لسان العرب

الجزء السادس
س

حرف السين المهملة
س: الصَّادُ وَالسِّينُ وَالزَّايُ أَسَلِيَّةٌ لأَن مبدأَها مِنْ أَسَلَةِ اللِّسَانِ، وَهِيَ مُسْتَدَقُّ طَرَفِ اللِّسَانِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ، وَالسِّينُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ، وَمَخْرَجُ السِّينِ بَيْنَ مَخْرَجَيِ الصَّادِ وَالزَّايِ؛ قَالَ الأَزهري: لَا تأْتلف الصَّادُ مَعَ السِّينِ وَلَا مَعَ الزَّايِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.

فصل الألف
أبس: أَبَسَهُ يأْبِسهُ أَبْساً وأَبَّسَه: صغَّر بِهِ وحَقَّره؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وليْث غابٍ لَمْ يُرَمْ بأَبْسِ
أَي بِزَجْرٍ وَإِذْلَالٍ، وَيُرْوَى: لُيُوثُ هَيْجا. الأَصمعي: أَبَّسْتُ بِهِ تأْبيساً وأَبَسْتُ بِهِ أَبْساً إِذَا صغَّرته وَحَقَّرْتَهُ وذَلَّلْتَه وكَسَّرْته؛ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْداس يُخَاطِبُ خُفاف بْنَ نُدْبَة:
إِنْ تكُ جُلْمودَ صَخْرٍ لَا أُؤَبِّسهُ، ... أُوقِدْ عَلَيْهِ فأَحْمِيه، فيَنْصَدِعُ
السِّلْمُ تأْخذ مِنْهَا مَا رضيتَ بِهِ، ... والحَرْبُ يكفيكَ مِنْ أَنفاسِها جُرَعُ
وَهَذَا الشِّعْرُ أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ: إِن تَكُ جُلْمُودَ بِصْرٍ، وَقَالَ: البصْرُ حِجَارَةٌ بِيضٌ، والجُلمود: الْقِطْعَةُ الْغَلِيظَةُ مِنْهَا؛ يَقُولُ: أَنا قَادِرٌ عَلَيْكَ لَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ وَلَوْ كُنْتَ جُلْمُودَ بِصْرٍ لَا تَقْبَلُ التأْبيس وَالتَّذْلِيلَ لأَوْقَدْتُ عَلَيْهِ النَّارَ حَتَّى يَنْصَدِعَ وَيَتَفَتَّتَ. والسِلم: المُسالمة وَالصُّلْحُ ضِدُّ الْحَرْبِ وَالْمُحَارَبَةِ. يَقُولُ: إِنَّ السِّلم، وَإِنْ طَالَتْ، لَا تَضُرُّكَ وَلَا يَلْحَقُكَ مِنْهَا أَذًى وَالْحَرْبُ أَقَلُّ شَيْءٍ مِنْهَا يَكْفِيكَ. ورأَيت فِي نُسْخَةٍ مِنْ أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ، رَحِمَهُ اللَّه، قَالَ: أَنشده المُفَجِّع فِي التَّرجُمان:
إِن تَكُ جُلْمودَ صَخْدٍ
وَقَالَ بَعْدَ إِنشاده: صَخْدٌ وادٍ، ثُمَّ قَالَ: جَعَلَ أُوقِدْ جَوَابَ المجازاة وأَحْمِيه عَطْفًا عَلَيْهِ وَجَعَلَ أُؤَبِّسُه نَعْتًا لِلْجُلْمُودِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ فَيَنْصَدِعُ.

(6/3)


والتَّأَبُّس: التَّغَيُّر «5» ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
تَطيفُ بِهِ الأَيام مَا يَتأَبَّسُ
والإِبْس والأَبْسُ: الْمَكَانُ الْغَلِيظُ الْخَشِنُ مِثْلَ الشَّأْز. ومُناخ أَبْس: غَيْرُ مُطَمْئِنٍ؛ قَالَ مَنْظُورُ بْنُ مَرثَدٍ الأَسَدي يَصِفُ نُوقًا قَدْ أَسقطت أَولادها لِشِدَّةِ السَّيْرِ والإِعياء:
يَتْرُكْنَ، فِي كُلِّ مُناخٍ أَبْسِ، ... كلَّ جَنين مُشْعَرٍ فِي الغِرْسِ
وَيُرْوَى: مُناخِ إِنسِ، بِالنُّونِ والإِضافة، أَراد مُناخ نَاسٍ أَي الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْزِلُهُ النَّاسُ أَو كُلَّ مَنْزِلٍ يَنْزِلُهُ الإِنس: والجَنِين المُشْعَرُ: الَّذِي قَدْ نَبَتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ. والغِرْسُ: جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَخْرُجُ عَلَى رأْس الْمَوْلُودِ، وَالْجَمْعُ أَغراس. وأَبَسَه أَبْساً: قَهَرَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَبَسَه وأَبَّسَه: غَاظَهُ ورَوَّعه. والأَبْسُ: بَكْع الرَّجُلِ بِمَا يسوءُه. يُقَالُ: أَبَسْتُه آبِسُه أَبْساً. وَيُقَالُ: أَبَّسْتُه تأْبيساً إِذا قَابَلْتُهُ بِالْمَكْرُوهِ. وَفِي حَدِيثِ
جُبَيْر بْنِ مُطْعِم: جَاءَ رَجُلٌ إِلى قُرَيْشٍ مِنْ فَتْحِ خَيْبَر فَقَالَ: إِن أَهل خَيْبَرَ أَسَروا رسول اللَّه، صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُرِيدُونَ أَن يُرْسِلُوا بِهِ إِلى قَوْمِهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يؤَبِّسون بِهِ الْعَبَّاسَ
أَي يُعَيِّرونه، وَقِيلَ: يخوِّفونه، وَقِيلَ: يُرْغِمونه، وَقِيلَ: يُغضبونه ويحْمِلونه عَلَى إِغلاظ الْقَوْلِ لَهُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: امرأَة أُباس إِذا كَانَتْ سيِّئة الْخُلُقِ؛ وأَنشد:
ليسَتْ بسَوْداءَ أُباسٍ شَهْبَرَه
ابْنُ الأَعرابي: الإِبْسُ الأَصل السُّوء، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. ابْنُ الأَعرابي: الأَبْس ذَكر السَّلاحف، قَالَ: وَهُوَ الرَّقُّ والغَيْلَمُ. وإِباءٌ أَبْسٌ: مُخْزٍ كاسِرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابيّ. وَحُكِيَ عَنِ المُفَضَّل أَن السُّؤَالَ المُلِحَّ يكْفيكَه الإِباءُ الأَبْسُ، فكأَنَّ هَذَا وَصْف بِالْمَصْدَرِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما هُوَ الإِباءُ الأَبْأَسُ أَي الأَشدُّ. قَالَ أَعرابي لِرَجُلٍ: إِنك لتَرُدُّ السُّؤال المُلْحِف بالإِباءِ الأَبأَس.
أرس: الإِرْس: الأَصل، والأَريس: الأَكَّارُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: بَلَغَهُ أَن صَاحِبَ الرُّومِ يُرِيدُ قَصْدَ بلاد الشام أَيام صِفِّينَ، فَكَتَبَ إِليه: تاللَّه لَئِنْ تممْتَ عَلَى مَا بَلَغَني لأُصالحنَّ صَاحِبِي، ولأَكونن مُقَدَّمَتَهُ إِليك، ولأَجعلن القُسطنطينية الْحَمْرَاءَ حُمَمَةً سَوْدَاءَ، ولأَنْزِعَنَّك مِنَ المُلْكِ نَزْعَ الإِصْطَفْلينة، ولأَرُدَّنَّك إِرِّيساً مِنَ الأَرارِسَةِ تَرْعى الدَّوابِل
، وَفِي رِوَايَةٍ:
كَمَا كُنْتَ تَرْعَى الخَنانيص
؛ والإِرِّيس: الأَمير؛ عَنْ كُرَاعٍ، حَكَاهُ فِي بَابِ فِعِّيل، وعَدَلَه بإِبِّيلٍ، والأَصل عِنْدَهُ فِيهِ رِئّيسٌ، عَلَى فِعِّيل، مِنَ الرِّياسةِ. والمُؤرَّس: المُؤمَّرُ فقُلِبَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَتَبَ إِلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ يَدْعُوهُ إِلى الإِسلام وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إِن أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين.
ابْنُ الأَعرابي: أَرَس يأْرِسُ أَرْساً إِذا صَارَ أَريساً، وأَرَّسَ يُؤَرِّسُ تأْريساً إِذا صَارَ أَكَّاراً، وَجَمْعُ الأَرِيس أَرِيسون، وَجَمْعُ الإِرِّيسِ إِرِّيسُونَ وأَرارِسَة وأَرارِسُ، وأَرارِسةٌ يَنْصَرِفُ، وأَرارِسُ لَا يَنْصَرِفُ، وَقِيلَ: إِنما قَالَ
__________
(5) . قوله [والتأبس التغير إلخ] تبع فيه الجوهري. وقال في القاموس: وتأبس تغير، هو تصحيف من ابن فارس والجوهري والصواب تأيس، بالمثناة التحتية، أي بمعنى تغير وتبع المجد في هذا الصاغاني حيث قال في مادة أي س والصواب إيرادهما، أعني بيتي المتلمس وابن مرداس، هاهنا لغة واستشهاداً: ملخصاً من شارح القاموس

(6/4)


