غريب الحديث للخطابي حديث الحجاح بن يوسف
حديث الحجاح: "أن خُنْفُسَاءَةً مرت به فقال: قاتل الله أقومًا يزعمون
أن هذه من خلق الله....."
...
حديث الحجاح بن يوسف
* قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الحجاح: "أن خُنْفُسَاءَةً مرت
به فقال: قاتل الله أقومًا يزعمون أن هذه من خلق الله, فقيل: فمِمَّ
هي؟ قال: من وَذَحِ إبليس"1.
أَخْبَرَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ العنبري، أخبرنا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ السَّكَنِ، أخبرنا ابن عائشة، عن سعيد بن
عامر، عن عوف.
الوَذَحُ: ما يتعلق بألية الشاة من ثلطها, قال الأصمعي: وَذِحَت الغنم
توذح وذحًا, قال الأعشى:
فترى الأعداء حولى شُزَّبًا ... خاضعي الأعناق أمثال الوَذَحْ2
قال أبو عبيدة: والمَذَحُ مثله، والعَبَكَة: الوذحة أيضًا, قال: ومن
أمثال العرب: "ما أُبَاليه عَبَكَةً"3.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ الحجاح: "أنه سأل الشعبي عن
المخمسة: وهي مسألة من الفرائض اختلف فيها خمسة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: علي، وعثمان، وَابْنُ مَسْعُودٍ،
وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وابن
__________
1 الفائق: "وذح": 53/4، والنهاية: "وذح": 170/5.
2 اللسان: "وذح", برواية: "حولي شزرًا", وكذلك في الديوان: 42.
3 جمهرة الأمثال: 262/2, مجمع الأمثال: 284/2، المستقصى: 309/2, وفي
اللسان: "عبك" يقال ذلك للشيء الهين.
(3/172)
عباس, وهي أُمٌّ وأُختٌ وجَدٌّذ, ثم قال
له: فما قال فيها ابن عباس إن كان لمِثْقبًا"1.
أخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا عباس الترقُّفِي، أخبرنا سليمان بن أحمد
الواسطي، أخبرنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي، أخبرنا عيسى بن
يونس، أخبرنا عباد بن موسى, عن الشعبي.
قال ابن الأعرابي: المِثقَبُ: الرجل العالم الفطن, قال: ومثله
العِمِّيْتُ, قال: وأنشدني أبو المكارم:
ولا تَبَغَّ الدهر ما كُفِيتَا ... ولا تُمَارِ الفَطِنَ العِمِّيتَا2
__________
1 ذكره الهيثمى في: مجمعه: 228/47- 229, في حديث طويل بلفظ "لمتقنًا"
بدل "لمثقبًا", وعزاه للبزار, وأخرجه البيهقي في: سننه: 252/6, عن عيسى
بن يونس بلفظ "لمثقبا" وبلفظ "لمنقبا", والعقد الفريد: 32/5- 33 بلفظ
"لمنقبًا"، ولعل هذا كله تحريف من "لمثقبا", وانظر النهاية: "ثقب":
216/1، ومادة: "خمس": 79/2.
2 اللسان، التاج: "عمت", برواية: "العَمِيت", ككريم, ولم يعز.
(3/173)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج أنه قال في خطبة له: "يوشك أن تُدال الأرض منا فلنسكنن بطنها،
كما علونا ظهرها، ولتأكلن من لحومنا، كما أكلنا من ثمارها, ولتشربن من
دمائنا، كما شربنا من مائها، ثم لتوجدن جُرزًا، ثم ما هو إلا قول الله:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى
رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} 1.
