المُنَجَّد في اللغة

ـ[المُنَجَّد في اللغة (أقدم معجم شامل للمشترك اللفظي)]ـ
المؤلف: علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، أبو الحسن الملقب بـ «كراع النمل» (المتوفى: بعد 309هـ)
تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر، دكتور ضاحي عبد الباقي
الناشر: عالم الكتب، القاهرة
الطبعة: الثانية، 1988 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

(/)


بِسْم اللهِ الرحْمَنِ الرحِيم

مقدمة الطبعة الأولى
يتردّد اسمُ كُراع، وأسماءُ مؤلفاته (1)، عشرات المرات -إن لم يكن مئات المرات- فى أمّهات كُتُب اللغة، كالمحكم (2)، ولسان العرب (3). وكثيرًا ما تقف الروايةُ عند كراع، ويكونُ هو أعلى مصدر لها تُنْسب إليه. ولهذا تكثر فى النصوص المنقولة عن كراع عبارات مثل: "عن كُراع وحده" (4)، أو "عن كراع" (5)، أو "حكاها كراع" (6)، أو "ولم يُحْكَ من سواه ... " (7)، أو "وأنشد كراع" (8): أو "لم يحكه غيره" (9)، "لم يقلها أحمد غيره" (10)، أو "ولا أعرفها عن غيره " (11)، أو " لا أعلم أحدًا حكى فيه ... إلا هو" (12). ومع هذه المكانةِ اللغوية التي كان يحتَلُّها كُراع: لا نعرف له كتاباً واحدًا قد رأى النُّورَ حتى الآن، رغم وجود نسخ مخطوطة لبعض مؤلفاته فى عديدٍ من مكتبات العالم.
_________
(1) انظر فى اللسان (كبد) نقلاً عن المنجد، ونقلاً آخر فى مادة (ثأل). وانظر فى (شمص) نقلاً عن المنضد.
(2) أحصينا فى الجزء الأول من المحكم ما يزيد على خمسين اقتباساً من كراع.
(3) أحصينا فى معجم لسان العرب ما يقرب من سبع مئة اقتباس عن كراع.
(4) اللسان: (ربك - رجم - جنب) على سبيل المثال.
(5) اللسان: (سيعل - عظل - فهك - زهط - زهدن) على سبيل المثال.
(6) اللسان: (علم - قرن - علس) على سبيل المثال.
(7) اللسان: (روح) على سبيل المثال.
(8) اللسان: (مظن) على سبيل المثال.
(9) اللسان: (قزى) على سبيل المثال.
(10) اللسان: (فوغ) على سبيل المثال.
(11) اللسان: (غنج) على سبيل المثال.
(12) اللسان: (بهر) على سبيل المثال.
(12) اللسان: (بهر) على سبيل المثال.

(1/1)


وقد أغرانا هذا وذاك على أن نُوجّهَ اهتمامَنا لكُراع، ورأينا أن نبدأ هذا الاهتمام بنشرِ كتابه النادر "المُنَجَّد فى اللغة"، نظرًا لقيمته الخاصة، ولأنه أقدمُ كتاب شامل فى مَوضوعه يصلُ إلينا.
وقبل أن نقدّمَ النصّ للقارئ رأينا أن نضع بين يديه دراسةً تتناولُ المؤلَّفَ وسيرَتَه، وكتاب المُنَجَّد ومنهجه، وتكشف عن خُطَّتِنا فى تحقيقِ هذا الكتابِ اللّغوي ذى القيمةِ الممتازةِ.
وأملُنا أن نكونَ -بتحقيقنا لهذا الكتاب- قد أخرجنا إلى عالم الأحياءِ كتابًا عاش فى ظلام القبور قرابةَ عشرة قرون، حتى آن له أن يرى النور على أيدينا أخيرًا.
والله المسدّد للصواب.
القاهرة فى 17 من رجب 1396 هـ - 15 من يوليه 1636 م
المحققان

(1/2)


مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد طبع كتاب "المُنَجَّد" طبعته الأولى عام 1976م، وأقبل عليه العلماء والدارسون والمهتمون بعلوم اللغة، وكان من مظاهر ذلك المقال النقدي الذي نشره الأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الأستاذ بجامعة الكويت في العدد الأول من مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي بمكة المكرمة عام 1398هـ (1977 - 1978م). وفيه أثنى على اختيار الكتاب للتحقيق، وعلى المنهج الذى اتبعة المحققان لإخراج الكتاب "فى حلة قشيبة" وأنهى مقاله بقوله "ولمثل هذا فليعمل العاملون من أجل خدمة الأمة وتراثها العريق".
وفي عام 1979م أعلن مجمع اللغة العربية بالقاهرة عن جائزة للتحقيق تمنح لأجود نص نشر محققا فى سنة 1976 وما بعدها فى اللغة وما يتصل بها. وتقدمنا بالكتاب للمسابقة فأحيل إلى لجنة إحياء التراث التى شكلت لجنة للحكم من السادة أعضاء المجمع:
1 - الدكتور محمد مهدي علام مقرر اللجنة (ونائب رئيس المجمع الآن).
2 - الأستاذ عبد السلام هارون الأمين العام الحالى للمجمع.
3 - المرحوم الأستاذ علي النجدي ناصف.
4 - المرحوم الأستاذ محمد عبد الغني حسن.

