النهاية في غريب الحديث والأثر

حَرْفُ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْبَاءِ

(غَبَبَ)
(هـ) فِيهِ «زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً» الغِبّ مِن أوْرَاد الإبِل: أنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوماً وتَدَعَه يَوْمًا ثُمَّ تَعُودَ، فَنقَله إِلَى الزِّيارة وإنْ جَاءَ بَعْدَ أَيَّامٍ. يُقَالُ: غَبَّ الرجُل إِذَا جَاءَ زَائِرًا بَعْدَ أَيَّامٍ. وَقَالَ الحسَن: فِي كُلِّ أسْبُوع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَغِبُّوا فِي عِيَادة المَريض» أَيْ لَا تَعُودُوه فِي كُلِّ يَوْمٍ، لِمَا يَجِدُ مِن ثِقَل العُوّاد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ هِشَامٍ «كتَب إِلَيْهِ الجُنْيد يُغَبِّبُ عَنْ هَلاك الْمُسْلِمِينَ» أَيْ لَمْ يُخْبِرَه بكَثْرة مَنْ هَلَك مِنهم، مأخُوذ مِنَ الغِبِّ: الوِرْد، فاسْتعاره لِمَوْضع التَّقْصير فِي الإعْلام بكُنْه الأمْر.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الغُبَّة، وَهِيَ البُلْغة مِنَ العَيْش.
وسألتُ فُلاناً حَاجَةً فغَبَّبَ فِيهَا: أَيْ لَمْ يُبَالِغْ «1» .
وَفِي حَدِيثِ الغِيبَة «فقَاءتْ لحْماً غَابّاً» يُقال: غَبَّ اللّحمُ وأَغَبَّ فَهُوَ غَابٌّ ومُغِبٌّ إِذَا أنْتنَ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الزُّهْري «لَا تُقْبَلُ شهادةُ ذِي تَغِبَّة» هَكَذَا جَاءَ فِي رِواية، وَهِيَ تَفْعِلَة مِنْ غَبَّبَ الذئبُ فِي الغَنَم إِذَا عاثَ فِيهَا، أَوْ منْ غَبَّبَ، مُبَالغة فِي غَبَّ الشيءُ إِذَا فسَد «2» .
__________
(1) أنشد عليه الهروي للمُسيَّب بن عَلَس:
فإنّ لنا إخوةً يَحْدَبون ... علينا وعن غيرنا غَبَّبُوا
(2) في الهروي: «وهو الذي يستحل الشهادة بالزُّور، فهم أصحاب فساد. يقال للفاسد: الغابُّ» .

(3/336)


(غَبَرَ)
(هـ) فِيهِ «مَا أقَلَّت الغَبْرَاء وَلَا أظَلَّت الخَضْراءُ أصْدَقَ لَهْجةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» الغَبْرَاء: الْأَرْضُ، والخَضْراء: السَّمَاءُ لِلَوْنهِما، أَرَادَ أَنَّهُ مُتَنَاهٍ فِي الصِّدْق إِلَى الْغَايَةِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى اتَّساع الْكَلَامِ والمجَازِ «1» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «بَيْنا رَجُلٌ فِي مَفَازة غَبْرَاء» هِيَ الَّتِي لَا يُهْتَدَى للخُروج مِنْهَا.
وَفِيهِ «لَوْ تَعلمون مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ مِنَ الُجوع الأَغْبَر وَالْمَوْتِ الأحْمر» هَذَا مِنْ أحَسن الاستِعارات، لأنَّ الجُوع أَبَدًا يَكُونُ فِي السِّنِين المُجْدِبة، وَسِنُو الْجَدْب تُسَمَّى غُبْراً، لاغْبِرَار آفاقِها مِنْ قِلِّة الْأَمْطَارِ، وأرَضيها مِنْ عَدم النَّبات والاخْضِرار. والموتُ الأحْمر: الشَّدِيدُ، كَأَنَّهُ مَوت بالقَتل وإرَاقَة الدِّمَاءِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِت «يُخَرّب البَصْرَة الْجُوعُ الأَغْبَر وَالْمَوْتُ الأحْمر» .
(س) وَفِي حَدِيثِ مُجاشِع «فَخَرَجُوا مُغْبِرِين، هُم ودوابُّهم» المُغْبِر: الطَّالب لِلشَّيْءِ الْمُنكَمِش «2» فِيهِ، كَأَنَّهُ لحِرصه وسُرْعته يثِير الغُبَار.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مُصْعَب «قدِم رجُل مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُهُ مُغْبِراً فِي جِهَازه» .
وَفِيهِ «إِنَّهُ كَانَ يَحْدُر فِيمَا غَبَرَ مِنَ الُّسورة» أَيْ يُسْرِعُ فِي قِرَاءَتِهَا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يَحْتَمِلُ الغَابِر هَاهُنَا الْوَجْهَيْنِ، يَعْنِي الماضِي والباقِي، فإنَّه مِنَ الْأَضْدَادِ. قَالَ: والمعْرُوف الْكَثِيرُ أنَّ الغَابِر الْبَاقِي. وَقَالَ غيرُ واحِد مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى المَاضِي.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ اعْتَكَفَ العَشْرَ الغَوَابِر مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ» أَيِ البَواقِي، جمع غَابِر.
__________
(1) عبارة الهروي: «لم يُرد عليه السلام أنه أصدق من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكنه على اتساع الكلام، المعنى أنه مُتناهٍ في الصدق» .
(2) أي المسرع.

(3/337)


(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «سُئل عَنْ جُنُب اغْتَرف بِكُوزٍ مِنْ حُبٍّ «1» فَأَصَابَتْ يَدُه الماءَ فَقَالَ: غَابِرُهُ نَجِس» أَيْ باقِيه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَمْ يَبْق إلَّا غُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتاب» وَفِي رِوَايَةٍ «غُبَّر أَهْلِ الكِتاب» الغُبَّر: جَمْعُ غَابِر، والغُبَّرَات: جَمْعُ غُبَّر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «وَلَا حَمَلْتني البَغايَا فِي غُبَّرَات المَآلِي» أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ تَتولَّ الإمَاءُ تربِيَته، والمَآلِي: خِرق الحْيض: أَيْ فِي بَقَاياها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «بِفنائه أَعْنُزٌ دَرُّهُنَّ غُبْر» أَيْ قَلِيلٌ «2» . وغُبْر اللَّبَن «3» :
بَقِيَّتُه وَمَا غَبَرَ مِنْهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُوَيْس «أَكُونُ فِي غُبَّر الناسِ أحَبُّ إليَّ» أَيْ أَكُونُ مِنَ المُتأخِّرين لَا المُتقدِّمين الْمشهورين، وَهُوَ مِنَ الغَابِر: الْبَاقِي.
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ «فِي غَبْرَاء النَّاسِ» بالمدِّ: أَيْ فُقَرَائِهِمْ. وَمِنْهُ قِيلَ للمَحاويج: بَنُو غَبْرَاء، كَأَنَّهُمْ نُسِبوا إِلَى الْأَرْضِ والتُّراب.
(هـ) وَفِيهِ «إيَّاكُم والغُبَيْرَاء فَإِنَّهَا خَمْرُ العالَم» «4» الغُبَيْرَاء: ضَرْب مِنَ الشَّراب يتَّخِذه الحَبش مِنَ الذُّرَة [وَهِيَ تُسكِرُ] «5» وتُسَمَّى السُّكُرْكَةَ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ خَمْر تُعْمل «6» مِنَ الغُبَيْرَاء: هَذَا التّمر المعروف: أي [هي] «7» مثل
__________
(1) الحبّ: الْجَرَّة، أو الضخمة منها. (القاموس)
(2) في الهروي «بفنائه أعْنُزٌ غُبْرٌ» أي قليلة.
(3) عبارة الهروي: «وغُبَّرُ الليل: بقيته، وهو ما غبر منه» . وقد نقل صاحب اللسان عبارة ابن الأثير، ثم قال: «وغُبْر الليل: آخره. وغُبْر الليل: بقاياه، واحدها: غُبْر» .
(4) في الهروي: «فإنها خمر الأعاجم» .
(5) من الهروي.
(6) في الأصل: «هو خمر يعمل» وأثبتناه على التأنيث من ا، واللسان، والهروى.
(7) من ا، واللسان.

(3/338)


الخَمر الَّتِي يَتَعارفها جَمِيعُ النَّاسِ، لَا فَصْل «1» بينهمُا فِي التَّحريم. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(غَبَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «إِذَا اسْتَقْبلُوكَ يومَ الْجُمُعَةَ فاسْتَقْبِلْهم حَتَّى تَغْبِسَها حَتَّى «2» لَا تَعُودَ أنْ تَخَلَّف» يَعْنِي إِذَا مَضَيْت إِلَى الجُمعة فلَقِيتَ النَّاسَ وَقَدْ فَرغُوا مِنَ الصَّلَاةِ فاسْتَقْبِلْهم بوجْهِك حَتَّى تُسَوِّدَه حَياء مِنْهُمْ كيلْاَ تَتَأخَّر بَعْدَ ذَلِكَ. وَالْهَاءُ فِي «تَغْبِسَها» ضَمِيرُ الغُرّة، أَوِ الطَّلْعة، والغُبْسَة: لَوْنُ الرَّماد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَعْشَى «3» .
كالذِّئْبة الغَبْسَاء فِي ظِلِّ السَّرَبِ أَيِ الغَبْرَاء.

(غَبِشَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ صلَّى الفجْر بغَبَشٍ» يُقَالُ: غَبِشَ الليلُ وأَغْبَشَ إِذَا أظْلم ُظْلمةً يُخالِطُها بَيَاضٌ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُريد أَنَّهُ قَدَّم صَلَاةَ الفَجْر عِنْدَ أَوَّلِ طُلوعه، وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ الغَبَش، وَبَعْدَهُ الغَبسُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَبَعْدَهُ الْغَلَسُ، وَيَكُونُ الغَبَش بِالْمُعْجَمَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَيْضًا.
وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ فِي «المُوَطَّأ» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْمُعْجَمَةِ أكْثر. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. ويُجْمع عَلَى أَغْبَاش.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «قَمَش»
عِلْماً غَارّاً بأَغْبَاش الفِتْنة» أَيْ بِظُلَمِها.

(غَبَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ سُئل: هَلْ يَضُرُّ الغَبْط؟ قَالَ: لَا، إلاَّ كَمَا يَضُرُّ العِضَاهَ الخَبْطُ» الغَبْط: حَسَدٌ خاصُ. يُقَالُ: غَبَطْتُ الرجُل أَغْبِطُه غَبْطاً، إِذَا اشْتَهَيَتْ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا لَهُ،
__________
(1) في الأصل، واللسان «لا فضل» بالضاد المعجمة، وأثبتناه بالمهملة من ا، والفائق 2/ 205.
(2) في الأصل: «أي حتى لا تعود» وأسقطنا «أي» حيث لم ترد في ا، واللسان.
(3) هو الأعشى الحِرْمازِي. انظر ص 148 من الجزء الثاني.
(4) قال الزمخشرى: «القمش: الجمع من هاهنا وهاهنا. ومنه قُماش البيت، لرديء متاعه» الفائق 1/ 438.

(3/339)


وَأَنْ يَدُوم عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ. وحَسَدْتُه أحْسُدُه حَسَداً، إِذَا اشْتَهَيْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مَا لَهُ، وأنْ يَزُول عَنْهُ مَا هُوَ فِيهِ. فَأَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنَّ الغَبْطَ لَا يَضُرُّ ضَرَرَ الحَسَد، وَأَنَّ مَا يَلْحَق الغَابِط مِنَ الضَّرر الرَّاجِعِ إِلَى نُقصان الثَّواب دُونَ الإحْباط بِقَدْرِ مَا يَلْحَقُ العِضَاهَ مِنْ خَبْط وَرَقها الَّذِي هُوَ دُونَ قَطْعها واسْتِئصالها، وَلِأَنَّهُ يَعودُ بَعْدَ الخْبط، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طَرَف مِنَ الحَسَد، فَهُوَ دُونَهُ فِي الإثْم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهم أهلُ الجَمْع» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدة كَمَا يُغْبَطُ الْيَوْمَ أَبُو العَشَرة» يَعْنِي أنَّ الْأَئِمَّةَ فِي صَدْر الْإِسْلَامِ يَرْزُقون عِيَال الْمُسْلِمِينَ وذَرارِيَّهُم مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَ أَبُو العَشَرة مَغْبُوطاً بكَثْرة مَا يَصِل إِلَيْهِ «1» مِنْ أرْزاقِهم، ثُمَّ يَجِيء بَعْدَهُمْ أَئِمَّةٌ يَقْطَعون ذَلِكَ عَنْهُمْ، فيُغْبَطُ الرَّجُلُ بالوَحْدة، لخِفَّة المؤُنة، ويُرْثَى لِصَاحِبِ العِيَال.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّلَاةِ «أَنَّهُ جَاءَ وَهُمْ يُصَلُّون فِي جَمَاعَةٍ، فجَعل يُغَبِّطُهُم» هَكَذَا رُوي بِالتَّشْدِيدِ:
أَيْ يَحْمِلُهم عَلَى الغَبْط، ويَجْعل هَذَا الفِعل عِنْدَهُمْ مِمَّا يُغْبَطُ عَلَيْهِ، وإنْ رُوِي بِالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ قَدْ غَبَطَهُم لتَقَدُّمِهم وسَبْقِهم إِلَى الصَّلَاةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللَّهُمَّ غَبْطاً لَا هَبْطاً» أَيْ أوْلِنَا مَنْزلةً نُغْبَطُ عَلَيْهَا، وجَنِّبنا مَنازل الهُبُوط والضَّعَة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَسْأَلُكَ الغِبْطَة، وَهِيَ النِّعْمة والسُّرور، وَنَعوذُ بِكَ مِنَ الذُّل والخُضُوع.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن «كأنَّها غُبُطٌ فِي زَمْخَر» الغُبُط: جَمْعُ غَبِيط، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُوَطَّأ لِلْمَرْأَةِ عَلَى البَعِير، كالهَوْدَج يُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ وَغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِهِ هَاهُنَا أحَدَ أخْشابه، شبَّه بِهِ القَوْس في انْحِنائها.
__________
(1) فى اواللسان: «إليهم» والمثبت في الأصل، والفائق 1/ 10.

(3/340)


[هـ] وَفِي حَدِيثِ مَرَضِهِ الَّذِي قُبِض فِيهِ «أَنَّهُ أَغْبَطَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى» أَيْ لَزِمَتْه وَلَمْ تُفارِقْه، وَهُوَ مِنْ وَضْع الغَبِيط عَلَى الجَمل. وَقَدْ أَغْبَطْتُه عَلَيْهِ إِغْبَاطاً.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ «فغَبَطَ مِنْهَا شَاةً فَإِذَا هِيَ لَا تُنْقِي» أَيْ جَسَّها بِيده.
يُقَالُ: غَبَطَ الشَّاةَ إِذَا لَمَسَ مِنْهَا الموْضِع الَّذِي يُعْرَف بِهِ سِمنُها مِنْ هُزَالِها. وَبَعْضُهُمْ يَرْويه بالعَين الْمُهْمَلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فإنَّه أرْاد بِهِ الْذَّبْح. يُقَالُ: اعْتَبَط الْإِبِلَ والغَنَم إِذَا نَحَرها لِغَيْرِ دَاءٍ.

(غَبْغَبَ)
فِيهِ ذِكْر «غَبْغَبَ» بِفَتْحِ الغَيْنَيْن وَسُكُونِ الْبَاءِ الْأُولَى: مَوْضِع المَنْحَر بمِنىً. وَقِيلَ: الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللاَّت بالطَّائف.

(غَبَقَ)
فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْغَارِ «وكُنْت لَا أَغْبِق أَغْبُق قَبْلَهُما أَهْلًا وَلَا مَالًا» أَيْ مَا كُنْتُ أقَدَّم عَلَيْهِمَا أحَداً فِي شُرْب نَصِيبهما من اللّبن الذي يشربانه. والغَبُوق الغُبُوق: شُرْب آخِر النَّهَارِ مُقَابِل الصَّبُوح.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا» هُوَ تَفْتَعِلُوا، مِنَ الغَبُوق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «لَا تُحَرِّم الغَبْقَة» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الغَبُوق، شُرْب العشيِّ. ويُروى بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ وَالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

(غَبَنَ)
فِيهِ «كَانَ إذا أطَّلَى بَدأ بمَغَابِنِه» المَغَابِن: الأرْفاغ، وَهِيَ بَوَاطِن الْأَفْخَاذِ عِنْدَ الحَوالِب، جَمْعُ مَغْبَن، مِنْ غَبَنَ الثَّوَب إِذَا ثَنَاه وعَطَفه، وَهِيَ مَعَاطِف الجِلْد أَيْضًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عِكْرِمة «مَنْ مَسَّ مَغَابِنَه فلْيَتَوضَّأ» أمَره بِذَلِكَ اسْتظْهاراً واحْتِياطاً، فإنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ يَلْمسُ ذَلِكَ الموْضع أَنْ تقَع يدُه عَلَى ذَكَره.

(غَبَا)
(س) فِيهِ «إلاَّ الشَّياطين وأَغْبِيَاء بَني آدَمَ» الأَغْبِيَاء: جَمع غَبِيٍّ، كغَنِيٍّ وأغْنِياء. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَغْبَاء، كأيْتام، ومِثْله كَمِيٌّ وأكْمَاءٌ. والغَبِيّ: القَليل الفِطْنَة.
وَقَدْ غَبِيَ يَغْبَا غَبَاوَةً.

(3/341)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَلِيلُ الفِقْه «1» خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الغَبَاوَة» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَصِحُّ لَكَ» أَيْ تَغَافَلْ وتَبَالَه.
وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ «فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ» أَيْ خَفِيَ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «غُبِّيَ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمَكْسُورَةِ، لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعِله، مِنَ الغَبَاء: شِبْهُ الْغَبَرَةِ فِي السَّمَاءِ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ التَّاءِ

(غَتَتَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ المَبْعَث «فأخذَني جِبْرِيلُ فغَتَّنِي حتَّى بَلغ مِنّي الجَهْد» الغَتّ والغَطُّ سَوَاءٌ كَأَنَّهُ أَرَادَ عَصَرني عَصْراً شَدِيدًا حَتَّى وجَدْت مِنْهُ المَشقَّة، كَمَا يَجِد مَن يُغْمَس فِي الْمَاءِ قَهراً.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَغُتُّهُم اللَّهُ فِي الْعَذَابِ غَتّاً» أَيْ يَغْمِسُهم فِيهِ غَمْسا مُتَتَابِعا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «يَا مَن لَا يَغُتُّه دُعاء الدَّاعين» أَيْ يَغْلِبه ويَقْهَره.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «يَغُتُّ فِيهِ مِيزابان، مِدَادُهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ» أَيْ يَدْفُقَانِ فِيهِ الْمَاءَ دَفْقًا دَائِمًا مُتَتَابِعًا.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الثَّاءِ

(غَثَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ» أَيْ مَهْزُولٍ.
يقال: غَثَّ يَغِثُّ ويَغَثُّ، وأَغَثُّ يُغِثُّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُهَا أَيْضًا، فِي رِواية «وَلَا تُغِثُّ طَعامَنا تَغْثِيثاً» أَيْ لَا تُفْسِده. يُقَالُ: غَثَّ فُلان فِي قَوْلِهِ، وأَغَثَّه إِذَا أفْسَده.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ لابْنه عليٍّ: الحقْ بابْن عَمِّك- يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ- فغَثُّكَ خيرٌ مِنْ سَمِين غَيْرِكَ» .

(غَثَرَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «يُؤتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَغْثَرُ» هُوَ الْكَدِرُ اللَّوْنِ، كَالْأَغْبَرِ وَالْأَرْبَدِ.
__________
(1) فى ا «القليل الفقه» .

(3/342)


وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «قَالَ حِينَ تنكَّر لَهُ الناسُ: إنَّ هؤُلاء النَّفَر رَعاعٌ غَثْرَة» أَيْ جُهَّال، وَهُوَ مِنَ الأَغْثَر: الأغْبَر. وَقِيلَ للأحْمق الْجَاهِلِ أَغْثَر، استِعارةً وتَشْبيها بالضَّبُع الغَثْرَاء لِلوَنها، وَالْوَاحِدُ: غَاثِر.
قَالَ القُتَيْبيّ: لَمْ أسْمع غَاثِراً، وإنَّما يُقَالُ: رجُلٌ أَغْثَر إِذَا كَانَ جَاهِلًا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ «أحِبُّ الْإِسْلَامَ وأهْله وأحِبُّ الغَثْرَاء» أَيْ عامَّة النَّاسِ وجماعَتَهم. وَأَرَادَ بالمحَّبة المُناصَحَة لَهُمْ والشَّفَقة عَلَيْهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ أُوَيْس «أَكُونُ فِي غَثْرَاء النَّاسِ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِواية «1» : أَيْ فِي العَامَّة المجْهُولين. وقيل: هم الجماعة المختطلة مِنْ قَبَائِلَ شَتّى.

(غَثَا)
فِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «كَمَا تَنْبُت الحَّبِةُ فِي غُثَاء «2» السَّيْل» الغُثَاء بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ: مَا يَجِيءُ فَوْقَ السَّيْل مِمَّا يَحْمِله مِنَ الزَّبَد والوَسَخ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَجَاءَ فِي كِتَابِ مُسْلم «كَمَا تَنْبُت الغُثَاءَة» يُريد مَا احْتَمله السَّيْل مِنَ البُزُورات.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الحسَن «هَذَا الغُثَاء الَّذِي كنَّا نُحَدَّث عَنْهُ» يُريد أرْذالَ النَّاسِ وسَقَطَهم.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الدَّالِ

(غَدَدَ)
(س) فِيهِ «أنَّه ذَكَر الطَّاعون فَقَالَ: غُدَّةٌ كغُدَّةِ البَعير تَأخُذُهم فِي مَراقَّهم» أَيْ فِي أسْفَل بُطونهم. الغُدَّة: طَاعُونُ الْإِبِلِ، وقَلَّما تَسْلَم مِنْهُ. يُقَالُ: أَغَدَّ البَعير فَهُوَ مُغِدّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْل «غُدَّة كغُدَّة البَعير، ومَوْتٌ فِي بَيْت سَلُوليَّة» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَا هِيَ بمُغِدٍّ فَيَسْتَحْجِي لحَمها» يَعْنِي النَّاقَة، وَلَمْ يُدْخلْها تَاءَ التَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ أَرَادَ ذَاتَ غُدَّة.
وَفِي حَدِيثِ قَضاء الصَّلَاةِ «فلْيُصَلّهِا حِين يَذْكُرها وَمِنَ الغَدِ للوْقت» قَالَ الخطَّابي: لَا أعْلم
__________
(1) انظر ص 338.
(2) رويت: «في حميل السيل» وسبقت فى «حمل» .

(3/343)


أحَداً مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ إنَّ قَضاء الصلاةِ يؤخَّر إِلَى وَقْت مِثْلِها مِنَ الصَّلَاةِ وتُقْضَى، ويُشْبه أَنْ يَكُونَ الأمْر اسْتِحْباباً لتُحْرزَ فَضيلَة الوقْت فِي القَضاء، وَلَمْ يُرِد إِعَادَةَ تِلْكَ الصَّلَاةِ المَنْسِيَّة حَتَّى تُصَلَّى مرَّتَيْن، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَإِنِ انْتَقل وقْتُها لِلنَّسْيان إِلَى وَقْتِ الذِّكْرِ، فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى وقْتها فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الذِّكْرِ، لِئَلَّا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهَا قَدْ سَقَطت بانْقِضاء وَقْتِهَا أَوْ تَغَيَّرت بَتَغُّيره.
والغَد أَصْلُهُ: غَدْوٌ، فَحُذِفَتْ وَاوُهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا عَلَى لَفْظِهِ.

(غَدَرَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ صَلَّى العِشاء فِي جَمَاعة فِي اللَّيلة المُغْدِرَة فقد أوجب» المُغْدِرَة: الشّديد الظُّلْمة التَّي تُغْدِر النَّاسَ فِي بيُوتهم: أَيْ تَتْركُهم. والغَدْرَاء:
الظُّلمة «1» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «لَوْ أَنَّ امْرأة مِنَ الحُور العِين اطَّلَعت إِلَى الْأَرْضِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ مُغْدِرَة لأضَاءتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ» .
(هـ) وَفِيهِ «يَا لَيْتَنِي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ نُحْص الجَبل» النُّحْصُ: أصْل الجَبل وسَفْحُه.
وَأَرَادَ بِأَصْحَابِ نُحْص الْجَبَلِ قَتْلى أُحُد أوْ غَيْرَهُمْ مِنَ الشُهداء: أَيْ يَا لَيْتَنِي اسْتُشْهِدتُ مَعَهُمْ.
والمُغَادَرَة: التَّرك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ بَدْرٍ «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الكُدْرِ فأَغْدَرُوه» أَيْ تركوهُ وخَلَّفُوه، وَهُوَ مَوْضع.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَذَكَرَ حُسْنَ سِيَاسَتِهِ فَقَالَ: «وَلَوْلَا ذَلِكَ لأَغْدَرْتُ بعضَ مَا أسُوق» أَيْ لَخَلَّفْتُ. شَبَّهَ نَفْسَهُ بالرَّاعِي، ورَعِيَّتَهُ بالسَّرْحِ.
ورُوي «لَغَدَّرْتُ» أَيْ لألْقَيْتُ النَّاسَ فِي الغَدَر، وَهُوَ مَكَانٌ كثير الحجارة.
__________
(1) زاد الهروي: «وقيل: سمِّيت مغدرة، لطرحها من يخرج فيها في الغَدَر، وهي الجِرَفة» اهـ وانظر القاموس (جرف) .

