لسان العرب

فصل الواو
وَبَطَ: الوابِطُ: الضَّعِيفُ. وبَطَ فِي جِسمه ورَأْيِه يَبِط وَبْطاً ووبُوطاً ووَباطةً ووَبِطَ وبَطاً ووَبْطاً ووَبُطَ: ضَعُف وثَقُل. ووَبَط رأْيُه فِي هَذَا الأَمر وُبوطاً إِذا ضعُف وَلَمْ يَسْتَحْكِم؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِحُمَيْدٍ الأَرقط:
إِذْ باشَرَ النَّكْثَ بِرَأْيٍ وابِطِ
وَكَذَلِكَ وَبِط، بِالْكَسْرِ، يَوْبَط وَبْطاً. والوابِطُ: الخَسِيس وَالضَّعِيفُ الجَبان. وَيُقَالُ: أَردت حَاجَةً فوَبَطَني عَنْهَا فُلَانٌ أَي حبَسني. والوَباطُ: الضَّعْف؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
ذُو قُوَّة ليسَ بذِي وَباطِ
والوابِطُ: الخَسِيس. ووبَطَ حَظَّه وَبْطاً: أَخَسَّه ووضَع مِنْ قَدْرِهِ. ووَبَطْت الرجلَ: وَضَعْتُ مِنْ قَدْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَبِطْني بَعْدَ إِذ رَفَعْتني
أَي لَا تُهِنِّي وتَضَعْني. أَبو عَمْرٍو: وَبَطه اللَّهُ وأَبَطَه وهَبَطَه بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد:
أَذاكَ خَيْرٌ أَيُّها العَضارِطُ، ... أَم مُسْبَلاتٌ شَيْبُهنَّ وابِطُ؟
أَي واضِع الشَّرَفِ. ووَبَط الجرْحَ وَبْطاً: فتحه كبَطَّه بَطًّا.
وخط: الوَخْط مِنَ القَتِير: النَّبْذُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِواء الْبَيَاضِ والسوادِ، وَقِيلَ: هُوَ فُشُوُّ الشَّيْب فِي الرأْس. وَقَدْ وخَطَه الشيبُ وخْطاً ووخَضَه بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي خالَطَه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَتَيْتُ الَّذِي يأْتي السَّفِيهُ لِغِرَّتي، ... إِلى أَن عَلا وخْطٌ مِن الشيْب مَفْرَقي
ووُخِطَ فُلَانٍ إِذا شابَ رأْسُه، فَهُوَ مَوْخُوط.

(7/424)


وَيُقَالُ فِي السيْر: وخَطَ يَخِطُ إِذا أَسْرعَ، وَكَذَلِكَ وخَطَ الظَّلِيمُ وَنَحْوُهُ. والوَخْطُ: لُغَةٌ فِي الوَخْدِ، وَهُوَ سُرْعَةُ السَّيْرِ. وَظَلِيمٌ وخَّاطٌ: سَرِيعٌ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عنِّي وَعَنْ شَمَرْدَلٍ مِجْفال، ... أَعْيَطَ وخَّاطِ الخُطَى طُوال
والمِيخَطُ: الدَّاخِل. ووَخَط أَي دَخَلَ. وفَرُّوجٌ واخِطٌ: جاوَزَ حَدَّ الفَراريج وَصَارَ فِي حدِّ الدُّيوك. والوَخْطُ: الطَّعْنُ الخَفِيفُ لَيْسَ بالنافِذ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُخالِطَ الجَوْفَ. قَالَ الأَصمعي: إِذا خالطَت الطعْنةُ الجوْفَ وَلَمْ تَنْفُذْ فَذَلِكَ الوَخْضُ والوَخْطُ، ووَخَطه بِالرُّمْحِ ووَخَضَه، وَفِي الصِّحَاحِ: الوخْطُ الطعنُ النَّافِذُ، وَقَدْ وخَطَه وخْطاً؛ وطعنٌ وخَّاطٌ، وَكَذَلِكَ رُمْحٌ وخَّاط؛ قَالَ:
وَخْطاً بماضٍ فِي الكُلى وخَّاطِ
وَفِي التَّهْذِيبِ: وخْضاً بِمَاضٍ. ووخطَه بِالسَّيْفِ: تَناوَله مِنْ بَعِيدٍ، تَقُولُ: وُخِطَ فُلَانٌ يُوخَطُ وخْطاً، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسمع لِغَيْرِ اللَّيْثِ فِي تَفْسِيرِ الوَخْط أَنه الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: وأَراه أَراد أَنه يَتَنَاوَلُهُ بذُبابِ السيفِ طَعْناً لَا ضَرْباً. والوَخْطُ فِي البيْع: أَنْ تَرْبَح مَرَّةً وَتَخْسَرَ أُخرى. ووخْطُ النِّعال: خَفْقُها. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي أُمامَة قَالَ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَخذ نَاحِيَةَ الْبَقِيعِ فاتَّبَعناه، فَلَمَّا سَمِعَ وَخْطَ نِعالِنا خلفَه وَقَفَ ثُمَّ قَالَ: امْضوا، وَهُوَ يُشير بِيَدِهِ، حَتَّى مَضَيْنَا كلُّنا، ثُمَّ أَقبل يَمْشِي خَلْفَنَا فَالْتَفَتْنَا فَقُلْنَا: بِمَ «1» يَا رَسُولَ اللَّهِ صنعْتَ مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِني سَمِعْتُ وخْطَ نِعالكم خَلْفِي فتَخَوَّفْت أَن يَتَداخَلني شَيْءٌ فقَدَّمْتكم بَيْنَ يدَيَّ ومشيْتُ خَلْفَكُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ البقيعَ وَقَفَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ، لَقَدْ ضُرِبَ ضَربة تقطَّعت مِنْهَا أَوْصالُه، ثُمَّ وَقَفَ عَلَى الْآخَرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وأَما هَذَا فَكَانَ لَا يتَنزَّه عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْبَوْلِ يُصيبه.
وَفِي حَدِيثِ
مُعاذ: كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ قَالَ: مَا أَنتم ببارِحِين حَتَّى يَسمع وخْطَ نِعالكم
أَي خَفْقَها وَصَوْتَهَا عَلَى الأَرض.
ورط: الوَرْطةُ: الاسْتُ، وَكُلُّ غامِضٍ ورْطةٌ. وَالْوَرْطَةُ: الهَلَكةُ، وَقِيلَ: الأَمر تَقَعُ فِيهِ مِنْ هَلَكةٍ وَغَيْرِهَا؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ طُعْمة الخَطْمِيّ:
قَذَفُوا سَيِّدَهم فِي وَرْطَةٍ، ... قَذْفَكَ المُقْلَةَ وَسْطَ المُعْتَرَك
قَالَ المُفضل بْنُ سَلَمةَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ وَقَعَ فُلَانٌ فِي وَرْطةٍ: قَالَ أَبو عَمْرٍو هِيَ الْهَلَكَةُ؛ وأَنشد:
إِنْ تَأْتِ يَوْماً مثلَ هذِي الخُطَّهْ، ... تُلاقِ مِنْ ضَرْب نُمَيْرٍ وَرْطَهْ
وَجَمْعُهُ وِراطٌ؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةُ:
نَحْنُ جمَعنا الناسَ بالمِلْطاطِ، ... فأَصْبحوا فِي وَرْطةِ الأَوْراطِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراه عَلَى حَذْفِ التَّاءِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ زَنْد وأَزْناد وفَرْخ وأَفْراخ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَصل الوَرْطة أَرض مُطمئنة لَا طَرِيقَ فِيهَا. وأَوْرَطَه ووَرَّطه تَوْرِيطًا أَي أَوقعه فِي الْوَرْطَةِ فتَورَّط هُوَ فِيهَا، وأَوْرَطه: أَوقعه فِيمَا لَا خَلاص لَهُ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ مِنْ ورَطاتِ الأُمور الَّتِي لَا مَخْرَجَ مِنْهَا سَفْكَ الدمِ الحَرام بغير حِلٍّ.
__________
(1) . قوله [بم] هو في الأصل بالباء الموحدة لا باللام