ذَلِكَ لأَن الأَكَّارينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ مِنَ الفُرْسِ، وَهُمْ عَبَدَة النَّارِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ إِثمهم. قَالَ الأَزهري: أَحسِب الأَريس والإِرِّيس بِمَعْنَى الأَكَّار مِنْ كَلَامِ أَهل الشَّامِ، قَالَ: وَكَانَ أَهل السَّواد وَمَنْ هُوَ عَلَى دِينِ كِسْرى أَهلَ فِلَاحَةٍ وإِثارة للأَرض، وَكَانَ أَهل الرُّومِ أَهلَ أَثاثٍ وَصَنْعَةٍ، فَكَانُوا يَقُولُونَ لِلْمَجُوسِيِّ: أَريسيٌّ، نَسَبُوهُمْ إِلى الأَريس وَهُوَ الأَكَّارُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمُ الْفَلَّاحِينَ، فأَعلمهم النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنهم، وإِن كَانُوا أَهل كِتَابٍ، فإِن عَلَيْهِمْ مِنَ الإِثم إِن لَمْ يؤْمنوا بِنُبُوَّتِهِ مِثْلَ إِثم الْمَجُوسِ وفَلَّاحي السَّواد الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، قَالَ: وَمِنَ الْمَجُوسِ قَوْمٌ لَا يَعْبُدُونَ النَّارَ وَيَزْعُمُونَ أَنهم عَلَى دِينِ إِبراهيم، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وأَنهم يَعْبُدُونَ اللَّه تَعَالَى وَيُحَرِّمُونَ الزِّنَا وَصِنَاعَتُهُمُ الْحِرَاثَةُ ويُخْرِجون العُشر مِمَّا يَزْرَعُونَ غَيْرَ أَنهم يأْكلون المَوْقوذة، قَالَ: وأَحسبهم يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ، وَكَانُوا يُدعَوْن الأَريسين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ أَن الإِرِّيسَ الأَكَّارُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنه عَبَّرَ بالأَكَّارين عَنِ الأَتباع، قَالَ: والأَجود عِنْدِي أَن يُقَالَ: إِن الإِرِّيس كَبِيرُهُمُ الَّذِي يُمْتَثَلُ أَمره وَيُطِيعُونَهُ إِذا طَلَبَ مِنْهُمُ الطَّاعَةَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَن الإِرِّيس مَا ذَكَرْتُ لَكَ قَوْلُ أَبي حِزام العُكْليّ:
لَا تُبِئْني، وأَنتَ لِي، بِكَ، وَغْدٌ، ... لَا تُبِئْ بالمُؤَرَّسِ الإِرِّيسا
يُقَالُ: أَبَأْتُه بِهِ أَي سَوَّيته بِهِ، يُرِيدُ: لَا تُسَوِّني بِكَ. والوَغْدُ: الْخَسِيسُ اللَّئِيمُ، وَفَصَلَ بُقُولِهِ: لِي بِكَ، بَيْنَ المبتدإِ وَالْخَبَرِ، وَبِكَ مُتَعَلِّقٌ بِتُبِئْنِي، أَي لَا تُبِئْنِي بِكَ وأَنت لِي وَغْدٌ أَي عَدوٌّ لِأَنَّ اللَّئِيمَ عدوٌّ لِي وَمُخَالِفٌ لِي، وَقَوْلُهُ:
لَا تبئْ بالمؤَرَّس الإِرِّيسا
أَي لَا تُسَوِّ الإِرِّيسَ، وَهُوَ الأَمير، بالمُؤَرَّس؛ وَهُوَ المأْمور وَتَابِعُهُ، أَي لَا تُسَوِّ الْمَوْلَى بِخَادِمِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لهِرَقل:
فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين
، يُرِيدُ الَّذِينَ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى هِدَايَةِ قَوْمِهِمْ ثُمَّ لَمْ يَهْدُوهُمْ، وأَنت إِرِّيسُهم الَّذِي يُجِيبُونَ دَعْوَتَكَ وَيَمْتَثِلُونَ أَمرك، وإِذا دَعَوْتُهُمْ إِلى أَمر أَطاعوك، فَلَوْ دَعَوْتَهُمْ إِلى الإِسلام لأَجابوك، فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين الَّذِينَ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى هِدَايَةِ قَوْمِهِمْ ثُمَّ لَمْ يَهْدُوهُمْ، وَذَلِكَ يُسْخِط اللَّهَ ويُعظم إِثمهم؛ قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَن تَجْعَلَ الإِرِّيسين، وَهُمُ الْمَنْسُوبُونَ إِلى الإِرِّيس، مِثْلُ المُهَلَّبين والأَشْعَرين الْمَنْسُوبِينَ إِلى المُهَلَّب وإِلى الأَشْعَر، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَن يَكُونَ بياءَي النِّسْبَةِ فَيُقَالُ: الأَشْعَرِيُّون والمُهَلَّبيُّون، وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الإِرِّيسين الإِرِّيسيُّون فِي الرَّفْعِ والإِرِّيسيِّين فِي النَّصَبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: وَيُقَوِّي هَذَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الإِرِّيسيِّين، وَهَذَا مَنْسُوبٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِوُجُودِ ياءَي النِّسْبَةِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسيين الَّذِينَ هُمْ دَاخِلُونَ فِي طَاعَتِكَ وَيُجِيبُونَكَ إِذا دَعَوْتَهُمْ ثُمَّ لَمْ تَدْعُهُم إِلى الإِسلام، وَلَوْ دَعَوْتَهُمْ لأَجابوك، فَعَلَيْكَ إِثمهم لأَنك سَبَبُ مَنْعِهِمُ الإِسلام وَلَوْ أَمرتهم بالإِسلام لأَسلموا؛ وَحُكِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: هُمُ الخَدَمُ والخَوَلُ، يَعْنِي بصَدِّه لَهُمْ عَنِ الدِّينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا؛ أَي عَلَيْكَ مِثْلُ إِثمهم. قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الأَموال: أَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الإِريسيين مَجْمُوعَا مَنْسُوبًا وَالصَّحِيحُ بِغَيْرِ نَسَبٍ، قَالَ: وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي رَهط هِرَقل فرقةٌ تَعْرَفُ بالأَروسِيَّة فجاءَ عَلَى النَّسَبِ إِليهم، وَقِيلَ: إِنهم أَتباع عَبْدِ اللَّه بْنِ أَريس، رَجُلٌ كَانَ فِي الزَّمَنِ الأَول، قَتَلُوا نَبِيًّا بَعَثَهُ اللَّه إِليهم، وَقِيلَ: الإِرِّيسون الْمُلُوكُ،

(6/5)


وَاحِدُهُمْ إِرِّيس، وَقِيلَ: هُمُ العَشَّارون. وأَرْأَسَة بْنُ مُرِّ بْنِ أُدّ: مَعْرُوفٌ. وَفِي حَدِيثِ
خَاتَمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فِي بِئْرِ أَريسَ
، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، هِيَ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ قُباء عند المدينة.
أسس: الأُسُّ والأَسَس والأَساس: كُلُّ مُبْتَدَإِ شيءٍ. والأُسُّ والأَساس: أَصل الْبِنَاءِ، والأَسَسُ مَقْصُورٌ مِنْهُ، وَجَمْعُ الأُسِّ إِساس مِثْلُ عُسّ وعِساس، وَجَمْعُ الأَساس أُسس مِثْلُ قَذال وقُذُل، وَجَمْعُ الأَسَس آسَاسٌ مِثْلُ سببٍ وأَسباب. والأَسيس: أَصل كُلِّ شَيْءٍ. وأُسّ الإِنسان: قَلْبُهُ لأَنه أَول مُتَكَوّن فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ مِنَ الأَسماء الْمُشْتَرَكَةِ. وأُسُّ الْبِنَاءِ: مُبْتَدَؤُه؛ أَنشد ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: وأَحْسِبُه لِكَذَّابِ بَنِي الحِرْماز:
وأُسُّ مَجْدٍ ثابتٌ وَطيدُ، ... نالَ السماءَ، فَرْعُه مَدِيدُ
وَقَدْ أَسَّ البناءَ يَؤُسُّه أَسّاً وأَسَّسَه تأْسيساً، اللَّيْثُ: أَسَّسْت دَارًا إِذا بَنَيْتَ حُدُودَهَا وَرَفَعْتَ مِنْ قَوَاعِدِهَا، وَهَذَا تأْسيس حَسَنٌ. وأُسُّ الإِنسان وأَسُّه أَصله، وَقِيلَ: هُوَ أَصل كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي الْمَثَلِ: أَلْصِقُوا الحَسَّ بالأَسِّ؛ الحَسُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشَّرُّ، والأَسُّ: الأَصل؛ يَقُولُ: أَلْصِقوا الشَّر بأُصول مَنْ عَادَيْتُمْ أَو عَادَاكُمْ. وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى أُسِّ الدَّهْرِ وأَسِّ الدَّهْرِ وإِسِّ الدَّهْرِ، ثلاث لُغَاتٍ، أَي عَلَى قِدَم الدَّهْرِ وَوَجْهِهِ، وَيُقَالُ: عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ. والأَسيسُ: العِوَضُ. التَّهْذِيبُ: والتَّأسيس فِي الشِّعْر أَلِفٌ تَلْزَمُ الْقَافِيَةَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرْفِ الرَّوِيِّ حَرْفٌ يَجُوزُ كَسْرُهُ وَرَفْعُهُ وَنَصْبُهُ نَحْوُ مَفَاعِلِنْ، وَيَجُوزُ إِبدال هَذَا الْحَرْفِ بِغَيْرِهِ، وأَما مِثْلُ مُحَمَّدٍ لَوْ جَاءَ فِي قَافِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرْفُ تأْسيس حَتَّى يَكُونَ نَحْوَ مُجَاهِدٍ فالأَلف تأْسيس، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرَّوِيُّ حَرْفُ الْقَافِيَةِ نَفْسِهَا، وَمِنْهَا التأْسيس؛ وأَنشد:
أَلا طَالَ هَذَا الليلُ واخْضَلَّ جانِبُه
فَالْقَافِيَّةُ هِيَ الْبَاءُ والأَلف فِيهَا هِيَ التأْسيس وَالْهَاءُ هِيَ الصِّلَةُ، وَيُرْوَى: واخْضَرَّ جَانِبُهُ؛ قَالَ اللَّيْثُ: وإِن جَاءَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تأْسيس فَهُوَ المُؤَسَّس، وَهُوَ عَيْبٌ فِي الشِّعْرِ غَيْرَ أَنه رُبَّمَا اضْطُرَّ بَعْضُهُمْ، قَالَ: وأَحسن مَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذا كَانَ الْحَرْفُ الَّذِي بَعْدَهُ مَفْتُوحًا لأَن فَتْحَهُ يَغْلِبُ عَلَى فَتْحَةِ الأَلف كأَنها تُزَالُ مِنَ الوَهم؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
مُبارَكٌ للأَنبياء خاتَمُ، ... مُعَلِّمٌ آيَ الهُدى مُعَلَّمُ
وَلَوْ قَالَ خاتِم، بِكَسْرِ التَّاءِ، لَمْ يَحْسُنْ، وَقِيلَ: إِنَّ لُغَةَ الْعَجَّاجِ خأْتم، بِالْهَمْزَةِ، وَلِذَلِكَ أَجازه، وَهُوَ مِثْلُ السَّأْسَم، وَهِيَ شَجَرَةٌ جَاءَ فِي قَصِيدَةِ المِيسَم والسَّأْسَم؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: التأْسيس فِي الْقَافِيَةِ الْحَرْفُ الَّذِي قَبْلَ الدَّخِيلِ، وَهُوَ أَول جُزْءٍ فِي الْقَافِيَةِ كأَلف نَاصِبٍ؛ وَقِيلَ: التأْسيس فِي الْقَافِيَةِ هُوَ الأَلف الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرْفِ الرَّوِيِّ إِلا حَرْفٌ وَاحِدٌ، كَقَوْلِهِ:
كِليني لِهَمٍّ، يَا أُمَيْمَة، ناصِبِ
فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الأَلف إِلى آخِرِ الْقَصِيدَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا سماء الْخَلِيلُ تأْسيساً جَعَلَ الْمَصْدَرَ اسْمًا لَهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَلف التأْسيس، فإِذا كَانَ ذَلِكَ احْتَمَلَ أَن يُرِيدَ الِاسْمَ وَالْمَصْدَرَ. وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ: تأْسيسات فَهَذَا يؤْذن بأَن التأْسيس عِنْدَهُمْ قَدْ أَجروه مُجْرَى الأَسماء، لأَن الْجَمْعَ فِي الْمَصَادِرِ لَيْسَ بِكَثِيرٍ وَلَا أَصل فَيَكُونُ هَذَا مَحْمُولًا عَلَيْهِ. قَالَ: ورأى أَهل الْعَرُوضِ

(6/6)


