لسان العرب

الجزء الثامن

ع

كتاب العين المهملة
ع: هَذَا الْحَرْفُ قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ وابتدأُوا بِهِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ؛ حَكَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ بْنِ الْمُظَفَّرِ قَالَ: لَمَّا أَراد الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد الِابْتِدَاءَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ أَعمل فِكْرَهُ فِيهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَن يَبْتَدِئَ مِنْ أَوّل اب تَ ثَ لأَن الأَلف حَرْفٌ مُعْتَلٌّ، فَلَمَّا فَاتَهُ أَوّل الْحُرُوفِ كَرِهَ أَن يَجْعَلَ الثَّانِي أَوّلًا، وَهُوَ الْبَاءُ، إِلا بِحُجَّةٍ، وَبَعْدَ استِقْصاء تَدَبَّر ونظَر إِلى الْحُرُوفِ كُلِّهَا وذاقَها فَوَجَدَ مَخْرَجَ الْكَلَامِ كُلِّهِ مِنَ الْحَلْقِ، فصيَّر أَوْلاها بِالِابْتِدَاءِ بِهِ أَدخلها فِي الْحَلْقِ، وَكَانَ إِذا أَراد أَن يَذُوقَ الْحَرْفَ فَتَحَ فَاهُ بأَلف ثُمَّ أَظهر الْحَرْفَ نَحْوَ أَبْ أَتْ أَحْ أَعْ، فَوَجَدَ الْعَيْنَ أَقصاها فِي الْحَلْقِ وأَدخلها، فَجَعَلَ أَوّل الْكِتَابِ العينَ، ثُمَّ مَا قَرُب مَخرجه مِنْهَا بَعْدَ الْعَيْنِ الأَرفعَ فالأَرفعَ، حَتَّى أَتى عَلَى آخِرِ الْحُرُوفِ، وأَقصى الْحُرُوفِ كُلِّهَا الْعَيْنُ، وأَرفع مِنْهَا الْحَاءُ، وَلَوْلَا بُحَّة فِي الْحَاءِ لأَشبهت الْعَيْنَ لقُرْب مَخْرَجِ الْحَاءِ مِنَ الْعَيْنِ، ثُمَّ الْهَاءُ، وَلَوْلَا هَتَّةٌ فِي الْهَاءِ، وَقَالَ مَرَّةً هَهَّةٌ فِي الْهَاءِ، لأَشبهت الْحَاءَ لِقُرْبِ مَخْرَجِ الْهَاءِ مِنَ الْحَاءِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي حَيِّز وَاحِدٍ، فَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْهَاءُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ حَلْقِيّة، فَاعْلَمْ ذَلِكَ. قَالَ الأَزهريّ: الْعَيْنُ وَالْقَافُ لَا تَدْخُلَانِ عَلَى بِنَاءٍ إِلا حَسَّنتاه لأَنهما أَطْلَقُ الحُروف، أَما الْعَيْنُ فأَنْصَعُ الْحُرُوفِ جَرْساً وأَلذُّها سَماعاً، وأَما الْقَافُ فأَمْتَنُ الْحُرُوفِ وأَصحها جَرْساً، فإِذا كَانَتَا أَو إِحداهما فِي بناءٍ حَسُن لِنَصَاعَتِهِمَا. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْنُ وَالْحَاءُ لَا يأْتلفان فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصلية الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مخرجيْهما إِلا أَن يُؤَلَّفَ فِعْلٌ مِنْ جَمْعٍ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِثْلَ حَيٍّ عَلَى فَيُقَالُ مِنْهُ حَيْعَلَ، وَاللَّهُ أَعلم.

فصل الألف
أمع: الإِمَّعةُ والإِمَّعُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: الَّذِي لَا رأْي لَهُ وَلَا عَزْم فَهُوَ يُتَابِعُ كُلَّ أَحد عَلَى رأْيِه وَلَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اغْدُ عَالِمًا أَو مُتعلِّماً وَلَا تَكُنْ إِمَّعةً
، وَلَا نظير إِلا رَجُلٌ إِمَّرٌ، وَهُوَ الأَحمق؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الإِمَّرةُ وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَلَى مَا يُريده؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

(8/3)


لَقِيتُ شَيْخاً إِمَّعَهْ، ... سأَلتُه عَمّا مَعَهْ،
فَقَالَ ذَوْدٌ أَرْبَعهْ
وقال:
فَلَا دَرَّ دَرُّكَ مِن صاحِبٍ، ... فأَنْتَ الوُزاوِزةُ الإِمَّعَهْ
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَعُدُّ الإِمَّعةَ الَّذِي يتْبَع الناسَ إِلى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَن يُدْعى، وإِنَّ الإِمَّعةَ فِيكُمُ الْيَوْمُ المُحْقِبُ الناسِ دِينَه
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالْمَعْنَى الأَوَّلُ يَرْجِعُ إِلى هَذَا. اللَّيْثُ: رَجُلٌ إِمّعةٌ يَقُولُ لِكُلِّ أَحد أَنا مَعَكَ، وَرَجُلٌ إِمّع وإِمّعة لِلَّذِي يَكُونُ لضَعْف رأْيه مَعَ كُلِّ أَحد؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَيضاً: لَا يَكُونَنَّ أَحدُكم إِمَّعَةً، قِيلَ: وَمَا الإِمَّعَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقُولُ أَنا مَعَ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَراد ابْنُ مَسْعُودٍ بالإِمَّعَة الَّذِي يَتْبع كُلَّ أَحد عَلَى دِينِه، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ أَصل أَن إِفْعَلًا لَا يَكُونُ فِي الصِّفات، وأَما إِيَّل فَاخْتُلِفَ فِي وَزْنه فَقِيلَ فِعَّل، وقيل فِعْيَل، وقال ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَمْ يَجْعَلُوهُ إِفْعَلًا لئلا تكون الْفَاءُ وَالْعَيْنُ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَجِئْ مِنْهُ إِلا كَوْكَبٌ ودَدَنٌ، وَقَوْلُ من قول امرأَة إِمَّعة غَلَطٌ، لَا يُقَالُ لِلنِّسَاءِ ذَلِكَ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: قَدْ تأَمَّعَ واسْتَأْمَعَ. والإِمّعَةُ: المُتردّد فِي غَيْرِ مَا صَنْعة، وَالَّذِي لَا يَثْبُت إِخاؤه. وَرِجَالٌ إِمّعون، وَلَا يُجْمَعُ بالأَلف وَالتَّاءِ.