غريب الحديث للخطابي

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ في المسجد حفرة منكرة وجراثيم وتعاد فأهاب الناس إلى بطحه ...
...
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابن الزبير: كان في المسجد حفرة1 منكرة وجراثيم وتعاد فأهاب الناس إلى بطحه وأنه لما أراد هدم البيت كان الناس يرون أن ستصيبهم صاخة من السماء وأن ابن مطيع أخذ العتلة من شق الربض الَّذِي يلي دار بني حميد فأقضه أجمع أكتع2.
أخبرنا مُحَمَّد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج.
الجراثيم: جمع جرثومة: وهي أصل مجتمع الحجارة والتراب اللازم للمكان.
والتعادي في المكان: أن يحدودب فيرتفع بعضه وينخفض بعضه وكل ذلك في صلابة والعدواء: الأرض الصلبة.
وَقَوْلُهُ: فأهاب الناس إلى بطحه: أي دعاهم إلى تسويته بالبطحاء وهو حصا ورمل يُقَالُ: أهبت بالرجل إذا دعوته مثل صوت به قَالَ الشاعر:
أهاب بأحزان الفؤاد مهيب
والعتلة: بيرم النجار. والربض أساس البناء والربض ما حوله وأقضه معناه أن يضربه بالعتلة حتى يتركه قضضا وهو دقاق الحجارة.
__________
1 د, ط: "حفر منكرة".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/124 – 127" في حديث طويل وذكره الأزرقي في اخبار مكة "1/205, 209" قصة بناء الزبير للكعبة بألفاظ أخرى عن ابن جريج.

(2/562)


ومن هذا قولهم: جاؤوا قضهم بقضيضهم معناه جاؤوا صغارهم وكبارهم فالقض: الحصا الصغار والقضيض دقاقه وما تكسر منه.
وأكتع: إتباع يراد به التوكيد والصاخة الصاعقة وأصل الصخ الطعن.

(2/563)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ قَتْلُ مَرَوَانَ الضَّحَّاكِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ ثَعْلَبَ بْنَ ثَعْلَبٍ حَفَرَ بِالصَّحْصَحَةِ فَأَخْطَأَتِ اسْتُهُ الْحُفْرَةَ. وأَلْهَفَ أُمٍّ لَمْ تَلِدْنِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ مُحَارِبٍ كَانَ يَرْعَى فِي جِبَالِ مَكَّةَ فَيَأْتِي بِالصُّرْبَةِ مِنَ اللَّبَنِ فَيَبِيعَهَا بِالْقَبْضَةِ مِنَ الدَّقِيقِ فَيَرَى ذَلِكَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ أَنْشَأَ يَطْلُبُ الْخِلافَةَ وَوِرَاثَةَ النُّبُوَّةِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ.
الصحصحة: الأرض المستوية الجرداء قَالَ الشماخ:
بصحصحة يبيت بها النعام2
وهي الصحصح والصحصان أيضا والصربة اللبن الحامض يُقَالُ جاء بصربة تزوي الوجوه3 وقد صرب اللبن في الوطب يصربه صربا إذا حلب
__________
1 الفائق "صحصح" "2/288" والنهاية "صحصح" "3/13" وجاء في الفائق "أخطات استه الحفرة" مثل للعرب تضرب في من لم يصب موضع حاجته أراد بهذا أن الضحاك طلب الظفر والتوثب على المنازل الرفيعة فلم ينل طلبته والرجل من محارب هو الضحاك لأن الضحاك بن قيس الفهري من فهر بن محارب بن مالك بن النضر بن كنانة وقوله: ثعلب بن ثعلب جعله نتزأ له والمثل في اللسان "ستة" ومجمع الأمثال "1/245" والمستصفى "1/102".
2 قال محقق الديوان "461" شطر بيت نسب للشماخ في الفائق ولم أعثر على شطره الأول.
3 د, ح: "بزوي الوجه".