(3/344)


(هـ) وَفِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدِم مكَّة وَلَهُ أربعُ غَدَائِر» هِيَ الذَّوائب، واحِدَتُها: غَدِيرَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ضِمام «كَانَ رَجُلاً جَلْداً أشْعَر ذَا غَدِيرَتَيْنِ» .
(س) وَفِيهِ «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعةِ سِنُونَ غَدَّارَة، يَكْثُر المَطر ويَقِلُّ النَّبَاتُ» هِيَ فَعَّالَةٌ مِنَ الغَدْر: أَيْ تُطْمِعُهُمْ فِي الخِصْب بالمَطر ثُمَّ تُخْلِف، فَجعَل ذَلِكَ غَدْراً مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبِيَة «قَالَ عُروة بْنُ مَسْعُودٍ للمُغيِرة: يَا غُدَرُ وَهَل غَسَلْت غَدْرَتَك إلَّا بالأمْسِ» غُدَر: مَعْدُول عَنْ غَادِر لِلْمُبَالَغَةِ. يُقَالُ للذَّكَر غُدَرُ، وَلِلْأُنْثَى غَدَارِ كقَطام، وَهُمَا مُخْتَصَّان بالنَّداء فِي الْغَالِبِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ لِلْقَاسِمِ: اجْلِسْ غُدَرُ» أَيْ يَا غُدَرُ، فَحَذَفَتْ حَرْف النَّدَاء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَاتِكَةَ «يا لَغُدَرُ ويا لَفُجَرُ» .
(س) وَفِيهِ «إنَّه مرَّ بأرضٍ يُقَالُ لَهَا غَدِرَة فسَمَّاها خَضِرَة» كَأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَسْمَح بالنَّبَات، أَوْ تُنْبِتُ ثُمَّ تُسْرِع إِلَيْهِ الآفةَ، فشُبَّهَت بالغَادِر لِأَنَّهُ لَا يَفي.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الغَدْر» عَلَى اخْتلاف تَصرُّفه فِي الْحَدِيثِ.

(غَدَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ أَغْدَفَ عَلَى عَليٍّ وفاطمةَ سِتْراً» أَيْ أرْسَلَه وأسْبَله.
وَمِنْهُ «أَغْدَفَ الليلُ سُدُولَه» إِذَا أظْلَم.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «لنْفسُ المؤمنِ أشدُّ ارْتِكاضاً عَلَى الخطِيئة مِنَ العُصْفور حِين يُغْدَف بِهِ» أَيْ حِين تُطْبَق عَلَيْهِ الشَّبكَةُ فيَضْطَرب لِيُفْلِت مِنْهَا.

(غَدَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «اسْقِنا غَيْثاً غَدَقاً مُغْدِقاً» الغَدَق بِفَتْحِ الدَّالِ:
المطَر الكِبار القَطْر، والمُغْدِق: مُفْعِل مِنْهُ، أكَّدَه بِهِ. يُقَالُ: أَغْدَقَ المَطرُ يُغْدِقُ إِغْدَاقاً فَهُوَ مُغْدِق.
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا نشأتِ السّحابةُ مِن العَيْن فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَة» .

(3/345)


وَفِي رِواية «إِذَا نشَأتْ بَحْرِيَّةً فتَشاءمَت فتِلك عَيْنٌ غُدَيْقَة» أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. هَكَذَا جَاءَتْ مُصَغَّرة، وَهُوَ مِنْ تَصْغير التَّعظيم. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِيهِ ذِكر «بِئْرِ غَدَق» هِيَ بِفُتْحَتَيْنِ: بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ.

(غَدَا)
(س) فِي حَدِيثِ السَّحور «قَالَ: هَلُمَّ إِلَى الغَدَاء المُبارك» الغَدَاء: الطَّعام الَّذِي يُؤكل أوّلَ النَّهَارِ، فسُمَّي السَّحور غَدَاء، لأنَّه لِلصَّائِمِ بمَنْزِلَتِه للمُفْطِر.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «كُنْتُ أَتَغَدَّى عِنْدَ عُمر بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ» أَيْ أَتَسحَّر.
وَفِيهِ «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الغَدْوَة: الْمَرَّةُ مِنَ الغُدُوِّ، وَهُوَ سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ، نَقِيض الرَّواح. وَقَدْ غَدَا يَغْدُو غُدُوّاً. والغُدْوَة بِالضَّمِّ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ الغَدَاة وَطُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ اسْماً، وَفِعْلًا، وَاسْمَ فَاعِلٍ، وَمَصْدَرًا.
[هـ] وَفِيهِ «أنَّ يزيدَ بْنَ مُرَّة قَالَ: نُهِي عَن الغَدَوِيّ» هُوَ كُلُّ مَا فِي بُطون الحَوامِل، كَانُوا يَتَبايَعُونه فِيمَا بَيْنَهُمْ فنهُوا عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ. وَبَعْضُهُمْ يَرْويه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْفِيلِ:
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيُبُهم ... وَمِحَالُهم غَدْواً مِحَالَكْ
الغَدْو: أصْل الغَدْ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ يَوْمِكَ، فحُذِفَت لامُه. وَلَمْ يُسْتَعْمل تَامَّا إلاَّ فِي الشِّعْرِ. وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّة «1» :
ومَا النَّاسُ إلَّا كالدَّيَار وَأهْلِهَا ... بِهَا يَوْمَ حَلُّوها وغَدْواً بَلَاقِعُ
وَلَمْ يُرِدْ عَبْدُ المطَّلب الغَدَ بِعَيْنه، وَإِنَّمَا أرادَ الْقَرِيبَ من الزَّمان.
__________
(1) هكذا نسب فى الأصل، والذى الرُّمَّة. ولم نجده في ديوانه المطبوع بعناية كارليل هنري هيس مكارتي. وقد نسبه في اللسان للبيد. وهو في شرح ديوانه ص 169 بتحقيق الدكتور إحسان عباس.

(3/346)


بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الذَّالِ

(غَذَذَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فَتَأْتِي كأَغَذِّ مَا كَانَتْ» أَيْ أسْرعَ وأنْشَط. أَغَذَّ يُغِذُّ إِغْذَاذاً إِذَا أسْرع فِي السَّيْر.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا مَررْتُم بِأَرْضِ قَوْمٍ قَدْ عُذِّبوا فأَغِذُّوا السَّيْر» .
(س) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «فَجَعَلَ الدَّمُ يومَ الجَمل يَغِذُّ مِن رُكْبَتِه» أَيْ يَسِيل.
يُقَالُ: غَذَّ العِرْق يَغِذُّ غَذّاً إِذَا سَالَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّم وَلَمْ يَنْقَطِع. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِغْذَاذ السَّيْر.

(غَذْمَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «سَأَلَهُ أَهْلُ الطَّائِفِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمُ الْأَمَانَ بِتَحْلِيلِ الرِّبَا والخَمْر فامْتَنع، فقَامُوا وَلَهُمْ تَغَذْمُرٌ وَبَرْبَرَة» التَّغَذْمُر: الغَضَب وسُوء اللَّفْظ والتَّخليط فِي الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ البَرْبَرة.

(غَذِمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ «عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ بدُنْياكم فاغْذَمُوها» الغَذْم:
الأكْل بجفَاء وشِدّة نَهَمٍ. وَقَدْ غَذِمَ يَغْذَمُ غَذْماً فَهُوَ غُذَم. وَيُقَالُ: غَذَمَ يَغْذُمُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ رَجُل يُرَائِي فَلَا يَمُرُّ بقَوم إلَّا غَذَمُوه» أَيْ أخَذُوه بألْسِنَتِهم.
هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ المتأخَّرين فِي الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، والصيحيح أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، واتَّفَق عَلَيْهِ أربابُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُ. والله أعلم.

(غذر)
(س) فِيهِ «لَا تَلْقَى المُنافقَ إلَّا غَذْوَرِيّاً» قَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَا ذكَرُوه، وَهُوَ الْجَافِي الغَلِيظ.

(غَذَا)
(س) فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «فَإِذَا جُرْحُه يَغْذُو دَماً» أَيْ يَسِيل. يُقَالُ:
غَذَا الجُرْحُ يَغْذُو إِذَا دَامَ سَيَلانُه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ عِرْقَ المُسْتَحاضَة يَغْذُو» أَيْ يَتَّصِل سَيَلانُه.
(هـ) وَفِيهِ «حَتَّى يَدْخُلَ الكَلْبُ فيُغَذِّيَ عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِدِ» أَيْ يَبُول عَلَيْهَا لعَدَم سُكَّانه وخُلُوِّه مِنَ النَّاسِ. يُقَالُ: غَذَّى بِبَوْله يُغَذِّي إِذَا ألْقاه دُفْعة دُفْعة.

(3/347)


وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «شَكا إِلَيْهِ أهلُ الْمَاشِيَةِ تَصْديقً الغِذَاء، فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ مُعْتَدّاً عَلَيْنَا بالغِذَاء فخُذْ مِنْهُ صَدقَتَه، فَقَالَ: إنَّا نَعْتَدّ بالغِذَاء كُلِّهِ حَتَّى السَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِه، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَذَلِكَ عَدْل بَيْنَ غِذَاء الْمَالِ وخِيَاره» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «أنَّه قَالَ لِعَامل الصَّدَقات: احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بالغِذَاء «1» وَلَا تأخُذْها مِنْهُمْ» الغِذَاء: السِّخال الصِّغار، واحِدها: غَذِيّ، وإنَّما ذكِّر الضَّمير فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رَدّاً إِلَى لَفْظ الغِذَاء، فإنَّه بِوَزْنِ كِساء وَردَاء. وَقَدْ جَاءَ السِّمَامُ الْمُنْقَعُ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ سَمّ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَلَّا يأخُذ السَّاعي خِيَار الْمَالِ وَلَا رَديئه، وَإِنَّمَا يأخُذ الوَسَط، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ «وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاء الْمَالِ وخِياره» .
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ «لَا تُغَذُّوا أَوْلَادَ المُشْرِكين» أرادَ وَطْءَ الحبَالَى مِنَ السَّبْي، فجَعل مَاءَ الرَّجُل للحَمْل كالغِذَاء.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الرَّاءِ

(غَرَبَ)
فِيهِ «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدأ غَرِيباً وسَيَعود كَمَا بَدأ فَطُوبَى للغُرَبَاء» أَيْ أنَّه كَانَ فِي أَوَّلِ أمْره كالغَرِيب الوَحيد الَّذِي لَا أهْل لَهُ عِنْدَهُ، لِقَّلة المسْلمين يَوْمَئِذٍ، وسَيَعود غَرِيباً كَمَا كَانَ:
أَيْ يَقِلُّ الْمُسْلِمُونَ فِي آخِر الزَّمَانِ فَيَصِيرُونَ كالغُرَبَاء. فطُوبَى للغُرَبَاء: أَيِ الْجَنَّةُ لِأُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُونَ فِي آخِره، وإنَّما خصَّهم بِهَا لصَبْرهم عَلَى أذَى الكُفَّار أَوَّلًا وآخِرا، ولُزُومهم دينَ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا «2» » الاغْتِرَاب: افْتِعال مِنَ الغُرْبَة، وَأَرَادَ تَزوَّجُوا إِلَى الغَرَائِب مِنَ النِّساء غَيْرِ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ أنْجَب للأولادِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ المُغِيرة «وَلَا غَرِيبَة نَجِيبَة» أَيْ أَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا غَرِيبَة فإنَّها غَيْرُ نَجِيبَة الْأَوْلَادِ.
__________
(1) فى الهروى: «احتسب عليهم الغذاء» .
(2) انظر حواشي ص 106 من الجزء الثالث.

(3/348)


[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ فِيكُمْ مُغَرِّبِين، قِيلَ: وَمَا المُغَرِّبُون؟ قَالَ: الَّذِينَ تَشْرَك فِيهِمُ الْجِنُّ» سُمُّوا مُغَرِّبِين لِأَنَّهُ دَخل فِيهِمْ عِرْقٌ غَرِيب، أَوْ جَاءُوا مِنْ نَسَب بَعيد.
وَقِيلَ: أرادَ بُمشَارَكة الجِنّ فِيهِمْ أمْرَهم إِيَّاهُمْ بِالزِّنَا، وتَحْسِينَه لَهُمْ فَجَاءَ أولادُهم مِنْ غيرِ رِشْدَةٍ.
وَمِنْهُ قوله تعالى: «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَجَّاج «لأضْرِبَنَّكم ضَرْبَ غَرِيبَة الْإِبِلِ» هَذَا مَثَلٌ ضَرَبه لنَفْسه مَعَ رَعِيَّته يُهَدِّدُهم، وَذَلِكَ أنَّ الْإِبِلَ إِذَا ورَدَت الْمَاءَ فدَخل فِيهَا غَرِيبَة مِنْ غَيْرِهَا ضُربَت وطُرِدَت حَتَّى تَخْرُج مِنْهَا.
وَفِيهِ «أَنَّهُ أَمَر بتَغْرِيب الزَّانِي سَنَةً» التَّغْرِيب: النَّفْي عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعت فِيهِ الجِناية.
يُقَالُ: أَغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذَا نَحَّيْتَه وأبْعَدْتَه. والغَرْب: البُعْد.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رجُلا قَالَ لَهُ: إنَّ امْرَأتي لاَ تَردُّ يَد لَامس، فَقَالَ: أَغْرِبْها» أَيْ أبْعِدْهَا، يُريد الطَّلاق.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَدِم عَلَيْهِ رجُل فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِن مُغَرِّبَة خَبَر؟» أَيْ هَلْ مِنْ خَبَرٍ جَديِد جَاءَ مِن بَلَدٍ بَعِيد. يُقَالُ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَة خَبَرٍ؟ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَعَ الْإِضَافَةِ فِيهِمَا، وَهُوَ مِنَ الغَرْب: البُعد: وَشأوٌ مُغَرِّب ومُغَرَّب: أَيْ بَعِيد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «طَارَت بِهِ عَنْقَاء مُغْرِب» أَيْ ذَهَبَتْ بِهِ الدَّاهية. والمُغْرِب: المُبْعِد فِي الْبِلَادِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا «فَأَخَذَ عُمرُ الدَّلْوَ فاسْتَحالتْ فِي يَدِه غَرْباً» الغَرْب بِسُكُونِ الرَّاءِ: الدَّلو الْعَظِيمَةُ الَّتِي تُتَّخَذ مِنْ جِلْد ثَوْرٍ، فَإِذَا فُتِحَت الرَّاءُ فَهُوَ الْمَاءُ السَّائل بَيْنَ البِئر وَالْحَوْضِ.
وَهَذَا تَمثيل، وَمَعْنَاهُ أنَّ عُمَر لمَّا أخَذ الدَّلْوَ ليَسْتَقِيَ عَظُمَت فِي يَدِه، لأنَّ الفُتُوح كَانَتْ فِي زَمَنه أَكْثَرَ مِنْهَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعْنَى اسْتَحالت: انْقَلَبت عَنِ الصغِّر إِلَى الكِبَر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «وَمَا سُقِيَ بالغَرْب فَفِيهِ نِصْفُ العُشْر» .

(3/349)


وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَوْ أنَّ غَرْباً مِنْ جهنَّم جُعِل فِي الْأَرْضِ لآذَى نَتْنُ ريحِه وَشِدةُ حَرِّه مَا بَيْنَ المَشْرق والمغْرب» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «ذَكر الصِّدِّيق فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ بَرّاً تَقِيَّا يُصَادَي «1» غَرْبُه» وَفِي رِوَايَةٍ «يُصَادَي مِنْهُ غَرْب» «2» الغَرْب: الحِدَّة، وَمِنْهُ غَرْب السَّيف. أَيْ كَانَتْ تُدارَى حِدّتُه وتُتَّقَى.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فسكَنَ مِن غَرْبِه» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ عَنْ زَيْنَب: كُلُّ خِلَالِهَا مَحْمُودٌ مَا خَلَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبٍ كَانَتْ فِيهَا» .
[هـ] وَحَدِيثُ الْحَسَنِ «سُئل عَنِ القُبْلة للصَّائم فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ غَرْبَ الشَّبَاب» أَيْ حِدَّتَه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْر «فَمَا زالَ يفْتِل فِي الذِّرْوةِ والغَارِب حتَّى أجابَتْه عَائِشَةُ إِلَى الخُروج» الغَارِب: مُقَدَّم السَّنَام، والذِّرْوَة: أَعْلَاهُ، أَرَادَ أَنَّهُ مَا زَالَ يُخَادِعُهَا وَيَتَلَطَّفُهَا حَتَّى أجابَتْه.
وَالْأَصْلُ فِيهِ أنَّ الرجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَنِّسَ البَعِير الصَّعْبَ لِيَزُمَّه ويَنْقَادَ لَهُ جَعَلَ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَيْهِ ويمسح غَارِبَه ويَفْتِل وَبَره حَتَّى يَسْتَأنِس ويَضَع فِيهِ الزِّمام.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ لِيَزِيدَ بْنِ الأصَمّ: رُمِيَ بِرَسنكَ عَلَى غَارِبِك» أَيْ خُلِّيَ سبيُلك فَلَيْسَ لَكَ أحدٌ يَمْنَعُك عَمَّا تُريد، تَشْبِيهًا بِالْبَعِيرِ يُوضَع زِمامُه عَلَى ظَهْرِه ويُطْلَق يَسْرح أَيْنَ أَرَادَ فِي المَرْعَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ «حَبْلُك عَلَى غَارِبِك» أَيْ أنْتِ مُرْسَلَة مُطْلَقَة غَيْرُ مَشْدُودَةٍ وَلَا مُمْسَكَة بعَقْد النِّكاح.
[هـ] وَفِيهِ «أنَّ رجُلا كَانَ واقِفا مَعَهُ فِي غَزَاة فَأَصَابَهُ سَهْمُ غَرْبٍ» أي لا يُعْرَف رَامِيه.
__________
(1) انظر ص 19 من الجزء الثالث.
(2) وهي رواية الهروي.

(3/350)


يُقَالُ: سَهْمُ غَرَب بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَبِالْإِضَافَةِ، وَغَيْرِ الْإِضَافَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِالسُّكُونِ إِذَا أَتَاهُ من حيث لا يدري، وبالفتح إِذَا رَماه فَأَصَابَ غيْرَه.
وَالْهَرَوِيُّ لَمْ يُثْبِت عَنِ الْأَزْهَرِيِّ إِلَّا الْفَتْحَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الحسَن «ذَكَرَ ابْنَ عبَّاس فَقَالَ: كَانَ مِثَجّاً يَسِيل غَرْباً» الغَرْب: أحَدُ الغُرُوب، وَهِيَ الدُّموع حِينَ تَجْرِي. يُقَالُ: بِعَيْنه غَرْب إِذَا سَالَ دَمْعُها وَلَمْ يَنْقَطع، فَشبَّه بِهِ غَزَارَةَ عِلْمِه وأنَّه لَا يَنْقَطِع مَدَدُه وجَرْيُه.
(س) وَفِي حَدِيثِ النَّابِغَةِ «تَرِفُّ غُرُوبُه» هِيَ جَمْعُ غَرْب، وَهُوَ مَاءُ الفَمِ وحِدّة الأْسنان.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حِينَ اخْتُصِم إِلَيْهِ فِي مَسِيل المَطر فَقَالَ: المَطرُ غَرْبٌ، والسَّيْل شَرْق» ، أَرَادَ أَنَّ أكْثَر السَّحاب يَنْشَأ مِنْ غَرْبِ القِبْلَة، والعَيْن هُناك: تَقُولُ العَرب:
مُطِرْنا بِالْعَيْنِ، إِذَا كَانَ السَّحاب ناشِئا مِنْ قِبْلَة الْعِرَاقِ.
وَقَوْلُهُ «والسَّيْل شَرْق» يُريد أَنَّهُ يَنْحطُّ مِنْ ناحِية المَشْرِق، لِأَنَّ ناحِية المشْرق عَالِيةٌ وناحِيَة المَغْرِب مُنْحَطَّة.
قَالَ ذَلِكَ القُتَيْبِيّ. ولعَلَّه شَيْءٌ يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ الخِصَام فِيهَا.
وَفِيهِ «لَا يزالُ أهلُ الغَرْب ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» قِيلَ: أرادَ بِهِمْ أهْل الشَّام، لِأَنَّهُمْ غَرْب الحِجاز.
وَقِيلَ: أرادَ بالغَرْب الحِدّةَ والشوَّكَة. يُريد أهْل الجِهَاد.
وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: الغَرْب هَاهُنَا الدَّلْوُ، وأرَادَ بِهِمُ العَرَب، لأنَّهم أصْحابها وهُمْ يَسْتَقُون بِهَا.
وَفِيهِ «ألاَ وَإنّ مَثَل آجالِكم فِي آجَالِ الأمَم قبْلَكم كَمَا بَيْن صَلاِة العَصْر إِلَى مُغَيْرِبَان الشَّمْس» أَيْ إِلَى وَقْتِ مَغِيبها. يُقَالُ: غَرَبَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ غُرُوباً ومُغَيْرِبَاناً، وَهُوَ مُصَغَّر عَلَى غَيْرِ مُكبَّره، كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا مَغْرِبَاناً، والمَغْرِب فِي الْأَصْلِ: مَوْضع الغُرُوب، ثُمَّ اسْتُعمِل فِي المَصْدر والزَّمان، وقِياسُه الفَتحُ ولكِن اسْتُعْمِل بِالْكَسْرِ، كالمشْرِق والمسْجد.

(3/351)


(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «خَطبَنا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ» (س) وَفِيهِ «أنَّه ضَحِك حَتَّى اسْتَغْرَبَ» أَيْ بالَغ فِيهِ. يُقَالُ: أَغْرَبَ فِي ضَحِكه واسْتَغْرَبَ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الغَرْب: البُعْد. وقَيل: هُوَ القَهْقَهة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «إِذَا اسْتَغْرَبَ الرجُلُ ضَحِكا فِي الصَّلَاةِ أعادَ الصَّلَاةَ» وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، ويَزِيد عَلَيْهِ إعادَة الوُضوء.
(س) وَفِي دُعَاءِ ابْنِ هُبَيْرة «أعُوذ بِك مِنْ كلِّ شيطانٍ مُسْتَغْرِب، وكُل نَبَطيّ مُسْتَعرِب» قَالَ الحرْبي: أظُنُّه الَّذِي جَاوَزَ القَدْرَ فِي الخُبْث، كَأَنَّهُ مِنَ الاسْتِغْرَاب فِي الضَّحك. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى المُتَنَاهِي فِي الحِدّة، مِنَ الغَرْب: الحِدَّة.
(س) وَفِيهِ «أنَّه غَيَّر اسْم غُرَاب» لِمَا فِيهِ مِنَ البُعْد، وَلأنَّه مِنْ خُبْث الطُّيُورِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لمَّا نَزل «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ» فأصْبَحْنَ على رؤِسهن الغِرْبَان» شَبَّهَت الخُمُر فِي سَوادِها بالغِرْبَان جَمْعُ غُرَاب، كَمَا قَالَ الكُمَيْت:
كغِرْبَان الكرُوُم الدَّوَالحِ

(غَرْبَبَ)
(س) فِيهِ «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الغِرْبِيبُ» الغِرْبِيب: الشدَّيد السَّوادِ، وجمعُه غَرَابِيب، أرادَ الَّذِي لَا يَشِيبُ. وَقِيلَ: أَرَادَ الَّذِي يُسَوِّد شَعْرَهُ.

(غَرْبَلَ)
(هـ) فِيهِ «أعْلِنُوا النِّكَاحَ «1» واضْرِبوا عَلَيْهِ بالغِرْبَال» أَيْ بالدُّفّ لِأَنَّهُ يُشْبه الغِرْبَال فِي اسْتِدَارَته.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا كُنْتُمْ فِي زَمَانٍ يُغَرْبَلُ فِيهِ النَّاسُ غَرْبَلَة؟» أَيْ يَذْهَب خِيارُهم ويَبْقَى أرْذَالُهم. والمُغَرْبَل: المُنْتقَى، كَأَنَّهُ نُقِّيَ بالغِرْبَال.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَكْحُولٍ «ثُمَّ أتَيْت الشامَ فغَرْبَلْتُها» أَيْ كشَفْت حَالَ مَن بِهَا وَخَبْرتهم، كَأَنَّهُ جَعلَهَم فِي غِرْبَال ففَرَق بين الجيّد والرّديء.
__________
(1) فى الأصل وا: «بالنكاح» والمثبت من الهروي واللسان، والدر النثير، والفائق 2/ 225.

(3/352)


(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبير «أتَيْتُموني فَاتِحِي أفْوَاهِكُم كَأَنَّكُمُ الغِرْبِيل» قِيلَ:
هُوَ العُصْفور.

(غَرِثَ)
فِيهِ «كلُّ عَالِمٍ غَرْثَانُ إِلَى عِلْم» أَيْ جَائِعٌ. يُقال: غَرِثَ يَغْرَثُ غَرَثاً فَهُوَ غَرْثَان، وامْرأة غَرْثَى.
وَمِنْهُ شِعْرُ حَسَّانَ فِي عَائِشَةَ:
وَتُصْبحُ غَرْثَى مِنْ لُحوم الغَوافِلِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أبِيتُ مِبْطانا وحَوْلي بُطُونٌ غَرْثَى» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي حَثْمة «1» عِنْدَ عُمَرَ يذُمّ الزَّبيب «إِنْ أكَلْتُهُ غَرِثْتُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وإنْ أتْركْه أَغْرَث» أَيْ أجُوع، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْصِم مِنَ الْجُوعِ عِصْمَةَ التَّمْر.

(غَرَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ جَعل فِي الجَنين غُرَّةً عبْداً أَوْ أمَة» الغُرَّة: العبْد نَفْسُه أَوِ الْأَمَةُ، وَأَصْلُ الغُرَّة: الْبَيَاضُ الَّذِي يَكُونُ فِي وجْه الفَرس، وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ العَلاء يَقُولُ: الغُرَّة عبْدٌ أبيضُ أَوْ أمَةٌ بَيْضاء، وسُمِي غُرَّة لِبيَاضِه، فَلَا يُقبَل فِي الدِّية عبدٌ أسْودُ وَلَا جَارِيَةٌ سَوْداء. وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطاً عِنْدَ الفُقهاء، وَإِنَّمَا الغُرَّة عِنْدَهُمْ مَا بَلغ ثمنُه نِصفَ عُشْر الدِّية «2» مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ.
وَإِنَّمَا تَجِبُ الغُرَّة فِي الجَنين إِذَا سَقَط مَيِّتاً، فَإِنْ سَقَطَ حَيّاً ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّية كَامِلَةٌ.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوايات الْحَدِيثِ «بغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أمَة أَوْ فَرَس أَوْ بَغْل» .
وَقِيلَ: إنَّ الفَرس والبَغْل غَلَطٌ مِنَ الراوي.
__________
(1) في الأصل واللسان: «خثمة» بالخاء المعجمة، وفي ا: «خيثمة» . وهو في الفائق 1/ 231، أبو عمرة، عبد الرحمن بن محصن الأنصاري. والمصنف اضطرب في كنية هذا الرجل، فمرة يذكرها «أبو حثمة» بالحاء المهملة، وأخرى: «أبو عمرة» وحديث هذا الرجل مفرَّق على المواد (تحف. حرش. خرس. خرف. رقل. صلع. صمت. ضرس. علل) وانظر أسد الغابة 5/ 168، 263، الإصابة 7/ 41، 138.
(2) في الهروي، واللسان: «الغرة من العبيد الذي يكون ثمنه عشر الدية» .

(3/353)


وَفِي حَدِيثِ ذِي الْجَوْشَن «مَا كُنْتُ لأقيِضَه «1» اليومَ بغُرَّة» سَمَّى الفَرس فِي هَذَا الْحَدِيثِ غُرَّة، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَبْدِ والأمَة. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بالغُرَّة النَّفيس مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: مَا كُنْتُ لأَقِيضَه بِالشَّيْءِ النَّفيس المرْغُوب فِيهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «غُرٌّ مُحَجَّلون مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» الغُرُّ: جَمْعُ الأَغَرِّ، مِنَ الغُرَّة:
بياضِ الوجْه، يُريد بَياض وجُوهِهم بِنُورِ الوُضوء يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فِي صَوْم الْأَيَّامِ الغُرِّ» أَيِ البِيضِ اللَّيَالِي بالقَمَر، وَهِيَ ثَالِثُ عشَر، وَرَابِعُ عَشَر، وَخَامِسُ عَشَر.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إياكُم ومُشَارَّةَ الناسِ، فَإِنَّهَا تَدْفِنُ الغُرَّة وتُظْهر العُرَّة» الغُرَّة هَاهُنَا: الحَسَنُ والعَمل الصَّالِحُ، شبَّهه بغُرَّة الفَرس، وَكُلُّ شَيْءٍ تُرْفَع قيمتَهُ فَهُوَ غُرَّة.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فإنَّهنّ أَغَرُّ غُرَّةً» يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ مِنْ غُرَّة البَياض وصَفاء اللَّون «2» ، ويَحْتَمل أَنْ يَكُونَ مِنْ حُسْن الخُلُق والعِشْرة، ويؤيدِّه الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
[هـ] «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فإنَّهنّ أَغَرُّ أَخْلَاقًا» أَيْ أنَّهنّ أبْعَدُ مِنْ فِطْنَة الشَّرّ وَمَعْرِفَتِهِ، مِنَ الغِرَّة: الغَفْلة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا أجِدُ لِمَا فعَل هَذَا فِي غُرَّة الْإِسْلَامِ مَثَلًا إِلَّا غَنَمًا وَرَدَتْ فرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفر آخِرُها» غُرَّة الْإِسْلَامِ: أوّلُه، وغُرَّة كُلِّ شَيْءٍ: أوّلُه.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «اقْتُلُوا الكَلْبَ الأسْود ذَا الغُرَّتَيْن» هُمَا النُّكْتَتان البَيْضَاوَان فَوْق عَيْنَيه.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «المؤمِن غِرٌّ كَرِيمٌ» أَيْ لَيْسَ بِذِي نُكر، فَهُوَ يَنْخَدِع لانْقِيادِه وَلينِه، وَهُوَ ضِدُّ الخَبِّ. يُقَالُ: فَتىً غِرٌّ وفَتاةٌ غِرٌّ، وَقَدْ غَرِرْتَ تَغِرُّ غَرَارَة. يُريد أنَّ المؤمنَ
__________
(1) في اللسان: «لِأَقْضِيَه» . وأقيضه: أى أبدله به وأعوضه عنه. انظر (قيض) فيما يأتي.
(2) قال الهروي: «وذلك أن الأْيمة والتعنيس يحيلان اللون» .

(3/354)


المحمودَ مِنْ طَبْعه الغَرَارَة، وقِلةُ الفِطْنة للشَّرّ، وتركُ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ جَهلا، وَلَكِنَّهُ كَرَمٌ وحُسْن خُلُق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجَنَّةِ «يَدْخُلُني غِرَّة النَّاسِ» أَيِ البُلْهُ الَّذِينَ لَمْ يُجَرّبوا الْأُمُورَ، فَهمُ قَليلُو الشَّرّ مُنْقادُون، فإنَّ مَنْ آثرَ الخُمول وإصْلاح نَفْسِه والتَّزوُّد لِمَعاده، ونَبذَ أمُور الدُّنْيَا فَلَيْسَ غِرّاً فِيمَا قَصَد لَهُ، وَلَا مَذْموما بِنَوْعٍ مِنَ الذَّم.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ظَبْيان «إنَّ مُلوك حِمْيَر مَلَكُوا مَعاقِلَ الْأَرْضِ وقَرارَها، ورُءوسَ المُلُوك وغِرَارَها» الغِرَار والأَغْرَار: جَمْعُ الغِرِّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «إنَّك مَا أخَذْتَها بَيْضاء غَرِيرَة» هِيَ الشَّابَّة الْحَدِيثَةُ الَّتِي لَمْ تُجَرِّب الْأُمُورَ.
(س) وفيه «أنه قاتل محارب خَصَفة، فَرأوْا مِن الْمُسْلِمِينَ غِرَّة فصَلى صَلَاةَ الْخَوْفِ» الغِرَّة:
الغَفْلة: أَيْ كَانُوا غَافِلِينَ عَنْ حِفْظ مَقامِهم، وَمَا هُم فِيهِ مِنْ مُقابلة العَدُوّ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أَغَارَ عَلَى بَنِي المصْطَلِق وَهُمْ غَارُّون» أَيْ غافِلون.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كتَب إِلَى أَبِي عُبَيدة أَنْ لَا يُمْضِيَ أمْرَ اللَّهِ إلاَّ بَعِيدُ الغِرَّة حصَيف العُقْدة» أَيْ مَن بَعُد حفْظُه لغَفْلة الْمُسْلِمِينَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا تَطْرُقوا النِّساءَ وَلَا تَغْتَرُّوهنَّ» أَيْ لَا تَدْخُلوا إِلَيْهِنَّ عَلَى غِرَّة.
يُقال: اغْتَرَرْتُ الرَّجُل إِذَا طَلَبْتَ غِرَّتَه، أَيْ غَفْلَته.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَارِقِ أَبِي بَكْرٍ «عَجِبْتُ مِنْ غِرَّتِه بِاللَّهِ عزَّ وجَلّ» أَيِ اغْتِرَارِه.
(هـ س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ بَيْع الغَرَر» هُوَ مَا كَانَ لَهُ ظاهِر يَغُرُّ المشتَرِيَ، وباطِنٌ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: بَيْع الغَرَر: مَا كَانَ عَلَى غَيْر عُهْدَة وَلَا ثِقة، وتَدخُل فِيهِ الْبُيُوعُ الَّتِي لَا يُحيِط بِكُنْهِها المُتَبَايعان، مِنْ كُلِّ مَجْهول. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُطَرِّف «إِنَّ لِي نَفْسا واحِدة، وَإِنِّي أكْره أَنْ أُغَرِّرَ بها»

(3/355)


أَيْ أحْمِلها عَلَى غَيْرِ ثِقَة، وَبِهِ سُمّي الشَّيْطَانُ غَرُوراً، لِأَنَّهُ يَحْمِل الْإِنْسَانَ عَلَى مَحَابِّه، وورَاء ذَلِكَ مَا يَسُوء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «وتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَغْرِيراً» أَيْ مُخَاطَرَة وغَفْلَة عَنْ عاقِبة أمْره.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لأنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أقاتِل، أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ» يُريد قَوْلَهُ تعالى «فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي» وقوله «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» الْمَعْنَى أنْ أخاطِر بِتْركي مُقْتَضى الأمْرِ بالأُولَى أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أخاطِر بالدُّخول تَحت الْآيَةِ الأخْرى.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أيُّما رَجُل بايَعَ آخَرَ فإنَّه لَا يُؤمَّر واحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةَ أنْ يُقْتَلا» التَّغِرَّة: مصْدر غَرَّرْتُه إِذَا ألْقَيْتَه فِي الغَرَر، وَهِيَ مِنَ التَّغْرِير، كالتَّعِلَّة مِنَ التَّعْليل. وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: خَوْفَ تَغِرَّة أنْ يُقْتَلا: أَيْ خَوْفَ وقوعهما فِي الْقَتْلِ، فَحَذَفَ المُضاف الَّذِي هُوَ الخوْف، وَأَقَامَ المُضاف إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ تَغِرَّة مُقامَه، وانْتَصب عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «أَنْ يُقْتَلا» بَدَلًا مِنْ «تَغِرَّة» وَيَكُونُ المُضاف مَحْذوفاَ كَالْأَوَّلِ.
ومَن أَضَافَ «تَغِرَّة» إلى «أن يُقْتَلا» فَمَعْنَاهُ خَوْفَ تَغِرَّته قَتْلَهما.
ومعْنى الْحَدِيثِ: أَنَّ البَيْعة حقُّها أنْ تَقَعَ صادِرة عَنِ الْمُشورة والاتِّفاق، فَإِذَا اسْتَبَدَّ رجُلان دُون الْجَمَاعَةِ فَبَايَعَ أحدهُما الآخَر، فَذَلِكَ تَظَاهُر مِنْهُمَا بِشَقّ العصَا واطِّراح الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ عُقِد لِأحَدٍ بَيْعة فَلَا يَكُونُ المعقودُ لَه واحِداً مِنْهُمَا، ولِيَكُونا مَعزولَين مِنَ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَّفق عَلَى تَمْييز الْإِمَامِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِنْ عُقِد لواحدٍ منْهما وَقَدِ ارْتَكَبَا تِلك الفَعْلة الشَّنيعة الَّتِي أحْفَظَت الجَماعة، مِنَ التَّهاوُن بِهِمْ والاسْتغناء عَنْ رَأْيِهِمْ لَمْ يؤَمن أَنْ يُقْتَلا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَضى فِي وَلَدِ المَغْرُور بغُرَّة» هُوَ الرجُل يتَزوّج امْرأة عَلَى أَنَّهَا حُرة فتظْهر مَمْلوكة، فَيَغْرَم الزوجُ لموْلَى الأمَة غُرَّةً عَبْداً أَوْ أُمَّةً، ويَرجع بِهَا عَلَى مَن غَرَّه، وَيَكُونُ وَلَدُه حُرّاً.
(هـ) وَفِيهِ «لَا غِرَارَ فِي صَلاة وَلَا تَسْليم» الغِرَار: النُّقصان. وغِرَار النَّوم: قِلَّتُه.

(3/356)


ويُريد بغِرَار الصَّلاة نُقْصانَ هَيْآتها وأركانِها. وغِرَار التَّسليم: أَنْ يَقُولَ المُجِيبُ: وعَلَيْك، وَلَا يَقُولُ: السَّلام.
وَقِيلَ: أَرَادَ بالغِرَار النَّوْم: أَيْ ليْسَ فِي الصَّلَاةِ نَوْمٌ.
«وَالتَّسْلِيمُ» يُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ، فَمَنْ جَرَّه كَانَ معطُوفا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ نَصَبَ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الغِرَار، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا نَقْصَ وَلَا تَسْليمَ فِي صَلَاةٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ بَغْير كَلَامِهَا لَا يَجُوزُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا تُغَارُّ التَّحيّة» أَيْ لَا يُنْقص السَّلَامُ.
وَحَدِيثُ الأوزاعيّ «كانوا يَرون بغِرَار النَّوْمِ بَأساً» أَيْ لَا ينْقُض قليلُ النَّوْمِ الوُضُوءَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَصِف أَبَاهَا «فَقَالَتْ: رَدَّ نَشْر الْإِسْلَامِ عَلَى غَرِّهِ» أَيْ عَلَى طَيّهِ وكَسْرِه. يُقَالُ: اطْوِ الثَّوب عَلَى غَرِّهِ الْأَوَّلِ كَمَا كَانَ مَطْوِيّاً، أَرَادَتْ تَدْبِيرَهُ أمْرَ الرِّدّة ومُقابلة دَائِها بدَوَائها.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «كَانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغُرُّ عَلِيًّا بِالْعِلْمِ» أَيْ يُلقمهُ إيَّاه. يُقَالُ:
غَرَّ الطَّائر فَرْخَه إِذَا زَقَّه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «مَن يُطِع اللَّهَ يَغُرُّه كَمَا يَغُرُّ الغُرَابُ بُجَّه «1» أَيْ فرْخَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وذَكَر الحسَن والحُسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: «إنَّما كَانَا يُغَرَّان العِلْمَ غَرّاً» .
وَفِي حَدِيثِ حَاطِبٍ «كنتُ غَرِيراً فِيهِمْ» أَيْ مُلْصَقاً مُلازماً لَهُمْ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ. وَالصَّوَابُ مِنْ جِهَة العَربيَّة «كنتُ غَرِيّاً» أَيْ مُلْصَقا.
يُقَالُ: غَرِىَ فُلانٌ بِالشَّيْءِ إِذَا لَزِمَه. وَمِنْهُ الغِرَاء الَّذِي يُلْصَق بِهِ. قَالَ: وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَالَ «كُنْتُ عَرِيرا» : أَيْ غرِيباً. وَهَذَا تَصْحِيفٌ مِنْهُ.
__________
(1) البُجّ، بالضم: فرخ الطائر. (قاموس)

(3/357)


قُلْتُ: أمَّا الْهَرَوِيُّ فَلَمْ يُصَحّف وَلَا شَرح إلاَّ الصَّحِيحَ، فإنَّ الْأَزْهَرِيَّ وَالْجَوْهَرِيَّ والخَطّابيّ وَالزَّمَخْشَرِيَّ ذكَرُوا هَذِهِ اللَّفْظة بالعَين الْمُهْمَلَةِ فِي تَصانِيفهم وشَرحُوها بالغَريب، وكَفاك بواحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً لِلْهَرَوِيِّ فِيمَا رَوَى وشَرح.

(غَرَزَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى غَرَزَ النَّقيع لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» الغَرَز بالتَّحريك: ضَرْب مِنَ الثُّمام لَا وَرَقَ لَهُ. وَقِيلَ: هُوَ الأسَلُ، وَبِهِ سُمِيت الرِّماح عَلَى التَّشْبيه.
والنَّقيع بِالنُّونِ: موضعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ حِمىً لِنَعَم الفَيْء والصَّدَقة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أنَّه رَأَى فِي المَجاعة رَوْثاً فِيهِ شَعِيرٌ، فَقَالَ: لَئِن عِشْتُ لأجْعَلَنّ لَهُ مِنْ غَرَز النَّقِيع مَا يُغْنِيه عَنْ قُوتِ الْمُسْلِمِينَ» أَيْ يَكُفُّه عَنْ أكْل الشَّعير. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قُوتاً غَالِبًا لِلنَّاسِ، يَعْنِي الخَيلَ والإبِلَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ» وَالَّذِي نَفْسي بِيَده لَتُعَالِجُنّ غَرَزَ النَّقيع» .
(هـ) وَفِيهِ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ غَنَمنا قَدْ غَرَزَت» أَيْ قَلَّ لَبنُها. يُقَالُ: غَرَزَت الغَنَمُ غِرَازاً، وغَرَّزَها صاحِبُها إِذَا قَطع حَلْبَها وَأَرَادَ أَنْ تَسْمَن.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
تمِرُّ مِثْل عَسِيب النَّخْلِ ذَا خَصْلٍ ... بغَارِزٍ «1» لَمْ تَخَوَّنْه الأحَالِيل
الغَارِز: الضَّرْع الَّذِي قَدْ غَرَزَ وقَلَّ لَبنُه. ويُرْوَى «بِغَارِب» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ، وسُئْل عَنْ تَغْرِيز الإبِل فَقَالَ «إِنْ كَانَ مُباهاة فَلَا، وَإِنْ كَانَ يُريدُ أَنْ تَصْلح للبَيْع فنَعَم» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَغْرِيزها نَتاجَها وتَنْمِيَتَها، مِنْ غَرَز الشَّجَر.
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَمَا تَنْبُتُ التَّغَارِيز» هِيَ فَسائل النَّخْل إِذَا حُوِّلت مِنْ مَوْضع إِلَى مَوْضِعٍ فغُرِزَت فِيهِ، الواحِد: تَغْرِيز. وَيُقَالُ لَهُ: تَنْبِيت أَيْضًا، ومِثله فِي التَّقْدير التَّنَاوِير، لِنَوْر الشجَر، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ والرَّاءيْن، وقد تقدّم.
__________
(1) رواية شرح ديوانه ص 13 «فى غارز» .

(3/358)


وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «مَرَّ بالحسَن بْنِ عَلِيٍّ وَقَدْ غَرَزَ ضَفْر رَأسِهِ» أَيْ لَوى شَعره وأدْخَل أطْرافَه فِي أصُوله.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبِيّ «مَا طَلَع السِّمَاكُ قَطُّ إلَّا غَارِزاً ذَنَبَه فِي بَرْدٍ» أَرَادَ السِّمَاك الأعْزَل، وَهُوَ الْكَوْكَبُ الْمَعْرُوفُ فِي بُرْج الْمِيزَانِ، وطُلوعُه يَكُونُ مَعَ الصُّبح لخمسةٍ تَخْلو مِنْ تَشْرين الأوّل، وحينئذ يَبْتَدئ البرْد، وَهُوَ مِنْ غَرَز الجرادُ ذَنَبه فِي الْأَرْضِ، إِذَا أَرَادَ أنْ يَبِيض.
وَفِيهِ «كَانَ إِذَا وَضَع رِجْله فِي الغَرْز- يُريد السَّفَر- يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ» الغَرْز: رِكاب كُورِ الجَمل إِذَا كَانَ مِنْ جِلْد أَوْ خَشَب. وَقِيلَ: هُوَ الكُّور مُطْلقا، مِثْل الرِّكاب للسَّرْج. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رجُلا سَأَلَهُ عَنْ أفْضَل الجِهاد فسَكَت عَنْهُ حَتَّى اغْتَرَزَ فِي الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ» أَيْ دَخَلَ فِيهَا كَمَا تَدْخل قَدَمَ الرِاكِب فِي الغَرْز.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ قَالَ لعُمَر: اسْتَمْسِك بِغَرْزِه» أَيِ اعْتَلِق بِهِ وأمْسِكْه، واتَّبِع قَوْلَهُ وفِعْله، وَلَا ُتخالفِه، فاسْتعارَ لَهُ الغَرْز، كَالَّذِي يُمْسِك بِرِكَابِ الرَّاكِب ويَسِير بِسَيْره.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «الجُبْنُ والجُرْأة غَرَائِز» أَيْ أخْلاقٌ وطَبائعُ صَالِحَةٌ أَوْ رَدِيئة، واحِدتها: غَرِيزَة.

(غَرَسَ)
فِيهِ ذِكْرُ «بِئْرِ غَرْس» بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ: بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ الواقدِيّ: كَانَتْ مَنازِلُ بَنِي النَّضِير بناحِية الغَرْس.

(غَرَضَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تُشَدّ الغُرُض إلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَساجِد» ويُرْوَى «لَا يُشَدّ الغَرْض» «1» الغُرْضَة والغَرْض: الحِزام الَّذِي يُشَدّ عَلَى بَطْن النَّاقَةِ، وَهُوَ البِطَان، وَجَمْعُ الغُرْضَة:
غُرُض. والمَغْرِض: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِثْل حَديثه الْآخَرِ: «لَا تُشَدّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثة مَساجد» .
__________
(1) وهي رواية الهروى.

(3/359)


(هـ) وَفِيهِ «كَانَ إِذَا مَشَى عُرِف فِي مَشْيه أَنَّهُ غَير غَرِضٍ وَلَا وَكِلٍ» الغَرِض: القَلِق الضَّجِر. وَقَدْ غَرِضْتُ بالمَقام أَغْرَض غَرَضاً: أَيْ ضَجِرْتُ ومَلِلْتُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَدِي «فَسِرْتُ حَتَّى نَزَلْتُ جَزيرة العَرب، فأقَمْتُ بِهَا حَتَّى اشْتَدّ غَرَضِي» أَيْ ضَجَرِي ومَلَالَتي. والغَرَض أَيْضًا: شِدّة النّزَاع نَحْوَ الشَّيء والشَّوق إِلَيْهِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الدَّجّال «أَنَّهُ يَدْعُو شَابًّا ممتلئا شبابا، فيضر به بِالسَّيْفِ فيَقْطَعه جَزْلتين رَمْيَة الغَرَض» الغَرَض: الهَدف. أَرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ بُعْدُ مَا بَين القِطْعَتَين بِقَدْر رَمْيَة السَّهْم إِلَى الهَدف.
وَقِيلَ: مَعناه وَصْف الضَّربة: أَيْ تُصِيبُه إصَابَة رَمْيَة الغَرَض.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُقْبة بْنِ عَامِرٍ «تَخْتَلِف بَيْنَ هَذَيْنِ الغَرَضَين وَأَنْتَ شيخٌ كَبِيرٌ» وَفِي حَدِيثِ الغِيبة «فقَاءتْ لَحْمًا غَرِيضاً» أَيْ طَرِيّاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فُيؤتى بالخُبْزِ لَيّنا وباللَّحْم غَرِيضاً» .

(غَرْغَرَ)
(هـ س) فِيهِ «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل توبة العبد مالم يُغَرْغِرُ» أَيْ مَا لَمْ تَبْلغ رُوحُه حُلْقومَه، فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَتَغَرْغَرُ بِهِ الْمَرِيضُ. والغَرْغَرَة: أَنْ يُجْعَل المشْروبُ فِي الْفَمِ ويُرَدَّد إِلَى أصْل الَحْلق وَلَا يُبْلَع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُحَدِّثْهم بِمَا يُغَرْغِرُهُم» أَيْ لَا تُحَدِّثْهم بِمَا لَا يَقْدِرُون عَلَى فَهْمِه، فيَبْقى فِي أنفُسِهم لَا يَدْخُلها، كَمَا يَبْقَى الْمَاءُ فِي الحَلْق عِنْدَ الغَرْغَرَة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الزُّهْري، عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ «فجَعل عِنَبَهم الأرَاكَ، ودَجَاجَهُم الغِرْغِرَ» هَو دجَاج الحَبش. قِيلَ: لَا يُنْتَفَع بلَحْمِه لرائحِتِه «1» .

(غَرَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ الغَارِفَة» الغَرْف: أَنْ تُقْطَع ناصِيةُ الْمَرْأَةِ ثُمَّ تُسَوَّى عَلَى وَسَط جَبِينها. وغَرَفَ شَعَرَهُ: إِذَا جَزَّه. فَمَعْنَى الغَارِفَة أنَّها فاعِلة بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، كعيشَةٍ رَاضِيَةٍ بِمَعْنَى مَرْضِيَّة، وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعها المرأة وتُسَوِّيها.
__________
(1) وذلك لأنه يتغذى بالعَذِرَة. كما أفاد الهروي.

(3/360)


وقيل: هي مصدر بمعنى الغَرْف، كالرّاغية والثّانية واللَّاغِيَة. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» أَيْ لَغْوٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُريد بالغَارِفَة الَّتِي تَجزُّ ناصِيتَها عِنْدَ المُصِيبَة.