إِنما تَسَمَّحُوا بِجَمْعِهِ، وإِلا فإِن الأَصل إِنما هُوَ الْمَصْدَرُ، وَالْمَصْدَرُ قَلَّمَا يُجْمَعُ إِلا مَا قَدْ حَدَّ النَّحْوِيُّونَ مِنَ الْمَحْفُوظِ كالأَمراض والأَشغال وَالْعُقُولِ. وأَسَّسَ بِالْحَرْفِ: جَعْلَهُ تأْسيساً، وإِنما سُمِّيَ تأْسيساً لأَنه اشْتُقَّ مِنْ أُسِّ الشَّيْءِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَلف التأْسيس كأَنها أَلف الْقَافِيَةِ وأَصلها أُخذ مِنْ أُسِّ الْحَائِطِ وأَساسه، وَذَلِكَ أَن أَلف التأْسيس لِتَقَدُّمِهَا وَالْعِنَايَةِ بِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا كأَنها أُسُّ الْقَافِيَةِ اشْتُقَّ «1» مِنْ أَلف التأْسيس، فأَما الْفَتْحَةُ قَبْلَهَا فَجُزْءٌ مِنْهَا. والأَسُّ والإِسُّ والأُسُّ: الإِفساد بَيْنَ النَّاسِ، أَسَّ بَيْنَهُمْ يَؤُس أَسّاً. وَرَجُلٌ أَسَّاسٌ: نَمّام مُفْسِدٌ. الأُمَويُّ: إِذا كَانَتِ الْبَقِيَّةُ مِنْ لَحْمٍ قِيلَ أَسَيْتُ لَهُ مِنَ اللَّحْمِ أَسْياً أَي أَبْقَيْتُ لَهُ، وَهَذَا فِي اللَّحْمِ خَاصَّةً. والأُسُّ: بَقِيَّةُ الرَّماد بَيْنَ الأَثافيّ. والأُسُّ: المُزَيِّن لِلْكَذِبِ. وإِسْ إِسْ: مِنْ زَجْرِ الشَّاةِ، أَسَّها يَؤُسُّها أَسّاً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَسّاً. وأَسَّ بِهَا: زَجَرَهَا وقال: إِسْ إِسْ، وإِسْ إِسْ: زَجْرٌ لِلْغَنَمِ كإِسَّ إِسَّ. وأُسْ أُسْ: مِنْ رُقى الحَيَّاتِ. قَالَ اللَّيْثُ: الرَّاقون إِذا رقَوا الْحَيَّةَ ليأْخذوها ففَرَغَ أَحدُهم مِنْ رُقْيَتِه قَالَ لَهَا: أُسْ، فإِنها تخضَع لَهُ وتَلين. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَتَبَ عُمَرُ إِلى أَبي مُوسَى: أَسِّسْ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وعَدْلِك
أَي سَوِّ بَيْنَهُمْ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ مِنْ سَاسَ الناسَ يَسوسُهم، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَيُرْوَى: آسِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ المُواساة.
ألس: الأَلْسُ والمُؤَالَسَة: الخِداع وَالْخِيَانَةُ والغشُّ والسَّرَقُ، وَقَدْ أَلَس يأْلِس، بِالْكَسْرِ، أَلْساً. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لَا يُدالِسُ وَلَا يُؤَالِسُ، فالمُدالَسَةُ مِنَ الدَّلْس، وَهُوَ الظُّلْمَةُ، يُرَادُ بِهِ لَا يُغَمِّي عَلَيْكَ الشَّيْءَ فيُخْفيه وَيَسْتُرَ مَا فِيهِ مِنْ عَيْبٍ. والمُؤَالَسَةُ: الخِيانة؛ وأَنشد:
هُمُ السَّمْنُ بالسَّنُّوتِ لَا أَلْسَ فيهمُ، ... وهمُ يَمْنَعُونَ جارَهمْ أَن يُقَرَّدا
والأَلْسُ: أَصله الوَلْسُ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ. والأَلْسُ: الأَصلُ السُّوء. والأَلْس: الْغَدْرُ. والأَلْسُ: الْكَذِبُ. والأَلْسُ والأُلْسُ: ذَهَابُ الْعَقْلِ وتَذْهيله؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَنشد:
فقلتُ: إِن أَسْتَفِدْ عِلْماً وتَجْرِبَةً، ... فَقَدْ تردَّدَ فيكَ الخَبْلُ والأَلْسُ
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه دَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنَ الأَلْسِ والكِبْرِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَلْسُ هُوَ اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، وخطَّأَ ابْنُ الأَنباري مَنْ قَالَ هُوَ الْخِيَانَةُ. والمأْلُوس: الضَّعِيفُ الْعَقْلِ. وأُلِسَ الرجلُ أَلْساً، فَهُوَ مأْلوس أَي مَجْنُونٌ ذَهَبَ عَقْلُهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَتْبَعْنَ مِثْلَ العُجِّ المَنْسوسِ، ... أَهْوَجَ يَمْشِي مِشْيَةَ المَأْلوسِ
وقال مُرَّةُ: الأَلْسُ الجُنون. يُقَالُ: إِن بِهِ لأَلْساً أَي جُنوناً؛ وأَنشد:
يَا جِرَّتَيْنا بالحَبابِ حَلْسا، ... إِنْ بِنَا أَو بكمُ لأَلْسا
وَقِيلَ: الأَلْسُ الرِّيبةُ وتَغَيُّر الخُلُق مِنْ رِيبَةٍ، أَو تَغَيُّرُ الخُلُقِ مِنْ مَرَضٍ. يُقَالُ: مَا أَلَسَكَ. وَرَجُلٌ مَأْلوس: ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ. وَمَا ذُقْتُ عِنْدَهُ أَلوساً أَي شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ. وَضَرَبَهُ مِائَةً فَمَا تأَلَّسَ أَي مَا تَوَجَّع، وَقِيلَ: فَمَا تَحَلَّس بِمَعْنَاهُ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِلْغَرِيمِ إِنه ليَتَأَلَّس
__________
(1) . قوله [كَأَنَّهَا أُسُّ الْقَافِيَةِ اشْتُقَّ إلخ] هكذا في الأَصل.

(6/7)


فَمَا يُعْطِي وَمَا يَمْنَعُ. والتَّأَلُّس: أَن يَكُونَ يُرِيدُ أَن يُعطِيَ وَهُوَ يَمْنَعُ. وَيُقَالُ: إِنه لَمَأْلوس الْعَطِيَّةِ، وَقَدْ أُلِسَتْ عَطِيَّتُهُ إِذا مُنِعَتْ مِنْ غَيْرِ إِيَاسٍ مِنْهَا؛ وأَنشد:
وصَرَمَت حَبْلَك بالتَّأَلُّس
وإِلْياسُ: اسْمٌ أَعجمي، وَقَدْ سَمَّتْ بِهِ الْعَرَبُ، وَهُوَ إلياسُ بنُ مُضَرَ بنِ نِزار بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنان.
أَمَسَ: أَمْسِ: مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ إِلا أَن يُنَكَّرَ أَو يعرَّف، وَرُبَّمَا بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ، وَالنِّسْبَةُ إِليه إِمسيٌّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: امْتَنَعُوا مِنْ إِظهار الْحَرْفِ الَّذِي يعرَّف بِهِ أَمْسِ حَتَّى اضْطُرُّوا بِذَلِكَ إِلى بِنَائِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَاهُ، وَلَوْ أَظهروا ذَلِكَ الْحَرْفَ فَقَالُوا مَضَى الأَمسُ بِمَا فِيهِ لَمَا كَانَ خُلْفاً وَلَا خَطَأً؛ فأَما قَوْلُ نُصيب:
وإِني وَقَفْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ... ببابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ
فإِن ابْنَ الأَعرابي قَالَ: رُوِيَ الأَمْسِ والأَمْسَ جَرًّا وَنَصْبًا، فَمَنْ جَرَّهُ فَعَلَى الْبَابِ فِيهِ وَجَعَلَ اللَّامَ مَعَ الْجَرِّ زَائِدَةً، وَاللَّامُ المُعَرَّفة لَهُ مُرَادَةٌ فِيهِ وَهُوَ نَائِبٌ عَنْهَا ومُضَمن لَهَا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ والأَمس هَذِهِ اللَّامُ زَائِدَةٌ فِيهِ، وَالْمُعَرِّفَةُ لَهُ مُرَادَةٌ فِيهِ مَحْذُوفَةٌ مِنْهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِنَاؤُهُ عَلَى الْكَسْرِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، كَمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا إِذا لَمْ تَظْهَرِ اللَّامُ فِي لَفْظِهِ، وأَما مَنْ قَالَ والأَمْسَ فإِنه لَمْ يُضَمِّنْهُ معنى اللام فيبنيه، لكنه عرَّفه كَمَا عرَّف الْيَوْمَ بِهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّامُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ والأَمسَ فَنَصَبَ هِيَ تِلْكَ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ والأَمْسِ فَجَرَّ، تِلْكَ لَا تَظْهَرُ أَبداً لأَنها فِي تِلْكَ اللُّغَةِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ مُظْهَرَة، أَلا تَرَى أَن مَنْ يَنْصِبُ غَيْرُ مَنْ يَجُرُّ؟ فَكُلٌّ مِنْهُمَا لُغَةٌ وَقِيَاسُهُمَا عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ مِنْهُمَا لَا تُداخِلُ أُخْتَها وَلَا نِسْبَةَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا. الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ: كَلَّمتك أَمْسِ وأَعجبني أَمْسِ يَا هَذَا، وَتَقُولُ فِي النَّكِرَةِ: أَعجبني أَمْسِ وأَمْسٌ آخَرُ، فإِذا أَضفته أَو نَكَّرْتَهُ أَو أَدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ أَجريته بالإِعراب، تَقُولُ: كَانَ أَمْسُنا طَيِّبًا ورأَيت أَمسَنا الْمُبَارَكَ وَمَرَرْتُ بأَمسِنا الْمُبَارَكِ، وَيُقَالُ: مَضَى الأَمسُ بِمَا فِيهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ الأَمْس وإِن أَدخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ، كَقَوْلِهِ:
وإِني قَعَدْتُ اليومَ والأَمْسِ قبله
وقال أَبو سَعِيدٍ: تَقُولُ جاءَني أَمْسِ فإِذا نَسَبْتَ شَيْئًا إِليه كَسَرْتَ الْهَمْزَةَ، قُلْتَ إِمْسِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وجَفَّ عَنْهُ العَرَقُ الإِمْسيُ
وقال الْعَجَّاجُ:
كأَنَّ إِمْسِيّاً بِهِ مِنْ أَمْسِ، ... يَصْفَرُّ لليُبْسِ اصْفِرارَ الوَرْسِ
الْجَوْهَرِيُّ: أَمْسِ اسْمٌ حُرِّك آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، واختلفت الْعَرَبُ فِيهِ فأَكثرهم يَبْنِيهِ عَلَى الْكَسْرِ مَعْرِفَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرِبُهُ مَعْرِفَةً، وَكُلُّهُمْ يَعْرِبُهُ إِذا أَدخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ أَو صَيَّرَهُ نَكِرَةً أَو أَضافه. غَيْرُهُ: ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ مَا رأَيته مُذْ أَمسِ، فإِن لَمْ تَرَهُ يَوْمًا قَبْلَ ذَلِكَ قُلْتَ: مَا رأَيته مُذْ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ، فإِن لَمْ تَرَهُ يَوْمَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ قُلْتَ: مَا رأَيته مُذ أَوَّلَ مِنْ أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: أَدخل اللَّامَ والأَلف عَلَى أَمس وَتَرَكَهُ عَلَى كَسْرِهِ لأَن أَصل أَمس عِنْدَنَا مِنَ الإِمساء فَسُمِّيَ الْوَقْتُ بالأَمر وَلَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَهُ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

(6/8)