(2/563)


بعضه على بعض وتركه حتى يحمض ويقال: شربت لبنا صربا وصريبا قَالَ الشاعر:
سيكفيك صرب القوم لحم مغرض ... وماء قدور في القصاع مشيب1
__________
1 اللسان والتاج "شوب" برواية: "لحم معرص" ومعرص: ملقى في العرص ليجف وجاء في البيت في مادة "صرب" برواية "لحم مغرض" و "ماء قدور في الجقان مشوب" وعزي لسليك بن السلكة السعدي.

(2/564)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ وَقَعَ حَبَشِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَأَمَرَ أَنْ يَدْلُوا مَاءَهَا1.
مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءَ.
[206] قوله: يدلوا: / أي ينزحوها بالدلاء يُقَالُ: دلوت الدلو إذا نشطتها وأدليتها إذا ألقيتها في البئر فإن أرسلت في بئر أو في مهواة شيئا غير الدلو كالحبل ونحوه قلت: دليته تدلية. فأما قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} 2 فالمعنى أَنَّهُ غرهما. يُقَالُ دلاه بحبل غرور إذا غره والتدلية والحبل مثلان قَالَ الشاعر:
وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور3
__________
1 أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "1/162" بلفظ "أن ينزف" بدل "أن يدلو".
2 سورة الأعراف: "22".
3 اللسان "حمد" برواية "وإن الذي يمسي ودنياه همه" وعزي للشويعر الحنفي وسمي بهذا الاسم لقوله هذا البيت واسمه هانيء بن توبة الشيباني.

(2/564)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ ثَلاثًا يُوَاصِلُ ثُمَّ يُصْبِحُ وَهُوَ أليث أصحابه1.
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/335" بلفظ "كان ابن الزبير بواصل سبعة أيام ويصبح يوم السابع وهو أليثنا" وكذلك بن الجوزي في صفة الصفوة "1/767" وابن كثير في البداية والنهاية "8/334 – 335" وذكره صاحب كنز العمال "13/471" بلفظ "يواصل سبعة أيام فلما كبر جعلها خمسا فما كبر جدا جعلها ثلاثا وعزاه لابن جرير.

(2/564)


حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ بِإِسْنَادٍ لا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ.
قوله: أليث معناه أشد وأجلد يُقَالُ رجل مليث أي شديد ولذلك سمي الأسد ليثا. قال حميد بن ثور:
فلما ارعوى للزجر كل مليث ... كحيد الصفا يتلو جرانا مقدما1
__________
1 الديوان "13".

(2/565)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا احْتَرَقَتْ نَغَضَتْ وَأَخَافَتْ فَأَمَرَ بِصُوَارٍ فنصبت حَوْلَهَا ثُمَّ سُتِرَ عَلَيْهَا فَكَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ مِنْ وَرَائِهَا وَهُمْ يَبْنُونَ فِي جَوْفِهَا1.
مِنْ حَدِيثِ الْوَاقِدِيِّ.
قوله: نغضت: أي وهت وقلقت. يُقَالُ: نغض الشيء إذا تحرك ينغض نغضا وأنغضه غيره إذا حركه. قال اللَّه تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} 2 ومن هذا قيل للظليم نغض وذلك لأنه يحرك رأسه إذا عدا.
والصواري بلغني أنها دقل السفن.
__________
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/215 – 216" رواية عن الواقدي بمعناه بألفاظ أخرى.
2 سورة الاسراء: "51".

(2/565)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: "لا تحل العرابة للمحرم"1.
__________
1 سيأتي بخريجه.

(2/565)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طاووس قل سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: لا تَحِلُّ الْعَرَابَةُ يَعْنِي لِلْمُحْرِمِ فَذَكَرْتُهُ لابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ صَدَقَ1.
معنى العرابة ما قبح من الكلام والتعريب مثله وهو أن يرفث في قوله: ويعرض بذكر الجماع ونحوه.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} 2 فَفَسَّرَهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سفيانعن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} قَالَ: الرَّفَثُ الَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا لَيْسَ بِالرَّفَثِ الَّذِي ذَكَرَ هَا هُنَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} 3 قَالَ وَمِنَ الرَّفَثِ التَّعْرِيضِ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ وَهِيَ الْعَرَابَةُ فِي كَلامِ العرب4.
__________
1 أخرجه الطبري في تفسيره "2/274" محرما وذكره السيوطي في الدر المنثور "1/220" وعزاه لابن أبي شيبة.
2 سورة البقرة: "197".
3 سورة البقرة: "187".
4 أخرجه الطبري في تفسيره "2/273, 264" والسيوطي في الدر المنثور "1/219".