(غَرِقَ)
فِيهِ «الحَرِقُ شَهِيدٌ، والغَرِق شَهيد» الغَرِق بِكَسْرِ الرَّاءِ: الَّذِي يَمُوت بالغَرَق: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي غَلَبَه الماءُ وَلَمْ يَغْرَقْ، فَإِذَا غَرِقَ فَهُوَ غَرِيق.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يأتِي عَلَى النَّاس زمانٌ لَا يَنْجُو [مِنْهُ «1» ] إلاَّ مَنْ دَعَا دُعَاءَ الغَرِق» كأنَّه أرادَ إلاَّ مَن أخْلَص الدُّعاء، لِأَنَّ مَن أشْفَى عَلَى الْهَلَاكِ أخْلَصَ فِي دُعائه طَلَبَ النَّجاةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الغَرَق والحَرق» الغَرَق بِفَتْحِ الرَّاءِ: المَصْدَر.
(س) وَفِيهِ «فلمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احمرَّ وَجْهُه واغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ» أَيْ غَرِقَتَا بالدُّموع، وَهُوَ افْعَوْعَلَت مِنَ الغَرَق.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ وَحْشِي «أَنَّهُ مَاتَ غَرِقاً فِي الخَمْر» أَيْ متُنَاهِياً فِي شُرْبها والإكْثار مِنْهُ، مُسْتَعار مِن الغَرِق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فعَمِل بالمَعاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أعْمالَه» ، أَيْ أَضَاعَ أَعْمَالَهُ الصَّالِحةَ بِمَا ارْتَكَب مِنَ المَعاصِي.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لَقَدْ أَغْرَقَ فِي النَّزْع» أَيْ بَالغَ فِي الأمْر وَانْتَهَى فِيهِ. وأصْلُه مِنْ نَزْع القَوْس ومدِّها، ثُمَّ استعير لمن بالع فِي كُلِّ شَيْءٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَكْوَعِ «وَأَنَا عَلَى رِجْلِي فَأَغْتَرِقُها» يُقَالُ: اغْتَرَقَ الفَرسُ الخيْلَ إِذَا خالَطها ثُمَّ سَبَقَها. واغْتِرَاق النَّفَس: اسْتِيعابُه فِي الزَّفير.
ويُروى بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وقد تقدَّم.
__________
(1) من الهروي. وفي اللسان: «فيه» .

(3/361)


(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وذَكَر مَسْجِد الكُوفة «فِي زَاوِيِته فارَ التَّنُّورُ*، وَفِيهِ هَلك يَغُوثُ ويَعُوقُ وَهُوَ الغَارُوق» هُوَ فاعُول مِنَ الغَرَق، لأنَّ الغَرَق فِي زَمَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «وغُرَقاً فِيهِ دُبَّاء» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْرُوفُ «مَرَقاً» .
والغُرَق: الْمَرَقُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ «الغُرْقَة بِالضَّمِّ: مِثْلَ الشُّربة مِنَ اللَّبن وَغَيْرِهِ، والجَمْع غُرَق» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَتَكُونُ أصُولُ السَّلْق غُرْقَة» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَصَارَتْ غُرْقَة» وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَاءِ: أَيْ ممَّا يُغْرف.

(غَرْقَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «إِلَّا الغَرْقَد، فإنَّه مِنْ شَجَر الْيَهُودِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «إلاَّ الغَرْقَدَة» «1» هُوَ ضَرْب مِنْ شَجَرِ العِضَاه وشَجَر الشَّوك. والغَرْقَدَة: واحدتهُ.
وَمِنْهُ قِيلَ لمَقْبَرة أَهْلِ الْمَدِينَةِ: «بَقِيع الغَرْقَد» ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ غَرْقَدٌ وقُطِع. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(غَرَلَ)
(هـ) فِيهِ «يُحشَر الناسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفاةً غُرْلًا» الغُرْل: جَمْعُ الأَغْرَل، وَهُوَ الأقْلَف. والغُرْلَة: القُلْفة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «لَأَنْ أحْمِل عَلَيْهِ غُلاماً رَكب الخَيل عَلَى غُرْلَتِه أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أحْمِلَك عَلَيْهِ» يُريد رَكبَها فِي صِغَره واعْتادَها قَبْلَ أَنْ يُخْتَن.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ «كَانَ يَشُور نَفْسَه عَلَى غُرْلَتِه» أَيْ يَسْعَى ويَخِف وَهُوَ صَبِيٌ.
وَحَدِيثُ الزِّبْرِقان «أحَبُّ صِبْيَانِنَا إِلَيْنَا الطَّويلُ الغُرْلَة» إنَّما أعْجَبه طُولُها لتمام خَلْقِه.
وقد تكرر في الحديث.
__________
(1) وهي رواية الهروي. والزمخشري في الفائق 2/ 219.

(3/362)


(غَرِمَ)
(هـ) فِيهِ «الزَّعِيم غَارِم» الزَّعيم: الكَفِيلُ، والغَارِم: الَّذِي يَلْتَزِم مَا ضَمِنَه وتكَفَّل بِهِ ويُؤدِّيه. والغُرْم: أَدَاءُ شَيْءٍ لازِم. وَقَدْ غَرِمَ يَغْرَمُ غُرْماً.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الرَّهْنُ لِمَنْ رَهَنَه، لَهُ غُنْمُه وَعَلَيْهِ غُرْمُه» أَيْ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَا يَفُكُّه بِهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَحِلّ المسئلة إلاَّ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِع» أَيْ حاجَة لاِزمة مِنْ غَرَامَة مُثْقَلة.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي الثَّمر المُعَلَّق «فَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَة مثْلَيْه والعُقُوبة» قِيلَ: هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسخ، فَإِنَّهُ لَا واجبَ عَلَى مُتْلِف الشَّيْءِ أكثرُ مِنْ مِثْله.
وقيل: هُوَ عَلَى سَبيل الوَعيد ليُنْتَهى عَنْهُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فِي ضالَّة الْإِبِلِ المَكْتُومة غَرَامَتُها ومِثْلُها معَها» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أعُوذ بِكَ مِنَ المَأثَم والمَغْرَم» هُوَ مَصدْرٌ وُضِع مَوْضع الِاسْمِ، ويُرِيدُ بِهِ مَغْرَم الذُّنوب والمَعاصِي.
وَقِيلَ: المَغْرَم كالغُرْم، وَهُوَ الدَّيْن، ويُريدُ بِهِ مَا اسْتُدِين فِيمَا يْكَرُهه اللَّهُ، أَوْ فِيمَا يَجُوز ثُمَّ عَجز عَنْ أَدَائِهِ، فَأَمَّا دَيْنٌ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلى أدَائه فَلَا يُسْتَعاذُ مِنْهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً» أَيْ َيرى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ إخْراج زَكاتِه غَرَامَة يَغْرَمُها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ «ضَرَبَهم اللَّهُ بذُلٍّ مُغْرَم» أَيْ لازِم دائِم. يُقَالُ: فُلَان مُغْرَم بِكَذَا أَيْ لَاِزم لَهُ ومُولَع بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فاشْتَدّ عَلَيْهِ بَعْض غُرَّامِه فِي التَّقَاضِي» الغُرَّام: جَمْعُ غَرِيم كالغُرَمَاء، وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّين، وَهُوَ جمعٌ غَرِيب. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُها فِي الْحَدِيثِ مُفرداً وَمَجْمُوعًا وَتَصْرِيفًا.

(3/363)


(غَرْنَقَ)
(هـ) فِيهِ «تلْك الغَرَانِيق العُلَى» الغَرَانِيق هَاهُنَا: الأصْنَام، وَهِيَ فِي الأْصل الذكُور مِنْ طَيْر الَماء، واحِدُها: غُرْنُوق وغُرْنَيْق، سُمَّي بِهِ لِبَيَاضِهِ. وَقِيلَ:
هُوَ الكُرْكِيُّ.
والغُرْنُوق أَيْضًا: الشَّابُّ النَّاعِمُ الأبْيّض. وَكَانُوا يَزْعمون أَنَّ الْأَصْنَامَ تُقَرِّبُهم مِنَ اللَّهِ وتَشْفَع لَهُمْ، فشُبِّهَت بِالطُّيُورِ الَّتِي تَعْلُو فِي السَّماء وتَرْتَفع.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فكأنِّي أنْظُر إِلَى غُرْنُوق مِنْ قُريش يَتَشَحَّط فِي دَمِه» أَيْ شابٍّ ناعِم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «لمَّا أُتِى بجَنَازتِه الوَادِي أقْبَل طائرٌ غُرْنُوق أبْيَضُ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّة حَتَّى دَخَل فِي نَعْشِه، قَالَ الرَّاوي: فَرَمَقْتُه فَلَمْ أرَه خَرَجَ حَتَّى دُفِن» .

(غَرَنَ)
فِيهِ ذِكْرُ «غُرَان» هُوَ بِضَمِّ الغَيْن وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: وَاد قَرِيبٌ من مِنَ الحُدَيْبِية نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره، فأمَّا «غُرَاب» بِالْبَاءِ فجَبل بِالْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ.

(غَرَا)
(س) فِي حَدِيثِ الفَرَع «لَا تَذْبَحْها وَهِيَ صَغِيرة لَمْ يَصْلُبْ لحمُها فيَلْصَقَ بَعْضُها ببَعض كالغِرَاء» الغِرَاء بِالْمَدِّ والقَصْر: هُوَ الَّذِي يُلْصَق بِهِ الْأَشْيَاءُ ويُتَّخذ مِنْ أَطْرَافِ الجُلود وَالسَّمَكِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَرِّعُوا إِنْ شِئْتُمْ وَلَكِنْ لَا تَذْبَحوه غَرَاةً حَتَّى يَكْبَر» الغَرَاة بِالْفَتْحِ والقَصْر: القِطْعة مِنَ الغِرَا، وَهِيَ لُغة فِي الغِرَاء.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَبَّدْتُ رَأسي بِغِسْل أَوْ بغِرَاء» .
وَحَدِيثُ عمْرو بْنِ سَلَمة الجَرْمي «فَكَأَنَّمَا يَغْرَى فِي صَدْري» أَيْ يَلْصق بِهِ. يُقَالُ:
غَرِيَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَدْرِي بِالْكَسْرِ يَغْرَى بِالْفَتْحِ، كَأَنَّهُ أُلْصق بالغِرَاء.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه:
لاَ غَرْوَ إلاَّ أكلة بهمطة

(3/364)


الغَرْو: العَجَب. وغَرَوْتُ: أَيْ عَجِبْت، ولاَ غَرْوَ: أَيْ لَيْسَ بِعَجب. والهَمْط:
الأخْذ بِخُرْقٍ وَظُلْمٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فلمَّا رَأَوْهُ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ» أَيْ لجُّوا فِي مُطالَبتي وألَحُّوا.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الزَّايِ

(غَزُرَ)
(س) فِيهِ «مَنْ مَنح مَنِيحة لَبن بكِيئَةً كَانَتْ أَوْ غَزِيرَة» أي كَثيرة اللَّبَنِ.
وأَغْزَرَ الْقَوْمُ: إِذَا كثُرت ألبَانُ مَواشِيهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «هَلْ يَثْبتُ لَكُمُ العَدُوّ حَلْبَ شَاةٍ؟، قَالُوا: نَعْم وأرْبَعَ شِياهٍ غُزُرٍ» هِيَ جَمْعُ غَزِيرَة: أَيْ كَثِيرَةِ اللَّبن. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ بِالْعَيْنِ المُهْملة والزَّايَيْن، جَمْعُ عَزُوز، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
[هـ] وَفِيهِ عَنْ بعض التابعين «الجانب المُسْتَغْزِر يُثابُ مِنْ هِبَتِه» المُسْتَغْزِر: الَّذِي يَطْلب أكثَر ممَّا يُعْطِي، وَهِيَ المُغَازَرَة: أَيْ إِذَا أهْدَى لَكَ الغَريب شَيْئًا يطْلُب أَكْثَرَ مِنْهُ فأعْطِه فِي مُقابلة هَدِيَّته.

(غَزَزَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إنَّ المَلَكَين يَجْلِسان عَلَى نَاجِذَيِ الرجُل يَكْتُبان خَيْرَه وشَرَّه، ويَسْتَمِدّانِ مِن غُزَّيْهِ» الغُزَّانِ بِالضَّمِّ: الشِّدْقان، وَاحِدُهما: غُزٌّ.
وَفِي حَدِيثِ الأحْنَف «شَرْبَةٌ مِنْ مَاءِ الغَزِيز» هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الزَّايِ الْأُولَى:
مَاءٌ قُرْب اليَمامة.

(غَزَلَ)
(س) فِي كِتَابِهِ لقَوم مِنَ الْيَهُودِ «عَلَيْكُمْ كَذَا وَكَذَا ورُبع المِغْزَل» أَيْ رُبع مَا غَزَلَ نِساؤكم، وَهُوَ بِالْكَسْرِ الْآلَةُ، وَبِالْفَتْحِ: مَوْضع الغَزْل، وَبِالضَّمِّ: مَا يُجعل فِيهِ الغَزْل. وَقِيلَ:
هَذَا حُكْم خُصَّ بِهِ هَؤُلَاءِ.

(غَزَا)
فِيهِ «قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: لَا تُغْزَى قريشٌ بَعْدَهَا» أَيْ لَا تَكْفُر حَتَّى تُغْزَى عَلَى الْكُفْرِ. ونظيره وقوله «وَلَا يُقْتَل قُرَشيٌّ صَبْراً بَعْدَ الْيَوْمِ» أَيْ لَا يَرْتَدّ فيُقْتَلَ صَبْرا عَلَى رِدَّته.

(3/365)


(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي مَكَّةَ: أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفْرٍ تُغْزَى عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرادَ أَنَّ الكفَّار لَا يَغْزُونَها أَبَدًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ غَزَوْها مَرَّاتٍ.
وَفِيهِ «مَا مِن غَازِيَة تُخْفِق وتُصَاب إلَّا تَمَّ أَجْرُهُمْ» الغَازِيَة: تَأْنِيثُ الغَازِي، وَهِيَ هَاهُنَا صِفَة لِجَمَاعَةٍ غَازِيَة. وأخْفَق الغَازِي: إِذَا لَمْ يَغْنَمُ وَلَمْ يَظْفَرْ. وَقَدْ غَزَا يَغْزُو غَزْواً فَهُوَ غَازٍ. والغَزْوَة:
الْمَرَّةُ مِنَ الغَزْو: وَالِاسْمُ الغَزَاة. وَجَمْعُ الغَازِي: غُزَاة وغُزًّى وغَزِيٌّ وغُزَّاءٌ، كقُضَاة، وسُبَّق، وحَجِيج، وفُسَّاق. وأَغْزَيْتُ فُلاناً: إِذَا جَهَّزْتَه للغَزْو. والمَغْزَى والمَغْزَاة: مَوْضِعُ الغَزْو، وَقَدْ يَكُونُ الغَزْو نَفْسه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ إِذَا اسْتَقْبل مَغْزًى» .
والمُغْزِيَة: الْمَرْأَةُ الَّتِي غَزَا زَوْجها وبَقَيت وحْدها فِي الْبَيْتِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَا يَزَالُ أَحَدُهُمْ كَاسِرًا وِسَادَهُ عِنْدَ مُغْزِيَة» .

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ السِّينِ

(غَسَقَ)
(هـ) فِيهِ «لَوْ أنَّ دَلْواً مِنْ غَسَّاق يُهْرَاق فِي الدُّنْيَا لأنْتَن أهلَ الدُّنيا» الغَسَّاق بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: مَا يَسِيل مِنْ صَديد أَهْلِ النَّارِ وغُسَالَتِهم. وَقِيلَ: مَا يَسِيل مِنْ دُمُوعهم. وَقِيلَ:
هُوَ الزَّمْهرير.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَ لَهَا ونَظَر إِلَى القَمَر: تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ الغَاسِق إِذَا وَقَبَ» يُقَالُ: غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقاً فَهُوَ غَاسِق إِذَا أظْلم، وأَغْسَقَ مِثْله. وَإِنَّمَا سَّماه غَاسِقا، لِأَنَّهُ إِذَا خَسَف أَوْ أخَذ فِي المَغِيب أظْلم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أَغْسَقَ» أَيْ دَخَل فِي الغَسَق، وَهِيَ ظُلْمة اللَّيْلِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «إنَّه أمرَ عامِر بْنَ فُهَيْرة وهُما فِي الغَارِ أَنْ يُرَوِّح عَلَيْهِمَا غَنَمه مُغْسِقاً» .

(3/366)


(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَا تُفْطِروا حَتَّى يُغْسِقَ اللَّيْلُ عَلَى الظِّراب» أَيْ حَتَّى يَغْشَى الليلُ بظُلْمته الجبالَ الصِّغار.
(هـ) وَحَدِيثُ الرَّبيع بْنِ خُثَيْمٍ «كَانَ يَقُولُ لمُؤذِّنه فِي يَوْمِ غَيْم: أَغْسِقْ أَغْسِقْ» أَيْ أخِّر المغْرب حَتَّى يُظْلم اللَّيْلُ.

(غَسَلَ)
(س هـ) فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «مَنْ غَسَّلَ واغْتَسَلَ، وبَكَّر وابْتَكر» ذَهَب كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ «غَسَّلَ» أَرَادَ بِهِ الْمُجَامَعَةَ قبْل الخُروج إِلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْمَع غَضَّ الطرْف فِي الطرَّيق.
يُقَالُ: غَسَّلَ الرجُل امْرَأتَه- بالتَّشديد والتَّخِفيف- «1» إِذَا جَامَعها. وَقَدْ رُوي مُخفّفاً.
وَقِيلَ: أَرَادَ غَسَّلَ غَيْرَهُ واغْتَسَلَ هُوَ، لأنَّه إِذَا جامَع زوجَتَه أحْوجها إِلَى الغُسْل.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِغَسَّلَ غَسْلَ أعْضائه للوُضوء، ثُمَّ يَغْتَسِلُ لِلْجُمُعَةِ.
وَقِيلَ: هُمّا بمعْنىً واحِدٍ وكَرَّره لِلتَّأْكِيدِ.
(هـ س) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ فِيمَا حَكَى عَنْ ربِّه: وأنْزل عَليك كِتَابا لَا يَغْسِله الْمَاءُ، تقرؤُه نَائماً ويَقْظَانَ» أرادَ أَنَّهُ لَا يُمْحَى أَبَدًا، بَلْ هُوَ مَحْفوظ فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا العِلْم، لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. وَكَانَتِ الكُتُب المُنَزَّلة لَا تُجْمَع حِفْظا، وإنَّما يُعْتَمد فِي حِفْظها عَلَى الصُّحف، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ حُفَّاظَه أضْعافٌ مُضَاعَفَة لصُحُفِه.
وَقَوْلُهُ «تَقْرَؤه نَائِمًا ويَقْظَانَ» أَيْ تَجْمَعُه حِفْظا فِي حَالَتَيِ النَّوم واليَقَظة.
وَقِيلَ: أَرَادَ تَقْرَؤه فِي يُسْر وَسُهولة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «واغْسِلْنِي بِمَاءِ الثَّلْج والبَرَد» أَيْ طهِّرني مِنَ الذُّنُوبِ. وذِكْر هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُبالَغةٌ فِي التطَّهير.
(س) وَفِيهِ «وَضَعْتُ «2» لَهُ غُسْلَه مِنَ الجنَابة» الغُسْل بِالضَّمِّ: المَاء الذي يُغْتَسَل به،
__________
(1) في الهروي: «وقال أبو بكر: معنى «غَسّل» بالتشديد: اغتسل بعد الجماع ثم اغتسل للجمعة، فكرر بهذا المعنى» .
(2) في ا: «وصفت» .

(3/367)


كالأُكْل لِمَا يُؤكل، وَهُوَ الاسْم أَيْضًا مِنْ غَسَلْتُه، والغَسْل بِالْفَتْحِ: المصْدر، وَبِالْكَسْرِ: مَا يُغْسَل بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ.
وَفِيهِ «مَن غَسَّلَ المِّيت فليَغْتَسِل» قَالَ الخطَّابي: لَا أعْلم أحَداً مِنَ الفُقهاء يُوجِب الاغْتِسَال مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا الوُضُوءَ مِنْ حَمْلِهِ، ويُشْبه أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الاستحِباب.
قُلت: الغُسْل مِنْ غسْل الْمَيِّتِ مَسْنون، وَبِهِ يَقُولُ الفُقهاء. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وأحِبُّ الغُسْل مِن غُسْل المِّيت، وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ قلتُ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ العَين «إِذَا اسْتَغْسَلْتُم فاغْسِلُوا» أَيْ إِذَا طَلَب مَن أصابَتْه العَين أَنْ يَغْتَسِلَ مَن أصَابَه بِعَيْنه فلْيُجِبْه.
كَانَ مِن عادَتِهم أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أصابَتْه عَينٌ مِنْ أَحَدٍ جَاءَ إِلَى العَائِن بقَدَح فِيهِ مَاءٌ فيُدْخِل كَفَّهُ فِيهِ، فَيَتَمَضْمَض ثُمَّ يَمُجُّه فِي القَدَح، ثُمَّ يَغْسِل وَجْهَه فِيهِ، ثُمَّ يُدْخِل يَدَه اليُسْرى فَيَصُبُّ عَلَى يَدِه اليُمْنى، ثُمَّ يُدْخِل يَدَه اليُمْنى فَيَصُبّ عَلَى يَدِه اليُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِل يَدَه اليُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقه الأيْمَن، ثُمَّ يُدْخِل يَدَه اليُمْنَى فيَصُبّ عَلَى مِرْفَقه الأيْسَر، ثُمَّ يُدْخِل يَدَه اليُسْرَى فيَصُبّ عَلَى قَدَمِه الْيُمْنَى، ثُمَّ يَدْخُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِه اليُسْرَى، ثُمَّ يُدخِل يَده اليُسْرَى فيَصُبّ عَلَى رُكْبَتِه اليُمْنَى، ثم يُدخِل يَده اليُمْنَى فيَصُب على رُكْبَتِه اليُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِل داخِلة إزارِه، وَلَا يُوضَع القَدَح بالأرْض، ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ الْمَاءُ المُسْتَعْمَل عَلَى رَأْسِ المُصاب بالعَيْن مِنْ خَلْفِه صَبَّةً واحِدَة فيبْرأ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ «شَرابهُ الحَمِيمُ والغِسْلِين» هُوَ مَا انْغَسَلَ مِنْ لحُوم أهْل النَّارِ وصَديدهم، والْيَاء والنُّون زَائِدَتَانِ.

(3/368)


بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الشِّينِ

(غَشَشَ)
(هـ) فِيهِ «مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» الغِشُّ: ضدُّ النُّصْح، مِن الغَشَش، وَهُوَ المَشْرب الكَدِر.
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ مِنَّا» أَيْ لَيْسَ مِنْ أخْلاقِنا وَلا عَلَى سُنتِنا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وَلَا تَمْلأُ بَيْتَنا تَغْشِيشاً» هَكَذَا جَاءَ فِي رِواية، وَهُوَ مِنَ الغِشّ. وَقِيلَ: هُوَ النَّمِيمة. وَالرِّوَايَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

(غَشْمَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ جَبْر بْنِ حَبِيبٍ «قَالَ: قاتَله اللَّهُ لَقَد تَغَشْمَرَها» أَيْ أخَذَها بِجَفَاء وعُنْف.

(غَشَا)
فِي حَدِيثِ المَسْعَى «فإنَّ النَّاسَ غَشُوه» أَيِ ازْدَحَموا عَلَيْهِ وكَثُروا. يُقَالُ: غَشِيَه يَغْشَاه غِشْيَاناً إِذَا جَاءَهُ، وغَشَّاه تَغْشِيَة إِذَا غَطَّاه، وغَشِيَ الشَّيْءَ إِذَا لابَسه. وغَشِيَ الْمَرْأَةَ إِذَا جامَعها.
وغُشِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ إِذَا أُغْمِي عَلَيْهِ. واسْتَغْشَى بثَوْبه وتَغَشَّى: أَيْ تَغَطَّى. وَالْجَمِيعُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ.
فَمِنْهَا قَوْلُهُ «وَهُوَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ» .
وَقَوْلُهُ «وتُغَشِّى أنامِلَه» أَيْ تَسْتُرها.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ «غَشِيَتْهُم الرَّحمة، وغَشِيَها ألْوانٌ» أَيْ تَعْلُوها.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ «فَلَا يَغْشَنا فِي مساجِدنا» .
وَقَوْلُهُ «فَإِنْ غَشِيَنا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ» هُوَ مِنَ القَصْد إِلَى الشَّيْءِ والمُباشَرَة.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ «مَا لَمْ يَغْشَ الْكَبَائِرَ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وجَدَه فِي غَاشِيَة» الغَاشِيَة: الدَّاهية مِنْ خَير أَوْ شَرّ أَوْ مَكْروه. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقِيَامَةِ «الغَاشِيَة» وَأَرَادَ فِي غَشْيَة مِنْ غَشَيَات الْمَوْتِ.

(3/369)


وَيَجُوزُ أَنْ يُريد بالغَاشِيَة القَوْمَ الحُضُور عِنْدَهُ الَّذِينَ يَغْشَوْنَه للخِدْمة والزِّيارة: أَيْ جَمَاعَةٌ غَاشِيَة، أَوْ مَا يَتَغَشَّاه مِنْ كَرْب الْوَجَعِ الَّذِي بِهِ: أَيْ يُغَطِّيه فَظُنَّ أنْ قدْ مَاتَ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الصَّادِ

(غَصَبَ)
قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «الغَصْب» وَهُوَ أخْذُ مَالِ الْغَيْرِ ظُلْما وعُدْوَانا.
يُقَالُ: غَصَبَه يَغْصِبُه غَصْباً، فَهُوَ غَاصِب ومَغْصُوب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ غَصَبَها نَفْسَها» أَرَادَ أنَّه وَاقَعَها كُرْهاً، فاسْتعاره للجِماع.

(غَصَصَ)
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ قِيلَ: إنَّه مِن بَيْنِ المَشْرُوبات لَا يَغَصُّ بِهِ شَارِبه. يُقَالُ: غَصَصْتُ بِالْمَاءِ أَغَصُّ غَصَصاً فَأَنَا غَاصٌّ وغَصَّان إِذَا شَرِقْتَ بِهِ، أَوْ وَقَف فِي حَلْقِك فَلَمْ تَكَدْ تُسِيغُه.

