ والأَوْنُ
الإِعياءُ والتَّعَبُ كَالأَيْن والأَوْنُ الحمْلُ والأَونَانِ
الخاصِرَتانِ العِدْلانِ وجَانِبَا الخُرْجِ وقال ابنُ الأعرابِيّ
الأَوْنُ العِدْلُ والخُرْجُ يُجعل فيه الزَّادُ وأنشَدَ
(ولا أَتَحَرَّى وُدَّ مَنْ لا يَوِدُّنِي ... ولا أَقْتَفِي بالأَوْنِ
دُونَ زَمِيْلي)
وفسّرَ ثعلَبٌ بأنّهُ الدّعَةُ هُنَاه وَخُرْجٌ ذُوْ أَوْنَينِ إِذَا
احتشا جَنْبَاهُ بالمَتاعِ والإِوَانَانِ العِدْلانِ كالأَوْنَيْنِ قال
الرّاعي
(تَبيْتُ ورِجْلاهَا إِوَانَانِ لاسْتَها ... عَصَاهَا اسْتُهَا حَتَّى
تَكلَّ قَعُودُهَا)
وَأَوَّنَ الرجُلُ وتَأَوَّنَ أَكَلَ وشَرِبَ حَتَّى صَارَتْ
خَاصِرَتاهُ كالأَوْنَيْنِ وَأَوَّنَت الأَتَانُ أَقْرَبَتْ قال
رُؤْبَةُ
(10/535)
(سِرّا وقد أَوَّنَ تَأوِيْنَ العُقُقْ ...
)
وَالأَوْنُ التَكلُّف للنّفَقَة والأَوَانُ والإِوَانُ الحِينُ ولمْ
يُعَلّ الإوَانُ لأنّهُ ليس بمصدَرٍ فأَمَّا قولُهُ
(طَلبُوا صُلْحَنَا ولاتَ أَوَانٍ ... فأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حيْنَ
بَقَاءُ)
فَإِنّ أبا العبّاسِ ذَهبَ إلى أَنْ كَسْرَةَ أَوَانٍ لَيْس إِعرابًا
ولا عَلَما للجرَّ ولا أنّ التَّنْوينَ الّذي بعدهَا هو التّابعُ
لحركاتِ الإعراب وإِنّما تقْدِيرُهُ أَنّ أَوَان بمنزلَة إِذ في أنّ
حُكمَهُ أَنْ يُضافَ إلى الجُمْلة نحوَ قولكَ جِئْتُ أَوَانَ قامَ
زَيدٌ وأَوَانَ الحجَّاجُ أَمِيْر أي إذْ ذاكَ كَذَلكَ فلمّا حُذِفَ
المضافُ إليه أَوَانَ عُوّضَ مِنَ المضافِ إليه تَنْوِينًا والنّونُ
عنده كانت في التقدير ساكنةً كَسُكُونِ ذالِ إِذْ فلما لَقِيَها
التَّنْوينُ ساكنًا كُسِرتِ النونُ لالتقاءِ السّاكنينِ كما كُسِرَتِ
الذالُ من إِذْ لالتقاءِ الساكِنَيْنِ وجَمْعُ الأَوانِ آوِنَةٌ
وأَمَّا سيبويه فقالَ أَوَانٌ وَأَوَاناتٌ جَمَعُوهُ بالتّاءِ حِينَ لم
يُكَسَّرْ هذا على شُهْرة آوِنَةٍ وقَد آنَ يَئِينُ قال سيبويهِ هو
فَعَلَ يَفْعَلُ يحْملُهُ على الأَوَانِ والأَوْنُ الأَوَانُ يقالُ قد
آنَ أَوْنُكَ أَي أَوَانُكَ والأَوَانُ السّلاحفُ عن كُرَاعَ قالَ وَلم
أسْمَعْ لها بِوَاحِدٍ قال الرّاجِزُ