(1/3)


وقد قررت اللجنة بإجماع الأصوات منح الجائزة لكتابنا "المُنَجَّد فى اللغة" لأسباب فصلها كل عضو فى تقريره. وقد رأينا أن نثبت فى ختام هذه المقدمة تقرير أحد السادة المحكمين وهو المرحوم الأستاذ محمد عبد الغني حسن.
ولقد نفدت نسخ الطبعة الأولى منذ أمد بعيد، وكنا نؤجل إعادة نشره حتى تتاح لنا فرصة مراجعة الكتاب مرة أخرى على المخطوطات، وتجنب ما بدا لنا فيه أو نبهنا غيرنا إليه من هفوات. ولم ندفع الكتاب إلى المطبعة إلا بعد أن اطمأننا إلى سلامة مادته، وقوّمنا ما وجدنا من أخطاء مطبعة خدمة للغتنا العزيزة، لغة القرآن المجيد.
نسأل الله التوفيق والسداد.
المحققان

(1/4)


"تقرير"
عن كتاب "المُنَجَّد فى اللغة"
للمرحوم الأستاذ محمد عبد الغني حسن/ عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
هذا كتاب فى اللغة يعد أقدم معجم شامل للمشترك اللفظي، وضعه عالم مصري من رجال القرن الرابع الهجري هو أبو الحسن علي بن الحسن الهنائي المشهور بكراع، أو كراع النمل، ويمثل المدرسة الكوفية وإن كان صاحب "إنباه الرواة" قد عده من رجال المذهبين وإن كان إلى قول البصريين أميل.
وقد ضاع أكثر كتب كراع، ولم يصل إلينا منها إلا اثنان: المُنَجَّد، والمنتخَب. ويُعَدّ صدور المنجد كسبًا عظيمًا للمكتبة العريية، فهو يطبع لأول مرة بتحقيق اثنين على صلة وثيقة باللغة العربية. وقد كان طي هذا الكتاب في ظلمات خزائن المخطوطات أو معاهدها عجيبة من العجائب التى ترتكب ضد الكتاب الجيد المفيد، كما أن نشره يعد مأثرة يفرح بها، ويهلل لها اللغويين والعلماء. ولا حاجة بنا هنا إلى الإبانة عن قيمة هذا الكتاب، ومكانة صاحبه من الثقة العلمية بعد المقدمة الطويلة التى صدّر بها المحققان هذا الكتاب دراسة له، وتعريفًا به وبصاحبه. ولهذا كان نشر هذا الكتاب ضرورة علمية استجاب لها محققاه، فهو ألصق بموضوع "اللغة" التى يقوم مجمعنا سادنا لها -من أي كتاب عداه.
الحمد لله أن أتاح لهذا المخطوط الثمين -أعنى لتحقيقه- اثنين من المشتغلين بموضوع اللغة، فالكتاب بموضوعه ليس غريبًا عليهما، وما زلتُ أذكر أن أحد محققيه قد أفاد منه فائدة عظيمة فى كتاب له ألفه عن "تاريخ اللغة

(1/5)


العربية في مصر"، ولا غرابة في ذلك فإن كُراع النمل قد ضمن كتابه هذا بعض تعبيرات كانت في الأغلب تمثل عريية مصر في زمانه، كما تمثل الجنوب العربي لشبه الجزيرة.
والحق أن مقدمة التحقيق قد كتبت في منهجية علمية سليمة، وفى أسلوب مستقيم ذي بيان، وفيها تواضع واعتداد، شأن العلماء الذين لا يجرحون ولا يتطاولون.
فقد كان كشفهما لأوهام غيرهما مسوقا في أرق بيان، وأعف لسان. (انظر ص 12، ص 17) وقد حرص المحققان على تخريج شواهد الكتاب من آيات الذكر الحكيم، وأحاديث النبي، وأشعار العرب وأمثالهم. وهو عمل يكشف عن جهد طيب وأناة ومثابرة وطول تعقب في مختلف المظان وأمثالهم. وهو عمل يكشف عن -44 - 47 - 48 - 51 - 53 - 77 - 97 على سبيل المثال. وفى سبيل تخريج الشواهد الشعرية قصد المحققان -طلبًا للاختصار- إلى إغفال ذكر اختلاف الروايات، إلا إذا كانت الرواية تتعلق بموضوع الشاهد، فحينئذ أوجبا على نفسيهما النص عليه. وهذا عمل لا غبار عليه. كما أوجب عليهما ذلك المنهج الاقتصاد في تفسير الغريب من الألفاظ، وترك التعريف بالأعلام، لأن ذلك في تقديرهما -غير معهود في تحقيق المعاجم.
وقد كنا نود لو أنهما لم يغفلا التعريف بالأعلام، فإن هذا كسب للقارئ المستفيد، وخاصة أن (المُنَجَّد) لا يعد من المعاجم العامة، بل هو معجم خاص.
وقد دعاني إهمال أكثر محققي زماننا هذا الشعر وضبطه وإقامة وزنه - جهلاً أو تجاهلاً- وخاصة في أحد كتب مسابقة التراث هذا العام -إلى تدقيق النظر

(1/6)


في الشعر الذى ورد في طبعة (المُنَجَّد) هذه، فوجدته مستقيمًا سليم الوزن صحيح النص والرسم .... والحق أن الضبط كله في هذا الكتاب -حتى ضبط الشعر بالشكل- قد خرج على وجه صحيح على الرغم من مشكلات الطباعة والمطابع في هذه الأيام.
وأكاد أتخيل الجهد العظيم الذى بذله المحققان في تصحيح تجارب الطبع، وخاصة مع ازدحام النص بالشكل التام.
وقد دونت مراجع التحقيق في سبع صفحات، وفي عناية وتدقيق لأسماء الكتب وأسماء أصحابها وأمكنة طبعها وتواريخه. فلم نكد نعتر فيها على وهم أو إهمال.
أما الفهارس المتنوعة التي أمد المحققان بها الكتاب فهي عمل علمي يعلي من قيمة التحقيق ويزيد الانتفاع بالكتاب، ويسهل الرجوع إليه. وهي فهارس لكل من الأبواب والمواد اللغوية والأعلام والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال والشعر واللهجات والأضداد.
ومن هنا أرى مطمئناً أن هذا الكتاب المحقق عمل علمي دقيق، ويستحق الجائزة المقررة.
وبالله التوفيق
5/ 11/1979م.
محمد عبد الغني حسن
عضو مجمع اللغة العربية

(1/7)


بِسم اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم

دراسة وتعريف
1 - المؤلف
لسنا نعرفُ الكثيرَ عن كُراع، مولد ونشأتِه وحياتِه المُبَكِّرةِ، ولا عن جهوده العلمية، ورحلاته، وأساتذته الذين جلس إليهم، ولا عن تاريخ ومكان وفاتِه بالتحديد؛ فقد سكتت كتب التراجم والطبقات عن كل ذلك أو كادت (1)؛ ولهذا فنحن نعرِّف بالمؤلف في إيجاز شديد، بقدر ما تسمح المادةُ المجموعةُ، وربما لجأنا إلى الحدس والتخمين حين يُعوِزنا النصُّ الصريح.