__________
1 في تهذيب تاريخ ابن عساكر: 63/4, باختلاف يسير, وفي العقد الفريد:
123/4 و 47/5, بلفظه, وذكره ابن كثير في: البداية والنهاية: 123/9,
بألفاظ متقاربة، والحديث في: الفائق: 446/1، وجاء في الشرح: قال
المبرد: أرض جرز، وأرضون أجراز، إذا كانت لا تنبت شيئًا، وتقدير ذلك
أنها كلها تأكل نبتها, فلا تبقى منه شيئًا، من الجرز، وهو الاستئصال،
هو ضمير الشأن، أي ما الشأن إلا قول الله تعالى والآية في سورة يس
الآية: 51.
(3/173)
أخبرناه ابن شابورة، أخبرنا علي بن عبد
العزيز، أخبرنا الحسين بن محمد، عن أبي عدنان، أخبرني إبراهيم بن داجة،
أخبرني زائدة بن قدامة العبدي.
قوله: تُدال من الدولة: أي تكون لها الدولة علينا إذا متنا, فتأكل
أجسادنا وتبليها، شبهها بالعدو يظفر بالإنسان، فينال منه تِرتَه، ويدرك
ثأره.
والجُرُزُ: الأرض التي قد جُزِر ما عليها: أي أكل ورعي, فبقيت صعيدًا
لا نبات فيها ولا شيء عليها, قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ
مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} 1.
يقال: جُرِزَت الأرض، وجَرَزَهَا الجراد يجرزها جَرْزًا إذا لحسها.
__________
1 سورة الكهف: 8.
(3/174)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه قال لأعرابي من الأزد: كيف بصرك بالزرع؟ قال: إني "265" /
لأعلم الناس به, قال: صفه لنا, قال: الذي غلظت قصبته, وعرضت ورقته,
والتف نبته, وعظمت سُنبُلَتُهُ.
قال: إنى أراك بالزرع بصيرًا, قال: إني طالما عَاجَيْتُهُ
وعَاجَانِي"1.
أخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي، أخبرنا عبد لله
بن الضحاك، أخبرنا الهيثم بن عدي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش، عن
أبيه.
قوله: عاجيته, أي عالجته وأصلحته, وأصل المُعَاجَاة أن تكون المرأة
بَكِيَّةً ليس لها لبن يقيم ولدها, فتعلله بالشيء ساعة، بعد ساعة
والاسم منه العُجْوَة.
__________
1 الفائق: "عجى": 398/2.
(3/174)
يقال: عَجَوْتُهُ وعَجَيْتُهُ لغتان,
والصبي عَجِيٌّ والأنثى عَجِيَّةٌ، وكذلك هذا في البهائم, قال الشاعر:
عداني أن أزورك إن بَهْمِي ... عَجَايَا كلُّها إلا قليلا1
__________
1 اللسان، التاج: "عجا", دون عزو.
(3/175)
* قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج أنه قال لطباخه: "اتخذ لنا عَبْرَبِيَّةً وأَكْثِرْ
فَيْجَنَهَا"1.
سمعت أبا عمر يذكره, عن أبي العبَّاس ثَعلَب، عن ابن الأعرابي.
وقال مرة أخرى: وأكثر دَوْفَصَهَا, قال: والعَبْرَبُ: السُّمَّاق,
والفَيْجَن: السَّذَاب, والدَّوْفَصُ: نوع2 من البصل.
__________
1 الفائق: "عبرب": 288/2, والنهاية: "عبرب": 171/3.
2 ط: "ضرب من البصل", وفي القاموس: "دفص": سُمِّي البصل دَوْفَصًا؛
لملاسته.
(3/175)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج أنه دخل عليه سيابة1 بن عاصم السلمي فقال: "من أي البلدان أنت؟
قال: من حوران, قال: هل كان وراءك من غَيْثٍ؟ قال: نعم, أصلح الله
الأمير, قال: انعت لنا كيف كان المطر وتبشيره؟ قال: أصابتني سحابة
بحوران فوقع قطر كبار وقطر صغار، فكان الصغار لَحْمَة للكبار, ووقع
بسيطًا متداركًا، وهو السَّحُّ الذي سمعتَ به، فَوَادٍ سَائِل, وواد
نَادِحٌ، وأرض مقبلة، وأرض مدبرة، وأصابتني سحابة بالقريتين،
فَلَبَّدَت الدِّمَاث وأسالت العَزازَ, وصدعت عن الكَمْأَة أماكنها،
وجئتك في مثل وِجَار الضَّبُع.