(7/425)


وتورَّطَ الرجلُ واسْتَوْرَطَ: هلَك أَو نَشِبَ. وتورَّط فُلَانٌ فِي الأَمر واسْتَوْرَطَ فِيهِ إِذا ارْتَبَك فِيهِ فَلَمْ يسْهُل لَهُ الْمَخْرَجُ مِنْهُ. والوَرْطةُ: الوحَل والردَغةُ تقَع فِيهَا الْغَنَمُ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى التخلُّص مِنْهَا. يُقَالُ: توَرَّطَتِ الْغَنَمُ إِذا وَقَعَتْ فِي ورْطة ثُمَّ صَارَ مَثَلًا لِكُلِّ شدَّة وَقَعَ فِيهَا الإِنسان. وَقَالَ الأَصمعي: الوَرْطةُ أَهْوية مُتَصَوِّبة تَكُونُ فِي الْجَبَلِ تَشُقُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِيهَا؛ وَقَالَ طُفَيْلٌ يَصِفُ الإِبل:
تَهاب طَرِيقَ السَّهْلِ تَحْسَبُ أَنه ... وُعُورُ وِراطٍ، وَهْوَ بَيْداء بَلْقَعُ
والوِراطُ: الخَدِيعةُ فِي الْغَنَمِ وَهُوَ أَن يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقِينَ أَو يفرَّق بَيْنَ مُجْتَمِعِينَ. والوَرْطُ: أَن يُورِطَ إِبله فِي إِبل أُخرى أَو فِي مَكَانٍ لَا تُرى فِيهِ فيُغَيِّبها فِيهِ. وَقَوْلُهُ:
لَا وَرْطَ فِي الإِسلام
، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لَا تُغَيِّبْ غَنَمَكَ فِي غَنَمِ غَيْرِكَ. وَفِي حَدِيثِ
وَائِلِ بْنِ حُجْر وَكِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ: لَا خِلاطَ وَلَا وِراطَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوِراطُ الخَدِيعةُ والغِشُّ، وَقِيلَ: إِن مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ
لَا يُجمع بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفرّق بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْية الصَّدَقَةِ.
وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: الوِراطُ مأْخوذ مِنْ إِيراط الجَرِير فِي عُنُق الْبَعِيرِ إِذا جَعَلْتَ طرَفه فِي حَلْقته ثُمَّ جَذَبْتَه حَتَّى تَخْنُق الْبَعِيرَ؛ وأَنشد لِبَعْضِ الْعَرَبِ:
حَتَّى تَراها فِي الجَريرِ المُورَطِ، ... سَرْحَ القِياد، سَمْحةَ التَّهَبُّطِ
ابْنُ الأَعرابي: الوِراطُ أَن تَخْبأَها وتفرِّقها. يُقَالُ: قَدْ ورَطَها وأَوْرَطها أَي ستَرها، وَقِيلَ: الْوِرَاطُ أَن يُغَيّب مالَه ويَجْحَد مَكَانَهَا، وَقِيلَ: الْوِرَاطُ أَن يجْعل الْغَنَمَ فِي وَهْدة مِنَ الأَرض لتَخْفى عَلَى المُصَدِّق، مأْخوذ مِنَ الوَرْطةِ، وَهِيَ الهُوّةُ العَمِيقة فِي الأَرض ثُمَّ اسْتُعِير لِلنَّاسِ إِذا وقَعوا فِي بَلِيَّة يَعْسُر المَخْرجُ مِنْهَا، وَقِيلَ: الوِراط أَن يُغيِّب إِبله فِي إِبل غَيْرِهِ وغنَمه. ابْنُ الأَعرابي: الوراطُ أَن يُورط الناسُ بعضُهم بَعْضًا فَيَقُولُ أَحدهم: عِنْدَ فُلَانٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ، فَهُوَ الوِراط والإِيراط، قَالَ: والشِّناقُ أَن يَكُونَ عَلَى الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إِذا تَفَرَّقَتْ أَموالهم أَشناق، فَيَقُولُ أَحدهم لِلْآخَرِ: شانِقْني فِي شَنَق واخْلِطْ مَالِي ومالَك، فإِنه إِن تَفَرَّقَ وَجَبَ عَلَيْنَا شَنَقان، وإِن اجْتَمَعَ مَالُنَا خَفَّ عَلَيْنَا، فالشِّناقُ المشارَكة فِي الشَّنَق والشنَقَين.
وسط: وسَطُ الشَّيْءِ: مَا بَيْنَ طرَفَيْه؛ قَالَ:
إِذا رَحَلْتُ فاجْعلُوني وَسَطا، ... إِنِّي كَبِير، لَا أُطِيق العُنّدا
أَي اجْعَلُونِي وَسَطًا لَكُمْ تَرفُقُون بِي وَتَحْفَظُونَنِي، فإِني أَخاف إِذا كُنْتُ وَحْدِي مُتقدِّماً لَكُمْ أَو متأَخّراً عَنْكُمْ أَن تَفْرُط دَابَّتِي أَو نَاقَتِي فتصْرَعَني، فإِذا سكَّنت السِّينَ مِنْ وسْط صَارَ ظَرْفًا؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقُ:
أَتَتْه بِمَجْلُومٍ كأَنَّ جَبِينَه ... صَلاءةُ وَرْسٍ، وَسْطُها قَدْ تَفَلَّقا
فإِنه احْتَاجَ إِليه فَجَعَلَهُ اسْمًا؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
ضَرُوب لهاماتِ الرِّجال بسَيْفِه، ... إِذا عَجَمَتْ، وسْطَ الشُّؤُونِ، شِفارُها
يَكُونُ عَلَى هَذَا أَيضاً، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد إِذا عجمَتْ وسْطَ الشُّؤونِ شفارُها الشؤُونَ أَو مُجْتَمَعَ الشؤُونِ، فَاسْتَعْمَلَهُ ظَرْفًا عَلَى وَجْهِهِ وَحَذَفَ الْمَفْعُولَ لأَن حَذْفَ الْمَفْعُولِ كَثِيرٌ؛ قَالَ

(7/426)


