لسان العرب

فصل الباء الموحدة
ببن: التَّهْذِيبِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بأَوَّلهم حَتَّى يَكُونُوا بَبّاناً وَاحِدًا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهديّ يَعْنِي شَيْئًا وَاحِدًا، قَالَ: وَذَلِكَ الَّذِي أَرادَ عمرُ، قَالَ: وَلَا أَحسب الْكَلِمَةَ عَرَبِيَّةً وَلَمْ أَسمعها إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بَبّانٌ هُوَ فَعّالٌ لَا فَعْلانٌ، قَالَ: وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ، قَالَ: وَلَمْ تُحْمل الْكَلِمَةُ عَلَى أَن فاءَها وعينَها ولامَها مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ بَبَبَ. النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَيضاً: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبّاناً وَاحِدًا مَا فُتِحَت عَلَيَّ قريةٌ إِلَّا قَسَمْتُها
أَي أَتركُهم شَيْئًا وَاحِدًا، لأَنَّه إِذَا قَسَمَ البلادَ المفتوحةَ عَلَى الغانِمينَ بقيَ مَنْ لَمْ يحضُر الغنيمةَ، وَمَنْ يَجِيء بعدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعِهِمْ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا، وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرير: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَبّان، قَالَ: والصحيحُ عِنْدَنَا بَيّاناً وَاحِدًا، قَالَ: والعربُ إِذَا ذَكَرت مَنْ لَا يُعْرف قَالُوا هَذَا هَيَّانُ بْنُ بَيّان، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لأُسَوِّيَنَّ بَيْنَهُمْ فِي العَطاء حَتَّى يَكُونُوا شَيْئًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لأَحدٍ عَلَى غَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الأَزهري

(13/45)


لَيْسَ الأَمرُ كَمَا ظنَّ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَهْلُ الإِتقان، وكأَنَّها لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ وَلَمْ تَفْشُ فِي كَلَامِ مَعدٍّ، وَهُوَ البأْجُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الكواكبُ الْبَابَانِيَاتُ هِيَ الَّتِي لَا يَنْزِل بِهَا شمسٌ وَلَا قمرٌ، إنَّما يُهْتَدى بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَهِيَ شَامِيَّةٌ، ومهبُّ الشَّمالِ مِنْهَا، أَولُها الْقُطْبُ، وَهُوَ كوكبٌ لَا يزولُ، والجَدْيُ والفَرْقَدان، وَهُوَ بَيْنَ الْقُطْبِ «1» . وَفِيهِ بناتُ نَعْشٍ الصُّغْرى.
بثن: البَثْنَةُ والبِثْنَةُ: الأَرضُ السَّهْلَةُ اللَّينة، وَقِيلَ: الرَّملة، وَالْفَتْحُ أَعلى؛ وأَنشد ابْنُ بَري لِجَمِيلٍ:
بَدَتْ بَدْوةً لمَّا اسْتَقَلَّت حُمولُها ... بِبَثْنةَ، بَيْنَ الجُرْفِ وَالْحَاجِّ والنُّجْلِ
. وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة بَثْنة، وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِّيَتْ بُثَيْنة. والبَثَنِيّةُ: الزُّبْدةُ. والبَثَنِيَّةُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحِنْطَةِ. والبَثَنِيَّةُ: بلادٌ بالشأْم. وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لمَّا عَزَلَه عمرُ عَنِ الشَّامِ حِينَ خطَبَ الناسَ فَقَالَ: إنَّ عُمَر اسْتَعْمَلني عَلَى الشَّامِ وَهُوَ لَهُ مُهِمٌّ، فَلَمَّا أَلْقَى الشامُ بَوانِيَه وصارَ بَثَنِيَّةً وَعَسَلًا عزَلني وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي؛ فِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ البَثَنِيَّة حِنْطَةٌ منسوبةٌ إِلَى بَلْدَةٍ معروفةٍ بِالشَّامِ مِنْ أَرض دِمَشق، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ رُسْتاقِ دِمشق يُقال لَهَا البَثَنِيَّة، وَالْآخِرُ أَنه أَراد البَثَنِيَّة النَّاعِمَةَ مِنَ الرَّمْلَةِ اللَّينة يُقَالُ لَهَا بَثْنة، وَتَصْغِيرُهَا بُثَيْنَة، فأَراد خالدٌ أَن الشأْم لمَّا سَكَنَ وَذَهَبَتْ شَوْكَتُه، وَصَارَ لَيِّنًا لَا مكْروهَ فِيهِ، خِصْباً كالحِنْطة والعسلِ، عَزَلَنِي، قَالَ: والبَثْنةُ الزُّبْدة النَّاعِمَةُ أَي لَمَّا صَارَ زُبْدة نَاعِمَةً وَعَسَلًا صِرْفَيْن لأَنها صَارَتْ تُجْبَى أَموالها مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ بُثَيْنةُ اسْمَ المرأَة تصغيرَها أَعني الزُّبْدَةَ فَقَالَ جَمِيلٌ:
أُحِبُّكَ أَنْ نَزَلْتَ جِبال حِسْمَى، ... وأَنْ ناسَبْتَ بَثْنةَ مِنْ قريبٍ «2»
. البَثْنةُ هَاهُنَا: الزبدةُ. والبَثْنةُ: النَّعْمةُ فِي النِّعْمةِ. والبَثْنَةُ: الرَّملةُ اللَّيِّنة. والبَثْنةُ: المرأَةُ الحَسْناء الْبَضَّةُ؛ قَالَ الأَزهري: قرأْتُ بِخَطِّ شَمِرٌ وَتَقْيِيدُهُ: البِثْنة، بِكَسْرِ الْبَاءِ، الأَرض اللَّيِّنَةُ، وجمعُها بِثَنٌ؛ وَيُقَالُ: هِيَ الأَرض الطَّيِّبَةُ، وَقِيلَ: البُثُنُ الرِّيَاضُ؛ وأَنشد قَوْلَ الْكُمَيْتِ:
مباؤكَ فِي البُثُنِ النَّاعِمَاْتِ ... عَيْناً، إِذَا رَوَّحَ المؤْصِل
يَقُولُ: رِياضُك تَنْعَمُ أَعْيُنَ الناسِ أَي تُقِرُّ عيونَهم إِذَا أَراحَ الرَّاعِي نَعَمَه أَصيلًا، والمَباءُ والمَباءةُ: المنزلُ. قَالَ الْغَنَوِيُّ: بَثَنِيَّةُ الشَّامِ حنطةٌ أَو حَبَّةٌ مُدَحْرجَةٌ، قَالَ: وَلَمْ أَجد حَبّةً أَفضلَ مِنْهَا؛ وَقَالَ ابْنُ رُوَيشد الثَّقَفِيُّ:
فأَدْخَلْتُها لَا حِنْطةً بَثَنِيَّةً ... تُقَابِلُ أَطْرافَ البيوتِ، وَلَا حُرْفا
قَالَ: بَثَنِيّة منسوبةٌ إِلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ بَيْنَ دِمَشْقَ وأَذْرِعات، وَقَالَ أَبو الْغَوْثِ: كلُّ حِنْطَةٍ تَنْبُت فِي الأَرض السَّهْلة فَهِيَ بَثَنيَّة خِلَافَ الجبَليَّة، فَجَعَلَهُ مِنَ الأَول.
بحن: بَحْنةُ: نخلةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَبَنَاتُ بَحْنَةَ: ضربٌ مِنَ النَّخْلِ طِوالٌ، وَبِهَا سمِّي ابنُ بُحَينة. وابنُ بَحْنَة: السوطُ تَشْبيهاً بِذَلِكَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قِيلَ لِلسَّوْطِ ابنُ بَحْنةَ لأَنه يُسَوّى مِنْ قُلوس الْعَرَاجِينِ. وبَحْنَةُ: اسمُ امرأَةٍ نُسِبَ إِلَيْهَا نَخْلاتٌ كُنَّ عِنْدَ بَيْتِهَا كَانَتْ تَقُولُ: هُنَّ بَنَاتِي، فَقِيلَ: بناتُ بَحْنةَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى أَبو سهل عن التميمي
__________
(1) . قوله [وهو بين القطب] كذا في الأَصل
(2) . هنا جميل يخاطب أخا بثينة لا بثينة نفسها

(13/46)


فِي قَوْلِهِمْ بِنْتُ بحْنة أَن البَحْنة نَخْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة بَحْنة، وَالْجَمْعُ بَنَاتُ بَحْنٍ. الْمُحْكَمُ: وبَحْنةُ وبُحَيْنَةُ اسمُ امرأَتين؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والبَحْونُ: رملٌ متراكبٌ؛ قَالَ:
مِنْ رَمْلِ تُرْنَى ذِي الرُّكامِ البَحْون
وَرَجُلٌ بَحْوَنٌ وبَحْوَنةٌ: عظيمُ الْبَطْنِ. والبَحْوَنةُ: القِرْبةُ الواسعةُ الْبَطْنِ؛ أَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ للأَسود بْنِ يَعْفُر:
جَذْلان يَسَّرَ جُلَّةً مَكْنُوزَةً، ... حَبْناءَ بَحْوَنةً ووَطْباً مِجْزَما «3»
. أَبو عَمْرٍو: البَحْنانةُ الجُلَّة العظيمةُ البَحْرانية الَّتِي يُحْملُ فِيهَا الكَنْعَد المالحُ، وَهِيَ البَحْوَنةُ أَيضاً، وَيُقَالُ للجُلَّة الْعَظِيمَةِ البَحْناء. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا كَانَ يومُ الْقِيَامَةِ تخرجُ بَحْنانةٌ مِنْ جَهَنَّمَ فتلْقُطُ الْمُنَافِقِينَ لَقْطَ الحَمامةِ القِرْطِمَ
؛ البَحْنانةُ: الشرارةُ مِنَ النَّارِ. ودلْوٌ بَحْوَنيٌّ: عظيمٌ كثيرُ الأَخْذِ لِلْمَاءِ. وجُلَّة بَحْوَنةٌ: عظيمةٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. والبَحْوَنُ: ضربٌ مِنَ التَّمْرِ؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: فَلَا أَدري مَا حقيقتُه. وبَحْوَن وبَحْوَنةُ: اسمان.
بخن: رَجُلٌ بَخْنٌ: طويلٌ مِثْلُ مَخْن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَدَلًا. ابْنُ بَرِّيٍّ: بَخَنَ، فَهُوَ باخِنٌ، طَالَ؛: قَالَ الشَّاعِرُ:
فِي باخِنٍ منْ نهارِ الصَّيْفِ مُحْتَدِم
التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تمدَّدَت لِلْحَالِبِ قَدِ ابْخَأَنَّت، وَيُقَالُ لِلْمَيِّتِ أَيضاً ابْخَأَنَّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ فَتَرَكَ الهمزة:
مُرِبَّة [مُرَبَّة] بالنَّقْرِ والإِبْساسِ، ... ولابْخِنانِ الدَّرِّ والنُّعاسِ
يُقَالُ: قَدِ ابْخأَنَّتْ وابْخانَّت، مَهْمُوزٌ وَغَيْرُ مهموز.
بخدن: امرأَة بَخْدَنٌ: رَخصةٌ نَاعِمَةٌ تارَّةً. وبَخْدَن وبِخْدِن والبِخْدِنُ، كلُّ ذَلِكَ: اسمُ امرأَة؛ قَالَ:
يَا دارَ عَفْراءَ ودارَ البِخْدِنِ.
بدن: بَدَنُ الإِنسان: جسدُه. والبدنُ مِنَ الجسدِ: مَا سِوَى الرأْس والشَّوَى، وَقِيلَ: هُوَ العضوُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَخَصَّ مَرّةً بِهِ أَعضاءَ الجَزور، وَالْجَمْعُ أَبْدانٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنها لحَسنةُ الأَبدانِ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بَدَناً ثُمَّ جَمَعُوهُ عَلَى هَذَا؛ قَالَ حُمَيد بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:
إِنَّ سُلَيْمى واضِحٌ لَبَّاتُها، ... لَيِّنة الأَبدانِ مِنْ تحتِ السُّبَجْ
. وَرَجُلٌ بادنٌ: سِمِينٌ جَسِيمٌ، والأُنثى بادنٌ وبادنةٌ، والجمعُ بُدْنٌ وبُدَّنٌ؛ أَنشد ثَعْلَبُ:
فَلَا تَرْهَبي أَن يَقْطَع النَّأْيُ بَيْنَنَا، ... ولَمّا يُلَوِّحْ بُدْنَهُنَّ شُروبُ
وَقَالَ زُهَيْرٌ:
غَزَتْ سِماناً فآبَتْ ضُمَّراً خُدُجاً، ... مِنْ بَعْدِ مَا جَنَّبوها بُدَّناً عُقُقا
وَقَدْ بَدُنَتْ وبَدَنَتْ تَبْدُن بَدْناً وبُدْناً وبَداناً وَبَدَانَةً؛ قَالَ:
وانْضَمَّ بُدْنُ الشَّيْخِ واسمَأَلَّا
إِنَّمَا عَنَى بالبُدن هُنَا الجوهرَ الَّذِي هُوَ الشَّحْمُ، لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى هَذَا لأَنك إِنْ جَعَلْتَ البُدْنَ عرَضاً جَعَلْتَهُ مَحَلًّا لِلْعَرَضِ. والمُبَدَّنُ والمُبَدّنةُ: كالبادِنِ والبادنةِ، إِلَّا أَن المُبَدَّنةَ صيغةُ مفعول. والمِبْدانُ:
__________
(3) . قوله [جذلان] رواية ابن سيدة: ريان