__________
1 في العقد الفريد: 33/5: شبابة بن عاصم "تصحيف", وفي القاموس: "سيب":
"سيابة بن عاصم صحابي", وفي الإصابة: 102/2 سيابة بن عاصم بن سنان بن
خزاعى السلمي, له صحبة, وروى يعقوب بن سفيان في: تاريخه: أن سيابة بن
عاصم كان في زمن الحجاج, وقدم عليه رسولًا من عبد الملك.
(3/175)
ثم دخل عليه رجل من بني أسد فقال له: هل
كان وراءك من غيث؟ , قال: اغبرَّ البلاد, وأُكِل ما أشرف من الجَنْبَة,
فاستيقنا أنه عام سَنةٍ, فقال: بئس المخبر أنت"1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك، أخبرنا محمد بن
أيوب، أخبرنا عبيد2 بن يعيش، أخبرنا يحيى بن يعلى المحاربي، عن عبد
الكريم بن الجراح، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن عباد بن موسى، عن
الشعبي.
وأخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا الترقفي، أخبرنا سليمان بن أحمد
الواسطي، أخبرنا أبو مسهر، أخبرنا عيسى بن يونس بن إبي إسحاق، أخبرنا
عباد بن موسى، عن الشعبي.
هكذا قال الترقفي: عيسى، عن عباد, وقال ابن ضريس: يونس، عن عباد, وزاد
ابن الأعرابي في حديثه فقال: "لبَّدَتِ الدِّمَاث، ودحضت التِّلاع،
وملأت الحفر، وجئتك في ماء يَجُرُّ الضَّبُع، ويستخرجها من وِجَارِهَا،
فَقَاءَتِ الأرض بعد الرِّيِّ, وامتلأت الإِخاذ، وأُفْعِمَت الأودية".
قال: "ثم دخل عليه رجل من أهل اليمامة, فقال: هل كان وراءك من غيث؟
قال: نعم, كانت سماء ولم أرها، وسمعت الرواد تدعو إلى رِيَادتها، فسمعت
قائلًا يقول: أُظْعِنُكم إلى محلة تُطْفَأ فيها النيران، وتَشكَّى3
فيها النساء، وتنافس فيها المِعْزَى, قال: فلم يفهم الحجاح ما قال،
فاعتلَّ عليه بأهل الشام.
__________
1 العقد الفريد: 33/5-34, مع اختلاف يسير في الألفاظ، وتهذيب تاريخ ابن
عساكر: 155/7 في ترجمة الشعبي، والنهاية: "وجر": 156/5.
2 ط: "عبد بن يعيش".
3 ح: "وتشْتَكِي".
(3/176)
فقال له: ويحك، إنما تحدث أهل الشام
فأفهمهم, فقال: أما طَفْءُ1 النيران؛ فإنه أخصب الناس, فكثر "266" /
السمن والزبد واللبن, فلم يحتج إلى نار يختبز بها, وأما تشكي النساء؛
فإن المرأة تربق بهمها وتمخض لبنها, فتبيت ولها أنين, وأما تنافس
المعزى؛ فإنها ترى من ورق الشجر وزهر النبات ما يشبع بطونها, ولا يشبع
عيونها فتبيت ولها كظة من الشبع وتشتر, فتستنزل الدرة.
ثم دخل رجل من الموالي من أشد الناس في ذلك الزمان فقال له: هل كان
وراءك من غيث؟ قال: نعم, أصلح الله الأمير، غير أني لا أحسن أن أقول
كما قال هؤلاء، إلا أنه أصابتني سحابة فلم أزل في ماء وطين حتى دخلت
على الأمير, قال: فضحك الحجاج, ثم قال: والله لئن كنت من أقصرهم خطبة
في المطر، إنك لمن أطولهم خطوة بالسيف"2.