الْفَارِسِيُّ: ويُقوّي ذَلِكَ قَوْلُ المَرّار الأَسدي:
فَلَا يَسْتَحْمدُون الناسَ أَمْراً، ... ولكِنْ ضَرْبَ مُجْتَمَعِ الشُّؤُونِ
وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: وَسَط الشَّيْءِ، بِالْفَتْحِ، إِذا كَانَ مُصْمَتاً، فإِذا كَانَ أَجزاء مُخَلْخَلة فَهُوَ وسْط، بالإِسكان، لَا غَيْرَ. وأَوْسَطُه: كوَسَطِه، وَهُوَ اسْمٌ كأَفْكَلٍ وأَزْمَلٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَقَوْلُهُ:
شَهْم إِذا اجْتَمَعَ الكُماةُ، وأُلْهِمَتْ ... أَفْواهُها بأَواسِطِ الأَوْتار
فَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ أَوْسَطٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمَعَ واسِطاً عَلَى وواسِطَ، فَاجْتَمَعَتْ وَاوَانِ فهمَز الأُولى. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ جَلَسْتُ وسْط الْقَوْمِ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنه ظَرْفٌ، وَجَلَسْتُ وسَط الدَّارِ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه اسْمٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ العَشِيَّ والسفَرْ، ... ووَسَطَ الليلِ وساعاتٍ أُخَرْ
قَالَ: وكلُّ مَوْضِعٍ صلَح فِيهِ بَيْن فَهُوَ وسْط، وإِن لَمْ يصلح فيه بين فهو وسَط، بِالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ: وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ كَقَوْلِ أَعْصُرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ:
وقالوا يا لَ أَشْجَعَ يَوْمَ هَيْجٍ، ... ووَسْطَ الدّارِ ضَرْباً واحْتِمايا
قَالَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هُنَا شَرْحٌ مُفِيدٌ قَالَ: اعْلَمْ أَنّ الوسَط، بِالتَّحْرِيكِ، اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طَرَفَيِ الشَّيْءِ وَهُوَ مِنْهُ كَقَوْلِكَ قَبَضْت وسَط الحبْل وَكَسَرْتُ وسَط الرُّمْحِ وَجَلَسْتُ وسَط الدَّارِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: يَرْتَعِي وسَطاً ويَرْبِضُ حَجْرةً أَي يرْتَعِي أَوْسَطَ المَرْعَى وخِيارَه مَا دَامَ القومُ فِي خَيْرٍ، فإِذا أَصابهم شَرٌّ اعتَزلهم ورَبَضَ حَجرة أَي نَاحِيَةً مُنْعَزِلًا عَنْهُمْ، وَجَاءَ الْوَسَطُ مُحَرَّكًا أَوسَطُه عَلَى وَزَانٍ يقْتَضِيه فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الطرَفُ لأَنَّ نَقِيض الشَّيْءِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلة نظِيره فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَوزان نَحْوُ جَوْعانَ وشَبْعان وَطَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، قَالَ: وَمِمَّا جَاءَ عَلَى وَزَانٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ الحَرْدُ لأَنه عَلَى وِزَانِ القَصْد، والحَرَدُ لأَنه عَلَى وَزَانٍ نَظِيرِهِ وَهُوَ الغضَب. يُقَالُ: حَرَد يَحْرِد حَرْداً كما يُقَالُ قصَد يقْصِد قَصْدًا، وَيُقَالُ: حَرِدَ يَحْرَدُ حرَداً كَمَا قَالُوا غَضِبَ يَغْضَبُ غضَباً؛ وَقَالُوا: العَجْم لأَنه عَلَى وَزَانِ العَضّ، وَقَالُوا: العَجَم لِحَبِّ الزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ لأَنه وَزَانِ النَّوَى، وَقَالُوا: الخِصْب والجَدْب لأَن وِزَانَهُمَا العِلْم والجَهل لأَن الْعِلْمَ يُحيي النَّاسُ كَمَا يُحييهم الخِصْب والجَهل يُهلكهم كَمَا يُهْلِكُهُمُ الجَدب، وَقَالُوا: المَنْسِر لأَنه عَلَى وِزَانِ المَنْكِب، وقالوا: المِنْسَر لأَنه على وَزَانِ المِخْلَب، وَقَالُوا: أَدْلَيْت الدَّلْو إِذا أَرسلتها فِي الْبِئْرِ، وَدَلَوْتُها إِذا جَذَبْتها، فَجَاءَ أَدْلى عَلَى مِثَالٍ أَرسل ودَلا عَلَى مِثَالِ جَذَب، قَالَ: فَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرّ والضُّر وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا بِمَعْنًى فَقَالَ: الضَّر بإِزاء النَّفْعِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ، والضُّر بإِزاء السُّقْم الَّذِي هُوَ نَظِيرُهُ فِي الْمَعْنَى، وَقَالُوا: فَادٍ يَفِيد جَاءَ عَلَى وِزَانِ ماسَ يَمِيس إِذا تَبَخْتَرَ، وَقَالُوا: فادَ يَفُود عَلَى وِزَانِ نَظِيرِهِ وَهُوَ مَاتَ يَمُوتُ، والنَّفاقُ فِي السُّوق جَاءَ عَلَى وَزَانِ الكَساد، والنِّفاق فِي الرَّجُلِ جَاءَ عَلَى وِزَانِ الخِداع، قَالَ: وَهَذَا النحوُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ جِدًّا؛ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنّ الوسَط قَدْ يأْتي صِفَةً، وإِن كَانَ أَصله أَن يَكُونَ اسْمًا مِنْ جِهَةِ أَن أَوسط الشَّيْءَ أَفضله وَخِيَارُهُ كوسَط الْمَرْعَى خيرٌ

(7/427)


