تهذيب اللغة

(أَبْوَاب الْحَاء وَالسِّين
(ح س ز: مهمل)
ح س ط
اسْتعْمل مِنْهُ: سطح، سحط، طحس.
سطح: قَالَ اللَّيْث: السَّطْحُ: سَطْحُك الشيءَ على وَجه الأَرْض، كَمَا تَقول فِي الْحَرْب: سَطَحُوهُم أَي أَضْجَعُوهُم على الأَرْضِ، والسَّطِيحُ المسطوح هُوَ القَتِيلُ، وَأنْشد:
حَتَّى تَراهُ وَسْطَهَا سَطيحاً
وسَطِيحٌ الذِّئْبِيُّ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يتكَهَّنُ سُمِّي سطيحاً، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ بَين مَفَاصِلِه قَصَبٌ فَكَانَ لَا يقدر على قيام وَلَا قعُود، وَكَانَ مُنْسَطِحاً على الأَرْض، وحَدَّثنا بِقِصَّتِهِ محمدُ ابنُ إسْحَاق السّعْدِيّ قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب المَوْصِليّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب يَعْلَى بن عمْران البَجَلِيّ، قَالَ: حَدثنِي مَخْزُوم بن هانىء المَخْزُومِي عَن أَبِيه، وأَتَتْ لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَة سنة قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة ولد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَجَس إيوانُ كِسْرَى، وَسَقَطت مِنْهُ أربعَ عشرَة شُرْفَةً، وخَمِدَت نارُ فارِس، وَلم تَخْمَد قبل ذَلِك مائَة عَام، وغاضت بُحَيْرَة سَاوَةَ، وَرَأى المُوبِذَان إِبِلاً صِعاباً تقود خَيْلاً عِراباً قد قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وانتشرت فِي بلادها فلمّا أصبح كسْرَى أفزعه مَا رأى، فلَبِس تاجه وَأخْبر مَرازِبَتَه بِمَا رأى، فورد عَلَيْهِ كتَابٌ بخمود النَّار، فَقَالَ المُوبِذَانُ: وَأَنا رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة وقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِل، فَقَالَ لَهُ الْملك: وأيُّ شَيْء يكون هَذَا؟ قَالَ: حَادث من نَاحيَة الْعَرَب، فَبعث كسْرَى إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر أَن ابْعَثْ إليّ بِرَجُل عَالِمٍ ليخبرني عمَّا أسأله، فَوجه إِلَيْهِ بِعَبْد الْمَسِيح بن عَمْرو بن نُفَيْلَة الغَسَّانِي، فَأخْبرهُ بِمَا رأى، فَقَالَ: عِلْم هَذَا عِنْد خَالِي سَطِيح، قَالَ: فأته وسَلْه وأتِني بجوابه، فَقدم على سَطِيح وَقد أَشْفَى على الْمَوْت فأنْشَأَ يَقُول:
أَصَمُّ أم يَسْمَعُ غِطْرِيفُ اليمَن
أم فَادَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَنَن
يَا فَاصِلَ الْخُطَّة أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
أَتَاكَ شَيْخُ الحَيِّ من آل سَنَنْ
رَسُولُ قَيْل العُجْم يَسْرِي لِلْوَسَن
وأمّه من آل ذئْب بن حَجَن
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّداء والبَدَنْ
تَجُوبُ بِي الأرضَ عَلَى ذَات شَجَن
تَرْفَعُني وَجْنَاءُ تَهْوِي من وَجَن
حَتَّى أَتَى عاري الجبين والقَطَن
لَا يَرْهَبُ الرَّعدَ وَلَا ريْبَ الزَّمن
تَلُفُّهُ فِي الرِّيح بَوْغَاءٌ الدِّمَن
كأَنَّما حُثْحِثَ من حِضْنَي ثَكَن

(4/162)


فَلَمَّا سمع سَطِيح شِعْرَه رفع رأسَه فَقَالَ: عبد الْمَسِيح على جَمَلٍ مُشيح يهوي إِلَى سَطيح وَقد أوفى على الضَّرِيح، بَعَثَكَ مَلِك من بني سَاسَان لارْتجَاسِ الإيوان وخمود النيرَان ورُؤْيا المُوبِذان، رأى إبِلاً صِعَاباً تقود خَيْلاً عِرَاباً. يَا عبدَ الْمَسِيح، إِذا كَثُرَت التِّلاوة، وبُعِثَ صاحبُ الهِرَاوَة، وغاضت بُحَيرةُ سَاوَة، فَلَيْسَ الشأم لِسَطيح شَأماً، يَمْلكُ مِنْهُم مُلُوك ومَلِكات على عَدَدِ الشُّرُفات، وكلّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثمَّ قُبِضَ سَطِيحٌ مَكَانَهُ، ونهض عبد الْمَسِيح إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول:
شَمِّر فَإنَّك مَا عُمِّرْتَ شِمِّيرُ
لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وتَغْيِيرُ
إِن يُمْسِ مُلْكُ بني ساسان أفرطهم
فإنَّ ذَا الدَّهْرِ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فرُبَّما رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ
تخَافُ صَوْلَهُم أُسْدٌ مَهَاصِير
مِنْهُم أَخُو الصَّرْح بَهْرَامٌ وإخْوَتهُم
وهْرْمُزَانٌ وسَابُورٌ وسَابُورُ
والناسُ أَوْلَاد عَلاَّتٍ فَمن عَلِمُوا
أَنْ قد أقلَّ فَمَهْجُورٌ ومَحْقُورُ
وهُم بَنُو الأُمِّ لَمَّا أَن رَأَوْا نَشَباً
فَذَاك بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَنْصُورُ
والخيرُ والشَّرُّ مقرونان فِي قَرَنٍ
فالخيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ
فلمّا قدم على كِسْرى أخبرهُ بقول سطيح فَقَالَ كِسْرى: إِلَى أَن يَمْلِكَ مِنَّا أربعةَ عشرَ مَلِكاً تكون أمُورٌ، فَملك مِنْهُم عَشَرَة فِي أَربع سِنِين، ومَلَك الْبَاقُونَ إِلَى زَمَن عُثمان.
قلت: وَهَذَا الْخَبَر فِيهِ ذكر آيَة من آيَات نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مبعثه، وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّطحُ: ظَهْرُ الْبَيْت إِذا كَانَ مُسْتَوِياً، وفِعْلُكه التَّسْطِيح.
قَالَ: والمِسْطَح والمِسْطَحَةُ: شبه مِطْهَرَة لَيست بمُربَّعة، قَالَ: ويُسَمَّى هَذَا الكوزُ الَّذِي يُتَّخَذُ للسَّفر ذُو الجَنْبِ الواحِدِ مِسْطَحاً.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ حَمَلَ بن مَالك قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنتُ بَين جَارَتَين لي فضَرَبَت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمِسْطح فَأَلْقَت جَنيناً ميِّتاً وَمَاتَتْ، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدية المقتولة على عَاقِلَة القاتلة، وَجعل فِي الْجَنِين غُرَّة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المِسْطح: عُودٌ من عِيدان الخِباءِ أَو الفُسْطاط. وَأنْشد قَول عَوْف بن مَالك النَّضْرِيّ:
تَعرَّض ضَيْطَارُو فُعَالة دُوننَا
وَمَا خَيْرُ ضَيْطَارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحا
يَقُول: لَيْسَ لَهُ سلَاح يُقَاتل بِهِ غير مِسْطح.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي بعض أَسْفَاره، ففقدوا المَاء، فَأرْسل عَلِيّاً وَفُلَانًا يبغيان المَاء فَإِذا هما بِامْرَأَة بَين سطيحتين.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي والكِسَائي: السَّطِيحةُ: المزادَةُ تكون من جلدين، والمزادة أكبر مِنْهَا.

(4/163)


ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَّطِيحة من المزاد: إِذا كَانَت من جلدين قُوبِل أَحدهمَا بِالْآخرِ فَسُطح عَلَيْهِ فَهِيَ سطيحة.
وَقَالَ غَيره: المِسْطحُ: حصيرٌ يُسَفُّ من خُوصِ الدَّوْمِ، وَمِنْه قولُ تَمِيم بن مُقبل:
إِذا الأمْعَزُ المَحْزُوُّ آضَ كَأَنَّهُ
من الحَرِّ فِي حَدِّ الظهيرة مِسطَحُ
والمِسْطَح: أَيْضا: صفيحة عريضة من الصخر يُحَوَّط عَلَيْهِ لماء السَّمَاء، ورُبما خلق الله عِنْد فَم الرَّكِيَّة صفَاةً ملساء مستويةً فيُحَوَّط عَلَيْهَا بِالْحِجَارَةِ، ويُسقَى فِيهَا لِلْإِبِلِ شبه الْحَوْض، وَمِنْه قَول الطّرمّاح:
... فِي جَنْبَيْ مَدِيَ ومِسْطَح
والمِسْطَح أَيْضا: مَكَان مُسْتَوٍ يُجَفَّفُ عَلَيْهِ التَّمْر ويُسَمَّى الجَرِين.
والسُّطَّاحَة: بقلة ترعاها الْمَاشِيَة، ويُغسَل بورقها الرؤوس.
وَقَالَ الفرّاء: هُوَ المِسْطح والمِحْورُ والشُّوبق.
قَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا عُرِّش الكرْمُ عُمِدَ إِلَى دعائم يُحْفَر لَهَا فِي الأَرْض، لكل دعامة شُعْبَتان، ثمَّ تؤخَذُ خَشَبَةٌ فَتُعَرَّضُ على الدّعامَتَيْن، وتُسَمَّى هَذِه الْخَشَبَة المعروضة المِسْطح، وَيجْعَل على المساطِح أُطُرٌ من أدناها إِلَى أقصاها تُسمَّى المساطِح بالأُطُر مساطِح.
طحس: قَالَ ابْن دُرَيْد: الطَّحْس يُكْنى بِهِ عَن الْجِمَاع. يُقَال: طَحَسَهاوطَحَزَها، قلت: وَهَذَا من مَناكِير ابْن دُرَيْد.
سحط: أَبُو عَمْرو والأصمعي: سَحَطه وشَحَطه إِذا ذَبَحه.
وَقَالَ اللَّيْث: سَحَط الشَّاةَ وَهُوَ ذَبْحٌ وَحِيٌّ.
وَقَالَ المُفَضَّل: المَسْحُوط من الشَّرَاب كلِّه: الممْزُوج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَكلَ طَعَاما فَسَحَطه أَي أَشرقَه، وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
كَاد اللُّعاعُ من الحَوْذَان يَسْحطُها
ورِجْرِجٌ بَين لَحْيَيْها خَناطِيلُ
ح س د
حسد، حدس، دحس، سدح: مستعملة.
حسد: قَالَ اللَّيْث: الحَسَدُ مَعْرُوف، وَالْفِعْل حَسدَ يَحْسُدُ حَسَداً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَسْدَلُ: القُرَادُ، قَالَ: وَمِنْه أُخِذ الْحَسَد لِأَنَّهُ يَقْشِرُ القَلْبَ كَمَا يَقْشِر القُرادُ الْجلد فيمتصّ دَمَهُ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا حسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَين، رجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَرجل آتَاهُ الله قُرْآنًا فَهُوَ يتلُوه) . أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه سُئل عَن معنى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا حَسَد لَا يضر إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، قَالَ: والحَسَدُ أَن يَرَى الْإِنْسَان لِأَخِيهِ نِعْمةً فيتمنَّى أَن تُزْوَى عَنهُ وَتَكون لَهُ، قَالَ: والغَبْطُ: أَن يتَمَنَّى أَن يكون لَهُ مثلهَا من غبر أَن تُزْوَى عَنهُ، قلت: فالغَبْطُ ضرب من الْحَسَد، وَهُوَ أخَفّ مِنْهُ، أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا سُئل: هَل يضر الغَبْط؟ فَقَالَ: نعم، كَمَا

(4/164)


يضُرّ الخبْطُ، فَأخْبر أَنه ضَارٌّ وَلَيْسَ كضرر الْحَسَد الَّذِي يتَمَنَّى صَاحبه زَيَّ النِّعْمَة عَن أَخِيه، والخَبْطُ: ضَرْبُ ورق الشّجر حَتَّى يَتَحَاتَّ عَنهُ، ثمَّ يَسْتَخلف من غير أَن يَضُرّ ذَلِك بِأَصْل الشَّجَرَة وَأَغْصَانهَا.
وَقَوله ج: (لَا حق إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) هُوَ أَن يتَمَنَّى أَن يرزقه الله مَالا ينْفق مِنْهُ فِي سُبُل الْخَيْر، أَو يَتمنَّى أَن يكون حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى فيتلُوه آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَلَا يتَمَنَّى أَن يُرْزَأ صاحِبُ المَال فِي مَاله أَو تَالِي الْقُرْآن فِي حفظه.
وأَصْلُ الحَسَدِ القَشر كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
سدح: قَالَ اللَّيْث: السَّدْحُ: ذَبْحُك الحيوانَ ممدوداً على وَجه الأَرْض وَقد يكون إضْجاعُك الشيءَ على وَجه الأَرْض سَدْحاً نَحْو القِرْبَة المملُوءَة المسْدُوحَة.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف الْحَيَّة:
يأْخذ فِيهِ الحَيَّةَ النَّبُوحا
ثمَّ يَبِيتُ عِنْده مذبُوحا
مُشَدَّخَ الهامةِ أَو مَسْدُوحا
قلت: السَّدْح والسَّطْحُ وَاحِد أبدلت الطاءُ فِيهِ دَالا، كَمَا يُقَال: مَطَّ ومَدَّ وَمَا أشبهه.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَدَحَ بِالْمَكَانِ وردَحَ إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ أَو المَرْعَى، قَالَ: وسَدَحْتُه أَي صَرَعْتُه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: سَدَحت الْمَرْأَة ورَدَحَت إِذا حَظِيت عِنْد زَوجهَا ورَضِيَت.
حدس: قَالَ اللَّيْث: الحَدْسُ: التّوَهُّم فِي مَعَاني الْكَلَام والأمُور. بَلغنِي عَن فلَان أمْرٌ فَأَنا أَحْدِسُ فِيهِ أَي أَقُول بالظَّنِّ والتَّوَهُّم.
قَالَ: والحَدْس فِي السّير: سُرعَةٌ ومُضِيٌّ على طَريقَة مُسْتَمِرَّة. وَأنْشد:
كَأَنَّهَا من بَعْدِ سَيْرٍ حَدْسٍ
وحُدَسُ: اسْم أبي حَيَ من العرَب.
والعرَب تختلِفُ فِي زجر البغال فبعضٌ يَقُول: عَدَس. وَبَعض يَقُول: حَدَس. قلت: وعَدَس أَكثر من حَدَس. وَمِنْه قَول ابْن مُفَرِّغٍ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْك إمارَةٌ
نَجَوْتِ وهَذَا تَحمِلين طَلِيقُ
جعل عَدَسْ اسْما للبغلة، سَمَّاهَا بالزَّجر عَدسْ.
وَقَالَ ابْن أَرقم الكُوفيُّ: حَدَسْ: قوم كَانُوا على عهد سُلَيْمَان بن دَاوُد ث وَكَانُوا يَعْنُفُون على البغال، فَإِذا ذُكِرُوا نَفَرت البِغالُ خوفًا لما كَانَت لَقِيَتْ مِنْهُم.
وَقَالَ اللِّحياني: حَدَسْتُ الشَّاة حَدْساً إِذا أضجعتها لتذبحها، وَمِنْه المثَلُ السَّائر: (حَدَسَهم بِمُطْفِئَة الرَّضْف) .
وَقَالَ ابْن كُناسَة: تَقول الْعَرَب: إِذا أمْسَى النَّجمُ قِمَّ الرَّأْس فَعُظْمَاها فاحْدِس، مَعْنَاهُ انْحَرْ أعْظَم الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو زيد حَدَسْتُ بالناقة: إِذا أَنَخْتها.
وَقَالَ غَيره: أصلُ الحَدْس: الرَّمْيُ، وَمِنْه حَدْسُ الظَّن إِنَّمَا هُوَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ.
الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: بَلَغْتُ بِهِ الحِداسَ أَي الْغَايَة الَّتِي يُجْرَى إِلَيْهَا

(4/165)


وأبْعَدَ، وَلَا تَقُل الإدَاسَ.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوِي: حَدَس فِي الأَرْض وعَدَسَ يَحْدِسُ ويَعْدِس إِذا ذهب فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَحَدَّسْتُ عَن الْأَخْبَار تَحدُّساً، وتَنَدَّسْتُ عَنْهَا تَنَدُّساً، وتَوَجَّسْتُ إِذا كنتَ تُرِيغُ أخبارَ النَّاس لتعلمها من حَيْثُ لَا يعلمُونَ.
وَيُقَال: حَدَسْتُ عَلَيْهِ ظَنِّي ونَدَسْتُه إِذا ظَنَنْتَ الظَّنَّ وَلم تَحُقَّه.
وَمعنى الْمثل: حَدَسَهم بمُطْفِئَة الرَّضْف أَنه ذبح لأضيافه شَاة سَمِينَة أطفَأَت من شحمها ذَلِك الرَّضْف.
وَيُقَال: دحَسَ بناقته إِذا وجأ فِي سَبَلَتِها أَي أناخها فوجأها فِي نحرها، والسَّبَلَةُ هَاهُنَا نحرُها. يُقَال: مَلأ الدَّلوَ إِلَى أسْبالها أَي إِلَى شِفَاهِها.
دحس: اللَّيْث: الدَّحْسُ: التَدّسِيسُ للأمور تستبطنها وتطلُبُها أخْفى مَا تَقْدِر عَلَيْهِ: وَلذَلِك سُمِّيت دودةً تَحت التُّرَاب دَحّاسَةً، وَهِي صفراءُ صَافِيَة، لَهَا رَأس مُشَعَّبُ يَشُدّها الصِّبيان فِي الفِخاخ لصيد العصافير، لَا تُؤْذِي، وَأنْشد فِي الدَّحْس بِمَعْنى الاستبطان:
وَيعْتِلُون مَنْ مَأَى فِي الدَّحْس
وَقَالَ بعض بني سُلَيْم: وِعاءٌ مَدْحُوسٌ ومَدْكُوسٌ ومَكْبُوسٌ بِمَعْنى وَاحِد، وَهَذَا يدل على أَن الدَّيْحَسَ مثل الدَّيْكَس: وَهُوَ الشيءُ الْكثير.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: دَحَسْتُ بَين الْقَوْم دَحْساً: أفسدتُ بَينهم، وَكَذَلِكَ مَأَسْتُ وأرشْتُ.
وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي:
وَإِن دَحَسُوا بالشَّرِّ فاعْفُ تَكَرُّما
وَإِن خَنَسُوا عَنْك الحديثَ فَلَا تَسَلْ
النَّضْرُ: الدَّحَّاسُ: دُودٌ يُشَدُّ فِي الفَخِّ، وَجمعه دَحَاحِيس.
سُئل الْأَزْهَرِي عَن الدَّاحس فَقَالَ: الدَّاحِسُ: قَرْحَةٌ تخرج بِالْيَدِ تسمى بِالْفَارِسِيَّةِ بَرْوَرَهْ.
وداحس: اسْم فرس مَعْرُوف.
ح س ت
اسْتعْمل من وجوهه: (سحت) .
سحت: اللَّيْث: السُّحْتُ: كلُّ حَرام قَبِيح الذِّكر يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَار نَحْو ثمن الكَلْب وَالْخمر والخِنْزِير: وَإِذا وَقع الرجل فِيهَا قيل: قد أسْحَت الرجل. قَالَ: والسُّحْتُ: العَذَابُ، قَالَ: وسَحَتْنَاهم بلغنَا مجهودَهم فِي المَشَقَّة عَلَيْهِم، وأَسْحَتْنَاهم لُغَةٌ.
وَقَالَ الفرّاء: قُرىءَ قَوْلُ الله جلّ وعزّ: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) وقرىء: (فيَسْحَتَكم) بِفَتْح الْيَاء والحاء، قَالَ: ويَسْحَتُ أَكثر وَهُوَ الاستئصال. وَأنْشد قَول الفرزدق:
وعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْن مَرْوَان لم يَدَعْ
من المَال إِلَّا مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفُ
قَالَ: وَالْعرب تَقول: سَحَت وأَسْحَتَ.
ويُروَى: إِلَّا مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّفُ. ومَنْ رَوَاهُ كَذَلِك جعل معنى لم يدع: لم يَتَقَارّ، وَمن رَوَاهُ: إِلَّا مُسْحَتاً، جعل لم يَدَعْ بِمَعْنى لم

(4/166)


يتْرك وَرفع قَوْله: أَو مُجَلَّفُ بإضمارٍ كأنَّه قَالَ: أَو هُوَ مُجَلَّفٌ كَذَلِك. وَهَذَا قَول الْكسَائي.
وَيُقَال: أَسْحَت الحالِقُ شَعَرَه إِذا استأصله، وأسْحَت الخاتِنُ فِي خِتَان الصَّبِي إِذا استأصله. وَكَذَلِكَ أغْدَفَهُ. يُقَال: إِذا ختنت فَلَا تُغْدِف وَلَا تُسْحِت.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ شُجَاعاً السُّلَمِي يَقُول: بَرْدٌ بَحْتٌ وسَحْتٌ ولَحْتٌ أَي صَادِقٌ، مثل سَاحَة الدَّار وَبَاحَتها، وَيُقَال: مالُ فلَان سُحْتٌ أَي لَا شَيْءَ على من اسْتَهْلكهُ.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحمى بجُرَش حِمًى، وَكتب لَهُم بذلك كتابا فِيهِ: (فَمَنْ رعاه من النَّاس فَمَاله سُحْتٌ) أَي من أصَاب مالَ مَنْ رَعَى الحِمَى فقد أهدرْتُه ودَمُه سُحْتٌ أَي هَدَرٌ.
وقُرىءَ (أَكَّالُون للسُّحُتِ) مُثَقَّلا، و {لِلسُّحْتِ} (الْمَائِدَة: 42) مُخَفَّفا، وتأويله أنّ الرُّشَا الَّتِي يأكلونها يُعْقِبُهم الله بهَا أَن يُسْحِتَهم بِعَذَاب، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) .
أَبُو عُبَيد عَن الأحْمر: المَسْحُوتُ: الجائعُ، وامرأةٌ مَسْحُوتَةٌ.
وَقَالَ رُؤبة يصفُ يُونُس والحُوتَ الَّذِي الْتَهَمَه.
يُدْفَعُ عَنهُ جَوْفُه المَسْحُوتُ
يَقُول: نَحَّى الله جلّ وعزّ جوَانِبَ جَوْفِ الْحُوت عَن يُونُس، وجافاه عَنهُ فَلَا يُصِيبُه مِنْهُ أَذَى. وَمن رَوَاهُ:
يَدْفعُ عَنهُ جوفُه المَسْحوتُ
يُرِيد أَن جوفَ الحوتِ صَار وِقاية لَهُ منَ الغَرَق، وَإِنَّمَا دفع الله جلّ وعزّ عَنهُ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أسْحَتَ الرجلُ فِي تِجَارَته إِذا اكْتَسَبَ السُّحْتَ.
ح س ظ ح س ذ ح س ث: أهملت وجوهها.
ح س ر
حسر، حرس، سحر، سرح، رسح: مستعملة.
حسر: قَالَ اللَّيْث: الْحَسْرُ: كَشْطُكَ الشَّيءَ عَن الشيءِ. يُقَال: حَسَرَ عَن ذِراعيه، وحَسَرَ البَيْضَة عَن رَأسه، وحَسَرَت الرِّيحُ السّحابَ حَسْراً. وانْحَسَرَ الشيءُ إِذا طاوَع. وَقد يَجِيء فِي الشِّعر حَسَرَ لَازِما مثل انْحَسَر.
وَقَالَ اللَّيْث: حَسَرَ البَحرُ عَن السَّاحِل إِذا نَضِبَ عَنهُ حَتَّى بدا مَا تَحت المَاء من الأَرْض، وَلَا يُقالُ: انحسَرَ البَحْرُ.
وَقَالَ ابْن السَّكِّيت: حَسَرَ الماءُ ونَضَبَ وجَزَرَ بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد أَبُو عُبَيد فِي الحُسُورِ بِمَعْنى الانكشافِ:
إِذا مَا القَلاَسِي والعَمائمُ أُخْنِسَتْ
فَفِيهن عَن صُلْعِ الرِّجال حُسُور
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْرُ والحُسُور: الإعياء، تَقول حَسَرَت الدَّابَّةُ والعَيْنُ، وحَسَرَها بُعْدُ الشَّيْء الَّذِي حَدَّقَتْ نَحوه، وَقَالَ رؤبة:
يَحْسُرُ طَرْفَ عَيْنِه فَضَاؤُه