قوله: "كيف كان المطر وتبشيره؟ " يريد أول أمره وبدء وقوعه، واحد
التباشير، وهي أوائل الأمور وما يتقدمها من أماراتها، ومنه تباشير
الصبح، وقلما يفرد منه اسم، إنما يتكلم به في الغالب على لفظ الجمع.
والسَّحُّ: شدة انصباب المطر, يقال: سَحَّ المطر يسح سَحًّا،
والنَّادِحُ: من النَّدْحِ وهو السعة, ومنه قولهم: إنه لفي مندوحة من
الأمر, أي في سعة منه.
والدِّمَاث: السهول من الأرض, يقال: مكان دَمِثٌ: أي سهل لين، يريد أن
المطر قد لبدها فتعقَّدت3.
__________
1 ط: "أما طف النيران".
2 العقد الفريد: 34/5-35، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: 156/7.
3 آخر الجزء الثاني من نسخة ط.
(3/177)
والعزاز: ما صلب من الأرض واشتد منها,
وقوله: دَحَضَت التِّلَاع، فإن التلاع هاهنا ما غلظ وارتفع من الأرض
واحدها تلعة.
والدَّحْضُ: الزَّلَق، يريد أنها صارت زَلَقًا لا تستمسك عليها الأرجل,
يقال: دَحَضَت رجلي: زَلِقت, ودحضت حجة فلان: إذا بطلت، وقد
أَدْحَضْتُهَا.
وقوله: "ماء يَجُرُّ الضَّبُع عن وِجَارِهَا"، فإن وِجَار الضبع
جُحْرُهَا الذي تأوي إليه، وفيه لغتان: وِجار ووَجار.
قال الكسائي والفراء: يقال غيث جِوَرٌّ، مكسورة الجيم مفتوحة الواو
مشددة الراء، يذهبون إلى تأويل قولهم: غيث جارِّ الضَّبُع: أي يدخل على
الضبع في وِجَارِهَا حتى يذلقها منه.
قال أبو سليمان: فأما قوله في رواية ابن مالك: "وجئتك في مثل وِجَار
الضبع" فإنه غلط، وإنما هو: "في مثل جَارِّ الضبع"، ومعناه ما ذكرته لك
عن الكسائي والفراء.
وكان الأصمعي يقول: إنما هو غيث جُؤَرٌ بالتخفيف والهمز، مثل: نُغَرٌ:
أي له صوت, من قولهم: جَأَر الرجل بالدعاء: إذا رفع صوته, وأنشد:
لا تسقه صَيِّبَ عزَّافٍ جُؤَرْ1
__________
1 اللسان، التاج: "جأر", وقبله: "يارب رب المسلمين بالسور", وعزي لجندل
بن المثنى, دعا عليه ألا تمطر أرضه حتى تكون مجدبة لا نبت بها،
والعزاف: الذي فيه رعد.
(3/178)
والإِخَاذ: مصانع الماء، واحدها أَخْذ,
ويقال: إِخْذ, قال الشاعر يصف غيثًا:
وغادر الإِخْذَ والأوجاذ مترعة ... تطفو وأسجل أنهاء وغدرانا1
وواحد الأوجاذ وَجْذٌ، وهو مستنقع الماء.
قال أبو مالك: قال رجل لأعرابي فصيح: ألم يكن هاهنا وَجْذ؟ قال: بلى,
أوجاذًا، يريد عهدت أوجاذًا, نصبه على إضمار فعل.
وقوله: أفعمت أي ملئت. وإناء مفعم: إذا لم يكن فيه متسع.
والجَنْبَةُ من الشجر: ما يتروَّحُ في الصيف, وييبس في الشتاء.
قال أبو مالك: "267" / الجَنْبَةُ: نبات يغلظ عن البقل ويرق عن الشجر2.
