غريب الحديث لإبراهيم الحربي

الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَضَائِلِ قَوْلُهُ: «وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ» ، فَالْأَحْمَرُ مُلْكُ الشَّامِ، وَالْأَبْيَضُ مُلْكُ فَارِسَ،

(3/967)


كَذَا حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَسْتَاذٍ، حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ: " لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، فَكَسَرَ ثُلُثَهَا الْآخَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا " قَالَ إِبْرَاهِيمُ: " فَقَدْ كَانَ مَا أُرِيَ: فُتِحَتِ الْيَمَنُ فِي حَيَاتِهِ، وَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ الشَّامَ، وَفَتَحَ عُمَرُ الْعِرَاقَ، وَأَخَذَ أَبْيَضَ الْمَدَائِنِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَالَ لِمُلْكِ فَارِسَ الْكَنْزُ الْأَبْيَضُ لِبَيَاضِ أَلْوَانِهِمْ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ بَنُو الْأَحْرَارِ، يَعْنِي الْبِيضَ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى [ص:968] كُنُوزِهِمْ، وَبُيُوتِ أَمْوَالِهِمُ الْوَرِقُ، وَهِيَ بِيضٌ، وَقَالَ فِي الشَّامِ: الْكَنْزُ الْأَحْمَرُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَلْوَانِهِمُ الْحُمْرَةُ، وَعَلَى كُنُوزِهِمْ، وَبُيُوتِ أَمْوَالِهِمُ الذَّهَبُ، وَهُوَ أَحْمَرُ

(3/967)


الْبَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَضَائِلِ قَوْلُهُ: «وَأَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ» يُرِيدُ الْجَدْبَ أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، يُقَالُ: " أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ إِذَا أَصَابَهُمُ الْجَدْبُ: أَسْنَتَ الْقَوْمُ يُسْنِتُونَ إِسْنَاتًا، وَأَجْدَبُوا، وَأَمْحَلُوا، وَأَصَابَتْهُمْ أَزْبَةٌ، وَأَزْمَةٌ، وَحُطْمَةٌ وَشَصَاصَاءُ، وَكَحْلٌ وَضَبُعٌ "

(3/969)


الْبَابُ الْأَوَّلُ مِنَ النَّحْوِ قَوْلُهُ: «بِعَامَّةٍ» يُرِيدُ بِعَامَّةٍ تَعُمُّهُمْ، وَأَدْخَلَ الْبَاءَ كَمَا قَالَ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] : يَقُولُ: تُنْبِتُ الدُّهْنَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: 25] ، وَقَوْلِهِ: {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 28] ، وَيَشْرَبُهَا سَوَاءٌ كَذَلِكَ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَأَنْشَدَنَا:
[البحر الطويل]
شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ، ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
سَقَى أُمَّ عَمْرٍو كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... حَنَاتِمَ سُودٌ مَاؤُهُنَّ نَجِيجُ
حَنَاتِمُ: سَحَابَاتٌ سُودٌ، مَاؤُهُنَّ نَجِيجُ: مُنْصَبٌّ، شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ، يَقُولُ: هَذِهِ السَّحَابُ شَرِبْنَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، ثُمَّ تَرَفَّعَتِ السَّحَابُ مِنْ لُجَجٍ

(3/970)


وَقَوْلُهُ: «مَتَى» يَعْنِي مِنْ , لُغَةِ هُذَيْلٍ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
[البحر البسيط]
وَلَا صِوَارًا مُدَرَّاةً مَنَاسِجُهَا ... مِثْلُ الْفِرِنْدِ إِذَا يَجْرِي مَتَى النُّظُمِ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل]
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ ... وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرَاجِلِ وَالشَّبَهَانِ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الكامل]
ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا ... مِلْءَ الْمَرَاجِلِ وَالصَّرِيحَ الْأَجْرَدَا
وَقَالَ حَاتِمٌ:
[البحر المنسرح]
وَسُقِيتُ بِمَاءِ النَّمِيرِ، وَلَمْ ... أَتْرُكِ الْأُطْمَ جَمَّةَ الْحُفَرِ
قَوْلُهُ: «مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ» ، يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ «فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ» ، فَيَأْتِي عَلَى أَصْلِهِمْ