(4/167)


وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ} (المُلك: 4) يُرِيد يَنْقَلِب صاغِراً وَهُوَ حَسِيرٌ أَي كليلٌ كَمَا تَحْسِرُ الإبِل إِذا قُوِّمَتْ عَن هُزَال وَكَلال، وَهِي الحَسْرَى، وَاحِدهَا حَسِيرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً} (الإسرَاء: 29) .
قَالَ: نَهَاه أَن يُعْطِيَ كُلَّ مَا عِنْده حَتَّى يَبْقَى مَحْسُوراً لَا شَيْء عِنْده.
قَالَ: والعَرَبُ تَقول: حَسَرْتُ الدَّابَّة إِذا سَيّرْتَها حَتَّى يَنْقَطِع سَيْرُها، وَأما البَصَرُ فَإِنَّهُ يَحْسُرُ عِنْد أقْصَى بُلُوغ النّظر.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: حُسِرَت الدَّابَّةُ حَسْراً إِذا أُتْعِبَتْ حَتَّى تَبْقَى، واستحسرت إِذا أَعْيَتْ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} (الأنبيَاء: 19)
وَفِي الحَدِيث: (الحسير لَا يعقر) لَا يجوز للغَازِي إِذا حُسِرَت دابَّتُه وقَوَّمَتْ أَن يَعْقِرها مخافَةَ أَن يَأْخُذهَا العَدُوُّ، وَلَكِن يُسَيِّبُها.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرّجَّالة فِي الْحَرْب الحُسَّر، وَذَلِكَ أَنهم يَحْسِرونَ عَن أَيْدِيهم وأَرْجُلِهم.
وَقَالَ بَعضهم: سُمُّوا حُسَّرا لِأَنَّهُ لَا دُرُوعَ عَلَيْهِم وَلَا بَيْض، والحَاسِرُ: الَّذِي لَا بَيْضَةَ على رأسِه، وَقَالَ الأعْشى: يصف الدَّارعَ والحاسِر:
تَعْصِفُ بالدَّارِع والحَاسِرِ
وَفِي فتح مَكَّة أَن أَبَا عُبَيدة كَانَ يومئذٍ على الحُسَّر وهم الرَّجَّالَة، وَيُقَال للَّذين لَا دروع لَهُم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله عزّ وجلّ: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) هَذَا أَصْعَب مَسْأَلَة فِي الْقُرْآن إِذا قَالَ الْقَائِل: مَا الْفَائِدَة فِي مُناداة الحَسْرة، والحَسْرةُ مِمَّا لَا تُجِيب، قَالَ: والفائدة فِي مناداتها كالفائدة فِي مُناداة مَا يعقل، لِأَن النِّداءَ بابُ تَنْبِيه. إِذا قلت: يَا زَيْدُ، فَإِن لم تكن دَعوته لتخاطبه بِغَيْر النداء فَلَا معنى للْكَلَام، إِنَّمَا تَقول: يَا زيد لتنبهه بالنداء، ثمَّ تَقول لَهُ: فعلت كَذَا، أَلا تَرَى أَنَّك إِذا قلت لمن هُوَ مقبل عَلَيْك: يَا زيدُ، مَا أَحسنَ مَا صَنَعْتَ فَهُوَ أوكَدُ من أَن تَقول لَهُ: مَا أحسنَ مَا صنعت بِغَيْر نِدَاء، وَكَذَلِكَ إِذا قلت للمخاطب: أَنَا أعجَبُ مِمَّا فعلت، فقد أفدته أَنَّك مُتَعَجِّب، وَلَو قلت: واعَجَبَاهُ ممَّا فَعَلْت، وَيَا عجباه أتفعل كَذَا كَانَ دُعَاؤُك العَجَب أبلغ فِي الْفَائِدَة، وَالْمعْنَى يَا عَجَبَا أَقْبِلْ فَإِنَّهُ من أَوْقَاتِك، وَإِنَّمَا النداء تَنْبِيه للمتعَجَّب مِنْهُ لَا للعَجَب، والحَسْرَةُ أَشَدُّ النَّدَم حَتَّى يبْقى النَادِمُ كالحَسِيرِ من الدوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} (فَاطِر: 8) . وَهَذَا نَهْيٌ مَعْنَاهُ الْخَبَر، المَعْنَى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سوء عمله فأضله الله ذَهَبَتْ نَفْسُك عَلَيْهِم حَسْرةً وتَحسُّراً، وَيُقَال حَسِر فلَان يحسَر حَسْرَةً وحَسَراً إِذا اشتدت ندامتُه على أمرٍ فَاتَهُ، وَقَالَ المَرَّار:
مَا أَنَا اليومَ على شيْء خَلاَ
يَا ابْنَةَ القَيْن تَوَلَّى بِحَسِرْ

(4/168)


وَقَالَ اللَّيْث: الطيرُ تتحَسَّر إِذا خَرَجَتْ من الرِّيش العَتِيقِ إِلَى الحَدِيث، وحَسّرها إبَّان التَّحْسِير ثَقَّلَه: لِأَنَّهُ فُعِلَ فِي مُهْلَة.
قلت: والبَّازِي يُكَرِّز للتَّحْسِير، وَكَذَلِكَ سَائِر الْجَوَارِح تَتَحَسّر.
وتَحَسَّر الوَبَرُ عَن البَعِير والشَّعَر عَن الْحمار إِذا سَقَطَ. وَمِنْه قَوْله:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنهُ فأَنْسَلَها
واجْتَابَ أُخرى جَدِيدا بعد مَا ابْتَقَلاَ
وَقَالَ اللَّيْث: الْجَارِيَة تَتحَسَّر إِذا صَارَ لحمُها فِي موَاضعه، وَكَذَلِكَ البَعيرُ. وَقَالَ لبيد:
فَإِذا تَغَالَي لَحمُها وتَحَسَّرَتْ
وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلاَلِ خِدَامُها
قلت: وتحسُّرُ لحم الْبَعِير أَن يكون الربيعُ سَمَّنه حَتَّى كثُر شحمه وتَمَكَ سَنَامه، فَإِذا رُكِبَ أَيّاماً فَذهب رَهَلُ لَحْمه، واشْتَدَّ مَا تَزَيَّم مِنْهُ فِي موَاضعه فقد تَحسّر.
وَرجل حاسِرٌ: لَا عِمامَةَ على رَأسه، وامرأةٌ حاسِرٌ بِغَيْر هَاء إِذا حَسَرَتْ عنهَا ثِيابها، ورجُلٌ حاسِرٌ: لَا دِرْعَ عَلَيْهِ وَلَا بَيْضَة على رأْسِه.
وَقَالَ الليثُ: الحَسَارُ: ضَرْبٌ من النَّباتِ يُسلِّح الإبِلَ.
ورجُلٌ مُحَسَّر: مُحَقَّرٌ مُؤْذًى.
وَفِي الحَدِيث (يخرج فِي آخر الزّمان رجُلٌ يُسَمَّى أمِيرَ العُصَبِ، أَصْحَابُه مُحَسَّرُون مُحَقَّرُون مُقْصَوْن عَن أَبْوَاب السُّلْطَان، يأتونه من كل أَوْبِ كَأَنَّهُمْ قَزَعُ الخَريفِ يُوَرِّثُهُم الله مَشارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبها) .
أَبُو زيد فَحْلٌ حاسرٌ وفادِرٌ وجَافِرٌ إِذا أَلْقَح شَوْلَه فَعَدَلَ عَنْهَا وتَركها.
وَفِي الحَدِيث: (ادعوا الله وَلَا تستحسروا) . قَالَ النَّضْرُ: مَعْنَاهُ لَا تَمَلُّوا.
قَالَ الشَّيْخُ: رُوِي هَذَا الْحَرْف: فَحْلٌ جاسرٌ بِالْجِيم أَي فادِر، وَأَظنهُ الصَّوَاب، وَقَول العَجَّاج:
كَجَمَلِ البَحْرِ إِذا خَاضَ جَسَرْ
غَوَارِبَ اليَمِّ إِذا اليَمُّ هَدَر.
حَتَّى يُقَال حَاسِرٌ وَمَا انْحَسَرَ
يَعْنِي اليَمّ، يُقَال: حاسِرٌ إِذا جَزَر، وَقد حَسَر البَحْرُ وجَزَر وَاحِد.
وَقَوله: إِذا خَاضَ جَسَر بِالْجِيم أَي اجترأ وخاض مُعْظَمَ الْبَحْر، وَلم تَهُلْه اللُّجَحُ.
الحَسَارُ من العُشْبِ ينْبت فِي الرِّياض، الواحِدَةُ حَسَارَة.
ورِجْلُ الغُرَاب: نَبْتٌ آخر، وَدم الغزال: نبت آخر: والتأويلُ: عُشْب آخر.
سحر: قَالَ اللَّيْث: السِّحْرُ: عمل يُقْرَبُ فِيهِ إِلَى الشَّيْطَان وبمَعُونَةٍ مِنْهُ، كل ذَلِك الأمْرِ كَيْنُونَتُه السِّحْر، وَمن السِّحْر الأخْذَةُ الَّتِي تأْخُذُ العَيْنَ حَتَّى تَظُنَّ أنَّ الأمرَ كَمَا تَرى وَلَيْسَ الأصْلُ على مَا تَرَى.
وَفِي الحَدِيث أنّ قيسَ بنَ عَاصمٍ المِنْقَرِيَّ والزِّبرقان بن بدر وَعَمْرو بن الأصمِّ قَدِمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ النبيُّ عَمْراً عَن الزِّبْرِقَان فأَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، فَلم يَرْضَ الزّبرِقَانُ بذلك، وَقَالَ: وَالله يَا رَسُول الله إِنَّه ليعلم أَنّي أفضل مِمَّا قَالَ، وَلكنه حَسَدَ

(4/169)


مكانِي مِنْك، فأَثْنَى عَلَيْهِ عَمْرو شَرّاً، ثمَّ قَالَ: وَالله مَا كَذَبْتُ عَلَيْهِ فِي الأُولى وَلَا فِي الْآخِرَة، وَلكنه أرضاني فَقلت بالرِّضا، ثمَّ أَسْخَطَني فَقلت بالسُّخْطِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ من البَيَان لسِحْراً) : / /
قَالَ أَبُو عُبَيد: كأنّ الْمَعْنى وَالله أعلم أَنه يَبْلُغُ من بَيَانِه أَنَّه يَمْدَحُ الإنسانَ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوب إِلَى قَوْله، ثمَّ يَذُمُّهُ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قولِه الآخر، فكأنّه قد سَحَر السامعين بذلك. قلت: وأصل السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيْء عَن حَقِيقَتِه إِلَى غَيره.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) مَعْنَاهُ فأَنَّى تُصْرَفُون، ومِثْلُه {إِلاَّ هُوَ} (فَاطِر: 3) ، أُفِكَ وسُحِرَ سَوَاء.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سَلاَّم عَن يُونُسَ فِي قَوْله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) قَالَ: تُصْرَفُون.
قَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب للرّجل: مَا سَحَرَكَ عَن وَجْه كَذَا وَكَذَا، أَي مَا صَرَفَك عَنهُ.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابْن عَائِشَة: العَرَبُ إِنَّمَا سَمَّت السِّحْرَ سِحْراً لِأَنَّهُ يُزِيلُ الصِّحَّة إِلَى الْمَرَض، وَإِنَّمَا يُقَال: سَحَرَه أَي أزاله عَنِ البُغْضِ إِلَى الْحبّ. وَقَالَ الكُمَيْت:
وقَادَ إِلَيْهَا الحُبَّ فانْقَادَ صَعْبُه
بِحُبَ من السِّحْرِ الحَلاَل التَّحَبُّبُ
يُرِيد أنّ غَلَبَةَ حُبّها كالسّحر ولَيْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ حُبٌّ حَلاَلٌ، والحَلاَلُ لَا يكون سحرًا، لِأَن السِّحْرَ فِيهِ كالْخِدَاعِ. قَالَ شَمِر: وأَقْرَأَني ابْن الأعرابيّ للنَّابِغَةِ:
فَقَالَت يَمِينُ الله أَفْعَلُ إنَّني
رأَيْتُك مَسْحُوراً يَمِينُك فاجِرَه
قَالَ: مسحوراً: ذَاهِبَ العَقْلِ مُفسَداً.
قَالَ: وطعَامٌ مَسْحُورٌ إِذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وأرضٌ مَسْحُورَة: أصَابَهَا من المَطَرِ أكثَرُ مِمَّا يَنْبَغِي فأفْسَدَها، وغَيْثٌ ذُو سِحْرِ إِذا كَانَ ماؤُه أكثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي.
وَقَالَ ابْن شُميل: يقالُ للْأَرْض الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نبت، إِنَّمَا هِيَ قاعٌ قَرَقُوسٌ. أَرض مَسْحُورَة: لَا تنْبت، وعَنْزٌ مَسحُورَةٌ: قليلَةُ اللَّبَن. وَقَالَ: إِنَّ البَسْقَ يَسْحَرُ أَلْبَانَ الغَنَم، وَهُوَ أَن يَنْزِلَ اللَّبَنُ قَبْلَ الوِلاَدِ.
وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) قَالُوا لنَبِيّ الله: لستَ بمَلَكٍ إِنَّمَا إنت بشرٌ مثلُنا.
قَالَ: والمُسَحَّرُ: المُجَوَّفُ، كَأَنَّهُ وَالله أَعْلم أُخِذَ من قَولِك: انْتَفَخَ سَحْرُك أَي أَنَّك تَأْكُلُ الطَّعامَ والشَّرابَ فَتُعَلَّلُ بِهِ، وَقَالَ لَبِيدٌ:
فإنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحن فإنَّنَا
عَصَافِيرُ من هَذَا الأَنَامِ المُسَحَّرِ
يُرِيد المُعَلَّل المخدوع، قَالَ: ونرى أنّ السَّاحر من ذَلِك أُخِذَ لِأَن كالخديعة.
وَقَالَ غَيره: {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) أَي مِمّن سُحِرَ مَرَّةً بعد مَرَّة. والسِّحْرُ سُمِّي سِحْراً: لِأَنَّهُ صَرْفُ الشيءِ عَن

(4/170)


جِهتهِ، فكأنَّ الساحِرَ لمّا أَرَى البَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحق، وخَيَّلَ الشيءَ على غير حَقِيقَته، فقد سَحَر الشيءَ عَن وَجهه أَي صَرَفَه. وَقَالَ بعضُ أهل اللُّغَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (الإسرَاء: 47) قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا أَنه ذُو سَحْرٍ مِثْلُنا، وَالثَّانِي أَنه سُحِرَ وأزيل عَن حد الاسْتوَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السِّحْرُ: الخَدِيعَةُ، والسَّحَرُ، قِطْعةٌ من اللَّيْل. وَقَوله عزّ وجلّ: {وَقَالُواْ ياأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا} (الزّخرُف: 49) . يَقُول الْقَائِل: كَيفَ قَالُوا لمُوسَى: يَا أَيهَا السَّاحر وهم يَزْعمُونَ أَنهم مهتدون، فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن السَّاحر عِنْدهم كَانَ نَعْتاً مَحْمُودًا، والسِّحْرُ كَانَ عِلْماً مرغوباً فِيهِ: فَقَالُوا: يَا أَيهَا السَّاحر على جِهَة التَّعْظِيم لَهُ، وخاطبوه بِمَا تَقدّم لَهُ عِنْدهم من التَّسْمِيَة بالساحر إِذْ جَاءَ بالمعجزات الَّتِي لم يعهدوا مثلهَا وَلم يكن السحر عِنْدهم كفرا وَلَا كَانَ مِمَّا يتَعايَرون بِهِ، وَلذَلِك قَالُوا لَهُ: يَا أَيهَا السَّاحر.
وَقَالَ اللَّيْث: وَشَيْء يَلْعَبُ بِهِ الصِّبيان إِذا مُدَّ خرجَ على لَوْن وَإِذا مُدَّ من جانِبٍ آخر خرج على لون آخر مُخَالف للْأولِ ويُسمَّى السَّحَّارَةَ، قَالَ: والسِّحْرُ: الغِذَاءُ، وَأنْشد:
أرانا مُوضِعِين لحَتْم غَيْبٍ
ونُسْحَرُ بالطَّعَام وبالشَّرَاب
وَقَالَ غَيره: معنى نُسْحَرُ بِالطَّعَامِ أَي نُعَلَّلُ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحَرُ: آخِرُ اللَّيْل، تَقول: لَقيتُه سُحْرةَ يَا هَذَا، وسُحرَةً بِالتَّنْوِينِ، ولَقيتُه سَحَراً وسَحَرَ بِلَا تَنْوِين، ولَقيتُه بالسَّحرِ الْأَعْلَى ولقِيتُه بِأَعْلَى سَحَرينِ ولقِيتُه بِأَعْلَى السَّحَرَين، وَقَالَ العجّاج:
غَدَا بأَعْلَى سَحَرٍ وأَحْرَسا
قَالَ: وَهُوَ خطأ، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: بأَعلى سَحَرَيْن، لِأَنَّهُ أولُ تنفُّس الصُّبْح، كَمَا قَالَ:
مَرَّتْ بأَعلى سحَريْنِ تَدْأَلُ
قَالَ: وَتقول: سحَرِيَّ هَذِه اللَّيْلَة. وَأنْشد:
فِي لَيْلةٍ لَا نَحْسَ فِي
سحَرِيِّها وعِشائها
وبعضٌ يَقُول: سحريَّة هَذِه اللَّيْلة.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء، فِي قَول الله عزّ وجلّ: {لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم} (القَمَر: 34) ، أجْرى سَحراً هَاهُنَا لِأَنَّهُ نكرَة، كَقَوْلِك: نجيناهم بلَيْلٍ، قَالَ: فَإِذا أَلْقَت الْعَرَب مِنْهُ الْبَاء لم يُجْرُوه فَقَالُوا: فعلتُ هَذَا سَحرَ يَا فتَى، وَكَأَنَّهُم فِي تَركهم إجراءَه أَن كَلَامهم كَانَ فِيهِ بِالْألف وَاللَّام فَجرى على ذَلِك، فَلَمَّا حُذفَت مِنْهُ الْألف وَاللَّام وَفِيه نِيَّتُهما لم يُصرَف، كَلَام الْعَرَب أَن يَقُولُوا: مَا زَالَ عندنَا مُنْذُ السَّحَر لَا يكادون يَقُولُونَ غَيره.
وَقَالَ الزّجاج وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ: سَحَرٌ إِذا كَانَ نكرَة يَرادُ بِهِ سَحَرٌ من الأسْحارِ انْصَرف، تَقول: أَتيتُ زيدا سَحراً من الأسحار. فَإِذا أردْت سَحَر يومِك قلت: أَتَيتُهُ سَحَرَ يَا هَذَا، وأَتَيْتُه بِسحَرَ يَا هَذَا، قلت: والقياسُ مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ.
والسَّحُورُ: مَا يُتَسحَّرُ بِهِ وَقت السَّحَر من

(4/171)


طَعام أَو لَبَنٍ أَو سَوِيق، وُضِعَ اسْما لمَا يُؤكَل ذَلِك الْوَقْت، وَقد تسحَّر الرجلُ ذَلِك الطعامَ أَي أَكَلَهُ.
وَيُقَال: أسْحَرْنا أَي دخَلنَا فِي وَقت السَّحَر، واستَحَرنا أَي سِرنا فِي وَقت السَّحَرِ ونهَضْنا للسير فِي ذَلِك الْوَقْت، وَمِنْه قَول زُهَير:
بَكَرْنَ بُكُوراً واستَحَرْنَ بسُحْرَة
وَقَالَ ابنُ شُميْل فِي بَاب الأرنب: يُقَال للأرنب مُقَطَّعَةُ الأسْحار ومُقَطِّعة الْقُلُوب لِأَنَّهَا تُقَطِّع أَسْحارَ الكلابِ بشدَّة عَدْوِها، وتُقَطِّعُ أسحارَ مَنْ يطلبُها.
وَقَالَ اللَّيْث: الإسْحارَّةُ بقلة يَسْمَنُ عَلَيْهَا المالُ.
وَقَالَ النَّضْر: الإسْحارَّةُ: بَقْلَةٌ حارَّة تَنْبُتُ على سَاق لَهَا وَرَقٌ صِغَارٌ، لَهَا حبْة سَوْدَاء كالشَّهْنِيزَة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: السَّحْر خَفيفٌ: مَا لَصِق بالحلقوم وبالمريء من أَعلَى الْبَطن، وَقَالَ الفرَّاء فِيمَا روَى عَنهُ سَلَمة هُوَ السَّحْر والسُّحْر والسَّحَر.
وَقَالَ الليثُ: إِذا نَزَت بِالرجلِ البِطْنَةُ يُقَال: انْتَفَخَ سَحْرُه مَعْنَاهُ عدا طَوْرَه وَجَاوَزَ قدرَه.
قُلتُ: هَذَا خطأ إِنَّمَا يُقَال: انتفَخَ سَحْرُه للجبان الَّذِي مَلاَءَ الخَوفُ جوفَه فانتفَخَ السحْرُ وَهُوَ الرِّئَةُ حَتَّى رفع القلبَ إِلَى الحُلْقوم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ} (الأحزَاب: 10) وَكَذَلِكَ قَوْله: {الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاَْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ} (غَافر: 18) . كل هَذَا يدل على أنّ انتِفَاخ السَّحْرِ مَثَلٌ لشدّة الخَوْف وتمكّن الْفَزع وَأَنه لَا يكون من البِطْنَة.
والسَّحَرُ والسُّحْرَةُ: بَيَاض يعْلو السَّواد، يُقَال بِالسِّين وَالصَّاد إِلَّا أَن السِّين أَكثر مَا تُسْتعمَل فِي سَحَر الصُّبح، والصادَ فِي الألوان، يُقَال: حِمارٌ أَصْحرُ وأَتَانٌ صَحرَاء.
وَقَول ذِي الرُّمّةِ يصفُ فَلاَة:
مُغَمِّضُ أَسْحارِ الخُبوتِ إِذا اكتَسَى
من الْآل جُلاًّ نَازِحَ المَاء مُقْفِر
قيل: أَسحارُ الفَلاَة: أَطرافُها، وسَحَرُ كل شيءٍ: طرَفُه، شُبِّه بأَسحار اللَّيَالِي، وَهِي أطْراف مآخيرِها، أَرَادَ مُغَمِّضَ أَطْرَاف خُبُوتِه، فَأدْخل الْألف وَاللَّام فقاما مقَام الْإِضَافَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأسحارُ واحدُها سَحْر، قَالَ: وسَحْرُ الْوَادي: أَعْلَاهُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للَّذي يَشْتَكي سَحْرَه سَحِيرٌ فَإِذا أَصَابَهُ مِنْهُ السِّلُّ فَهُوَ بَحِيرٌ وبَحِرٌ.
وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وقائمٌ من جَذْبِ دَلْوَيها هَجِرْ
قَالَ: وسحَر إِذا تبَاعد، وسَحَر: خَدَع، وسَحَر إِذا بَكَّر.
وروى الطُّوسِيُّ عَن الخَزَّاز قَالَ: السَّحِير الَّذِي انقطَع سَحْرُه، وَهُوَ رِئتُه، والبَحِر:

(4/172)


الَّذِي سُلَّ جسمُه وَذهب لحمُه، وهَجِرٌ وهَجيرٌ يَمشِي مُثْقَلاً مُتقارِبَ الخَطْو كأنّ بِهِ هِجاراً لَا يَنْشَطُ مِمَّا بِهِ من الشِّرَّةِ والبَلاءِ.
حرس: الليثُ: الحَرْسُ: وَقتٌ من الدهرِ دون الحُقْبِ. أَبُو عُبَيد: الحَرْسُ: الدَّهرُ، والمُسْنَدُ: الدَّهرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَسُ هم الحُرَّاسُ والأحْرَاسُ، وَالْفِعْل حَرَس يَحْرُس، وَالْفِعْل اللَّازِم يَحْتَرِسُ كَأَنَّهُ يَحْتَرِزُ. قلتُ: وَيُقَال حارِسٌ وحَرَسٌ للْجَمِيع، كَمَا يُقَال: خادِمٌ وخَدَمٌ، وعاسٌّ وعَسَسٌ.
وَقَالَ الليثُ: البِناءُ الأحْرَسُ هُوَ الأصَمُّ الْبُنيان. قلت: البناءُ الأحْرَسُ هُوَ القَدِيمُ العَادِيُّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ الحَرْسُ وَهُوَ الدَّهْرُ، وَمِنْه قوْلُ رُؤْبَة:
وأَيْرَمٍ أَحْرَسَ فوْقَ عَنْزِ
والأيْرَم: شبه عَلَمٍ يُبْنَى فَوق القَارَة يُسْتَدَلُّ بِهِ على الطَّرِيق، والعَنْزُ قَارَةٌ سَوْدَاء، ويروى:
وإرَمٍ أَعْيَسَ فَوق عَنْزِ
وَفِي الحَدِيث أَنَّ غِلْمةً لحاطِب بنِ أبي بَلْتَعَةَ: احْتَرَسوا ناقَةً لِرَجُلٍ فانْتَحَرُوها.
وَفِي حَدِيث آخر: جَاءَ فِي حَرِيسَةِ الجَبَلِ قَالَ: لَا قَطْعَ فِيهَا.
قَالَ شَمِر: الاحتِرَاسُ: أَن يُؤْخَذَ الشيءُ من المَرْعَى.
وَقَالَ ابْن الأعرَابي: يُقَال للَّذي يَسْرِقُ الْغنم مُحْتَرِسٌ، وَيُقَال للشَّاةِ الَّتِي تُسْرَقُ حَرِيسَةٌ. وفُلاَنٌ يأْكُلُ الحَرِيساتِ إِذا تَسَرَّقَ غَنَمَ النَّاس فَأكلهَا، وَهِي الحَرائِسُ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرَّجل الَّذِي يُؤْتَمَنُ على حفظ شيءٍ لَا يُؤْمَنُ أَن يخون فِيهِ. مُحْتَرِسٌ من مِثْلِه وَهُوَ حارِسٌ.
والحَرْسان: جَبلان يُقَال لأَحَدهمَا: حَرْسُ قَساً وَفِيه هَضْبة يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء، وَقَالَ:
هُمُ ضَرَبُوا عَن وَجْهِهَا بكَتيبَةٍ
كبيضاء حَرْسٍ فِي طَرَائِقها الرَّجْل
الْبَيْضَاء: هَضْبةٌ فِي الجبَل.
سرح: قَالَ اللَّيْث: السَّرْح: المالُ يُسَامُ فِي المَرْعَى من الأنْعَامِ.
يُقَال: سَرَح القومُ إبِلَهم سَرْحاً، وسرَحَتِ الإبلُ سَرْحاً، والمسرَحُ: مَرْعَى السَّرْح، وَلَا يُسَمَّى سَرْحاً إِلَّا بعد مَا يُغْدَى بِهِ ويُرَاح، والجميع السُّرُوحُ.
قَالَ: والسَّارح يكون اسْما للرَّاعي الَّذِي يَسْرَحُها، وَيكون السَّارح اسْما للْقَوْم لَهُم السَّرْح نَحْو الْحَاضِر والسامر وهُما جَمِيعٌ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ فِي قَول الله عزّ وجلّ: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (النّحل: 6) . يُقَال: سَرَحْتُ الماشيةَ أَي أخْرَجْتُها بِالْغَدَاةِ إِلَى المَرْعَى، وسَرَح المالُ نَفسه إِذا رَعَى بالغَدَاة إِلَى الضُّحَى.
وَيُقَال: سَرَحْتُ أَنا أَسرَحُ سُرُوحاً أَي غَدَوْتُ، وَأنْشد لجرير:
وَإِذا غَدَوْتِ فَصَبَّحَتْكِ تَحِيَّةٌ
سبَقَتْ سُرُوحَ الشَّاحِجَاتِ الحُجَّلِ
قَالَ والسَّرْحُ: المالُ الرَّاعي.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: شجرٌ لَهُ حَمْلٌ، وَهِي الأَلاَءَةُ، الواحِدَةُ سَرْحة.

(4/173)


قلت: هَذَا غلط. لَيْسَ السَّرْح من الألاءَة فِي شَيْء.
قَالَ أَبُو عُبَيد: السَّرْحَةُ: ضرْبٌ من الشجَرِ مَعْرُوف، وَأنْشد: قَول عَنْتَرَة:
بَطَلٍ كأنَّ ثِيابَهُ فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمِ
يصفه بطول القامةِ فقَدْ بَيَّنَ لكَ أَنَّ السَّرْحَةَ من كِبَارِ الشَّجَر، أَلا ترى أَنه شَبَّه بِهِ الرجلَ لِطوله، والآلاء لَا ساقَ لَهُ، وَلَا طُول.
وأَخْبَرني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: السَّرْح: كُلُّ شَجَرٍ لَا شوكَ فِيهَا.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنه قَالَ: (إنَّ بمَكَان كَذَا وَكَذَا سَرْحَةً لم تُجْرَدْ وَلم تُعْبَلْ، سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُون نَبِيّاً) ، وَهَذَا يدل على أَنَّ السَّرْحَة من عِظامِ الشَّجَر.
وَالْعرب تَكْنى عَن الْمَرْأَة بالسَّرْحةِ النَّابتَة على المَاء، وَمِنْه قَوْله:
يَا سَرْحَةَ المَاء قَدْ سُدّتْ مَوَارِدُه
أَمَا إِلَيْك طريقٌ غَيْرُ مَسْدُود
لِحَائِمٍ حامَ حَتَّى لَا حَراك بِهِ
مُحَلإٍ عَن طريقِ الوِرْدِ مَرْدُودِ
كنى بالسَّرْحَةِ، النَّابتَة على المَاء، عَن الْمَرْأَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أحسن مَا تكون.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي: السَّرْحُ: كِبَارُ الذَّكْوَانِ، والذَّكْوَانُ: شَجَرٌ حَسَنٌ العَسَالِيج.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: انْفِجَارُ البَوْلِ بعدَ احتباسه.
وَرَجُلٌ مُنْسَرِح الثِّيابِ إِذا كَانَ قَليلَها خَفيفاً فِيهَا وَقَالَ رؤبة.
مُنْسرِحٌ إلاَّ ذَعاليبَ الخِرَقْ
الذَّعاليبُ: مَا تَقَطَّع من الثِّيَاب.
قَالَ: وكل قِطْعَة من خرقَة مُتَمَزِّقَة أَو دمٍ سَائل مستطيل يابِسٍ فَهِيَ وَمَا أشبههَا سريحَة وَجَمعهَا سَرائح، وَقَالَ لبيد:
بِلَبَّتِه سَرائِحُ كالعَصيمِ
قَالَ: والسَّرِيح: السَّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الخَدَمَةُ فَوق الرُّسْغِ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: المُنْسَرِحُ: الْخَارِج من ثِيابِه، قلت وَهَذَا هُوَ الصَّواب لَا مَا قَالَه اللَّيْث. وَأما السَّرائح فَهِيَ سُيُورُ نِعال الْإِبِل، كلّ سَيْرٍ مِنْهَا سريحَة. والْخِدَامُ: سُيورٌ تُشَدُّ فِي الأرْساغِ، والسرائِحُ تُشدُّ إِلَى الخدَم. والسَّريحةُ: الطريقَةُ من الدَّمِ إِذا كَانَت مستطيلة.
أَبُو سعيد: سَرَحَ السَّيلُ يَسْرَحُ سُرُوحاً وسَرْحاً إِذا جَرَى جَرْياً سهلاً، فَهُوَ سَيْلٌ سارح وَأنْشد:
ورُبَّ كلِّ شُوْذَبِيَ مُنْسرِحْ
من اللِّباسِ غَيْرَ جَرْدٍ مَا نُصِحْ
والجَرْدُ: الخَلَقُ من الثِّيَاب. مَا نُصِح أَي مَا خِيط.
وَقَالَ النّضرُ: السَّريحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرةُ المسْتوِيةُ، وَهِي أكثرُ نَبْتاً وشجراً مِمَّا حولَها، وَهِي مُشْرِفةٌ على مَا حوْلها، والجميع السَّرائحُ.
وسُرُحٌ: مَاء لبني عَجْلان ذكره ابْن مُقْبِل فَقَالَ:

(4/174)


قالَتْ سُلَيْمَى بِبَطْنِ القاع من سُرُحٍ
وَالْعرب تَقول: إنَّ خَيْرَك لَفي سَرِيح، وإنَّ خيْرك لسَريح وَهُوَ ضِدُّ البطِيء، وفَرَسٌ سِرياحٌ: سَرِيعٌ، وَقَالَ ابْن مُقْبِل يصفُ الخيْل:
مِنْ كلِّ أهْوجَ سِرياحٍ ومُقْرَبةٍ
تُقَاتُ يومَ لِكَاكِ الوِرْدِ فِي الغُمَرِ
قَالَ: وَإِنَّمَا خص الغُمَرَ وسَقْيها فِيهِ لِأَنَّهُ وصفهَا بالعتْقِ وسُبوطَة الخُدود ولَطَافَةِ الأفْواه كَمَا قَالَ:
وتَشربُ فِي القَعْبِ الصَّغِير وَإِن تُقَدْ
بِمشْفَرِها يَوْمًا إِلَى الماءِ تَنْقَدِ
قَالَ اللَّيْث: وَإِذا ضاقَ شيءٌ فَفَرَّجْتَ عَنهُ قلت: سَرّحتُ عَنهُ تَسْرِيحاً، وَقَالَ العَجّاجُ:
وسرّحَتْ عَنهُ إِذا تَحَوَّبا
روَاجِبُ الْجَوْفِ الصَّهِيلَ الصُّلَّبا
وتَسريحُ الشعْرِ: تَرجِيلُه وتَخْليصُ بعضه من بعض بالمُشْط، والمُشْط يُقَال لَهُ: المِرْجَلُ والمِسرح.
وأمَّا المَسرحُ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ المَرْعَى الَّذِي تَسْرَحُ فِيهِ الدّوَابّ للرَّعْي وَجمعه المسارح وَمِنْه قَوْله:
إِذا عَادَ المَسَارِحُ كالسِّبَاح
وتَسريحُ دَمِ العِرْق المفصود: إرْسالُه بَعْدَمَا يسيل مِنْهُ حِين يُفْصدُ مرّةً ثَانِيَة وسَمّى الله جلّ وعزّ الطّلاقَ سَراحاً فَقَالَ: {تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (الأحزَاب: 49) كَمَا سَمّاهُ طَلاقاً من طَلّق المرأةَ، وسَمّاه الفِرَاقَ، فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ ألْفَاظ تَجمَعُ صَرِيحَ الطّلاق الَّذِي لَا يُدَيَّنُ فِيهَا المُطَلِّق بهَا، إِذا أنكر أَن يكون عَنَى بهَا طَلاَقاً. وأمّا الكِناياتُ عَنْهَا بغَيْرهَا مثل البائنة والبَتّة والحَرَام وَمَا أشْبَهَها فَإِنَّهُ يُصدَّق فِيهَا مَعَ الْيَمين أَنه لم يُرِد بهَا طَلاقاً.
وَقَالَ اللَّيْث: ناقَةٌ سُرُحٌ، وَهِي المنْسرِحةُ فِي سيرِها السريعة، وَأنْشد قولَ الْأَعْشَى:
بجُلاَلةٍ سُرُحٍ كَأَن بِغَرْزِها
هِرّاً إِذا انْتَعل المَطِيُّ ظِلاَلها
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: مِلاطٌ سُرُحُ الجَنْبِ هُوَ المُنْسَرِح للذهاب والمجيء، وَأَرَادَ بالملاط العَضُد.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: ابْنا مِلاَطَى البعيرِ هما العَضُدان، قَالَ: والمِلاَطان: مَا عَن يَمِين الكِرْكِرَة وشَمالها.
اللَّيْث: السِّرْحان: الذِّئْبُ ويُجْمَع على السِّرَاح، قَالَ: والسِّرْحانِ فِعْلان من سَرَح يَسرَح.
قلت: وَيجمع السِّرْحان سَرَاحينَ وسَرَاحِي بِغَيْر نون، كَمَا يُقَال: ثعَالِبُ وثَعَالِي، وَأما السِّرَاحُ فِي جمع السِّرْحان فَغير مَحْفُوظ عِنْدِي. وسِرْحانٌ يُجْرى من أَسمَاء الذِّئْب، وَمِنْه قَوْله:
وغارَةُ سِرْحانٍ وتَقْرِيبُ تُفَّل
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: السِّرْحَانُ والسيِّد فِي لُغَة هُذَيْل: الأسَدُ. وَفِي لُغَة غَيرهم الذِّئْبُ. قَالَ أَبُو المُثَلَّم يَرْثِي رَجُلاً:
شِهَابُ أَنْدِيَةٍ حَمَّالُ أَلْوِيَةٍ
هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ سِرْحَانُ فِتيان
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم لِطُفَيْل:

(4/175)


وخَيْلٍ كأمثَالِ السِّراحِ مَصُونَةٍ
ذَخَائرَ مَا أَبْقَى الغُرابُ ومُذْهَبُ
قَالَ: وَيُقَال: سِرْحان وسَرَاحِين وسِرَاح.
اللَّيْث: السِّرْحَانُ: الذِّئْب. وَيجمع على السَّرَاح. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيجمع سَراحِين وسَرَاحِي بِغَيْر نون كَمَا يُقَال: ثَعَالِب وثَعَالي فَأَما السِّراحُ فِي جمع السِّرْحان فَهُوَ مسموع من الْعَرَب وَلَيْسَ بِقِيَاس. وَقد جَاءَ فِي شعر الكاهِليّ: وقِيسَ عَلَى ضِبْعَان وضِبَاع. وَلَا أعرف لَهما نظيرا.
وَقَالَ اللَّيْث: المُنْسَرِح: ضربٌ من الشّعْر على مستفعلن مفعولات مستفعلن سِتّ مرّات.
وَفِي كتاب كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُكَيْدر دُومَةِ الجَنْدلِ: (لَا تُعْدَل سارِحَتُكم وَلَا تُعَدُّ فارِدتكم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ أنَّ ماشِيَتَهم لَا تُصْرفُ عَن مَرْعىً تُرِيدُه، والسارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها.
شَمِر عَن ابْن شُمَيل: السَّرِيحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرَة المستوية بِالْأَرْضِ الضّيِّقَة، وَهِي أَكثر شَجرا مِمّا حولهَا، فَتَراها مستطيلة شَجِيرَةً، وَمَا حولهَا قليلُ الشّجر، وَرُبمَا كَانَت عَقَبة وجَمْعُها سَرَائِح.
أَبُو عُبَيد عَن الكِسَائي: سَرّحَهُ الله وسَرحَه أَي وفّقَه الله، قلت: وَهَذَا حَرْفٌ غَرِيب سمعته بِالْحَاء فِي (الْمُؤلف) عَن الْإِيَادِي.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبَة: السارحة: الْإِبِل وَالْغنم، قَالَ: والسارحة: الدَّابَّة الْوَاحِدَة. قَالَ: وَهِي أَيْضا الْجَمَاعَة.
وَيُقَال: تَسَرَّح فلَان من هَذَا الْمَكَان أَي ذَهَبَ وَخرج، وسَرَحْت مَا فِي صَدْرِي سَرْحاً أَي أخْرَجْته. وسُمَّى السَّرْحُ سَرْحاً لِأَنَّهُ يُسرَح فيخرجُ. وَأنْشد:
وسرَحْنَا كلَّ ضَبَ مُكْتَمِنْ
وَقَالَ فِي قَوْله: لَا تُعْدَلُ سارحتكم أَي لَا تُصرف عَن مرعىً تُرِيده. يُقَال: عَدَلْتُه أَي صَرَفْته فَعدل أَي انْصَرف.
رسح: قَالَ اللَّيْث: الرَّسَحُ: أَلا تكون للْمَرْأَة عَجِيزةٌ. فَهِيَ رَسْحاءُ. وَقد رَسِحَتْ رسَحاً. وَهِي الزَّلاَّء والمِزلاجُ. وَيُقَال للسِّمع الأزَلِّ أَرْسَح.
والرَّسْحاءُ: القَبَيحة من النِّسَاء. والجمعُ رُسْحٌ.
ح س ل
حَسَلَ، حلْس، سلح، سحل، لحس: مستعملات.
حسل: قَالَ اللَّيْث: الحِسْلُ: وَلَدُ الضَّبِّ، ويُكْنى الضَّبُّ أَبَا حِسْل.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: تَقول الْعَرَب للضَّبّ: إِنَّه قَاضِي الدَّوَابِّ والطَّيْرِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمِمَّا يُحَقّق قولُه مَا حَدَّثَنَاه المُنْذِرِيّ عَن عُثْمَان بن سعيد عَن نُعَيم بن حَمَّادٍ عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن عَمْرو عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير على الْمِنْبَر يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، إِنِّي مَا وجدت لي وَلكم مَثَلاً إِلَّا الضَّبُع والثعلب، أَتَيَا الضَّبّ فِي جُحْرِه،

(4/176)


فَقَالَا: أَبَا حِسْل، قَالَ: أُجِبْتُما، قَالَا: جِئْناك نَحْتِكم. قَالَ: فِي بَيته يُؤْتى الحَكَمُ، فِي حَدِيث فِيهِ طول.
وَقَالَ اللَّيْث: جَمْعُ الحِسْل حِسَلة، قلت: ويُجْمَعُ حُسُولاً.
وروى أَبُو عُبَيْد عَن أبي زيد والأحمر أَنَّهما قَالَا: يُقَال لفَرْخِ الضَّبِّ حِين يخرج من بَيْضه حِسْل، فَإِذا كبِر فَهُوَ غَيْدَاقٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: المَحْسُول والمَخْسولُ بِالْحَاء وَالْخَاء: المرذُول، وَقد حَسَلْتُه وخَسَلْتُه.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: الحُسالة: الرَّذْلُ من كل شَيْء.
وَقَالَ بعض العَبْسِيِّينَ:
قَتَلْتُ سَرَاتكم وحَسَلت مِنْكُم
حَسِيلاً مثلَ مَا حُسِل الوَبَارُ
قَالَ شمِر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَسَلْتُ: أبقَيتُ مِنْكُم بَقِيَّةً رُذَالاً، قَالَ: والحَسِيل: الرُّذَال.
وَقَالَ اللِّحْياني: سُحالة الفِضَّة وحُسالَتُها.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: قَالَ الطَّائي: الحَسِيلة: حَشَفُ النّخل الَّذِي لم يكن حَلاَ بُسْرُه فيُيَبِّسونه حَتَّى يَيْبَس، فَإِذا ضُرِبَ انْفَتَّ عَن نَوَاه فَيَدِنُونَه بِاللَّبنِ ويمْرُدُون لَهُ تَمرا حَتَّى يُحَلِّيه فيأكلونه لَقِيماً. يُقَال: بُلُّوا لنا من تِلْكَ الحَسيلةِ، وَرُبمَا وُدِنَ بِالْمَاءِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: وَلَدُ البَقَرَة يُقَال لَهُ: الحَسِيل، وَالْأُنْثَى حَسِيلة.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للبقرة لحَسيلة: والخَائِرَةُ والعجوز واليَفنَةُ، وَأنْشد غَيره:
عَلَيَّ الحَشِيشُ ورِيٌّ لَهَا
وَيَوْم الغُوَارِ لِحسْل بن ضَبّ
يَقُولهَا المستَأْثَرُ عَلَيْهِ مَزْرِيةً على الَّذِي يفعلُه.
قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال لولد الْبَقَرَة إِذا قرمَ أَي أَكلَ من نَبَات الأَرْض حَسِيلٌ، والجميع حِسْلاَن، قَالَ: والحسيلُ إِذا هَلَكت أمه أَو ذَأَرَتْه أَي نفرت مِنْهُ فأُوجِر لَبَنًا أَو دَقِيقًا فَهُوَ مَحْسول، وَأنْشد:
لَا تَفْخَرنَّ بلحيةٍ
كَثُرَتْ منابِتُها طويلهْ
تهوَى تُفَرِّقها الريا
حُ كأَنها ذَنَبُ الحَسِيلهْ
والحَسْل: السَّوْقُ الشَّديد. يُقَال: حسْلتُها حَسْلاً إِذا ضبَطتها سَوْقاً، وَقيل لولد الْبَقَرَة حَسِيلٌ وحَسِيلةٌ، لأنَّ أمَّه تُزَجِّيه مَعهَا وَقَالَ:
كَيفَ رأيتَ نُجْعتي وحَسْلِي
سحل: قَالَ اللَّيْث: السَّحِيلُ، والجميع السُّحُل: ثوب لَا يُبرَم غزلُه أَي لَا يُفْتَل طَاقيْن طَاقيْن، يُقَال: سَحَلوهُ أَي لم يَفْتِلُوا سَداه. وَقَالَ زُهَيْر:
على كل حَالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَم
وَقَالَ غَيره: السّحِيلُ: الغَزْل الَّذِي لم يُبْرَم، فَأَما الثَّوبُ فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَحِيلاً، وَلَكِن يُقَال للثوب سَحْل.
روى أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: السّحْلُ: ثوبٌ أَبيض من قطن وَجمعه

(4/177)


سُحُلٌ. وَقَالَ المُتَنخِّل الهُذَليّ:
كالسُّحُل الْبيض جَلاَ لَوْنَها
هَطْلُ نِجاء الحَمَل الأَسْوَلِ
قَالَ: وَوَاحِد السُّحُل سَحْلٌ.
وسُحُولٌ: قَرْيَةٌ من قُرَى الْيمن يحمل مِنْهَا ثِيَاب قطن بيض تدعى السُّحُوليَّة بِضَم السِّين. وَقَالَ طرفَة:
وبالسَّفْح آياتٌ كأنَّ رُسُومَها
يَمَانٍ وشَتْه رَيْدَةٌ وسُحُولُ
ريدة وسُحُول: قَرْيَتَانِ، أَرَادَ وَشْتْه أهل ريدة وسُحول.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المُسَحَّلَةُ: كُبَّةُ الغَزْل. وَهِي الوشيعة والمُسْمَّطَة.
وَقَالَ اللَّيْث: المِسْحَلُ: الْحمار الوَحْشِي وسَحِيلُه: أَشَدُّ نَهِيقِه.
والمِسْحَلُ: من أَسمَاء اللِّسَان، والمِسْحَلُ من الرِّجَال: الْخَطِيب، قَالَ: والمِسْحَلاَن: حَلْقَتانِ. إِحْدَاهمَا مُدْخَلَةٌ فِي الأُخْرَى على طرف شَكِيم اللِّجام. وَأنْشد قولَ رُؤبة:
لَوْلَا شَكِيم المِسْحَلَيْن انْدَقّا
والجميع المَسَاحِلُ، وَمِنْه قولُ الأَعشَى:
صددتَ عَن الْأَعْدَاء يَوْم عُبَاعِبٍ
صُدودَ المَذاكِي أَفْرَعَتْها المَسَاحِلُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِسْحَلُ: المِبْرَد، وَمِنْه سُحَالَةُ الفِضَّة. والمِسْحَلُ: فاسُ اللِّجام، والمِسْحَلُ: المطرُ الجَوْدُ. والمِسْحَل: الْغَايَة فِي السَّخاء. والمِسْحَل: الجَلاَّدُ الَّذِي يُقيمُ الحدودَ بَين يدَي السُّلْطان. والمِسْحَل: الساقي النشيط. والمِسْحَلُ: المُنْخُل، والمِسْحَلُ فمُ المَزَادَة. والمِسْحَل: الماهر بِالْقُرْآنِ. والمِسْحَلُ: الْخَطِيب والمِسْحَلُ: الثوبُ النقي من الْقطن. والمِسْحَل: الشجاع الَّذِي يعْمل وَحده. والمِسْحَلُ: الْخَيط الَّذِي يُفْتَل وَحده. والمِسحَلُ: المِيزابُ الَّذِي لَا يطاقُ ماؤُه. قَالَ: والمِسْحَلُ: الْعَزْم الصارم. يُقَال: قد ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا عزم على الْأَمر وجَدَّ فِيهِ. وَأنْشد:
وإنَّ عِنْدِي لَو رَكِبْتُ مِسْحَلي
قَالَ: وَأما قَوْله:
الْآن لَمَّا ابْيَضَّ أعْلَى مِسْحَلِي
فالمِسْحَلاَن هَاهُنَا الصُّدْغان، وهما من اللِّجَام الخَدَّان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مِسْحَلُ اللِّجام: الحديدة الَّتِي تَحْتَ الحَنَك. قَالَ: والفأسُ: الحديدة الْقَائِمَة فِي الشَّكِيمَة. والشّكِيمَةُ: الحديدةُ المُعْترَضةُ فِي الْفَم.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْلُ: نَحْتُك الخشَبةَ بالمِسْحَل، وَهُوَ المِبْرَد. قَالَ: وسَحَلَه بِلِسَانِهِ إِذا شَتمه، والرِّياح تَسْحَلُ الأَرضَ سَحْلاً إِذا كَشَطت عَنْهَا أَدَمَتها.
والسُّحَالَةُ: مَا تحَاتّ من الْحَدِيد وبُرِدَ من الموازين. وَقَالَ: وَمَا تحاتّ من الرُّزِّ والذُّرَة إِذا دُقّ شِبْهُ النُّخَالة فَهِيَ أَيْضا سُحالة.
قَالَ: والسَّحْلُ: الضَّربُ بالسياط يَكْشِطُ الجِلْدَ.
والسّاحِل: شاطىءُ الْبَحْر.