والرُّوَّاد: جمع رائد, وهو الذي يتقدم القوم, فيرتاد لهم الكلأ
والمنزل.
وفي بعض الأمثال: "الرائد لا يكذب أهله"3, يقال: رَادَ يرود رودًا
ورِيَادة, قال الشاعر:
فقلت له أهلًا وسهلًا ومرحبًا ... بموقد نار مُحمدٍ من يَرُودُهَا
وقوله: تُربِّقُ بهمَها: أي تشد الأرباق في أعناق البَهْم، وهي صغار
أولاد الغنم، يقال للواحد منها بَهْمَة، الذكر والأنثى فيه سواء.
__________
1 اللسان، التاج: "أخذ، سجل" من غير عزو برواية:
وغادر الأخذ والأوجاذ مترعة ... تطفو وأسجل أنهاء وغدرانا
وجاء قبل البيت: وجمع الإخاذ أُخُذ مثل كتاب وكتب وقد يخفف, وأورد
البيت.
2 في اللسان: "جنب"، الجنبة: ما فوق البقل ودون الشجر.
3 جمهرة الأمثال: 474/1، مجمع الأمثال: 233/2، المستقصى: 274/2، أمثال
أبي عبيد: 49، اللسان: "رود" ويروى: "لا يكذب الرائد أهله".
(3/179)
وأخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثَعْلب، عن
ابن الأعرابي قَالَ: العرب تقول: "رمَّدت الضأن فرَبِّق رَبِّق"1،
"رمَّدت المعزي فرَنِّق رَنِّق"2, وقال: وهو أن الضأن إذا تغيرت ضروعها
ولدت سريعًا.
تقول: فهي الأرباق لأولادها، والمعزى تبطىء, ومعنى رَنِّق: احتبس
وانتظر, ومنه ترنيق الطائر، وهو أن يرفرف قبل وقوعه إلى الأرض.
وقوله: تَشْتَرُّ، إنما هو تَجْتَرُّ بالجيم من الجرة, والشين قريبة
المخرج منها, والعرب تقول: "لا أفعل ذلك ما اختلفت الجرة والدرة"3,
واختلافها أن الجرة تصعد والدرة تسفل.
وقوله: "إنك لمن أطولهم خطوة بالسيف": أي أشدهم تقدمًا في القتال، ومن
هذا قول الشاعر:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضاربُ4
__________
1 2 مثلان في مجمع الأمثال: 293/1، المستقصى: 104/2.
2 اللسان: "جرر، درر", مجمع الأمثال: 232/2، المستقصى: 245/2.
4 شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: "الحماسية 248": 248/2, وهو للأخنس بن
شهاب, شاعر جاهلي, وفي المفضليات: 207 برواية:
وإن قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلي القوم الذين نضاربُ
(3/180)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه باع مُعتَقًا في حَرارِهِ"1.
ذكره عُمَرَ بن شَبَّةَ، عن الأصمعيّ, قال: وإنما استحلت القراء قتاله
لذلك, فقالوا: غيَّر وبدَّلَ.
__________
1 الفائق: "حرز": 277/1, والنهاية: "حرر": 363/1.
(3/180)
قوله: في حَرَارِهِ، هو مصدر حَرَّ المملوك
يَحَرُّ حَرَارًا إذا صار حُرًّا.
ويقال: حَرَّ يومنا يَحَرُّ حَرًّا وحَرَارَةً، وحَرَّت الريح حُرُورًا
مضمومة الحاء، وحَرَّت كبده تَحِرُّ حَرَّةً وحَرَرًا, ومن دعائهم:
رماه الله بالحِرَّةِ تحت القِرَّة: أي بالعطش, ومنه قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ: "في كل كبد حَرَّى أجر" 1, أي: عطشى.