(13/47)


الشَّكورُ السَّريعُ السَّمَن؛ قَالَ:
وَإِنِّي لَمِبْدانٌ، إِذَا القومُ أَخْمصُوا، ... وفيٌّ، إِذَا اشتدَّ الزَّمانُ، شحُوب
. وبَدَّنَ الرجلُ: أَسَنَّ وَضَعُفَ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا تُبادروني بِالرُّكُوعِ وَلَا بالسجودِ، فَإِنَّهُ مهْما أَسْبِقكم بِهِ إِذَا ركعتُ تُدْرِكوني إِذَا رَفَعْتُ، ومهما أَسْبقْكم إذا سَجَدْتُ تُدْرِكوني إِذَا رفعتُ، إِنِّي قَدْ بَدُنْتُ
؛ هَكَذَا رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ بَدُنْت؛ قَالَ الأُموي: إِنَّمَا هُوَ بَدَّنْت، بِالتَّشْدِيدِ، يَعْنِي كَبِرْتُ وأَسْنَنْتُ، والتخفيفُ مِنَ الْبَدَانَةِ، وَهِيَ كثرةُ اللَّحْمِ، وبَدُنْتُ أَي سَمِنْتُ وضَخُمْتُ. وَيُقَالُ: بَدَّنَ الرجلُ تَبْديناً إِذَا أَسَنَّ؛ قَالَ حُمَيد الأَرقط:
وكنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدينا ... والهَمَّ مِمَّا يُذْهِلُ القَرينا
قَالَ: وأَما قولُه قَدْ بَدُنْتُ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى إِلَّا كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَلَمْ يَكُنْ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَميناً. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ أَبي هالةَ: بادِنٌ مُتمَاسِك
؛ والبادنُ: الضخمُ، فَلَمَّا قَالَ بادِنٌ أَرْدَفَه بمُتماسِكٍ وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ بعضُ أَعْضائِه بَعْضًا، فَهُوَ مُعْتَدِلُ الخَلْقِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَتُحِبُّ أَنّ رَجُلًا بادِناً فِي يَوْمٍ حارٍّ غَسَلَ مَا تَحتَ إزارِه ثُمَّ أَعْطاكَه فشَرِبْتَه؟
وبَدَنَ الرجلُ، بِالْفَتْحِ، يَبْدُنُ بُدْناً وبَدانةً، فَهُوَ بادِنٌ إِذَا ضخُمَ، وَكَذَلِكَ بَدُنَ، بِالضَّمِّ، يَبْدُن بَدانةً. وَرَجُلٌ بادِنٌ ومُبَدَّنٌ وامرأَة مُبَدَّنةٌ: وَهُمَا السَّمينانِ. والمُبَدِّنُ: المُسِنُّ. أَبو زَيْدٍ: بَدُنَت المرأَةُ وبَدَنَت بُدْناً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: بُدْناً وبَدانةً عَلَى فَعالة، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وامرأَةٌ بادِنٌ أَيضاً وبَدين. وَرَجُلٌ بَدَنٌ: مُسِنٌّ كَبِيرٌ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
هَلْ لِشَبابٍ فاتَ مِنْ مَطْلَبِ، ... أَمْ مَا بكاءُ البَدَنِ الأَشْيَبِ؟
والبَدَنُ: الوعِلُ المُسِنُّ؛ قَالَ يصفَ وعِلًا وكَلْبة:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا بَدَتِ العُقابُ، ... وضَمّها والبَدَنَ الحِقابُ:
جِدِّي لكلِّ عاملٍ ثَوابُ، ... والرأْسُ والأَكْرُعُ والإِهابُ
. العُقابُ: اسمُ كَلْبَةٍ، والحِقابُ: جَبَلٌ بِعَيْنِهِ، والبَدَنُ: المُسِنُّ مِنَ الوُعول؛ يَقُولُ: اصْطادي هَذَا التيْسَ وأَجعلُ ثوابَك الرأْسَ والأَكْرُعَ والإِهابَ، وبيتُ الِاسْتِشْهَادِ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ ضمَّها، وَصَوَابُهُ وضمَّها كَمَا أَوردناه؛ ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ، وَالْجَمْعُ أَبْدُنٌ؛ قَالَ كُثَيّر عَزَّةَ:
كأَنّ قُتودَ الرَّحْلِ مِنْهَا تُبِينُها ... قُرونٌ تَحَنَّتْ فِي جَماجِمِ أَبْدُنِ
وبُدونٌ، نَادِرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والبَدنةُ مِنَ الإِبلِ وَالْبَقَرِ: كالأُضْحِيَة مِنَ الْغَنَمِ تُهْدَى إِلَى مَكَّةَ، الذَّكَرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ الْجَوْهَرِيُّ: البَدْنةُ ناقةٌ أَو بقرةٌ تُنْحَرُ بِمَكَّةَ، سُمِّيت بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يُسَمِّنونَها، وَالْجَمْعُ بُدُنٌ وبُدْنٌ، وَلَا يُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَدَنٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا خَشَبٌ وأَجَمٌ ورَخَمٌ وأَكَمٌ، اسْتَثْنَاهُ اللِّحْيَانِيُّ مِنْ هَذِهِ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ قَدْ ساقَ بَدَنةً: يَجُوزُ أَن تَكُونَ سُمِّيَتْ بَدَنةً لِعِظَمِها وضَخامتِها، وَيُقَالُ: سمِّيت بدَنةً لسِنِّها. والبُدْنُ: السِّمَنُ والاكتنازُ، وَكَذَلِكَ البُدُن مِثْلُ عُسْر وعُسُر؛ قَالَ شَبيب بْنُ البَرْصاء:

(13/48)


كأَنها، مِنْ بُدُنٍ وإيفارْ، ... دَبَّت عَلَيْهَا ذَرِباتُ الأَنبارْ
وَرُوِيَ: مِنْ سِمَنٍ وَإِيغَارٍ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه أُتِيَ ببَدَناتٍ خَمْسٍ فطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِليه بأَيَّتِهِنَّ يَبْدأُ
؛ البَدَنةُ، بِالْهَاءِ، تَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ الذَّكر مِمَّا يَجُوزُ فِي الهدْي والأَضاحي، وَهِيَ بالبُدْن أَشْبَه، وَلَا تَقَعُ عَلَى الشَّاةِ، سمِّيت بَدَنةً لِعِظَمِها وسِمَنِها، وَجَمْعُ البَدَنةِ البُدْن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: بَدَنة وبُدْن، وَإِنَّمَا سُمِّيت بَدَنةً لأَنها تَبْدُنُ أَي تَسْمَنُ. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبِيِّ: قِيلَ لَهُ إِنَّ أَهلَ العِراق يَقُولُونَ إِذا أَعْتَقَ الرجلُ أَمَتَه ثُمَّ تَزوَّجها كَانَ كمَنْ يَرْكَبُ بدَنتَه
؛ أَي مَنْ أَعْتَقَ أَمتَه فَقَدْ جَعَلَهَا مُحرَّرة لِلَّهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ البَدَنةِ الَّتِي تُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي الْحَجِّ فَلَا تُرْكبُ إِلَّا عَنْ ضرورةٍ، فَإِذَا تزَوَّجَ أَمتَه المُعْتَقة كَانَ كَمَنْ قَدْ رَكِبَ بدَنتَه المُهْداةَ. والبَدَنُ: شِبْهُ دِرْعٍ إِلَّا أَنه قَصِيرٌ قَدْرُ مَا يَكُونُ عَلَى الْجَسَدِ فَقَطْ قَصِيرُ الكُمَّينِ. ابْنُ سِيدَهْ: البَدَنُ الدِّرعُ الْقَصِيرَةُ عَلَى قَدْرِ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: هِيَ الدِّرْعُ عامَّة، وَبِهِ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
؛ قَالَ: بِدِرْعِك، وَذَلِكَ أَنهم شكُّوا فِي غَرَقِه فأَمرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ البحرَ أَن يَقْذِفَه عَلَى دَكَّةٍ فِي الْبَحْرِ بِبَدنه أَي بِدرْعِهِ، فَاسْتَيْقَنُوا حِينَئِذٍ أَنه قَدْ غَرِقَ؛ الْجَوْهَرِيُّ: قَالُوا بجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، قَالَ الأَخفش: وقولُ مَن قالَ بِدرْعِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَبْدانٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهَه: لَمَّا خطَب فاطمةَ، رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، قِيلَ: مَا عندكَ؟ قَالَ: فَرَسي وبَدَني
؛ البَدَنُ: الدِّرْع مِنَ الزَّرَدِ، وَقِيلَ: هِيَ القصيرةُ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
سَطيح: أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنِ
أَي واسعُ الدِّرْعِ؛ يُرِيدُ كثرةَ الْعَطَاءِ. وَفِي حَدِيثِ مَسْح الخُفَّين:
فأَخْرجَ يدَه مِنْ تحتِ بدَنِه
؛ اسْتعارَ البَدَنَ هَاهُنَا للجُبَّةِ الصغيرةِ تَشْبِيهًا بالدِّرع، وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ مِنْ أَسفَل بدَنِ الجُبَّة، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى: فأَخرجَ يَدَهُ مِنْ تحتِ البَدَنِ. وبدَنُ الرجلِ: نَسَبُه وحسبُه؛ قَالَ:
لَهَا بدَنٌ عاسٍ، ونارٌ كريمةٌ ... بمُعْتَركِ الآريّ، بين الضَّرائِم.
بذن: قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ فِي المَنْطِق: بأْذَنَ فلانٌ مِنَ الشَّرِّ بأْذَنةً، وَهِيَ المُبَأْذَنةُ، مَصْدَرٌ، وَيُقَالُ: أَنائِلًا تريدُ ومُعَتْرَسةً، أَراد بالمُعَترسة الِاسْمَ يُرِيدُ بِهِ الفعلَ مثل المُجاهَدة «1» .
بذبن: باذَبِينُ: رسولٌ كَانَ لِلْحَجَّاجِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي كِلَابٍ:
أَقولُ لِصَاحِبِي وجَرَى سَنيحٌ، ... وآخرُ بارِحٌ مِن عنْ يَميني
وَقَدْ جَعَلَتْ بَوائقُ مِنْ أُمورٍ ... تُوَقِّعُ دونَه، وتَكُفُّ دُوني:
نشدْتُك هلْ يَسُرُّك أَنّ سَرْجي ... وسَرْجَك فوقَ بَغْلٍ باذَبِيني؟
قَالَ: نَسَبَهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كان رسولًا للحجاج.
برن: البَرْنيُّ: ضرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوّر، وَهُوَ أَجود التَّمْرِ، واحدتُه بَرْنِيّةٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَصله فَارِسِيٌّ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بارِنيّ، فَالْبَارُ الحَمْلُ، ونِيّ تعظيمٌ وَمُبَالَغَةً؛ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
خَالِيَ عُوَيْفٌ وأَبو عَلِجِّ، ... المُطْعِمانِ اللحْمَ بالعَشِجِ
__________
(1) . قوله: ويقال أنائلًا إلخ؛ فلا علاقة له بمادة بأذن