مِنْ طَرَفَيْهِ، وكوسَط الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ خَيْرٌ مِنْ طَرَفَيْهَا لِتَمَكُّنِ الرَّاكِبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرَّاجِزُ:
إِذا ركِبْتُ فاجْعلاني وسَطا
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
خِيارُ الأُمور أَوْساطُها
؛ وَمِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ؛ أَي عَلَى شَكّ فَهُوَ عَلَى طرَف مِنْ دِينه غيرُ مُتوسّط فِيهِ وَلَا مُتمكِّن، فَلَمَّا كَانَ وسَطُ الشَّيْءِ أَفضلَه وأَعْدَلَه جَازَ أَن يَقَعَ صِفَةً، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
؛ أَي عَدْلًا، فَهَذَا تَفْسِيرُ الوسَط وَحَقِيقَةُ مَعْنَاهُ وأَنه اسْمٌ لِمَا بينَ طَرَفَي الشَّيْءِ وَهُوَ مِنْهُ، قَالَ: وأَما الوسْط، بِسُكُونِ السِّينِ، فَهُوَ ظَرْف لَا اسْمٌ جَاءَ عَلَى وِزَانِ نَظِيرِهِ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ بَيْن، تَقُولُ: جَلَسْتُ وسْطَ الْقَوْمِ أَي بيْنَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي الأَخْزَر الحِمَّانيّ:
سَلُّومَ لوْ أَصْبَحْتِ وَسْط الأَعْجَمِ
أَي بَيْنَ الأَعْجم؛ وَقَالَ آخَرُ:
أَكْذَبُ مِن فاخِتةٍ ... تقولُ وسْطَ الكَرَبِ،
والطَّلْعُ لَمْ يَبْدُ لَهَا: ... هَذَا أَوانُ الرُّطَبِ
وَقَالَ سَوَّارُ بْنُ المُضَرَّب:
إِنِّي كأَنِّي أَرَى مَنْ لَا حَياء لَهُ ... وَلَا أَمانةَ، وسْطَ الناسِ، عُرْيانا
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَتَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسْط الْقَوْمِ
أَي بَيْنَهُمْ، وَلَمَّا كَانَتْ بَيْنَ ظَرْفًا كَانَتْ وسْط ظَرْفًا، وَلِهَذَا جَاءَتْ سَاكِنَةَ الأَوسط لِتَكُونَ عَلَى وِزَانَهَا، وَلَمَّا كَانَتْ بَيْنَ لَا تَكُونُ بَعْضًا لِمَا يُضَافُ إِليها بِخِلَافِ الوسَط الَّذِي هُوَ بَعْضُ مَا يُضَافُ إِليه كَذَلِكَ وسْط لَا تَكُونُ بعضَ مَا تُضَافُ إِليه، أَلا تَرَى أَن وَسَطَ الدَّارِ مِنْهَا ووسْط الْقَوْمِ غَيْرُهُمْ؟ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وسَطُ رأْسِه صُلْبٌ لأَن وَسَطَ الرأْس بَعْضُهَا، وَتَقُولُ: وَسْطَ رأْسِه دُهن فَتَنْصِبَ وسْطَ عَلَى الظَّرْفِ وَلَيْسَ هُوَ بَعْضُ الرأْس، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الفَرْق بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ؛ أَما مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فإِنها تَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ وَلَيْسَتْ بَاسِمٍ مُتَمَكِّنٍ يَصِحُّ رَفْعُهُ وَنَصْبُهُ عَلَى أَن يَكُونَ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَغَيْرَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الوَسَطِ، وأَما مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فإِنه لَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يُضَافُ إِليه بِخِلَافِ الوَسَط أَيضاً؛ فإِن قُلْتَ: قَدْ يَنْتَصِبُ الوَسَطُ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا يَنْتَصِبُ الوَسْطُ كَقَوْلِهِمْ: جَلَسْتُ وسَطَ الدَّارِ، وَهُوَ يَرْتَعِي وسَطاً، وَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَقِفُ فِي صَلَاةِ الجَنازة عَلَى المرأَة وَسَطَها
، فَالْجَوَابُ: أَن نَصْب الوَسَطِ عَلَى الظَّرْفِ إِنما جَاءَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّسَاعِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الأَصل عَلَى حَدِّ مَا جَاءَ الطَّرِيقُ وَنَحْوُهُ، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وَلَيْسَ نَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِ عَلَى مَعْنَى بَيْن كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي وسْط، أَلا تَرَى أَن وسْطاً لَازِمٌ لِلظَّرْفِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وسَط؟ بَلِ اللَّازِمُ لَهُ الِاسْمِيَّةُ فِي الأَكثر والأَعم، وَلَيْسَ انْتِصَابُهُ عَلَى الظَّرْفِ، وإِن كَانَ قَلِيلًا فِي الْكَلَامِ، عَلَى حدِّ انْتِصَابِ الوسْط فِي كَوْنِهِ بِمَعْنَى بَيْنَ، فَافْهَمْ ذَلِكَ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنه مَتَى دَخَلَ عَلَى وسْط حرفُ الوِعاء خَرَجَ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ وَرَجَعُوا فِيهِ إِلى وسَط وَيَكُونُ بِمَعْنَى وسْط كَقَوْلِكَ: جلسْتُ فِي وسَط الْقَوْمِ وفي وسَطِ رأْسِه دُهن، وَالْمَعْنَى فِيهِ مَعَ تحرُّكه كَمَعْنَاهُ

(7/428)


مَعَ سُكُونِهِ إِذا قُلْتَ: جلسْتُ وسْطَ الْقَوْمِ، ووسْطَ رأْسِه دُهن، أَلا تَرَى أَن وسَط الْقَوْمِ بِمَعْنَى وسْط الْقَوْمِ؟ إِلَّا أَن وَسْطاً يَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ وَلَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا، فَاسْتُعِيرَ لَهُ إِذا خَرَجَ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ الوسَطُ عَلَى جِهَةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، وَهُوَ فِي غَيْرِ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَعْنَاهُ، وَقَدْ يُستعمل الوسْطُ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ اسْمًا ويُبَقَّى عَلَى سُكُونِهِ كَمَا اسْتَعْمَلُوا بَيْنَ اسْمًا عَلَى حُكْمِهَا ظَرْفًا فِي نَحْوِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُم
؛ قَالَ القَتَّالُ الْكِلَابِيُّ:
مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ، بعد ما ... هَتَفَتْ رَبِيعَةُ: يَا بَني خَوّارِ
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
وَسْطُه كاليَراعِ أَو سُرُجِ المَجْدلِ، ... حِيناً يَخْبُو، وحِيناً يُنِيرُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
الجالِسُ وسْطَ الحَلْقةِ مَلْعُون
، قَالَ: الوسْط، بِالتَّسْكِينِ، يُقَالُ فِيمَا كَانَ مُتَفَرِّقَ الأَجزاء غيرَ مُتصل كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فإِذا كَانَ مُتصلَ الأَجزاء كالدَّار والرأْس فَهُوَ بِالْفَتْحِ. وَكُلُّ مَا يَصْلُح فِيهِ بَيْنَ، فَهُوَ بِالسُّكُونِ، وَمَا لَا يصلح فيه بين، فهو بِالْفَتْحِ؛ وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا يَقَع مَوْقِعَ الْآخَرِ، قَالَ: وكأَنه الأَشبه، قَالَ: وإِنما لُعِنَ الجالِسُ وسْط الْحَلْقَةِ لأَنه لَا بدَّ وأَن يَسْتَدبِر بعضَ المُحيطين بِهِ فيُؤْذِيَهم فَيَلْعَنُونَهُ ويذُمونه. ووسَطَ الشيءَ: صَارَ بأَوْسَطِه؛ قَالَ غَيْلان بْنُ حُرَيْثٍ:
وَقَدْ وَسَطْتُ مالِكاً وحَنْظَلا ... صُيَّابَها، والعَدَدَ المُجَلْجِلا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَراد وَحَنْظَلَةَ، فَلَمَّا وَقَفَ جَعَلَ الْهَاءَ أَلِفاً لأَنه لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلا الهَهَّةُ وَقَدْ ذَهَبَتْ عِنْدَ الْوَقْفِ فأَشبهت الأَلف كَمَا قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
وعَمْرُو بنُ دَرْماء الهُمامُ إِذا غَدا ... بِذي شُطَبٍ عَضْبٍ، كمِشْيَةِ قَسْوَرا
أَراد قَسْوَرَة. قَالَ: وَلَوْ جَعَلَهُ اسْمًا مَحْذُوفًا مِنْهُ الْهَاءُ لأَجراه، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما أَراد حريثُ بْنُ غَيلان «2» وَحَنْظَلٌ لأَنه رَخَّمه فِي غَيْرِ النِّدَاءِ ثُمَّ أَطلق الْقَافِيَةَ، قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ جَعْلِ الْهَاءِ أَلِفاً وهمٌ مِنْهُ. وَيُقَالُ: وسَطْتُ القومَ أَسِطُهم وَسْطاً وسِطةً أَي تَوَسَّطْتُهم. ووَسَطَ الشيءَ وتَوَسَّطَه: صَارَ فِي وسَطِه. ووُسُوطُ الشَّمْسِ: توَسُّطُها السَّمَاءَ. وواسِطُ الرَّحْل وواسِطَتُه؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: مَا بَيْنَ القادِمةِ والآخِرة. وواسِطُ الكُورِ: مُقَدَّمُه؛ قَالَ طُرْفَةُ:
وإِنْ شِئت سَامَى واسِطَ الكُورِ رأْسُها، ... وعامَتْ بِضَبْعَيْها نَجاء الخَفَيْدَدِ
وواسِطةُ القِلادة: الدُّرَّة التي وسَطها وَهِيَ أَنْفَس خَرَزِهَا؛ وَفِي الصِّحَاحِ: واسِطةُ الْقِلَادَةِ الجَوْهَرُ الَّذِي هُوَ فِي وَسطِها وَهُوَ أَجودها، فأَما قَوْلُ الأَعرابي لِلْحَسَنِ: عَلِّمني دِيناً وَسُوطاً لَا ذاهِباً فُرُوطاً وَلَا ساقِطاً سُقُوطاً، فإِن الوَسُوط هاهنا المُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْغَالِي والتَّالي، أَلا تَرَاهُ قَالَ لَا ذَاهِبًا فُرُوطاً؟ أَي لَيْسَ يُنال وَهُوَ أَحسن الأَديان؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: خَيْرُ النَّاسِ هَذَا النمَطُ الأَوْسَط
__________
(2) . قوله [حريث بن غيلان] كذا بالأصل هنا وتقدم قريباً غيلان بن حريث.