يقال: حَرَّان وحَرَّى مثل: عطشان وعطشى, والحَرَرُ: يبس الكبد عند
العطش وشدة الحزن, وزعم بعض الناس أن الحجاج لم يبع رقبة حُرٍّ قط،
وإنما باع ولاءه, فقيل على هذا: قد باعه، وكانت العرب تفعل ذلك، ومن
أجله نهى رسول اللَّه عَنْ بيع الولاء وعن هبته.
قال أبو سليمان: وقد اختلفوا في السبب الذي من أجله استجاز القراء
الخروج عليه, فقال ابن المبارك: إنما استحلوا الخروج عليه؛ لكفره
بقراءة عبد الله بن مسعود, ولقوله: "إنها رجز من أراجيز العرب"2.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: كان من سيرة بني أمية في الذمي يسلم أن
يطالب بالجزية عن رأسه، ويؤخذ الخراج من أرضه، وكان الحجاج
__________
1 أخرجه ابن ماجة في: الأدب: 1215/2, بلفظه من حديث سراقة بن جعشم,
والإمام أحمد في: مسنده: 175/4, بلفظ: "حراء": بدل "حرى".
وأخرجه البخاري في المساقاة والمظالم, بلفظ "في كل كبد رطبة أجر", من
حديث أبي هريرة، انظر فتح الباري: 41/5، 133, وكذلك مسلم في: السلام:
1761/4, وغيرها.
2 انظر قول الحجاج في قراءة ابن مسعود في تهذيب تاريخ ابن عساكر: 72/4:
"يا عذيري من عبد هذيل، يعني عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ
الله عنه, يزعم أن قراءته من عند الله، يعني الموالي "العبيد"، وما هي
إلا رجز من رجز الأعراب، ما أنزلها الله على نبيه"، وفي رواية أنه قال:
أما لو أدركته لضربت عنقه، وفي رواية: "ولا أجد أحداً يقرأ على قراءة
ابن أم عبد إلا ضربت عنقه، ولأخلين منها المصحف ولو بضلع خنزير".
(3/181)
يحتج لذلك, ويقول: إنما هم فيئنا وعبيدنا،
فإذا أسلم عبد الرجل، فهل يُسقِط عنه الإسلام الضريبة.
قال: وكان خالد بن عبد الله يخطب به فيما يحكى عنه على المنبر, قال:
ولهذا استجاز من استجاز من القراء الخروج عليه مع ابن الأشعث.
وقال بعضهم: إنما فعلوا ذلك "268" /؛ لإعظامه القول عند ذكر قوله
تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا} 1, وتقديمه طاعة ظَلَمَة بني أمية على طاعة الله عز وجل.
حدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، أخبرنا
إسحاق بن إبراهيم بن سهم، أخبرنا ابن أبي سمينة، أخبرنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأعمش، سمعت الحجاج يخطب, وهو يقول: "إذا قلت لكم
اسمعوا الله وأطيعوا ففيها مَثْنَوِيَّة, وإذا قلت لكم: اسمعوا وأطيعوا
لعبد الملك بن مروان, فليس فيها مَثْنَوِيَّة, والله لو قلت لكم: إن
تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من غيره كفرتم، هؤلاء الحمران يقولون: لا
يسقط حجر من السماء حتى يحدث الله أمرًا، أيم الله لئن بقيت لهم
لأُبِيدَنَّ خَضْرَاءَهُم"2.
قال أبو بكر بن عياش: فعظم ذلك عندي، فحدثت به عاصم بن بهدلة, قال:
وأنا سمعته يخطب بهذا.
__________
1 سورة التغابن: 16.
2 تهذيب تاريخ ابن عساكر: 69/4 مختصراً، والبداية والنهاية: 129/9,
بدون الجملة الأخيرة، والعقد الفريد: 117/4، ومروج الذهب: 151/3, وفيه
"عذيري من أهل هذه الحمراء، يلقي أحدهم الحجر إلى الأرض، ويقول: إلى أن
يبلغها يكون فرج الله ... ".