اسمه ولقبه:
هو أبو الحسن علي بن الحسن الهُناني الأزدِيّ (2)، الملقب بكراع، أو كراع النمل. والهناني -بضم الهاء- نسبة إلى هُناءَ (3)، أو هُناءةَ (4) بنِ مالك الأزْدِي، من عرب الجنوب.
وأما تلقيبه بكراع؛ أو "كراع النمل" فيرجع إلى عيب جُسماني فيه، وهو القصر، أو القصر والقبح (5).
_________
(1) من سوء حظ كراع أن الزبيدي في كتابه "طبقات النحويين واللغويين" لم يشر إليه ولو بكلمة، ولذلك فإن أقدم ترجمة عنه هي تلك التي جاءت في الفهرست لابن النديم (توفي 438هـ). وقد ترجم له ابن النديم ضمن من خلطوا المذهبين.
(2) زاد ابن النديم في نسبه: الدوسي. وزاد ياقوت: الرواسي. والنسبة الأولى صحيحة، لأن (دوس) أحد جدود كراع. أما الثانية فخاطئة؛ لأن (رواس) أو (أبو رواس) من العدنانيين (السمعاني): (الأنساب ص 260).
(3) السمعانى: ص 592.
(4) نهاية الأرب للقلقشندي (القاهرة 1959) ص439، ومعجم الأدباء 13/ 12.
(5) القفطي 2/ 240. والزركلي 5/ 80.

(1/8)


مولده ووفاته:
لم يذكر أحد من المؤرخين تاريخ أو مكان ميلاده، وكل ما ذكروه إشارات تعين على استنتاج أنه ولد بمصر في الربع الثاني من القرن الثالث الهجري، أو نحو ذلك. وهذه الإشارات هي:
(أ) كان معاصرًا لابن دريد (1)، وقد ولد ابن دريد عام 223هـ = (838 م).
(ب) درس على يد أبى علي الدَّينَوَرِيّ (2)، وقد توفي الدَّينَوَرِيّ عام 289هـ = (902م).
(ج) درس على نحاةٍ بصريين وكوفيين (3). وآخر نحاة المدرستين هما ثَعْلب، المتوفي، عام 291هـ = (903م) والمُبَرِّد، المتوفى عام 285هـ = (898م).
وعلى كل حال فقد امتدت حياته عام 309م على الأقل، بناء على أن القفطي (4) رأى جزءًا من كتابه المُنَضِّد نَسَخَه كراع بنفسه، وكتب في آخره أنه أَكْمَلَ وِرَاقة في سنة تسع وثلثمائة.
وبناء على ما ذكر المؤرخ الكبيرُ ابن شاكر (5)، فقد كانت وفاة كراع عام 310هـ = (922م). أما التاريخ الذى اقتبسه بروكلمان (6) عن ياقوت، وادَّعى فيه أن ياقوتًا رأى كتابًا نَسَخه كراع عام 317 - فخطأ؛ لأنّ التاريخ الموجود في الأدباء (7) هو 307 لا 317.
_________
(1) معجم الأدباء 13/ 12، ونص عبارته: "متقدم العصر في أيام ابن دريد".
(2) المنتخب لكراع ص 128، 132.
(3) القفطي 3/ 240.
(4) المرجع السابق والصفحة نفسها.
(5) كحالة: معجم المؤلفين 7/ 17 نقلاً عن عيون التواريخ لابن شاكر.
(6) تاريخ الأدب 2/ 274.
(7) 13/ 12، ونص عبارته: "وجدت خطه على المنضد من تصنيفه، وقد كتبه سنة 307".

(1/9)


دراسته وأساتذته:
لم يكن كُراع واسعَ الثقافة متعدّدَ المعارف -على عادة علماءِ عصره- وإِنّما قصر نفسه على الدِّراسات اللُّغَوية، واهتمَّ بأبحاثِ فقه اللغة والمعاجم بخاصة.
ولم تذكر المراجعُ أسماءَ الأساتذة الذين جلس إليهم، وانتفع بعلمهم، كما لم تتحدث بشىء عن رحلاته العلمية، والأماكن التى تردد عليها. ولكننا عثرنا في كتب كراع على اسمَيْ أستاذَين من أساتذته هما:
أ- أبو علي الدِّينَوَرِيّ (1).
2 - أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الأصبهاني (2)، الذى روى لكراع -عن عليّ بن عبد العزيز- كتب أبي عبيد (3).
وببدو أنّ اتّجاهَ كُراع في الجملة كان نحو المذهب الكوفي؛ لأننا إذا صنَّفْنا اللغويين الذين اقتبسهم كراع في كتابيه "المُنْتَخَب" و"المُنَجَّد" نجدهم اثنى عشر كوفياً (4)، وثمانية بصريين (5). وهذا يؤكد ما ذكره ابن النديم (6) من أنه
_________
(1) من النحاة الذين وفدوا إلى مصر واستوطنوا بها. وقد قرأ كتاب سيبويه على المازني في البصرة، ثم على على المبرد في بغداد. وكتب خلال إقامته بمصر كتاباً في النحو سماه (المهذب). كما كتب (ضمائر القرآن)، وتوفي عام 289هـ (الزبيدي ص 234. بغية الوعاة ص130، القفطي 1/ 33، 34).
(2) لم تسعفنا كتب التراجم بأي معلومات عنه. وكل ما قالته أنه روى كتب أبى عبيد عن علي بن عبد العزيز (القفطي 293/ 2). وقد وضع الزبيدي علي بن عبد العزيز في الطبقة الرابعة من علماء اللغة الكوفيبن. وحدد القفطي وفاته عام 287 هـ.
(3) علي بن عبد العريز وأبو عببد كلاهما كوفي.
(4) هم: أبو جعفر الرؤاسي. الكسائي - القاسم بن معن - الفراء - محمد بن حبيب - اللحياني على ابن المبارك - المفضل الضبي - ابن الأعرابي - أبو عبيد - ابن السكيت - ثعلب - علي بن عبد العزيز.
(5) هم: أبو عمرو بن العلاء - الخليل بن أحمد - النضر بن شميل - الأخفش سعيد - سيبويه - الأصمعي - أبو عبيد - قطرب.
(6) ص 83، ونص عبارته: (وكان كوفي المذهب، وقد أخذ عن البصريين).