(4/178)


وَقَالَ غَيره: سُمِّي ساحِلا: لِأَن المَاء يَسْحَلُه أَي يَقْشِرُه إِذا عَلاَهُ فَهُوَ فاعِلٌ مَعْنَاهُ مفْعُول، وَحَقِيقَته أَنه ذُو سَاحِلٍ من المَاء إِذا ارْتَفع المَدُّ ثمَّ جَزَر فَجَرَف مَا مرَّ عَلَيْهِ، والإسْحِلُ: شَجَرة من شجر المَساويك. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
أسَارِيعُ ظَبْي أَو مساوِيك إسْحِل
ومُسْحُلاَنُ. اسْم وادٍ ذكره النَّابِغَة فِي شعره فَقَالَ:
فأَعْلَي مُسحُلاَن فحامِرَا
وشابٌ مُسْحُلانيّ يُوصف بالطول وَحسن القوام.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: باتت السَّمَاء تَسْحَلُ لَيْلَتَها أَي تَصبُّ الماءَ.
قَالَ: وانسِحَالُ النَّاقة: إسراعُها فِي سَيرهَا.
وَيُقَال: سَحَلَه مائةَ دِرْهَم إِذا نَقَدَه، والسَّحْلُ النَّقْدُ. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فأَصْبَح رَأْداً يَبْتَغِي المَزْج بالسّحْل
وسَحَلَه مائَةَ سَوْطٍ أَي ضَرَبَه، وانْسَحَلَت الدَّرَاهمُ إِذا امْلاَسَّت، وانسَحَل الخَطِيبُ إِذا اسْحَنْفَرَ فِي كَلَامه، وَركب مِسْحَلَه إِذا مَضَى فِي خُطْبَته.
وَفِي الحَدِيث أَنَّ ابْن مَسْعُود افْتَتَحَ سُورَةً فسحَلَها أَي قَرَأَها كلَّها.
والسِّحَالُ والمُسَاحَلَةُ: المُلاَحَاةُ بَيْنَ الرَّجُلَين، يُقَال: هُوَ يُساحِله أَي يُلاَحِيه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السّحَلَةُ: الأرنَبُ الصَّغِيرَة الَّتِي قد ارْتَفَعت عَن الخِرْنِق وَفَارَقت أُمَّها.
وَقَالُوا: مِسْحَلٌ: اسْم شَيْطَان فِي قَول الْأَعْشَى:
دعوتُ خَلِيلي مِسْحَلاً ودَعْوَا لَهُ
جُهُنَّامَ جَدْعا للهجين المُذَمَّم
والمِسْحَلُ: مَوضِع العِذار فِي قَول جَنْدَل الطُّهَوِيُّ الرَّجّاز:
عُلِّقْتُهَا وَقد نَزَا فِي مِسْحَلي
أَي فِي مَوضِع عِذَارَيْ من لِحْيَتِي، يَعْنِي الشيب.
وَيُقَال: ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا ركب غَيَّه وَلم يَنْتَه عَنهُ، وأصل ذَلِك الفَرَسُ الجموح يركب رَأسه ويَعَضُّ على لجَامِه.
وَقَالَ شمر: يُقَال: سَحَلَه بالسَّوْطِ إِذا ضَرَبَه فقَشَرَ جِلْدَه، وسَحَلَه بِلِسَانِهِ، وَمِنْه قيل للسان مِسْحل وَقَالَ ابنُ أَحْمر:
وَمن خَطيبٍ إِذا مَا انساح مِسْحَلُه
مُفَرِّجُ القولِ مَيْسُوراً ومَعْسُورا
وَقَالَ بعض الْعَرَب وَذكر الشّعْر فَقَالَ: الوقْفُ والسَّحْلُ، قَالَ: والسَّحْل: أَن يتبعَ بعضُه بَعْضًا وَهُوَ السَّرْدُ قَالَ: وَلَا يَجِيء الْكتاب إِلَّا على الْوَقْف.
وَقَالَ أَبُو زيد: السِّحْلِيلُ: النَّاقة الْعَظِيمَة الضُّرْعِ الَّتِي لَيْسَ فِي الْإِبِل مِثْلُها فَتلك نَاقَة سِحْلِيلٌ. وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
وتَجُرُّ مُجْرِيَةٌ لَهَا
لَحْمِي إِلَى أَجْرٍ حَوَاشب
سُودٍ سَحَاليلٍ كأَ
نَ جُلُودَهُنَّ ثِيابُ راهِب
قَالَ: سَحَالِيل: عِظَام الْبُطُون. يُقَال: إِنَّه لِسِحْلال الْبَطن أَي عَظِيم الْبَطن.

(4/179)


وَفِي الحَدِيث أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ لأَيَّوبَ ج: (إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يُخَاصِمَني إِلَّا من يَجْعَلُ الزَّيارَ فِي فَم الْأسد، والسِّحَالَ فِي فَم العَنْقَاء) السِّحَالُ والمِسْحلُ: وَاحِد، كَمَا تَقول: مِنْطَقٌ ونِطَاقٌ، ومِئزَرٌ وإزَارٌ، وَهِي الحديدة الَّتِي تكون على طَرَفَي شَكِيمِ اللِّجام.
وَفِي الحَدِيث أَن أُمَّ حَكِيم أَتَته بِكَتِفٍ، فَجعلت تَسْحَلُها لَهُ أَي تَكْشِطُ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم، وَمِنْه قيل للمِبْرَد مِسْحَلٌ، ويروى: فَجعلت تَسْحاها أَي تَقْشِرُهَا.
والسّاحِيَةُ: المَطْرَةُ الَّتِي تَقْشِر الأَرْض، وسَحَوْتُ الشيءَ أَسْحَاهُ وأَسْحُوه.
وَفِي حَدِيث عَليّ صلوَات الله عَلَيْهِ أَن بني أُمَيَّة لَا يزالون يَطْعُنُون فِي مِسْحَل ضَلاَلة، قَالَ القُتَيْبِيّ: هُوَ من قَوْلهم: ركب مِسْحَله إِذا أَخذ فِي أَمر فِيهِ كَلَام وَمضى فِيهِ مُجِدّاً، وَقَالَ غَيره: أَرَادَ أَنهم يُسْرِعُون فِي الضَّلَالَة ويُجِدّون فِيهَا.
يُقَال: طَعَن فِي العِنان يَطْعُنُ، وطَعَنَ فِي مِسْحَلهِ يَطعُنُ، وَيُقَال: يَطْعَنُ بِاللِّسَانِ ويَطْعُنُ بالسِّنَان.
سلح: اللَّيْث: السَّلْح والغالِب مِنْهُ السُّلاَح. وَيُقَال: هَذَا الحَشِيشَةُ تُسَلِّح الإبِلَ تَسْلِيحاً. قلت: والإسْلِيحُ: بَقْلَة من أَحْرَار الْبُقُول تَنْبُتُ فِي الشتَاء تُسَلِّح الْإِبِل. إِذا استكثرت مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَت أعرابية: وَقيل لَهَا: مَا شَجَرَة أَبِيك؟ فَقَالَت: الإسْلِيحُ رُغْوَةٌ وصَرِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّلاَحُ: مَا يُعَدّ للحرب من آلَة الْحَدِيد، والسيفُ وَحده يُسَمَّى سِلاَحاً، وَأنْشد:
ثَلاَثاً وشَهْراً ثمَّ صَارَت رَذِيَّةً
طَلِيحَ سِفَارٍ كالسِّلاَحِ المُفَرَّد
يَعْنِي السَّيْف وَحده.
قلت: وَالْعرب تؤنث السِّلاَح وتُذَكِّرُه، قَالَ ذَلِك الفرّاء وَابْن السّكيت. والعصا تُسَمَّى سِلَاحا. وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
ولستُ بِعِرْنَةٍ عَرِكٍ سِلاَحي
عَصًى مَثْقُوبةٌ تَقِصُ الحِمارا
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْلَحَةُ: قوم فِي عُدَّة بِموْضِعٍ مَرْصَدٍ قد وُكِّلُوا بِهِ بإزَاءِ ثَغْر، والجميعُ المسالِحُ. والمَسْلَحِيّ الوَاحِدُ المُوَكّلُ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَسْلَحة الجُند: خطاطيف لَهُم بَين أَيْديهم يَنْفضونَ لَهُم الطَّرِيق ويَتَحَسَّسُون خبر الْعَدو ويَعْلَمُون عِلْمَهم لِئَلَّا يُهجَمَ عَلَيْهِم وَلَا يَدَعُون وَاحِدًا من الْعَدو يدْخل عَلَيْهِم بِلَاد الْمُسلمين وَإِن جَاءَ جَيش أنذروا الْمُسلمين.
وَقَالَ اللَّيْث: سَيْلَحِينُ: أَرض تسمى كَذَلِك، يُقَال: هَذِه سَيْلَحُونُ، وَهَذِه سَيْلَحِينُ. وَمثله صَرِيفُونُ وصَرِيفِينُ، وَأكْثر مَا يُقَال: هَذِه سيلحونَ، وَرَأَيْت سَيْلَحينَ: وَكَذَلِكَ هَذِه قِنَّسْرُونَ، وَرَأَيْت قِنَّسْرينَ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو سعيد فِي بَاب الْحَاء وَالْكَاف: السُّلَحَة والسُّلَكَة: فَرْخُ الحَجَل، وَجمعه سِلْحَانٌ

(4/180)


وسِلْكَانٌ.
وَالْعرب تسمي السمَاكَ الرَّامحَ ذَا السِّلَاح، وَالْآخر الأعزل.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: السَّلَحُ: ماءُ السَّمَاء فِي الغُدْرَان، وَحَيْثُ مَا كَانَ يُقَال: مَاء العِدِّ وَمَاء السِّلَحِ. قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لماء السَّمَاء مَاء الكَرَع، وَلم أَسْمَع السَّلَحَ.
حلْس: شمر عَن العِتْرِيفي: يُقَال: فلَان حِلْسٌ من أَحْلاَس الْبَيْت: للّذي لَا يبرح الْبَيْت، قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم ذمّ أَي أَنه لَا يصلح إِلَّا للُزُوم الْبَيْت، قَالَ: وَيُقَال: فلانٌ من أَحْلاَس الْبِلَاد: للَّذي لَا يزايلها من حُبِّه إيّاها، وَهَذَا مدح أَي أَنه ذُو عِزّة وشِدَّة أَي أنّه لَا يبرحها لَا يُبَالِي ذِئباً وَلَا سَنَةً حَتَّى تُخْصِبَ الْبِلَاد، فَيُقَال: هُوَ مُتَحَلِّس بهَا أَي مُقِيم، وَقَالَ غَيره: هُوَ حِلْسٌ بهَا، قَالَ: والحَلِسُ والحُلاَبِسُ: الَّذِي لَا يَبْرَح ويُلاَزِمُ قِرْنَه، وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
فَقُلْتُ لَهَا كأيِّنْ من جَبَانٍ
يُصَابُ وَيُخْطَأُ الحَلِسُ المُحَامي
كأيّن معنى كم.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِلْسُ: كُلُّ شَيءٍ وَلِيَ ظهر الْبَعِير تَحت الرَّحْلِ والقَتَبِ، وَكَذَلِكَ حِلْس الدَّابّة بِمَنْزِلَة المِرْشَحَة تكون تَحت اللِّبْد، وَيُقَال: فلَان من أَحْلاَس الْخَيل أَي يلْزم ظُهُور الْخَيْلِ كالحِلْس اللَّازِم لظَهْرِ الْفرس. والحِلْسُ: الْوَاحِد من أَحْلاَسِ الْبَيْت، وَهُوَ مَا بُسِط تَحت حُرِّ المَتَاع من مِسْحٍ وَنَحْوه.
وَفِي الحَدِيث (كُنْ حِلْساً من أَحْلاَسِ بَيْتك فِي الفِتْنَة حَتّى تأتِيَك يَدٌ خاطِئَة أَو مَنِيَّةٌ قاضية) أمره بِلُزُوم بَيته وَترك الْقِتَال فِي الفِتْنَة.
وَتقول: حَلَسْتُ البعيرَ فَأَنا أَحْلِسُه حَلْساً إِذا غَشَّيْتَه بِحِلْس.
وَتقول: حَلَسَتِ السَّمَاء إِذا دَامَ مَطَرُها، وَهُوَ غَيْرُ وَابِل.
وَقَالَ شَمِر: أَحْلَسْتُ بعير إِذا جعلتَ عَلَيْهِ الحِلْسَ.
وَأَرْض مُحْلِسَةٌ إِذا اخْضَرَّت كلهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: عُشْبٌ مُسْتَحْلِسٌ تَرَى لَهُ طَرَائق بعضُها تَحت بعض من تراكُمُه وسَوَاده.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا غَطَّى النباتُ الأرضَ بكثْرَته قيل: قد اسْتَحْلَس، فَإِذا بَلَغ وَالتَفَّ قيل قد اسْتَأْسَد.
وَقَالَ اللَّيْث: اسْتَحْلَسَ السَّنَامُ إِذا ركبته رَوَادِفُ الشَّحْم وروَاكبُه.
اللِّحياني: الرَّابِع من قداح المَيْسَر يُقَال لَهُ: الحِلْسُ، وَفِيه أَرْبَعَة فروض، وَله غُنْمُ أَرْبَعَة أنصباء إِن فَازَ، وَعَلِيهِ غرم أَرْبَعَة أنصباء إِن لم يَفُز.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَلْسُ: أَن يَأْخُذ المُصَدِّقُ النَّقدَ مَكَان الفَرِيضة.
قَالَ: والحَلِس: الشجاع الَّذِي يلازِم قِرْنه، وَأنْشد:
إِذا اسْمَهَرَّ الحَلِسُ المُغَالِثُ
المغَالِثُ: الملزم لقرنه لَا يُفَارِقهُ، وَقد حَلِسَ حَلَساً.

(4/181)


أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: فِي شيات المِعْزَى: الحَلْساءُ: بَين السَّوَادِ والحُمْرَة، لون بَطنهَا كلون ظهرهَا.
وَالْعرب تَقول للرجل يُكرَه على عَمَل أَو أَمر: هُوَ مَحْلُوسٌ على الدَّبَر أَي مُلزَمٌ هَذَا الْأَمر إِلْزَام الحِلْس الدَّبَر
وسَيْرٌ مُحْلَسٌ: لَا يُفْتَرُ.
وَفِي (النَّوَادِر) : تَحَلّس فلَان لكذا وَكَذَا. أَي طَاف لَهُ وَحَام بِهِ، وتَحَلّس بِالْمَكَانِ وتَحَلَّزَ بِهِ، إِذا أَقَامَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سعيد: حَلِس الرجلُ بالشَّيْء وحَمِس بِهِ إِذا تَوَلّع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِبِسَاطِ الْبَيْت: الحِلْسُ ولحُصُرِه الفَحُولُ.
والحَلْسُ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا هُوَ العهدُ الوَثيق، تَقول: أَحْلَسْتُ فُلاناً، إِذا أَعْطَيْتَه حِلْساً أَي عَهْداً يأمَن بِهِ قومَك، وَذَلِكَ مثل سَهْم يَأْمَن بِهِ الرجل مَا دَامَ فِي يَده.
واسْتَحْلَس فلانٌ الخوْفَ، إِذا لم يُفَارِقهُ الخوفُ وَلم يَأْمَن.
وَرُوِيَ عَن الشَّعبي أَنه دخل على الحجَّاج فَعَاتَبَهُ فِي خُرُوجه مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّا قد اسْتَحْلَسْنَا الْخوْفَ واكْتَحَلْنا السهرَ وأصابَتْنَا خِزْيَةٌ لم نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أتقياء، وَلَا فَجَرَةً أقوياء.
قَالَ: لله أَبُوكَ يَا شَعْبيّ. ثمَّ عَفَا عَنه.
لحس: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْسُ: أكل الدودِ الصوفَ، وَأكل الْجَرَاد الخَضِر والشَّجَر.
واللاَّحُوسُ: المَشْئُوم وَكَذَلِكَ الحاسوس.
واللَّحُوسُ من النَّاس: الَّذِي يَتَّبِعُ الحلاوةَ كالذُّباب.
قَالَ: والمِلْحَسُ: الشُّجَاعُ. يُقَال: فلَان أَلَدُّ مِلْحَسٌ أَحْوَسُ أَهْيَسُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: لَحِسْتُ الشيءَ أَلحَسُه لَحْساً بِكَسْر الْحَاء من لَحِسْتُ لَا غير.
وَيُقَال: أَصَابَتْهُم لَوَاحِسُ، أَي سِنُون شِدَاد تَلْحَسُ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ الكُمَيْتُ:
وأَنْتَ رَبيعُ الناسِ وابنُ رَبيعهم
إِذا لُقِّبَتْ فِيهَا السُّنونَ اللَّوَاحِسَا
ح س ن
حسن، حنس، سحن، سنح، نحس، نسح: (مستعملات) .
حسن: قَالَ اللَّيْث: الحَسَنُ: نعت لما حَسُنَ، تَقول: حَسُنَ الشيءُ حُسْناً، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) وقُرِىء (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنا) .
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: اخْتَرْنَا حَسَناً: لِأَنَّهُ يُرِيد قولا حَسَنَا.
قَالَ: والأُخْرى مصدر حَسُن يَحسُن حُسْناً.
قَالَ: وَنحن نَذْهَب إِلَى أَن الحَسَنَ شيءٌ من الحُسْنِ، والحُسْنُ: شيءٌ من الكلّ وَيجوز هَذَا فِي هَذَا، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم حُسْناً.
وَقَالَ الزَّجاج: من قَرَأَ حُسْناً بِالتَّنْوِينِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: قُولُوا للنَّاس قَوْلاً ذَا حُسْنٍ، قَالَ: وَزعم الأخْفَشُ أَنه يجوز أَن

(4/182)


يكون حُسْناً فِي معنى حَسَناً، قَالَ: وَمن قَرَأَ حُسْنَى فهوَ خطأ لَا يجوز أَن يُقْرَأَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحْسَنُ والجميع المَحَاسن يَعْنِي بِهِ الْمَوَاضِع الحَسَنة فِي البَدَن.
يُقَال: فُلاَنَةٌ كثِيرَةُ المَحَاسن، قلت: لَا تكَاد الْعَرَب تُوَحِّد المَحَاسن، والقياسُ مَحْسَن، كَمَا قَالَ اللَّيْث.
قَالَ: وَيُقَال: امْرَأَة حسناء، وَلَا يُقَال: رجل أَحْسَن، وَرجل حُسَّان، وَهُوَ الْحَسَنُ وجارِيةٌ حُسَّانة.
وأخبرَني المُنْذِري عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: أصل قَوْلهم: شيءٌ حَسَنٌ إِنَّمَا هُوَ شَيءٌ حَسينٌ: لِأَنَّهُ من حَسُنَ يَحسُن، كَمَا قَالُوا: عَظُمَ فَهُوَ عظيمٌ، وكَرُم فَهُوَ كرِيم، كَذَلِك حَسُنَ فَهُوَ حَسينٌ، إِلَّا أَنه جَاءَ نَادرا، ثمَّ قُلِبَ الفعيل فُعَالاً ثمَّ فُعَّالاً، إِذا بولِغَ فِي نَعته فَقَالُوا: حَسينٌ وحُسَانٌ وحُسَّان، وَكَذَلِكَ كَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحَاسِنُ فِي الْأَعْمَال ضِدّ المساوِىء.
وَيُقَال: أَحْسِنْ يَا هَذَا فإنّك مِحْسانٌ، أَي لَا تزَال مُحْسِناً.
وَقَالَ المفسِّرون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يُونس: 26) فالحُسْنَى هِيَ الجَنَّةُ وضِدّ الحُسنى السُّوءَى، وَالزِّيَادَة: النّظر إِلَى الله جلّ وعزّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَحْسَنَ} (الأنعَام: 154) . قَالَ: يكون تَمامًا على المُحْسِن. الْمَعْنى تَمامًا من الله على الْمُحْسِنِينَ، وَيكون تَمامًا على الَّذِي أَحْسَنَ أَي على الَّذِي أَحْسَنهُ مُوسَى من طَاعَة الله، واتَّباع أَمْرِه.
وَقَالَ الفرّاء نَحوه، وَقَالَ: يَجْعَل الَّذِي فِي معنى مَا، يُرِيد تَمامًا على مَا أَحْسَن مُوسَى.
قلتُ: والإحسانُ: ضدُّ الْإِسَاءَة، وفسَّر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإحسانَ حِين سألَه جبريلُ، فَقَالَ: هُوَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فإِنه يراك، وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ} (النّحل: 90) وَقَوله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ} (الرَّحمان: 60) أَي مَا جَزَاء من أحسن فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَن يُحْسَن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
والحَسَنُ: نَقاً فِي ديار بني تَمِيم مَعْرُوف، أُصِيب عِنْده بِسْطَامُ بن قيس يَوْم النَّقَا، وَفِيه يَقُول عبد الله بن عَنَمَةَ الضَّبِّيّ:
لأُمِّ الأرضِ وَيْلٌ مَا أَجَنَّتْ
بحيْثُ أَضرَّ بالحَسَنِ السبيلُ
والتَّحاسِينُ: جمعُ التحسين، اسمٌ بُنِي على تَفْعيل، وَمثله تكاليفُ الْأُمُور. وتَقَاصيبُ الشَّعَر: مَا جَعُد من ذوائِبه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَحْسَنَ الرجلُ إِذا جلسَ على الحَسنِ، وَهُوَ الكَثيبُ النّقيُّ العالي.
قَالَ: وَبِه سُمِّي الغلامُ حَسَنَا.
قَالَ: والحُسَيْنُ: الْجَبَل العالي، وَبِه سمِّي الغلامُ حُسَيناً. وَأنْشد:

(4/183)


تركنَا بالعُوَيْنةِ من حُسيْنٍ
نِساءَ الحيِّ يَلْقُطنَ الجُمَانَا
قَالَ: والحُسيْن هَاهُنَا جبَل.
وَفِي (النَّوَادِر) : حُسيْنَاؤُه أَن يفعل كَذَا، وحُسيْناه مثله، وَكَذَلِكَ غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه، أَي جهدهُ وغايتُه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التّوبَة: 52) يَعْنِي الظَّفَر أَو الشَّهَادَة. وأنَّثهما لِأَنَّهُ أَرَادَ الخَصلَتَيْن. وَقَوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} (التّوبَة: 100) أَي باستقامة وسلوك للطريق الَّذِي درج السَّابِقُونَ عَلَيْهِ.
{وَءاتَيْنَاهُ فِى الْدُّنْيَا حَسَنَةً} (النّحل: 122) يَعْنِي إِبْرَاهِيم آتيناه لِسَان صِدْق.
وَقَوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ} (هُود: 114) الصَّلَوَات الْخمس تكفّر مَا بَينهَا.
وَقَوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يُوسُف: 36) الَّذين يُحسنون التَّأْوِيل.
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ ينصر الضعيفَ ويُعينُ الْمَظْلُوم، وَيعود المرضى، فَذَلِك إحسانَه.
وَقَوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (الرّعد: 22) أَي يدْفَعُونَ بالْكلَام الحَسنِ مَا ورد عَلَيْهِم من سَيِّء غَيرهم.
وَقَوله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (الأنعَام: 152) قَالَ: هُوَ أَن يَأْخُذ من مَاله مَا سَتَر عَوْرتَه وسدَّ جَوْعَتَه.
وَقَوله عزّ وجلّ: {الرَّحِيمُ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ} (السَّجدَة: 7) أحسن يَعْنِي حَسَّن. يَقُول: حَسَّن خَلْقَ كلِّ شَيْء، نصب خلْقَه على البَدَل. وَمن قَرَأَ خَلَقَه فَهُوَ فعل.
وَقَوله تَعَالَى: {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} (الأعرَاف: 180) تأنيثُ الأحسنَ.
يُقَال: الِاسْم الأحسنُ والأسماءُ الحُسنَى. وَلَو قيل فِي غير الْقُرْآن الحُسَنُ لجَاز، ومثلُه قَوْله: {لِنُرِيَكَ مِنْءَايَاتِنَا الْكُبْرَى} (طاه: 23) لِأَن الْجَمَاعَة مؤنّثة.
وَفِي حَدِيث أبي رَجاء العُطَارِدِيّ وَقيل لَهُ مَا تذكُر؟ فَقَالَ: أذكرُ مَقْتَل بِسْطَام بن قيس على الحَسن. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ جبَلُ رمل.
وَقَوله تَعَالَى: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ} (العَنكبوت: 8) أَي يفعلُ بهما مَا يَحسُن حسْناً، ومثلُه {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) أَي قَولاً ذَا حُسن، والخطابُ لليهودِ، أَي اصدُقوا فِي صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَوله تَعَالَى: {تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} (الزُّمَر: 55) أَي اتَّبِعوا الْقُرْآن، وَدَلِيله قَوْله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ} (الزُّمَر: 23) .
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة ظلماء حِنْدِسٍ وَعِنْده الحَسنُ والحُسيْن ث، فَسمع تَوَلْوُل فَاطِمَة ب وَهِي تناديهما: يَا حَسَنَانُ. يَا حُسَيْنَانُ فَقَالَ: الْحَقَا بأمّكما.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: غَلَّبت اسْم أَحدهمَا على الآخر كَمَا قَالُوا: العُمَرانُ. وَيحْتَمل أَن يكون كَقَوْلِهِم: الجَلَمَانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلام وَهُوَ المِقراض. هَكَذَا روى سَلَمة عَن الفرّاء بِضَم النُّون فيهمَا جَمِيعًا: كَأَنَّهُ

(4/184)


جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا، فَأَعْطَاهُمَا حَظّ الِاسْم الْوَاحِد من الْإِعْرَاب.
وَقَوله تَعَالَى: {رَبَّنَآءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً} (البَقَرَة: 201) أَي نعْمَة، وَيُقَال: حُظوظاً حَسَنَةً وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} (النِّساء: 78) أَي نعْمَة، وَقَوله: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} (آل عِمرَان: 120) أَي غَنيمَةٌ وخِصْبٌ {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} (آل عِمرَان: 120) أَي مَحل.
وَقَوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} (الأعرَاف: 145) أَي يعملوا بِحَسَنِها، وَيجوز أَن يكون نحوَ مَا أمَرَنا بِهِ من الِانْتِصَار بعد الظُّلم، والصبرُ أحْسنُ من القِصاص، والعفْوُ أحْسنُ.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم قَالَ فِي قصَّة يُوسُف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ} (يُوسُف: 100) أَي قد أحْسنَ إليّ.
وَالْعرب تَقول: أحسنْتُ بِفُلانٍ، وأسأتُ بفُلانٍ، أَي أحسنْتُ إِلَيْهِ، وأسأْتُ إِلَيْهِ، وَتقول: أحْسِنْ بِنَا أَي أحْسِن إليْنا وَلَا تُسِيء بِنَا، وَقَالَ كُثَيِّر:
أسِيئي بِنَا أَو أحْسنِي لَا مَلُومَةٌ
لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِن تَقَلَّتِ
سحن: اللَّيْث: السَّحْنَةُ: لِينُ البَشَرَة ونَعْمتها.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: النَّعْمَةُ بِفَتْح النُّون: التَّنَعُّمُ، والنِّعْمَةُ بِكَسْر النُّون: إنعام الله على العبيد.
وَقَالَ شَمِر: إِنَّه لَحَسنُ السَّحَنَة والسَّحْنَاءِ، قَالَ: وسَحْنةُ الرجل: حُسْنُ شَعره، ودِيباجَتُه: لونُه وليطُه، وَإنَّهُ لَحَسنُ سَحْناء الوجْه. قَالَ: وَيُقَال: سَحَنَاءُ مُثَقَّلٌ، وسحْنَاءُ أجوَدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْنُ أَن تَدْلُكَ خَشَبَةً بِمسْحَن حَتَّى تَلِينَ من غير أَن تَأْخُذ من الخَشَبَة شَيْئاً.
وَقَالَ غَيره: المساحِنُ: حِجَارَة يُدَقُّ بهَا حِجَارَة الفِضَّة واحدتُهَا مِسْحَنَةٌ.
وَقَالَ الهُذَلِيّ:
كَمَا صَرفَتْ فوقَ الجُذَاذِ المسَاحِنُ
والْجُذَاذُ: مَا جُذَّ من الْحِجَارَة، أَي كُسِر فَصَار رُفَاتاً.
وَيُقَال: جَاءَت فرس فلانٍ مُسْحِنَةً، إِذا كَانَت حَسنةَ الْحَال.
والسِّحْنَاءُ: الهيئةُ والحالُ.
أَبُو عُبَيد عَن الفرَّاء: ساحَنْتُه الشيءَ مُسَاحَنةً، وسَاحَنْتُك: خالَطْتُكَ وفاوَضْتُك.
نحس: الليثُ: النَّحْسُ: ضِدّ السَّعْدِ، والجميع االنُّحُوس من النُّجُوم وغيرِها، تَقول: هَذَا يومٌ نَحِسٌ وأيَّامٌ نَحِسَات، من جعله نعتاً ثَقَّلَهُ، وَمن أضَاف اليومَ إِلَى النّحْس خَفَّفَ النَّحْسَ، يُقَال: يومُ نَحْسٍ وأَيَّامُ نحْسٍ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أيامٍ نَحَساتٍ) قلت: وَهِي جمع أيّام نَحْسَة، ثمَّ نَحْسَاتٍ جَمْعُ الْجمع، وقرئت فِي (أيامٍ نحِسَات) ، وَهِي المشئومات عَلَيْهِم فِي الْوَجْهَيْنِ.
والعرَبُ تُسَمِّي الرِّيحَ الْبَارِدَة إِذا دَبَرَتْ نَحْساً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ابْن أَحْمَر:

(4/185)


كأنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لنحسٍ
يُحِيلُ شَفِيفُها الماءَ الزُّلاَلاَ
قَالَ: لِنَحْسٍ، أَي وُضِعت فِي ريحٍ فبردت، وشَفِيفُها: برْدُها، قَالَ: وَمعنى يُحِيلُ: يَصُبّ، يَقُول: فبرْدُها يَصُبُّ الماءَ فِي الْحَلق، وَلَوْلَا بَرْدُها لم يُشْرَب الماءُ، والنَّحْسُ: الغُبارُ، يُقَال: هاج النَّحْس أَي الغُبَارْ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا هَاجَ نَحْسٌ ذُو عَثَانينَ والْتَقَت
سَباريتُ أَغفال بهَا الآلُ يمْصَحُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن} (الرَّحمان: 35) وقرىء (ونِحاسٌ) ، قَالَ: النُّحَاسُ: الدُّخان، وَأنْشد:
يُضيء كضَوْءِ سِرَاج السَّلِي
ط لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحاسا
وَهُوَ قَول جَمِيع الْمُفَسّرين.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: النُّحاسُ بِضَم النُّون: الدُّخَان والنِّحاس، بِكَسْر النُّون: الطَّبيعةُ وَالْأَصْل: وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحوه.
والنُّحَاس: الصُّفرُ والآنية.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النِّحاسُ والنَّحَاس جَمِيعًا: الطبيعة. وَأنْشد بَيت لبيد:
وَكم فِينَا إِذا مَا المَحْلُ أَبْدَى
نِحاسَ القومِ من سَمْحٍ هَضُوم
وَقَالَ آخر:
يَا أَيهَا السائلُ عَنْ نِحَاسي
قَالَ: النحّاس: مبلغ أصل الشَّيْء.
أَبُو عُبَيد: اسْتَنْحَسْت، الخَبرَ إِذا تَنَدَّسْته وتَحسَّسْتَه.
ابْن بُزُرْج: نُحاسُ الرجل ونِحَاسه: سجِيَّتُه وطبيعتُه. قَالَ: وَيَقُولُونَ النُّحاس بِالضَّمِّ: الصُّفر نَفسه، والنِّحاس مكسور: دُخانه. وَغَيره يَقُول للدخان نُحاس.
حنس: قَالَ شمر: الحَوَنَّس من الرِّجَال: الَّذِي لَا يَضيمُه أحَدٌ إِذا قَامَ فِي مَكَان لَا يُحَلْحِله أحدٌ. وَأنْشد:
يَجْرِي النَّفِيُّ فَوق أنفٍ أفْطَسِ
مِنْهُ وعَيْنَيْ مُقْرِفٍ حَوَنَّس
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحنَسُ: لُزُوم وسط المعركة شَجاعةً. قَالَ: والحُنُس: الوَرِعُون.
سنح: قَالَ اللَّيْث: السانِحُ: مَا أتاكَ عَن يمينِك من طَائِر أَو ظَبْي أَو غير ذَلِك يُتَيَمَّن بِهِ تَقول: سنح لنا سُنُوحاً. وَأنْشد:
جَرَتْ لَك فِيهَا السانحاتُ بأسْعُد
قَالَ: وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة امْرَأَة تقوم بسوق عُكاظ: فتُنشد الْأَقْوَال وتضرِبُ الْأَمْثَال. وتُخْجِلُ الرِّجَال. فانْتَدَبَ لَهَا رجل: فَقَالَت الْمَرْأَة مَا قَالَت، فأجابها الرجل فَقَالَ:
وَأَسْكَتَاكِ جامِحٌ ورامحُ
كالظَّبْيَتَيْنِ سانحٌ وبَارِحُ
فَخَجِلَتْ وهربت.
قَالَ: وَيُقَال: سانح وسَنِيحٌ. وَيُقَال: سَنَح لي رأيٌ بِمَعْنى عَرَضَ لي وَكَذَلِكَ سنَح لي قَولٌ وقَرِيضٌ.

(4/186)


وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عُبَيدة: سَأَلَ يونُسُ رُؤْبة وَأَنا شَاهد عَن السَّانح والبارح. فَقَالَ: السَّانحُ: مَا وَلاَّك ميامِنَه. والبارحُ: مَا وَلاَّك مَيَاسِره.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ: مَا جَاءَ عَن يمينِك إِلَى يسارك. وَهُوَ إِذا وَلاَّك جانِبَه الْأَيْسَر. وَهُوَ إنْسِيُّه فَهُوَ سانح. وَمَا جَاءَ عَن يسارك إِلَى يَمينك. وَوَلاَّك جَانِبه الأيمَن. وَهُوَ وَحْشِيُّه فَهُوَ بارح. قَالَ: والسانح أحْسَنُ حَالا عِنْدهم فِي التَّيَمُّن من البارح. وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
أرِبْتُ لإرْبتِه فانطلقْ
تُ أُرَجِّي لِحُبّ اللقاءِ السَّنيحَا
يُرِيد: لَا أتَطَيّر من سانح وَلَا بارح. وَيُقَال: أَرَادَ أتَيَمَّن بِهِ. قَالَ: وَبَعْضهمْ يتشاءَمُ بالسَّانح.
وَقَالَ عَمْرو بن قَمِيئة:
وأشأَمُ طيْرِ الزَّاجرِين سَنِيحُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:
أجارَهُما بِشْرٌ من الموْتِ بَعْدَمَا
جرت لَهما طَيْرُ السَّنِيح بأَشْأَم
وَقَالَ رؤبة:
فكم جَرَى من سانحِ بِسَنْحِ
وبَارِحاتٍ لم تَجُرْ بِبَرْحِ
بِطَيْرِ تخْبِيبِ وَلَا بِتَرْحِ
وَقَالَ شمر: رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي بِسُنْحِ قَالَ: والسُّنْح: اليُمْنُ وَالْبركَة.
وَأنْشد أَبُو زيد:
أَقُول والطيرُ لنَا سانِحٌ
تجْري لنا أيْمَنهُ بالسُّعُودْ
وَقَالَ أَبُو مَالك: السَّانح يُتَبَرَّك بِهِ. والبارح يُتَشَاءم بِهِ. وَقد تشاءم زُهَيْر بالسَّانِح فَقَالَ:
جَرَت سُنُحاً فقلتُ لَهَا أَجِيزِي
نَوًى مَشْمولَةً فَمتى اللِّقاءُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السُّنُحُ: الظِّبَاءُ المَيَامِينُ، والسُّنُح: الظِّبَاءُ المَشَائيمُ. قَالَ: والسَّنِيحُ: الخَيطُ الَّذِي يُنْظَمُ فِيهِ الدُّرُّ قبل أَن ينظم فِيهِ الدُّرُّ، فَإِذا نُظِم فَهُوَ عِقْدٌ وَجمعه سُنُح.
اللِّحياني: خَلِّ عَن سُنُح الطَّرِيق وسُجُح الطَّرِيق بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ بَعضهم: السَّنِيحُ: الدُّرُّ والحُلِيُّ، وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ يذكر نِساءً:
ويُغَالِينَ بالسَّنِيح ولايَسْ
أَلنَ غِبَّ الصَّباحِ مَا الأخُبَارُ
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: اسْتَسْنَحْتُه عَن كَذَا وتَسَنَّحْتُه واسْتَنْحَسْتُه عَن كَذَا وتَنَحَّسْتُه بِمَعْنى اسْتَفْصَحْتُه.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: يُقَال: سَنَحَ لَهُ سَانِحٌ فَسَنَحه عَمَّا أَرَادَ أَي صَرَفه وَرَدَّهُ.
نسح: اللَّيْث: النَّسْحُ والنُّسَاحُ: مَا تَحَاتّ عَن التَّمْر من قِشْره وفُتَات أَقْمَاعه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يبْقى أَسْفَل الْوِعَاء.
والمِنْسَاحُ: شَيْء يُدْفَعُ بِهِ التُّرَاب ويُذَرَّى بِهِ. ونِسَاحُ: وادٍ بِالْيَمَامَةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمَا ذكره اللَّيْث فِي النَّسْح لم أسمعهُ لغيره، وَأَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا.

(4/187)


ح س ف
حسف، حفس، سحف، سفح، فسح، فحس: مستعملات.
حسف: قَالَ اللَّيْث: الحُسافَةُ: حُسَافَةُ التَّمْر: وَهِي قُشُورُه وَرَدِيئُه، تَقول: حَسَفْتُ التمرَ أَحْسِفُه حَسْفاً إِذا نَفَيْتَه.
وَقَالَ اللِّحياني وَغَيره: تَحَسَّفَت أوبارُ الْإِبِل وتَوَسَّفَت إِذا تَمَعَّطَت وتَطَايَرَت.
أَبُو زيد: رَجَع فلَان بحَسِيفَة نَفسه إِذا رَجَعَ وَلم يَقْض حاجَةَ نَفسه، وَأنْشد:
إِذا سُئِلوا المعروفَ لم يَبْخَلُوا بِهِ
وَلم يَرْجِعُوا طُلاَّبَهُ بالحَسَائِف
أَبُو عُبَيد: فِي قلبه عَلَيْهِ كَتِيفَةٌ وحَسِيفةٌ وحَسِيكَةٌ وسَخِيمة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لبَقِيَّة أقماع التَّمْر وقِشْره وكِسَرِه: الحُسَافَةُ.
وَقَالَ الْفراء: حُسِفَ فلَان أَي أُرْذِلَ وأُسْقِطَ. وحُسَافَةُ النَّاس: رُذَالُهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُسُوفُ: استقصاء الشَّيْء وتَنْقِيَتُه.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: يُقَال لجَرْس الحَيّات حَسْفٌ وحَسِيفٌ، وحَفِيفٌ، وَأنْشد:
أَبَاتُوني بِشَرِّ مَبِيتِ ضَيْف
بِهِ حَسْفُ الأفاعِي والبُرُوص
شمر: الحُسافَةُ: الماءُ الْقَلِيل، قَالَ: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي لكُثَيّر:
إِذا النَّبلُ فِي نَحْر الكُمَيْت كأنّها
شَوارِعُ دَبْرٍ فِي حُسَافَةُ مُدْهُن
قَالَ شمر: وهُوَ الحُشَافَة بالشين أَيْضا. والمُدْهن: صَخْرَةٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ.
حفس: قَالَ اللَّيْث: رجل حِيَفْسٌ وحَفَيْسأٌ إِلَى الْقصر ولؤم الخَليقَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ مَعَ الْقصر سِمَنٌ قيل رجل حِيَفْس وحَفَيْتَأ بِالتَّاءِ.
قلتُ: أرى التَّاء مُبَدَلَةً من السِّين، كَمَا قَالُوا: انْحَتَّتْ أَسْنَانه وانْحَسَّت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: رَجُلٌ حَفَيْسأٌ وحَفَيْتَأٌ بِمَعْنى وَاحِد.
سحف: اللَّيْث: السَّحْفُ: كَشْطُك الشَّعَر عَن الجِلْد حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء تَقول: سَحَفْته سَحْفاً.
والسَّحِيفَةُ والسَّحائف: طرائق الشَّحْم الَّتِي بَين طرائق الطَّفَاطف وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُرَى من شحمة عَريضَة مُلزَقة بالجِلْدة.
وناقةٌ سَحُوفٌ: كَثِيرَة السحائف وجَمَلٌ سَحُوفٌ كَذَلِك، وَقد تكون الْقطعَة مِنْهُ سَحْفَة.
قَالَ: والسَّحُوف أَيْضا من الغَنَم: الرَّقيقةُ صُوفِ البَطْن.
قَالَ أَبُو عُبَيد: والسّحافُ: السِّلُّ، وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
والسَّيْحَفُ: النَّصلُ العريض وجَمْعُه: السَّيَاحِفُ، وَأنْشد:
سَيَاحِفُ فِي الشِّرْيان يأمُلُ نَفْعَها
صِحابِي وأُوْلِي حَدَّها مَنْ تَعَرَّما
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَحَفَ رأسَه وجَلَطَه وسَلَتَه إِذا حَلَقه وكَذلك سَحَتَه.

