غريب الحديث للخطابي حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَحِمَهُ
الله
حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ سَعْدٌ نَاحَتْهُ الْجِنُّ
فَقَالَتْ: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عبادة
...
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَحِمَهُ الله
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ أَنَّهُ: لَمَّا مَاتَ
سَعْدٌ نَاحَتْهُ الْجِنُّ فَقَالَتْ:
قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ
وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فؤاده1
حدثناه ابن السماك أخبرنا موسى بن سهل الوشاء أخبرنا يزيد بن هرون عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قوله: رَمَيْنَاه بسهمين تأوله بعض الناس على أن الجن قد عانته أي
أصابته بعيونها وجعل السهمين كناية عَنِ العينين قَالَ: ويقال: عيون
الجن أنفذ من أسنة الرماح قَالَ: والعرب قد تكني بالسهام عَنِ العيون
قَالَ امرؤ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل2
وَقَالَ جميل:
رمى اللَّه في عيني بثينة بالقذي ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يصب ... ظواهر جلدي وهو في القلب جارحي3
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/617" والحاكم في مستدركه "3/253" عن
ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وذكره ابن الأثير في أسد الغابة
"2/358".
2 الديوان "13 ط المعارف وفي ط الجزائر "69" برواية "لتقدحي" بدل
"لتضربي".
3 الديوان "68" برواية "لم يضر" بدل "لم يصب".
(2/324)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا وجه يحتمله
مذهب الكلام إلا أن اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قد أخبر في كتابه أن الجن قد
يتأتى منهم الأفعال وأن لهم بطشا وحركة.
وروي عَنْ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبار في أن
للجن خطفة وانتشارا وتأثيرا في بني آدم1: "والعين حق" 2. والله أعلم
بالمراد
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ومن مذهب العرب في هذا النحو أنها كانت تسمي
الطواعين رماح الجن وتزعم أنها طعن من الشيطان قَالَ زيد بن جندب:
ولولا رماح الجن ما كان هزهم ... رماح الأعادي من فصيح وأعجم3
وَقَالَ آخر:
لعمرك ما خشيت على أبي ... رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على أبي ... رماح الجن أو إياك حار4
يقول: لم أكن أخاف على أبي أن يقتله الأنذال ومن يرتبط العير5 ولكن
إنما كنت أخافك عليه فتكون أنت الَّذِي تطعنه أو يصيبه طاعون الشام.
__________
1 حديث أن للجن خطفة وانتشارا: أخرجه البخاري في بدء الخلق "4/157"
وأبو داود في الأشربة "3/339" وأحمد في مسنده "3/388".
2 حديث "العين حق" أخرجه مالك في الموطأ "2/938" من حديث سهل بن حنيف
والبخاري في الطب "7/171" من حديث أبي هريرة ومسلم في السلام "4/1719"
والترمذي في الطب "4/397" وأبو داود في الطب أيضا "4/9" وغيرهم.
3 أساس البلاغة "رمح".
4 اللسان التاج "رمح" دون عزو.
5 ط: "البعير".
(2/325)
[123] / قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد زعم
بعض المحدثين أن معنى السهمين في بيت امرىء القيس غير معنى العينين
وأنه أراد بهما سهمين من سهم الميسر وذلك أَنَّهُ قسم القلب أعشارا
كأعشار الجزور فضربت بسهميها فخرج الثالث. وهو الضريب فأخذت ثلاثة أسهم
ثم ثنت فخرج المعلى وله سبعة أنصباء فاحتازت قلبه أجمع.
وكذلك بيت جميل قد يتأول أيضا على غير معنى العينين اللتين تبصر بهما
ويقال أَنَّهُ أراد بعينيها رقيبيها1 وبأنيابها سادات قومها حيث حالوا
بينه وبينها.
فأما القول المرضي فيه فهو ما ذهب إليه أَبُو العباس ثعلب قَالَ هذا
على مذهب الدعاء ومعناه التعجب يقول ما أحسن عينيها كما يُقَالُ قاتله
اللَّه ما أشعره ولعنه اللَّه ما أشده إلى ما أشبه ذلك من كلامهم
__________
1 د: "رقيبها".
(2/326)
|