(7/429)


يَلْحق بِهِمُ التَّالي وَيَرْجِعُ إِليهم الْغَالِي؟
قَالَ الْحَسَنُ للأَعرابي: خيرُ الأُمور أَوْساطُها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير فِي هَذَا الْحَدِيثِ: كلُّ خَصْلة مَحْمُودَةٍ فَلَهَا طَرَفانِ مَذْمُومان، فإِن السَّخاء وسَطٌ بَيْنِ البُخل وَالتَّبْذِيرِ، والشجاعةَ وسَط بَيْنِ الجُبن والتهوُّر، والإِنسانُ مأْمور أَن يَتَجَنَّبَ كُلَّ وصْف مَذْمُوم، وتجنُّبُه بالتعَرِّي مِنْهُ والبُعد مِنْهُ، فكلَّما ازْدَادَ مِنْهُ بُعْداً ازْدَادَ مِنْهُ تقرُّباً، وأَبعدُ الْجِهَاتِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْمَعَانِي مِنْ كُلِّ طَرَفَيْنِ وسَطُهما، وَهُوَ غَايَةُ الْبُعْدِ مِنْهُمَا، فإِذا كَانَ فِي الوسَط فَقَدْ بَعُد عَنِ الأَطراف الْمَذْمُومَةِ بِقَدْرِ الإِمكان. وَفِي الْحَدِيثِ:
الوالِد أَوْسَطُ أَبواب الْجَنَّةِ
أَي خيرُها. يُقَالُ: هُوَ مِنْ أَوسَطِ قومِه أَي خيارِهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ من أَوْسَطِ قومه
أَي مِنْ أَشْرَفِهم وأَحْسَبِهم. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقةَ: انظُروا رَجُلًا وسِيطاً
أَي حَسِيباً فِي قَوْمِهِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ الوُسْطَى لأَنها أَفضلُ الصَّلَوَاتِ وأَعظمها أَجْراً، وَلِذَلِكَ خُصت بالمُحافَظةِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لأَنها وسَط بَيْنِ صلاتَيِ اللَّيْلِ وصلاتَيِ النَّهَارِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا فَقِيلَ الْعَصْرُ، وَقِيلَ الصُّبْحُ، وَقِيلَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى يَعْنِي صَلَاةَ الْجُمْعَةِ لأَنها أَفضلُ الصلواتِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ خلافَ هَذَا فَقَدَ أَخْطأَ إِلا أَن يَقُولَهُ بِرِوَايَةٍ مُسنَدة إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ووَسَطَ فِي حَسَبِه وَساطة وسِطةً ووَسُطَ ووسَّط؛ ووَسَطَه: حَلَّ وَسَطَه أَي أَكْرَمَه؛ قَالَ:
يَسِطُ البُيوتَ لِكي تَكُونَ رَدِيّةً، ... مِنْ حيثُ تُوضَعُ جَفْنةُ المُسْتَرْفِدِ
ووَسَطَ قومَه فِي الحسَبِ يَسِطُهم سِطةً حسنَة. اللَّيْثُ: فُلَانٌ وَسِيطُ الدارِ والحسَبِ فِي قَوْمِهِ، وَقَدْ وسُطَ وَساطةً وسِطةً ووَسَّطَ توْسِيطاً؛ وأَنشد:
وسَّطْت مِنْ حَنْظَلةَ الأُصْطُمّا
وَفُلَانٌ وسِيطٌ فِي قَوْمِهِ إِذا كَانَ أَوسطَهم نسَباً وأَرْفعَهم مَجْداً؛ قَالَ العَرْجِيُّ:
كأَنِّي لَمْ أَكُنْ فِيهِمْ وسِيطاً، ... وَلِمَ تَكُ نِسْبَتي فِي آلِ عَمْرِ
والتوْسِيطُ: أَن تَجْعَلَ الشَّيْءَ فِي الوَسَط. وقرأَ بَعْضُهُمْ:
فوَسَّطْنَ بِهِ جَمْعًا
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُنسب إِلى عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وإِلى ابْنِ أَبي لَيْلَى وإِبراهيم بْنُ أَبي عَبْلَةَ. والتوْسِيطُ: قَطْعُ الشَّيْءِ نِصْفَيْنِ. والتَّوَسُّطُ مِنَ النَّاسِ: مِنَ الوَساطةِ، ومَرْعًى وسَطٌ أَي خِيار؛ قَالَ:
إِنَّ لَهَا فَوارِساً وفَرَطا، ... ونَفْرَةَ الحَيِّ ومَرْعًى وَسَطا
ووَسَطُ الشيءِ وأَوْسَطُه: أَعْدَلُه، وَرَجُلٌ وَسَطٌ ووَسِيطٌ: حسَنٌ مِنْ ذَلِكَ. وَصَارَ الماءُ وَسِيطةً إِذا غلَب الطينُ عَلَى الْمَاءِ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي طَيْبة. وَيُقَالُ أَيضاً: شيءٌ وَسَطٌ أَي بَيْنَ الجَيِّدِ والرَّدِيء. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ بَعْضُهُمْ وسَطاً عَدْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ خِياراً، وَاللَّفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لأَن العَدْل خَيْر وَالْخَيْرُ عَدْلٌ، وَقِيلَ فِي صِفَةِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنه كَانَ مِنْ أَوْسَطِ قومِه
أَي خِيارِهم، تَصِف الفاضِلَ النسَب بأَنه مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ، وَهَذَا يَعرِف حقيقَته أَهلُ اللُّغَةِ لأَن الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ التَّمْثِيلَ كَثِيرًا، فَتُمَثِّل القَبِيلةَ بِالْوَادِي والقاعِ وَمَا أَشبهه، فخيرُ الْوَادِي وسَطُه، فَيُقَالُ: هَذَا