(وَبيّنوا الأوانَ في الطِّيّاتِ ... )
الطياتُ المَنازلُ والإوَانُ والإِيْوَانُ شِبْهُ أَزَجٍ مسْدُودِ
الوَجه وهُوَ أَعْجَمِيٌّ والأوانَةُ رَكيَّةٌ معرُوفَةٌ عَن الهَجرِيّ
قالَ هي بالعُرْفِ قُرْبَ وَشَحَيْ والوَرْكَاءِ والدَّخُول وأنشد
(فَإِنّ على الأوَانَةِ مِنْ عُقَيلٍ ... فَتًى كلْتَا اليَدَينِ له
يَمينُ)
(10/536)
(مقلوبه)
[وأ ن] رجُلٌ وَأنٌ أحْمَقُ كثير اللَحمِ ثَقيلٌ وامرَأَةٌ وَأْنَةٌ
غلَيظَةٌ
(النون والياء والواو)
[ن وي] نَوي الشيءَ نِيَّةً ونِيَةً بالتخفيف عن اللحيانِي وَحْدَهُ
وهو نادِرٌ إِلا أَنْ يَكونَ على الحذفِ وانْتَوَاهُ كلاهما قصدهُ
واعتقَدهُ ونَوَى المنزِلَ وانْتَواهُ كذلكَ والنِّيَّةُ الوَجْهُ
تَذهبُ فيه وقولُ النَّابغة الجعدي
(إِنَّكَ أَنتَ المحزونُ في أَثَرِ الحَيِّ ... فإن تَنْوِ نِيَّهُمُ
تَقُم)
قِيلَ في تفسيره نِيٌّ جَمْعُ نِيَّةٍ وهذا نادِرٌ ويجوزُ أَنْ يكونَ
نِيٌّ كَنِيَّةٍ والنِّيَّةُ والنَّوَى جميعًا البُعْدُ والنَّوَى
الدّارُ والنَّوَى التّحوُّلُ من مكانٍ إلى آخَرَ كُلُّ ذلكَ أُنْثَى
والنَّوِيُّ الرَّفيقُ وقيل الرفيقُ في السّفَرِ خاصّةً ونَوَاهُ اللهُ
حَفِظَهُ ولستُ منها على ثِقَةٍ والنَّواةُ عَجَمَةُ التمرِ والزَّبيْب
وغَيرِهمَا والنَّوَاةُ ما نَبَتَ عن النَّوَى كالجَثيثَة النَّابتَة
عن نَوَاهَا رَوَاها أبو حَنيفَةَ عن أبي زيادٍ الكلابي والجمعُ من
كُلِّ ذلكَ نَوًى ونُوِيٌّ وِنوِيٌّ وأَنْوَاءٌ جَمْعُ نَوًى قال
مُلَيحٌ الهُذَليُّ
(مُنيرٍ تجوز العيسُ مِن بَطِنَاتِه ... حَصًى مِثْلَ أَنْواءِ
الرّضِيح المُفَلَّقِ)
وَنَوَيْتُ النَّوَى وأَنْوَيتُهُ رمَيْتُهُ
(10/537)
وَنَوَّتِ البُسْرَةُ وَأَنْوَتْ عَقَدَ
نَواهَا ونَوَتِ النَّاقَةُ نَيّا ونِوَايَةً ونَوايَةً فهيَ نَاويَةٌ
مِنْ نُوْقٍ نِوَاءٍ سَمِنْتْ وكذلكَ الجَمَلُ والرجلُ وَالمرأَةُ
والفرسُ قال أَبو النَّجم
(أَوْ كالمُكَسَّرِ لا تَثُوْبُ جِيادُهُ ... إلا غوانِمَ وهي غير
نِوَاءِ)
وقد أَنْوَاهَا السِّمَنُ والاسمُ مِن ذلكَ كُلِّه النِّيُّ
والنَّوَاةُ منَ العدَد عِشْرونَ وقيلَ عَشَرَةٌ وقيلَ هي الأُوْقيَّةُ