(13/49)


وبالغَداةِ كِسَرَ البَرْنِجِّ، ... يُقْلَعُ بالوَدِّ وبالصِّيصِجِ
فَإِنَّهُ أَراد: أَبو عَلِيٍّ وَبِالْعَشِيِّ وَالْبَرْنِيِّ والصِّيصِيّ، فأَبدل مِنَ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ جِيمًا. التَّهْذِيبُ: البَرْنِيُّ ضربٌ مِنَ التَّمْرِ أَحمرُ مُشْرَب بصُفْرة كَثِيرُ اللِّحاء عَذْب الحَلاوة. يُقَالُ: نخلةٌ بَرْنِيَّة ونخلٌ بَرْنِيٌّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
بَرْنِيّ عَيْدانٍ قَليل قشْرُهْ
ابْنُ الأَعرابي: البَرْنِيُّ الدِّيَكةُ، وَقِيلَ: البَرَانيُّ، بِلُغَةِ أَهل الْعِرَاقِ، الدِّيَكةُ الصِّغارُ حِينَ تُدْرِك، واحدتُها بَرْنِيّة. والبَرْنِيَّةُ: شبْهُ فخّارةٍ ضخمةٍ خَضْراء، وَرُبَّمَا كَانَتْ مِنَ القَواريرِ الثِّخانِ الواسعةِ الأَفْواه. غَيْرُهُ: والبَرْنيَّة إناءٌ مِنْ خَزَفٍ. ويَبْرينُ: مَوْضِعٌ، يُقَالُ: رملُ يَبْرينَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حقُّ يَبْرينَ أَنْ يُذْكَر فِي فَصْلِ بَرَى مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ لأَنّ يبرينَ مِثْلُ يَرْمينَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَبْرونَ فِي الرَّفْعِ وَيَبْرِينَ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَهَذَا قاطعٌ بِزِيَادَةِ النُّونِ؛ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ يَبْرين فَعْلينَ، لأَنه لَمْ يأْتِ لَهُ نظيرٌ، وَإِنَّمَا فِي الْكَلَامِ فِعْلينٌ مثلُ غِسْلينٍ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَبي الْعَبَّاسِ، أَعني أَن يَبْرين مثلُ يَرْمين، قال: وهو الصحيح.
برثن: البُرْثُنُ: مِخْلَبُ الأَسَد، وَقِيلَ: هُوَ للسبُع كالإِصْبَع للإِنسان، وَقِيلَ: البُرْثُنُ الكَفُّ بِكَمَالِهَا مَعَ الأَصابع. اللَّيْثُ: البَراثِن أَظْفار مَخالِب الأَسَد، يُقَالُ: كأَنّ بَراثِنَه الأَشافي. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: البُرْثُن مِثْلُ الإِصْبع، والمِخْلَبُ ظُفُر البُرْثُن؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ:
وتَرى الضّبَّ خَفِيفًا ماهِراً، ... رَافعاً بُرْثُنَه مَا يَنْعَفِرْ
وَالْمَشْهُورُ فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ: ثَانِيًا بُرْثُنَهُ، يَصِفُ مَطَرًا كَثِيرًا أَخرجَ الضَّبَّ مِنْ جُحْره، فعامَ فِي الْمَاءِ مَاهِرًا فِي سباحَته يَبْسُطُ بَراثْنه ويَثْنيها فِي سِباحَته، وقولُه مَا يَنْعَفِر أَي لَا يُصِيبُ بَراثنَه الترابُ، وَهُوَ العَفَرُ، والبَراثن لِلسِّبَاعِ كُلِّهَا، وَهِيَ مِنَ السباعِ وَالطَّيْرِ بمَنْزلة الأَصابع مِنَ الإِنسان؛ وَقَدْ تُستعارُ البَراثِنُ لأَصابع الإِنسان كَمَا قال ساعدةُ ابنُ جُؤَيَّةَ يَذْكُرُ النَّحْلَ ومُشْتَار العَسَلِ:
حتَّى أُشِبَّ لَهَا، وَطَالَ أَبابُها، ... ذُو رُجْلَةٍ شَتْنُ البَراثِنِ جَحْنَبُ
والجَحْنَب: القَصير، وَلَيْسَ يَهْجوه وَإِنَّمَا أَراد أَنه مُجْتَمِعُ الخَلْق. وَفِي حَدِيثِ القبائِلِ:
سُئِلَ عَنْ مُضَرَ فَقَالَ: تَميمٌ بُرْثُمَتُها وجُرْثُمَتُها
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا هُوَ بُرْثُنَتُها، بِالنُّونِ، أَي مَخالِبُها، يُرِيدُ شَوْكَتها وقُوَّتَها، والميمُ والنونُ يتَعاقبان، فَيَجُوزُ أَن تكونَ الميمُ لُغَةً، وَيَجُوزُ أَن تكونَ بَدَلًا لازْدِواج الْكَلَامِ فِي الجُرْثومة كَمَا قَالَ الغَدايا والعَشايا. والبُرْثُن لِمَا لَمْ يَكنْ مِنْ سِباعِ الطَّيْرِ مثلُ الْغُرَابِ وَالْحَمَامِ، وَقَدْ يكونُ للضَّبِّ والفأْر واليَرْبوع. وبُرْثُنُ: قَبِيلَةٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لقَيْسِ بنِ المُلَوَّح:
لَخُطَّابُ لَيْلى، يالَ بُرْثُنَ منكُمُ، ... أَدَلُّ وأَمْضَى مِنْ سُلَيكِ المَقانِبِ
غَيْرُهُ: بُرْثُن حَيٌّ مِنْ بَنِي أَسد؛ قَالَ: وَقَالَ قُرّانٌ الأَسَديّ:
لَزُوّارُ لَيْلى، منكُمُ آلَ بُرْثُن، ... عَلَى الهَوْلِ أَمْضَى مِنْ سُلَيْكِ المَقانِب
تَزُورُونَها وَلَا أَزورُ نِساءَكم، ... أَلَهْفي لأَولاد الإِماءِ الحَواطِب

(13/50)


قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الأَوّلُ، جَعَلَ اهتِداءَهم لِفَسادِ زوجتِه كاهْتِداء سُلَيْكِ بْنِ السُّلَكةِ فِي سَيْره فِي الفَلَوات. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير: بَرْثان، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَادٍ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَدْرٍ، قَالَ: وَقِيلَ فِي ضبطه غيرُ ذلك.
برذن: البِرْذَوْنُ: الدَّابَّةُ، مَعْرُوفٌ، وسَيْرَتُه البَرْذَنَةُ، والأُنثى بِرْذَوْنَةٌ، قال:
رأَيتُكَ، إذْ جالَتْ بكَ الخَيْلُ جَوْلةً، ... وأَنتَ عَلَى بِرْذَوْنةٍ غَيْرَ طائلِ
وجَمْعُه بَراذينُ. وَالْبَرَاذِينُ مِنَ الخَيْلِ: مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نِتاج العِرابِ. وبَرذَنَ الفرسُ: مَشَى مشيَ البَراذينِ. وبَرْذَنَ الرجلُ: ثَقُلَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسِبُ أَن البرْذَوْن مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وحكي عَنِ الْمُؤَرِّجِ أَنه قَالَ: سأَلتُ فُلَانًا عَنْ كَذَا وَكَذَا فبَرْذَنَ لِي أَي أَعْيا وَلَمْ يُجِبْ فيه.
برزن: البِرْزينُ، بِالْكَسْرِ: إِنَاءٌ مِنْ قِشْرِ الطَّلْع يُشْرَب فِيهِ، فَارِسِيٌّ مُعرّب، وَهِيَ التَّلْتَلة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البِرْزِينُ قِشْرُ الطَّلْعةِ يُتَّخَذ مِنْ نِصْفِهِ تَلْتَلةٌ؛ وأَنشد لعَديّ بْنِ زَيْدٍ:
إنَّما لِقْحَتُنا باطيةٌ، ... جَوْنةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُها
فإِذا مَا حارَدتْ أَو بَكَأَتْ، ... فُكَّ عَنْ حاجِبِ أُخْرى طينُها
وَفِي التَّهْذِيبِ:
إِنَّمَا لِقْحتُنا خابيةٌ
شَبَّه خابيتَه بلِقْحةٍ جَوْنةٍ أَي سوداءَ، فإِذا قَلَّ مَا فِيهَا أَو انْقَطَعَ فُتِحَتْ أُخرى، قَالَ: وصوابُ برْزينٍ أَن يُذْكَر فِي فَصْلِ برَز، لأَنّ وَزْنه فِعْلينٌ مثل غِسْلين، قال: وَالْجَوْهَرِيُّ جَعَلَ وَزْنَهُ فِعْليلًا. النَّضْر: البِرزين كُوز يُحْمَلُ بِهِ الشَّرابُ مِنَ الخابِية. الْجَوْهَرِيُّ: البِرْزينُ، بِالْكَسْرِ، التَّلْتَلةُ، وَهِيَ مِشْرَبة تُتّخذ مِنْ قِشر الطَّلعة.
بركن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: الْفَرَّاءُ يُقَالُ لِلْكِسَاءِ الأَسود بَرْكان وَلَا يُقَالُ بَرَنكان.
برهن: التَّهْذِيبُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ*
؛ البُرْهان الحُجّة الْفَاصِلَةُ الْبَيِّنَةُ، يُقَالُ: بَرْهَنَ يُبَرْهِنُ بَرْهَنةً إِذَا جَاءَ بحُجّةٍ قَاطِعَةٍ لِلَدَد الخَصم، فَهُوَ مُبَرْهِنٌ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ لِلَّذِي لَا يُبَرْهِنُ حَقِيقَتَهُ إِنَّمَا أَنت متمنٍّ، فجعلَ يُبَرْهن بِمَعْنَى يُبَيِّن، وجَمْعُ البرهانِ براهينُ. وَقَدْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ: أَقام الْحُجَّةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الصَّدَقةُ بُرْهانٌ
؛ البُرْهانُ: الحجّةُ وَالدَّلِيلُ أَي أَنها حُجَّةٌ لِطَالِبِ الأَجْر مِنْ أَجل أَنَّها فَرْضٌ يُجازِي اللهُ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ دَليلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ صَاحِبِهَا لِطِيبِ نَفْسه بإخْراجها، وَذَلِكَ لعَلاقةٍ مَّا بَيْنَ النفْسِ والمال.
برهمن: البُرَهْمِنُ: العالِم، بالسُّمَنيَّة. التَّهْذِيبُ: البُرَهْمِنُ بالسُّمَنِيّة عالِمُهم وعابِدُهم.
بزن: الأَبْزَنُ: شيءٌ يُتَّخَذ مِنَ الصُّفْر لِلْمَاءِ وَلَهُ جَوْف، وَقَدْ أَهْمله اللَّيْثُ؛ وَجَاءَ فِي شعرٍ قَدِيمٍ: قَالَ أَبو دُوادٍ الإِياديّ يَصِفُ فَرَسًا وَصَفه بِانْتِفَاخِ جَنْبَيْه:
أَجْوَفُ الجَوْفِ، فَهُوَ مِنْهُ هواءٌ، ... مِثْلَ مَا جافَ، أَبْزَناً، نَجَّارُ
أَصله آبْزَنَ فَجَعَلَهُ الأَبْزَنَ حَوْض مِنْ نُحاسٍ يَسْتَنْقعُ فِيهِ الرجلُ، وَهُوَ مُعَرّب، وجعَل صانِعَه نَجَّارًا جافَ أَبَزْناً وسَّع جوفَه لِتَجْوِيدِهِ إِيَّاهُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَبْزَنُ شَيْءٌ يَعْمَله النَّجَّارُ مِثْلَ التَّابُوتِ؛