(7/430)


مِنْ وَسَط قومِه وَمِنْ وَسَطِ الْوَادِي وسَرَرِ الْوَادِي وسَرارَته وسِرِّه، وَمَعْنَاهُ كُلُّهُ مِنْ خَيْر مَكَانٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ خَيْرِ مَكَانٍ فِي نسَب الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ جُعِلتْ أُمّته أُمة وسَطاً أَي خِياراً. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: الْفَرْقُ بَيْنَ الوسْط والوَسَط أَنه مَا كانَ يَبِينُ جُزْء من جُزْء فهو وسْط مِثْلُ الحَلْقة مِنَ النَّاسِ والسُّبْحةِ والعِقْد، قَالَ: وَمَا كَانَ مُصْمَتاً لَا يَبِينُ جُزْءٌ مِنْ جُزْءٍ فَهُوَ وسَط مِثْلُ وسَطِ الدارِ وَالرَّاحَةِ والبُقْعة؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: الوسْط مُخَفَّفَةً يَكُونُ مَوْضِعًا لِلشَّيْءِ كَقَوْلِكَ زَيْدٌ وَسْطَ الدارِ، وإِذا نَصَبْتَ السِّينَ صَارَ اسْمًا لِمَا بَيْنَ طَرَفَيْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: تَقُولُ وَسْطَ رأْسِك دُهْنٌ يَا فَتى لأَنك أَخبرت أَنه اسْتَقَرَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فأَسكنت السِّينَ وَنَصَبْتَ لأَنه ظَرْفٌ، وَتَقُولُ وسَطُ رأْسِك صُلْب لأَنه اسْمٌ غَيْرُ ظَرْفٍ، وَتَقُولُ ضربْت وَسَطَه لأَنه الْمَفْعُولُ بِهِ بِعَيْنِهِ، وَتَقُولُ حَفَرْتُ وَسَطَ الدارِ بِئْرًا إِذا جَعَلْتَ الوَسَط كُلَّهُ بِئراً، كَقَوْلِكَ حَرَثْت وسَطَ الدَّارِ؛ وَكُلُّ مَا كَانَ مَعَهُ حَرْفُ خَفْضٍ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الظَّرْفِ وَصَارَ اسْمًا كَقَوْلِكَ سِرْت مِنْ وَسَطِ الدَّارِ لأَنَّ الضَّمِيرَ لِمنْ، وَتَقُولُ قُمْتُ فِي وسَط الدَّارِ كَمَا تَقُولُ فِي حَاجَةِ زَيْدٍ فَتُحَرَّكُ السِّينُ مِنْ وسَط لأَنه هاهنا لَيْسَ بِظَرْفٍ. الْفَرَّاءُ: أَوْسَطْت القومَ ووَسَطْتُهم وتوَسَّطْتُهم بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِذا دَخَلْتَ وَسْطَهم. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ وَسَطَ فلانٌ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ وَهُوَ يَسِطُهم إِذا صَارَ وَسْطَهم؛ قَالَ: وإِنما سُمِّيَ واسِطُ الرحْل واسِطاً لأَنه وسَطٌ بَيْنَ القادِمة والآخرةِ، وَكَذَلِكَ واسِطةُ القِلادةِ، وَهِيَ الجَوْهرة الَّتِي تَكُونُ فِي وسَطِ الكِرْسِ المَنْظُوم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي تَفْسِيرِ واسِطِ الرَّحْل وَلَمْ يَتَثَبَّتْه: وإِنما يَعْرِفُ هَذَا مِنْ شاهَدَ العَربَ ومارَسَ شَدَّ الرِّحال عَلَى الإِبل، فأَما مَنْ يفسِّر كَلَامَ الْعَرَبِ عَلَى قِياساتِ الأَوْهام فإِنَّ خَطأَه يَكْثُرُ، وللرحْلِ شَرْخانِ وَهُمَا طَرَفاه مِثْلُ قرَبُوسَيِ السَّرْج، فالطرَفُ الَّذِي يَلِي ذَنَبَ الْبَعِيرِ آخِرةُ الرَّحْلِ ومُؤْخِرَتُه، وَالطَّرَفُ الَّذِي يَلِي رأْس الْبَعِيرِ واسِطُ الرَّحْلِ، بِلَا هَاءٍ، وَلَمْ يسمَّ وَاسِطًا لأَنه وَسَطٌ بَيْنَ الْآخِرَةِ والقادِمة كَمَا قَالَ اللَّيْثُ: وَلَا قَادِمَةَ لِلرَّحْلِ بَتَّةً إِنما القادمةُ الواحدةُ مِنْ قَوادِم الرِّيش، ولضَرْع النَّاقَةِ قادِمان وآخِران، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَكَلَامِ الْعَرَبِ يُدَوَّن فِي الصُّحُفِ مِنْ حَيْثُ يَصِحُّ، إِمّا أَن يُؤْخَذَ عَنْ إِمام ثِقَة عَرَفَ كَلَامَ الْعَرَبِ وشاهَدَهم، أَو يَقْبَلُ مِنْ مُؤَدٍّ ثِقَةٍ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَقْبُولِينَ، فأَما عباراتُ مَن لَا مَعْرِفَةَ لَهُ وَلَا أَمانة فإِنه يُفسد الْكَلَامَ ويُزيله عَنْ صِيغته؛ قَالَ: وقرأْت فِي كِتَابِ ابْنُ شُمَيْلٍ فِي بَابِ الرحال قَالَ: وَفِي الرَّحْلِ واسِطُه وآخِرَتُه ومَوْرِكُه، فَوَاسِطُهُ مُقَدَّمه الطَّوِيلُ الَّذِي يَلِي صَدْرَ الرَّاكِبِ، وأَما آخِرته فمُؤخرَته وَهِيَ خَشَبَتُهُ الطَّوِيلَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي تُحَاذِي رأْس الرَّاكِبِ، قَالَ: والآخرةُ وَالْوَاسِطُ الشرْخان. وَيُقَالُ: رَكِبَ بَيْنَ شَرْخَيْ رَحْلِهِ، وَهَذَا الَّذِي وَصَفَهُ النضْر كُلُّهُ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما واسِطةُ القِلادة فَهِيَ الْجَوْهَرَةُ الْفَاخِرَةُ الَّتِي تُجْعَلُ وسْطها. والإِصْبع الوُسطى. وواسِطُ: مَوْضِعٌ بَيْنَ الجَزيرة ونَجْد، يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ. وواسِط: مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وُصف بِهِ لتوسُّطِه مَا بَيْنَهُمَا وَغَلَبَتِ الصِّفَةُ وَصَارَ اسْمًا كَمَا قَالَ:
ونابِغةُ الجَعْدِيُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه، ... عَلَيْهِ تُرابٌ مِنْ صَفِيحٍ مُوَضَّع

(7/431)