(2/566)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ تَغَشَّاكُمْ سَحَابُهُ وَأَحْدَقَ بِكْمُ رَبَابُهُ وَاخْلَوْلَقَ بَعْدَ تَفَرُّقٍ وَارْجَحَنَّ بَعْدَ تَبَسُّقٍ وَهُوَ مِنْضَاخٌ عَلَيْكُمْ بِوَابِلِ الْبَلايَا تَتْبَعُهَا الْمَنَايَا فَاجْعَلُوا السُّيُوفَ لِلْمَنَايَا فُرَضًا

(2/566)


وَرَهِيشُ الثَّرَى غَرَضًا وَاسْتَعِينُوا عَلَى ذلك بالصهر فَإِنِّهُ لَنْ تُدْرَكَ مَكْرُمَةٌ مُونِقَةٌ وَلا فَضِيلَةٌ سَابِقَةٌ إِلا بِالصَّبْرِ1.
يرويه عبد الله بْنُ الأَجْلَحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ.
الرباب / من السحاب ما تدانى منها فرئي كالمتعلق بها قَالَ الشاعر: [207]
كأن الرباب دوين السما ... ء نعام تعلق بالأرجل2
وَقَوْلُهُ: اخلولق: أي اجتمع وتهيأ للمطر وخلاقة المطر في السحاب علامته.
وَقَوْلُهُ: ارجحن: أي ثقل حتى مال من ثقله.
وَقَوْلُهُ: بعد تبسق: أي طول وارتفاع يُقَالُ بسق الشيء إذا طال وارتفع.
وَقَوْلُهُ: وهو منضاخ3 عليكم: أي منصب عليكم يُقَالُ: انضاخ الماء وانضخ إذا انصب. والوابل أشد المطر
__________
1 الفائق "ربب" "2/31" والنهاية "ربب" "2/181" و"رهش" "2/282".
2 كذا في د وفي س, واللسان والتاج "ربب" "دوين السحاب" وعزي لعبد الرحمن ابن حسان على ما ذكره الأصمعي في نسبة البيت إليه قال ابن بري: ورأيت من ينسبه لعروة بن جلهمة المازني.
3 كذا في جميع النسخ وفي الفائق "وهو منصاح عليكم" وجاء في الشرح: المنصاح: مطاوع صاحه يصوحه إذاشقه يعني هو منفق عليكم بوابل قال عبيد بن الأبرص في صفة السحاب:
فثج أعلاه ثم اتج أسفله ... وضاق ذرعا بحمل الماء منصاح
وجاء في النهاية "صوح" "3/58" برواية: "فهو ينصاح عليكم بوابل البلابل" أي ينشق عليكم.

(2/567)


وَقَوْلُهُ: اجعلوا السيوف للمنايا فرضا أي طرقا إلى المنايا وأصل الفرض المشارع إلى الماء واحدها فرضة.
وَقَوْلُهُ: ورهيش الثرى غرضا فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون أراد لزوم الأرض يقاتلون على أرجلهم لئلا يحدثوا أنفسهم بالفرار وكذلك يفعل البطل إذا رهق نزل عَنْ دابته واستقتل1 لعدوه.
والآخر: أن يكون أراد به القبر يقول: اجعلوا غايتكم الموت2.
والرهيش من التراب: المنثال الَّذِي لا يتماسك والارتهاش: الاضطراب.
__________
1 ح: "واستقبل" وجاء في د بالوجهين معا".
2 س: "واجعلوا عنايتكم".

(2/568)