(غصنْ)
قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذكْر «الغُصْن والأَغْصَان» وهي أطراف الشّجر مادامت فِيهَا ثَابِتَةً، وتُجْمع عَلَى غُصُون أَيْضًا.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الضَّادِ

(غَضِبَ)
قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الغَضَب» فِي الْحَدِيثِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ، فَأَمَّا غَضَب اللَّهِ فَهُوَ إنْكاره عَلَى مَنْ عَصاه، وسَخَطُه عَلَيْهِ، وإعْراضُه عَنْهُ، ومُعاقَبَتُه لَهُ. وَأَمَّا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَمِنْهُ مَحْمُود ومَذموم، فَالْمَحْمُودُ مَا كَانَ فِي جانِب الدِّين وَالْحَقِّ، والمذمومُ مَا كَانَ فِي خِلافه.

(غَضَرَ)
فِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل «الدُّنْيَا وغَضَارَة عَيْشِهَا» أَيْ طِيبُهَا وَلَذَّتُهَا. يُقَالُ: إِنَّهُمْ لَفِي غَضَارَة مِنَ العَيْش: أَيْ فِي خِصْب وخَيْر.

(غَضْرَفَ)
فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أعْرِفه بخاتَم النُّبوّة أسْفَل مِنْ غُضْرُوف كَتِفه» غُضْرُوف الكَتِف: رَأَسُ لَوْحِه.

(3/370)


(غَضَضَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ إِذَا فَرِح غَضَّ طَرْفَه» أَيْ كَسَره وأطْرَق وَلَمْ يَفْتَح عيْنَه.
وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ الْأَشَرِ والمَرَح.
وَمِنْهُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمة «حُمَادَيَات النّسَاء غَضُّ الأطْراف» فِي قَوْلِ القُتَيْبيّ «1» .
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
وَمَا سُعادُ غَدَاةَ البَيْن إذْ رَحَلُوا ... إلاَّ أغَنُّ غَضِيض الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مِن الحَياءِ والخَفَر.
وَحَدِيثُ العُطَاس «كَانَ إِذَا عَطَسَ غَضَّ صَوْتَه» أَيْ خَفَضَه وَلَمْ يرْفَعه بِصَيْحة.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَوْ غَضَّ الناسُ فِي الوصِيَّة مِنَ الثُلُث» أَيْ لَوْ نَقَصُوا وحَطُّوا.
(س) وَفِيهِ «مَن سَرَّه أَنْ يَقْرَأ الْقُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزل فَليَسْمَعْه مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْد» الغَضّ:
الطَّرِيُّ الَّذِي لَمْ يَتَغَّيْر، أرادَ طَرِيقَه فِي الْقِرَاءَةِ وهَيْأتَه فِيهَا.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْآيَاتِ الَّتِي سَمِعها مِنْهُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّساء إِلَى قَوْلِهِ «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «هَلْ ينتَظِر أَهْلُ غَضَاضَة «2» الشَّباب» أَيْ نَضَارتَه وطَراوَته.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أنَّ رجُلا قَالَ: إنْ تَزّوجْت فُلانَة حَتَّى آكلَ الغَضِيض فَهِيَ طالِق» الغَضِيض: الطَّرِيّ، والمُراد بِهِ الطَّلْع. وَقِيلَ: الثَّمَر أَوّلَ مَا يَخْرُج.

(غَضْغَضَ)
(هـ) فِيهِ «لمَّا مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْف قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: هَنيئا لَكَ خَرَجت مِنَ الدُّنيا بِبِطْنتِك لَمْ تَتَغَضْغَضْ مِنْهَا بِشَيْءٍ «3» » يُقَالُ: غَضْغَضْتُه فتَغَضْغَضَ: أَيْ نقَصَتْهُ فنَقَص، يُريد أَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّس بِوِلَايَةٍ وَعَمَلٍ يَنْقُص أجْرَه الَّذِي وَجَبَ له. وقد تقدّم في الباء.
__________
(1) انظر ص 120 من هذا الجزء.
(2) رويت: «بضاضة» وسبقت.
(3) كذا في الأصل والهروي. وفي ا، واللسان: «لم يتغضغض منها شيءٌ» وكأنهما روايتان، انظر ص 137 من الجزء الأول.

(3/371)


(غَضَفَ)
فِي الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَدِم خَيْبرَ بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُسْغِبون وَالثَّمَرَةُ مُغْضِفَة» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «وَذَكَرَ أَبْوَابَ الرِّبَا قَالَ: وَمِنْهَا الثَّمَرَةُ تُباع وَهِيَ مُغْضِفَة» أَيْ قَارَبَت الإْدَراك ولمَّا تُدْرِك.
وَقِيلَ: هِيَ المُتدَلِّيَة مِنْ شَجَرِهَا مُسْتَرخِيةً، وَكُلُّ مُسْتَرخٍ أَغْضَفَ. أَرَادَ أَنَّهَا تُباع وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا.

(غَضَنَ)
فِي حَدِيثِ سَطيح:
وكاشِف الكُرْبِة فِي الوَجْهِ الغَضِن هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي فِيهِ تكَسُّر وتَجُّعد، مِنْ شِدة الْهَمِّ والكَرْب الَّذِي نَزل بِهِ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الطَّاءِ

(غَطْرَسَ)
فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَوْلَا التَّغَطْرُسُ مَا غَسَلْتُ يَدِي» التَّغَطْرُس: الْكِبْرُ.

(غَطْرَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَطيح:
أَصّم أمْ يَسْمَعُ غِطْرِيف اليَمَنْ الغِطْرِيف: السَّيِّد «1» ، وجَمْعُه الغَطَارِيف. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(غَطَطَ)
(س) فِيهِ «أنَّه نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطه» الغَطِيط: الصَّوت الَّذِي يَخْرج مَعَ نَفَس النَّائِمِ، وَهُوَ تَرْديدُه حَيْثُ لَا يَجِد مَساغاً. وَقَدْ غَطَّ يَغِطُّ غَطّاً وغَطِيطاً.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ نُزول الْوَحْيِ «فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ» .
(س) وَ [فِي «2» ] حَدِيثِ جَابِرٍ «وإنَّ بُرْمَتَنا لتَغِطُّ» أَيْ تَغْلِي ويُسْمع غَطِيطُها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَاللَّهِ مَا يَغِطُّ لَنَا بَعِير» غَطَّ البَعير: إِذَا هَدر فِي الشِّقْشِقَة، فَإِنْ لم يكن في الشِّقْشِقَة فهو هَدِير.
__________
(1) قال الهروي: والغطريف في غير هذا: البازي الذي أخذ من وكره صغيرا.
(2) من اواللسان.

(3/372)


(س) وَفِي حَدِيثِ إبْتِداء الْوَحْيِ «فأخَذَني جِبْريل فغَطَّنِي» الغَطّ: العَصْر الشَّدِيدُ والكَبْس، وَمِنْهُ الغَطُّ فِي الْمَاءِ: الْغَوْصُ.
قِيلَ: إِنَّمَا غَطَّه ليَخْتَبِرَه هَلْ يَقُولُ مِنْ تِلْقَاء نَفْسه شَيْئًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَاصِمِ بْنِ عمر «أنهما كانا يَتَغَاطَّان فِي الْمَاءِ وعُمَرُ يَنْظر» أَيْ يتغامَسان فِيهِ، يَغُطُّ كلُّ واحِد مِنْهُمَا صاحِبَه.

(غَطَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «وَفِي أشْفارِه غَطَفٌ» هُوَ أَنْ يَطُول شعرُ الأجْفان ثُمَّ يَنْعَطِف، ويُرْوَى بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» .

(غَطَا)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى أنْ يُغَطِّيَ الرجُل فَاهُ فِي الصَّلَاةِ» مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّلْثُّم بِالْعَمَائِمِ عَلَى الْأَفْوَاهِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلاة، فَإِنْ عَرَض لَهُ التَّثاؤبُ جازَ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَه بِثَوْبِهِ أَوْ يَدِهِ، لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْفَاءِ

(غَفَرَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْغَفَّارُ*
والْغَفُورُ*
» وَهُمَا مِنْ أبنِية الْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُمَا السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَعُيُوبِهِمْ، المُتَجاوِز عَن خَطَاياهُم وَذُنُوبِهِمْ. وَأَصْلُ الغَفْر: التَّغْطِية. يُقَالُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ غَفْراً وغُفْرَاناً ومَغْفِرَة. والمَغْفِرَة: إلْبَاس اللَّهِ تَعَالَى العَفْوَ للمُذْنِبين.
وَفِيهِ «كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَء قَالَ: غُفْرَانَك» الغُفْرَان مَصْدر، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أطلُب، وَفِي تَخْصِيصه بِذَلِكَ قَوْلان:
أحَدْهما: التَّوْبة مِن تقَصْيره فِي شُكْر النّعْمة الَّتِي أنعْمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ إطْعامِه وهَضْمِه وتَسْهيل مَخْرجه فَلَجَأَ إِلَى الاسْتِغْفَار مِنَ التَّقْصير.
والثَّاني: أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ تَرْكِهِ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُدَّةَ لُبْثِهِ عَلَى الخَلاَء، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَترُك ذِكر اللَّهِ بِلِسَانِهِ أَوْ قَلْبه إِلَّا عِند قَضاء الْحَاجَةِ، فكأنه رأى ذلك تقصيرا فتداركه بالاسْتِغْفَار.
__________
(1) ويروى «وطف» وسيجىء.

(3/373)


وَفِيهِ «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ دُعاءً لَهَا بالمَغْفِرَة، أَوْ إخْباراً أَنَّ اللَّهَ قَد غَفَرَ لَهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ «قُلْتُ لِعُرْوة: كَمْ لَبِثَ رسولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرا، قُلْت: فابنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ بضْعَ عَشْرَة، قَالَ فغَفَّرَه» : أَيْ قَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، لمَّا حَصّب المسْجد «قَالَ: هُوَ أَغْفَرُ للنُّخَامَة» أَيْ أسْتَرُ لَهَا.
وَفِي حَدِيثِ الحديبْية «والمُغيرة بْنُ شُعبة عَلَيْهِ المِغْفَرُ» هُوَ مَا يَلْبَسُه الدَّارِعُ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الزَّرَدِ ونَحوه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِيهِ «إنَّ قادِماً قَدِم عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ: كيْف ترَكْتَ الحَزْوَرَة؟ فَقَالَ: جَادَهَا المَطرُ فأَغْفَرَتْ بَطْحاؤُها» أَيْ أَنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَ «1» كالغَفَر مِنَ النَّبات. والغَفَر:
الزِّئبرُ عَلَى الثَّوب.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ رِمْثَها «2» قَدْ أَغْفَرَت: أَيْ أخْرَجَت مَغَافِيرَها. والمَغَافِير: شَيْءٌ يَنْضَحُهُ شَجَرُ العُرْفُط حُلْو كالنَّاطِف، وَهَذَا أشبَه. أَلَا تَرَى أَنَّهُ وصَفَ شَجَرَهَا فَقَالَ: «وَأَبْرَمَ سَلَمُها، وأعْذَقَ إذْخِرُها» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وحَفْصَة «قَالَتْ لَهُ سَوْدة: أكَلْتَ مَغَافِيرَ» واحِدُها مُغْفُور، بالضَّم، وَلَهُ رِيحٌ كريهة منكرة. ويقال أيضا «المَغَائِير» بالثَّاء المُثَلثَّة، وَهَذَا البِنَاء قَليل فِي العَرَبِيَّة لَمْ يَرِدْ مِنْه إِلَّا مُغْفُور، ومُنْخُور للمُنْخُر، ومُغْرُود لِضَرْب مِنَ الكَمأة، ومُعْلُوق»
واحِد المَعَاليق.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِذَا رَأْى أحَدُكم لأخِيه غَفِيرَة فِي أهْلٍ أَوْ مالٍ فَلَا يكونَنَّ لَهُ فِتْنَة» الغَفِيرَة: الكَثْرة والزيادَة، مِنْ قَوْلِهِمْ للجمْع الكثير: الجمّ الغَفِير.
__________
(1) في الأصل: «صارت» والمثبت من ا، واللسان، والهروي. وعبارته: «حتى صارت عليها» .
(2) الرِّمْث: شَجَرٌ.
(3) لم يذكر الهروي هذا البناء. والمعاليق: ضربٌ من النخل. (قاموس- علق) .

(3/374)


وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كم الرُّسُل؟ قال: ثَلاثمائة وخمسةَ عَشر جَمَّ الغَفِير» أَيْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَقَدْ تقَدَّم فِي حَرْفِ الْجِيمِ مَبْسُوطًا مُسْتَقْصىً.

(غَفَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَلَمة «قَالَ: مَرَّ بِي عُمَر وَأَنَا قاعدٌ فِي السُّوق، فَقَالَ: هَكَذَا يَا سَلَمةُ عَنِ الطَّريق، وغَفَقَنِي بالدِّرَّة، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ المُقْبل لَقِيَني فأدخَلني بيتَه فَأَخْرَجَ كِيساً فِيهِ سِتُّمائة دِرْهم فَقَالَ: خُذها واعْلم أَنَّهَا مِنَ الغَفْقَة الَّتِي غَفَقْتُك عَامًا أوَّل «1» » الغَفْق: الضَّرْبُ بالسَّوط والدِّرَّة وَالْعَصَا. والغَفْقَة: المرَّة مِنه. وَقَدْ جَاءَ «عَفْقَة» بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.

(غَفَلَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّ نُقْاَدة الأسْلَميَّ «2» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رجُلٌ مُغْفِلٌ فَأَيْنَ أسِمُ؟» أَيْ صَاحِبُ إِبِلٍ أَغْفَالٍ لَا سِمَاتِ عَلَيْها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَكَانَ أوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [الْأَسْلَمِيُّ] «3» مُغْفِلًا» وَهُوَ مِنَ الغَفْلَة، كَأَنَّهَا قَدْ أُهْمِلَت وأُغْفِلَت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفة «ولنَا نَعَم هَمَلٌ أَغْفَالٌ» أي لَا سِمَات عَلَيْهَا.
وَقِيلَ الأَغْفَال هَاهُنَا: الَّتِي لَا ألْبان لَهَا، واحِدُها: غُفْل.
وَقِيلَ: الغُفْل «الَّذِي لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا شَرُّه.
وَمِنْهُ كِتَابُهُ لأُكَيْدِر «إنَّ لَنَا الضَّاحِيَة وَكَذَا وَكَذَا والمَعامِيَ وأَغْفَال الْأَرْضِ» أَيِ الْمَجْهُولَةَ الَّتِي لَيْسَ فيها أثَرٌ تُعْرَفُ بِهِ.
وَفِيهِ «مَنِ اتَّبَع الصَّيد غَفَلَ» أَيْ يَشْتَغِل بِهِ قَلْبُه. ويَسْتَوْلي عَلَيْهِ حَتَّى يَصِير فِيهِ غَفْلَة.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «لعَلَّنا أَغْفَلْنا رسولَ اللَّهِ يَمينَه» أَيْ جَعَلْناه غَافِلًا عن يَمينه بسبب سُؤالِنا.
__________
(1) في اللسان: «عامَ أوَّل» .
(2) في الهروي: «نقادة الأسدِيّ» . وقال ابن حجر: «نقادة- بالقاف- الأسدي ويقال الأسلمي» الإصابة 6/ 253.
(3) من ا.

(3/375)


وَقِيلَ: سَأَلْنَاهُ فِي وَقْتِ شُغْله، وَلَمْ نَنْتَظِر فَراغه. يُقَالُ: تَغَفَّلْتُه واسْتَغْفَلْتُه: أَيْ تَحَّينْتُ غَفْلَته.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «رَأَى رَجُلًا يَتَوضَّأ فَقَالَ: عَلَيْكَ بالمَغْفَلَة والمَنْشَلَة» المَغْفَلَة:
العَنْفَقَة، يُريد الاحْتِياط فِي غَسْلها فِي الوُضوء، سُمِّيت مَغْفَلَة لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَغْفُلُ عَنْهَا.

(غَفَا)
(هـ) فِيهِ «فغَفَوْتُ غَفْوَة» أَيْ نِمْت نَوَمَةً خَفيفة. يُقَالُ: أَغْفَى إِغْفَاءً وإِغْفَاءَةً إِذَا نام، وقَلَّما يقال: غَفَا.
قال الْأَزْهَرِيُّ: اللُّغة الْجَيِّدَةُ: أَغْفَيْتُ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْقَافِ

(غَقَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَلْمان «إنَّ الشمسَ لتَقْرُبُ من رُؤوس الخَلْق يومَ الْقِيَامَةِ حَتَّى إِنَّ بُطُونَهم تَقُولُ: غِقْ غِقْ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى إنَّ بُطُونَهُمْ تَغِقُّ» أَيْ تَغْلِي. وغِقْ غِقْ:
حِكَايَةُ صَوْت الغَلَيان. وَتَقُولُ: سَمِعْت غَقَّ الْمَاءِ وغَقِيقَه إِذَا جَرى فَخَرَجَ مِنْ ضِيق «1» إِلَى سَعَةٍ، أَوْ مِنْ سَعَةٍ إِلَى ضِيقٍ «2» .

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ اللَّامِ

(غَلَبَ)
(س) فِيهِ «أَهْلُ الجَنَّة الضُّعَفاء المُغَلَّبُون» المُغَلَّب: الَّذِي يُغْلَب كَثِيرًا.
وَشَاعِرٌ مُغَلَّب: أَيْ كَثِيرًا مَا يُغْلَب. والمُغَلَّب أَيْضًا: الَّذِي يُحْكم لَهُ بالغَلَبَة، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا اجْتَمع حَلال وَحَرَامٌ إلاَّ غَلَبَ الحرامُ الحلالَ» أَيْ إِذَا امْتَزج الحرامُ بِالْحَلَالِ وتَعَّذر تَمييزُهُما كَالْمَاءِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صار الجميع حراما.
__________
(1) في الأصل: «مضيق» . والمثبت من ا، واللسان، والقاموس.
(2) في الأصل: «مضيق» . والمثبت من ا، واللسان، والقاموس.

(3/376)


وَفِيهِ «إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى سِعَةِ الرَّحْمَةِ وَشُمُولِهَا الْخَلْقَ كَمَا يُقَالُ:
غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ: أَيْ هُوَ أَكْثَرُ خِصَالِهِ، وَإِلَّا فَرَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ صِفَتَانِ رَاجِعَتَانِ إِلَى إِرَادَتِهِ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَصِفَاتُهُ لَا تُوصَفُ بغَلَبَة إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ المجاز للمبالغة.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَنَ:
بِيضٌ مَرَازِبَةٌ غُلْبٌ جَحَاجِحَةٌ هُوَ جَمْعُ أَغْلَب، وَهُوَ الْغَلِيظُ الْعُنُقِ، وَهُمْ يَصِفُونَ أَبَدًا السَّادَةَ بِغِلَظِ الرَّقَبَةِ وَطُولِهَا، وَالْأُنْثَى غَلْبَاء.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
غَلْبَاء وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ

(غَلَتَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا غَلَتَ فِي الْإِسْلَامِ» الغَلَت فِي الْحِسَابِ كَالْغَلَطِ فِي الْكَلَامِ. وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ.
وَجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيْحٍ «كَانَ لَا يُجِيزُ الغَلَت» هُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَجِدُهُ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ إِلَى الْحَقِّ وَيَتْرُكُ الغَلَت.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّخَعِيِّ «لَا يَجُوزُ التَّغَلُّت» هُوَ تَفَعَّلٌ، مِنَ الغَلَت.

(غَلَسَ)
فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَس» الغَلَس: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفَاضَةِ «كُنَّا نُغَلِّسُ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى» أَيْ نَسِيرُ إِلَيْهَا ذلك الوقت. وقد غَلَّسَ يُغَلِّسُ تَغْلِيساً. وقد تكرر ذكره في الحديث.
__________
(1) إنما جعله الزمخشرى من حديث ابن مسعود. انظر الفائق 2/ 234.

(3/377)


(غَلَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ الغُلُوطَات فِي المَسائل» وَفِي رِوَايَةٍ «الأُغْلُوطَات» قَالَ الْهَرَوِيُّ:
الغُلُوطَات «1» تُركتْ مِنْهَا الْهَمْزَةُ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَ الأحْمَر وَجاء الحَمْرُ بِطَرْح الْهَمْزَةِ، وَقَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا جَمْع غَلُوطَة.
وَقَالَ الخطَّابي: يُقَالُ: مَسْئلةٌ غَلُوط: إِذَا كَانَ يُغْلَطُ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ: شَاة حَلُوب، وفَرَس رَكُوب، فَإِذَا جَعَلْتها اسْماً زِدْت فيها الهاء فقُلْت: غَلُوطَة، كَمَا يُقَالُ: حَلُوبة ورَكُوبَة. وَأَرَادَ المَسائلَ الَّتِي يُغَالَط بِهَا العُلَماء ليَزِلُّوا فِيهَا فيهِيجُ بِذَلِكَ شَرٌّ وَفِتْنة. وَإِنَّمَا نَهى عَنْهَا لِأَنَّهَا غيْر نَافِعَةٍ فِي الدِّين، وَلَا تَكاد تَكُونُ إلَّا فِيمَا لَا يَقع.
ومِثْله قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أنْذَرْتُكم صِعَابَ المَنْطِق» يُريد المَسائل الدَّقِيقَةَ الغامِضة.
فَأَمَّا الأُغْلُوطَات فَهِيَ جَمْعُ أُغْلُوطَة، أُفْعُولة، مِنَ الغَلَط، كالأُحْدُوثة والاعْجُوبة.

(غَلُظَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَتْل الخَطأ «فَفِيهَا الدِّيَةُ مُغَلَّظَة» تَغْلِيظ الدِّية: أَنْ تَكُونَ ثَلَاثِينَ حِقَّة، وَثَلَاثِينَ جَذَعة وَأَرْبَعِينَ، مَا بَين ثَنِيّةً إِلَى بَازِل عَامِها كلُّها خَلِفةٌ:
أَيْ حامِل.

(غَلْغَلَ)
فِي حَدِيثِ المُخَنَّثِ هِيتَ «قَالَ: إِذَا قَامت تَثَنَّت، وَإِذَا تكَلَّمت تَغَنَّت، فَقَالَ لَهُ: قَدْ تَغَلْغَلْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ» الغَلْغَلَة: إدْخال الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ حَتَّى يَلْتَبسَ بِهِ ويَصِير مِنْ جُمْلته: أَيْ بَلَغْتَ بِنَظِرك مِنْ مَحاسِن هَذه المرْأة حيثُ لَا يَبْلُغ ناظِر، وَلَا يَصِل واصِل، وَلَا يَصِف وَاصِف.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن:
مُغَلْغَلَة مَغَالِقُها تَغالي ... إلَى صَنْعَاء مِنْ فَجّ عَمِيقِ
المُغَلْغَلَة بفَتْح الغَيْنَيْن: الرِّسَالَةُ المحْمُولة مِنْ بلَد إِلَى بلَد. وبكَسْر الغَيْن الثَّانِيَةِ: المُسْرِعة، مِنَ الغَلْغَلَة سُرْعِة السّير.
__________
(1) عبارة الهروى: «الأصل فيه الأغلوطات، ثم تركت الهمزة» .

(3/378)


(غَلَفَ)
فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَفْتَح قُلُوبًا غُلْفاً» أَيْ مُغَشَّاةً مُغَطَّاة، واحِدها: أَغْلَف. وَمِنْهُ غِلَاف السَّيف وغَيْره.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيفة والخُدْرِيّ «القُلوب أَرْبَعَةٌ: فَقَلْبٌ أَغْلَف» أَيْ عَلَيه غِشَاءٌ عَنْ سَماع الحَقّ وقَبوله.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أُغَلِّفُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالْغَالِيَة» أَيْ ألطَخُها بِه وأُكْثِر. يُقال: غَلَفَ بِهَا لِحْيَتَه غَلْفاً، وغَلَّفَها تَغْلِيفاً. والغَالِية: ضَرْبٌ مُرَكَّب مِنَ الطِّيب.

(غَلِقَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ» يُقَالُ: غَلِقَ الرَّهْنُ يَغْلَقُ غُلُوقاً. إِذَا بَقِيَ فِي يَدِ المرْتَهِن لَا يَقْدرُ رَاهِنُه عَلَى تَخْليصِه. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحقّه المرْتَهِن إِذَا لَمْ يَسْتَفكّه صاحبُه.
وَكَانَ هَذَا مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّةِ، أَنَّ الرَّاهن إِذَا لَمْ يؤدِّ مَا عَلَيْهِ فِي الوَقت المُعَيَّن ملَكَ المرْتَهِن الرَّهْن، فأبْطَله الْإِسْلَامُ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ غَلِقَ البابُ، وانْغَلَقَ واسْتَغْلَقَ، إِذَا عَسُر فَتْحُه. والغَلَق فِي الرَّهْنِ: ضِدّ الفَكّ، فَإِذَا فَكّ الراهنُ الرهْنَ فَقَدْ أطْلَقه مِنْ وَثَاقِه عِنْدَ مُرْتَهِنه. وَقَدْ أَغْلَقْتُ الرَّهن فغَلِقَ: أَيْ أوْجَبْتُه فوَجَب للمرْتَهِن.
[هـ] وَمِنْهُ قَوْلُ حُذَيفة بْنِ بَدْرٍ لقَيس بْنِ زُهَيْر «حِينَ جَاءَهُ فَقَالَ: مَا غَدَا بِك؟ قَالَ:
جئتُ لأوَاضِعَك الرِّهَان، قَالَ: بَلْ غَدَوْت لتُغْلِقَه» أَيْ جئتُ لتَضَعَ الرَّهْن وتُبْطِله. فَقَالَ: بَلْ جئتَ لتُوجبَه وتُؤكَّده.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ورجُلٌ ارْتَبط فَرَساً ليُغَالِقَ عَلَيْهَا» أَيْ لِيُرَاهِنَ. والمَغَالِق: سِهَامُ الْمَيْسِرِ، وَاحِدُهَا: مِغْلَق بِالْكَسْرِ، كَأَنَّهُ كَرِه الرِّهان فِي الْخَيْلِ إِذَا كَانَ عَلَى رَسْم الجاهليَّة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا طَلاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاق» أَيْ فِي إكْراه، لأنَّ المُكْرَه مُغْلَق

(3/379)


عَلَيْهِ فِي أمْره ومُضَيَّق عَلَيْهِ فِي تصَرُّفه، كَمَا يُغْلَقُ البابُ عَلَى الْإِنْسَانِ «1» .
وَفِي حَدِيثِ قتْل أَبِي رافِع «ثُمَّ عَلَّق الأَغَالِيق عَلَى وَدٍّ «2» » هِيَ المفاتِيح، واحِدُها: إِغْلِيق.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «شفاعةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَن أوْثَق «3» نَفْسَه، وأَغْلَقَ ظَهْره» غَلِقَ ظَهْر الْبَعِيرِ إِذَا دَبِرَ، وأَغْلَقَه صاحِبُه إِذَا أثْقَل حمْلَه حَتَّى يَدْبَر، شَبَّه الذُّنوب الَّتِي أثْقَلَت ظَهْر الْإِنْسَانِ بِذَلِكَ.
[هـ] وَفِي كِتَابِ عُمَرَ إِلَى أَبِي مُوسَى «إيَّاك والغَلَقَ والضَّجَر» الغَلَق بالتَّحريك: ضِيقُ الصَّدر وقلَّة الصَّبر. ورَجُلٌ غَلِق: سَيِّئُ الخُلُق.

(غَلَلَ)
قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الغُلُول» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ فِي المغْنَم والسَّرقَة مِنَ الغَنِيمة قَبْلَ القِسْمة. يُقَالُ: غَلَّ فِي المَغْنم يَغُلُّ غُلُولًا فَهُوَ غَالٌّ. وكلُّ مَن خَانَ فِي شَيْءٍ خِفُيْةَ فَقَدْ غَلَّ.
وسُمِّيت غُلُولًا لِأَنَّ الأيْدِي فِيهَا مَغْلُولَة: أَيْ مَمْنوعة مَجْعُول فِيهَا غُلٌّ، وَهُوَ الحَدِيدة الَّتِي تَجْمَع يَد الْأَسِيرِ إِلَى عُنُقه. وَيُقَالُ لَهَا جامِعَة أَيْضًا. وَأَحَادِيثُ الغُلُول فِي الْغَنِيمَةِ كَثِيرَةٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ صُلْحِ الحُديْبِيَة «لَا إِغْلَال وَلَا إسْلال» الإِغْلَال: الْخِيَانَةُ أَوِ السَّرِقَةُ الْخَفِيَّةُ، والإسلام: مِن سَلَّ البَعيرَ وغيرَه فِي جَوْف اللَّيْلِ إِذَا انْتَزَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ، وَهِيَ السَّلَّةُ.
وَقِيلَ: هُوَ الغَارة الظَّاهرة، يُقَالُ: غَلَّ يَغُلُّ وسَلَّ يَسُلّ، فأمَّا أَغَلَّ وأسَلَّ فَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا غُلُول وسَلَّة. وَيَكُونُ أَيْضًا أَنْ يُعين غَيْرَهُ عَلَيْهِمَا.
وَقِيلَ الإِغْلَال: لُبْس الدُّرُوع. والإسْلال: سلّ السّيوف.
__________
(1) قال الهروي: «وقيل معناه: لا تغلق التطليقات في دفعة واحدة حتى لا يبقى منها شيء، لكن يطلّق طلاق السنّة» .
(2) الودّ: الوتد.
(3) فى الهروى «ويجوز: لمن أوبق نفسه: أى أهلكها» .

(3/380)


[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثلاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قلبُ مُؤمن» هُوَ مِنَ الإِغْلَال: الخيانةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
ويُروى «يَغِلُّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ، مِنَ الغِلِّ وَهُوَ الحِقْد والشَّحْناء: أَيْ لَا يَدْخُله حقْد يُزِيلُه عَنِ الحقِّ.
ورُوي «يَغِلُ» بالتَّخفيف، مِنَ الوُغول: الدُّخول فِي الشَّرّ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ الثَّلَاثَ تُسْتَصْلَح بِهَا القلوبُ، فَمَنْ تَمسَّك بِهَا طَهُر قَلْبُه مِنَ الخِيانة والدَّغَل والشَّر.
وَ «عَلَيْهِنَّ» فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، تَقْدِيرُهُ لَا يَغِلُّ كَائِنًا عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «غَلَلْتُم وَاللَّهِ» أَيْ خُنْتم فِي القَول وَالْعَمَلِ وَلَمْ تَصْدُقوا.
(س) وَحَدِيثِ شُريح «لَيْسَ عَلَى المُسْتَعير غيرِ المُغِلّ ضمانٌ، وَلَا عَلَى المُسْتَوْدَع غَيْرِ المُغِلّ ضمَان» أَيْ إِذَا لَمْ يَخُن فِي العارِية وَالْوَدِيعَةِ فَلَا ضَمانَ عَلَيْهِ، مِنَ الإِغْلَال: الخِيانة.
وَقِيلَ: المُغِلّ هَاهُنَا المُسْتَغِلّ، وَأَرَادَ بِهِ القابِض، لِأَنَّهُ بالقَبْض يَكُونُ مُسْتَغِلًّا.
وَالْأَوَّلُ الوجْه.
وَفِي حَدِيثِ الْإِمَارَةِ «فَكَّه عَدْلُه أَوْ غَلَّهُ جَوْرُه» أَيْ جَعَلَ فِي يدِه وعُنُقه الغُلُّ، وَهُوَ القَيْد المُخْتَصُّ بِهِمَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ وذَكر النِّساء فَقَالَ «مِنهنّ غُلٌّ قَمِلٌ» كَانُوا يَأْخُذُونَ الْأَسِيرَ فيَشُدُّونه بالِقِّد وَعَلَيْهِ الشَّعر، فَإِذَا يَبِسَ قَمِلَ فِي عُنُقِه، فَتَجْتَمِع عَلَيْهِ مِحْنَتان: الغُلُّ والقَمْل.
ضَرَبَهُ مَثَلا لِلْمَرْأَةِ السَّيئة الخلُق الْكَثِيرَةِ المهْر، لَا يَجد بَعْلُها مِنْهَا مَخْلَصا.
(س) وَفِيهِ «الغَلَّة بِالضَّمَانِ» هُوَ كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ «الخراجُ بالضَّمان» وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْخَاءِ.
والغَلَّة: الدَّخْل الَّذِي يَحْصُل مِنَ الزَّرْع والثَّمر، وَاللَّبَنِ وَالْإِجَارَةِ والنِّتاج وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أُغَلِّلُ لِحَية رَسُولِ اللَّهِ بالغَالِيَة» أَيْ ألطَخُها وألبِسُها بِهَا.

(3/381)


قَالَ الفَرّاء: يُقَالُ تَغَلَّلْتُ بِالْغَالِيَةِ، وَلَا يُقَالُ تَغَلَّيْت. وَأَجَازَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

(غَلِمَ)
فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ والجَسَّاسة «فَصادَفْنَا البَحْر حِينَ اغْتَلَمَ» أَيْ هَاجَ واضْطَرَبت أمواجُه والاغْتِلَام: مُجاوَزَة الحدِّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الأشْرِبةُ فاكْسِرُوها بِالْمَاءِ» أَيْ إِذَا جاوزَت حَدّها الَّذِي لَا يُسْكِر إِلَى حدِّها الَّذِي يُسكِر.
(هـ) وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «تَجَهَّزوا لِقِتَالِ المَارِقين المُغْتَلِمِين» أَيِ الَّذِينَ جاوَزُوا حَدَّ مَا أمِرُوا بِهِ مِنَ الدِّينِ وطاعَةِ الإِمام، وبَغَوْا عَلَيْهِ وطَغَوْا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خَيْر النِّسَاءِ الغَلِمَة عَلَى زَوْجها العَفِيفةُ بفَرجِها» الغَلِمَة: هَيَجان شَهْوة النِّكاح مِنَ الْمَرْأَةِ والرجُل وغَيرهما. يُقَالُ: غَلِمَ غُلْمَة، واغْتَلَمَ اغْتِلَاماً.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَعَثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُغَيْلِمَة بَنِي عَبْدِ المطَّلب مِنْ جَمْعٍ بِلَيْل» أُغَيْلِمَة: تَصْغير أَغْلِمَة، جَمْع غُلَام فِي الْقِيَاسِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي جَمْعه أَغْلِمَة، وإِنما قَالُوا:
غِلْمَة، ومِثْله أُصَيْبِيَة تَصْغير صِبْيَة، ويُرِيد بالأُغَيْلِمَة الصِّبيان، وَلِذَلِكَ صَغَّرُهم.

(غَلَا)
(س) فِيهِ «إيَّاكم والغُلُوّ فِي الدِّين» أَيِ التَّشَدُّدَ فِيهِ ومُجَاوَزَة الحَدِّ، كحَدِيثه الْآخَرِ «إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين فأوْغلْ فِيهِ برِفْق» .
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ البَحْث عَنْ بَواطِن الْأَشْيَاءِ وَالْكَشْفُ عَنْ عِلَلِها وغَوامِض مُتَعَبَّداتها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وحامِل القُرآن غَيْر الغَالِي فِيهِ وَلَا الْجافي عَنْهُ» إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ أخْلاقِه وَآدَابِهِ الَّتِي أُمِر بِهَا القَصْدَ فِي الْأُمُورِ، وخَيْر الْأُمُورِ أوْساطُها، وَ:
كِلاَ طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَا تُغَالُوا صُدُقَ النِّساء» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَغْلُوا فِي صَدُقات النِّساء» أَيْ لَا تُبَالغوا فِي كثْرة الصَّداق. وَأَصْلُ الغَلَاء: الارْتِفاع ومُجاوَزة القَدْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
يُقَالُ: غَالَيْتُ الشَّيء وبالشَّيء، وغَلَوْتُ فِيهِ أَغْلُو إِذَا جاوَزْتَ فِيهِ الحَدّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أغَلِّف لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالغَالِيَة»

(3/382)


الغَالِيَة: نَوع مِنَ الطِّيب مُرَكَّب مِنْ مِسْك وعَنْبَر وعُود وَدُهْن، وَهِيَ مَعْروفة. والتَّغَلُّف بِهَا: التَّلَطُّخ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ أهْدي لَهُ يَكْسُوُم سِلاَحاً وَفِيهِ سَهْم فَسَّماه قِتْر الغِلَاء» الغِلَاء بِالْكَسْرِ والمدِّ: مِنْ غَالَيْتُه أُغَالِيه مُغَالاة وغِلَاءً. إِذَا رامَيْتَه بِالسِّهَامِ. والقِتْر: سَهْم الهدَف، وَهِيَ أَيْضًا أمَدُ جَرْى الفَرَس وشَوْطُه. وَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «بيْنه وبيْن الطَّريق غَلْوَة» الغَلْوَة: قَدْرُ رَمْيَة بِسَهْمٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «شُمُوخ أنْفه وسُمُوّ غُلَوَائِه» غُلَوَاء الشَّباب: أوّلُه وشِرَّتُه.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْمِيمِ

(غَمِدَ)
(هـ) فِيهِ «إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدُنِي اللَّهُ برحْمته» أَيْ يُلْبِسَنِيهَا ويَسْتُرَني بِهَا. مَأْخُوذٌ مِنْ غِمْد السَّيف، وَهُوَ غِلاَفه. يُقَالُ: غَمَدْتُ السَّيفَ وأَغْمَدْتُه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «غُمْدَان» بِضَمِّ الغَين وَسُكُونِ الْمِيمِ: البِنَاء الْعَظِيمُ بِنَاحِيَةِ صَنْعاء الْيَمَنِ. قِيلَ:
هُوَ مِنْ بِناء سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَهُ ذِكر فِي حَدِيثِ سَيْف بْنِ ذِي يَزَن.

(غَمَرَ)
(س) فِيهِ «مَثَل الصلواتِ الخمْس كَمَثل نَهْرٍ غَمْر» الغَمْر بِفَتْحِ الغَين وَسُكُونِ الْمِيمِ: الكَثير، أَيْ يَغْمُر مَنْ دَخَله ويُغَطِّيه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَعُوذُ بِكَ مِنْ مَوْت الغَمْر» أَيِ الغَرَق.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ جَعل عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عامِرٍ أَوْ غَامِر دِرْهما وقَفِيزاً» الغَامِر:
مَا لَمْ يُزْرَع مِمَّا يَحْتَمل الزّرَاعة مِنَ الْأَرْضِ، سُمِّي غَامِراً، لأنَّ الْمَاءَ يَغْمُرُه، فَهُوَ وَالْعَامِرُ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
قَالَ القُتَيْبي: مَا لَا يَبْلُغه الماءُ مِنْ مَوات الْأَرْضِ لَا يُقَالُ لَهُ غَامِر، وَإِنَّمَا فَعَل عُمُر ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّر الناسُ فِي الزِّرَاعة.
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «فيَقْذِفُهم فِي غَمَرَات جَهنم» أَيِ المَوَاضِع الَّتِي تكْثُر فِيهَا النَّارُ.

(3/383)


وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ «وجَدْتُه فِي غَمَرَات مِنَ النَّارِ» واحدَتُها: غَمْرَة.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «وَلَا خُضْتُ برِجْلٍ غَمْرَة إلَّا قَطْعُتها عَرْضاً» الغَمْرَة: الْمَاءُ الْكَثِيرُ، فضَربه مَثَلا لِقُوّة رَأْيِهِ عِنْدَ الشَّدائد، فإنَّ مَن خَاضَ الْمَاءَ فَقَطَعَهُ عَرضا لَيْسَ كَمَنْ ضَعُف واتَّبَع الجِرْيَة حَتَّى يَخْرُج بَعِيدًا مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي دَخَل فِيهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ صِفَته عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرهم» أَيْ كَانَ فَوْق كُلِّ مَن مَعه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُوَيْس «أَكُونُ فِي غِمَار النَّاسِ» أَيْ جَمْعهم المُتكاثِف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُجَيْر «إِنِّي لمَغْمُورٌ فِيهِمْ» أَيْ لَسْتُ بِمَشْهور، كَأَنَّهُمْ قَدْ غَمَرُوه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الخنْدق «حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَه» أَيْ وَارَى التُّرابُ جِلْدَه وستَرَه.
(هـ) وَ [فِي] «1» حَدِيثِ مَرضِه «أَنَّهُ اشْتَدَّ بِهِ حَتَّى غُمِرَ عَلَيْهِ» أَيْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ غُطِّيَ عَلَى عَقْله وسُتِر.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَمَّا صاحِبُكم فَقَدْ غَامَرَ» أَيْ خَاصَمَ غَيْرَهُ. وَمَعْنَاهُ دَخَل فِي غَمْرَة الْخُصُومَةِ، وَهِيَ مُعْظَمُها. والمُغَامِر: الَّذِي يَرْمِي بنَفْسه فِي الْأُمُورِ المُهْلكة.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الغِمْر، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الحقْد: أَيْ حاقَد غَيْرَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ.
شَاكِي السِّلاح بَطَلٌ مُغَامِر أَيْ مُخاصِم أَوْ مُحاقِد:
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّهَادَةِ «وَلَا ذِي غِمْر على أخِيه» أي حِقْدٍ وضِغْن.
__________
(1) من ا، واللسان.

(3/384)


(س) وَفِيهِ «مَن بَاتَ وَفِي يَده غَمَرٌ» الغَمَر بِالتَّحْرِيكِ: الدَّسَم والزُّهُومة مِنَ اللحْم، كالوضَرِ مِنَ السَّمْن.
وَفِيهِ «لَا تَجْعَلُوني كَغُمَر الراكِب، صَلُّوا عَلَيَّ أولَ الدُّعاء وأوسَطَه وآخِرَه» الغُمَر بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ: القَدَح الصَّغير، أَرَادَ أنَّ الرَّاكب يَحْمِل رَحْلَه وأزْواده عَلَى راحِلَته، وَيَتْرُكُ قَعْبَهُ إِلَى آخِرِ تَرْحاله، ثُمَّ يُعَلِّقه عَلَى رَحْله كالعِلاوَة، فَلَيْسَ عِنْدَهُ بمُهِمّ، فنَهاهُم أَنْ يَجْعلوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كالغُمَر الَّذِي لَا يُقَدم فِي الْمَهَامِّ ويُجْعَل تَبَعًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ فشُكي إِلَيْهِ العَطَش، فَقَالَ: أطْلِقوا لِي غُمَرِي» أَيِ ائْتُونِي بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَغَرُّك أَنْ قتَلْتَ نَفَراً مِنْ قُريش أَغْماراً» الأَغْمَار: جَمْعُ غُمْر بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْجَاهِلُ الغِرُّ الَّذِي لَمْ يُجَرِّب الْأُمُورَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيث «أصابَنا مَطرٌ ظَهرَ مِنْهُ الغَمِير» الغَمِير، بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: هُوَ نبت البقل عن المطر بعد اليَبِيس.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسّ «وغَمِيرُ حَوْذان» وَقِيلَ: هُوَ المسْتُور بالحَوْذَان لكَثُرة نَبَاتِهِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «غَمْر» هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ: بِئْرٌ قَدِيمَةٌ بِمَكَّةَ حَفَرها بَنُو سَهْم.

(غَمَزَ)
فِي حَدِيثِ الغُسْل «قَالَ لَهَا: اغْمِزِي قُرُونَك» أَيِ اكْبِسي ضَفائر شَعْرك عِنْدَ الغُسْل. والغَمْز: العَصْر والكَبْس باليَد.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ غُلَيِّمٌ أَسْوَدُ يَغْمِزُ ظَهْرَهُ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «اللَّدُودُ مَكَانُ الغَمْز» هُوَ أنْ تَسْقُط اللَّهاة فتُغْمَزَ بِالْيَدِ.
أَيْ تُكْبَس.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر «الغَمْز» فِي الْحَدِيثِ.

(3/385)


وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ «الغَمْز» فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِشَارَةِ، كَالرَّمْزِ بِالْعَيْنِ أَوِ الْحَاجِبِ أَوِ الْيَدِ.

(غَمَسَ)
(هـ) فِيهِ «اليَمينُ الغَمُوسُ تَذرُ الدِّيارَ بَلاقِعَ» هِيَ اليَمين الكاذِبة الْفَاجِرَةُ كَالَّتِي يَقْتَطِع بِهَا الحالفُ مالَ غَيْرِهِ. سُمِّيت غَمُوساً، لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صاحِبَها فِي الإثْمِ، ثُمَّ فِي النَّارِ.
وفَعُول للمبالَغة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْهِجْرَةِ «وَقَدْ غَمَسَ حِلْفاً فِي آلِ العَاص» أَيْ أخَذ بِنَصيب مِنْ عَقْدِهم وحِلْفِهم يَأمَنُ بِهِ، كَانَتْ عادَتُهم أَنْ يُحْضِروا فِي جَفْنةٍ طِيبًا أَوْ دَماً أَوْ رَمَاداً، فيُدْخلون فِيهِ أيْديَهُم عِنْدَ التَّحالُف لِيَتِمَّ عَقْدهم عَلَيْهِ باشْتراكِهم فِي شَيْءٍ واحدٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ المَوْلود «يَكُونُ غَمِيساً أَرْبَعِينَ لَيْلة» أَيْ مَغْمُوساً فِي الرَّحِم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فانْغَمَسَ فِي العَدُوّ فَقَتلوه» أَيْ دَخَلَ فِيهِمْ وغاصَ.

(غَمِصَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْ سَفِه الحقَّ وغَمِصَ الناسَ» أَيِ احْتَقَرهم وَلَمْ يرَهُم شَيْئًا تَقُولُ مِنْهُ: غَمِصَ الناسَ يَغْمِصُهم يَغْمَصُهم غَمْصاً.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَمَّا قَتَل ابنُ آدَمَ أَخَاهُ غَمِصَ اللهُ الخَلق» أَرَادَ أَنَّهُ نَقَصَهم مِنَ الطُّول والعَرْض والقُوّة والبَطْش، فصَغَّرهُم وحَقَّرهُم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَالَ لقَبيصَة: أتَقْتُل الصَّيد وتَغْمَصُ الفُتْيا؟» أَيْ تَحْتَقِرها وتَسْتَهِين بِهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفْكِ «إنْ رأيْتُ مِنْهَا أمْراً أَغْمِصُه عَلَيْهَا» أَيْ أعِيُبها بِهِ وأطْعَنُ بِهِ عَلَيْهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ تَوبة كَعْبٍ «إِلَّا مَغْمُوصٌ عَلَيْهِ النِّفاق» أَيْ مَطْعون فِي دِينه مُتَّهم بالنِّفاق.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ الصِّبيان يُصْبِحُون غُمْصاً رُمْصاً ويُصْبح رسولُ الله

(3/386)


صلى الله عليه وسلم صَقِيلاً دَهِيناً» يَعْنِي فِي صِغَره. يُقَالُ: غَمِصَتْ عَيْنُه مِثْلَ رَمِصتْ وَقِيلَ: الغَمْص:
اليابِس مِنْهُ، والرَّمَصُ الْجَارِي.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي ذِكْرِ «الغُمَيْصَاء» وَهِيَ الشِّعْرَى الشَّامِيَّة، وَأَكْبَرُ كوْكَبِي الذِّرَاع المقْبُوضَة، تَقُولُ العَرَب فِي خُرَافاتِها: إنَّ سُهَيْلا والشِّعْرَيَيْن كَانَتْ مُجْتَمِعة، فانحدَر سُهَيْل فَصَارَ يَمانيَّا، وتبِعَتْه الشِّعْرَى اليَمانيَّة فعَبَرت المَجرَّة فسُمّيتْ عَبُوراً، وَأَقَامَتِ الغُمَيْصَاء مكانَها فبَكَت لفَقْدهما. حَتَّى غَمِصَت عَيْنها، وَهِيَ تَصْغِيرُ الغَمْصَاء، وَبِهِ سُمِّيَت أُمُّ سُليم الغُمَيْصَاء. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

(غَمُضَ)
فِيهِ «فَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ» أَيْ مَغْمُوراً غيْر مَشْهُورٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «إياكُم ومُغْمِضَات الْأُمُورِ» وَفِي رِوَايَةٍ «المُغْمِضَات مِنَ الذُّنُوبِ» هِيَ الْأُمُورُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يَرْكَبها الرجُل وَهُوَ يَعْرفها، فَكَأَنَّهُ يُغْمِضُ عَيْنَيه عَنْهَا تَعَاشِيا «1» وَهُوَ يُبْصِرها، ورُبَّما رُوي بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهِيَ الذُّنُوبُ الصِّغار، سُمِّيت مُغْمَضَات لِأَنَّهَا تَدِقّ وتَخْفى فيرْكَبُها الْإِنْسَانُ بِضَرْب مِنَ الشُّبْهة، وَلَا يَعْلم أَنَّهُ مؤاخَذٌ بِارْتِكَابِهَا.
وَفِي حَدِيثِ البَراء «إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»
وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا عَلَى إِغْمَاض» الإِغْمَاض:
المُسامَحة والمُساهلَة. يُقَالُ: أَغْمَضَ فِي البَيع يُغْمِضُ إِذَا اسْتَزاده مِنَ المَبيع واسْتَحَطَّه مِنَ الثَمن فَوافَقه عَلَيْهِ.

(غَمِطَ)
(هـ) فِيهِ «الكِبْر أَنْ تَسْفَهَ الحقَّ وتَغْمِطَ النَّاسَ» الغَمْط: الاسْتِهانة والاسْتحْقار، وهو مثْل الغمص. يُقَالُ: غَمِطَ يَغْمَطُ، وغَمَطَ يَغْمِطُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّمَا ذَلِكَ مَن سَفِهَ الحَقَّ وغَمِط النَّاسَ» أَيْ إنَّما البَغْيُ فِعْلُ مَن سَفِهَ وغَمِط.
وَفِيهِ «أَصَابَتْهُ حُمَّى مُغْمِطَة» أَيْ لازِمَة دَائِمَةٌ، وَالْمِيمُ فِيهِ بَدَل مِنَ الباءِ. يُقَالُ: أغْبَطَت عليه الحُمِّى إذا دامت. وقد تقدّم.
__________
(1) في الأصل: «تغاشيا» بالغين والشين المعجمتين. وفي اللسان وشرح القاموس: «تعاميا» . وأثبتناه بالعين المهملة من ا. قال صاحب القاموس: تعاشي: تجاهل.

(3/387)


وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الغَمْط، كُفْرِان النِّعْمة وسَتْرها، لأنَّها إذَا غَشِيَتْه فَكَأَنَّهَا سَتَرت عَلَيْهِ.

