تاج العروس (الْمَقْصد الْخَامِس فِي بَيَان
الْأَفْصَح)
قَالَ أَبُو الْفضل: أفصحُ الخلقِ على الْإِطْلَاق سيِّدُنا ومولانا
رسولُ الله،
، قَالَ
" أَنا أَفصحُ العَرَب " رَوَاهُ أَصْحَاب الغَرِيب، ورَوَوْه أَيْضا
بِلَفْظ " أَنا أَفصحُ منْ نطقَ بِالضّادِ بيْد أَنِّي مِنْ قُرَيشٍ "
وَإِن تُكُلِّم فِي الحَدِيث.
ونُقِل عَن أبي الخطَّاب بن دِحْية: اعْلمْ أَن الله تَعَالَى لما وضَع
رسولَه
مَوْضِعَ البلاغِ مِن
(1/21)
وَحْيِه، ونَصَبَه مَنْصِبَ البيانِ
لدِينه، اخْتَار لَهُ من اللُّغَاتِ أَعرَبَها، وَمن الأَلسن أَفصحها
وأَبيَنَها، ثمَّ أَمدَّه بَجوامِع الكَلِم، انْتهى.
ثمَّ قَالَ: وأَفصحُ العربِ قُرَيشٌ، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى
اختارَهم من جَمِيع الْعَرَب، وَاخْتَارَ مِنْهُم محمَّدًا
، فَجعل قُريْشًا سُكَّانَ حرَمِه وَوُلاةَ بيتِه، فكانتْ وُفودُ
العربِ مِن حُجَّاجِها وغيرِهم يَفِدُون إِلَى مكَّةَ للحَجِّ،
ويتَحاكمون إِلَى قُرَيْش، وَكَانَت قريشٌ مَعَ فَصاحتها، وحُسْنِ
لُغَاتها، ورِقَّةِ أَلسِنَتِها، إِذا أَتتْهم الوفودُ من العَرب
تَخيَّروا من كلامِهم وأشعارِهم أَحسنَ لُغاتِهم، وأَصفى كلامِهم،
فَاجْتمع مَا تَخيَّروا من تِلك اللغاتِ إِلَى سَلائِقهم الَّتِي
طُبعوا عَلَيْهَا، فصاروا بذلك أَفصح الْعَرَب، أَلا تَرى أَنَّك لَا
تَجد فِي كلامِهم عنعنَةَ تَميمٍ وَلَا عَجْرفة قيسٍ وَلَا كَشْكَشَة
أَسد وَلَا كَسكَسةَ ربِيعة.
(قلت) : قَالَ الفراءُ.
العنعنة فِي قيس وَتَمِيم تَجعل الهمزةَ المبدوءَ بهَا عينا،
فَيَقُولُونَ فِي إِنَّك عِنّكَ، وَفِي أَسلم عَسلم.
والكشكشة فِي ربيعَة وَمُضر يَجعلون بعد كافِ الخِطاب فِي الْمُؤَنَّث
شيناً، فَيَقُولُونَ رأَيتُكِش ومررتُ بكِش.
والكسكسة فيهم أَيْضا يجْعَلُونَ بعد الْكَاف أَو مَكَانهَا سيناً فِي
المذكّر.
والفحفحة فِي لُغَة هُذَيْل يجْعَلُونَ الحاءَ عينا.
والوَكَم والوَهَم كِلاهما فِي لُغة بني كَلْب، من الأوّل يَقُولُونَ
علَيكِمْ وبِكِمْ، حَيْثُ كَانَ قَبل الْكَاف ياءٌ أَو كسرةٌ، وَمن
الثَّانِي يَقُولُونَ مِنهِمْ وعنهِمْ وَإِن لم يكن قبل الْهَاء ياءٌ
وَلَا كسرةٌ.
والعجعجة فِي قُضاعة، يجْعَلُونَ الياءَ المشدّدة جيماً، يَقُولُونَ
فِي تميميٍّ تميمِجّ.
والاستِنطاء لُغَة سعْدِ بن بكرٍ وهُذيل والأَزْدِ وَقيس والأَنصار
يجْعَلُونَ الْعين الساكنة نوناً إِذا جاورَت الطاءَ، كأَنْطى فِي
أَعطى.
(1/22)
والوَتم فِي لُغَة الْيمن يَجْعَل الْكَاف شيناً مُطلقًا، كلبيشَ
اللَّهُمَّ لبيشَ.
وَمن الْعَرَب مَن يَجْعَل الكافَ جيماً كَالجعْبة، يُرِيد الكَعبة.
وَفِي فقه اللغةِ للثعالبي اللخْلَخانِيَّة تَعْرِض فِي لغةِ أَعراب
الشِّحْرِ وعُمَان، كَقَوْلِهِم مَشَا الله، أَي مَا شَاءَ الله.
والطُّمطُمانِيَّة تَعْرِض فِي لُغَة حِمْير، كَقَوْلِهِم طَابَ
امْهَواءُ أَي طَابَ الهَواءُ. |