قَالَ سِيبَوَيْهِ: سَمَّوْهُ وَاسِطًا لأَنه مَكَانٌ وسَطٌ بَيْنِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: فَلَوْ أَرادوا التأْنيث قَالُوا وَاسِطَةً، وَمَعْنَى الصِّفَةِ فِيهِ وإِن لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظَهِ لَامٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وواسِط بَلَدٌ سُمِّيَ بِالْقَصْرِ الَّذِي بَنَاهُ الْحَجَّاجُ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ لأَن أَسماء البُلدان الغالب عليه التأْنيث وتركُ الصَّرْفِ، إِلَّا مِنًى وَالشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَوَاسِطًا ودابِقاً وفَلْجاً وهَجَراً فإِنها تُذَكَّرُ وَتُصْرَفُ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تُرِيدَ بِهَا الْبُقْعَةَ أَو البلْدة فَلَا تَصْرِفُهُ كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَرْثِي بِهِ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمر:
أَمّا قُرَيْشٌ، أَبا حَفْصٍ، فَقَدْ رُزِئتْ ... بالشامِ، إِذ فارَقَتْك، السمْعَ والبَصَرا
كَمْ مِنْ جَبانٍ إِلى الهَيْجا دَلَفْتَ بِهِ، ... يومَ اللِّقاء، وَلَوْلَا أَنتَ مَا صَبرا
مِنهنَّ أَيامُ صِدْقٍ، قَدْ عُرِفْتَ بِهَا، ... أَيامُ واسِطَ والأَيامُ مِن هَجَرا
وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: تَغافَلْ كأَنَّك واسِطِيٌّ؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصله أَن الْحَجَّاجَ كَانَ يتسخَّرُهم فِي البِناء فيَهْرُبون ويَنامون وسْط الغُرباء فِي الْمَسْجِدِ، فَيَجِيءُ الشُّرَطِيُّ فَيَقُولُ: يَا واسِطيّ، فَمَنْ رَفَعَ رأْسه أَخذه وَحَمَلَهُ فَلِذَلِكَ كَانُوا يتَغافلون. والوَسُوط مِنْ بُيُوتِ الشعَر: أَصغرها. والوَسُوط مِنَ الإِبل: الَّتِي تَجُرُّ أَربعين يَوْمًا بَعْدَ السَّنَةِ؛ هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: فأَما الجَرُور فَهِيَ الَّتِي تَجُرُّ بَعْدَ السَّنَةِ ثَلَاثَةَ أَشهر، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَابِهِ. والواسطُ: الْبَابُ، هُذَليّة.
وطط: الوَطْواطُ: الضَّعِيفُ الجَبان مِنَ الرِّجَالِ. والوَطْواطُ: الخُفّاش؛ قَالَ:
كأَنَّ برُفْغَيْها سُلُوخَ الوَطاوِط
أَراد سُلُوخَ الوَطاوِيط فحذفُ الْيَاءِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ:
وتَجَمَّعَ المتفرِّقُون ... مِنَ الفَراعِلِ والعَسابِرْ
أَراد العسابِير، وَهُوَ وَلَدُ الضبُع مِنَ الذِّئْبِ. وَقَالَ كُرَاعٌ: جمعُ الوَطْواطِ وطاوِيطُ ووطاوِطُ، فأَما وطاوِيطُ فَهُوَ الْقِيَاسُ، وأَما الوَطاوِط فَهُوَ جَمْعُ مُوَطْوِط، وَلَا يَكُونُ جَمْعُ وَطْواط لأَن الأَلف إِذا كَانَتْ رَابِعَةً فِي الْوَاحِدِ ثَبَتَتِ الْيَاءُ فِي الْجَمْعِ إِلا أَن يُضْطَرَّ شَاعِرٌ كَمَا بيَّنَّا. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَمْعُ الْوَطْوَاطِ الوُطُطُ. والوُطُطُ: الضَّعْفَى العُقولِ والأَبدانِ مِنَ الرِّجَالِ، الْوَاحِدُ وَطْواط؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ يَهْجُو إمرأَ الْقَيْسِ:
إِنّي إِذا ما عَجَرَ الوَطْواطُ، ... وكثُر الهِياطُ والمِياطُ،
والتَفَّ عِنْدَ العَرَكِ الخِلاطُ، ... لَا يُتَشَكَّى مِنِّيَ السِّقاطُ،
إِن إمْرَأَ القَيْسِ هُم الأَنْباطُ ... زُرْقٌ، إِذا لاقَيْتَهم، سِناطُ
لَيْسَ لَهم فِي نَسَبٍ رِباطُ، ... وَلَا إِلى حَبْلِ الهُدى صِراطُ،
فالسَّبُّ والعارُ بِهِمْ مُلْتاطُ
وأَنشد لِآخَرَ:
فَداكَها دَوْكاً عَلَى الصِّراطِ، ... لَيْسَ كَدوْكِ بَعْلِها الوَطْواطِ
وَقَالَ النَّضْرُ: الوَطواط الرَّجُلُ الضعيفُ العقلِ والرأْي. والوَطْواط: الخُفّاش، وأَهل الشَّامِ يُسَمُّونَهُ السّرْوَعَ

(7/432)