(1/10)


كان ذا ميول كوفيَّة، ويخالف ما ذكره القفطي (1) من أنه كان ميّالاً للبصريين.

مولفاته:
ذكر له المؤرخون عدداً من الكتب لم يصلنا منها سوى كتابين اثنين هما: "المُنَجّد" الذي معنا، و"المُنْتَخب". أما سائر كتبه فمفقود.
ونترك كتاب المُنَجّد لفصل تال، ونعرِّف بكتابه المُنْتَخب في إيجاز:
توجد من المُنْتَخب نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم 858 لغة، تنقص أوراقاً من أولها وآخرها. وقد كتب على غلافها بخط حديث "المُنْتَخب والمُجَرَّد". والذي يبدو لنا أن اسمه هو فقط "المُنْتَخب"، أما كلمة "المُجَرَّد" فهي عنوانُ كتابٍ آخر له.
وأول ما يلاحظه المتصفِّح لهذا الكتاب أنه لا توجدُ وحدة بين موضوعاته. فنجد فيه أبحاثًا صوتية، إلى جانب أخرى نحوية وصرفية، إلى أخرى دلالية، إلى جانب بعض القضايا المعجمية، وأبحاث فقه اللغة.
ومع هذا يمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، يوضع القسم الأول منه وهو يَشْغل نحو ثلثيه- تحت عنوان: "معاجم الموضوعات".
أما القسم الثاني منه فيعرض الكلمات التي تضبط بأكثر من وجه.
وأما القسم الثالث والأخير فيحوي 36 فصلاً، تعالج موضوعات مختلفة من بينها: باب الأمثلة النوادر -باب الأضداد - باب ما دخل من لغات العجم - باب مخارج الكلام - باب قوافي الشعر ...
_________
(1) 2/ 240، ونص عبارته: "أخذ عن البصريين والكوفيين. وكان إلى قول البصريين أميل".

(1/11)


أما كتب كراع المفقودة فهي:
1 - المنَضدّ في اللغة، وقد ذكره ابن النديم والقفطي وياقوت والسيوطي وغيرهم. وكثير من المباحث يخلط هذا الكتاب بكتاب "المُنَجَّد"، ويزعم لهذا أن المُنَضَّدَ موجود، ويبدو أن بروكلمان هو المسئول عن هذا الخطأ: لأنه زعم أن كتاب المُنَضَّدَ محفوظ في المتحف البريطاني (4179
OR) . وما في المتحف البريطاني تحت هذا الرقم هو نسخة من "المُنَجَّد" مجلدة مع كتابين آخرين (1). وقد وقع في نفس الخطأ جورجي زيدان (2) وبرونل (3) والدكتور عبد الله درويش (4).
وقد رأى القفطي (5) جزءاً من هذا الكتاب مكتوباً بخطّ كُراع، ولكنه لم يصفه لنا. وذكر ياقوت أنَّ كُراعًا "أورد فيه لغةً كثيرة مستعملة وحُوشِيّةً"، وأنه "رتَّبه على حروف ألف باء تاء ثاء، إلى آخر الحروف" (6).
2 - المُجَرَّد الذى يُقال: إنه اختصار للمُنَضَّد (7)، وعَلَّق القفطي عليه بقوله: "بغير استشهاد (8) ". وذكره ابن النديم باسم "مُجَرَّد الغَرِيب" (9) وذكر أنّه على مثالِ العين، وعلى غير ترتيبه. وتقول مقدمته -كما ذكر ابن النديم-:
_________
(1) انظر مقالة الدكتور أحمد مختار عمر عن المنجد في اللغة (مجلة مجمع اللغة العربية ج 23) وخلاصة ما جاء بهذا الخصوص أنه بعد مقارنة نسخة المتحف البريطاني على نسخ دار الكتب المصرية من (المنجد) نجدها جميعًا كتابًا واحداً. وكذلك بعد تتبع الاقتباسات المنسوبة إلى المنجد في كتب لاحقة نجدها في هذا الكتاب، مما يدل على أنه هو المنجد وليس المنضد.
(2) تاريخ آداب اللغة العربية (2/ 189).
(3) مقدمة كتاب المقصور والممدود لابن ولاد (ص 8).
(4) رسالته للدكتوره بجامعة لندن رقم 213.
(5) القفطي 2/ 240.
(6) ياقوت 13/ 13.
(7) ياقوت 13/ 13.
(8) القفطي 2/ 240.
(9) ص 83.

(1/12)


"هذا كتاب ألَّفْته في غَريبِ كلام العرب ولغاتها، على عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين التي هى ب ت ث، ثم على تلاوة الحروف ".
3 - الأوزان. وقد تملَّكه القفطي. وتبعاً لما قاله فإنه يُعالج الأفعال، ومُرتّب بحسب الأوزان (1). ويبدو أن ياقوتاً يعنى هذا الكتاب بقوله: "وله كتاب أمثلة الغريب على أوزان الأفعال أورد فيه غريب اللغة" (2)، وكذلك حاجي خليفة الذى نسب له كتابا بعنوان "أمثلة غريب اللغة".
4 - المصحِّف. ذكره ياقوت والسيوطي.
5 - المنَظَّم. ذكره ياقوت، وأبو المحاسن اليمنى، والسيوطي.
6 - الفريد (3). ذكره ابن النديم.