(3/182)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه قال لقاتل الحسين بن علي رضوان الله عليهما: كيف قتلت
الحسين؟ , فقال: دَسَرْتُهُ بالرمح
(3/182)
دَسْرًا، وهَبَرْتُهُ بالسيف هَبْرًا، وما
أشركت معي في قتله أحدًا"1.
أخبرناه ابن الأعرابي، حدثنا عباس بن محمد الدوري، أخبرنا شاذان، أنا
شريك، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ.
قوله: دَسَرْتُهُ, معناه دفعته حتى سقط, يقال: دَسَرْتُ الرجل دَسْرًا
إذا فعلت ذلك به.
والهَبْرُ: القطع الواغل في اللحم, يقال: ضرب هَبْرٌ، وطعن نَتْرٌ، وهو
الخَلْسُ, ورمي سَعْرٌ: أي كأنه نار, يقال: سعرت النار سَعْرًا: إذا
ألهبتها.
قال يعقوب: بعير هَبر وَبر: أي كثير الهبر، أي اللحم وكثير الوبر.
وأخبرني أبو عمر، أنا أحمد بن يحيى, قال: قال أبو زيد عمر بن شبة: "دخل
سنان بن يزيد النخعي على الحجاج, فقال له: كيف صنعت بحسين؟ , فقال:
دَسَرْتُهُ بالرمح دَسْرًا، وهَبَرْتُهُ بالسيف هَبْرًا، ووكلته إلى
امرىء غير وُكل, فقال الحجاج: أما والله لا تجتمعان في الجنة أبدًا،
وأمر له بخمسة آلاف درهم، فلما ولَّى قال: لا تعطوه إياها"2.
__________
1تهذيب تاريخ ابن عساكر: 61/4, وذكره ابن كثير في: البداية والنهاية:
124/9.
2 تهذيب تاريخ ابن عساكر: 64/4.
(3/183)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه عُرِضَ عليه رجل من بني تميم فاشتهى قتله لما رأى من جسمه
وهيئته, فقال: والله إني لأرى رجلًا لا يقر اليوم بالكفر, فقال: عن دمي
تخدعني, بلى أكفر من حِمَار"1.
__________
1 في اللسان: "كفر", وهو في الفائق: "كفر": 272/3, من حديث عبد الملك
برواية: "بلى عبد الله أكفر من حمار", وجاء في الشرح: أقر بأنه كفر حين
خالف بنى مروان, وتابع ابن الأشعث.
(3/183)
أخبرناه الصفار، أخبرنا عباس الدوري،
أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدثني محمد بن الحارث, رجل من قريش.
لم يرد بالحمار هاهنا العير، وإنما هو رجل كان في الزمان الأول كفر
بالله بعد الإيمان به, وانتقل إلى عبادة الأصنام, فصار مثلًا.
قال هشام بن محمد: هو رجل من العمالقة كان له بنون وواد مخصب، وكان حسن
الطريقة، فخرج بنوه في بعض أسفارهم, فأصابتهم صاعقة, فأحرقتهم، فكفر
بالله وأخذ في عبادة الأصنام, وقال: لا أعبد ربًّا أحرق بني أبدًا، وهو
الذي يضرب به المثل, فيقال: أكفر من حمار1، فأرسل الله على واديه نارًا
فأحرقه, ولم يدع فيه شيئًا.
وقال غيره: هو الحمار بن مؤتلع، كانت له قرية بالشام، فراسخ في فراسخ،
وكان يعبد الله، ثم "269" / أشرك به, فأرسل الله ريحًا, فقتلته وخربت
قريته، فهي تدعى جوف الحمار, قال بعضهم: وهي التي أراد امرؤ القيس في
قوله:
وواد كَجَوفِ العَيْر قفرٍ قَطَعْتُهُ ... به الذئب يعوى كالخليع
المُعَيّلِ2
فيقال: إنه أراد كجوف الحمار, فلم يستقم له البيت. ويقال: بل أراد جوف
العير؛ لأنه لا خير فيه.