(3/971)


أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: " أَصْلُ الْقَوْمِ، وَجَمْعُهُمْ، يُقَالُ: أَتَاهُمْ فِي بَيْضَتِهِمْ " قَالَ طُفَيْلٌ:
[البحر الطويل]
وَبِالْبَيْضَةِ الْمَوْقُوعِ وَسْطَ عَقَارِهَا ... عَقَارٌ تَدَاعَى وَسْطَهُ الْجَيْشُ مُنْهِبُ
قَوْلُهُ: «وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا» ، أَقْطَارُ الْأَرْضِ: نَوَاحِيهَا، وَاحِدُهَا قُطْرٌ أَخْبَرَنَا الْأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: أَقْطَارُ الْأَرْضِ: جَوَانِبُهَا، وَالْأَقْتَارُ مِثْلُ الْأَقْطَارِ

(3/972)


حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى أَقْطَارِ الْأَرْضِ؛ حَتَّى نَقْطَعَ الْأَرْضَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} " قَالَ إِبْرَاهِيمُ: " وَأَقْطَارُ الْفَرَسِ: مَا أَشْرَفَ مِنْهُ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]
عَبْلُ الشَّوَى مُشْرِفُ الْأَقْطَارِ مُنْتَسِقُ
قَوْلُهُ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ» ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِذَا كَانُوا فَحَارِبُوهُمْ، وَلَا فَاعْتَزِلُوهُمْ

(3/972)


وَقَالَ: «إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي» ، فَأَخْبَرَ أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَخْتَلِفُ حَتَّى يَقْتَتِلُوا بِالسُّيُوفِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ فِيهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ» ، يَقُولُ: يَرْتَدُّونَ فَيَلْحَقُونَ بِغَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَيَعْبُدُ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْأَوْثَانَ، وَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَنَّهُ سَيَبْقَى مِنْ أُمَّتِهِ قَوْمٌ ظَاهِرُونَ وَالظُّهُورُ: الظَّفَرُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَأَظْهَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: جَاءَ فُلَانٌ فِي ظِهْرِيِّهِ: هُمُ الَّذِينَ يَنْهَضُ بِهِمْ فِيمَا يَحْزُبُهُ وَيُقَالُ: بَيْتُ فُلَانٍ حَسَنُ الظَّهَرَةِ: إِذَا كَانَ حَسَنَ الْمَتَاعِ كَثِيرَهُ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: تَظَاهَرْنَا: تَعَاوَنَّا، وَالظَّهِيرُ: الْأَعْوَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: يُقَالُ: ظَاهَرَ فُلَانٌ فُلَانًا، إِذَا مَالَأَهُ وَأَعَانَهُ، وَالظَّهِيرُ: الْعَوْنُ، وَيُقَالُ: اتَّخِذْ مَعَكَ بَعِيرًا، أَوْ بَعِيرَيْنِ ظِهْرِيَّيْنِ: أَيْ عُدَّةً، وَالْجَمِيعُ ظَهَارِيٌّ، وَبَعِيرٌ بَيِّنُ الظَّهَارَةِ إِذَا كَانَ شَدِيدًا

(3/973)