مَا أَنْتَ بالحَكَمِ التُرْضى حُكومَتُهُ، ... وَلَا الأَصيلِ وَلَا ذِي الرأْي والجَدَلِ
فأَدخل الأَلف وَاللَّامَ عَلَى تُرْضى، وَهُوَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ بِالْحِكَايَةِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَخفن أَطناني إِن شُكِينَ، وإِنني ... لَفِي شُغْلٍ عَنْ دَحْليَ اليَتَتَبَّعُ «1»
فأَدخل الأَلف وَاللَّامَ عَلَى يَتَتَبَّعُ، وَهُوَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ لِمَا وصفنا. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ فِي أَمْس: يَقُولُونَ إِذا نَكَّرُوهُ كُلُّ يَوْمٍ يُصِيرُ أَمْساً، وَكُلُّ أَمسٍ مَضَى فَلَنْ يَعُودَ، وَمَضَى أَمْسٌ مِنَ الأُموس. وقال الْبَصْرِيُّونَ: إِنما لَمْ يَتَمَكَّنْ أَمْسِ فِي الإِعراب لأَنه ضَارَعَ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ وَلَيْسَ بمعرب؛ وقال الْفَرَّاءُ: إِنما كُسِرَتْ لأَن السِّينَ طَبْعُهَا الْكَسْرُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصلها الْفِعْلُ أُخذ مِنْ قَوْلِكَ أَمْسِ بِخَيْرٍ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: السِّينُ لَا يُلْفَظُ بِهَا إِلا مِنْ كَسْرِ الْفَمِ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلى الضِّرْسِ وَكُسِرَتْ لأَن مَخْرَجَهَا مَكْسُورٌ فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ؛ وأَنشد:
وقافيةٍ بَيْنَ الثَّنِيَّة والضِّرْسِ
وَقَالَ ابْنُ بُزُرْجٍ: قَالَ عُرامٌ مَا رأَيته مُذ أَمسِ الأَحْدَثِ، وأَتاني أَمْسِ الأَحْدَثَ، وقال بِجادٌ: عَهْدِي بِهِ أَمْسَ الأَحْدَثَ، وأَتاني أَمْسِ الأَحْدَثَ، قَالَ: وَيُقَالُ مَا رأَيته قَبْلَ أَمْسِ بِيَوْمٍ؛ يُرِيدُ مِنْ أَولَ مِنْ أَمْسِ، وَمَا رأَيته قَبْلَ الْبَارِحَةِ بِلَيْلَةٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ مُذْ أَمْسَ بِالْفَتْحِ؛ وأَنشد:
لَقَدْ رأَيتُ عَجَباً، مُذْ أَمْسا، ... عَجائزاً مِثْلَ السَّعالي خَمْسا
يأْكُلْنَ مَا فِي رَحْلِهنَّ هَمْسا، ... لَا تَرك اللَّهُ لهنَّ ضِرْسا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اعْلَمْ أَن أَمْسِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ عِنْدَ أَهل الْحِجَازِ وَبَنُو تَمِيمٍ يُوَافِقُونَهُمْ فِي بِنَائِهَا عَلَى الْكَسْرِ فِي حَالِ النَّصْبِ وَالْجَرِّ، فإِذا جاءَت أَمس فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ أَعربوها فَقَالُوا: ذهب أَمسُ بما فيه، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ: ذَهَبَ أَمسِ بِمَا فِيهِ لأَنها مَبْنِيَّةٌ لِتَضَمُّنِهَا لَامَ التَّعْرِيفِ وَالْكَسْرَةُ فِيهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وأَما بَنُو تَمِيمٍ فَيَجْعَلُونَهَا فِي الرَّفْعِ مَعْدُولَةً عَنِ الأَلف وَاللَّامِ فَلَا تُصْرَفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْعَدْلِ، كَمَا لَا يُصْرَفُ سَحَر إِذا أَردت بِهِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ لِلتَّعْرِيفِ وَالْعَدْلِ؛ وَشَاهِدُ قَوْلِ أَهل الْحِجَازِ فِي بِنَائِهَا عَلَى الْكَسْرِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ قَوْلُ أُسْقُف نَجْران:
مَنَعَ البَقاءَ تَقَلُّبُ الشَّمْسِ، ... وطُلوعُها مِنْ حيثُ لَا تُمْسِي
اليَوْمَ أَجْهَلُ مَا يَجيءُ بِهِ، ... ومَضى بِفَصْلِ قَضائه أَمْسِ
فَعَلَى هَذَا تَقُولُ: مَا رأَيته مُذْ أَمْسِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، جَعَلْتَ مُذِ اسْمًا أَو حَرْفًا، فإِن جَعَلْتَ مُذِ اسْمًا رَفَعْتَ فِي قَوْلِ بَنِي تَمِيمٍ فَقُلْتَ: مَا رأَيته مُذ أَمْسُ، وإِن جَعَلْتَ مُذْ حَرْفًا وَافَقَ بَنُو تَمِيمٍ أَهل الْحِجَازِ فِي بِنَائِهَا عَلَى الْكَسْرِ فَقَالُوا: مَا رأَيته مُذ أَمسِ؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاجِزِ يَصِفُ إِبلًا:
مَا زالَ ذَا هزيزَها مُذْ أَمْسِ، ... صافِحةً خُدُودَها للشَّمْسِ
فَمُذْ هَاهُنَا حَرْفُ خَفْضٍ عَلَى مَذْهَبِ بَنِي تَمِيمٍ، وأَما عَلَى مَذْهَبِ أَهل الْحِجَازِ فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مُذْ اسْمًا وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ حَرْفًا. وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ أَمس مَعْدُولَةً فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ بَعْدَ مُذْ خاصة،
__________
(1) . قوله [أخفن أطناني إلخ] كذا بالأَصل هنا وفي مادة تبع.

(6/9)


يُشَبِّهُونَهَا بِمُذْ إِذا رَفَعْتَ فِي قَوْلِكَ مَا رأَيته مُذْ أَمْسُ، وَلَمَّا كَانَتْ أَمس مُعْرَبَةً بَعْدَ مُذْ الَّتِي هِيَ اسْمٌ، كَانَتْ أَيضاً مُعْرَبَةً مَعَ مُذْ الَّتِي هِيَ حَرْفٌ لأَنها بِمَعْنَاهَا، قَالَ: فَبَانَ لَكَ بِهَذَا غَلَطُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ أَمس فِي قَوْلِهِ:
لَقَدْ رأَيت عَجَبًا مُذْ أَمسا
مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ بَلْ هِيَ مُعْرَبَةٌ، وَالْفَتْحَةُ فِيهَا كَالْفَتْحَةِ فِي قَوْلِكَ مَرَرْتُ بأَحمد؛ وَشَاهِدُ بِنَاءِ أَمس إِذا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ قَوْلُ زِيَادٍ الأَعجم:
رأَيتُكَ أَمْسَ خَيْرَ بَنِي مَعَدٍّ، ... وأَنت اليومَ خَيْرٌ مِنْكَ أَمْسِ
وَشَاهِدُ بِنَائِهَا وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الشَّريد:
ولقدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً، ... وتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ المُدْبِرِ
وَكَذَا قَوْلُ الْآخَرِ:
وأَبي الَّذِي تَرَكَ المُلوك وجَمْعَهُمْ، ... بِصُهابَ، هامِدَةً كأَمْسِ الدَّابِرِ
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنك إِذا نَكَّرْتَ أَمس أَو عرَّفتها بالأَلف وَاللَّامِ أَو أَضفتها أَعربتها فَتَقُولُ فِي التَّنْكِيرِ: كلُّ غَدٍ صائرٌ أَمْساً، وَتَقُولُ فِي الإِضافة وَمَعَ لَامِ التَّعْرِيفِ: كَانَ أَمْسُنا طَيِّباً وَكَانَ الأَمْسُ طَيِّبًا؛ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ نُصَيْب:
وإِني حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ... ببابِك، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْرُب «1»
قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعْتَهُ لأَعربته كَقَوْلِ الْآخَرِ:
مَرَّتْ بِنَا أَوَّلَ مَنْ أُمُوسِ، ... تَمِيسُ فِينَا مِشْيَةَ العَرُوسِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُصَغَّرُ أَمس كَمَا لَا يُصَغَّرُ غَدٌ وَالْبَارِحَةَ وَكَيْفَ وأَين وَمَتَى وأَيّ وَمَا وَعِنْدَ وأَسماء الشُّهُورِ والأُسبوع غَيْرَ الْجُمُعَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا صَحِيحٌ إِلا قَوْلَهُ غَيْرَ الْجُمُعَةِ لأَن الْجُمُعَةَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِثْلُ سَائِرِ أَيام الأُسبوع لَا يَجُوزُ أَن يُصَغَّرَ، وإِنما امْتَنَعَ تَصْغِيرُ أَيام الأُسبوع عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لأَن الْمُصَغَّرَ إِنَّمَا يَكُونُ صَغِيرًا بالإِضافة إِلى مَا لَهُ مِثْلُ اسْمِهِ كَبِيرًا، وَأَيَّامُ الأُسبوع مُتَسَاوِيَةٌ لَا مَعْنَى فِيهَا لِلتَّصْغِيرِ، وَكَذَلِكَ غَدٌ وَالْبَارِحَةَ وأَسماء الشُّهُورِ مثل المحرّم وصفر.
أنس: الإِنسان: مَعْرُوفٌ؛ وَقَوْلُهُ:
أَقَلَّ بَنو الإِنسانِ، حِينَ عَمَدْتُمُ ... إِلى مَنْ يُثير الجنَّ، وَهْيَ هُجُودُ
يَعْنِي بالإِنسان آدَمَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
؛ عَنَى بالإِنسان هُنَا الْكَافِرَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، فإِن قِيلَ: وَهَلْ يُجادل غَيْرُ الإِنسان؟ قِيلَ: قَدْ جَادَلَ إِبليس وَكُلُّ مَنْ يَعْقِلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، والجنُّ تُجادل، لَكِنَّ الإِنسان أَكثر جَدَلًا، وَالْجَمْعُ النَّاسُ، مُذَكَّرٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ*
؛ وَقَدْ يُؤَنَّثُ عَلَى مَعْنَى الْقَبِيلَةِ أَو الطَّائِفَةِ، حَكَى ثَعْلَبٌ: جاءَتك الناسُ، مَعْنَاهُ: جاءَتك الْقَبِيلَةُ أَو الْقِطْعَةُ؛ كَمَا جَعَلَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ آدَمَ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ وأَنث فَقَالَ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
شَادُوا البلادَ وأَصْبَحوا فِي آدمٍ، ... بَلَغوا بِهَا بِيضَ الوُجوه فُحُولا
والإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ لأَن الْعَرَبَ قَاطِبَةً قَالُوا فِي تَصْغِيرِهِ: أُنَيْسِيانٌ، فَدَلَّتِ الْيَاءُ الأَخيرة عَلَى الْيَاءِ فِي تَكْبِيرِهِ، إِلا أَنهم حَذَفُوهَا لَمَّا كَثُرَ الناسُ في كلامهم.
__________
(1) . ذكر هذا البيت في صفحة 8 وفيه: وإِني وقفت بدلًا من: وإني حبست. وهو في الأَغاني: وإني نَوَيْتُ.

(6/10)


وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ صَيَّاد: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذاتَ يَوْمٍ: انْطَلِقوا بِنَا إِلى أُنَيسيانٍ قَدْ رأَينا شأْنه
؛ وَهُوَ تَصْغِيرُ إِنسان، جَاءَ شَاذًّا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقِيَاسُهُ أُنَيْسانٌ، قَالَ: وإِذا قَالُوا أَناسينُ فَهُوَ جَمْعٌ بَيِّنٌ مِثْلَ بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قَالُوا أَناسي كَثِيرًا فَخَفَّفُوا الْيَاءَ أَسقطوا الْيَاءَ الَّتِي تَكُونُ فِيمَا بَيْنَ عَيْنِ الْفِعْلِ وَلَامِهِ مِثْلَ قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جَوَازَ أَناسي، بِالتَّخْفِيفِ، قَوْلُ الْعَرَبِ أَناسيَة كَثِيرَةٌ، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ إِن شِئْتَ. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: إِنما سُمِّيَ الإِنسان إِنساناً لأَنه عُهِدَ إِليه فَنَسيَ
، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِذا كَانَ الإِنسان فِي الأَصل إِنسيانٌ، فَهُوَ إِفْعِلانٌ مِنَ النِّسْيان، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَهُ، وَهُوَ مِثْلُ لَيْل إِضْحِيان مِنْ ضَحِيَ يَضْحَى، وَقَدْ حُذِفَتِ الْيَاءُ فَقِيلَ إِنْسانٌ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه سأَله عَنِ النَّاسِ مَا أَصله؟ فَقَالَ: الأُناس لأَن أَصله أُناسٌ فالأَلف فِيهِ أَصلية ثُمَّ زِيدَتْ عَلَيْهِ اللَّامُ الَّتِي تُزَادُ مَعَ الأَلف لِلتَّعْرِيفِ، وأَصل تِلْكَ اللام»
إِبدالًا مِنْ أَحرف قَلِيلَةٍ مِثْلُ الِاسْمِ وَالِابْنِ وَمَا أَشْبهها مِنَ الأَلفات الْوَصْلِيَّةِ فَلَمَّا زَادُوهُمَا عَلَى أُناس صَارَ الِاسْمُ الأُناس، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ فَكَانَتِ الْهَمْزَةُ وَاسِطَةً فَاسْتَثْقَلُوهَا فَتَرَكُوهَا وَصَارَ الْبَاقِي: أَلُناسُ، بِتَحْرِيكِ اللَّامِ بِالضَّمَّةِ، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ اللَّامُ وَالنُّونُ أَدغَموا اللَّامَ فِي النُّونِ فَقَالُوا: النَّاسُ، فَلَمَّا طَرَحُوا الأَلف وَاللَّامَ ابتَدأُوا الِاسْمَ فَقَالُوا: قَالَ ناسٌ مِنَ النَّاسِ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ تَعْلِيلُ النَّحْوِيِّينَ، وإِنْسانٌ فِي الأَصل إِنْسِيانٌ، وَهُوَ فِعْليانٌ مِنَ الإِنس والأَلف فِيهِ فَاءُ الْفِعْلِ، وَعَلَى مِثَالِهِ حِرْصِيانٌ، وَهُوَ الجِلْدُ الَّذِي يَلِي الْجِلْدَ الأَعلى مِنَ الْحَيَوَانِ، سُمِّيَ حِرْصِياناً لأَنه يُحْرَصُ أَي يُقْشَرُ؛ وَمِنْهُ أُخذت الحارِصَة مِنَ الشِّجاج، يُقَالُ رَجُلٌ حِذْريانٌ إِذا كَانَ حَذِراً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقْدِيرُ إِنْسانٍ فِعْلانٌ وإِنما زِيدَ فِي تَصْغِيرِهِ يَاءٌ كَمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِ رَجُلٍ فَقِيلَ رُوَيْجِل، وَقَالَ قَوْمٌ: أَصله إِنْسِيان عَلَى إِفْعِلان، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ مَا يَجْرِي عَلَى أَلسنتهم، فإِذا صَغَّرُوهُ ردوهما لأَن التَّصْغِيرَ لَا يَكْثُرُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ
؛ النَّاسُ هَاهُنَا أَهل مَكَّةَ والأُناسُ لغة في الناس، قال سِيبَوَيْهِ: والأَصل فِي النَّاسِ الأُناسُ مُخَفَّفًا فَجَعَلُوا الأَلف وَاللَّامَ عِوَضًا مِنَ الْهَمْزَةِ وَقَدْ قَالُوا الأُناس؛ قَالَ الشاعر:
إِنَّ المَنايا يَطَّلِعْنَ ... عَلَى الأُناس الآمِنينا
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: الناسُ الناسُ أَي الناسُ بِكُلِّ مَكَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا تَعْرِفُ؛ وَقَوْلُهُ:
بلادٌ بِهَا كُنَّا، وكُنَّا نُحِبُّها، ... إِذ الناسُ ناسٌ، والبلادُ بلادُ
فَهَذَا عَلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ أَي إِذ النَّاسُ أَحرار وَالْبِلَادُ مُخْصِبَة، وَلَوْلَا هَذَا الغَرَض وأَنه مُرَادٌ مُعْتَزَم لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِتَعَرِّي الْجُزْءِ الأَخير مِنْ زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ عَنِ الجزءِ الأَول، وكأَنه أُعيد لَفْظُ الأَول لِضَرْبٍ مِنَ الإِدْلالِ وَالثِّقَةِ بِمَحْصُولِ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا كَانَ مِثْلَ هَذَا. والنَّاتُ: لُغَةٌ فِي النَّاسِ عَلَى الْبَدَلِ الشَّاذِّ؛ وأَنشد:
يَا قَبَّحَ اللَّهُ بَنِي السِّعْلاةِ ... عَمرو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ الناتِ،
غيرَ أَعِفَّاءٍ وَلَا أَكْياتِ
أَراد وَلَا أَكياس فأَبدل التَّاءَ مِنْ سِينِ النَّاسِ والأَكياس
__________
(2) . قوله [وأصل تلك اللام إلى قوله فلما زادوهما] كذا بالأَصل.