(13/51)


وأَنشد بَيْتَ أَبي دُواد:
مِثل مَا جَافَ أَبزناً نجّارُ
أَبو عَمْرٍو الشّيْباني: يُقَالُ إبْزِيمٌ وإبْزِينٌ ويُجْمَع أَبازينَ؛ قَالَ أَبو دُوَادَ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ:
إنْ لَم تَلِطْني بهمْ حَقًّا، أَتَيْتُكُمُ ... حُوّاً وكُمْتاً تَعادَى كَالسَّرَاحِينِ
مِنْ كُلِّ جَرْداءَ قَدْ طارَتْ عقيقتُها، ... وَكُلِّ أَجْرَدَ مُسْتَرْخِي الأَبازِينِ
جمعُ إبْزِين، وَيُقَالُ للقُفْل أَيضاً الإِبْزيمَ لأَنّ الإِبْزِيم إفْعيل مِنْ بَزَمَ إِذَا عَضَّ، وَيُقَالُ أَيضاً إبْزين، بِالنُّونِ. الْجَوْهَرِيُّ: البُزْيونُ، بِالضَّمِّ، السُّنْدُس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ رَقيقُ الدِّيبَاجِ، قَالَ: والإِبْزين لغةٌ فِي الإِبزيم؛ وأَنشد:
وَكُلِّ أَجردَ مُسْترْخي الأَبازينِ
بسن: الباسِنةُ: كالْجُوالِقِ غَليظٌ يُتَّخذُ مِنْ مُشاقةِ الكَتَّان أَغْلظُ مَا يَكونُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: البأْسِنةُ كِساء مَخيطٌ يُجْعلُ فِيهِ طَعَامٌ، والجمعُ البَآسِنُ. والبآسِنةُ: اسْمٌ لِآلَاتِ الصُّنَّاع، قَالَ: وَلَيْسَ بَعَرَبيّ مَحْضٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَل آدمُ، عَلَيْهِ السلامُ، مَنْ الجَنة بالباسِنةِ
، التفسيرُ للهرَويّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ إِنَّهَا آلاتُ الصُّنَّاع، وَقِيلَ: إِنَّهَا سِكّةُ الحَرْث، قَالَ: وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ. ابْنُ بَرِّيٍّ: البَواسِنُ جمعُ باسِنةٍ سِلال الفُقّاع، قَالَ: حَكَاهُ ابنُ دَرَسْتَوَيْه عَنِ النَّضْر بنِ شُمَيْل. وحَسَنٌ بَسَنٌ إتْباعٌ. ابْنُ الأَعرابي: أَبْسَنَ الرجلُ إِذَا حَسُنَتْ سَحْنَتُه. وبَيْسانُ: مَوْضِعٌ بِنَوَاحِي الشَّامِ؛ قَالَ أَبو دُواد:
نَخَلاتٌ مِنْ نَخْلِ بَيْسانَ أَينَعْنَ ... جميعاً، ونَبْتُهنَّ تُؤامُ
بصن: بُصان: اسمُ رَبيعٍ الآخِرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ هَكَذَا حَكَاهُ قُطْربٌ عَلَى شَكْل غُرابٍ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أَبْصِنَةٌ وبِصْنانٌ كأَغْربةٍ وغِرْبانٍ، وأَما غيرُه مِنَ اللغويِّين فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ وَبُصان، عَلَى مِثَالِ سَبُعان، ووَبِصان، عَلَى مِثال شَقِرانٍ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ أَبو إسحق: سُمّي بذلك لِوبيص السِّلَاحِ فِيهِ أَي بَريقه. التَّهْذِيبُ: بَصَنَّى «2» . قَرْيَةٌ فِيهَا السُّتور البَصَنِّيّة، وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ.
بطن: البَطْنُ مِنَ الإِنسان وسائِر الْحَيَوَانِ: معروفٌ خِلَافَ الظَّهْر، مذكَّر، وَحَكَى أَبو عُبَيْدَةَ أَن تأْنيثه لغةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ التَّذْكِيرِ فِيهِ قولُ ميّةَ بنتِ ضِرار:
يَطْوي، إذا مَا الشُّحُّ أَبْهَمَ قُفْلَه، ... بَطْناً، مِنَ الزادِ الخبيثِ، خَميصا
وَقَدْ ذَكرْنا فِي تَرْجَمَةٍ ظَهَرَ فِي حَرْفِ الرَّاءِ وجهَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قولِ الْعَرَبِ: ضُرِبَ عبدُ اللَّهُ بَطْنُه وظهرُه، وضُرِبَ زيدٌ البطنُ والظهرُ. وجمعُ البَطْنِ أَبطُنٌ وبُطُونٌ وبُطْنانٌ؛ التَّهْذِيبُ: وَهِيَ ثلاثةُ أَبْطُنٍ إِلَى العَشْرِ، وبُطونٌ كَثِيرَةٌ لِما فوْقَ العَشْرِ، وتصغيرُ البَطْنِ بُطَيْنٌ. والبِطْنةُ: امتلاءُ البَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ، وَهِيَ الأَشَرُ مِنْ كَثْرةِ الْمَالِ أَيضاً. بَطِنَ يَبْطَنُ بَطَناً وبِطْنةً وبَطُنَ وَهُوَ بَطينٌ، وَذَلِكَ إِذَا عَظُمَ بطْنُه. وَيُقَالُ: ثَقُلَتْ عَلَيْهِ البِطْنةُ، وهي
__________
(2) . قوله [بصنى] كذا ضبط في الأَصل وهو موافق لقول القاموس: وبصنى محركة مشددة النون إلخ. والذي في ياقوت: إنه بفتح الباء وكسر الصاد وتشديد النون

(13/52)


الكِظَّة، وَهِيَ أَن يَمْتلِئَ مِنَ الطَّعَامِ امْتِلَاءً شَدِيدًا. وَيُقَالُ: لَيْسَ للبِطْنةِ خيرٌ مِنْ خَمْصةٍ تَتْبَعُها؛ أَراد بالخَمْصَة الجوعَ. وَمِنْ أَمثالهم: البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا بَني المُنْذرِ بن عَبْدانَ، والبِطنةُ ... مِمَّا تُسَفِّهُ الأَحْلاما
وَيُقَالُ: مَاتَ فلانٌ بالبَطَنِ. الْجَوْهَرِيُّ: وبُطِنَ الرجلُ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلَهُ، اشْتَكَى بَطْنَه. وبَطِن، بِالْكَسْرِ، يَبْطَن بَطَناً: عَظُم بَطْنُه مِنَ الشِّبَعِ؛ قَالَ القُلاخ:
وَلَمْ تَضَعْ أَولادَها مِنَ البَطَنْ، ... وَلَمْ تُصِبْه نَعْسَةٌ عَلَى غَدَنْ
والغَدَنُ: الإِسْتِرخاءُ والفَتْرة. وَفِي الْحَدِيثِ:
المَبْطونُ شهيدٌ
أَي الَّذِي يموتُ بمَرَض بَطْنه كالاسْتِسْقاء وَنَحْوِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنَّ امرأَةً مَاتَتْ فِي بَطَن
، وَقِيلَ: أَراد بِهِ هَاهُنَا النِّفاسَ، قَالَ: وَهُوَ أَظهر لأَن الْبُخَارِيَّ ترْجَم عَلَيْهِ بَابَ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَساء. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
تَغْدُو خِماصاً وتَرُوحُ بِطاناً
أَي ممتَلِئةَ البُطونِ. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وشعيبٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وعَوْد غَنَمِه: حُفَّلًا بِطاناً
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَبِيتُ مِبْطاناً وحَوْلي بُطونٌ غَرْثى
؛ المِبْطان: الكثيرُ الأَكل والعظيمُ البطنِ. وَفِي صِفَةِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: البَطِينُ الأَنْزَعُ
أَي العظيمُ البطْنِ. ورجلٌ بَطِنٌ: لَا هَمَّ لَهُ إلَّا بَطْنُه، وَقِيلَ: هُوَ الرَّغيب الَّذِي لَا تَنْتَهِي نفسُه مِنَ الأَكل، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ عظيمَ البَطْنِ مِنْ كثرةِ الأَكل، وَقَالُوا: كِيسٌ بَطينٌ أَي مَلآنُ، عَلَى المَثَل؛ أَنشد ثعلبٌ لِبَعْضِ اللُّصوص:
فأَصْدَرْتُ مِنْهَا عَيْبةً ذاتَ حُلَّةٍ، ... وكِيسُ أَبي الجارُودِ غَيْرُ بَطينِ
وَرَجُلٌ مِبْطانٌ: كثيرُ الأَكل لَا يَهُمُّه إِلَّا بَطْنُه، وبَطينٌ: عظيمُ البَطْنِ، ومُبَطَّنٌ: ضامِر البَطْنِ خَميصُه، قَالَ: وَهَذَا عَلَى السَّلْب كأَنه سُلِبَ بَطْنَه فأُعْدِمَه، والأُنثى مُبَطَّنةٌ، ومَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَخِيمات الكلامِ مُبَطَّنات، ... جَواعِل فِي البُرَى قَصَباً خِدالا
وَمِنْ أَمثالهم: الذِّئْبُ يُغْبَط بِذي بَطْنه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ أَنه لَا يُظَنُّ بِهِ أَبداً الْجُوعُ إِنَّمَا يُظَنّ بِهِ البِطْنةُ لِعَدْوِه عَلَى النَّاسِ والماشِيَةِ، ولعلَّه يكونُ مَجْهوداً مِنَ الْجُوعِ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَسْكُنِ البَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحالُه، ... ويُغْبَطُ مَا فِي بَطْنه وهْو جائعُ
وَفِي
صِفَةِ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: فَإِذَا رجُل مُبَطَّنٌ مثلُ السَّيف
؛ المُبَطَّنُ: الضامِرُ البَطْن، وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَزالُ ضَخْمَ البطنِ مِنْ كَثْرَةِ الأَكل مِبْطانٌ، فَإِذَا قَالُوا رَجُلٌ مُبَطَّنٌ فَمَعْنَاهُ أَنه خَميص البَطْن؛ قَالَ مُتمّم بْنُ نُوَيرة:
فَتًى غَيْرَ مِبْطانِ العَشِيَّةِ أَرْوعا
وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ الَّتِي تُضْرَب للأَمر إِذَا اشْتَدَّ: التَقَتْ حَلْقَتا البِطانِ، وأَما قَوْلُ الرَّاعِي يَصِفُ إِبَلًا وَحَالِبَهَا:
إِذَا سُرِّحَتْ مِنْ مَبْرَكٍ نامَ خلفَها، ... بمَيْثاءَ، مِبْطان الضُّحى غَيْرَ أَرْوعا
مِبْطانُ الضُّحى: يَعْنِي رَاعِيًا يُبادِر الصَّبوح فيشرَبُ حَتَّى يَميلَ مِنَ اللَّبَن. والبَطينُ: الَّذِي لَا يَهُمُّه إِلَّا