من الذّهب وقيلَ أربعة دنانيرَ والنَّوَى مَا يَبْقَى من المَخْفِض بعد
الخِتَانِ وهو البَظْرُ وَنِوَاءٌ أَخُو مُعاويَةَ بنِ عَمْرو بن
مَالِكٍ وَهُنَاه وفَرَاهِيدَ وجَذيمَةَ الأَبْرَشِ وإنَّما حَمَلْنَا
نِوَاءً على باب ن وي لعدم ن وثُنَائِيَّةً ونَوًى اسم مَوْضِعٍ قال
الأَفوَهُ
(وسعدٌ لو دعوتُهمُ لثابُوا ... إليَّ حَفِيفَ غابِ نوًى بِأُسْدِ)
(مقلوبه)
[ي ون] اليُوْنُ اسمُ مَوْضعٍ قال الهُذْليُّ
(جَلَوْا مِن تِهامِي أَرضِنَا وتَبَدَّلُوا ... بمكَّةَ بابَ
الْيُوْنِ والرَّبْطَ بالعَصْبِ)
(مقلوبه)
[ون ي] الوَنَى التَّعَبُ والفَتْرَةُ ضِدٌّ يُمدُّ ويُقْصَرُ وقَدْ
وَنَى وَنْيًا وَوُنْيًا وَوَنَّى الأخيرةُ عن كُرَاعَ وتَوَانَى
وَأَوْنَى غَيْرَه ونَاقَةُ وانِيَةٌ فاتِرةٌ طَلِيْحٌ وامْرَأَةٌ
وَنَاةٌ وَأَناةٌ وَأَنِيَّةٌ حَلِيْمَةٌ بطيئَةُ القيامِ الهمزةُ فيه
بدلٌ من الواوِ وقال سيبويه لأنَّ المرأَةِ تُجْعَلُ كَسُولاً وقيلَ
هِيَ التي فيها فتورٌ عند القيامِ والقُعُود والمشيِ وقولُهُ تعالى
{ولا تنيا في ذكري} طه 42 معناه تَفْتُرَا والميْنَا مَرْفأُ السُّفُنِ
يُمَدُّ ويُقْصَرُ سُميَ بذلكَ لأنَّ السُّفُنَ تَنِي فيه أي تَفْتُرُ
عَن
(10/538)
جَرْيِهَا قال كُثَيّرٌ
(تَأَطَّرْنَ بالميناءِ ثمّ جَزَعْنَهُ ... وقد لَجَّ من أحْمَالهنَّ
شُجُونُ)
والمِيْنَى جَوْهرُ الزُّجَاجِ والوَنِيَّةُ اللُّؤْلُؤَةُ والجمعُ
وَنِيٌّ أنشد ابن الأعرابي
(فَحَطَّتْ كما حَطَّتْ وَنِيَّةُ تَاجرٍ ... وَهَى نَظْمُها فارْفَضَّ
منها الطَّوَائفُ)
شَبَّهَها في سُرعَتها بالدُّرةِ الَّتي انحطَّتْ من نظامها ويُرْوى
وَهيَّةُ تاجرٍ وقد تقدّم وقيلَ الوَنِيَّةُ العِقْدُ من الدُّرِّ
وَقيلَ الوَنِيَّةُ الجُوَالقُ
(مقلوبه)
[وي ن] الوَيْنُ العَيْبُ عن كُرَاعَ وقد حكى ابنُ الأَعرابي أَنَّه
العِنَبُ الأَسودُ فهوَ على قولِ كُرَاعَ عَرَضٌ وعلى قول ابن الأعرابي
جَوْهَرٌ والوَانَةُ المرأَةُ القصيرةُ وكذلكَ الرجلُ وإنَّما
قَضَيْنَا على ألفِ الوانَة أَنَّها ياءٌ وإن كانت عينًا لوُجُودِ
الوَيْن وعَدَمَ الوَوْنِ انقضى الثلاثي بتمام حرف النون
(10/539)
|