وَقَوْلُهُ: «لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ» ، وَالْخَذْلُ: ضِدُّ النُّصْرَةِ، خَذَلَ يَخْذُلُ خِذْلَانًا وَخَذْلًا، وَرَجُلٌ مَخْذُولٌ: تُرِكَ وَحْدَهُ , وَالْخَاذِلُ مِنَ الْوَحْشِ الَّتِي تَخْذُلُ صَوَاحِبَهَا، فَتَنْفَرِدُ مَعَ وَلَدِهَا، قَالَ:
[البحر الطويل]
بِهِ اسْتَوْدَعَتْ أَوْلَادَهَا خُذُلُ الْمَهَا ... مَطَافِيلُهَا وَالْمُشْجِنَاتُ الْمَرَاشِحُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ» ، وَالِاسْمُ الِانْزِوَاءُ، وَلَهُ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ، جَاءَ الْأَثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةٍ: فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: هُوَ التَّجَمُّعُ وَالتَّقَبُّضُ، وَهُوَ وَجْهُ حَدِيثِ ثَوْبَانَ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ» ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَعَا فِي سَفَرٍ: «اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ» ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «إِنَّ النَّارَ تَنْزَوِي» ، وَحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ: «إِنَّ الدَّجَّالَ تُزْوَى لَهُ الْأَرْضُ» ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي أَنْ يُبْزَقَ فِيهِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ» وَسَأَلْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ قَوْلِهِ: «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ» ، قَالَ: قَرُبَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قُلْتُ: إِنَّ الْمَسْجِدَ يَنْزَوِي، قَالَ: يَتَقَبَّضُ كَمَا يَتَقَبَّضُ وَجْهُكَ مِنْ شَيْءٍ تَكْرَهُهُ وَسَأَلْتُ أَبَا عَدْنَانَ، فَقَالَ: زُوِيَتْ: جُمِعَتْ

(3/974)


أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: يُقَالُ: جَاءَنَا بِصَقْرَةٍ تَزْوِي الْوَجْهَ: يَعْنِي اللَّبَنَ الْحَامِضَ وَسَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ يَقُولُ: انْزَوَى الْجِلْدُ فِي النَّارِ: اجْتَمَعَ وَتَقَبَّضَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: انْزَوَى الْقَوْمُ: تَدَانَوْا وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: زَوَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ: جَمَعَهُ وَقَبَضَهُ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: زَوَى حَاجِبَيْهِ يَزْوِي: إِذَا غَضِبَ وَقَطَّبَ: يُقَبِّضُ

(3/975)


حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: قَوْلُهُ: {قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10] ، قَالَ: «يُزْوَى مِنْهُ الْوَجْهُ»

(3/975)


حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10] ، قَالَ: تَقَبُّضُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ، فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ: تَقَبُّضُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ " وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تُزْوَى مِنْهُ الْوُجُوهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: " وَقَالَ طَارِقُ بْنُ دَيْسَقٍ أَحَدُ بَنِي يَرْبُوعٍ لِابْنِهِ مَذْعُورٍ، وَكَانَ يُوعِدُهُ بِمُفَارَقَتِهِ، وَأَنْ يَغْزُوَ، فَقَالَ:
[البحر الطويل]
أَمَذْعُورُ مَا يُدْرِيكَ أَنْ رُبَّ لَيْلَةٍ ... كَشَفْتُ آذَاهَا عَنْكَ وَهْيَ عَسِيرُ
شَآمِيَّةٌ تَزْوِي الْوُجُوهَ كَأَنَّهَا ... عَلَى النَّاسِ جَيْشٌ لَا يُرَدُّ مُغِيرُ
وَأَنْشَدَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَيْتَ الثَّانِي:
[ص:976]
شَآمِيَّةٌ هَبَّتْ بَلِيلًا كَأَنَّهَا ... عَلَى النَّاسِ جَيْشٌ لَا يُرَدُّ مُغِيرُ
وَأَنْشَدَنَا أَبُو نَصْرٍ لِلْأَعْشَى:
[البحر الطويل]
يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنِّي كَأَنَّمَا ... زَوَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَلَيَّ الْمَحَاجِمُ
فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى ... وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفُكَ رَاغِمُ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل]
وَمَاءٍ كَمَاءِ السُّخْدِ لَيْسَ لِجَوْفِهِ ... سَوَاءَ الْحَمَامِ الْوُرْقِ عَهْدٌ بِحَاضِرِ
صَرًى آسِنٌ يَزْوِي لَهُ الْمَرْءُ وَجْهَهُ ... وَلَوْ ذَاقَهُ ظَمْآنُ فِي شَهْرِ نَاجِرِ
يَقُولُ: أَيْ وَرُبَّ مَاءٍ كَمَاءِ السُّخْدِ، وَالسُّخْدُ: جِلْدَةٌ فِيهَا مَاءٌ أَصْفَرُ يَنْشَقُّ عَنْ رَأْسِ الْوَلَدِ، لَيْسَ لِجَوْفِ هَذَا الْمَاءِ عَهْدٌ بِحَاضِرٍ لِمَنْ يَحْضُرُهُ غَيْرَ الْحَمَامِ صَرًى: طَالَ مُكْثُهُ، وَتَغَيَّرَ، فَمَنْ ذَاقَهُ يُقَبِّضُ وَجْهَهُ، وَلَوْ ذَاقَهُ وَهُوَ ظَمْآنُ، يَقُولُ: عَطْشَانُ وَشَهْرُ نَاجِرٍ: شَهْرُ تَمُوزَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الِانْزِوَاءِ: هُوَ التَّنَحِّي وَالتَّبَاعُدُ، فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: عَجِبْتُ لِمَا زُوِيَ عَنْكَ، يَقُولُ: نُحِّيَ [ص:977] عَنْكَ، وَبُوعِدَ مِنْكَ وَمِثْلُهُ قَوْلُ مُعَاذٍ: «أَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَزَوَى عَنِّي وَاحِدَةً» ، نَحَّاهَا عَنِّي، وَلَمْ يُجِبْنِي إِلَيْهَا وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ نَبِيًّا قَالَ: يَا رَبِّ، عَبْدُكَ الْمُؤْمِنُ تَزْوِي عَنْهُ الدُّنْيَا، مِثْلُهُ، وَقَوْلُ صَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ: نِعْمَةُ اللَّهِ فِيمَا زَوَى عَنَّا، يَقُولُ: نَحَّى عَنَّا وَلَمْ يُعْطِنَا وَيُقَالُ: زَوَيْتُ الشَيْءَ عَنْ مَوْضِعِهِ: نَحَّيْتُهُ، وَزَوَى فُلَانٌ عَنِّي هَذَا الشَيْءَ يَزْوِيهِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَزْوَى وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الِانْزِوَاءِ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: كَانَتْ لِابْنِ عُمَرَ أَرْضٌ قَدْ زَوَتْهَا أَرْضٌ أُخْرَى، وَسَأَلْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: قَرُبَتْ مِنْهَا فَضَيَّقَتْهَا أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِيهِ: يُقَالُ: تَأَزَّى الْقَوْمُ فِي حِلَّتِهِمْ: إِذَا تَقَارَبُوا فِي مَنْزِلَتِهِمْ سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ يَقُولُ: زَوَتْهَا أَرْضٌ أُخْرَى: قَرُبَتْ مِنْهَا وَأَحَاطَتْ بِهَا وَجَمَعَتْهَا وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يُزْوَى عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ: يَعْنُونَ عَنْهُ وَأَنْشَدَنِي لِأَبِي خِرَاشٍ:
[البحر الطويل]
[ص:978]
وَلَمْ أَنْسَ أَيَّامًا لَنَا وَلَيَالِيًا ... بِحَلْبَةَ إِذْ نُعْطَى بِهَا مَا نُحَاوِلُ
إِذِ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغُرَّةٍ ... وَإِذْ نَحْنُ لَا تُزْوَى عَلَيْنَا الْمَدَاخِلُ
يَعْنِي: عَنَّا أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِيهِ: آزَيْتُ الْحَوْضَ أُؤَازِيهِ: جَعَلْتُ لَهُ إِزَاءً قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكَ لَمْ يَجِئْ فِيهِ رَاوِيَةٌ، إِلَّا مَا لَمْ يَبْلُغْنِي

(3/975)