(غَمْغَمَ)
(هـ) فِي صِفَةِ قُرَيْشٍ «لَيْسَ فِيهِمْ غَمْغَمَة قُضَاعَةَ» الغَمْغَمَة والتَّغَمْغُم: كَلَامٌ غَيْرُ بَيِّنٍ. قَالَهُ رجُل مِنَ الْعَرَبِ لِمُعاوية، قَالَ لَهُ: مَنْ هُم؟ قَالَ: قومُك قُرَيْشٌ.

(غَمَقَ)
(هـ) كَتَبَ عُمر إِلَى أَبِي عُبيدة بِالشَّامِ «إِنَّ الأُرْدُنَّ أَرْضٌ غَمِقَة» أَيْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمِيَاهِ وَالنُّزُوزِ والخُضَر. والغَمَق: فَسَادُ الرِّيح، وخُمُومُها «1» مِنْ كَثْرة الأنْداء فيَحْصُل مِنْهَا الوَباء.

(غَمَلَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ بَنِي قُرَيْظَة نَزلوا أرْضاً غَمِلَة وَبِلَة» الغَمِلَة: الْكَثِيرَةُ النَّبات الَّتِي وَارَى النَّباتُ وجْهَها، وغَمَلْتُ الأمْر إِذَا سَتَرتَه ووارَيْتَه.

(غَمَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الصَّوم «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فأكْمِلوا العِدّة» يُقَالُ: غُمَّ عَلَيْنَا الهلالُ إِذَا حالَ دُون رُؤيته غَيْم أَوْ نَحْوُه، مِنْ غَمَمْتُ الشيءَ إِذَا غطَّيْتَه.
وَفِي «غُمَّ» ضَمِيرُ الْهِلَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «غُمَّ» مُسْنداً إِلَى الظَّرف: أَيْ فإنْ كُنتم مَغْمُوماً عَلَيْكُمْ فأكْملوا، وتَرَكَ ذِكْرَ الْهِلَالِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْر «وَلَا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ» أَيْ لَا تُسْتر وتُخْفَى فرائضُه، وَإِنَّمَا تُظْهَر وتُعْلَن ويُجْهَر بِهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «لمَّا نُزِل بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طَفِق يَطْرِح خَمِيصةً عَلَى وجْهه فَإِذَا اغْتَمَّ كشَفَها» أَيْ إِذَا احْتَبس نَفَسه عَنِ الخُروج، وَهُوَ افْتَعَل، مِنَ الغَمِّ:
التَّغْطِية والسَّتْر.
(س) وَفِي حَدِيثِ المِعْراج فِي رِوَاية ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَسِير فِي أَرْضٍ غُمَّة» الغُمَّة: الضَّيِّقة.
__________
(1) في ا «وغموقها» ويقال: خَمَّ الشيءُ وأخَمَّ: إذا تغيرت رائحته، انظر الجزء الثاني ص 81.

(3/388)


وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «عَتَبُوا عَلَى عُثْمَانَ مَوضِعَ الغَمَامَة المُحْماة» الغَمَامَة: السَّحابة، وجَمْعُها:
الغَمَام، وَأَرَادَتْ بِهَا العُشْبَ والكَلأ الَّذِي حمَاه فسَمَّتْه بالغَمَامَة كَمَا يُسَمَّى بِالسَّمَاءِ، أَرَادَتْ أَنَّهُ حَمَى الكَلأ وَهُوَ حَقُّ جَمِيعِ النَّاسِ.

(غَمَا)
[هـ] فِي حَدِيثِ الصَّوْمِ «فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ» يُقَالُ: أُغْمِيَ عَلَيْنَا الْهِلَالُ، وغُمِّيَ فَهُوَ مُغْمًى ومُغَمًّى، إِذَا حَالَ دُون رُؤيته غَيْم أَوْ قَتَرة، كَمَا يُقَالُ: غُمَّ عَلَيْنَا. يُقَالُ: صُمْنا للغُمَّى. والغُمَّى بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: أَيْ صُمْنا مِنْ غَيْرِ رُؤية.
وَأَصْلُ التَّغْمِيَة: السّتْر والتغطْيِة. وَمِنْهُ: أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيضِ إِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ، كَأَنَّ المَرض سَتر عَقْله وَغَطَّاهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ النُّونِ

(غَنْثَرَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ لابْنِه عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا غُنْثَرُ «1» » قِيلَ: هُوَ الثَّقيل الوَخِم. وَقِيلَ الْجَاهِلُ، مَنِ الغَثَارَة: الجهْل. وَالنُّونُ زَائِدَةٌ. ورُوِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ بنُقْطتين. وَقَدْ تَقَدَّمَ.

(غَنِجَ)
فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «فِي تَفْسِيرِ العَرِبة هِيَ: الغَنِجَة» الغَنج فِي الجارِية:
تَكَسُّر وتَدَلُّل. وَقَدْ غَنِجَتْ وتَغَنَّجَتْ.

(غَنَظَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وذَكر الموتَ فَقَالَ: «غَنْظٌ لَيْسَ كالغَنْظ» الغَنْظ: أشَدّ الكَرْب والجَهْد. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُشْرِف عَلَى الموتِ مِنْ شِدَّتِه. وَقَدْ غَنَظَه يَغْنِظُه إِذَا مَلأه.

(غَنِمَ)
قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «الغَنِيمَة، والغُنْم، والمَغْنَم، والغَنَائِم» وَهُوَ مَا أصِيب مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الحَرْب، وأوْجَف عليه المسْلمون بالخَيْل والرِّكاب.
__________
(1) بهامش ا: قال الكِرْماني شارح البخاري: غنثر، بضم المعجمة، وسكون النون، وفتح المثلثة وضمها، وفي شرح «جامع الأصول» بضم الغين وفتحها.

(3/389)


يُقَالُ: غَنِمْتُ أَغْنَمُ غَنْماً وغَنِيمَةً، والغَنَائِم جَمْعُها، والمَغَانِم: جَمْع مَغْنَم، والغُنْم بِالضَّمِّ الِاسْمُ، وَبِالْفَتْحِ المصْدر. والغَانِم: آخِذ الغَنِيمَة. والجمْعُ: الغَانِمُون. وَيُقَالُ: فُلان يَتَغَنَّمُ الأمْر: أَيْ يَحْرِص عَلَيْهِ كَمَا يَحْرِص عَلَى الغَنِيمَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الصَّومُ فِي الشِّتاء الغَنِيمَة الْبَارِدَةُ» إِنَّمَا سَمَّاه غَنِيمَة لِمَا فِيهِ مِنَ الأجْر وَالثَّوَابِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الرَّهْنُ لَمنْ رَهَنَه، لَهُ غُنْمُه وَعَلَيْهِ غُرْمُه» غُنْمُه: زيادَتُه وَنَمَاؤُهُ وفاضِل قيمَتِه.
وَفِيهِ «السَّكينة فِي أَهْلِ الغَنَم» قِيلَ: أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الْيَمَنِ، لِأَنَّ أكثَرهم أهلُ غَنَم، بِخِلَافِ مُضَر ورَبيعة، لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ إِبِلٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أعْطُوا مِنَ الصَّدقة مَن أبْقَت لَهُ السَّنَة غَنَماً، وَلَا تُعْطُوها مَن أبْقَتْ لَهُ غَنَمَيْن» أَيْ أعْطُوا مَنْ أبْقَتْ لَهُ قِطْعة وَاحِدَةً لَا يُفَّرق مِثْلُها لِقِلَّتِها، فَتَكُونُ قَطيَعين، وَلَا تُعْطُوا مَن أبقَتْ لَهُ غَنَماً كَثِيرَةً يُجْعَل مِثْلُها قَطيعين. وَأَرَادَ بالسَّنَة الجَدْب.

(غَنَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ رَجُلا أَتَى عَلَى وادٍ مُغِنّ» يُقَالُ: أَغَنَّ الوادِي فَهُوَ مُغِنّ: أَيْ كَثُرَت أصْواتُ ذِبَّانِه، جَعَلَ الوَصْف لَهُ وَهُوَ للذُّباب.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
إلَّا أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ الأَغَنّ مِنَ الغِزْلان وغيرِها: الَّذِي فِي صَوْتِه غُنَّة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ فِي الحُسَين غُنَّةٌ حَسَنة» .

(غَنَا)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الغَنِيّ» هُوَ الَّذِي لَا يَحْتاج إِلَى أحَد فِي شَيْءٍ، وكُلّ أحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الغَنِيُّ المُطْلَق، وَلَا يشارِك اللهَ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُهُ.
وَمِنْ أَسْمَائِهِ «المُغْنِي» وَهُوَ الَّذِي يُغْنِي مَن يَشَاءُ مِنْ عبِادِه.
(هـ) وَفِيهِ «خَيْرُ الصَّدَقة مَا أبقَت غِنًى» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أي

(3/390)


مَا فَضَل عَنْ قُوت العِيال وكِفايَتِهم، فَإِذَا أعْطَيَتها غَيْرَكَ أبقَت بَعْدها لَكَ ولَهُم غِنًى، وَكَانَتْ عَنِ اسْتِغْنَاء مِنْكَ وَمِنْهُمْ عَنْهَا.
وَقِيلَ: خَير الصَّدقة مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَن أعْطَيْتَه عَنِ الْمَسْأَلَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ «رجُل رَبَطها تَغَنِّياً وتَعَفُّفا» أَيِ اسْتِغْنَاء بِهَا عَنِ الطَّلَب مِنَ النَّاسِ.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ الْقُرْآنِ «مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ.
يُقَالُ: تَغَنَّيْت، وتَغَانَيْت، واسْتَغْنَيْت.
وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ لَمْ يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ فَلَيْسَ مِنَّا. وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرا.
(هـ س) وفي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا أذِنَ اللَّهُ لشيءٍ كأذَنِه لنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ يَجْهُر بِهِ» قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ «يَجْهَر بِهِ» تَفْسير لِقَوْلِهِ «يَتَغَنَّى بِهِ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ تَحْسِين «1» الْقِرَاءَةِ وتَرْقِيقُها، ويَشْهد لَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «زَيِّنُوا القرآنَ بأصْواتِكم» وَكُلُّ مَنْ رَفَع صَوْته ووالاَه فصَوْته عِنْدَ الْعَرَبِ غِنَاء.
قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَغَنَّى بالرّكبانيِّ «2» إِذَا رَكِبَت وَإِذَا جَلَستْ فِي الأفْنِيَة.
وَعَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أحَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكُونَ هِجِّيراهُم بِالْقُرْآنِ مَكَانَ التَّغَنِّي بالرُّكْبانيِّ.
وَأَوَّلُ مَنْ قَرأ بِالْأَلْحَانِ عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرة، فَورِثَه عَنْهُ عُبَيْد اللَّهِ بْنُ عُمَر، وَلِذَلِكَ يُقال:
قِراءة العُمَرِيّ «3» . وَأَخَذَ ذَلِكَ عنه سَعِيد العَلَّاف بالإباضيّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «مَن اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَو تجارةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَميد» أَيِ اطَّرَحَه اللَّهُ ورَمَى بِهِ مِنْ عَيْنه، فِعْل مَن اسْتَغْنَى عَنِ الشَّيْءِ فَلَمْ يَلْتَفت إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: جَزاه جَزَاءَ اسْتِغْنَائِه عَنْهَا، كقوله تعالى: «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» .
__________
(1) في الهروي: «تحزين» .
(2) هو نشيد بالمدّ والتمطيط. الفائق 1/ 458.
(3) كذا بالأصل، وفي ا: «قرأ العُمَرِيّ» . وفي اللسان: «قرأت العمرىّ» .

(3/391)


(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَان بِغِنَاء بُعَاث» أَيْ تُنْشِدان الأشْعار الَّتِي قِيلت يَوْمَ بُعاث، وَهُوَ حَرْب كَانَتْ بَيْنَ الْأَنْصَارِ، وَلَمْ تُرِد الغِنَاء الْمَعْرُوفَ بَيْنَ أهْل اللَّهو واللَّعِب. وَقَدْ رخَّص عُمَرُ فِي غِنَاء الْأَعْرَابِ، وَهُوَ صَوْتٌ كالحُداء.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ غُلاما لأناسٍ فُقراء قطعَ أُذُن غُلَامٍ لأَغْنِيَاء، فأتى أهلُه النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجْعل عَلَيْهِ شَيْئًا» . قَالَ الخطَّابي: كَان الْغُلَامُ الْجَانِي حُرّاً، وَكَانَتْ جِنَايته خَطأ، وَكَانَتْ عاقِلتُهُ فُقَراء فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِفَقْرِهِمْ.
ويُشْبه أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرّاً أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عبداَ لَمْ يَكُنْ لاعْتذار أَهْلِ الْجَانِي بالفقْر مَعْنىً، لَأَنَّ العاقِلة لَا تَحْمِلُ عَبْدًا، كَمَا لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا اعترِافا. فَأَمَّا الْمَمْلُوكُ إِذَا جَنَى عَلَى عَبدٍ أَوْ حُرٍّ فجِنايَتُه فِي رقَبَتِه. وللفُقهاء فِي اسْتيفائها منْه خِلَافٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «أَنَّ عَلِيًّا بَعَث إِلَيْهِ بصَحيفَة فَقَالَ للرَّسول: أَغْنِهَا عَنَّا» أَيِ اصْرِفْهَا وكُفَّها «1» كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
أَيْ يَكُفُّهُ وَيَكْفِيهِ. يُقَالُ:
أَغْنِ عَنِّي شَرَّكَ: أَيِ اصْرِفْهُ وكُفَّه. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَأَنَا لَا أُغْنِي لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَة» أَيْ لَوْ كَانَ مَعي مَنْ يَمنَعُني لَكَفَيْتُ شَرَّهم وصَرَفْتُهم.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «ورَجُلٌ سَماه النَّاسُ عَالمِاً وَلَمْ يَغْنَ فِي العلْمِ يَوْمًا سَالِمًا» أَيْ لَمْ يَلْبث فِي الْعِلْمِ يَوْمًا تامَّا، مِنْ قَوْلِكَ: غَنِيتُ بِالْمَكَانِ أَغْنَى: إِذَا أَقَمْتَ بِهِ.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْوَاوِ

(غَوَثَ)
فِي حَدِيثِ هاجَر أُمِّ إِسْمَاعِيلَ «فَهل عِنْدَكَ غَوَاث» الغَوَاث بِالْفَتْحِ كالغِيَاث بِالْكَسْرِ، مِنَ الإِغَاثَة: الإعَانَة، وَقَدْ أَغَاثَه يُغِيثُه. وَقَدْ رُوي بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وهُما أكْثَر مَا يَجيء فِي الأصْوات، كالنُّباح والنِّداء، والفتح فيها شاذّ.
__________
(1) بهامش ا: «قال الكِرْماني في شرح البخاري: أرسل عليٌّ صحيفة فيها أحكام الصدقة، فردها عثمان، لأنه كان عنده ذلك العلم، فلم يكن محتاجا إليها» .

(3/392)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» بالهمْزة مِنَ الإِغَاثَة. وَيُقَالُ فِيهِ: غَاثَه يَغِيثُه، وَهُوَ قَليل، وإنَّما هُوَ مِنَ الغَيْث لَا الإِغَاثَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَادْعُ «1» اللهَ يَغِيثُنا» بِفَتْحِ الْيَاءِ، يُقال: غَاثَ اللَّهُ البلادَ يَغِيثُها: إِذَا أرسَل عَلَيْهَا المَطَر، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ «فخرَجَتْ قُرَيشٌ مُغْوِثِين لِعِيرِهم» أَيْ مُغِيثِين، فجَاء بِهِ عَلَى الأصْل وَلَمْ يُعِلَّه، كاسْتَحْوذَ واسْتَنْوَق. وَلَوْ رُوِيَ «مُغَوِّثِين» بِالتَّشْدِيدِ- مِنْ غَوَّثَ بِمَعْنَى أَغَاثَ- لَكَانَ وَجْهاً.

(غَوَرَ)
فِيهِ «أَنَّهُ أقْطَع بِلال بْنَ الْحَارِثِ مَعَادِن القَبَلِيَّة، جَلَسيّها وغَوْرِيَّها» الغَوْر:
مَا انْخَفَض مِنَ الْأَرْضِ، والجَلَس: مَا ارْتَفع مِنْهَا. تَقُولُ: غَارَ إِذَا أتَى الغَوْر، وأَغَارَ أَيْضًا، وَهِيَ لُغَة قَلِيلة.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ سَمِع نَاسًا يَذْكُرون القَدَر فَقَالَ: إنَّكُم قَدْ أخَذتم فِي شِعَبْين بَعيدَي الغَوْر» غَوْرُ كُلِّ شَيْءٍ: عُمقُه وبُعْدُه: أَيْ يَبْعُد أَنْ تُدْركوا حَقِيقَةَ عِلْمه، كالمَاء الغَائِر الَّذِي لَا يُقْدَر عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «ومَن أبْعَدُ غَوْراً فِي الباطِل مِنِّي؟» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ «لمَّا وَرَدَ عَلَى عُمر بِفَتْحِ نَهاوَند قال: ويْحَك ما وَرَاءك؟ فو الله مَا بِتُّ هَذِهِ الليلَة إِلَّا تَغْوِيراً» يُرِيدُ بِقَدْر النَّوْمَة الْقَلِيلَةِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ القائِلة. يُقَالُ: غَوَّرَ القوْم إِذَا قَالُوا.
ومَنْ رَواه «تَغْرِيراً» جَعَله مِنَ الغِرار، وَهُوَ النَّوم القَلِيل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الإفْك «فأتَيْنا الجَيْش مُغْوِرِين» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، أَيْ وَقَدْ نَزَلوا لِلْقَائِلَةِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَهَاهُنَا غُرْتَ؟» أَيْ إلى هَذا ذَهَبْتَ؟
__________
(1) في ا: «فادعوا» .

(3/393)


وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ «أشْرِقْ ثَبِير كَيْمَا نُغِير» أَيْ نَذْهَب سَرِيعاً. يُقَالُ: أَغَارَ يُغِيرُ إِذَا أسْرَع فِي العَدْوِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ نُغِيرُ عَلَى لُحوم الأضاحِي، مِنَ الإِغَارَة والنَّهب.
وَقِيلَ: نَدْخُل فِي الغَوْر، وَهُوَ المُنْخَفِض مِنَ الْأَرْضِ، عَلَى لُغة مَن قَالَ: أَغَار إِذَا أتَى الغَوْر.
وَفِيهِ «مَنْ دَخَل إِلَى طَعام لَمْ يُدْعَ إِلَيْهِ دَخَل سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيراً» المُغِير: اسْمُ فاعِل مِنْ أَغَار يُغِيرُ إِذَا نهَب، شبَّه دُخولَه عَلَيْهِمْ بدُخول السَّارِقِ، وخُروجه بِمَنْ أَغَارَ عَلَى قَوم ونَهَبَهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «كُنْتُ أُغَاوِرُهم فِي الجاهِلِيَّة» أَيْ أُغِيرُ عَلَيْهِمْ ويُغِيرُون عليَّ.
والغَارَة: الِاسْمُ مِنَ الإِغَارَة. والمُغَاوَرَة: مُفَاعَلة مِنْهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّة.
وبَيض تَلَألأ فِي أكُفِّ المَغَاوِر المَغَاوِر بِفَتْحِ الْمِيمِ: جَمْعُ مُغَاوِر بِالضَّمِّ، أَوْ جَمْعُ مِغْوَار بِحَذْفِ الْأَلِفِ، أَوْ حَذْفِ الْيَاءِ مِنَ المَغَاوِير.
والمِغْوَار: المُبالغ فِي الغَارَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْل «بَعَثنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فلما بَلغْنا المُغَارَ اسْتَحْثَثْتُ فَرسي» المُغَار بِالضَّمِّ: مَوْضِعُ الغَارَة، كالمُقَام مَوضع الْإِقَامَةِ، وَهِيَ الإِغَارَة نَفْسُها أَيْضًا.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ يَوْمَ الجَمل: مَا ظَنُّك بِامْرِئٍ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الغَارَيْن؟» أَيِ الجَيْشَين. والغَار: الْجَمَاعَةُ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى فِي الْغَيْنِ وَالْوَاوِ. وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَيْنِ وَالْيَاءِ. قَالَ:
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الأحْنَفْ «قَالَ فِي الزُّبَير مُنْصَرَفَه مِنَ الجَمل: مَا أصْنَع بِهِ أَنْ كَانَ جمَع بَيْنَ غَارَيْن ثُمَّ تَركَهُم؟» .
وَالْجَوْهَرِيُّ ذكَره فِي الْوَاوِ، والواوُ والياءُ متقارِبان فِي الانْقِلاب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ فِتْنة الْأَزْدِ «ليَجْمَعا بَيْنَ هَذَيْنِ الغَارَيْن» .
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لِصَاحِبِ اللَّقيط: عسَى الغُوَيْر أبْؤُساً» هَذَا مَثَلٌ قَدِيمٌ يُقَالُ عِنْدَ التُّهْمَة. والغُوَيْر: تَصْغير غَار. وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعٌ. وَقِيلَ: مَاءٌ لكَلْب.

(3/394)


ومَعْنَى الْمَثَلِ: رُبَّما جَاءَ الشَّرُّ مِنْ مَعْدن الخَير.
وأصْل هَذَا المَثل أنَّه كَانَ غَارٌ فِيهِ ناسٌ فانْهَار عَلَيْهِمْ وأتاهُم فِيهِ عَدُوّ فقَتَلهم، فَصَارَ مَثَلا لكُلِّ شَيْءٍ يُخاف أَنْ يأتِيَ مِنْهُ شَرٌّ.
وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَّلَمت بِهِ الزَّبَّاءُ لَمَّا عَدل قَصيرٌ بِالْأَحْمَالِ عَنِ الطَّريق المألوفَة وأخَذ عَلَى الغُوَيْر، فلمَّا رَأتْه وَقَدْ تَنَكَّبَ الطَّرِيقَ قَالَتْ: عَسَى الغُوَيْر أبْؤُساً «1» أَيْ عسَاه أَنْ يأتِيَ بِالْبَأْسِ والشَّرِّ.
وَأَرَادَ عُمر بالمَثل: لعَلَّك زَنيْتَ بأمِّه وادّعَيْتَه لَقِيطاً، فشَهِد لَهُ جَمَاعَةٌ بالسَّتْر، فَتَركَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «فسَاحَ ولزِم أطْراف الْأَرْضِ وغِيرَانَ الشِّعاب» .
الغِيرَان: جَمْعُ غَارٍ وَهُوَ الْكَهْفُ، وانْقَلَبَت الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْغَيْنِ.

(غَوَصَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ ضَرْبة الغَائِص» هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَغُوصُ فِي البَحر غَوْصَة بِكَذَا فَمَا أخْرَجْتُه فَهُوَ لكَ. وإنَّما نَهى عَنْهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ.
وَفِيهِ «لَعن اللَّهُ الغَائِصَة والمُغَوِّصَة» الغَائِصَة: الَّتِي لَا تُعْلِم زَوْجَها أَنَّهَا حَائِضٌ ليَجْتَنِبهَا، فيُجَامِعها وَهِيَ حَائِضٌ. والمُغَوِّصَة: الَّتِي لَا تَكُونُ حَائِضًا فتَكْذب زَوْجَها وَتَقُولُ:
إِنِّي حَائِضٌ.

(غَوَطَ)
[هـ] فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وانْسَدّتْ يَنابِيع الغَوْط الأكْبَر وَأَبْوَابُ السَّماء» الغَوْط: عُمق الْأَرْضِ الأبْعَد، وَمِنْهُ قِيلَ للمطْمِئنّ مِنَ الْأَرْضِ: غَائِط. وَمِنْهُ قِيلَ لموْضِع قَضاء الْحَاجَةِ: الغَائِط، لأنَّ الْعَادَةَ أنَّ الْحَاجَةَ تُقْضَى فِي المنْخَفِض مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ هُوَ أسْتَر لَهُ، ثُمَّ اتُّسِع فِيهِ حَتَّى صَارَ يُطْلَق عَلَى النَّجْو نَفْسِه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَذْهَبُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الغَائِطَ يَتَحدَّثان» أي يَقْضِيان الحاجَة وهُما يَتَحدَّثان.
__________
(1) قال الهروي: «ونُصب «أبؤسا» على إضمار فعل. أرادت: عسى أن يُحدث الغُويرُ أبؤسا. أو أن يكون أبؤسا. وهو جمع بأس» اهـ وراجع ص 90 من الجزء الأول.

(3/395)


وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الغَائِط» فِي الْحَدِيثِ بمَعنى الحَدَث وَالْمَكَانِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رجُلا جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لأهْل الغَائِط يُحْسِنُوا مُخَالطَتِي» أَرَادَ أهْلَ الْوَادِي الَّذِي كَانَ يَنْزِلُه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَنْزِل أمَّتِي بغَائِطٍ يُسَمُّونه البَصْرة» أَيْ بَطْن مُطْمِئّنٍ مِنَ الْأَرْضِ.
وَفِيهِ «أَنَّ فُسْطَاط الْمُسْلِمِينَ يومَ المَلْحَمَة بالغُوطَة إِلَى جَانِب مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْق» الغُوطَة:
اسْم البَساتين والمَيِاه الَّتِي حَوْل دِمشْق، وَهِيَ غُوطَتُها.

(غَوَغَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ ابْنُ عَوْف: يَحْضُرك غَوْغَاء النَّاس» أصْل الغَوْغَاء:
الجَرادُ حِين يَخِفُّ للطَّيَرانِ، ثُمَّ اسْتُعِير للِّسْفَلة مِنَ النَّاس والمُتَسَرِّعين إِلَى الشَّرِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الغَوْغَاء: الصَّوتِ والْجَلَبَة، لكَثْرة لغَطَهم وصِياحِهم.