(13/53)


بَطْنُه. والمَبْطُونُ: العَليل البَطْنِ. والمِبْطانُ: الَّذِي لَا يزالُ ضخْمَ البطنِ. والبَطَنُ: داءُ البَطْن. وَيُقَالُ: بَطَنَه الداءُ وَهُوَ يَبْطُنُه، إِذَا دَخَله، بُطوناً. وَرَجُلٌ مَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: بَطَنتْ بِكَ الحُمَّى
أَي أَثَّرَت فِي بَاطِنِكَ. يُقَالُ: بَطَنَه الداءُ يبطُنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
رَجُلٌ ارْتَبَطَ فرَساً لِيَسْتبْطِنَها
أَي يَطْلُبَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ النِّتاج. وبَطَنَه يبْطُنُه بَطْناً وبَطَنَ لَهُ، كِلاهما: ضرَب بَطْنَه. وضرَب فلانٌ البعيرَ فبَطَنَ لَهُ إِذَا ضرَب لَهُ تَحْتَ البَطْن؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا ضرَبْتَ مُوقَراً فابْطُنْ لهْ، ... تحتَ قُصَيْراهُ ودُون الجُلَّهْ،
فإنَّ أَنْ تَبْطُنَهُ خَيرٌ لَهْ
أَراد فابطُنْه فَزَادَ لَامًا، وَقِيلَ: بَطَنَه وبَطَن لَهُ مِثْلَ شَكَره وشَكَرَ لَهُ ونصَحَه ونصحَ لَهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِنَّمَا أَسكن النُّونَ للإِدغام فِي اللَّامِ؛ يَقُولُ: إِذَا ضَرَبْتَ بَعِيرًا مُوقَراً بحِمْله فاضْرِبْه فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِهِ الضربُ، فَإِنَّ ضرْبَه فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ بطْنه خَيْرٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وأَلقَى الرجلُ ذَا بَطْنه: كِنَايَةٌ عَنِ الرَّجيع. وأَلْقَت الدَّجاجةُ ذَا بَطْنِها: يَعْنِي مَزْقَها إِذَا بَاضَتْ. ونثرَت المرأَةُ بَطْنَها وَلَدًا: كَثُر ولدُها. وأَلقت المرأَةُ ذَا بطنِها أَي وَلَدَت. وَفِي حَدِيثِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبي بَرَّةَ: أَمَرَ بعشَرَةٍ مِنَ الطَّهارة: الخِتانِ والاستِحدادِ وغَسْلِ البَطِنةِ ونَتْفِ الإِبْطِ وَتَقْلِيمِ الأَظفار وقصِّ الشَّارِبِ والاستِنْثار
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: البَطِنة هِيَ الدبُر، هَكَذَا رَوَاهَا بَطِنة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ؛ قَالَ شَمِرٌ: والانتِضاحُ «1» . الاسْتِنجاءُ بِالْمَاءِ. والبَطْنُ: دُونَ الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الفَخِذِ وَفَوْقَ العِمارة، مُذَكَّر، وَالْجَمْعُ أَبْطُنٌ وبُطُونٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَتَب عَلَى كلِّ بطْنٍ عُقولَه
؛ قَالَ: البَطْنُ مَا دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الفخِذ، أَي كَتَب عَلَيْهِمْ مَا تَغْرَمُه الْعَاقِلَةُ مِنَ الدِّيات فبَيَّن مَا عَلَى كل قَوْمٍ مِنْهَا؛ فأَما قَوْلُهُ:
وإنَّ كِلاباً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ، ... وأَنتَ بريءٌ مِنْ قبَائِلِها العَشْر
فَإِنَّهُ أَنّث عَلَى مَعْنَى الْقَبِيلَةِ وأَبانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ. وفرسٌ مُبَطَّنٌ: أَبيضُ البَطْنِ وَالظَّهْرِ كَالثَّوْبِ المُبطَّن ولَوْنُ سائرِه مَا كَانَ. والبَطْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: جَوْفُه، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَفِي صِفَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ:
لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وبطْن
؛ أَراد بالظَّهْرِ مَا ظَهَرَ بيانُه، وبالبَطْن مَا احْتِيجَ إِلَى تَفْسِيرِهِ كالباطِن خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ بَواطِنُ؛ وَقَوْلُهُ:
وسُفْعاً ضِياهُنَّ الوَقودُ فأَصْبَحَت ... ظواهِرُها سُوداً، وباطِنُها حُمْرا
أَراد: وبواطِنُها حُمْراً فوَضع الواحدَ موضعَ الْجَمْعِ، ولذلك استَجاز أَن يَقُولَ حُمْراً، وَقَدْ بَطُنَ يَبْطُنُ. والباطِنُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ
؛ وتأْويلُه مَا رُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَمْجيد الرَّبِّ: اللَّهُمَّ أَنتَ الظاهِر فَلَيْسَ فوقَك شيءٌ، وأَنت الباطِنُ فَلَيْسَ دونَك شَيْءٌ
، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه علِمَ السرائرَ والخفيَّاتِ كَمَا عَلِمَ كلَّ مَا هُوَ ظاهرُ الخَلْقِ، وَقِيلَ: الباطِن هُوَ المُحْتَجِب عَنْ أَبصار الخلائِق
__________
(1) . قوله [والانتضاح] هكذا بدون ذكره في الحديث

(13/54)


وأَوْهامِهم فَلَا يُدرِكُه بَصَر وَلَا يُحيطُ بِهِ وَهْم، وَقِيلَ: هُوَ العالمُ بكلِّ مَا بَطَن. يُقَالُ: بَطَنْتُ الأَمرَ إِذَا عَرَفتَ باطنَه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: ظاهرُه المُخالَّة وباطنُه الزِّنا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والباطِنةُ: خلافُ الظَّاهِرَةِ. والبِطانةُ: خلافُ الظِّهارة. وبِطانةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُه، وَفِي الصِّحَاحِ: بِطانةُ الرَّجُلِ وَليجتُه. وأَبْطَنَه: اتَّخَذَه بِطانةً. وأَبْطَنْتُ الرجلَ إِذَا جَعَلْتَه مِنْ خَواصِّك. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا استَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطانتانِ
؛ بِطانةُ الرَّجُلِ: صاحبُ سِرِّه وداخِلةُ أَمره الَّذِي يُشاوِرُه فِي أَحواله. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
وَجَاءَ أَهلُ البِطانةِ يَضِجُّون
؛ البِطانةُ: الخارجُ مِنَ الْمَدِينَةِ. والنِّعْمة الباطنةُ: الخاصَّةُ، والظاهرةُ: العامَّةُ. وَيُقَالُ: بَطْنُ الراحةِ وظَهْرُ الكَفّ. وَيُقَالُ: باطنُ الإِبْط، وَلَا يُقَالُ بطْن الإِبْط. وباطِنُ الخُفّ: الَّذِي تَليه الرجْلُ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعي: أَنه كَانَ يُبَطِّنُ لِحْيتَه ويأْخُذُ مِنْ جَوانِبها
؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَى يُبَطِّن لحيتَه أَي يأْخذ الشَّعَر مِنْ تَحْتِ الحَنَك والذَّقَنِ، وَاللَّهُ أَعلم. وأَفْرَشَني ظَهْر أَمرِه وبَطْنَه أَي سِرَّه وعلانِيَتَه، وبَطَنَ خبرَه يَبْطُنُه، وأَفرَشَني بَطْنَ أَمره وظَهْرَه، ووَقَف عَلَى دَخْلَته. وبَطَن فلانٌ بِفُلَانٍ يَبْطُنُ بِهِ بُطوناً وَبِطَانَةً إِذَا كان خاصّاً به داخلًافي أَمره، وَقِيلَ: بَطَنَ بِهِ دَخَلَ فِي أَمره. وبَطَنتُ بِفُلَانٍ: صِرْتُ مِنْ خواصِّه. وإنَّ فُلَانًا لَذُو بِطانة بِفُلَانٍ أَي ذُو علمٍ بداخلةِ أَمره. وَيُقَالُ: أَنتَ أَبْطنْتَ فُلَانًا دُونِي أَي جَعلْتَه أَخَصَّ بِكَ مِنِّي، وَهُوَ مُبَطَّنٌ إِذَا أَدخَله فِي أَمره وخُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ مِنْ أَهل دَخْلَتِه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: البِطانة الدُّخَلاء الَّذِينَ يُنْبَسط إِلَيْهِمْ ويُسْتَبْطَنونَ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ بِطانةٌ لِفُلَانٍ أَي مُداخِلٌ لَهُ مُؤانِس، وَالْمَعْنَى أَن الْمُؤْمِنِينَ نُهوا أَن يَتَّخِذوا الْمُنَافِقِينَ خاصَّتَهم وأَن يُفْضُوا إِلَيْهِمْ أَسرارَهم. وَيُقَالُ: أَنت أَبْطَنُ بِهَذَا الأَمر أَي أَخبَرُ بباطِنِه. وتبَطَّنْت الأَمرَ: عَلِمت باطنَه. وبَطَنْت الْوَادِي: دَخَلْته. وبَطَنْت هَذَا الأَمرَ: عَرَفْت باطنَه، وَمِنْهُ الباطِن فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. والبطانةُ: السريرةُ. وباطِنةُ الكُورة: وَسَطُها، وظاهرتُها: مَا تنَحَّى مِنْهَا. والباطنةُ مِنَ البَصْرةِ وَالْكُوفَةِ: مُجْتَمَعُ الدُّور والأَسواقِ فِي قَصَبتها، والضاحيةُ: مَا تنَحَّى عَنِ الْمَسَاكِنِ وَكَانَ بَارِزًا. وبَطْنُ الأَرض وباطنُها: مَا غَمَض مِنْهَا واطمأَنّ. والبَطْنُ مِنَ الأَرض: الغامضُ الداخلُ، والجمعُ الْقَلِيلُ أَبْطِنةٌ، نادرٌ، وَالْكَثِيرُ بُطْنان؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الأَرض واحدٌ كالبَطْن. وأَتى فلانٌ الْوَادِيَ فتَبَطَّنه أَي دَخَلَ بطنَه. ابْنُ شُمَيْلٍ: بُطْنانُ الأَرض مَا تَوَطَّأَ فِي بُطُونِ الأَرض سَهْلِها وحَزْنها وَرِيَاضِهَا، وَهِيَ قَرار الْمَاءِ ومستَنْقَعُه، وَهِيَ البواطنُ والبُطون. وَيُقَالُ: أَخذ فلانٌ بَاطِنًا مِنَ الأَرض وَهِيَ أَبطأُ جُفُوفًا مِنْ غَيْرِهَا. وتبطَّنْتُ الْوَادِي: دخلْت بطْنه وجَوَّلْت فِيهِ. وبُطْنانُ الْجَنَّةِ: وسَطُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
يُنَادِي مُنادٍ مِنْ بُطْنانُ الْعَرْشِ
أَي مِنْ وسَطه، وَقِيلَ: مِنْ أَصله، وَقِيلَ: البُطْنان جَمْعُ بَطْنٍ، وَهُوَ الْغَامِضُ مِنَ الأَرض، يُرِيدُ من دواخل العرش؛ ومنه كَلَامِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الِاسْتِسْقَاءِ: تَرْوَى بِهِ القِيعانُ وَتَسِيلُ بِهِ البُطْنان.
والبُطْنُ: مسايلُ الْمَاءِ فِي الغَلْظ، وَاحِدُهَا باطنٌ؛ وَقَوْلُ مُلَيْح:

(13/55)


مُنِيرٌ تَجُوزُ العِيسُ مِنْ بَطِناتِه نَوًى، ... مِثْلَ أَنْواءِ الرَّضيخِ المُفَلَّق
قَالَ: بَطِناتُه مَحاجُّه. والبَطْنُ: الْجَانِبُ الطويلُ مِنَ الرِّيشِ، وَالْجَمْعُ بُطْنانٌ مِثْلَ ظَهْرٍ وظُهْرانٍ وعَبْدٍ وعُبْدانٍ. والبَطْنُ: الشِّقُّ الأَطولُ مِنَ الرِّيشَةِ، وَجَمْعُهَا بُطْنان. والبُطْنانُ أَيضاً مِنَ الرِّيشِ: مَا كَانَ بطنُ القُذَّة مِنْهُ يَلي بطنَ الأُخرى، وَقِيلَ: البُطْنانُ مَا كَانَ مِنْ تَحْتِ العَسيب، وظُهْرانُه مَا كَانَ فَوْقَ الْعَسِيبِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الرِّيشِ الَّذِي يَلي الأَرضَ إِذَا وقَع الطائرُ أَو سَفَعَ شَيْئًا أَو جَثَمَ عَلَى بَيْضه أَو فِراخه، والظُّهارُ والظُّهْرانُ مَا جُعِلَ مِنْ ظَهر عَسيب الرِّيشَةِ. وَيُقَالُ: راشَ سهمَه بظُهْرانٍ وَلَمْ يَرِشْه ببُطْنانٍ، لأَنَّ ظُهْرانَ الرِّيشِ أَوفَى وأَتَمُّ، وبُطْنانُ الرِّيشِ قِصار، وواحدُ البُطْنانِ بَطْنٌ، وواحدُ الظُّهْرانِ ظَهْرٌ، والعَسِيبُ قَضيبُ الرِّيشِ فِي وسَطِه. وأَبْطَن الرَّجُلُ كَشْحَه سَيفَه وَلِسَيْفِهِ: جَعَلَهُ بطانتَه. وأَبطنَ السيفَ كشْحَه إِذَا جَعَلَهُ تَحْتَ خَصْره. وبطَّنَ ثوبَه بثوبٍ آخَرَ: جَعَلَهُ تَحْتَهُ. وبِطانةُ الثَّوْبِ: خلافُ ظِهارته. وبطَّنَ فُلَانٌ ثَوْبَهُ تَبْطِينًا: جَعَلَ لَهُ بِطَانَةً، ولِحافٌ مَبْطُونٌ ومُبَطَّن، وَهِيَ البِطانة والظِّهارة. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
؛ قَالَ: قَدْ تكونُ البِطانةُ ظِهارةً والظهارةُ بِطَانَةً، وَذَلِكَ أَن كلَّ واحدٍ مِنْهَا قَدْ يكونُ وَجْهًا، قَالَ: وَقَدْ تَقُولُ العربُ هَذَا ظهرُ السَّمَاءِ وَهَذَا بطنُ السَّمَاءِ لِظَاهِرِهَا الَّذِي تَرَاهُ. وَقَالَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ: البِطانةُ مَا بطَنَ مِنَ الثَّوْبِ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إخْفاؤه، وَالظِّهَارَةُ مَا ظَهَرَ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إِبْدَاؤُهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إِذَا وَلِيَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قوْماً، كحائطٍ يَلِي أَحد صَفْحَيْه قَوْمًا، والصَّفْحُ الآخرُ قَوْمًا آخَرِينَ، فكلُّ وجهٍ مِنَ الْحَائِطِ ظَهْرٌ لِمَنْ يَلِيهِ، وكلُّ واحدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ظَهْر وبَطْن، وَكَذَلِكَ وجْها الْجَبَلِ وَمَا شاكلَه، فأَما الثوبُ فَلَا يَجُوزُ أَن تكونَ بطانتُه ظِهَارَةً وَلَا ظِهارتُه بِطانةً، وَيَجُوزُ أَن يُجْعَل مَا يَلينا مِنْ وَجْهِ السَّمَاءِ والكواكِب ظهْراً وبطْناً، وَكَذَلِكَ مَا يَلينا مِنْ سُقوف الْبَيْتِ. أَبو عُبَيْدَةَ: فِي باطِن وظِيفَيِ الْفَرَسِ أَبْطَنانِ، وَهُمَا عِرْقان اسْتَبْطَنا الذِّراعَ حَتَّى انغَمَسا فِي عَصَب الوَظيف. الْجَوْهَرِيُّ: الأَبْطَنُ فِي ذِراع الفرسِ عِرْق فِي بَاطِنِهَا، وَهُمَا أَبْطَنانِ. والأَبْطَنانِ: عِرْقان مُسْتَبْطِنا بَواطِن وظِيفَي الذراعَينِ حَتَّى يَنْغَمِسا فِي الكَفَّين. والبِطانُ: الحزامُ الَّذِي يَلي البَطْنَ. والبِطانُ: حِزامُ الرَّحْل والقَتَب، وَقِيلَ: هُوَ لِلْبَعِيرِ كالحِزام لِلدَّابَّةِ، وَالْجَمْعُ أَبطِنةٌ وبُطُن. وبَطَنَه يَبْطُنُه وأَبْطَنَه: شَدَّ بِطانه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: أَبْطَنْتُ الْبَعِيرَ وَلَا يُقَالُ بَطَنْتُه، بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:
أَو مُقْحَم أَضْعَفَ الإِبْطانَ حادجُه، ... بالأَمسِ، فاستَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ
شَبَّه الظَّليمَ بجَمَل أَضْعَفَ حادِجُهُ شَدَّ بِطانِه فاسترْخَى؛ فشبَّه استِرْخاء «2» . عِكْمَيْه بِاسْتِرْخَاءِ جَناحَيِ الظَّليم، وَقَدْ أَنكر أَبو الْهَيْثَمِ بَطَنْت، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبْطَنت، واحتجَّ بِبَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ. قَالَ الأَزهري: وبَطَنْتُ لغةٌ أَيضاً.
__________
(2) . قوله [فشبه استرخاء إلخ] كذا بالأَصل والتهذيب أيضاً، ولعلها مقلوبة، والأَصل: فشبه استرخاء جناحي الظليم باسترخاء عكميه

(13/56)


والبِطانُ للقَتَب خَاصَّةً، وَجَمْعُهُ أَبْطِنة، والحزامُ للسَّرْج. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ أَبْطَنَ حِمْلَ البعيرِ وواضَعَه حَتَّى يتَّضِع أَي حَتَّى يَسْترْخي عَلَى بَطْنه وَيَتَمَكَّنَ الحِمْل مِنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ: البِطانُ للقَتَب الحزامُ الَّذِي يَجْعَلُ تَحْتَ بَطْنِ الْبَعِيرِ. يُقَالُ: التَقَتْ حَلْقَتا الْبَطَّانِ للأَمر إِذَا اشتدَّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّصدير للرحْل، يُقَالُ مِنْهُ: أَبْطَنْتُ البعيرَ إِبْطاناً إِذَا شَدَدْتَ بِطانَه. وَإِنَّهُ لعريضُ البِطانِ أَي رَخِيُّ البالِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْبَخِيلِ، يموتُ ومالُه وافِرٌ لَمْ يُنْفق مِنْهُ شَيْئًا: مَاتَ فلانٌ بِبِطْنَتِه لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَمِثْلُهُ: مَاتَ فلانٌ وَهُوَ عريضُ البِطانِ أَي مالُه جَمٌّ لَمْ يَذهَبْ مِنْهُ شيءٌ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: ويُضْرَب هَذَا المثلُ فِي أَمر الدِّين أَي خرَجَ مِنَ الدُّنْيَا سَلِيمًا لَمْ يَثْلِمْ دينَه شيءٌ، قَالَ ذَلِكَ عَمْرُو ابنُ الْعَاصِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوف لَمَّا مَاتَ: هَنِيئًا لَكَ خرَجْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِبِطْنَتِكَ لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ؛ ضرَبَ البطْنةَ مَثَلًا فِي أَمر الدِّينِ، وتغضْغَضَ الماءُ: نَقَصَ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذمَّاً وَلَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا إلْا المَدْحَ. وَرَجُلٌ بَطِنٌ: كثيرُ الْمَالِ. والبَطِنُ: الأَشِرُ. والبِطْنةُ: الأَشَرُ. وَفِي المَثَل: البِطْنةُ تُذْهِبُ الفِطْنةَ، وَقَدْ بَطِنَ. وشأْوٌ بَطِينٌ: واسعٌ. والبَطين: الْبَعِيدُ، يُقَالُ: شأْوٌ بَطِينٌ أَي بَعِيدٌ؛ وأَنشد:
وبَصْبَصْنَ، بَيْنَ أَداني الغَضَا ... وَبَيْنَ عُنَيْزةَ، شأْواً بَطِيناً
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَد: الشَّوْطُ بَطِينٌ
أَي بَعِيدٌ. وتبطَّن الرجلُ جاريتَه إِذَا باشَرها ولمَسَها، وَقِيلَ: تبطَّنها إِذَا أَوْلَج ذكرَه فِيهَا؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
كأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ، ... وَلَمْ أَتَبطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخالِ
وَقَالَ شَمِرٌ: تبطَّنها إِذَا باشَرَ بطنُه بطنَها فِي قَوْلِهِ:
إِذَا أَخُو لذَّةِ الدُّنْيَا تبطَّنها
وَيُقَالُ: اسْتَبْطَن الفحلُ الشَّوْلَ إِذَا ضربَها فلُقحَت كلُّها كأَنه أَوْدع نطفتَه بُطُونَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
فَلَمَّا رأَى الجَوْزاءَ أَولُ صابِحٍ، ... وصَرَّتَها فِي الْفَجْرِ كالكاعِب الفُضُلْ،
وخَبَّ السَّفا، واسْتبطن الفحلُ، والتقتْ ... بأَمْعَزِها بُقْعُ الجَنادِبِ تَرْتَكِلْ
صرَّتُها: جماعة كَوَاكِبَهَا، والجَنادِب ترتَكِل مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضاء. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْر: لَيْسَ مِنْ حَيَوانٍ يتبطَّنُ طَروقتَه غيرُ الإِنسان وَالتِّمْسَاحِ، قَالَ: وَالْبَهَائِمُ تأْتي إِنَاثُهَا مِنْ وَرَائِهَا، والطيرُ تُلْزِق الدُّبُرَ بِالدُّبُرِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ تبطَّنَها أَي عَلَا بطْنَها ليُجامِعَها. واسْتبطنْتُ الشيءَ وتبَطَّنْتُ الكلأَ: جَوَّلتُ فِيهِ. وابْتَطنْتُ الناقةَ عشرةَ أَبطن أَي نَتجْتُها عشرَ مَرَّاتٍ. وَرَجُلٌ بَطِين الكُرْز إِذَا كَانَ يَخبَأُ زادَه فِي السَّفَرِ ويأْكل زادَ صَاحِبِهِ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ يَذُمُّ رَجُلًا:
أَو كُرَّزٌ يَمْشِي بَطينَ الكُرْزِ
والبُطَيْن: نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ بَيْنَ الشرَطَيْن والثُّرَيَّا، جَاءَ مصغَّراً عَنِ الْعَرَبِ، وَهُوَ ثلاثةُ كواكبَ صِغَارٍ مُسْتَوِيَةِ التَّثْلِيثِ كأَنها أَثافي، وَهُوَ بَطْنُ الحمَل، وصُغِّر لأَن الحمَل نجومٌ كَثِيرَةٌ عَلَى صُورَةِ الحَمَل، والشرَطان قَرْناه، والبُطَيْن بَطنُه، وَالثُّرَيَّا أَليتُه، وَالْعَرَبُ تزعُم أَن البُطَين لَا نَوْء لَهُ إِلَّا الريحُ. والبَطينُ: فَرَسٌ مَعْرُوفٌ مِنْ