مكانته العلمية:
لا مجار للشكّ في أنّ كراعاً من ثِقاتِ العلماء، وكبار الرواة، كما يتضح من عدد الاقتباسات عنه في كل من المحكم ولسان العرب، كما سبق أن أشرنا. وقد اعترف ابنُ سيده -في مقدمة محكمه- باعتماده على كُتُب كراع. وحتى علي بن حمزة - الذى بنى كتابه "التَّنْبيهات على أغاليط الرُّواة" على تتبع زلات اللغويين وأوهامهم - قد وضع ثقته في كُراعٍ، واعتمد على روايته؛ ليصحِّح وهما وقع فيه ابنُ ولاّد (4).
وقد سبق أن أشرنا في المقدمة إلى انفراد كراع ببعض الروايات، وقبول العلماء ذلك منه. وليس هذا فحسب، فإننا نجد المتأخرين -عند تعدد الرِّواية -
_________
(1) القفطي 2/ 240 ونص عبارته: (أتى فيه باللغة على وزن الأفعال).
(2) ياقوت 13/ 13.
(3) لعلها مصحفة عن (الغريب).
(4) انظر التنبيهات ص 108.

(1/13)


يضعون رواية كُراع -دون التشكيك فيها- جنباً إلى جنب مع رواية غيره من الثّقات، حتى ولو كانت مخالفة لها. ومن أمثلة ذلك:
(أ) الأرجاب: الأمعاء. وليس لها واحد عند أبى عُبَيد. وقال كراع: واحدها رَجَبٌ - بفتح الراء والجيم - وقال ابن حَمدويه: واحدها بكسر الراء وسكون الجيم (1).
(ب) راخ رَيْخًا: جار. كذلك رواه كُراع. ورواية ابنِ السَّكّيت، وابن دريد، وأبى عبيد في مُصنَّفه: زاخ بالزّاي (2).
وبلغ من ثقةِ كُراع بِمعلوماته أنه كثيراً ما كان يعطي أحكاما حاسمةً جازمة، أن العرب تعرف هذا اللفظ، أوْ لا تعرفه، أو هذا الوزن أو لا تعرفه، أو أنَّ ما رُوِىَ من كذا هو كذا فقط ... ونحو ذلك، ومن أمثلته:
(أ) خَبيث .. والجمع خُبَثاء، وخِبَاث، وخَبَثة كراع قال: وليس في الكلام فَعِيل يُجْمَع على فَعَلة غيره (3) ..
(ب) قال كُراع. ليس في الكَلام فَعَل يُكَسَّر على فُعول وفُعْلان إلا الذَّكَر (4).
(ج) يَيْن: اسم بلد عن كراع. قال: ليس في الكلام اسم وقعت في أوله ياءان غيره (5).
(د) قال كراع: التّهبُّط: طائر. ليس في الكلام على مثال تِفِعُّلٍ غيره (6).
_________
(1) اللسان - رجب.
(2) اللسان - ربح.
(3) اللسان- خبث.
(4) اللسان - ذكر.
(5) اللسان - بين، وذكر ابن جني أنه (يين) بفتحين.
(6) اللسان - هبط.

(1/14)


2 - المنَجَّد
عنوانه:
تحمل مخطوطاتُ الكتاب عنوان "المنَجَّد في اللغة" أما كتب التراجم فتعطيه عنواناً يكشف عن موضوعه وهو "المنَجَّد فيما اتفق لفظة واختلف معناه".
والتَّنجِيد في اللُّغة: التَّزْيِين، يقال: بَيْتٌ مُنَجَّد: إذا كان مُزَيَّنًا بالثياب والفُرُش، أًي أًنّ المؤلف لما اختصره عن كتاب آخَرَ (1) له، وحذف منه الحوشي والغريب، فقد نَجَّده.

نسخه:
توجد لهذا الكتاب خمس نسخ مخطوطة -فيما نعمل- وقد اعتمدنا على ثلاث منها في تحقيق النص، وهذه النسخ هي:
1 - نسخة الأصل، وهي أقدم النسخ التى بين أيدينا؛ إذ يرجع تاريخها إلى القرن السادس الهجري، فقد كتبت بمصر لأربع عشرة ليلةً بقيت من شهر شعبان سنة 585 بخط محمد بن هبة الله الحَمَوِيّ.
وهذه النسخة موجودة بدار الكتب المصرية (تحت رقم 265 لغة) في مجلد يحوي كتابين لكُلٍّ منهما ترقيمه الخاص، هما: "فعلت وأفعلت" لأبي حاتم، وهذا الكتاب.
_________
(1) تذكر كتب التراجم أن المنجد اختصار للمجرد، وأن المجرد بدوره اختصار للمنضد. ونحن نتشكك في النصف الأول من الدعوى؛ لأن كتاب المجرد -كما يدل اسمه، وكما تذكر كتب التراجم -جاء (بغير استشهاد). وكتاب المنجد مليء بالشواهد من القرآن والشعر والحديث والأمثال. ويبقى حينئذ احتمال أن يكون المنجد اختصاراً مباشراً للمنضد، وهو ما لم يقم الدليل على نقضه، كما يبقى احتمال أن يكون "المجرد" هو الاختصار "للمنجد" لا العكس.

(1/15)