(غَوَلَ)
(هـ) فِيهِ «لَا غُولَ وَلَا صَفَر» الغُولُ: أحَدُ الغِيلَان، وَهِيَ جِنْس مِن الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، كَانَتِ العَرب تَزْعُم أَنَّ الغُول فِي الفَلاة تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا: أَيْ تَتَلَوّن تلَوُّنا فِي صُوَر شَتَّى، وتَغُولُهم أَيْ تُضِلُّهم عَنِ الطَّرِيقِ وتُهْلِكهم، فَنَفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبْطَله.
وَقِيلَ: قَوْلُهُ «لَا غُولَ» لَيْسَ نَفْياً لعَين الغُول ووجُودِه، وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْم الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنه بالصُّوَر المخْتِلَفة واغْتِيَالِه، فَيَكُونُ المعْنى بِقَوْلِهِ «لَا غُولَ» أنَّها لَا تَسْتَطيع أَنْ تُضِلَّ أحَداً، ويَشْهد لَهُ:
الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا غُولَ ولكِن السَّعَالِي» السَّعَالِي: سَحَرةُ الْجِنِّ: أَيْ وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرة، لَهُمْ تَلِبيس وتَخْييل.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا تَغَوَّلت الغِيلَان فَبَادِروا بالأَذان» أَيِ ادفَعوا شَرّها بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا يَدُل عَلَى أنَّه لَمْ يُرِد بِنَفْيها عَدَمَها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ «كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوة فَكَانَتِ الغُول تَجيء فتأخُذ» .

(3/396)


(هـ) وَفِي حَدِيثِ عمَّار «أَنَّهُ أوْجَز الصَّلاة فَقَالَ: كُنْتُ أُغَاوِلُ حاجَةً لِي» المُغَاوَلَة: المُبَادَرة فِي السَّير، وأصْلُه مِنَ الغَوْل بِالْفَتْحِ، وَهُوَ البُعْد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الإفْك «بَعْد مَا نَزلوا مُغَاوِلِين» أَيْ مُبْعدِين فِي السَّيْر. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «كنتُ أُغَاوِلُهم فِي الجاهِلية» أَيْ أُبَادِرُهُم بالغارَة والشَّرّ، مِن غَالَه إِذَا أَهْلَكَهُ. ويُروى بِالرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س هـ) وَفِي حَدِيثِ عُهْدة الْمَمَالِيكِ «لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَة» الغَائِلَة فِيهِ: أَنْ يَكون مَسْرُوقا، فَإِذَا ظَهَرَ واسْتَحقَّه مَالِكَه غَالَ مالَ مُشْتَرِيه الَّذِي أَدَّاهُ فِي ثَمَنِهِ: أَيْ أتْلَفه وأهْلَكه. يُقال: غَالَه يَغُولُه، واغْتَالَه يَغْتَالُه: أَيْ ذَهب بِهِ وأهْلَكه. والغَائِلَة: صِفَة لخَصْلَةٍ مُهْلِكة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفَة «بأرْضٍ غَائِلَة النِّطَاء» أَيْ تَغُولُ سالِكِيها ببُعْدِها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ ذِي يَزَن «ويَبْغُون لَهُ الغَوَائِل» أَيِ المَهالِكَ، جَمْع غَائِلَة.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيم «رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيَدِها مِغْوَلٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالَتْ: مِغْوَلٌ أبْعَج بِهِ بُطون الكُفَّار» المِغْوَل بِالْكَسْرِ: شِبْه سَيْف قَصِير، يَشتَمِل بِهِ الرجُل تَحْت ثِيابه فَيُغَطِّيه.
وَقِيلَ: هُوَ حَدِيدة دَقيقة لَهَا حدٌّ ماضٍ وقَفاً.
وَقِيلَ: هُوَ سَوط فِي جَوْفه سَيْف دَقِيقٌ يَشُده الفَاتِك عَلَى وسَطه ليَغْتَالَ بِهِ النَّاسَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ خَوّات «انْتَزَعْتُ مِغْوَلًا فَوَجَأت بِهِ كَبَده» .
وَحَدِيثُ الْفِيلِ «حِينَ أُتِيَ بِهِ مكَّةَ ضَرَبوه بالمِغْوَل عَلَى رأسِه» .

(غَوَا)
فِيهِ «مَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدَ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهما فَقَد غَوَى» يُقَالُ: غَوَى يَغْوِي غَيّاً وغَوَايَة فَهُوَ غَاوٍ: أَيْ ضَلَّ. والغَيُّ: الضَّلال والانْهِمَاك فِي الباطِل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الإسْراء «لَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ «1» أمّتُك» أي ضَلَّت.
__________
(1) في ا: «لَغَوَتْ» .

(3/397)


وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «سَيكُون عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ إِنْ أطَعْتموهم غَوَيْتُم» أَيْ إِنْ أطاعُوهم فِيمَا يأمُرونَهم بِهِ مِنَ الظُّلْم وَالْمَعَاصِي غَوَوْا وضَلُّوا.
وَقَدْ كَثُر ذِكر «الغَيُّ والغَوَايَة» فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى وآدمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «لَأَغْوَيْت النَّاسَ» أَيْ خَيّبْتهم. يُقال: غَوَى الرجُل إِذَا خَابَ، وأَغْوَاه غَيْرُهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مَقْتَل عُثْمَانَ «فتَغَاوَوْا واللهِ عَليه حَتَّى قَتلوه» أَيْ تَجَمَّعوا وتَعاونوا.
وأصْله مِنَ الغَوَايَة، والتَّغَاوِي: التَّعاوُن فِي الشَّرِّ. وَيُقَالُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ المسْلم قاتِل الْمشرك الذي كَانَ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فتَغَاوَى المشرِكون عَلَيْهِ حَتَّى قَتلوه» ويُروَى بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّ الْهَرَوِيَّ ذَكَرَ مَقْتَل عُثْمَانَ فِي الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْآخَرَ فِي الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِنَّ قُريشا تُريد أَنْ تَكون مُغْوِيَات لِمَال اللَّهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
هَكَذَا رُوي. وَالَّذِي تَكلَمت بِهِ الْعَرَبُ «مُغَوَّيَات» بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِهَا، واحدَتُها: مُغَوَّاة، وَهِيَ حُفْرة كالزُّبْيَة تُحْفَر لِلذِّئْبِ، ويُجْعل فِيهَا جديٌ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ سَقَط عَلَيْهِ يُريده. وَمِنْهُ قِيلَ لِكُلِّ مُهْلَكة: مُغَوَّاة.
ومَعْنى الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُريد أَنْ تَكُونَ مَصائدَ للمَال ومَهالك، كتِلْك المُغَوَّيَات.

بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْهَاءِ

(غَهِبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّهُ سُئِل عَنْ رجُلٍ أصَاب صَيْداً غَهَباً، فَقَالَ: عَلَيْهِ الجَزَاء» الغَهَب بِالتَّحْرِيكِ: أَنْ يُصِيبَ الشَّيْءَ غَفْلَةً مِنْ غَيْرِ تَعَمُّد. يُقال: غَهِبَ عَن الشَّيء يَغْهَبُ غَهَباً إِذَا غَفَل عَنْهُ ونَسِيه. والغَيْهَب: الظَّلَامُ. ولَيْلٌ غَيْهَب: أَيْ مُظلِم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسّ «أرْقُب الكَوْكَب وأرْمُق الغَيْهَب» .

(3/398)


بَابُ الْغَيْنِ مَعَ الْيَاءِ

(غَيَبَ)
(هـ) قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «الغِيبَة» وَهُوَ أَنْ يُذكَرَ الْإِنْسَانُ فِي غَيْبَتِه بسُوء وَإِنْ كَانَ فِيهِ، فَإِذَا ذَكَرْتَه بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ البَهْت والبُهْتان.
وَكَذَلِكَ قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذكْر «عِلْم الغَيْب، وَالْإِيمَانِ بالغَيْب» وَهُوَ كُلُّ مَا غَابَ عَنِ العُيون.
وَسَوَاءٌ كَانَ مُحَصّلاً فِي الْقُلُوبِ أَوْ غيْر مُحَصَّل. تَقُولُ: غَابَ عَنْهُ غَيْباً وغَيْبَة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُهْدة الرَّقيق «لَا دَاءً وَلَا خِبْثَةَ وَلَا تَغْيِيب» التَّغْيِيب: ألَّا يَبِيعَه ضَالَّة وَلَا لُقَطَة.
[هـ] وَفِيهِ «أمْهِلوا حَتَّى تَمْتَشِط الشَّعِثَة وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» المُغِيبَةُ والمُغِيب: الَّتِي غَابَ عَنْهَا زوجُها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأة مُغِيباً أتَت رجُلا تَشْتري مِنْهُ شَيْئًا فَتَعرّض لَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: ويْحك إِنِّي مُغِيب، فَتَركَها» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «إِنَّ سَيِّد الحيِّ سَليم، وَإِنَّ نَفَرنا غَيَبٌ» أَيْ إِنَّ رِجالنا غَائِبُون.
والغَيَب بِالتَّحْرِيكِ: جَمْعُ غَائِب، كخادِم وخَدَم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ حَسَّان لمَّا هَجا قُرَيشا قَالَتْ: إِنَّ هَذَا لَشَتْمٌ مَا غَابَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي قُحَافة» أرَادوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ عالمِا بالأنْساب وَالْأَخْبَارِ، فَهُوَ الَّذِي عَلَّم حسَّان. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قول النبي صلى الله عليه وسلم لِحَّسان: «سَلْ أَبَا بَكْرٍ عَنْ مَعِايب الْقَوْمِ» ، وَكَانَ نَسَّابةً عَلَّامة.
(س) وَفِي حَدِيثِ مِنْبَر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّه عُمِل مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَة» هِيَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ عَوَاليها، وَبِهَا أموالٌ لِأَهْلِهَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ السِّبَاق، وَالْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ تَرِكَة الزُّبير وَغَيْرِ ذَلِكَ. والغَابَة: الأجَمة ذَاتُ الشَّجَر المُتَكاثف، لأنَّها تُغَيِّبُ مَا فِيهَا، وجَمْعُها غَابَات.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ:
كَلَيْثِ غَابَات شديدِ القَسْوِرَهْ

(3/399)


أَضَافَهُ إِلَى الغَابَات لقُوَّته وشِدّته، وَأَنَّهُ يَحْمِي غَابَاتٍ شَتّىً.

(غَيَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ رُقَيْقَة «ألَا فغِثْتُم مَا شِئْتم» غِثْتُم بِكَسْرِ الْغَيْنِ: أَيْ سُقِيتُم الغَيْث وَهُوَ الْمَطَرُ. يُقَالُ: غِيثَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مَغِيثَة، وغَاثَ الغَيْث الأرضَ إِذَا أَصَابَهَا، وغَاثَ اللَّهُ البِلاد يَغِيثُها، والسُّؤالُ مِنْهُ: غِثْنَا، ومِن الإِغَاثَة بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ: أَغِثْنَا. وَإِذَا بَنَيْتَ مِنْهُ فِعْلا ماضِيا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه قُلْتَ: غِثْنَا بِالْكَسْرِ، وَالْأَصْلُ: غُيِثْنَا، فحُذِفت الْيَاءُ وكُسِرت الْغَيْنُ.
وَفِي حَدِيثِ زَكَاةِ العَسَل «إنَّما هُوَ ذُباب غَيْث» يَعْنِي النَّحْل، فَأَضَافَهُ إِلَى الغَيْث لِأَنَّهُ يَطْلُب النَّبات والأزْهار، وَهُمَا مِنْ تَوابع الغَيْث.

(غَيَذَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «مَرَّت سحابة فنَظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تُسَمُّون هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحاب، قَالَ: والمُزْن، قَالُوا: والمُزْن، قَالَ: والغَيْذَى» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «كأنه فَيْعَل، من غَذَا يَغْذُو إِذَا سَالَ. وَلَمْ أسْمَع بَفْيَعل فِي مُعْتَلّ اللَّامِ غَيْرَ هَذَا إِلَّا الْكَيْهَاةَ «1» ، وَهِيَ النَّاقة الضَّخْمة» .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنْ كَانَ مَحْفوظا فَلَا أَرَاهُ سُمِّيَ بِهِ إلَّا لِسَيَلان الْمَاءِ، مِنْ غَذَا يَغْذُو.

(غَيَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لرجُل طَلَب القَوَد بِدَم قَتِيلٍ لَهُ: أَلَا تَقْبَل الغِيَر» وَفِي رِوَايَةٍ «أَلَا الغِيَر تُريد» الغِيَر: جَمْعُ الغِيرَة، وَهِيَ الدِّيَةُ، وَجَمْعُ الغِيَر: أَغْيَار. وَقِيلَ: الغِيَر: الدِّيَة، وَجَمْعُهَا أَغْيَار، مِثْل ضِلَع وَأَضْلَاعٍ. وغَيَّرَه إِذَا أَعْطَاهُ الدِّية، وَأَصْلُهَا مِنَ المُغَايَرَة وَهِيَ المُبَادَلة: لِأَنَّهَا بَدَل مِنَ القَتْل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُحلِّم بْنِ جَثَّامة «إِنِّي لَمْ أجِد لِمَا فَعَل هَذَا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ مَثَلًا إِلَّا غَنَمًا وَرَدَتْ، فرُمِيَ أَوَّلُهَا فنَفَر آخِرُهَا، اسْنُنِ الْيَوْمَ وغَيِّرْ غَداً» مَعْنَاهُ أنَّ مَثَل مُحلِّم فِي قَتْله الرَّجُلَ وطَلَبه أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ وتُؤخَذ مِنْهُ الدِّيَةُ، والوقْتُ أوَل الْإِسْلَامِ وصَدْره كمَثَل هَذِهِ الغَنَم النَّافِرَةِ، يَعْنِي إِنْ جَرَى الأمرُ مَعَ أَوْلِيَاءَ هَذَا الْقَتِيلِ عَلَى مَا يُريد مُحَلِّم ثَبَّط الناسَ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ مَعْرِفَتُهم أَنَّ القَوَد يُغَيَّرُ بالدِّية، والعرَب خُصُوصًا وَهُمُ الحُرَّاص عَلَى دَرْك الأوْتار، وَفِيهِمُ الأنَفَة مِنْ قَبُول
__________
(1) عبارة الزمخشري: « ... إلا كلمة مؤنثة: الكيهاة، بمعنى الكهاة، وهي الناقة الضخمة» . الفائق 2/ 216.

(3/400)


الدِّيات، ثُمَّ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِفَادَةِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: «اسْنُنِ الْيَوْمَ وغَيِّرْ غَداً» يُريد إِنْ لَمْ تَقْتَصَّ مِنْهُ غَيَّرْتَ سُنَّتك، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الوجْه الَّذِي يُهَيّج المُخاطَبَ ويَحُثّه عَلَى الإقْدام والجُرْأة عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ لِعُمَرَ فِي رجُل قَتَل امْرَأة وَلَهَا أوْلِياءُ فعَفا بعضُهم، وَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُقِيد لِمَنْ لَمْ يَعْفُ، فَقَالَ لَهُ: لَوْ غَيَّرْتَ بالدِّية كَانَ فِي ذَلِكَ وَفَاءٌ لِهَذَا الَّذِي لَمْ يَعْفُ، وكنتَ قَدْ أتْمَمْت للعَافِي عَفْوَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَرِه تَغْيِير الشَّيْب» يَعْنِي نَتْفَه، فَإِنَّ تَغْيِير لَوْنه قَدْ أمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمة «إِنَّ لِي بِنْتا وَأَنَا غَيُور» هُوَ فَعُول، مِنَ الغَيْرَة وَهِيَ الحِمَّية والأنَفَة.
يُقَالُ: رَجُلٌ غَيُور وامرأة غَيُور بلاهاء، لِأَنَّ فَعُولا يَشْتَرك فِيهِ الذَّكر وَالْأُنْثَى.
وَفِي رِوَايَةٍ «إِنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى» وَهِيَ فَعْلَى مِنَ الغَيْرَة. يُقَالُ: غِرْتُ عَلَى أَهْلِي أَغَار غَيْرَة، فَأَنَا غَائِر وغَيُور لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا عَلَى اخْتِلَافِ تصَرُّفه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «مَن يَكْفُرِ اللهَ يَلْقَ الغِيَر» أَيْ تَغَيُّر الْحَالِ وانْتِقالَها عَنِ الصَّلَاحِ إِلَى الفَساد. والغِيَر: الاسْم، مِنْ قَوْلِكَ: غَيَّرْت الشَّيْءَ فتَغَيَّرَ.

(غَيَضَ)
فِيهِ «يَدُ اللَّهِ مَلْأى لَا يَغِيضُها شَيْءٌ» أَيْ لَا ينَقْصُهُا. يُقَالُ: غَاضَ الماءُ يَغِيضُ، وغِضْتُه أَنَا وأَغَضْتُه أَغِيضُه وأُغِيضُه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا كَانَ الشِّتاء قَيْظاً وغَاضَت الكِرامُ غَيْضاً» أَيْ فَنُوا وبادُوا.
وغَاضَ الْمَاءُ إِذَا غَارَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَطِيح «وغَاضَت بُحَيْرةُ سَاوَة» أَيْ غَارَ مَاؤُهَا وَذَهَبَ.
[هـ] وَحَدِيثُ خُزَيمة فِي ذِكر السَّنَة «وغَاضَت لَهَا الدِّرّة» أَيْ نَقَص اللَّبن.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «وغَاضَ نَبْغَ «1» الرِّدَّةِ» أَيْ أَذْهَبَ ما نَبْغَ منها وظَهَرَ.
__________
(1) في الأصل واللسان: «نبع» بالعين المهملة. وكتبناه بالمعجمة من ا، ومما يأتي في مادة (نبغ) .

(3/401)


وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «لَدِرْهَمٌ يُنْفِقُه أحدُكم مِنْ جَهْده خيرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ يُنْفِقها أحَدُنا غَيْضاً مِنْ فَيْض» أَيْ قَلِيلُ أَحَدِكُمْ مِنْ فَقْرِهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِنَا مَعَ غِنَانا.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا تُنْزِلُوا الْمُسْلِمِينَ الغِيَاضَ فتُضَيِّعوهم» الغِيَاض: جَمْعُ غَيْضَة، وَهِيَ الشَّجَرُ الملتَفّ، لِأَنَّهُمْ إِذَا نَزَلُوهَا تفَرّقوا فِيهَا فَتَمَكَّن مِنْهُمُ العَدوّ.

(غَيَظَ)
فِيهِ «أَغْيَظُ الأسْماء عِنْدَ اللَّهِ رجلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأْملاك» هَذَا مِنْ مَجاز الْكَلَامِ مَعْدول عَنْ ظَاهِرِهِ، فإنَّ الغَيْظ صِفَة تَغَيُّرٍ فِي المَخْلوق عِنْدَ احْتِداده، يَتَحَرّك لَهَا، واللهُ يتَعالى عَنْ ذَلِكَ الوصْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عُقوبَته للمُتَسَمِّي بِهَذَا الِاسْمِ: أَيْ أَنَّهُ أَشَدُّ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عُقوبةً عِنْدَ اللَّهِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلم «1» «أَغْيَظُ رجُل عَلَى اللَّهِ يومَ الْقِيَامَةِ وأخْبَثُه وأَغْيَظُه رجلٌ تَسَمَّى بملِك الْأَمْلَاكِ» .
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا وَجه لتِكرار لَفْظَتَيْ «أَغْيَظ» فِي الْحَدِيثِ، ولعلَّه «أغْنَظ» بِالنُّونِ، مِنَ الغَنْظ، وَهُوَ شِدَّةُ الكَرب.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وغَيْظ جَارَتِهَا» لأنَّها تَرى مِنْ حُسْنها مَا يَغِيظُها ويَهِيجُ حَسدَها.

(غَيَقَ)
فِيهِ ذِكْرُ «غَيْقَة» بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ بِلَادِ غِفَار. وَقِيلَ: هو ماء لبني ثعلبة.

(غيل)
[هـ] فِيهِ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أنْهَي عَنِ الغِيلَة» الغِيلَة بِالْكَسْرِ: الِاسْمُ مِنَ الغَيْل بِالْفَتْحِ، وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ الرجُل زوْجَته وَهِيَ مُرْضِع «2» ، وَكَذَلِكَ إِذَا حَملت وَهِيَ مُرْضِع.
وَقِيلَ: يُقَالُ فِيهِ الغِيلَة والغَيْلَة بمعنىً.
__________
(1) أخرجه مسلم في (باب تحريم التسمّي بملك الأملاك، من كتاب الآداب) والفظه: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وأغْيَظُه عليه رجلٌ كان يسمَّى مَلِك الأملاك، لا مَلِكَ إلا اللهُ» .
(2) عبارة السيوطي في الدر: «وهي ترضع» .

(3/402)


وَقِيلَ: الْكَسْرُ لِلِاسْمِ، وَالْفَتْحُ للمرَّة.
وَقِيلَ: لَا يَصِح الْفَتْحُ إلَّا مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ. وَقَدْ أَغَالَ الرجل وأَغْيَلَ. والولد مُغَال ومُغْيَل.
والليبن الَّذِي يَشْربه الْوَلَدُ يُقَالُ لَهُ: الغَيْل أَيْضًا.
(هـ) وَفِيهِ «مَا سُقِيَ بالغَيْل فَفِيهِ العُشر» الغَيْل بِالْفَتْحِ: مَا جَرَى مِنَ الْمِيَاهِ فِي الْأَنْهَارِ والسَّوَاقي.
وَفِيهِ «إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبيعُ مَا يَقْتُل أَوْ يَغِيلُ» أَيْ يُهْلك، مِنَ الاغْتِيَال، وَأَصْلُهُ الْوَاوُ.
يُقَالُ: غَالَه يَغُولُه. وَهَكَذَا رُوي بِالْيَاءِ، والياءُ وَالْوَاوُ مُتقاربَتان.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أنَّ صَبيّاً قُتِل بصَنْعاء غِيلَة فَقَتَل بِهِ عُمَرُ سَبْعة» أَيْ فِي خُفْيَة واغْتِيَال. وَهُوَ أَنْ يُخْدع ويُقْتَل فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أحدٌ. والغِيلَة: فِعْلَة مِنَ الاغْتِيَال.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «وأعوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَال مِن تَحْتي» أَيْ أُدْهَى مِنْ حَيْثُ لَا أشْعُر، يُريدُ بِهِ الخَسْف.
وَفِي حَدِيثِ قُس «أُسْد غِيلٍ» الغِيلُ بِالْكَسْرِ: شجَر مُلْتَفّ يُسْتَتَر فِيهِ كالأَجَمة.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَه غِيل

(غَيَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذ مِنَ الغَيْمَة والعَيْمة» الغَيْمَة: شِدّة العَطَش.

(غَيَنَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبي حَتَّى أسْتَغْفر اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّة» الغَيْن:
الغَيْم. وغِينَتِ السماءُ تُغَانُ: إِذَا أَطْبَق عَلَيْهَا الغَيم. وَقِيلَ: الغَيْن: شَجَرٌ مُلْتَفّ.
أَرَادَ مَا يَغْشَاه مِنَ السَّهْو الَّذِي لَا يَخْلو مِنْهُ البَشَر، لِأَنَّ قَلْبَهُ أَبَدًا كَانَ مَشْغولا بِاللَّهِ تَعَالَى، فإنْ عَرَض لَهُ وَقْتاً مَا عارِضٌ بشريٌّ يَشْغله مِنْ أُمُورِ الْأُمَّةِ والمِلَّة وَمَصَالِحِهِمَا عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبا وَتَقْصِيرًا، فَيَفْزَعُ إِلَى الاسْتغفار.

(غَيَا)
(هـ) فِيهِ «تَجيء البقَرةُ وآلُ عِمْران كَأَنَّهُمَا غَمامَتَان أَوْ غَيَايَتَان» الغَيَاية: كُلُّ شَيْءٍ أظَلَّ الإنسانَ فَوْق رَأْسِهِ كالسّحابة وغيرها.

(3/403)


وَمِنْهُ حَدِيثُ هِلَالِ رَمَضَانَ «فَإِنْ حَالَت دُونَه غَيَايَة» أَيْ سَحابَة أَوْ قَتَرة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ َزْرع «زَوْجي غَيَايَاءُ، طَبَاقَاء» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ «1» : أَيْ كَأَنَّهُ فِي غَيَايَة أَبَدًا، وظُلْمةٍ لَا يَهْتَدِي إِلَى مَسْلك يَنْفُذ فِيهِ. ويَجَوز أَنْ تَكُونَ قَدْ وَصَفَتْه بِثِقَل الرُّوح، وَأَنَّهُ كالظِّلِّ المُتَكاثِف المُظْلم الَّذِي لَا إشْرَاقَ فِيهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «فَيَسِيرون إِلَيْهِمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَة» الغَايَة والرَّايَة سَواء.
وَمَنْ رَواه بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أرادَ بِهِ الأجَمَة، فَشَبَّه كثرة رِمَاحَ العَسْكر بِهَا.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ سابَق بَيْن الخَيْل فَجَعَلَ غَايَة المُضَمَّرة كَذَا» غَايَة كُلّ شيء:
مَداه ومُنْتَهاه.
__________
(1) انظر ص 334 من هذا الجزء.

(3/404)