(4/188)


الْأَصْمَعِي: السَّحِيفَةُ بِالْفَاءِ المَطْرَةُ الحديدة الَّتِي تَجْرُف كلّ شَيْء، والسَّحيقَةُ (بِالْقَافِ) : المَطْرَةُ الْعَظِيمَة القَطْر، الشَّدِيدَةُ الوَقْع، القليلةُ العَرْضِ، وجَمْعُها السَّحائفُ والسَّحائقُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ أَعْرَابِي: أتَوْنا بصِحَاف فِيهَا لِحَامٌ وسِحَافٌ أَي شُحُومٌ، وَاحِدهَا سَحْفٌ، وَقد أَسْحَفَ الرجل إِذا بَاعَ السَّحْفَ وَهُوَ الشَّحْم.
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء قَالَ: السُّحَافُ: السُّلُّ وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
ابْن شُمَيل: قَالَ أَبُو أسلم: ومَرَّ بناقَةٍ فَقَالَ: هِيَ وَالله لأُسْحُوفُ الأحاليل أَي واسِعَتُها قَالَ: فَقَالَ الْخَلِيل: هَذَا غَرِيب.
سفح: قَالَ اللّيث: السَّفْحُ: سَفْحُ الجَبَل وَهُوَ عُرْضُه المُضْطَجِع وَجمعه سُفوحٌ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: السَّفْح: أصل الْجَبَل وأسْفَله.
وَقَالَ اللَّيْث: سَفَحَ الدَّمعَ سَفَحَاناً. وَأنْشد:
سِوَى سفَحَانِ الدَّمْعِ مِنْ كلِّ مَسْفَحِ
قَالَ: والسَّفْح للدَّمِ كالصّبِّ، تَقول رَجُلٌ سَفَّاحٌ للدِّماء: سَفّاك.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيُقَال: سَفَحْتُ الدَّمعَ فَسَفَح وَهُوَ سَافِح ودمُوعٌ سَوافِحُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّفَاحُ والمُسَافَحَةُ: أَن تُقِيم امرأةٌ مَعَ رَجُل على فجور من غير تَزْوِيج صَحِيح.
قَالَ: وَيُقَال لِابْنِ البَغِيّ ابْن المُسافِحَة، قَالَ: وَفِي الحَدِيثِ (أَوَّلُه سِفَاحٌ وَآخره نِكاحٌ) وَهِي الْمَرْأَة تُسَافِحُ رَجُلاً، فَيكون بَينهمَا اجْتِمَاع على فجور، ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وكَرِه بعض الصَّحَابَة ذَلِك، وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: المُسَافِحَةُ: الفاجِرَةُ، وَقَالَ الله عَزَّ وجَلَّ {مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} (النِّساء: 25) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: المُسَافِحَةُ: الَّتِي لَا تَمْتَنِعُ عَن الزِّنى، قَالَ: وسُمِّي الزِّنى سِفَاحاً: لِأَنَّهُ كَانَ عَن غير عقد، كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة المَاء المَسْفُوح الَّذِي لَا يَحْبِسُه شَيْء، وَقَالَ غَيره: سُمِّي الزِّنَى سِفَاحًا: لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ حُرْمة نِكاحٍ وَلَا عَقْدُ تَزْوِيج، وكل وَاحِد مِنْهُمَا سَفَحَ مَنِيَّه أَي دَفقَها بِلَا حُرْمَة أباحَتْ دَفْقَها وَيُقَال: هُوَ مَأْخُوذ من سَفَحْتُ المَاء أَي صَبَبْتُه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا خطب الرجُل المرأةَ قَالَ: أنكحِينِي، فَإِذا أَرَادَ الزِّنَى قَالَ: سَافِحِينِي.
وَقَالَ النَّضْرُ: السَّفِيحُ: الكِسَاءُ الغليظ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّفِيحَانِ: جُوَالِقَان يجعَلان كالْخُرجين، وَأنْشد:
تَنْجُو إِذا مَا اضْطَرَبَ السَّفِيحان
نَجَاء هِقْلٍ جَافِلٍ بِفَيْحَان
وَقَالَ اللحياني: يُدْخَلُ فِي قِدَاح المَيْسر قِدَاحٌ يُتَكَثَّر بهَا كَرَاهَة التُّهَمَة، أَولهَا المُصَدَّر، ثُمَّ المُضَعَّف، ثمَّ المَنِيحُ، ثمَّ السَّفِيح لَيْسَ لَهَا غُنْم وَلَا عَلَيْهَا غُرْم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال لكل مَنْ عَمِل عَمَلاً لَا يُجْدِي عَلَيْهِ مُسَفِّح، وَقد سَفّح تَسْفِيحاً، شُبِّه بالقِدْح السَّفِيح، وَأنْشد:

(4/189)


ولَطَالما أَرّبتُ غيرَ مُسَفِّح
وكَشَفْتُ عَن قَمَع الذُّرَى بحُسَام
وَقَوله: أرّبتُ أَي أحْكَمْتُ، وَأَصله من الأُرْبَة وَهِي العُقْدَة، وَهِي أَيْضا خَيْر نصيب فِي المَيْسَر، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَلاَ تُرَدُّ عَلَيْهِم أُرْبَةُ اليَسَر
ويُقَالُ: ناقَةٌ مَسْفُوحَةُ الإبْطِ أَي واسِعَةُ الإبْط، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
بِمَسْفُوحَةِ الآبَاطِ عُرْيَانةِ القَرَى
نِبَالٌ تُوَاليها رِحابٌ جُنُوبُها
وجَمَلٌ مَسْفُوح الضُّلُوع: لَيْسَ بِكَزِّهَا
وَيُقَال: بَينهم سِفاحٌ أَي سَفْكٌ للدِّماء.
فسح: الليثُ: الفُسَاحَة: السَّعَةُ الواسِعَةُ فِي الأَرْض، تَقول: بَلدٌ فَسِيحٌ وَمَفَازةٌ فَسِيحَةٌ، وَأمر فَسِيحٌ، وَلَك فِيهِ فَسْحَةٌ أَي سَعَةٌ، وَالرجل يَفْسح لِأَخِيهِ فِي الْمجْلس فَسْحاً إِذا وسَّعَ لَهُ، والقومُ يتفَسَّحُون إِذا مَكَّنُوا. وَيُقَال: انْفَسَح طَرْفُك إِذا لم يَرْدُدْه شيءٌ عَن بُعْدِ النَّظَر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى الْمَجَالِسِ} (المجَادلة: 11) .
وَقَالَ الفَرَّاء: قَرَأَهَا النَّاس: (تَفَسَّحُوا) بِغَيْر ألف، وَقرأَهَا الحَسَنُ: (تَفَاسَحُوا) بِأَلف، قَالَ: وتفاسَحُوا وتَفَسَّحُوا مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنى مثل تَعَهَّدْتَه وتَعَاهَدْتُه، وَصَاعَرْتُ وصَعَّرْتُ.
قلتُ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من بني عُقَيْل يُسَمَّى شَمْلَة يَقُول لخَرّازٍ كَانَ يَخْرِزُ لَهُ قِرْبَة، فَقَالَ لَهُ: إِذا خَرَزْتَ فافسَحِ الخُطا لِئَلَّا يَنْخَرِمَ الخَرْزُ، يَقُول: باعد بَيْنَ الخُرْزَتَين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مُرَاحٌ مُنْفَسِح إِذا كَثُرت نَعَمُه، وَهُوَ ضد قَرِع المُرَاح، وَقد انْفَسَح مُرَاحُهم أَي كَثُر إِبِلُهم، وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
سأُغْنِيكُم إِذا انْفَسَحَ المُرَاحُ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَسِيحُ مَا بَين المنْكِبَيْن) أَي بَعِيدٌ مَا بَينهمَا، يصفه بسَعَةِ صَدْرِه.
وَفِي حَدِيث أم زرع (وبَيْتُها فُسَاحٌ) أَي وَاسعٌ. يُقَال: بَيْتٌ فَسيحٌ وفُسَاحٌ، ويُروى فَيَاحٌ بِمَعْنَاهُ.
وجَمَلٌ مَفْسُوح الضُّلُوع بِمَعْنى مَسْفُوحٍ يَسْفَحُ فِي الأرضِ سَفْحاً، وَقَالَ حُمَيْد بن ثَوْر:
فَقَرَّبْتُ مَسْفُوحاً لِرَحْلي كَأَنَّهُ
قَرَى ضِلَعٍ قَيْدَامُها وصَعُودُها
فحس: قَالَ اللَّيْثُ: الفَحْسُ: أخذك الشَّيْء عَن يَدِك بلسانك وفمك من المَاء وَغَيره
ح س ب
حسب، حبس، سحب، سبح: مستعملة.
حسب: قَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: الشَّرَفُ الثَّابِت فِي الْآبَاء، رجل كريم الحَسَب، وَقوم حُسَبَاء، قَالَ: وَفِي الحَدِيث: (الحَسَبُ المَالُ، والكرَمُ التَّقْوَى) وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنْكَحُ المرأةُ لِمَالِها وحَسَبِها ومِيَسَمِها ودينها فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين، تَرِبَت يداك) .
قلت: وَالْفُقَهَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى معرفَة الْحسب، لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ مَهْرُ مثل الْمَرْأَة إِذا عُقِد النِّكَاح على مهر فَاسد، فَقَالَ شَمِر

(4/190)


فِي كِتَابه (المُؤَلَّف فِي غَرِيب الحَدِيث) الحَسَبُ: الفَعَال الحَسَنُ لَهُ ولآبائه مَأْخُوذ من الحِسَاب إِذا حَسَبُوا مناقبهم، وَقَالَ المُتَلمِّس:
ومَنْ كَانَ ذَا أَصْلٍ كريم وَلم يكن
لَهُ حَسَبٌ كَانَ اللئيمَ المُذَمَّما
ففرّق بَين الحسَب والنَّسَب، فَجعل النّسَب عدد الْآبَاء والأمهات إِلَى حَيْثُ انْتهى، والحَسَبُ: الفَعَالُ مثل الشجَاعَة والجود وحُسْنِ الخُلُق وَالْوَفَاء.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه شَمِر صَحِيح، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَباً: لأَنهم كَانُوا إِذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ مِنْهُم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها، فالحَسْبُ: العَدُّ والإحصاء، والحَسَبُ: مَا عُدَّ، وَكَذَلِكَ العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ، والمعدود عددٌ.
وحدّثني مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَليّ بن خَشْرَم عَن مُجَالد عَن عَمْرو عَن مَسْرُوق عَن عُمَر أنّه قَالَ: (حَسَبُ الْمَرْء دينُه، ومروءتُه خُلُقه، وَأَصله عَقْلُه) ، قَالَ: وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عَن إِبْرَاهِيم بن شمَّاسٍ عَن مُسْلِم بن خَالِد، عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كَرَمُ الْمَرْء دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ) .
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الشرفُ وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ. يُقَال: رجل شرِيف، ورَجُلٌ ماجِد: لَهُ آبَاء متقدمون فِي الشّرف. قَالَ: والحَسَبُ وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرَّجُل وَإِن لم يكن لَهُ آبَاء لَهُم شرَفٌ. وَيُقَال: رجل حَسِيب. وَرجل كَرِيمٌ بِنَفسِهِ. قلت: أَرَادَ أَن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وَإِن لم يكن لَهُ نسب، وَإِذا كَانَ حسيب الْآبَاء فَهُوَ أكْرم لَهُ.
ابْن بزُرْج قَالَ: الحَسِيبُ عندنَا من الرِّجَال: السخِيُّ الجَوادُ فَذَلِك الحسيبُ، وَلَا يُقَال لذِي الأصْلِ والصَّليبة الْبَخِيل حسيب.
قلت: يُقَال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب. وللذي يَكْثُر أهل بَيته من الْبَنِينَ والأهل حسيب وَإِنَّمَا سُمّي حَسيباً لِكَثْرَة عدده. وسُمِّي الْجواد حسيباً لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه، وَبِكُل ذَلِك نطقت السُّنَن وَجَاءَت الْأَخْبَار، وَيبين ذَلِك مَا حدّثنا السَّعْدِيّ عَن الْجِرْجَانِيّ عَن عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَنَّ هَوَازِنَ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أَنْت أبرُّ النَّاس وأوصلُهم وَقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخْتَارُوا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا المالَ، وَإِمَّا البَنِينَ) ، فَقَالُوا: أما إِذْ خيَّرتنا بَين المَال وَبَين الحسَب فَإنَّا نَخْتَارُ الحسَب، فَاخْتَارُوا أبناءَهم ونساءَهم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّا خَيَّرنَاهُم بَين المالِ والأحْساب فَلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شَيْئا) ، فَأطلق لَهُم السَّبيَ.
قلت: وبيّن هَذَا الحَدِيث أَن عدد أهل الْبَيْت يُسَمَّى حَسَباً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: قدرُ الشيءِ كَقَوْلِك: على حسَبِ مَا أسْدَيْت إليّ

(4/191)


َ شكْرِي لَك تَقول: أشكرك على حَسَب بَلاَئِك عِنْدِي أَي على قدر ذَلِك.
قَالَ: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فَمَعْنَاه كَفَى، تَقول: حَسْبك ذَاكَ أَي كَفَاكَ ذَاكَ، وَأنْشد ابْن السّكيت:
وَلم يكن مَلَكٌ للْقَوْم يُنْزِلُهم
إِلَّا صَلاَصِلُ لَا تُلْوَى على حَسَبِ
قَالَ: قَوْله: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي يُقْسَم بَينهم بالسَّوِيَّة لَا يُؤْثَرُ بِهِ أَحَدٌ، وَقيل: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي لَا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ المَاء وقِلَّتِه.
وَيُقَال أَحْسَبَني مَا أَعْطاني أَي كفَاني.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) جَاءَ فِي التَّفْسِير: يَكْفِيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قَالَ: وَمَوْضِع الْكَاف فِي حَسْبُكَ وَمَوْضِع مَنْ: نَصْب على التَّفْسِير كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
إِذا كَانَت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا
فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد
وَقَالَ أَبُو العَبّاس: معنى الْآيَة: يَكْفِيك الله وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (النِّساء: 6) يكون بِمَعْنى مُحَاسِباً، وَيكون بِمَعْنى كَافِيا أَي يُعْطي كل شَيْء من العِلْمِ والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ مَا يُحْسِبه أَي يَكْفِيه تَقول: حَسْبُك هَذَا أَي اكتفِ بِهَذَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كَافِيا، وَإِنَّمَا سُمِّي الحِساب فِي الْمُعَامَلَات حِسَابا: لِأَنَّهُ يُعْلَم بِهِ مَا فِيهِ كِفايةٌ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ على الْمِقْدَار وَلَا نُقْصانٌ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد. حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِساباً، وحَسَبْتُ الشَّيْء أحْسَبُه حَساباً وحُسْبَاناً، وَأنْشد:
على الله حُسْبَانِي إِذا النَّفسُ أَشْرَفتْ
على طَمَعٍ أَو خافَ شَيْئا ضميرُها
وَقَالَ الْفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.
وقُرِىء قولُ الله تَعَالَى: (وَلَا تحسبن) ، وليسَ فِي بَاب السَّالِم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.
وأَمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فَمَعْنَاه بِحِسَاب.
وَأَخْبرنِي المنذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} (الأنعَام: 96) فَمَعْنَاه بِحِسَاب، فَحذف الْبَاء.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: حُسْبَاناً: مصدر، كَمَا تَقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْباناً وحِسَاباً، وَجعله الْأَخْفَش جَمْعَ حِسابٍ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وَكَذَلِكَ أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.
وَأما قَوْله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الْكَهْف: 40) فَإِن الْأَخْفَش قَالَ: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.

(4/192)


وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: أَرَادَ بالحُسْبَان المَرَامِي، قَالَ: والحُسْبَانَةُ: الصاعِقَةُ، والحُسْبَانَةُ: السَّحابَة، والحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الحُسْبَان: سِهَامٌ يَرْمي بهَا الرَّجلُ فِي جَوف قَصَبَةٍ ينْزِع فِي القَوْسِ ثمَّ يَرْمِي بِعِشْرين مِنْهَا، فَلَا تَمرُّ بِشَيْء إِلَّا عَقَرَتْه من صاحِب سِلاَحٍ وَغَيره، فَإِذا نَزَعَ فِي القَصَبة خَرَجَت الحُسْبَانُ كَأَنَّهَا غَيْبَةُ مَطَر فتَفَرَّقَتْ فِي النّاسواحدها حُسْبَانَةٌ، والمَرَامِي مِثْلُ المَسَالِّ رَقيقَةٌ فِيهَا شيءٌ من طول لَا حُرُوف لَهَا.
قَالَ: والقِدْحُ بالحَدِيدَة: مِرْمَاةٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ} (الْكَهْف: 40) .
قَالَ: الحُسْبَانُ فِي اللُّغة: الحِساب.
قَالَ الله عزّ وجلّ: {: ُ: ِالبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) أَي بِحِسَاب، قَالَ: فَالْمَعْنى فِي هَذِه الْآيَة أَي يُرْسِل عَلَيْهَا عَذَاب حُسْبَان، وَذَلِكَ الحُسْبَان حِسَابُ مَا كَسَبَتْ يداك.
قلت: وَالَّذِي قَالَه الزّجاج فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة بعيد، وَالْقَوْل مَا قَالَه الأخْفَشُ وَابْن الْأَعرَابِي وَابْن شُمَيْل وَالْمعْنَى وَالله أَعْلَم أَن الله يُرْسِل على جَنَّة الْكَافِر مَرَامِيَ من عَذَاب، إِمَّا بَرَدٌ وَإِمَّا حِجارة أَو غيرهُما مِما شَاءَ فَيُهْلكها ويُبْطِل غَلَّتَها وأَصْلَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ، تَقول: حَسَبْتُ الشَّيْء أَحْسُبُه حِسَابا وحِسابَةً وحِسْبَةً.
وَقَالَ النابِغَةُ:
وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِك العَددِ
وَقَول الله عزّ وجلّ: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) .
قَالَ بَعضهم: بِغَيْر تَقْدِيرٍ على آخر بِالنُّقْصَانِ، وَقيل: بِغَيْر محاسبة مَا يخَاف أحدا أَن يُحاسِبَه عَلَيْهِ، وَقيل: بغَيْر أَن حَسِبَ المُعْطَى أَنّه يُعْطِيه أعطَاهُ من حَيْث لم يَحْتسِب.
قَالَ: والحِسْبَةُ: مصدر احْتِسابك الْأجر على الله عزّ وجلّ، تَقول: فعلتُه حِسْبَةً، واحْتَسَب فِيهِ احْتِساباً.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِنَّه لَحَسَنُ الحِسْبَة فِي الْأَمر إِذا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِير فِي الْأَمر وَالنَّظَر فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ من احْتِسابِ الأجْرِ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: احْتَسَبْتُ فلَانا: اخْتَبَرْتُ مَا عِنْدَه، والنساءُ يَحْتسِبن مَا عِنْد الرِّجَالِ لَهُنَّ أَي يَختَبِرْن.
قَالَ: وَيُقَال: احْتَسَبَ فلانٌ ابْناً لَهُ وبنْتاً لَهُ إِذا ماتَا وهما كبيران، وافْتَرَط فَرَطاً إِذا مَاتَ لَهُ وَلَدٌ صَغِير لم يبلغ الْحُلُم.
قلت: وَأما قَول الله جَلَّ وَعَزَّ: {مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً} (الطّلَاق: 3) فَجَائِز أَن يكون مَعْنَاهُ من حَيْثُ لَا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَظُنّهُ كَائِنا، من حَسِبْتُ أَحْسِب أَي ظَنَنْتُ، وَجَائِز أَن يكون مأخوذاً من حَسبْتُ أَحْسُبُ، أَرَادَ من حَيْثُ لم يَحْسُبْه لنَفسِهِ رزقا وَلَا عَدَّه فِي حِسابه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ، وأَنْشَد:

(4/193)


غَدَاةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ
أَي غَيْرَ مدفون، وَيُقَال: غيرَ مُكَفَّن. قلتُ: لَا أعرف التَّحْسِيب بِمَعْنى الدَّفْن فِي الْحِجَارَة وَلَا بِمَعْنى التَّكْفِين، وَالْمعْنَى فِي قَوْله: غير مُحَسَّب أَي غير مُوَسَّد.
قَالَ أَبُو عُبَيْدة وَغَيره: الحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ الصَّغِيرَة، وقَدْ حَسَّبْتُ الرجل إِذا أَجْلَستَه عَلَيْهَا.
وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال لِبِسَاط البَيْتِ: والحِلْسُ، لِمخَادِّه المَنَابذُ ولِمساوِرِه الحُسْبَانات، ولحُصْرِه الفُحولُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الأحْسَبُ: الَّذِي ابْيَضَّت جِلْدَتُه من دَاءٍ ففسدت شَعَرَته، فَصَارَ أَحْمَرَ وأبْيَض، وَكَذَلِكَ من الْإِبِل والنَّاس، وَهُوَ الأبْرَصُ، وأَنْشَدَ قولَ امْرِىء القَيْس:
أَيَا هِنْدُ لَا تَنْكِحِي بُوهَةً
عَلَيْهِ عَقِيقَتُه أَحْسَبَا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الأحْسَبُ: الَّذِي فِي شعره حُمْرَةٌ وبَيَاض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُسْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الحُمْرَةِ، والكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضرِبُ إِلَى الحُمْرَةِ، والقُهْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الخُضْرَة، والشُّهْبَةُ: سوادٌ وبيَاضٌ، والْحُلْبَةُ: سوادٌ صِرْفٌ، والشُّرْبَةُ: بيَاضٌ مُشْرَبٌ بحمرة، واللُّهْبَةُ: بيَاضٌ ناصعٌ نَقِيّ، والنُّوبَةُ: لَوْنُ الخِلاسِيِّ والخِلاسِيُّ: الَّذِي أَخَذ من سوادٍ شَيْئا وَمن بَيَاض شَيئاً، كَأَنَّهُ وُلِد من عَرَبِيَ وحَبَشِيَّة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أَحْسَبْتُ الرجلَ أَي أَعْطيته مَا يَرْضَى، وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ: أَعْطَيْتُه حَتَّى قَالَ: حَسْبِي.
والحِسَابُ: الْكثير من قَول الله عَزَّ وجَلَّ: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كثيرا. وَيُقَال: أَتَاني حِسابٌ من النَّاس أَي جماعةٌ كَثِيرَة، وَهِي لُغَة هُذَيْل.
وَقَالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:
فَلم يَنْتَبِه حَتَّى أحَاط بِظَهْرِه
حِسَابٌ وسِرْبٌ كالجرادِ يَسُوم
وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:
باشَرْتَ بالوَجْعَاءِ طَعْنَة ثَائرٍ
بِمُثَقِّفٍ وثَوَيْتَ غيْرَ مُحَسَّب
فَإِنَّهُ يُفَسّر على وَجْهَيْن، قيل: غير مُوسَّد، وَقيل: غير مكرّم، وَمَعْنَاهُ أَنه لم يرفَعْك حَسَبُك فَيُنْجِيَكَ من الْمَوْت وَلم يُعَظَّمْ حَسَبُك.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله جَلّ وعَزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) قَالَ: بِحسَاب ومنازل لَا يَعْدُوانها. وَقَالَ الزَّجَّاج: بحُسْبَان يدل على عدد الشُّهُور والسنين وَجَمِيع الْأَوْقَات.
أَبُو عُبَيد: ذَهَبَ فلَان يَتَحَسَّبُ الأخبارَ أَي يَتَحَسّسها ويطلبها تَحَسُّباً.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: سألتُ ابنَ الْأَعرَابِي عَن قَول عُرْوَةَ بنِ الوَرْد:
ومُحْسِبَةٍ مَا أَخْطَأَ الحقُّ غَيرهَا
تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها فَهْي كالشَّوِي
قَالَ: المُحْسِبَةُ بمعنيين من الحَسَب وَهُوَ الشَّرَف، وَمن الإحساب وَهِي الكِفَاية أَي

(4/194)


أَنَّهَا تُحْسِبُ بلبنها أهلَها والضَّيْفَ، وَمَا صلَة، الْمَعْنى أَنَّهَا نُحِرَت هِيَ وسَلِمَ غَيرهَا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زِيَاد الْكلابِي: الأحْسَبُ من الْإِبِل: الَّذِي فِيهِ سَواد وحُمْرَة وبيَاض، والأَكْلَفُ نَحوه.
وَقَالَ شمر: هُوَ الَّذِي لَا لون لَهُ الَّذِي يُقَال: أَحْسِبُ كَذَا وأَحْسِبُ كَذَا.
وَقَوله تَعَالَى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (البَقَرَة: 202) أَي حِسَابُه وَاقع لَا محَالة، وكلُّ وَاقع فَهُوَ سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِساب الله أَنه لَا يَشْغَلُه حِسَابُ وَاحِد عَن مُحاسَبَة الآخر، لِأَنَّهُ لَا يشْغلهُ سَمْعٌ عَن سَمْع، وَلَا شأْنٌ عَن شأْن.
وَقَوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) . أَي كافيك الله. أَحْسَبَني الشيءُ أَي كَفَاني، وأعْطَيْتُه فأحسَبْتُه أَي أعطيتُه الكِفَايَة حَتَّى قَالَ حَسْبي، وَفِي قَوْله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) كِفَايَةٌ إِذا نَصرهم الله، وَالثَّانِي حَسْبك من اتَّبَعَك من الْمُؤمنِينَ أَي يَكْفِيكُم الله جَمِيعًا.
وَقَوله: {ُاقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} ِ (الإسرَاء: 14) أَي كفى بك لنَفسك مُحَاسِباً.
وَقَوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) أَي بِغَيرِ تَقْتِيرٍ وتضييق، كَقَوْلِك: فلَان ينْفق بِغَيْر حِسَاب أَي يُوَسِّع النّفَقَةَ وَلَا يَحْسُبُها.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} (الْكَهْف: 9) الخِطَابُ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرادُ الأُمَّةُ.
أَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن أبي بكر الخطَّابي عَن نوح بن حبيب عَن عبد الْملك بن هِشَام الذمارِي قَالَ أخبرنَا سُفْيان عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: (يَحْسِب أَن مَاله أخلده) (الهُمَزة: 3) معنى أَخْلَدَه يُخْلِدُه، وَمثله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} (الأعرَاف: 50) أَي يُنَادي، وَقَالَ الحُطَيْئَة:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِين يَلْقَى رَبَّه
أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ
سحب: اللَّيْث: السَّحْبُ: جَرُّك الشيءَ على الأَرْض تَسْحَبُه سَحْباً، كَمَا تَسحَبُ الْمَرْأَة ذيلَها، وكما تَسْحَب الريحُ الترابَ، وسُمِّي السّحابُ سحاباً لانسحابه فِي الْهَوَاء.
قَالَ: والسَّحْبُ: شِدَّةُ الْأكل والشُّرب ورَجُلٌ أُسْحوب: أَكُولٌ شَرُوب.
قُلْتُ: الَّذِي عَرَفنَاهُ وحَصَّلْناه رجلٌ أُسْحُوتٌ بِالتَّاءِ إِذا كَانَ أَكُولا شروباً، وَلَعَلَّ الأسحُوبَ بِالْبَاء بِهَذَا الْمَعْنى جَائِز.
وَيُقَال: رجل سَحْبَانُ أَي جَرَّاف يجرُف كلّ مَا مَرَّ بِهِ، وَبِه سُمِّي سَحْبَانُ وَائِل الَّذِي يضْرب بِهِ المثلُ فِي الفصاحة (أَفْصَحُ من سَحْبَانِ وائلٍ) .
وَيُقَال: فلَان يَتَسَحَّبُ علينا أَيْن يتدَلَّل وَكَذَلِكَ يَتَدَكَّلُ ويتدَعَّبُ.
والسُّحْبَةُ: فَضْلَةُ مَاء تبقى فِي الغَدِير، يُقَال: مَا بَقِي فِي الغدير إِلَّا سُحَيْبَة مَاء أَي مُوَيْهة قَليلَة.
سبح: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قِيلاً إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ

(4/195)


سَبْحَاً طَوِيلاً} (المُزمّل: 7) .
قَالَ اللَّيْث: مَعْنَاهُ فراغاً للنوم.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: وَيكون السَّبْحُ أَيْضا فراغاً بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الفرَّاء: يَقُول لَك فِي النَّهَار. مَا تقضي حوائجك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: سَبْحاً طوِيلاً، قَالَ فَرَاغاً وتَصَرُّفاً، وَمن قَرَأَ سَبْخاً فَهُوَ قَرِيبٌ من السَّبْح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: من قَرَأَ سَبْحاً فَمَعْنَاه اضطراباً ومعاشاً. وَمن قَرَأَ: سَبْخاً أَرَادَ رَاحَة وتخفيفاً للأبدان.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سمِعتُ أَبَا الجهم الجَعْفَرِي يَقُول: سَبَحْتُ فِي الأَرْض وسبَخْتُ فِيهَا إِذا تَبَاعَدت فِيهَا. قَالَ: وَسبح اليَرْبُوعُ فِي الأَرْض إِذا حفر فِيهَا، وسَبَحَ فِي الْكَلَام إِذا أكثرَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: سَبْحاً طَويلا أَي مُنْقَلَباً طَويلا.
وَقَالَ اللَّيْث: سُبْحَانَ الله: تَنْزِيه لله عَن كل مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُوصف بِهِ.
قَالَ: ونَصْبُه أَنه فِي مَوضِع فعل على معنى تَسْبِيحاً لَهُ، تَقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً أَي نَزّهْتُه تَنْزِيها. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جَلّ وعزّ: {ُ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (الإسرَاء: 1) مَنْصُوب على الْمصدر، أسبِّح الله تَسبيحاً.
قَالَ: وسُبحَان فِي اللُّغَة: تنْزِيه لله عَزّ وجَلّ عَن السوء. قلت: وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ، يُقَال: سَبّحْت الله تسبيحاً وسُبْحَاناً بِمَعْنى وَاحِد، فالمصدر تَسْبِيح، والإسم سُبْحَانَ يقوم مقَام الْمصدر.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالَ أَبُو الخَطّاب الْكَبِير: سُبْحانَ الله كَقَوْلِك: بَرَاءَة الله من السوء، كَأَنَّهُ قَالَ: أُبَرِّىء الله من السوء. وَمثله قَول الأعْشَى:
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِر
أَي بَرَاءَة مِنْهُ.
قلت: وَمعنى تَنْزِيه الله من السُّوء: تَبْعِيدُه مِنْهُ، وَكَذَلِكَ تسبيحه تبعيده، من قَوْلك: سَبَحْتُ فِي الأَرْض إِذا أَبْعَدْتَ فِيهَا، وَمِنْه قَوْله جَلَّ وعَزَّ: {سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى} (يس: 40) ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} (النَّازعَات: 3) هِيَ النُّجُوم تَسْبَحُ فِي الفَلَكِ أَي تذهَبُ فِيهَا بَسْطاً كَمَا يَسْبَحُ السابح فِي المَاء سَبْحاً، وَكَذَلِكَ السابحُ من الخَيْل يَمُدُّ يَدَيه فِي الجَرْي سَبْحاً كَمَا يسبح السابح فِي المَاء وَقَالَ الأعْشَى:
كم فيهم من شَطْبَهٍ خَيْفَقٍ
وسَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ ضَامِر
وَقَالَ اللَّيْث: النُّجُوم تسْبَح فِي الْفلك إِذا جَرَت فِي دورانه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد المَصَاحِفي: رَأَيْت فِي الْمَنَام كأنّ إنْسَانا فَسّر لي سُبْحَانَ الله فَقَالَ: أما ترى الْفرس يَسْبَحُ فِي سرعته، وَقَالَ: سُبْحَان الله: السُّرْعَة إِلَيْهِ.
قلت: والقولُ هُوَ الأوّلُ، وجِمَاعُ مَعْناه بُعْدُه تبَارك وَتَعَالَى عَن أَن يكون لَهُ مِثْلٌ أَو

(4/196)


شَرِيكٌ أَو ضِدٌّ أَو نِدٌّ.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جَلَّ وعَزّ: {الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الرُّوم: 17) الْآيَة فصلّوا لله حِين تمسون وَهِي الْمغرب والعِشَاء، وَحين تُصْبِحُون صَلاَةَ الفَجْر، وعَشِيّاً الْعَصْر، وَحين تظْهِرون الأولى. وَكَذَلِكَ قَوْله: {ُوَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ} ِ (الصَّافات: 143) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: من الْمُصَلِّين.
وَقَالَ اللَّيْث: السُّبْحَةُ من الصَّلاَةِ: التَّطَوُّع.
وَفِي الحَدِيث أَن جِبْرِيل قَالَ: (لله دون الْعَرْش سَبْعونَ حِجَاباً لَو دَنَوْنَا من أَحدهَا لأحرَقَتْنا سُبُحَاتُ وَجْه رَبنَا) قيل: يَعْنِي بالْسُبُحاتِ جَلالَه وعَظمتَه ونورَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سُبُحَاتُ وَجْهِه: نُورُ وَجْهه.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: السُّبُحات: مَواضِعُ السُّجود.
وَأما قَول الله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسرَاء: 44) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قيل: إنَّ كل مَا خلق الله يسبِّحُ بحَمْدِه، وإنَّ صَرِيرَ السَّقْفِ وصريرَ الْبَاب من التَّسْبِيح، فَيكون على هَذَا الْخطاب للْمُشْرِكين وحدهم فِي {وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، وَجَائِز أَن يكون تَسْبِيحُ هَذِه الْأَشْيَاء بِمَا الله بِهِ أعلم لَا يُفْقَهُ مِنْه إلاَّ مَا عُلِّمنا قَالَ: وَقَالَ قوم: {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} أَي مَا من شيءٍ إِلَّا وَفِيه دَلِيل أَن الله جلّ وعزّ خالِقُه، وأنَّ خالِقَه حكيمٌ مُبَرَّأٌ من الأسواء، وَلَكِنَّكُمْ أَيهَا الْكفَّار لَا تفقهون أثر الصَّنْعَةِ فِي هَذِه الْمَخْلُوقَات.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن الَّذين خوطبوا بِهَذَا كَانُوا مُقرِّين بِأَن الله خالقُهم وخالِقُ السَّمَاء وَالْأَرْض ومَنْ فِيهِنَّ، فَكيف يجهلون الخِلْقَة وهم عارفون بهَا.
قلت: وممّا يَدُلُّك على أَن تَسْبِيح هَذِه المخلوفات تَسبيحُ تُعِبِّدَتْ بِهِ قولُ الله جلّ وعزّ للجبال: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سَبَإ: 10) وَمعنى أوِّبي أَي سَبِّحي مَعَ داوُد النهارَ كلَّه إِلَى اللَّيْل، وَلَا يجوز أَن يكون معنى أَمر الله جلّ وعزّ للجبال بالتأوِيبِ إِلَّا تعبُّداً لَهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْله جلّ وعزّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الحَجّ: 18) إِلَى قَوْله: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} (الحَجّ: 18) فسُجودُ هَذِه الْمَخْلُوقَات عبادةٌ مِنْهَا لخالقها لَا نَفْقَهُها عَنْهَا كَمَا لَا نَفْقَه تسبيحَها.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البَقَرَة: 74) وَقد علِم الله هُبوطَها من خَشَيتِه، وَلم يُعرِّفْنَا ذَلِك، فَنحْن نؤمِن بِمَا أَعْلَمَنا وَلَا نَدّعي بِمَا لم نُكَلَّف بأفهامنا من عِلْمِ فِعلِها كَيفيّةً نَحُدُّها.
وَمن صِفَات الله جلّ وعزّ السُّبُّوحُ القُدُّوسُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: السُّبُّوحُ: الَّذِي تَنزَّه عَن

(4/197)


كلِّ سوءٍ، والقُدُّوسُ: الْمُبَارك، وَقيل: الطَّاهرُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب بِنَاء على فُعُّول بِضَم أَوله غير هذَيْن الإسمين الجليلين وحرف آخر وَهُوَ قَوْلهم للذّرِّيحِ وَهِي دُوَيْبَّةٌ ذُرُّوح، وَسَائِر الْأَسْمَاء تَجِيء على فَعُّول مثل: سَفُّود وقَفُّود وقَبُّور وَمَا أشبههَا.
وَيُقَال لهَذِهِ الخَرَزات الَّتِي يَعُدُّ بهَا المُسَبِّحُ تَسْبِيحَه السُّبْحَة وَهِي كلمة مولدة.
أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: السَّبْحَة بِفَتْح السِّين وَجَمعهَا سِبَاحٌ: ثِيَاب من جُلُود.
وَقَالَ مالكُ بن خَالِد الهذليّ:
إِذا عادَ المسَارِحُ كالسِّبَاح
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كِسَاءٌ مُسبَّح بِالْبَاء أَي قوي شَدِيد. قَالَ: والمُشَبَّح بِالْبَاء أَيْضا والشين: المُعَرَّض.
وَقَالَ شمر: السَّباحُ بِالْحَاء: قُمُصٌ للصبيان من جُلُود. وَأنْشد:
كَأَن زَوَائِدَ المُهُرَاتِ مِنْهَا
جَوارِي الهِندِ مُرْخِيةَ السِّبَاحِ
وَأما السُّبْجَةُ بِضَم السِّين وَالْجِيم فكِساءٌ أسود.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة المُلَقَّب بِنِفْطَوَيْه فِي قَول الله: {لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقِعَة: 74) أَي سبِّحه بأسمائه ونزِّهه عَن التَّسمِيَة بغيْرِ مَا سَمّى بِهِ نَفسه.
قَالَ: ومَنْ سَمّى الله بِغَيْر مَا سَمّى بِهِ نَفسه فَهُوَ مُلْحِد فِي أَسْمَائِهِ، وكلّ من دَعَاهُ بأسمائه فمسبِّح لَهُ بهَا إذْ كَانَت أسماؤه مدائحَ لَهُ وأوْصافاً.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {ُوَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ِ (الأعرَاف: 180) وَهِي صِفَاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه، فَكل من دَعَا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.
وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ من الله، وَلذَلِك حَرَّم الفواحِشَ وَلَيْسَ أحدٌ أحَبّ إِلَيْهِ المدحُ من الله.
حبس: قَالَ اللَّيْث: الحبْسُ والمَحْبِسُ: موضعان للمَحبوسِ. قَالَ: والمَحْبِسُ يكون سِجْناً وَيكون فعلا كالحَبْسِ. قلت: المَحبَسُ: مصدر، والمحبِسُ: اسْم للموضع.
قَالَ اللَّيْث: والحَبِيسُ: الفرسُ يُجْعَلُ حَبِيساً فِي الله سَبِيل يُغْزَى عَلَيْه.
قلت: والحُبُسُ جمع الحَبِيس، يَقع على كل شَيْء وقفَه صاحبِه وَقفا مُحَرَّماً لَا يُورَثُ وَلَا يُباع من أَرض ونخل وكَرْم ومُسْتَغَلّ يُحَبَّسُ أصلُه وَقفا مُؤبّداً وتُسَبَّلُ ثَمَرَتُه تَقَرُّبا إِلَى الله كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُمَر فِي نَخْلٍ لَهُ أَرَادَ أَن يتقرّب بِصَدَقَتِهِ إِلَى الله جلّ وعزّ، فَقَالَ لَهُ: (حَبِّس الأصلَ وسَبِّل الثّمَرَة) ، وَمعنى تَحْبِيسه: ألاّ يُورَثَ وَلَا يُبَاعَ وَلَا يُوهَبَ، وَلَكِن يُترَكُ أصلُه ويُجْعَلُ ثمرُه فِي سُبُل الْخَيْر.
وَأما مَا رُوِي عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِطْلَاق الحُبُسِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا الحُبُسَ الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَحْبِسُونها من السوائب والبَحَائِر والحام وَمَا أشبههَا، فَنزل الْقُرْآن بإحْلال مَا كَانُوا يُحرِّمون مِنْهَا وَإِطْلَاق مَا حَبَّسُوا بِغَيْر أَمر الله مِنْهَا.

(4/198)


وَأما الحُبُس الَّتِي وَردت السُّنَنُ بتَحْبِيس أَصْلهَا وتَسْبِيل ثَمَرِها فَهِيَ جاريَة على مَا سَنَّها الْمُصْطَفى ج، وعَلى مَا أُمِرَ بِهِ عُمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِبَاسُ: شيءٌ يُحْبَسُ بِهِ المَاء نَحْو الحِبَاس فِي المَزْرَفَةِ يُحْبَس بِهِ فُضُولُ الماءِ. والحُباسَةُ فِي كَلَام الْعَجم: المَزْرَفَةُ: وَهِي الحُباسَات فِي الأَرْض قد أحاطت بالدّبْرَة: وَهِي المَشَارَةُ يحْبَس فِيهَا الماءُ حَتَّى تمتلىء ثمَّ يُساقُ الماءُ إِلَى غَيرهَا. قَالَ: وَتقول: حَبَّسْتُ الفرَاش بالمِحْبَس، وَهِي المِقْرَمَةُ الَّتِي تُبَسط على وَجه الْفراش للنوم.
وَتقول: احتسبتُ الشَيْءَ إِذا اخْتَصَصْتَه لنَفسك خَاصَّة.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: جعلني فلانٌ رَبِيطَةً لكذا وحَبِيسَةً أَي يَذْهَبُ فيفعل الشَّيْء وأُوخَذُ بِهِ.
وَقَالَ المُبَرّد فِي بَاب عِلَلِ اللِّسَان: الحُبْسَةُ: تَعَذُّر الْكَلَام عِنْد إِرَادَته، والغُقْلَةُ: التواء اللِّسَان عِنْد إِرَادَة الْكَلَام.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحِبْسُ مثل المَصْنَعة وَجمعه أَحْبَاسٌ يُجْعَل للْمَاء، والحِبْسُ: المَاء المُسْتَنْقِع. وَقَالَ غَيره: الحِبْسُ: حِجارَةٌ تُبْنَى فِي مَجْرى المَاء لتَحْبِسَه للشَّارِبَة، فيُسمّى الماءُ حِبْساً كَمَا يُقَال نِهْيٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يكون الْجَبَل خَوْعاً أَي أَبيض، وَتَكون فِيهِ بُقْعَةٌ سَوْدَاء، وَيكون الْجَبَل حَبْساً أَي أسود، وَتَكون فِيهِ بقْعَة بَيْضَاء.
قَالَ: والحَبْسُ: الشَّجَاعةُ.
والحِبْس بالكَسْرِ: حِجَارَةٌ تكون فِي فُوَّهَةِ النَّهْر تَمْنَعُ طُغْيَان الماءِ.
والحِبْسُ: نِطاقُ الهَوْدَج. والحِبْسُ: المِقْرَمَةُ. والحِبْسُ: سِوَار من فِضَّة يُجْعَل فِي وسط القِرام، وَهُوَ سِتْرٌ يُجْمَعُ بِهِ ليضيءَ الْبَيْت.
ح س م
حسم، حمس، سحم، سمح، مسح، محس: (مستعملة) .
حسم: قَالَ اللَّيْث: الحَسْم: أَن تَحْسِم عرقا فتكويه بالنَّار كَيْلا يَسِيلَ دَمه.
والحَسْم: المَنْع. قَالَ: والمَحْسوم الَّذِي حُسم رَضَاعه وغِذَاؤه. تَقول حَسَمَتْه الرَّضَاعَ أمُّه تَحسِمه حَسْماً. وَتقول: أَنا أَحْسِم على فلَان الْأَمر أَي أقطعه عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَظْفَر مِنْهُ بِشَيْء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُسامُ: السَّيْف الْقَاطِع، وَقَالَ الكِسائي: حُسَام السَّيْف: طَرَفه الَّذِي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) الحُسُوم: التِّبَاع إِذا تَتَابع الشَّيْء فَلم يَنْقَطِع أوَّلُه عَن آخِره. قيل فِيهِ حُسومٌ. قَالَ وَإِنَّمَا أُخِذَ من حَسْم الدَّاء إِذا كُوِيَ صاحِبُه: لِأَنَّهُ يُحْمَى يُكْوى بالمِكواة ثمَّ يُتابع ذَلِك عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج: الَّذِي تُوجِبُه اللُّغة فِي معنى قَوْله: {حسوماً أَي تَحْسِمهم حسوماً أَي تُذْهِبهم وتُفْنِيهم.

(4/199)


قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه جَلّ وعَزَّ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} (الأنعَام: 45) .
وَقَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب: الحُسُوم يُورِث الحُشُوم. وَقَالَ: الحُسُوم. الدُّءوبُ.
قَالَ: والحُشوم. الإعياء، روى ذَلِك شمِر ليونس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُسُوم. الشُّؤْم. يُقَال. هَذِه ليَالِي الحُسُوم تَحْسِم الخَيْرَ عَن أهْلِها. كَمَا حُسِمَ عَن عَاد فِي قَول الله: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) أَي شُؤْماً عَلَيْهِم ونَحساً. وَذُو حُسُم: مَوضِع.
قَالَ: والْحَيْسُمَانُ اسْم رجل من خُزَاعَة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وعَرَّد عَنَّا الْحَيْسُمَان بن حَابِس
وَقَالَ غَيره: الحَسْمُ: الْقطع. وَفِي الحَدِيث: (عَلَيْكُم بالصَّوْم فَإِنَّهُ مَحْسَمة أَي مَجْفَرَةٌ مَقْطَعَةٌ لِلبَاءَةِ.
ابْن هانىء عَن ابْن كُثْوَة: قَالَ من أمثالهم (وَلْغُ جُرَيَ كَانَ محسوماً) يُقَال عِنْد استكثار الْحَرِيص من الشَّيْء لم يكن يَقْدِر عَلَيْهِ فقَدَر عَلَيْهِ أَو عِنْد أمره بالاستكثار حِين قَدَر. والمَحْسومُ: السّيِّءُ الغِذاء.
سحم: قَالَ اللَّيْث: السُّحْمَةُ: سَوادٌ كلون الْغُرَاب الأسْحَم. قَالَ: والأسْحَم: اللَّيْل فِي بَيت الأعْشى:
بأسحَم دَاجٍ عَوْضُ لَا نَتَفَرَّقُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد الأسْحَم: الْأسود. وَيُقَال للسحاب الْأسود الأسْحَم. وللسحابة السَّوْدَاء سَحْمَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أسْحَمَتِ السَّماء وأَثْجَمَتْ. صبَّت مَاءَها.
وَقَالَ زُهَيْر يصف بقرة وحشية وذَبَّها عَن نَفسهَا بقرنها فَقَالَ:
وتَذْبِيبُها عَنْهَا بأسْحَمَ مِذْوَدِ
أَي بقرن أسود.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّحْمَةُ: الكُتْلَةُ من الْحَدِيد وَجَمعهَا سَحَمٌ. وَأنْشد لطَرَفة فِي صفة الْخَيل:
... مُنْعَلاَتٌ بالسَّحَمْ
قَالَ: والسُّحُمُ: مَطَارِقُ الحَدَّاد.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السَّحَمُ والصُّفَارُ: نَبْتَان، وَأنْشد:
إِن العُرَيْمَة مانِعٌ أَرْماحنا
مَا كَانَ من سَحَم بهَا وصُفَارِ
سمح: قَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء. ورجُلٌ مِسْمَاحٌ، ورِجالٌ مَسَامِيحُ، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح سَمَاحَةً وجاد بِمَا لَدَيْهِ.
قَالَ: والتَّسْمِيحُ: السُّرْعَةُ، وَأنْشد:
سَمَّح واجْتابَ فَلاَةً قِيَّا
والمُسامَحَةُ فِي الطِّعان والضِّراب: المُسَاهَلَة، وَأنْشد:
وسَامَحْتُ طَعْناً بالوَشِيج المُقَوَّمِ
ورُمْحٌ مُسَمَّح: ثُقِّفَ حَتَّى لاَنَ بهَا.
أَبُو زيد: سَمَحَ لي بِذَاكَ يَسْمَحُ سَماحَةً، وَهِي الْمُوَافقَة على مَا طَلَب.
وَقَالَ غَيره: تَقول العَرَب: عَلَيْك بالحَقِّ فإنَّ فِيهِ لمَسْمَحاً أَي مُتَّسَعاً، كَمَا قَالُوا:

(4/200)


إنَّ فِيهِ لمندوحة، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَإِنِّي لأستحيي وَفِي الْحق مَسْمَحٌ
إِذا جاءَ باغِي العُرْفِ أَن أَتَعَذَّرا
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد سَمَح لي فلَان أَي أَعْطَاني، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح بِضَم الْمِيم.
وَقَالَ ابْن الْفرج حِكَايَة عَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ: السِّباحُ والسِّمَاح: بُيُوتٌ من أَدَم، وَأنْشد:
إِذا كَانَ المسَارِحُ كالسِّماحِ
وَيُقَال: سَمَّح البعيرُ بعد صعوبته إِذا ذَلَّ، قَالَ: وأَسْمَحَتْ قُرُونَتُه لذاك الْأَمر إِذا أطاعت وانْقَادَت.
وَيُقَال: فُلانٌ سَمِيحٌ لَمِيحٌ، وسَمْحٌ لَمْحٌ.
فِي الحَدِيث أنّ ابْن عبّاس سُئِل عَن رجل شَرِب لَبَناً مَحْضا أَيَتَوَضَّأ؟ فَقَالَ: (اسمح يسمح لَك) .
قَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: سَهِّل يُسَهَّل لَك وَعَلَيْك، وَأنْشد:
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الحدِيثَ وأَسْمَحَتْ
قَالَ: أسمحت: أسهلت وانقادت.
أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أَسْمَحَتْ قَرِينَتُه إِذا ذَلّ واستقام، وَقَوْلهمْ: الحَنِيفِيَّة السّمْحَةُ: لَيْسَ فِيهَا ضِيقٌ وَلَا شِدّة.
أَبُو عَدْنان عَن أبي عُبَيدة: اسْمَحْ يُسْمَحْ لَك، بالقَطْع والوصْل جَمِيعًا. وسَمَحَت النَّاقَةُ فِي سيْرِها إِذا انْقَادَت وأَسْرَعَتْ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَمَحَ لَهُ بِحاجَتِه وأَسْمَح أَي سهَّل لَهُ.
وَقَالَ الفرّاء: رجلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء، وَنسَاء مَسَامِيحُ.
مسح: قَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحُ: القولُ الحسَنُ من الرّجُل، وَهُوَ فِي ذَلِك يخدعك. يُقَال: مسحتُه بِالْمَعْرُوفِ أَي بالمعْرُوف من القَوْل، وَلَيْسَ مَعَه إِعْطَاء، وَإِذا جَاء إعْطَاء ذهب االمَسْحُ وَكَذَلِكَ مَسّحْتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْحُ: مَسْحُك الشيءَ بِيَدِك كمسْحِك الرّشْحَ عَن جبينك، وكمسْحِك رأْسَك فِي وضوئك. وَفِي الدُّعَاء للْمَرِيض: مَسَحَ الله عَنْك مَا بِك، قَالَ: ورَجُل مَمسُوح الوَجْه: مَسيح: وَذَلِكَ أَن لَا يبْقى على أحد شِقَّيْ وَجْهه عينٌ وَلَا حاجبٌ إِلَّا اسْتَوى. قَالَ: والمَسِيخ الدّجَّالُ على هَذِه الصّفة. والمسيحُ عِيسَى ابْن مَرْيَم قد أُعْرِب اسْمه فِي الْقُرْآن على مسيح. وَهُوَ فِي التورءة مَشِيحَا. وَأنْشد:
إِذا المَسيحُ يَقْتُل المسيحَا
يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم يقتل الدجّال بَنَيْزَكه.
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: قيل سُمِّي عِيسَى مَسيحاً لِسِياحَته فِي الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سُمِّي مَسيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الأَرْض أَي يَقْطعُها.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يمْسَح بِيَدِهِ ذَا عاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ، وَقَالَ غَيره: سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْل لَيْسَ لرجله أَخْمَصُ، وَقيل: سُمِّي مَسيحاً لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه مَمسُوحاً بالدُّهْن.
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أنَّ المسيحَ الصِّدِّيقُ.