وهذه النسخة جيدة، كتبت بخط نسخ واضح مضبوط بالشكل، وكثيرًا ما نجد في حاشيتها "بلغ مقابلةً وتصحيحاً"، أو "بلغت المقابلة". وفي حاشيتها بعض تعليقات أثبتناها في مواضعها.
3 - نسخة توجد بدار الكتب المصرية (تحت رقم 234 مجاميع) وقد رمزنا إليها بالرمز (ك) وهي تلي النسخة الأولى من الناحية التاريخية، ومن حيث القيمة أيضاً، فقد كتب عام 775 هـ أي بعد نحو قرنين من كتابة النسخة السابقة.
ولا تكاد تختلف هذه النسخة عن سابقتها إلا في سقوط بعضِ كلماتٍ أو جمل قليلة، وإن كان يقلّلُ من قيمتها -بالنسبة للنسخة الأولى - أنها لا تحرص على الضبط حرصَ الأولى كما أنها تهمل الإعجام في كثير من الأحيان.
3 - نسخة محفوظة بالمتحف البريطاني (تحت رقم 4179
or) ولها (ميكرو فيلم) بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العريية تحت رقم 277 لغة. وقد رمزنا إليها بالرمز (م).
وقد كتبت هذه النسخة عام 1249هـ، ويذكر بروكلمان (1) أنها مأخوذة عن نسخة (ك) السابقة، ولكن لا يوجد في الصورة ما يدل على ذلك. غير أنّ مما يؤيد رأيه اتفاقَ النسختين في الألفاظ والعبارات الساقطة.
ويُقلِّل من قيمة هذه النسخة -حتى على فرض استقلالها- أنها مَعِيبة من جهة سقوط ألفاظ وعبارات كثيرة منها. ولكثرة التحريف فيها.
4، 5 - أما النسختان اللتان أهملناهما حين التحقيق فهما:
_________
(1) تاريخ الأدب العربي 2/ 275.

(1/16)


(أ) نسخة مجموعة بدار الكتب المصرية (رقم 490 لغة) وهي نسخة مكتوبة حديثًا، كتبها أحد موظفي دار الكتب عام 1338هـ، وقد نسخها عن النسخة الأولى التى اتَّخَذناها أصلاً.
(ب) نسخة المتحف البريطاني (تحت رقم 3073
or) منقولة عن نسخة بدار الكتب المصرية، وهي النسخة التى ظن الدكتور عبد الله درويش (1) خطأ أنها لكتاب المنضّد.

موضوعه:
يعالج الكلمات التي تحمل أكثر من معنى، سواء كان المعنيان
متضادين أوْ لا. وليس كُراع من الرُّوّاد في هذا الحقل، ققد سبقه كثيرون،
منهم: الأصمعي (2) (ت 215هـ) وأبو عبيد (3) (ت 224هـ) والبَزِيدي (4) (توفي 225هـ). وأبو العَمَيْثل (5) (ت 240هـ) والمُبَرِّد (6) (285هـ).
_________
(1) رسالته للدكتوراه عن الخليل بن أحمد - مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن رقم 293.
(2) ابن النديم ص 55.
(3) اسم كتابه: (الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى) وهو يتناول كلمات المشترك اللفظي في الحديث النبوي فقط، ولا تزيد كلماته على 150 كلمة، والكتاب خال من الشواهد.
(4) بغية الوعاة ص 190.
(5) عنوان كتابه (ما اتفق لفظه واختلف معناه). وهو يتناول ألفاظ المشترك اللفظي بوجه عام وتبلغ كلماته حوالي 300 كلمة، ويشغل نحواً من 84 صفحة.
(6) عنوان كتابه (ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد) وهو خاص بكلمات المشترك اللفظي في القرآن الكريم. ولم يكتف المؤلف بذلك فقيد نفسه أكثر حين اشترط في الكلمة التي يوردها أن يكون القرآن قد استعملها بمعنييها أو معانيها. ولهذا كانت كلماته - التى تدخل تحت العنوان حقيقة - قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. ولا تأتي قيمة هذا الكتاب من مادته أو حجمه، وإنما تأتي من مقدمته التي نجد فيها لأول مرة حديثا عن (السياق) وضرورة إعطاء من يستعمل كلمة من كلمات المشترك اللفظي إشارة إلى المعنى المعين الذى يريده.

(1/17)


وأقدمُ كتابٍ وَصَلنا في هذا الوضوع هو كتاب أبى عُبَيد، ويليه كتاب أبى العَمَيثل ثم كتاب المُبَرِّد. أما كتابا الأصمعي واليزيدي فقد فُقِدا، وإن كان السيوطي في المزْهِر قد حفظ لنا نماذج من كتاب الأصمعي.

نطامه:
1 - صدّر كراعٌ كتابَه بمقدِّمهَ قصيرةٍ، شرح فيها منهجه على الوجه الآتي:
(أ) هذا كتابٌ ألَّفْتُه فيما اجتمعت عليه الخاصّةُ والعامّةُ من الألفاظ التى عَمّت مرائيها، وخصت معانيها.
(ب) الكتاب مقسم إلى ستة أبواب:

الباب الأول منها: في ذكر أعضاءِ البَدَن من الرّأس إلى القَدَم.
والباب الثاني: في ذكر صنُوف اَلحيوانِ من الناس والسِّباع والبهائم والهَوامّ.
والباب الثالث: في ذكرِ الطَّير: الصوائد منها، والبغاث، وغير ذلك.
والباب الرابع: في ذكر السِّلاخ وما قاربه.
والباب الخامس: في ذكر السماءِ وما يليها.
(ج) وفي هذا الباب (السادس) 28 فصلاً، على عدد حروف الهجاء من الألف إلى الياء.
(د) أثبت في كلِّ باب ما سَنَح من الشواهد .. ممّا يكون فيه الدَّلالة دون الإكثار والإطالة.
2 - وتلا ذلك بالمادة اللغوية موزَّعة على أبوابها.

(1/18)


وحيث كانت مقدمةُ كراع مختَصَرةً جدًا لا تفي بالمُرادِ، فإننا نُضِيف إليها النِّقاط الآتية:
(أ) تَقِلُّ كلماتُ كل باب من الأبواب الخمسة الأولى عن مائة، أما كلمات الباب السادس فتقرب من سبعمائة.
(ب) ليس هناك أي من الترتيب في الأبواب الخمسة الأولى نظراً لصغر حجمها.
أما الباب السادس فقد رَتَّب كراعٌ كلماتِهِ ترتيباً هجائِيًّا بحسب أوائلها، بغضِّ النظر عن كونِها أصليَّة أو زائدة (1). وقد راعى في الترتيب ثوانى الكلمات كذلك.
(ج) مراعاة للاختصار ترك كَراعٌ الإشارةَ إلى معنى الكلمة المفهوم من عنوان الباب (إلا إذا كان يتّسِمُ بشيء من الغموض) واكتفى بذكر سائر المعانى. ولهذا فإنه في الباب الأول لم يشرح معانى الكلمات: الرأس، والجمجمة، والوجه، والجبهة، والحاجب، باعتبارها أجزاء من البدن. وإنما ذكر معانيها الأخرى، كقوله -عن الرأس-: إنها لمكة، والرأس أيضا: الرئيس. ولكن في كلمات مثل: عارِض اللحية، أو القَطَن، كان لابد أن يشير إلى معانِيها كلِّها: نظرًا لغُموض معناها، كأجزاء من البدن. ولذا قال في شرحهما: عارض اللحية: الشعرُ النابتُ على الخَدّ، والقَطَن: أصلُ الذَّنَبِ من الطائر، ومن الإنسان: ما بين الوَرِكَيْن إلى عَجْبِ الذَّنَب.
_________
(1) فهو مثلا يضع أشوه في فصل الألف. وشوهاء في فصل الشين. وهو مثلا يضع المجاعة -من الجوع- مع المجاعة من المجع (وهو الفحش).