(13/57)


خَيْلِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ البِطان، وَهُوَ ابْنُ البَطين «1» . والبَطين: رَجُلٌ مِنَ الخَوارج. والبُطَين الحِمْضيّ: من شُعَرائهم.
بعكن: رَمْلة بَعْكنةٌ: غَلِيظَةٌ تشتدُّ عَلَى الْمَاشِي فِيهَا.
بغدن: بَغْداذ وبَغْذاد وبَغْذاذ وبَغْدانُ، بِالنُّونِ، وبَغْدينُ ومَغْدان: مَدِينَةُ السَّلَامِ، مُعَرَّبٌ، تذكَّر وتؤَنث؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:
فَيَا لَيْلَةً خُرْسَ الدَّجاجِ طَوِيلَةً ... بِبَغْدانَ، مَا كادَتْ عَنِ الصُّبْحِ تَنْجَلي
قَالَ: يَعْنِي خرساً دَجاجُها.
بقن: الأَزهري: أَما بَقَنَ فَإِنَّ اللَّيْثَ أَهمله، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَبْقَن إِذَا أَخصَبَ جَنابُه واخضرَّت نِعالُه. والنِّعالُ: الأَرضون الصُّلبة.
بلن: فِي الْحَدِيثِ:
ستَفْتَحون بِلَادًا فِيهَا بَلَّاناتٌ
أَي حَمَّامَاتٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَصل بَلّالات، فأَبدل اللَّامَ نوناً.
بلسن: البُلْسُن: العَدَس، يَمَانِيَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَهَلْ كَانَتِ الأَعرابُ تَعْرِف بُلْسُنا
الْجَوْهَرِيُّ: البُلْسُن، بِالضَّمِّ، حَبٌّ كَالْعَدَسِ وليس به.
بلهن: البُلَهْنِية والرُّفَهْنِية: سَعَة الْعَيْشِ، وَكَذَلِكَ الرُّفَغْنِية. يُقَالُ: هُوَ فِي بُلَهْنِية مِنَ الْعَيْشِ أَي فِي سَعة ورَفاغِية، وَهُوَ مُلْحق بِالْخُمَاسِيِّ بأَلف فِي آخِرِهِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بُلَهْنِية حَقُّهَا أَن تُذْكر فِي بَلَهَ فِي حَرْفِ الْهَاءِ لأَنها مُشتقة مِنَ البَلَه أَي عَيْش أَبْلَه قَدْ غَفَل «2» . والنونُ والياءُ فِيهِ زَائِدَتَانِ للإِلحاق بخُبَعْثِنةٍ، والإِلحاق هُوَ بِالْيَاءِ فِي الأَصل، فأَما أَلف مِعْزًى فَإِنَّهَا بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الإِلحاق.
بنن: البَنَّة: الرِّيحُ الطيِّبة كَرَائِحَةِ التُّفّاح وَنَحْوِهَا، وجمعُها بِنانٌ، تَقُولُ: أَجِدُ لِهَذَا الثَّوْبِ بَنَّةً طيِّبة مِنْ عَرْف تُفَّاحٍ أَو سَفَرْجَل. قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَعَلُوهُ اسْمًا لِلرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ كالخَمْطة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ لِلْمَدِينَةِ بَنَّةً
؛ البَنَّة: الرِّيحُ الطيِّبة، قَالَ: وَقَدْ يُطلق عَلَى الْمَكْرُوهَةِ. والبَنَّة: ريحُ مَرابِضِ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ، وَرُبَّمَا سُمِّيَتْ مرابضُ الْغَنَمِ بَنَّة؛ قَالَ:
أَتاني عَنْ أَبي أَنَسٍ وعيدٌ، ... ومَعْصُوبٌ تَخُبُّ بِهِ الرِّكابُ
وعيدٌ تَخْدُجُ الأَرآمُ مِنْهُ، ... وتَكره بَنَّةَ الغَنمِ الذِّئابُ
وَرَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ: تُخْدِجُ أَي تَطْرَح أَولادَها نُقَّصاً. وَقَوْلُهُ: معصوبٌ كتابٌ أَي هُوَ وَعِيدٌ لَا يكونُ أَبداً لأَن الأَرْآم لَا تُخْدِجُ أَبداً، وَالذِّئَابُ لَا تَكْرَهُ بَنَّة الْغَنَمِ أَبداً. الأَصمعي فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبو حَاتِمٍ: البَنَّة تُقَالُ فِي الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَغَيْرِ الطَّيِّبَةِ، وَالْجَمْعُ بِنانٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثورَ الْوَحْشِيَّ:
أَبَنَّ بِهَا عوْدُ المَباءَةِ، طَيِّبٌ ... نسيمَ البِنانِ فِي الكِناسِ المُظَلَّلِ
قَوْلُهُ: عَود المباءَة أَي ثَوْر قَدِيمُ الكِناس، وَإِنَّمَا نَصَب النسيمَ لَمَّا نَوَّنَ الطيِّبَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الإِضافةُ فَضَارَعَ قولَهم هُوَ ضاربٌ زَيْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً؛ أَي كِفاتَ أَحياءٍ وأَمواتٍ، يَقُولُ: أَرِجَتْ ريحُ مُبَاءَتِنَا مِمَّا أَصاب أَبعارَه مِنَ الْمَطَرِ. والبَنَّة أَيضاً: الرَّائِحَةُ المُنْتِنة، قَالَ: وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِنانٌ،
__________
(1) . قوله [وهو ابن البطين] عبارة القاموس: وهو أبو البطين
(2) . قوله [قد غفل] عبارة القاموس: وعيش أبله ناعم كأن صاحبه غافل عن الطوارق

(13/58)


قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن البَنَّة الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَطْ، قَالَ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، للأَشْعث بْنِ قَيْس حِينَ خطَب إِلَيْهِ ابْنَتَه: قُمْ لَعَنَكَ اللَّهُ حَائِكًا فَلَكَأَنِّي أَجِدُ منكَ بَنَّةَ الغَزْلِ
، وَفِي رِوَايَةٍ
قَالَ لَهُ الأَشْعثُ بنُ قَيْس: مَا أَحْسِبُكَ عَرَفْتني يَا أَمير المؤْمنين، قَالَ: بَلَى وَإِنِّي لأَجِدُ بَنَّة الْغَزْلِ مِنْكَ
أَي رِيحَ الْغَزْلِ، رَمَاهُ بِالْحِيَاكَةِ، قِيلَ: كَانَ أَبو الأَشْعث يُولَع بالنِّساجة. والبِنُّ: الموضعُ المُنتِنُ الرَّائِحَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: البَنَّةُ الرَّائِحَةُ، كَرِيهَةً كَانَتْ أَو طَيِّبَةً. وكِناسٌ مُبِنٌّ أَي ذُو بَنَّةٍ، وَهِيَ رَائِحَةُ بَعْر الظِّباء. التَّهْذِيبُ: وَرَوَى
شَمِرٌ فِي كِتَابِهِ أَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سأَل رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الثَّغْر فَقَالَ: هَلْ شَرِبَ الجَيْشُ في البُنيات الصغار «1» .؟ قَالَ: لَا، إِنَّ الْقَوْمَ لَيُؤْتَوْنَ بالإِناء فيَتداولُونه حَتَّى يَشْرَبُوهُ كلُّهم
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: البُنيات هاهنا الأَقداحُ الصِّغار. والإِبْنانُ: اللُّزومُ. وأَبْنَنْتُ بِالْمَكَانِ إِبْناناً إِذَا أَقمْت بِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وبَنَّ بِالْمَكَانِ يَبِنُّ بَنّاً وأَبَنَّ أَقام بِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَبَنَّ بِهَا عَوْدُ المباءةِ طَيِّبٌ
وأَبى الأَصمعي إِلَّا أَبَنَّ. وأَبَنّتِ السحابةُ: دامَتْ ولزِمَتْ. وَيُقَالُ: رأَيت حَيًّا مُبِنًّا بِمَكَانِ كَذَا أَي مُقِيمًا. والتبنينُ: التَّثْبِيتُ فِي الأَمر. والبَنِينُ: المتثبِّت الْعَاقِلُ. وَفِي حَدِيثِ
شُرَيْحٍ: قَالَ لَهُ أَعرابيّ وأَراد أَن يَعْجَل عَلَيْهِ بِالْحُكُومَةِ.
تَبَنَّن، أَي تثَبَّتْ، مِنْ قَوْلِهِمْ أَبَنَّ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقام فِيهِ؛ وَقَوْلُهُ:
بَلَّ الذُّنابا عَبَساً مُبِنّاً
يَجُوزُ أَن يَكُونَ اللازمَ اللَّازِقَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ البَنَّة الَّتِي هِيَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ. والبَنان: الأَصابع: وَقِيلَ: أَطرافها، واحدتها بَناتةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
أَلا ليتَني قطَّعتُ مِنْهُ بَنانَه، ... ولاقَيْتُه يَقْظان فِي البيتِ حادِرا
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ وقتْل أَبيه يومَ أُحُد: مَا عَرَفْتُه إِلَّا ببَنانه.
والبَنانُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ
؛ يَعْنِي شَواهُ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: نَجْعلُها كخُفّ الْبَعِيرِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا فِي صِنَاعَةٍ؛ فأَما مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ:
قَدْ جَعَلَت مَيٌّ، عَلَى الطِّرارِ، ... خَمْسَ بنانٍ قانِئ الأَظفارِ
فَإِنَّهُ أَضاف إِلَى الْمُفْرِدِ بِحَسَبِ إِضَافَةِ الْجِنْسِ، يَعْنِي بِالْمُفْرَدِ أَنه لَمْ يكسَّر عَلَيْهِ واحدُ الْجَمْعِ، إِنَّمَا هُوَ كسِدْرة وسِدَر، وجمعُ الْقِلَّةِ بناناتٌ. قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَعَارُوا بناءَ أَكثر الْعَدَدِ لأَقله؛ وَقَالَ:
خَمْسَ بنانٍ قانئِ الأَظفار
يُرِيدُ خَمْسًا مِنَ البَنان. وَيُقَالُ: بنانٌ مُخَضَّبٌ لأَن كُلَّ جَمْعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ الهاءُ فإِنه يُوَحِّد ويذكَّرُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ
؛ قال أَبو إسحق: البَنانُ هاهنا جميعُ أَعضاء الْبَدَنِ، وَحَكَى الأَزهري عَنِ الزَّجَّاجِ قَالَ: واحدُ الْبَنَانِ بَنانة، قَالَ: ومعناه هاهنا الأَصابعُ وغيرُها مِنْ جَمِيعِ الأَعضاء، قَالَ: وَإِنَّمَا اشتقاقُ الْبَنَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبَنَّ بِالْمَكَانِ، والبَنانُ بِهِ يُعْتَمل كلُّ مَا يَكُونُ للإِقامة وَالْحَيَاةِ. اللَّيْثُ: الْبَنَانُ أَطرافُ الأَصابع مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، قال: والبَنان
__________
(1) . قوله [في البنيات الصغار] وقوله [البنيات هاهنا الأَقداح إلخ] هكذا بالتاء آخره في الأَصل ونسخة من النهاية. وأورد الحديث في مادة بني وفي نسخة منها بنون آخره