وَهِيَ الْبَحْرِيَّةُ، وَيُقَالُ لَهَا الخُشّافُ، والوَطْواطُ: الخُطّافُ. وَقِيلَ: الْوَطْوَاطُ ضَرْبٌ مِنْ خَطاطِيفِ الْجِبَالِ أَسود، شُبِّهَ بِضَرْبٍ مِنَ الخَشاشِيف لنُكوصِه وحَيْدِه، وكلُّ ضَعِيفٍ وَطْواط، وَالِاسْمُ الوَطْوَطةُ. وَرُوِيَ
عَنْ عَطاء بْنِ أَبي رَبَاحٍ أَنه قَالَ فِي الوَطْواط يُصيبه المُحْرِم: قَالَ: دِرهم
، وَفِي رِوَايَةٍ:
ثُلْثَا دِرْهَمٍ.
قَالَ الأَصمعي: الوَطواط الخُفاش. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ إِنه الخُطّاف، قَالَ: وَهُوَ أَشبه الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ لِحَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لَمَّا أُحْرِقَ بيتُ المَقدِس: كَانَتِ الأَوْزاغُ تَنْفُخُه بأَفْواهِها وَكَانَتِ الوَطاوِطُ تُطْفِئه بأَجْنحتها.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الخُطاف العُصفور الَّذِي يُسَمَّى عُصْفُورَ الْجَنَّةِ، وَالْخُفَّاشُ هُوَ الَّذِي يَطِيرُ بِاللَّيْلِ، والوطواطُ الْمَشْهُورُ فِيهِ أَنه الْخُفَّاشُ، وَقَدْ أَجازوا أَن يَكُونَ هُوَ الْخُطَّافُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنّ الْوَطْوَاطَ الْخُفَّاشُ قَوْلُهُمْ: هُوَ أَبْصَرُ لَيْلًا مِنَ الوَطْواط. والوَطْوَطَةُ: مُقَارَبَةُ الْكَلَامِ، وَرِجْلٌ وَطْواط إِذا كَانَ كَلَامُهُ كَذَلِكَ؛ وَقِيلَ: الوَطواط الصَّيَّاحُ، والأُنثى بِالْهَاءِ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ الصَّيَّاحِ وَطْواط، وَزَعَمُوا أَنه الَّذِي يُقارب كَلَامَهُ كأَنَّ صَوْتَهُ صوتُ الخَطاطِيف، وَيُقَالُ للمرأَة وَطْواطةٌ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الضعيفِ الجَبانِ الوَطْواط، قَالَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالطَّائِرِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وبَلْدةٍ بَعِيدةِ النِّياطِ، ... برَمْلِها مِنْ خاطِفٍ وعاطِ،
قَطَعْتُ حِينَ هَيْبةِ الوَطْواطِ
والوطْواطِيُّ: الضَّعِيفُ، وَيُقَالُ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ. وَقَدْ وَطْوَطُوا أَي ضَعُفوا. وأَما قَوْلُهُمْ: أَبْصَرُ فِي اللَّيْلِ مِنَ الوَطْواط فَهُوَ الخُفّاش.
وفط: لَقِيته عَلَى أَوْفاطٍ أَي عَلَى عَجَلةٍ، وَالظَّاءُ المعجمة أَعرف.
وَقَطَ: الوَقْطُ والوَقِيطةُ: حُفرة فِي غِلَظ أَو جَبَلٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا مَاءُ السَّمَاءِ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَقْطُ والوَقِيطُ كالرَّدْهةِ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ تُتَّخذ فِيهَا حِيَاضٌ تَحْبِسُ الْمَاءَ لِلْمَارَّةِ، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَجْمَعَ وَقْط، وَهُوَ مِثْلُ الوَجْذ إِلا أَنَّ الوَقْط أَوسع، وَالْجَمْعُ وِقْطانٌ ووِقاطٌ وإِقاطٌ، الْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ؛ وأَنشد:
وأَخْلَفَ الوِقْطانَ والمَآجلا
وَلُغَةُ تَمِيمٍ فِي جَمْعِهِ الإِقاطُ مِثْلَ إِشاح، يُصَيِّرُونَ كُلَّ وَاوٍ تَجِيءُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ أَلفاً. وَيُقَالُ: أَصابتنا السَّمَاءُ فوَقَّطَ الصخْرُ أَي صَارَ فِيهِ وَقْطٌ. والوَقْطُ: مَا يَكُونُ فِي حَجَرٍ فِي رَمْل «3» ، وَجَمْعُهُ وِقاط. ووقَطَه وَقْطاً: صَرَعَه. وَرَجُلٌ وَقيطٌ: مَوْقُوط؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
أَوْجَرْتَ حارِ لَهْذَماً سَلِيطا، ... تَرَكْتَهُ مُنْعَقِراً وَقِيطا
وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ وَقْطَى ووَقاطَى. ووقَطَه: قَلَبَه عَلَى رأْسه ورفَع رِجْلَيْهِ فَضَرَبَهُمَا، مَجموعتين، بفِهْر سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ مِمَّا يُداوَى بِهِ. ووَقَطَه بعيرُه: صَرَعَه فغُشِي عَلَيْهِ. وأَكلت طَعَامًا وقَطَني أَي أَنامني. وكلُّ مُثْخَنٍ ضَرْباً أَو مَرضاً أَو حُزناً أَو شِبَعاً وقِيطٌ. الأَحمر: ضرَبه فوقَطه إِذا صرَعه صرْعة لَا يَقُومُ مِنْهَا. والمَوْقُوط: الصَّرِيع. ووَقَط بِهِ الأَرض إِذا صرَعه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذا
__________
(3) . قوله [فِي حَجَرٍ فِي رَمْلٍ] كذا بالأصل.

(7/433)


نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ وُقِطَ فِي رأْسه
أَي أَنه أَدْركه الثِّقَل فوضَع رأْسه. يُقَالُ: ضَرَبَهُ فوقَطَه أَي أَثْقلَه، وَيُرْوَى بِالظَّاءِ بِمَعْنَاهُ كأَنَّ الظَّاءَ عَاقَبَتِ الذَّالَ من وقَذْت الرجل أَقِدُه إِذا أَثْخَنته بالضرْب. ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَقِيطُ والوَقِيعُ المَكان الصُّلْب الَّذِي يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَلَا يَرْزأُ الْمَاءُ شَيْئًا. ويومُ الوَقِيطِ: يومٌ كَانَ فِي الإِسلام بَيْنَ بَنِي تَمِيم وبَكر بنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والوَقْطُ اسْمُ موْضع؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
عَرَفْت لسَلْمَى، بَيْنَ وَقْطٍ فضَلْفَعِ، ... مَنازِلَ أَقْوَتْ مِنْ مَصِيفٍ ومَرْبَعِ
وَمَطَ: ابْنُ الأَعرابي: الوَمْطةُ الصَّرْعةُ من التعَب.
وَهَطَ: وهَطَه وَهْطاً، فَهُوَ مَوْهُوط ووَهِيطٌ: ضرَبه، وَقِيلَ: طعنَه. ووَهَطه يَهِطُه وَهْطاً: كسَره وَكَذَلِكَ وَقَصَه؛ وأَنشد:
يمرُّ أَحْلافاً يَهِطْنَ الجَنْدَلا
والوَهْطُ: شِبْهُ الوَهْنِ والضَّعْف. ووهَط يَهِطُ وَهْطاً أَي ضَعُف. ورَمَى طَائِرًا فأَوْهَطَه أَي أَضْعَفَه. وأَوْهَط جَنَاحَهُ وأَوْهَطه: صرَعه صَرْعةً لَا يَقُوم مِنْهَا، وَهُوَ الإِيهاطُ، وَقِيلَ: الإِيهاطُ القَتل والإِثْخانُ ضَرْباً أَو الرَّمْي المُهْلك؛ قَالَ:
بأَسْهُمٍ سَرِيعة الإِيهاط
قَالَ عَرّام السُّلَمِي: أَوْهَطْت الرَّجل وأَوْرَطْته إِذا أَوْقَعْتَه فِيمَا يَكْرَهُ. والأَوْهاطُ: الخُصومة والصِّياح. والوَهْطُ: الْجَمَاعَةُ. والوَهْطُ: الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الأَرض المُستوي ينبُت فِيهِ العِضاهُ والسَّمُر والطَّلْح والعُرْفُطُ، وخَصّ بَعْضُهُمْ بِهِ مَنْبِت الْعُرْفُطِ، وَالْجَمْعُ أَوْهاط ووِهاطٌ. وَيُقَالُ لِمَا اطمأَنَّ مِنَ الأَرض وَهْطة، وَهِيَ لُغَةٌ فِي وَهْدةٍ، وَالْجَمْعُ وَهْطٌ ووِهاطٌ، وَبِهِ سُمِّي الوَهْط. وَيُقَالُ: وَهْط مِنْ عُشَر، كَمَا يُقَالُ: عِيصٌ مِنْ سِدْر. وَفِي حَدِيثِ
ذِي المِشْعارِ الهَمْدانيّ: عَلَى أَن لَهُمْ وِهاطَها وعَزازَها
؛ الوِهاطُ: الْمَوَاضِعُ المطمئنَّة، وَاحِدَتُهَا وَهْط، وَبِهِ سُمِّي الوَهْطُ مالٌ كَانَ لعَمرو بْنِ الْعَاصِ، وَقِيلَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالطَّائِفِ، وَقِيلَ: الوَهْط مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: قَرية بِالطَّائِفِ. والوهْطُ: مَا كَثُرَ مِنَ العُرفط.
وَيَطَ: الواطةُ: مِنْ لُجَج الماء.