(1/19)


(د) والسؤال الآن هو: ما دام الكتاب مقسَّماً إلى أبواب بحسب المعاني، وما دامت كل كلمة وردت في هذا الكتاب تحوي أكثر من معنى مما قد يجوَّز وضعها في أكثر من باب، فَتَحْتَ أي باب كان يضع كراع الكلمهَ؟ وبعبارة أخرى: هل كان لدى كُراع أي وسيلة للتمييز بين المعنى الأولى الذي يطابقُ عنوانَ البابِ وسائرٍ المعاني؟
ولتوضيح هذا السؤال دعنا نأخذ كلمة "الهلال" التى تعني "هلال السماء" و"الغبار" و"الحية" وغيرها. فبالنظر إلى المعنى الأول يجب وضع الكلمه في الباب الخامس، إلى المعنى الثاني في الباب الساس، وإلى المعنى الثالث في الباب الثاني. ولكن كُراعاً نظر إلى المعنى الأول فوضع الكلمة في الباب الخامس. هل هناك من سبب لذلك؟
يبدو أن كُراعاً بنى تمييزه بين المعانى على أساس أنّ ما يرد منها على الذهن أوَّلاً يجب أن ينظر إليه باعتباره المعنى الأساسي أو الرئيسي، وما سوى ذلك يعدُّ معانيَ ثانوية أو فرعية. ومن أجل هذا وضع كُراعٌ كلمةَ "السيف" في الباب الرابع، مع أن معناها كشعر ذنب الفرس يرشَّحُ وضْعَها في باب آخر. وكذلك فعل مع كلمهَ "وتر" التى تعني "وتر القوس" و"من الفرس: ما بين الأرْنَبة وأعلى الجَحْفَلة" و"من اليَدِ: ما بين الأصابع" و"من اللسان: العَصَبة تحته".
(هـ) ومما تجدر الإشارة إليه كذلك أنَّ كُراعًا كان حريصًا كلَّ الحرص على أن يوضحَ معنى الكلمة غايةَ الإيضاح بوضعها في عبارات مفيدة، كقوله: يُقال: هم يَدٌ على مَن سِواهم: إذا كان أمرهم واحِداً، وأعطيته مالاً عن ظهْرِ يَدٍ: يعني تفضُّلاً، ليس من بيع ولا قرض ولا مكافأة،

(1/20)


وخَلَع يَدَه من الطاعةِ، وثوبٌ قصيرُ اليدِ: إذا كان يَقصُرُ أن يُلتَحَف به ... واليد: الغني والقدرة، تقول: عليه يَدٌ، أى: قدرة .. ولا آتيه يَدَ الدَّهر: يعني الدَّهر كُلَّه، ولقيته أوَّلَ ذاتِ يَدَيْنِ، أي: أولَ شيءٍ"
(و) كذلك من المُفيدِ أن نُشِير إلى أنَّ كُراعاً ضمَّن كتابه كثيرًا من الكلماتِ
اللَّهجية الخاصة بالجنوب العربي -موطنه الأول- ومن ذلك قوله: المِقْود: الأنف عند أهل اليمن، وقوله: الواقف -بلغه أهل اليمن- القدم. وفي الورقة السابعة وحدها توجد أربع كلمات يمنية أخرى.
(ز) كذلك ضمَّن كراع كتابه بعضَ التعبيرات المُعَيَّنة التي ربما كانت تمثل عربية مصر في وقته. ومن ذلك قوله:
1 - يقال: رفَّ الحاجب: اخْتَلَج.
2 - يقال: فشّ القفلَ: إذا فَتَحه بغير مِفتاح.
3 - يقال: فَحَم الصبيُّ: إذا بكى حتى ينقطع صوتُه.
4 - يقال -للذي يُوزَنُ به-: الصَّنْجَة، والعامة تقول: السنجة.
وما زالت هذه التعبيرات شائعةَ الاستعمالِ في مصر حتى الآن.
ومن الأهمية بمكانٍ أن نُشيرَ إلى أننا لم نجد هذه التعبيرات في جَمْهرةِ ابنِ دُرَيْد. مع أنَّ ابنَ دُرَيد كان مُعاصراً لكُراع، ولكنَّهَ كان يَعيشُ في بِيئَة أخرى.
(ح) وأخيراً لابدّ أن نُشير إلى أن نظامَ هذا الكتابِ لم يكن مألوفًا لدى اللُّغويين. ولا يوجد كِتابٌ في المُشْتَركِ اللفظُ اتبعه، سواء كان قبل كراع أو بعده. وإنما اتبع هذا النظام في كتب المُترادفات، حيث قُسّمت إلى أبوابٍ بحسبِ المعاني. ولعلَّ هذا هو السرُّ في الخَطأ الذى وقع

(1/21)


فيه الدكتور حسين نصار حين وصفَ كتاب كُراعٍ بأنه كتابُ مترادِفات (1).