(6/11)


لِمُوَافَقَتِهَا إِياها فِي الْهَمْسِ وَالزِّيَادَةِ وَتَجَاوُرِ الْمَخَارِجِ. والإِنْسُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أُناسٌ، وَهُمُ الأَنَسُ. تَقُولُ: رأَيت بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَنَساً كَثِيرًا أَي نَاسًا كَثِيرًا؛ وأَنشد:
وَقَدْ تَرى بِالدَّارِ يَوْمًا أَنَسا
والأَنَسُ، بِالتَّحْرِيكِ: الحيُّ الْمُقِيمُونَ، والأَنَسُ أَيضاً: لُغَةٌ فِي الإِنْس؛ وأَنشد الأَخفش عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ:
أَتَوْا نَارِي فقلتُ: مَنُونَ أَنتم؟ ... فَقَالُوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
فقلتُ: إِلى الطَّعامِ، فَقَالَ منهمْ ... زَعِيمٌ: نَحْسُد الأَنَسَ الطَّعاما
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لَشَمِرِ بْنِ الْحَرِثِ الضَّبِّي، وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ الْبَيْتَ الأَول جَاءَ فِيهِ مَنُونَ مَجْمُوعًا لِلضَّرُورَةِ وَقِيَاسُهُ: مَنْ أَنتم؟ لأَن مَنْ إِنما تَلْحَقُهُ الزَّوَائِدُ فِي الْوَقْفِ، يَقُولُ الْقَائِلُ: جاءَني رَجُلٌ، فَتَقُولُ: مَنُو؟ ورأَيت رَجُلًا فَيُقَالُ: مَنا؟ وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَيُقَالُ: مَني؟ وَجَاءَنِي رَجُلَانِ فَتَقُولُ: مَنانْ؟ وجاءَني رِجَالٌ فَتَقُولُ: مَنُونْ؟ فإِن وَصَلْتَ قُلْتَ: مَنْ يَا هَذَا؟ أَسقطت الزَّوَائِدَ كُلَّهَا، وَمَنْ رَوَى عِمُوا صَبَاحًا فَالْبَيْتُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لجِذْع بْنِ سِنَانٍ الْغَسَّانِيِّ فِي جُمْلَةِ أَبيات حَائِيَّةٍ؛ وَمِنْهَا:
أَتاني قاشِرٌ وبَنُو أَبيه، ... وَقَدْ جَنَّ الدُّجى والنجمُ لَاحَا
فنازَعني الزُّجاجَةَ بَعدَ وَهْنٍ، ... مَزَجْتُ لَهُمْ بِهَا عَسلًا وَرَاحَا
وحَذَّرَني أُمُوراً سَوْف تأْتي، ... أَهُزُّ لَهَا الصَّوارِمَ والرِّماحا
والأَنَسُ: خِلَافُ الوَحْشَةِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَوْلِكَ أَنِسْتُ بِهِ، بِالْكَسْرِ، أَنَساً وأَنَسَةً؛ قَالَ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى: أَنَسْتُ بِهِ أُنْساً مِثْلَ كَفَرْتُ بِهِ كُفْراً. قَالَ: والأُنْسُ وَالِاسْتِئْنَاسُ هُوَ التَّأَنُّسُ، وَقَدْ أَنِسْتُ بِفُلَانٍ. والإِنْسِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلى الإِنْس، كَقَوْلِكَ جِنِّيٌّ وجِنٌّ وسِنْدِيٌّ وسِنْدٌ، وَالْجَمْعُ أَناسِيُّ كَكُرْسِيّ وكَراسِيّ، وَقِيلَ: أَناسِيُّ جَمْعُ إِنسان كسِرْحانٍ وسَراحينَ، لَكِنَّهُمْ أَبدلوا الْيَاءَ مِنَ النُّونِ؛ فأَما قَوْلُهُمْ: أَناسِيَةٌ جَعَلُوا الْهَاءَ عِوَضًا مِنْ إِحدى ياءَي أَناسِيّ جَمْعِ إِنسان، كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَأَناسِيَّ كَثِيراً
. وَتَكُونُ الياءُ الأُولى مِنَ الياءَين عِوَضًا مُنْقَلِبَةً مِنَ النُّونِ كَمَا تَنْقَلِبُ النُّونُ مِنَ الْوَاوِ إِذا نَسَبْتَ إِلى صَنْعاءَ وبَهْراءَ فَقُلْتَ: صَنْعانيٌّ وبَهْرانيٌّ، وَيَجُوزُ أَن تحذف الأَلف وَالنُّونَ فِي إِنسان تَقْدِيرًا وتأْتي بالياءِ الَّتِي تَكُونُ فِي تَصْغِيرِهِ إِذا قَالُوا أُنَيْسِيان، فكأَنهم زَادُوا فِي الْجَمْعِ الْيَاءَ الَّتِي يَرُدُّونَهَا فِي التَّصْغِيرِ فَيَصِيرُ أَناسِيَ، فَيُدْخِلُونَ الْهَاءَ لِتَحْقِيقِ التأْنيث؛ وقال الْمُبَرِّدُ: أَناسِيَةٌ جَمْعُ إِنْسِيَّةٍ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، لأَنه كَانَ يَجِبُ أَناسِيّ بِوَزْنِ زَناديقَ وفَرازِينَ، وأَن الْهَاءَ فِي زَنادِقَة وفَرازِنَة إِنما هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، وأَنها لَمَّا حُذِفَتْ لِلتَّخْفِيفِ عُوِّضَتْ مِنْهَا الهاءُ، فالياءُ الأُولى مِنْ أَناسِيّ بِمَنْزِلَةِ الياءِ مِنْ فَرَازِينَ وَزَنَادِيقَ، وَالْيَاءُ الأَخيرة مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَافِ وَالنُّونِ مِنْهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَحْجاحٌ وجَحاجِحَةٌ إِنما أَصله جَحاجيحُ. وقال اللِّحْيَانِيُّ: يُجْمَع إِنسانٌ أَناسِيَّ وَآنَاسًا عَلَى مِثَالِ آباضٍ، وأَناسِيَةً بِالتَّخْفِيفِ والتأْنيث. والإِنْسُ: الْبَشَرُ، الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بِالتَّحْرِيكِ. وَيُقَالُ: أَنَسٌ وآناسٌ كثير. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَناسِيَّ كَثِيراً؛ الأَناسِيُّ جِماعٌ، الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَهُ إِنساناً ثُمَّ جَمَعْتَهُ

(6/12)


أَناسِيّ فَتَكُونُ الياءُ عِوَضًا مِنَ النُّونِ، كَمَا قَالُوا للأَرانب أَراني، وللسَّراحين سَراحِيّ. وَيُقَالُ للمرأَة أَيضاً إِنسانٌ وَلَا يُقَالُ إِنسانة، وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنِ الحُمُر الإِنسيَّة يَوْمَ خَيْبَر
؛ يَعْنِي الَّتِي تأْلف الْبُيُوتَ، وَالْمَشْهُورُ فِيهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ، مَنْسُوبَةٌ إِلى الإِنس، وَهُمْ بَنُو آدَمَ، الْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ؛ قَالَ: وَفِي كِتَابِ أَبي مُوسَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْهَمْزَةَ مَضْمُومَةٌ فإِنه قَالَ هِيَ الَّتِي تأْلف الْبُيُوتَ. والأُنْسُ، وَهُوَ ضِدُّ الْوَحْشَةِ، الأُنْسُ، بِالضَّمِّ، وَقَدْ جاءَ فِيهِ الْكَسْرُ قَلِيلًا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ، قَالَ: وَلَيْسَ بشيءٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِن أَراد أَن الْفَتْحَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ، وإِن أَراد أَنه لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ فَلَا، فإِنه مَصْدَرُ أَنِسْت بِهِ آنَس أَنَساً وأَنَسَةً، وَقَدْ حُكِيَ أَن الإِيْسان لُغَةٌ فِي الإِنسان، طَائِيَّةٌ؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّائِيُّ:
فَيَا لَيْتَنِي مِنْ بَعْدِ مَا طافَ أَهلُها ... هَلَكْتُ، وَلَمْ أَسْمَعْ بِهَا صَوْتَ إِيسانِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا أَنشده ابن جني، وقال: إِلا أَنهم قَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ أَياسِيَّ، بِيَاءٍ قَبْلَ الأَلف، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْيَاءُ غَيْرَ مُبْدَلَةٍ، وَجَائِزٌ أَيضاً أَن يَكُونَ مِنَ الْبَدَلِ اللَّازِمِ نَحْوَ عيدٍ وأَعْياد وعُيَيْدٍ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: في لغة طيء مَا رأَيتُ ثَمَّ إِيساناً أَي إِنساناً؛ وقال اللِّحْيَانِيُّ: يَجْمَعُونَهُ أَياسين، قَالَ فِي كِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يَاسِينَ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ؛ بلغة طيء، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مِنَ الْحُرُوفِ المقطعة. وقال الفراءُ: الْعَرَبُ جَمِيعًا يَقُولُونَ الإِنسان إِلا طَيِّئًا فإِنهم يَجْعَلُونَ مَكَانَ النُّونِ يَاءً. وَرَوَى
قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَن ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، قرأَ: يَاسِينَ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ
، يُرِيدُ يَا إِنسان. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَيُحْكَى أَن طَائِفَةً مِنَ الْجِنِّ وافَوْا قَوْمًا فاستأْذنوا عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ: مَنْ أَنتم؟ فَقَالُوا: ناسٌ مِنَ الجنِّ، وَذَلِكَ أَن الْمَعْهُودَ فِي الْكَلَامِ إِذا قِيلَ لِلنَّاسِ مَنْ أَنتم قَالُوا: نَاسٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الْجِنِّ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ كَلَامِهِمْ مَعَ الإِنس، وَالشَّيْءُ يُحْمَلُ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِيهِ وإِن تَبَايَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. والإِنسانُ أَيضاً: إِنسان الْعَيْنِ، وَجَمْعُهُ أَناسِيُّ. وإِنسانُ الْعَيْنِ: المِثال الَّذِي يُرَى فِي السَّواد؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إِبلًا غَارَتْ عُيُونُهَا مِنَ التَّعَبِ وَالسَّيْرِ:
إِذا اسْتَحْرَسَتْ آذانُها، اسْتَأْنَسَتْ لَهَا ... أَناسِيُّ مَلْحودٌ لَهَا فِي الحَواجِبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده ابنُ بَرِّيٍّ: إِذا اسْتَوْجَسَتْ، قَالَ: وَاسْتَوْجَسَتْ بِمَعْنَى تَسَمَّعَتْ، واسْتَأْنَسَتْ وآنَسَتْ بِمَعْنَى أَبصرت، وَقَوْلُهُ: مَلْحُودٌ لَهَا فِي الْحَوَاجِبِ، يَقُولُ: كأَن مَحارَ أَعيُنها جُعِلْنَ لها لُحوداً وصَفَها بالغُؤُور؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُجْمَعُ عَلَى أُناسٍ. وإِنسان الْعَيْنِ: نَاظِرُهَا. والإِنسانُ: الأُنْمُلَة؛ وَقَوْلُهُ:
تَمْري بإِنْسانِها إِنْسانَ مُقْلَتها، ... إِنْسانةٌ، فِي سَوادِ الليلِ، عُطبُولُ
فَسَّرَهُ أَبو العَمَيْثَلِ الأَعرابيُّ فَقَالَ: إِنسانها أُنملتها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ أَره لغيره؛ وقال:
أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كَفِّها، ... لتَقْتُلَ إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها
وإِنْسانُ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ: حَدُّهما. وإِنْسِيُّ القَدَم: مَا أَقبل عَلَيْهَا ووَحْشِيُّها مَا أَدبر مِنْهَا. وإِنْسِيُّ الإِنسان وَالدَّابَّةِ: جَانِبُهُمَا الأَيسر، وَقِيلَ الأَيمن.