(4/201)


قَالَ أَبُو بكر: واللغويون لَا يعْرفُونَ هَذَا، قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا قد كَانَ مُسْتَعْمَلاً فِي بعض الْأَزْمَان فَدَرَس فِيمَا درس من الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: قد درس من كَلَام العَرَب شيءٌ كثير.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: المسيحُ عيسَى أَصله بالعبرانية مَشِيحا، فَعُرِّب وغُيِّر، كَمَا قيل مُوسَى، وَأَصله مُوشَى.
قَالَ أَبُو بكر: ورُوِي عَن بعض الْمُحدثين: المِسِّيح بِكَسْر الْمِيم وَالتَّشْدِيد فِي الدّجّال.
قَالَ حَدثنَا إسماعيلُ بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن مَسْلَمة عَن مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَاني الله عِنْد الْكَعْبَة رجلا آدم كأحْسنِ مَن رَأَيْت، فَقيل لي: هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم، قَالَ وَإِذا أَنا بِرَجُل جَعْد قططٍ أَعور العَيْن اليُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طافية، فَسَأَلتُ عَنهُ، فَقيل لي: المِسِّيح الدَّجَّال، قَالَ: وَهُوَ فِعِّيل من المَسْح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَسِيحُ: الصِّدِّيق، وَبِه سُمَّي عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والمَسِيحُ الأَعْوَرُ، وَبِه سُمِّي الدَّجَّال، ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيد.
وَقَالَ شمر: سُمِّي عِيسَى المَسيحَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبركَةِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: المَسِيحُ بن مَرْيَم: الصِّدِّيق، وضد الصِّدِّيق المَسيحُ الدَّجّال أَي الضِّلِّيل الكَذَّاب، خلق الله المَسِيحَيْن أَحدهمَا ضد الآخر، فَكَانَ المَسِيحُ ابْن مَرْيَم يُبْرِىءُ الأكمهَ والأبرصَ ويُحيِي الموتَى بإذنِ الله، وَكَذَلِكَ الدَّجَّال يُحْيي الْمَيِّت وَيُمِيت الْحَيّ، وينشىء السَّحَاب، ويُنبت النَّبَات، فهما مَسِيحان: مَسِيحُ الهُدَى، ومَسِيحُ الضَّلَالَة، قَالَ لي المُنْذِري: فَقلت لَهُ بَلغنِي أَن عِيسَى إِنَّمَا سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مُسِح بالبَرَكَة، وسُمِّي الدَّجَّال مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ العَيْن، فَأنكرهُ وَقَالَ: إِنَّمَا المَسِيحُ ضِد المَسيح، يُقَال مَسَحَه الله أَي خَلَقَه خَلْقاً حَسَناً مُبارَكا، ومَسَحَه أَي خَلَقَه قَبِيحاً مَلْعُوناً.
قَالَ: ومَسَحْتُ النَّاقَةَ ومَسَخْتُها أَي هَزَلْتُهَا وَأَدْبَرْتُها، والعَرَبُ تَقول: بِهِ مَسْحَةٌ من هُزَال ومَسْخةٌ من هُزَال، وَبِه مَسْحَةٌ من سِمَن وجَمالٍ.
والشيءُ المَمسوحُ: القَبيحُ المَشْئوم المُغَيَّرُ عَن خَلْقِه.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي المَسْحَة بِمَعْنى الْجمال:
على وَجْه مَيَ مَسْحَةٌ من مَلاَحةٍ
وتحْتَ الثِّياب الشَّيْن لوْ كَانَ بادِيا
وَعَن جرير بن عبد الله: مَا رَآنِي رَسُول الله مُذْ أسلمت إلاَّ تَبَسَّم فِي وَجْهي، وَقَالَ: (يَطْلع عَلَيْكُم رجل من خِيَارِ ذِي يَمَنٍ على وَجْهه مَسْحَةُ مَلَكٍ) .
قَالَ شمر: الْعَرَب تَقول: هَذَا رجل عَلَيْهِ مَسْحَةُ جَمالٍ ومَسْحَةُ عِتْقٍ وكرَمٍ، لَا يُقَال إِلَّا فِي المدْحِ، وَلَا يُقَالُ: عَلَيْهِ مَسْحَةُ قَيْح وَقد مُسِحَ بالعِتْقِ والكَرَم مَسْحاً.
وَقَالَ الكُمَيتُ:

(4/202)


خَوَادِمُ أَكْفَاءٌ عَلَيْهِنّ مَسْحَةٌ
من العِتْقِ أَبْدَاهَا بَنَانٌ وَمَحْجِرُ
وَقَالَ الأَخْطَلُ يَمْدَحُ رَجُلاً من ولد العَبَّاس كَانَ يُقَال لَهُ المُذْهَبُ:
لَذَ تَقَبَّله النَّعِيمُ كأنَّما
مُسِحَتْ تَرَاِئبُه بمَاءٍ مُذْهَبِ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ) أَرَادَ أَنَّهُمَا مَلْسَاوَان: لَيْسَ فيهمَا وسَخٌ وَلَا شُقاقٌ وَلَا تَكَسُّرٌ إِذا أصابهما المَاء نَبا عَنْهُما.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: غَارة مَسْحَاء، هُوَ فعلاء من مَسَحَهم يَمْسَحهم إِذا مَرَّ بهم مَرّاً خَفِيفاً لَا يُقيم فِيهِ عِنْدهم.
قَالَ: والمَسِيحُ: الكَذاب ماسِحٌ ومِسِّيحٌ وَمِمسَحٌ وتِمْسَحٌ، وَأنْشد:
إنِّي إِذا عَنَّ مِعَنٌّ مِتْيَحُ
ذُو نَخْوَة أَو جَدِلٌ بَلَنْدَحُ
أَو كَيْذُبَانٌ مَلَذَانٌ مِمْسَحُ
وَقَالَ آخر:
بالإفْكِ والتَّكْذابِ والتَّمسَاح
قَالَ: والمَسِيحُ: سبائك الفِضَّة، والمَسِيحُ: المنديل الأخْشَنُ، والمَسِيحُ: الذِّرَاعُ، والمَسِيحُ: العَرَقُ، والمَسِيحُ: الكَثِيرُ الجِماع، وَكَذَلِكَ الماسِحُ، يُقَال: مَسَحَها أَي جَامعهَا.
قَالَ: والمَاسِحُ: القَتَّالُ، يُقَال: مسحهم أَي قَتَلَهم.
والماسِحَةُ: المَاشِطَةُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المسائح: الشّعْر.
وَقَالَ شمر: هِيَ مَا مَسَحْتَ من شعرك فِي خدِّك ورَأسِك، وَأنْشد:
مَسَائِحُ فَوْدَيْ رَأْسِه مُسْبَغَلَّةٌ
جَرَى مِسْكُ دَارِينَ الأحَمُّ خِلاَلَهَا
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) يُرِيد: أقبل يَمسَح يَضْرِبُ سُوقَها وَأَعْنَاقها، فالمسْحُ هَاهُنَا الْقطع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب أَنه سُئِل عَن قَوْله: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) وَقيل لَهُ: قَالَ قطرب: يمسحها: يُبَرِّك عَلَيْهَا، فَأنكرهُ أَبُو العَبَّاس وَقَالَ: لَيْسَ بَشَيْء، قيل لَهُ: فَإيشْ هُوَ عنْدك؟ فَقَالَ: قَالَ الفرَّاء وَغَيره: يضْرب أعناقَها وسُوقَها: لِأَنَّهَا كَانَت سَبَبَ ذَنبه.
قلتُ: ونحوَ ذَلِك قَالَ الزَّجَّاج، وَقَالَ: لم يَضْرِبْ سُوقَها وَلَا أعناقَها إِلَّا وَقد أَبَاحَ الله لَهُ ذَلِك: لِأَنَّهُ لَا يَجْعَل التَّوْبَة من الذَّنْبِ بِذَنْبٍ عَظِيم، قَالَ: وَقَالَ قوم: إِنَّه مَسَحَ أَعْنَاقَها وسُوقَها بِالْمَاءِ بِيَدِهِ، قيل: وَهَذَا لَيْسَ يُشْبِه شَغْلَها إِيَّاه عَن ذِكْرِ الله، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك قوم: لِأَن قَتْلَها كَانَ عِنْدهم مُنْكرا، وَمَا أَبَاحَهُ الله فَلَيْسَ بمُنكر، وَجَائِز أَن يُبِيح ذَلِك لسُلَيْمَان فِي وَقْتِه ويَحْظُره فِي هَذَا الوَقْتِ.
أَبُو عُبَيد: التَّمْسَحُ: الرجل المارد الْخَبِيث.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّمْسَحُ والتِّمْسَاحُ يكون فِي المَاء شَبِيه بالسلحفاة إِلَّا أَنه يكون ضخماً طَويلا قَوِيّاً.

(4/203)


قَالَ: والمُمَاسَحَةُ: المُلاَيَنَةُ والمُعَاشَرَة والقُلُوبُ غير صَافِيَة.
وَفُلَان يُتَمَسَّح بِهِ لِفَضْله وعبادته، كَأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ إِلَى الله بالدُّنُوِّ مِنْه.
وَقَالَ غَيره: مَسَحَت الإبلُ الأرضَ يومَها دَأْباً أَي سَارَتْ سيراً شدِيداً، قَالَه ابْن دُرَيْد.
أَبُو عُبَيد: المَسْحَاءُ: الأرضُ المستوية.
وَقَالَ اللَّيْث: الأمْسَحُ من المفَاوز كالأمْلَسِ وَجمعه الأَمَاسِحُ.
والمَسَاحَةُ: ذَرْعُ الأَرْض، تَقول: مَسَحَ يَمْسَح مَسْحاً.
وَقَالَ غَيره: جمع المَسْحَاء من الأَرْض مَسَاحِي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَسْحَاءُ: أَرض حَمْرَاء، والوحْفَاءُ: السَّودَاءُ.
وَقَالَ غَيره: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية كَثِيرَة الحَصَى غَلِيظَة.
وتَمَاسَحَ القومُ إِذا تَبَايَعُوا فتَصَافَقوا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا كَانَت إِحْدَى رَبْلَتي الرِّجْل تُصِيب الْأُخْرَى قيل: مَشِقَ مَشَقاً ومَسِحَ مَسَحاً.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المَائدة: 6) . قَالَ بَعضهم: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ، والسُّنَّةُ بالغَسْلُ.
وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَنْ خَفَضَ وأرجلكم فَهُوَ على الجِوَار.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الْخَفْضُ على الجِوار لَا يَجُوزُ فِي كِتَاب الله، إِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي ضَرورَة الشِّعْرِ، وَلَكِن المَسْحَ على هَذِه الْقِرَاءَة كالغَسْل، وَمِمَّا يدلّ على أَنه غَسْل أَن المَسْحَ على الرِّجل لَو كَانَ مَسْحاً كمَسْح الرأْسِ لم يَجز تحديدُه إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا جَاءَ التَّحْدِيد فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرَافِق، قَالَ الله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} (المَائدة: 6) بِغَيْر تَحْدِيد فِي الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ فِي التَّيَمُّم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} (المَائدة: 6) من غير تَحْدِيد، فَهَذَا كُله يُوجب غَسْل الرِّجلين، وَأما من قَرَأَ: (وأرْجُلَكم) ، فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن فِيهِ تَقْدِيماً وتأْخِيراً كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأرجَلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وامسحوا بُرؤسِكم وقدّم وأخرَّ ليَكُون الْوضُوء وِلاَءً شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه قوْلٌ آخَرُ: كَأَنَّهُ أَرَادَ أغسلوا أَرْجُلكُم إِلَى الكَعْبَيْن، لِأَن قَوْله إِلَى الْكَعْبَيْنِ قد دَلّ على ذَلِك كَمَا وَصفنَا، ويُنْسَقُ بالغَسْل على المَسْح كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
يَا لَيْت زَوْجَكِ قَدْ غَدَا
مُتَقَلِّدَّا سَيْفاً ورُمْحا
الْمَعْنى مُتَقَلِّداً سَيْفاً وحَامِلاً رُمْحاً.
وَقَالَ غَيره: رجُلٌ أَمْسَحُ القدَم وَالْمَرْأَة مَسْحَاء إِذا كَانَت قَدَمُه مستوية لَا أَخْمَصَ لَهَا، وَامْرَأَة مَسْحَاءُ الثَّدْي إِذا لم يكن لِثَدْيِها حجم.
والمَاسِحُ مِنَ الضَّاغِطِ إِذا مَسَحَ المِرْفَقُ الإبْطَ من غير أَن يعرُكَه عَرْكاً شَدِيدا.
والأَمْسَحُ: الأَرْسَحُ، وقومٌ مُسْحٌ رُسْح وَقَالَ الأَخْطَل:

(4/204)


دُسْمُ العَمَائِم مُسْحٌ لَا لحومَ لَهُم
إِذا أحَسُّوا بِشَخْصٍ نابىءٍ لَبَدُوا
وَيُقَال: امْتَسَحْتُ السيفَ من غِمده وامْتَسَخْتُه إِذا اسْتَللْته.
وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ الخُرْشُب يَصِف فَرَساً:
تَعَادَى من قوائِمها ثَلاثٌ
بتَحْجِيلٍ وَوَاحِدَةٌ بَهِيمُ
كَأَن مَسِيحَتَي وَرِقٍ عَلَيْهَا
نَمَت قُرْطَيهما أُذُنٌ خَذِيمُ
قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: كَأَنَّمَا أُلْبِسَتْ صَفِيحَة فِضَّة من حُسْنِ لَوْنهَا وبريقها، قَالَ: وَقَوله: نَمَتْ قُرْطَيْهما أَي نَمَتْ الْقُرْطَيْن اللَّذين من المَسِيحَتَيْن أَي رفَعَتْهُما، وَأَرَادَ أَن الْفضة مِمَّا يُتَّخَذُ لِلْحَلْي وَذَلِكَ أَصْفَى لَهَا، وأُذُنٌ خَذِيمٌ أَي مَثْقُوبَة.
وَأنْشد لعبد الله بن سَلَمَة فِي مثله:
تَعْلَى عَلَيْهِ مَسَائِحٌ من فَضَّةٍ
وتَرَى حَبَابَ المَاء غَيْرَ يَبِيس
أَرَادَ صَفَاءَ شَعْرَته وقِصَرها. يَقُول: إِذا عَرِق فَهُوَ هَكَذَا، وتَرَى المَاء أَوَّلَ مَا يَبْدُو من عَرَقه.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَمْسَحُ: الذِّئْب الأَزَلُّ، والأمْسَحُ: الأَعْوَرُ الأَبْخَقُ لَا تكون عينه بَلُّوْرَةً. والأَمْسَحُ: السَّيَّارُ فِي سِيَاحَتِه، قَالَ: والأَمْسَحُ: الكَذَّابُ:
وَفِي حَدِيث اللِّعان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ولد المُلاعَنَة: (إِن جَاءَتْ بِهِ مَمْسُوحَ الأَلْيَتَيْن) . قَالَ شمر هُوَ الَّذِي لَزِقت أَلْيَتَاه بالعَظْمِ.
رَجُلٌ أَمْسَحُ وامرأةٌ مَسْحَاء وَهِي الرَّسْحَاءُ، قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيْل.
وَقَالَ الفرّاء: المَسْحَاءُ: أرضٌ لَا نَبَات بهَا، يُقَال: مررتُ بِخَرِيقٍ بَين مَسْحاوَيْن، والخَرِيقُ: الأَرْض الَّتِي تَوَسَّطَها النَّبَات.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية جرداء كَثِيرَة الحَصَى لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا تُنبت، غَلِيظَةٌ جَلَدٌ تَضْرِبُ إِلَى الصَّلابَة مثل صَرْحَةِ المِرْبَد لَيست بقُفَ وَلَا سَهْلَة.
وخَصِيٌّ مَمْسُوحٌ إِذا سُلِتَتْ مَذَاكِيرُه.
ابْن شُمَيْل: مَسَحَه بالْقَوْل، وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ مَا يُحِبّ وَهُوَ يَخْدَعه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَسْحُ: الكَذِبُ، مَسَحَ مَسْحاً.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي بعض الْأَخْبَار: نرجو النصرَ على مَنْ خَالَفَنَا ومَسْحَةَ النِّقْمَة على مَنْ سعى عَلَى إمَامِنا. قيل: مَسْحَتُها: آيَتُها وحِلْيتُها، وَقيل مَعْنَاهُ: أنَّ أَعْنَاقهم تُمسَح أَي تُقْطَفُ.
قَول الله تَعَالَى: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} (آل عمرَان: 45) . قَالَ أَبُو مَنْصُور: سمى الله ابْتِدَاء أمره كلمة، لِأَنَّهُ ألْقى إِلَيْهَا الْكَلِمَة، ثمَّ كَون الْكَلِمَة بشرا. وَمعنى الْكَلِمَة: الْوَلَد. وَالْمعْنَى: يبشرك بِولد اسْمه الْمَسِيح. قَالَ الْحَرْبِيّ: سمي الدَّجَّال مسيحاً لِأَن عينه ممسوحة عَن أَن يبصر بهَا. وَسمي عِيسَى مسيحاً: اسْم خصّه الله بِهِ ولمسح زَكَرِيَّا إِيَّاه.
حمس: اللَّيْث: رَجُلٌ أَحْمَسُ: شُجَاعٌ، وعام

(4/205)


أَحْمسُ، وَسَنةٌ حَمْساء: شَدِيدة، ونَجْدَةٌ حَمْسَاءُ يُرِيد بِها الشَّجَاعَة، وأصابتهم سنُون أَحَامِسُ، وَلَو أَرَادوا مَحْض النَّعْت لقالوا: سِنُونَ حُمْسٌ، إِنَّمَا أَرَادوا بالسِّنين الأَحامِس على تَذْكِير الأعوام.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: التَّنُّورُ يُقَال لَهُ الوَطِيسُ والْحَمِيسُ.
قَالَ: والحُمْس: قُرَيش، وأَحْمَاسُ العَرَب: أَمَّهاتُهم من قُرَيْش، وَكَانُوا يَتَشَدَّدُون فِي دينهم، وَكَانُوا شجعان الْعَرَب لَا يُطاقُون، وَفِي قَيْس حُمْسٌ أَيْضا.
والحَمْسُ: جَرْسُ الرِّجال، وَأنْشد:
كأَنَّ صَوْتَ وَهْسِها تَحْتَ الدُّجَى
حَمْسُ رِجَالٍ سَمِعُوا صَوْتَ وَحَا
وأَخْبَرَني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: الحُمْسُ: قُرَيْش وَمن ولدت قُرَيْش وكنانة، وجَديلَةُ قيس، وهم فهْم وَعَدْوان ابْنا عَمْرو بن قَيْس عَيْلاَن، وَبَنُو عَامر بن صعصعة هَؤُلَاءِ الحُمْس، سُمُّوا حُمْساً لأَنهم تَحمَّسُوا فِي دينهم أَي تَشَدَّدوا، قَالَ: وَكَانَت الحُمْسُ سُكَّانَ الْحرم، وَكَانُوا لَا يخرجُون أَيَّام المَوْسِم إِلَى عَرَفَات، وَإِنَّمَا يقفون بالمُزْدَلِفة وَصَارَت بَنو عَامر من الحُمْس ولَيْسُوا من سَاكِني الحَرَم لِأَن أُمَّهُم قُرَشِيَّةً، وَهِي مَجْدُ بنت تَيْم بن مُرَّة.
قَالَ: وخُزَاعة سُمِّيَتْ خُزَاعَة لأَنهم كَانُوا من سكان الْحرم فَخُزِعُوا عَنهُ أَي أُخْرِجُوا، وَيُقَال: إِنَّهُم من قُرَيْش انْتَقَلُوا بِنَسَبهم إِلَى الْيمن وهم من الحُمسْ.
وأمَّا الأَحَامِسُ من الأَرْضِين فَإِن شَمِراً حكى عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: الأَحامِسُ: الأَرْض الَّتِي لَيْسَ بهَا كَلأُ وَلَا مرتَعٌ وَلَا مَطَرٌ وَلَا شَيْء.
أرضٌ أحَامِسُ، وَيُقَال: سنُون أَحَامِس، وَأنْشد:
لَنَا إبل لم نكتسِبْها بِغَدْرةٍ
وَلم يُفْنِ مَوْلاَها السِّنُون الأَحامِسُ
وَقَالَ آخر:
سَيذْهَب بِابْن العَبْدِ عَوْنُ بْنُ جَحْوَشٍ
ضَلالاً وتُقْنِيهَا السِّنونَ الأحَامِسُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: وَقع فلَان فِي هِنْد الأَحَامس إِذا وَقع فِي الداهية.
وَقَالَ شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَمْسُ: الضلال، والهَلكَة والشَّرُّ، وأنشدنا:
فإنكُم لَسْتُم بِدَارِ تُلُنَّةٍ
ولكنَّما أَنْتُم بهنْدِ الأحَامِس
وَقَالَ رؤبة:
لاقَيْن مِنْهُ حَمَساً حَمِيسا
مَعْنَاهُ: شِدَّةً وشَجَاعَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول عَمْرو:
بِتَثْلِيث مَا نَاصَيْتَ بَعْدِي الأحامِسَا
أَرَادَ قُرَيْشاً. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ بالأحامِس بني عامرٍ، لِأَن قُرَيْشاً ولدتهم، وَقيل: أَرَادَ الشجعان من جَمِيع النَّاس.
وَقَالَ اللِّحْيَاني: يُقَال: احْتَمَسَ الدِّيكان واحْتَمَشَا، وحَمِسَ الشَّرُّ وحَمِس إِذا اشْتَدَّ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَحْمَسُ: الوَرِعُ من

(4/206)


الرِّجَال الَّذِي يتشدد فِي دينه. والأَحْمَسُ: الشجاع، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
لَوْ بِي تَحمَّسْتِ الرِّكَابُ إِذا
مَا خَانَنِي حَسَبي وَلَا وَفْرِي
قَالَ شَمِر: تَحَمَّست: تَحَرَّمَتْ واستغاثت من الْحُمْسَةِ، وَقَالَ العَجَّاجُ:
وَلم يَهَبْنَ حُمْسَةً لأَحْمَسَا
وَلَا أَخَا عَقْدٍ وَلَا مُنْجَّسَا
يَقُول: لم يَهَبْنَ لذِي حُرْمَة حُرْمَة أَي رَكِبْنَ رؤوسهن.
وَفِي (النَّوَادِر) : الحَمِيسَةُ: القَلِيَّةُ، وقَدْ حَمَّسَ اللحمَ إِذا قَلاَه.
محس: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأمْحَسُ: الدَّبَّاغُ الحاذِقُ.
قلت: المَحْسُ والمَعْسُ: دَلْكُ الجِلْدِ ودِبَاغُه، أبدلت الْعين حاء.
(حسم) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَحْسَمُ: الرجلُ البازل القَاطِعُ للأمور. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَيْسَمُ: الرجلُ القَاطِعُ للأُمورِ الكَيِّسُ.