قيمته:
على الرغم من صُعوبةِ نظامِه النِّسبِيَّة. فإنّ له قيمةً كبيرةً تتمثَّلُ فيما يأتي:
(أ) أنه أقدم كتاب شاملٍٍ يصِلُنا في موضوع المشتَرَكِ اللفظيّ؛ إذ يحتوي على قرابة تسعمائة كلمة، في حين يحتوي كتاب أبي عُبيْدٍ على حوالي 150 كلمة، وكتاب أبي العَمَيثل على حوالي 300 كلمة.
(ب) أنَّه أولُ كتابٍ من نوعه تبدو فيه روحُ النظام، وبخاصة في قسميه الأوّل والسادس. فعلى الرغم من أنْ القسمَ الأول من الكتاب لم يُرَتَّبْ هجائِيَّا، فأنت تلمحُ فيه نوعًا من الترتيب المتمثّل في البدءِ بأجزاء أعلى البدن، ثم النزول شيئاً فشيئًا حتى يصل إلى القدمين، أما القسم السادس فمرتب ترتيباً هجائياً كما سبق أن ذكرنا.
(ج) أنه من أوائل كتب اللغة التي طَبَّقت نظام الترتيب الهجائي في عرض الكلمات، وبذا فتحت مجالاً أمام أصحابِ المعاجم ليتركوا نظام الخليل الصوتي.
(د) أنه من أوائل الكتب -إن لم يكن أولها- التى راعت في ترتيب المادةِ اللُّغَوية صورةَ الكلمة التي تنطق عليها لا جِذْرَها. ويبدو أنَّ هذه الطريقة لاقت رواجًا في القرن الرابع، إذ نجد السجستاني يتبعها في "غريب القرآن" كما نجد أن ابن وَلاّد يتبعها في "المقصور والممدود".
_________
(1) المعجم العربي 1/ 188.

(1/22)


(هـ) أنه من أوائل الكتب -إن لم يكن أولها- التى روعي في ترتيبها ثواني الكلمات كذلك.
(و) إن كثيراً من مادته اللغوية مأخوذ من مراجع قديمة لم تصل إلينا، ولذا يُعَدُّ كتاب كراعٍ أقدم كتاب يحويها. ويفسير هذا كثرة ما روى في كتب اللغة منسوبًا إلى كُراع وَحْدَه، كقول ابن مَنْظور: "الجَنِيبة: صوفُ الثنيّ عن كراع وحده" وقوله: "قال كُراع: بَهْراءُ ممدودةً: قبيلةٌ، وقد تُقْصَر. قال ابنُ سيده: لا أعلم أحدًا حكى فيه القَصْرَ إلا هو".
(ز) أنه يحتوي على مجموعة لا بأسَ بها من التَّعبيرات المحليَّة، وبخاصّةٍ تلك المنسوبة للجَنُوب العربيّ، ولمِصر.

(1/23)


3 - منهجنا في التحقيق
بعد أن اتَّخَذنا أقدَمَ النُّسخ أصلاً، قارنَّا النص بنسختين أخريين رمزنا إلى أولاهما بالرمز (ك) وإلى الثانية بالرمز (م). ولم نعن بتسجيلِ كُلّ الخلافات، وإنما اكتفينا بأهمّها، وأضربنا صفحًا عما يدخل في باب التصحيف أو التحريف.
وقد التزمنا ضبط الكلمات بالشكل، حتى ما أهمل ضبطه في المخطوطات واستعنّا في ذلك بأمَّهاتِ كتبِ اللغة. وحين يتعدَّدُ ضبط الكلمة كنا نكتفي بضبطٍ واحد وقد نشير إلى بعضها الآخر في الحاشية.
وحرصنا على تخريج شواهد الكتاب من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأشعار وأمثال. ورجعنا في ذلك إلى كتب السُّنَّة، والأمثال، ودواوين الشعراء، وكتب الأدب واللغة. وبالنسبة للشواهد الشعرية كنا نبدأ بذكر ديوان الشاعر -إن وُجِدَ- ثم نعقِّبُ بالمظانّ الأخرى.
ومراعاة لاختصار -ما أمكن- أهملنا في تخريج الشواهد الإشارة إلى بعض المراجع، كما تجاوزنا كثير عن ذكر الروايات إلا إذا كان ذلك يتعلق بموضوع الشاهد، فكان لزامًا علينا أن نَنُصَّ عليه. وهذا المنهج أوجب علينا كذلك ألا نفسِّرَ غريبَ الألفاظ في الشَّواهد إلاَّ ما كان مُسْتَغْلق الفهم. كما أوجب علينا تركَ التعريف بالشعراءِ، ولا سيّما أنَّ مثلَ هذا الصنيعِ غيرُ معهود في تحقيق المعاجم.
ولما كانت أعمالُ كُراع قد نقل عنها اللغويُّون المتأخرون كثيراً، فقد رأينا زيادة في التوثيق مقابلة مادة "المُنجَّد" على "لسان العرب"، واستغنينا بذلك عن الرجوع إلى "المحكم" لعدم ظهور أجزائه كلها حين الشروع فى

(1/24)


التحقيق. وإن كُنَّا قد رجعنا إلى الأجزاء التى كانت تظهر من المحكم تباعا.
وفي ترتيبنا لمادة المعجم حَرَصْنا على أنْ نبدأ كل معنى بسطر جديد؛ ليسهل على القارئ استشارته، لم نحد عن ذلك إلا مكرهين، وذلك كأنْ يوردَ المؤلفُ أكثرَ من معنى ثم يوردَ شاهداً على معنى سابق، فنضطر حينئذ إلى ذكر هذه المعانى متتابعة.
وقد زوَّدْنا المعجم بفهارس متنوعةٍ، تشمل:
1 - فهرس أبواب الكتاب وموضوعاته.
2 - فهرس المواد اللغوية.
3 - فهرس الأعلام.
4 - فهرس الآيات القرآنية.
5 - فهرس الأحاديث النبوية.
6 - فهرس الأمثال.
7 - فهرس الشعر.
8 - فهرس اللهجات.
9 - فهرس الأضداد.
10 - مراجع التحقيق.
***

(1/25)


المنجَّد
في اللغة
أقدم معجم شامل للمشترك اللفظي

(/)