(6/13)


وإِنْسِيُّ القَوس: مَا أَقبل عَلَيْكَ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنْسِيُّ الْقَوْسِ مَا وَليَ الرامِيَ، ووَحْشِيُّها مَا وَلِيَ الصَّيْدَ، وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ ذَلِكَ فِي حَرْفِ الشِّينِ. التَّهْذِيبُ: الإِنْسِيُّ مِنَ الدَّوَابِّ هُوَ الْجَانِبُ الأَيسر الَّذِي مِنْهُ يُرْكَبُ ويُحْتَلَبُ، وَهُوَ مِنَ الْآدَمِيِّ الجانبُ الَّذِي يَلِي الرجْلَ الأُخرى، والوَحْشِيُّ مِنَ الإِنسانِ الْجَانِبُ الَّذِي يَلِي الأَرض. أَبو زَيْدٍ: الإِنْسِيُّ الأَيْسَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ الأَيْمَنُ، وَقَالَ: كلُّ اثْنَيْنِ مِنَ الإِنسان مِثْلُ الساعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمين فَمَا أَقبل مِنْهُمَا عَلَى الإِنسان فَهُوَ إِنْسِيٌّ، وَمَا أَدبر عَنْهُ فَهُوَ وَحْشِيٌّ. والأَنَسُ: أَهل المَحَلِّ، وَالْجَمْعُ آناسٌ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
مَنايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها ... جَهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ
وَقَالَ عَمْرٌو ذُو الكَلْب:
بفِتْيانٍ عَمارِطَ مِنْ هُذَيْلٍ، ... هُمُ يَنْفُونَ آناسَ الحِلالِ
وَقَالُوا: كَيْفَ ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك أَي كَيْفَ نَفْسُك. أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ كَيْفَ تَرَى ابْنَ إِنْسِك إِذا خَاطَبْتَ الرَّجُلَ عَنْ نفْسك. الأَحمر: فُلَانُ ابْنُ إِنْسِ فُلَانٍ أَي صَفِيُّه وأَنيسُه وَخَاصَّتُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: قُلْتُ للدُّبَيْريّ إِيش، كَيْفَ تَرَى ابنُ إِنْسِك، بِكَسْرِ الأَلف؟ فَقَالَ: عَزَاهُ إِلى الإِنْسِ، فأَما الأُنْس عِنْدَهُمْ فَهُوَ الغَزَلُ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ كَيْفَ ابنُ إِنْسِك وإِنْسُك يَعْنِي نَفْسَهُ، أَي كَيْفَ تَرَانِي فِي مُصَاحَبَتِي إِياك؟ وَيُقَالُ: هَذَا حِدْثي وإِنسي وخِلْصي وجِلْسِي، كُلُّهُ بِالْكَسْرِ. أَبو حَاتِمٍ: أَنِسْت بِهِ إِنساً، بِكَسْرِ الأَلف، وَلَا يُقَالُ أُنْساً إِنما الأُنْسُ حديثُ النِّسَاءِ ومُؤَانستهن. رَوَاهُ أَبو حَاتِمٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وأَنِسْتُ بِهِ آنَسُ وأَنُسْتُ آنُسُ أَيضاً بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والإِيناسُ: خِلَافُ الإِيحاش، وَكَذَلِكَ التَّأْنيس. والأَنَسُ والأُنْسُ والإِنْسُ الطمأْنينة، وَقَدْ أَنِسَ بِهِ وأَنَسَ يأْنَسُ ويأْنِسُ وأَنُسَ أُنْساً وأَنَسَةً وتَأَنَّسَ واسْتَأْنَسَ؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَلا اسْلَمي اليومَ ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ. ... والدَّلِّ والنَّظَرِ المُسْتَأْنِسِ السَّاجِي
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: آنَسُ مِنْ حُمَّى؛ يُرِيدُونَ أَنها لَا تَكَادُ تُفَارِقُ الْعَلِيلَ فكأَنها آنِسَةٌ بِهِ، وَقَدْ آنَسَني وأَنَّسَني. وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ: إِذا جاءَ اللَّيْلُ استأْنَس كلُّ وَحْشِيٍّ وَاسْتَوْحَشَ كلُّ إِنْسِيٍّ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا طُوريُّ، ... وَلَا خَلا الجِنَّ بِهَا إِنْسِيُ
تَلْقى، وَبِئْسَ الأَنَسُ الجِنِّيُّ ... دَوِّيَّة لهَولِها دَويُ
للرِّيح فِي أَقْرابها هُوِيُ
هُويُّ: صَوْتٌ. أَبو عَمْرٍو: الأَنَسُ سُكان الدَّارِ. واستأْنس الوَحْشِيُّ إِذا أَحَسَّ إِنْسِيّاً. واستأْنستُ بِفُلَانٍ وتأَنَّسْتُ بِهِ بِمَعْنًى؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَكِنَّنِي أَجمع المُؤْنِساتِ، ... إِذا مَا اسْتَخَفَّ الرجالُ الحَديدا
يَعْنِي أَنه يُقَاتِلُ بِجَمِيعِ السِّلَاحِ، وإِنما سَمَّاهَا بالمؤْنسات لأَنهن يُؤْنِسْنَه فَيُؤَمِّنَّه أَو يُحَسِّنَّ ظَنَّهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لِلسِّلَاحِ كُلِّهِ مِنَ الرُّمح والمِغْفَر والتِّجْفاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْسِ وَغَيْرِهِ: المُؤْنِساتُ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ القدماءُ تُسَمِّي يَوْمَ الْخَمِيسِ مُؤْنِساً

(6/14)


لأَنَّهم كَانُوا يَمِيلُونَ فِيهِ إِلَى الملاذِّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أُؤَمِّلُ أَن أَعيشَ، وأَنَّ يَوْمِي ... بأَوَّل أَو بأَهْوَنَ أَو جُبارِ
أَو التَّالي دُبارِ، فإِن يَفُتْني، ... فَمُؤْنِس أَو عَروبَةَ أَو شِيارِ
وقال مُطَرِّز: أَخبرني
الْكَرِيمِيُّ إِمْلاءً عَنْ رِجَالِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِن اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الفِرْدَوْسَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَسَمَّاهَا مُؤْنِسَ.
وَكَلْبٌ أَنُوس: وَهُوَ ضِدُّ العَقُور، وَالْجَمْعُ أُنُسٌ. وَمَكَانٌ مَأْنُوس إِنما هُوَ عَلَى النَّسَبِ لأَنهم لَمْ يَقُولُوا آنَسْتُ الْمَكَانَ وَلَا أَنِسْتُه، فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ لَهُ فِعْلًا وَكَانَ النسبُ يَسوغُ فِي هَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
حَيِّ الهِدَمْلَةَ مِنْ ذاتِ المَواعِيسِ، ... فالحِنْوُ أَصْبَحَ قَفْراً غيرَ مَأْنُوسِ
وَجَارِيَةٌ آنِسَةٌ: طَيِّبَةُ الْحَدِيثِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْدي:
بآنِسةٍ غَيْرِ أُنْسِ القِرافِ، ... تُخَلِّطُ باللِّينِ مِنْهَا شِماسا
وَكَذَلِكَ أَنُوسٌ، وَالْجَمْعُ أُنُسٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ بَيْضَ نَعَامٍ:
أُنُسٌ إِذا مَا جِئْتَها بِبُيُوتِها، ... شُمُسٌ إِذا دَاعِي السِّبابِ دَعاها
جُعلَتْ لَهُنَّ مَلاحِفُ قَصَبيَّةٌ، ... يُعْجِلْنَها بالعَطِّ قَبْلَ بِلاها
والمَلاحِف الْقَصَبِيَّةُ يَعْنِي بِهَا مَا عَلَى الأَفْرُخِ من غِرْقيءِ الْبَيْضِ. اللَّيْثُ: جَارِيَةٌ آنِسَةٌ إِذا كَانَتْ طَيِّبَةَ النَّفْسِ تُحِبُّ قُرْبَكَ وَحَدِيثَكَ، وَجَمْعُهَا آنِسات وأَوانِسُ. وَمَا بِهَا أَنِيسٌ أَي أَحد، والأُنُسُ الْجَمْعُ. وآنَسَ الشيءَ: أَحَسَّه. وآنَسَ الشَّخْصَ واسْتَأْنَسَه: رَآهُ وأَبصره وَنَظَرَ إِليه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
بعَيْنَيَّ لَمْ تَسْتَأْنِسا يومَ غُبْرَةٍ، ... وَلَمْ تَرِدا جَوَّ العِراقِ فَثَرْدَما
ابْنُ الأَعرابي: أَنِسْتُ بِفُلَانٍ أَي فَرِحْتُ بِهِ، وآنَسْتُ فَزَعاً وأَنَّسْتُهُ إِذا أَحْسَسْتَه ووجدتَهُ فِي نَفْسِكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا؛ يَعْنِي مُوسَى أَبصر نَارًا، وَهُوَ الإِيناسُ. وآنَس الشيءَ: عَلِمَهُ. يُقَالُ: آنَسْتُ مِنْهُ رُشْداً أَي عَلِمْتُهُ. وآنَسْتُ الصوتَ: سَمِعْتُهُ. وَفِي حَدِيثِ
هاجَرَ وإِسماعيلَ: فَلَمَّا جاءَ إِسماعيل، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كأَنه آنَسَ شَيْئًا
أَي أَبصر ورأَى لَمْ يَعْهَدْه. يُقَالُ: آنَسْتُ مِنْهُ كَذَا أَي عَلِمْتُ. واسْتَأْنَسْتُ: اسْتَعْلَمْتُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ: حَتَّى تُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ
أَي تَعْلَمَ مِنْهُ كَمَالَ الْعَقْلِ وَسَدَادَ الْفِعْلِ وحُسْنَ التَّصَرُّفِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى تستأْنسوا فِي اللُّغَةِ تستأْذنوا، وَلِذَلِكَ جاءَ فِي التَّفْسِيرِ تستأْنسوا فَتَعْلَموا أَيريد أَهلُها أَن تَدْخُلُوا أَم لَا؟ قَالَ الفراءُ: هَذَا مُقَدَّمٌ ومؤَخَّر إِنما هُوَ حَتَّى تسلِّموا وتستأْنسوا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدخل؟ قَالَ: وَالِاسْتِئْنَاسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّظَرُ. يُقَالُ: اذهبْ فاسْتَأْنِسْ هَلْ تَرَى أَحداً؟ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ انظرْ مَنْ تَرَى في الدار؛ وقال النَّابِغَةُ:
بِذِي الجَليل عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ

(6/15)


أَي عَلَى ثَوْرٍ وحشيٍّ أَحس بِمَا رَابَهُ فَهُوَ يَسْتَأْنِسُ أَي يَتَبَصَّرُ وَيَتَلَفَّتُ هَلْ يَرَى أَحداً، أَراد أَنه مَذْعُور فَهُوَ أَجَدُّ لعَدْوِه وَفِرَارِهِ وَسُرْعَتِهِ.
وَكَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَه عَنْهُمَا، يقرأُ هَذِهِ الْآيَةَ: حَتَّى تستأْذنوا، قَالَ: تستأْنسوا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ.
قَالَ الأَزهري:
قَرَأَ أُبيّ وَابْنُ مَسْعُودٍ: تستأْذنوا
، كَمَا قرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا واحد. وقال قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: تستأْنسوا هُوَ الِاسْتِئْذَانُ، وَقِيلَ: تستأْنسوا تَنَحْنَحُوا. قَالَ الأَزهري: وأَصل الإِنْسِ والأَنَسِ والإِنسانِ مِنَ الإِيناسِ، وَهُوَ الإِبْصار. وَيُقَالُ: آنَسْتُه وأَنَّسْتُه أَي أَبصرته؛ وَقَالَ الأَعشى:
لَا يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يؤَنِّسُه، ... بالليلِ، إِلَّا نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا يُؤَنِّسُه أَي مَا يَجْعَلُهُ ذَا أُنْسٍ، وَقِيلَ للإِنْسِ إِنْسٌ لأَنهم يُؤنَسُونَ أَي يُبْصَرون، كَمَا قِيلَ للجنِّ جِنٌّ لأَنهم لَا يُؤْنَسُونَ أَي لَا يُبصَرون. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الْوَاسِطِيُّ: سُمِّيَ الإِنْسِيُّون إِنْسِيِّين لأَنهم يُؤنَسُون أَي يُرَوْنَ، وَسُمِّيَ الجِنُّ جِنّاً لأَنهم مُجْتَنُّون عَنْ رُؤْيَةِ النَّاسِ أَي مُتَوارُون. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ إِذا دَخَلَ دَارَهُ اسْتَأْنس وتَكَلَّمَ
أَي اسْتَعْلَم وتَبَصَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَلم تَرَ الجِنَّ وإِبلاسها، ... ويَأْسَها مِنْ بَعْدِ إِيناسها؟
أَي أَنها يَئِسَتْ مِمَّا كَانَتْ تَعْرِفُهُ وَتُدْرِكُهُ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والإِيناسُ: الْيَقِينُ؛ قَالَ:
فإِن أَتاكَ امْرؤٌ يَسْعَى بِكذْبَتِه، ... فانْظُرْ، فإِنَّ اطِّلاعاً غَيْرُ إِيناسِ
الاطِّلاعُ: النَّظَرُ، والإِيناس: الْيَقِينُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ليَس بِمَا لَيْسَ بِهِ باسٌ باسْ، ... وَلَا يَضُرُّ البَرَّ مَا قَالَ الناسْ،
وإِنَّ بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسْ
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَعْدَ طُلوعٍ إِيناسٌ. الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم: بَعْدَ اطِّلاعٍ إِيناسٌ؛ يَقُولُ: بَعْدَ طُلوعٍ إِيناس. وتَأَنَّسَ الْبَازِي: جَلَّى بطَرْفِه. وَالْبَازِي يَتَأَنَّسُ، وَذَلِكَ إِذا مَا جَلَّى وَنَظَرَ رَافِعًا رأْسه وطَرْفه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ أَطاع اللَّهُ الناسَ فِي الناسِ لَمْ يَكُنْ ناسٌ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَن النَّاسَ يُحِبُّونَ أَن لَا يُوَلَدَ لَهُمْ إِلا الذُّكْرانُ دُونَ الإِناث، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الإِناث ذَهَبَ الناسُ، وَمَعْنَى أَطاع اسْتَجَابَ دُعَاءَهُ. ومَأْنُوسَةُ والمَأْنُوسَةُ جَمِيعًا: النَّارُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف لَهَا فِعْلًا، فأَما آنَسْتُ فإِنما حَظُّ الْمَفْعُولِ مِنْهَا مُؤْنَسَةٌ؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
كَمَا تَطايَرَ عَنْ مَأْنُوسَةَ الشَّرَرُ
قَالَ الأَصمعي: وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ إِلا فِي شِعْرِ ابْنِ أَحمر. ابْنُ الأَعرابي: الأَنِيسَةُ والمَأْنُوسَةُ النَّارُ، وَيُقَالُ لَهَا السَّكَنُ لأَن الإِنسان إِذا آنَسَها لَيْلًا أَنِسَ بِهَا وسَكَنَ إِليها وَزَالَتْ عَنْهُ الوَحْشَة، وإِن كَانَ بالأَرض القَفْرِ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للدِّيكِ الشُّقَرُ والأَنيسُ والنَّزِيُّ. والأَنِيسُ: المُؤَانِسُ وَكُلُّ مَا يُؤْنَسُ بِهِ. وَمَا بِالدَّارِ أَنِيسٌ أَي أَحد؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
فِيهنَّ آنِسَةُ الحدِيثِ حَيِيَّةٌ، ... ليسَتْ بفاحشَةٍ وَلَا مِتْفالِ
أَي تَأْنَسُ حديثَك وَلَمْ يُرِدْ أَنها تُؤْنِسُك لأَنه لَوْ

(6/16)


أَراد ذَلِكَ لَقَالَ مُؤْنِسَة. وأَنَسٌ وأُنَيسٌ: اسْمَانِ. وأُنُسٌ: اسْمُ مَاءٍ لِبَنِي العَجْلانِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل:
قالتْ سُلَيْمَى ببطنِ القاعِ مِنْ أُنُسٍ: ... لَا خَيْرَ فِي العَيْشِ بَعْدَ الشَّيْبِ والكِبَرِ
ويُونُسُ ويُونَسُ ويُونِسُ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ: اسْمُ رَجُلٍ، وَحُكِيَ فِيهِ الْهَمْزُ أَيضاً، واللَّه أَعلم.
انقلس: الأَنْقَيْلَسُ والأَنْقَلَيْسُ: سَمَكَةٌ عَلَى خِلقَة حَيَّةٍ، وَهِيَ عَجَمِيَّةٌ. ابْنُ الأَعرابي: الشَّلِقُ الأَنْكَلَيْسُ، وَمَرَّةً قَالَ: الأَنْقَلَيْسُ، وَهُوَ السَّمَكُ الجِرِّيُّ والجِرِّيتُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ والأَلف، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الأَلف وَاللَّامَ؛ قَالَ الأَزهري: أُراها معرَّبة.
انكلس: ابْنُ الأَعرابي: الشَّلِقُ الأَنْكَلَيْسُ، وَمَرَّةً قَالَ: الأَنْقَلَيْسُ، وَهُوَ السَّمَكُ الجِرِّيُّ والجِرِّيتُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ والأَلف وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهُمَا. قَالَ الأَزهري: أُراها مُعَرَّبَةً. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنه بَعَثَ إِلى السُّوق فَقَالَ لَا تَأْكلوا الأَنْكَلَيْسَ
؛ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، سَمَكٌ شبيه بالحيات رديء الْغِذَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى [المارْماهي] وإِنما كَرِهَهُ لِهَذَا لَا لأَنه حَرَامٌ، وَرَوَاهُ الأَزهري عَنْ عَمّار وَقَالَ: الأَنْقَلَيْسُ، بِالْقَافِ لُغَةٌ فِيهِ.
أوس: الأَوْسُ: العطيَّةُ «3» . أُسْتُ القومَ أَؤُوسُهم أَوْساً إِذا أَعطيتهم، وَكَذَلِكَ إِذا عوَّضتهم مِنْ شَيْءٍ. والأَوْس: العِوَضُ. أُسْتُه أَؤُوسُه أَوْساً: عُضتُه أَعُوضُه عَوضاً؛ وَقَالَ الجَعْدِيُّ:
لَبِسْتُ أُناساً فأَفْنَيْتُهم، ... وأَفْنَيْتُ بعدَ أُناسٍ أُناسَا
ثلاثةُ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهم، ... وَكَانَ الإِلهُ هُوَ المُسْتَآسَا
أَي المُسْتَعاضَ. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَةَ: ربِّ أُسْني لما أَمْضَيْت
أَي عَوّضْني. والأَوْسُ: العِوَضُ وَالْعَطِيَّةُ، وَيُرْوَى:
رَبِّ أَثِبْني
، مِنَ الثَّوَابِ. واسْتَآسَني فأُسْتُه: طَلَبَ إِليَّ العِوَضَ. واسْتَآسَهُ أَي اسْتَعَاضَه. والإِياسُ: العِوَضُ. وإِياسٌ: اسْمُ رَجُلٍ، مِنْهُ. وأَساهُ أَوْساً: كَآساه؛ قَالَ المؤَرِّجُ: مَا يُواسِيهِ مَا يُصِيبُهُ بِخَيْرٍ، مِنْ قَوْلِ العرب: أُسْ فلانا بخير أَي أَصبه، وقيل: ما يُواسِيه مِنْ مَوَدَّتِهِ وَلَا قَرَابَتِهِ شَيْئًا، مأْخوذ مِنَ الأَوْس وهو العِوَضُ. قَالَ: وَكَانَ فِي الأَصل مَا يُواوِسُه فقدَّموا السِّينَ، وَهِيَ لَامُ الْفِعْلِ، وأَخَّروا الْوَاوَ، وَهِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، فَصَارَ يُواسِوُه، فَصَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَحْرِيكِهَا وَلِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ أَسَوْتُ الجُرْحَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والأَوْسُ: الذِّئْبُ، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ. ابْنُ سِيدَهْ: وأَوْسٌ الذِّئْبُ مَعْرِفَةٌ؛ قَالَ:
لَمَّا لَقِينا بالفَلاةِ أَوْسا ... لَمْ أَدْعُ إِلا أَسْهُماً وقَوْسا
وَمَا عَدِمْتُ جُرْأَةً وكَيْسا ... وَلَوْ دَعَوْتُ عَامِرًا وعبْسا،
أَصَبْتُ فيهمْ نَجْدَةً وأُنْسا
أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلذِّئْبِ: هَذَا أَوسٌ عَادِيًّا؛ وأَنشد:
كَمَا خامَرَتْ فِي حَضْنِها أُمُّ عامِرٍ، ... لَدى الحَبْل، حَتَّى غالَ أَوْسٌ عِيالَها
__________
(3) . قوله [الأَوس العطية إلخ] عبارة القاموس الأَوس الإعطاء والتعويض.