قال المدائني: "كتب عبد الملك إلى الحجاج: أن ادع الناس إلى البيعة،
فمن أقر بالكفر فخل سبيله إلا رجل نصب راية أو شتم أمير
__________
1 اللسان: "حمر", الدرة الفاخرة: 367/2، الفاخر: 15، جمهرة الأمثال:
177/2، مجمع الأمثال: 168/2، المستقصى: 295/1.
2 سبق في الجزء الثاني, لوحة 160.
(3/184)
المؤمنين, قال: وذلك بعد أمر ابن الأشعث"1.
__________
1 الفائق: "كفر": 272/3, وفي اللسان: "كفر": 147/5.
(3/185)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه أُتِيَ بيزيد بن المهلب يرسف في حديد, فأقبل يخطر بيده،
فغاظ ذلك الحجاج فقال:
جَميل المُحَيَّا, بختريٌّ إذا مَشَى1
وقد ولى عنه, فالتفت إليه فقال:
وفي الدِّرْع ضَخْمُ المنكبَيْن شِنَاقُ1
فقال الحجاج: قاتله الله، ما أمضى جَنَانَه وأَحْلَفَ لسانه"2.
حدثنيه: محمد بن علي، أخبرنا ابن دريد، أخبرنا السكن بن سعيد، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ أبيه.
يقال: رجل بَخْتَرِيٌّ: أي متبختر، وهو البِخْتِير أيضًا.
والشِّنَاق: الطويل, ويقال للفرس الطويل الرأس: شِنَاق ومشنوق.
وقوله: ما أحلف لسانه: أي ما أذربه.
قال الأصمعي: الحليف اللسان: الحديد اللسان الذَّلِقُهُ.
يقال: فلان حليف اللسان ما شاء, ويقال: سنان حليف: أي حديد.
__________
1 اللسان، التاج: "بختر".
2 اللسان، التاج: "شنق", وأوردا حديث الحجاج مع يزيد بن المهلب
(3/185)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
الحجاج: "أنه كتب إلى عامله: ابعث إليَّ فلانًا مُسمَّعًا"1.
قال ابن الأعرابي: يريد مقيَّدًا، والمُسمِع: القيد, وأنشد:
وَلي مُسْمِعَان وزَمَّارَةٌ ... وَظِلٌّ ظَلِيلٌ وحصن أَمَقّ2
والزَّمَارَة: السَّاجور.
وفي حديث له آخر: أنه بعث رجلًا ليحفر بئرًا في مجتمع كلأ، فلما رجع
إليه قال: أَخْسَفْتَ أم أعلَمْت"3.
قوله: أخسفت، من الخَسْفِ, وهي البئر تحفر في حجارة, فيخرج منها ماء
كثير عِدٌّ4 لا ينقطع.
وأَعْلَمْت من العَيْلَم، وهي البئر دون الخَسِيف, وأنشدني أبو عمر:
يمسح جُولَى عَيْلَمٍ رِحَبِّ5
__________
1 الفائق: "سمع": 201/2, برواية: كتب إلى عامله: "ابعث إلى فلانًا
مسمَّعًا مُزَمَّرًا" وجاء في الشرح: أي مقيَّدًا مسجورًا من المُسمع
والزمارة، والنهاية: "سمع": 403/2.
2 اللسان: "زمر، سمع، مقق", والرجز في البيان والتبيين: 64/3 برواية:
ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق
ومجالس ثعلب: 541.
3 الفائق: "شجى": 223/2, برواية: "أأخْسَفْتَ أم أَوْشَلْت", وروي: "أم
أعلمت", والحديث فيه طويل, وانظر النهاية: "خسف": 32/2.
4 القاموس: "عدد": العِدُّ: الماء الجاري الذي له مادة لا تنقطع كماء
العين.
5 سبق في الجزء الثاني، لوحة 126.
(3/186)
|