(6/17)


يَعْنِي أَكلَ جِراءَها. وأُوَيْسٌ: اسْمُ الذِّئْبِ، جاءَ مُصَّغَّراً مِثْلَ الكُمَيْت واللُّجَيْن؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
يَا ليتَ شِعْري عنكَ، والأَمْرُ أَمَمْ ... مَا فَعَلَ اليومَ أُوَيْسٌ فِي الغَنَمْ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُويس حَقَّرُوهُ مُتَفَئِّلِين أَنهم يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَسماء بْنِ خَارِجَةَ:
فِي كلِّ يومٍ مِنْ ذُؤَالَهْ ... ضِغْثٌ يَزيدُ عَلَى إِبالَهْ
فَلأَحْشَأَنَّكَ مِشْقَصاً ... أَوْساً، أُوَيْسُ، مِنَ الهَبالَهْ
الْهَبَالَةُ: اسْمُ نَاقَتِهِ. وأُويس: تَصْغِيرٌ أَوس، وَهُوَ الذِّئْبُ. وأَوساً: هُوَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ خَاطَبَ بِهَذَا الذِّئْبَ، وَقِيلَ: افْتَرَسَ لَهُ شَاةً فَقَالَ: لأَضعنَّ فِي حَشاك مِشْقَصاً عِوَضًا يَا أُويس مِنْ غُنَيْمَتِكَ الَّتِي غَنِمْتَهَا من غنمي. وقال ابْنُ سِيدَهْ: أَوساً أَي عِوَضًا، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ الذِّئْبَ وَهُوَ يُخَاطِبُهُ لأَن الْمُضْمَرَ الْمُخَاطَبَ لَا يَجُوزُ أَن يُبْدَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، لأَنه لَا يُلْبَسُ مَعَ أَنه لَوْ كَانَ بَدَلًا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلِّقٍ، وإِنما يَنْتَصِبُ أَوساً عَلَى الْمَصْدَرِ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَو بلأَحشأَنك كأَنه قَالَ أَوساً «1» . وأَما قَوْلُهُ أُويس فَنِدَاءٌ، أَراد يَا أُويس يُخَاطِبُ الذِّئْبَ، وَهُوَ اسْمٌ لَهُ مُصَغَّرًا كَمَا أَنه اسْمٌ لَهُ مُكَبَّرًا، فأَما مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْهَبَالَةِ فإِن شِئْتَ عَلَّقْتَهُ بِنَفْسِ أَوساً، وَلَمْ تَعْتَدَّ بِالنِّدَاءِ فَاصِلًا لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ وَكَوْنِهِ مُعْتَرَضًا بِهِ للتأْكيد، كَقَوْلِهِ:
يَا عُمَرَ الخَيْرِ، رُزِقْتَ الجَنَّهْ ... اكْسُ بُنَيَّاتي وأُمَّهُنَّهْ،
أَو، يَا أَبا حَفْصٍ، لأَمْضِيَنَّهْ
فَاعْتَرَضَ بِالنِّدَاءِ بَيْنَ أَو وَالْفِعْلِ، وإِن شِئْتَ عَلَّقْتَهُ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوساً، فكأَنه قال: أَؤوسك مِنَ الْهَبَالَةِ أَي أُعطيك مِنَ الْهَبَالَةِ، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَ حَرْفَ الْجَرِّ هَذَا وَصْفًا لأَوساً فَعَلَّقْتَهُ بِمَحْذُوفٍ وَضَمَّنْتَهُ ضَمِيرَ الْمَوْصُوفِ. وأَوْسٌ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ، وَاشْتِقَاقُهُ من آسَ يَؤُوسُ أَوْساً، وَالِاسْمُ: الإِياسُ، وَهُوَ مِنَ الْعِوَضِ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ قَيْلَة أَخو الخَزْرَج، مِنْهُمَا الأَنصار، وقَيْلَة أُمهما. ابْنُ سِيدَهْ: والأَوْسُ مِنْ أَنصار النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُقَالُ لأَبيهم الأَوْسُ، فكأَنك إِذا قُلْتَ الأَوس وأَنت تَعْنِي تِلْكَ الْقَبِيلَةَ إِنما تُرِيدُ الأَوْسِيِّين. وأَوْسُ اللَّاتِ: رَجُلٌ مِنْهُمْ أَعقب فَلَهُ عِدادٌ يُقَالُ لَهُمْ أَوْس اللَّه، مُحَوَّلٌ عَنِ اللَّاتَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما قَلَّ عَدَدُ الأَوس فِي بَدْرٍ وأُحُدٍ وكَثَرَتْهُم الخَزْرَجُ فِيهِمَا لِتَخَلُّفِ أَوس اللَّه عَنِ الإِسلام. قَالَ: وَحَدَّثَ
سُلَيْمَانُ بْنُ سَالِمٍ الأَنصاري، قَالَ: تَخَلَّفَ عَنِ الإِسلام أَوْس اللَّه فَجَاءَتِ الْخَزْرَجُ إِلى رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه ائْذَنْ لَنَا فِي أَصحابنا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الإِسلام، فَقَالَتِ الأَوْس لأَوْسِ اللَّه: إِن الخَزْرَج تُرِيدُ أَن تأْثِرَ مِنْكُمْ يَوْمَ بُغاث، وَقَدِ استأْذنوا فِيكُمْ رَسُولَ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَسْلِمُوا قَبْلَ أَن يأْذن لَهُمْ فِيكُمْ؛ فأَسْلَموا، وَهُمْ أُمَيَّة وخَطْمَةُ وَوَائِلٌ.
أَما تَسْمِيَتُهُمُ الرَّجُلَ أَوْساً فإِنه يَحْتَمِلُ أَمرين: أَحدهما أَن يَكُونَ مَصْدَرَ أُسْتُه أَي أَعطيته كَمَا سَمَّوْهُ عَطَاءً وَعَطِيَّةَ، وَالْآخَرُ أَن يَكُونَ سُمِّيَ بِهِ كَمَا سَمَّوْهُ ذِئْبًا وكَنَّوْه بأَبي ذؤَيب. والآسُ: العَسَلُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْهُ كالكَعْب مِنَ السَّمْن، وَقِيلَ: الْآسُ أَثَرُ الْبَعْرِ وَنَحْوِهِ. أَبو عَمْرٍو: الْآسُ أَن تَمُرَّ النحلُ فيَسْقُطَ منها نُقَطٌ
__________
(1) . قوله [كأنه قال أوساً] كذا بالأَصل ولعل هنا سقطاً كأنه قال أؤوسك أوساً أو لأَحشأنك أوساً.

(6/18)


مِنَ الْعَسَلِ عَلَى الْحِجَارَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَيْهَا. وَالْآسُ: البَلَحُ. والآسُ: ضَرْبٌ مِنَ الرَّيَاحِينِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الآسُ هَذَا المشمومُ أَحسبه دَخِيلًا غَيْرَ أَن الْعَرَبَ قَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ وجاءَ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ والآسُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْآسُ بأَرض الْعَرَبِ كَثِيرٌ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَخُضْرَتُهُ دَائِمَةٌ أَبداً ويَسْمو حَتَّى يَكُونَ شَجَرًا عِظَامًا، وَاحِدَتُهُ آسَةٌ؛ قَالَ: وَفِي دَوَامِ خُضْرَتِهِ يَقُولُ رُؤْبَةُ:
يَخْضَرُّ مَا اخْضَرَّ الأَلى والآسُ
التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ: الْآسُ شَجَرَةٌ وَرَقُهَا عَطِرٌ. والآسُ: القَبْرُ. والآسُ: الصَّاحِبُ. وَالْآسُ: الْعَسَلُ. قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف الْآسَ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ جِهَةٍ تَصِحُّ أَو رِوَايَةٍ عَنْ ثِقَةٍ؛ وَقَدِ احْتَجَّ اللَّيْثُ لَهَا بِشِعْرٍ أَحسبه مَصْنُوعًا:
بانَتْ سُلَيْمَى فالفُؤادُ آسِي، ... أَشْكو كُلُوماً، مَا لَهُنَّ آسِي
مِنْ أَجْلِ حَوْراءَ كغُصْنِ الآسِ، ... رِيقَتُها كَمِثْلِ طَعْمِ الآسِ
يَعْنِي الْعَسَلَ.
وَمَا اسْتَأَسْتُ بعدَها مِنْ آسِي، ... وَيْلي، فإِني لاحِقٌ بالآسِ
يَعْنِي الْقَبْرَ. التَّهْذِيبُ: والآسُ بَقِيَّةُ الرَّمَادِ بَيْنَ الأَثافي فِي المَوْقِدِ؛ قَالَ:
فَلَمْ يَبْقَ إِلا آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدٍ، ... وسُفْعٌ عَلَى آسٍ، ونُؤْيٌ مُعَثلَبُ
وَقَالَ الأَصمعي: الآسُ آثارُ النَّارِ وَمَا يُعْرَفُ مِنْ عَلَامَاتِهَا. وأَوْسْ: زَجْرُ الْعَرَبِ للمَعَزِ وَالْبَقَرِ، تَقُولُ: أَوْسْ أَوْسْ.
أيس: الْجَوْهَرِيُّ: أَيِسْتُ مِنْهُ آيَسُ يَأْساً لُغَةٌ فِي يَئِسْتُ مِنْهُ أَيْأَسُ يَأْساً، وَمَصْدَرُهُمَا وَاحِدٌ. وآيَسَني مِنْهُ فلانٌ مِثْلُ أَيْأَسَني، وَكَذَلِكَ التأْيِيسُ. ابْنُ سِيدَهْ: أَيِسْتُ مِنَ الشَّيْءِ مَقْلُوبٌ عَنْ يئِسْتُ، وَلَيْسَ بِلُغَةٍ فِيهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لأَعَلُّوه فَقَالُوا إِسْتُ أَآسُ كهِبْتُ أَهابُ. فَظُهُورُهُ صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنه إِنما صَحَّ لأَنه مَقْلُوبٌ عَمَّا تَصِحُّ عَيْنُهُ، وَهُوَ يَئِسْتُ لِتَكُونُ الصِّحَّةُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا كَانَتْ صِحَّةُ عَوِرَ دَلِيلًا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْ صِحَّتِهِ، وَهُوَ اعْوَرَّ، وَكَانَ لَهُ مَصْدَرٌ؛ فأَما إِياسٌ اسْمُ رَجُلٍ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ إِنما هُوَ مِنَ الأَوْسِ الَّذِي هُوَ العِوَضُ، عَلَى نَحْوِ تَسْمِيَتِهِمْ لِلرَّجُلِ عَطِيَّةً، تَفَؤُّلًا بِالْعَطِيَّةِ، وَمِثْلُهُ تَسْمِيَتُهُمْ عِيَاضًا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ غَيْرَ قَبِيلَةٍ يَقُولُونَ أَيِسَ يايسُ بِغَيْرِ هَمْزٍ. والإِياسُ: السِّلُّ. وَآسَ أَيْساً: لَانَ وذَلَّ. وأَيَّسَه: لَيَّنَه. وأَيَّسَ الرجلَ وأَيْسَ بِهِ: قَصَّرَ بِهِ وَاحْتَقَرَهُ. وتَأَيَّسَ الشيءُ: تَصاغَرَ: قَالَ المُتَلَمِّسُ:
أَلم تَرَ أَنْ الجَوْنَ أَصْبَحَ راكِداً، ... تَطِيفُ بِهِ الأَيامُ مَا يَتَأَيَّسُ؟
أَي يتصاغَر. وَمَا أَيَّسَ مِنْهُ شَيْئًا أَي مَا اسْتَخْرَجَ. قَالَ: والتَّأْيِيسُ الِاسْتِقْلَالُ. يُقَالُ: مَا أَيَّسْنا فُلَانًا خَيْرًا أَي مَا اسْتَقْلَلْنَا مِنْهُ خَيْرًا أَي أَردته لأَستخرج مِنْهُ شَيْئًا فَمَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَيَّسَ يُؤَيِّسُ تَأْيِيساً، وَقِيلَ: التَّأْيِيسُ التأْثير فِي الشَّيْءِ؛ قَالَ الشمَّاخ:

(6/19)


وجِلْدُها من أَطْومٍ ما يُؤَيِّسُه ... طِلْحٌ، بِضاحِيَةِ الصَّيْداءِ، مَهْزولُ
وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وجِلْدُها مِنْ أَطُومٍ لَا يُؤَيِّسُه
التأْييس: التَّذْلِيلُ والتأْثير فِي الشَّيْءِ، أَي لَا يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهَا شَيْءٌ، وَجِيءَ بِهِ مِنْ أَيْسَ وليْسَ أَي مِنْ حَيْثُ هُوَ وَلَيْسَ هُوَ. قَالَ اللَّيْثُ: أَيْسَ كلمةٌ قَدْ أُميتت إِلا أَن الْخَلِيلَ ذَكَرَ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ جيءَ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَيْسَ وليسَ، لَمْ تُسْتَعْمَلْ أَيس إِلا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وإِنَّما مَعْنَاهَا كَمَعْنَى حَيْثُ هُوَ فِي حَالِ الْكَيْنُونَةِ والوُجْدِ، وَقَالَ: إِن مَعْنًى لَا أَيْسَ أَي لَا وُجْدَ.