(13/59)


فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ الشَّوى، وَهِيَ الأَيدي والأَرجُل، قَالَ: وَالْبَنَانَةُ الإِصْبَعُ الْوَاحِدَةُ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَكْرَمْتَ بَنِي كنانهْ، ... لَيْسَ لحيٍّ فوقَهم بَنانهْ
أَي لَيْسَ لأَحدٍ عَلَيْهِمْ فَضْلٌ قِيسَ إِصبعٍ. أَبو الْهَيْثَمِ قَالَ: البَنانة الإِصبعُ كلُّها، قَالَ: وَتُقَالُ للعُقدة العُليا مِنَ الإِصبع؛ وأَنشد:
يُبَلِّغُنا مِنْهَا البَنانُ المُطرَّفُ
والمُطرَّفُ: الَّذِي طُرِّفَ بِالْحِنَّاءِ، قَالَ: وَكُلُّ مَفْصِل بَنانة. وبُنانةُ، بِالضَّمِّ: اسمُ امرأَة كَانَتْ تحتَ سَعْد بْنِ لُؤَيّ بْنِ غالبِ بن فِهْرٍ، ويُنسَبُ ولدُه إِلَيْهَا وَهُمْ رَهْط ثَابِتِ البُنانيّ. ابْنُ سِيدَهْ: وبُنانةُ حيٌّ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِي الْحَدِيثِ ذكرُ بُنانة، وَهِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الأُولى مَحِلة مِنَ المَحالّ الْقَدِيمَةِ بالبَصرة. والبَنانة والبُنانة: الرَّوْضة المُعْشِبة. أَبو عَمْرٍو: البَنْبَنة صوتُ الفُحْشِ والقَذَع. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: بَنْبَنَ الرجلُ إِذَا تكلَّم بِكَلَامِ الْفُحْشِ، وَهِيَ البَنْبنة؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِكَثِيرٍ الْمُحَارِبِيِّ:
قَدْ مَنَعَتْني البُرَّ وَهِيَ تَلْحانْ، ... وَهُوَ كَثيرٌ عندَها هِلِمّانْ،
وَهِيَ تُخَنْذي بالمَقالِ البَنْبانْ
قَالَ: البَنْبانُ الرَّدِيءُ مِنَ الْمَنْطِقِ والبِنُّ: الطِّرْق مِنَ الشَّحْمِ يُقَالُ لِلدَّابَّةِ إِذا سَمِنتْ: ركِبَها طِرْقٌ عَلَى طِرْقٍ «2» الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِمْ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ: تَقُولُ بَلْ واللهِ لَا آتيكَ وبَنْ وَاللَّهِ، يَجْعَلُونَ اللَّامَ فِيهَا نُونًا، قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي سَعْدٍ وَلُغَةُ كَلْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الباهِلِيين يَقُولُونَ لَا بَنْ بِمَعْنَى لَا بَلْ، قَالَ: وَمِنْ خَفيفِ هَذَا الْبَابِ بَنْ وَلَا بَنْ لغةٌ فِي بَلْ وَلَا بَلْ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْبَدَلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: بَلْ كَلِمَةُ استدراكٍ وإِعلامٍ بالإِضْراب عَنِ الأَولِ، وَقَوْلُهُمْ: قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْروٌ وبَنْ عَمْروٌ، فَإِنَّ النُّونَ بدلٌ مِنَ اللَّامِ، أَلا تَرَى إِلَى كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ بَلْ وقلَّة اسْتِعْمَالِ بَنْ والحُكْمُ عَلَى الأَكثر لَا الأَقلِّ؟ قَالَ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَمره قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ولسْتُ أَدفعُ مَعَ هَذَا أَن يَكُونَ بَنْ لُغَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، قَالَ: وَمِمَّا ضُوعِفَ مِنْ فائِه ولامِه بَنْبان، غَيْرُ مَصْرُوفٍ، مَوْضِعٌ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
فَصَارَ ثنَاها فِي تميمٍ وغيرِهم، ... عَشِيَّة يأْتيها بِبَنْبانَ عِيرُها
يَعْنِي مَاءً لِبَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ بَنْبان؛ وَفِي دِيَارِ تَمِيمٍ ماءٌ يُقَالُ لَهُ بَنْبان ذَكَرَهُ الحُطيئة فَقَالَ:
مُقِيمٌ عَلَى بَنْبانَ يَمْنَعُ ماءَه، ... وماءَ وَسِيعٍ ماءَ عَطْشان مُرْمل
يَعْنِي الزِّبْرِقان أَنه حَلَّأَه عَنِ الماء.
بهكن: إمرأَة بَهْكنةٌ وبُهاكِنة: تَارَّةٌ غضَّة وَهِيَ ذَاتُ شَبابٍ بَهْكَنٍ أَي غَضٍّ، وربما قالوا بَهْكَل؛ قال السَّلوليّ:
بُهاكِنةٌ غَضَّةٌ بَضَّة، ... بَرُودُ الثَّنايا خِلافَ الكَرى
التَّهْذِيبُ: جَارِيَةٌ بَهْكَنةٌ تَارَّةٌ غَريضة، وهُنَّ البَهْكَناتُ والبَهاكِن. ابْنُ الأَعرابي: البَهْكَنةُ الجاريةُ الخفيفةُ الرُّوحِ الطيِّبة الرائحةِ المليحةُ الحلوة.
بهنن: البَهْنانةُ: الضحَّاكة المُتهلِّلة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا رُبَّ بَهْنانةٍ مُخَبَّأَةٍ، ... تَفْتَرُّ عَنْ ناصعٍ من البَرَد
__________
(2) . قوله [رَكِبَهَا طِرْقٌ عَلَى طِرْقٍ] هكذا بالأَصل، وفي التكملة بعد هذه العبارة: وبنّ على بنّ وهي المناسبة للاستشهاد فلعلها ساقطة من الأَصل

(13/60)


وَقِيلَ: البَهْنانةُ الطيِّبةُ الرِّيحِ، وَقِيلَ: الطيِّبة الرَّائِحَةِ الحسَنة الخُلقِ السَّمْحة لزَوْجِها، وَفِي الصِّحَاحِ: الطيِّبة النفَس والأَرَجِ، وَقِيلَ: هِيَ الليِّنة فِي عَمَلِهَا ومَنْطقها. وَفِي حَدِيثِ الأَنصار:
ابْهَنُوا مِنْهَا آخِرَ الدَّهْرِ
أَي افرَحوا وطيبُوا نفْساً بصُحْبَتي، مِنْ قَوْلِهِمُ امرأَةٌ بَهْنانةٌ أَي ضَاحِكَةٌ طَيِّبَةُ النفَس والأَرَج؛ فأَما قَوْلُ عَاهَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَلا قالتْ بَهانِ، ولمْ تأَبَّقْ: ... نَعِمْتَ وَلَا يَليقُ بكَ النَّعيمُ
بَنونَ وهَجْمَةٌ كأَشاءِ بُسٍّ، ... صَفايا كَثَّةُ الأَوْبارِ كُومُ
فَإِنَّهُ يُقَالُ بَهانِ أَراد بَهْنانةً، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه اسْمُ عَلَمٍ كحَذامِ وقَطامِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تَأَبَّقْ أَي لَمْ تأْنفْ، وَقِيلَ: لَمْ تأَبَّقْ لَمْ تفِرّ، مأْخوذ مِنْ أَباقِ العبدِ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ مَنْسُوبًا لعامانَ بِالْمِيمِ، وَلَمْ يُنبِّه عَلَيْهِ ابْنُ بَرِّيٍّ بَلْ أَقرّه عَلَى اسْمِهِ وزاد في نسَبه، وَهُوَ عَاهَانُ بِالْهَاءِ كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ، وَذَكَرَهُ أَيضاً فِي عَوَهَ وَقَالَ: هُوَ عَلَى هَذَا فَعْلانُ وَفَاعَالُ فِيمَنْ جَعَلَهُ مِنْ عَهنَ؛ وأَورده الْجَوْهَرِيُّ:
كبِرْتَ وَلَا يَلِيقُ بِكَ النَّعِيمُ
وَصَوَابُهُ نَعِمتَ كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ. وبُسُّ: اسمُ مَوْضِعٍ كَثِيرِ النَّخْلِ. الْجَوْهَرِيُّ: وبَهانِ اسمُ امرأَة مِثْلُ قَطامِ. وَفِي حَدِيثِ هَوازن:
أَنهم خَرَجُوا بدُرَيْد بْنِ الصِّمَّةَ يتَبَهّنون بِهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ إِنَّ الرَّاوِيَ غَلِطَ وَإِنَّمَا هُوَ يَتَبَهْنَسون، والتَّبَهنُسُ كالتَّبَخْتر فِي الْمَشْيِ، وَهِيَ مِشْية الأَسد أَيضاً، وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ تصحيفُ يتَيمَّنُون بِهِ، مِنَ اليُمْنِ ضِدّ الشُّؤْم. والباهِينُ: ضرْبٌ مِنَ التَّمْرِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُرة: أَخبرني بعضُ أَعراب عُمانَ أَنَّ بهَجَر نَخْلَةٌ يُقَالُ لَهَا الباهينُ، لَا يَزَالُ عَلَيْهَا السَّنةَ كلَّها طلعٌ جديدٌ وكبائسُ مُبْسِرة وأُخَرُ مُرْطِبة ومُتْمِرة. الأَزهري عَنْ أَبي يُوسُفَ: البَيْهَنُ النَّسْتَرَنُ مِنَ الرّياحِين، والبَهْنَوِيُّ مِنَ الإِبلِ: مَا بَيْنَ الكِرْمانيّة وَالْعَرَبِيَّةِ، وَهُوَ دَخِيل فِي الْعَرَبِيَّةِ.
بون: البَوْنُ والبُونُ: مسافةُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ كُثيِّر عزَّة:
إِذَا جاوَزوا معروفَه أَسْلَمْتُهُمْ ... إِلَى غمرةٍ ... ينظرُ القومُ بُونَها «1»
. وَقَدْ بانَ صاحبُه بَوْناً. والبِوانُ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: «2» . عَمُودٌ مِنْ أَعْمِدة الخِباء، وَالْجَمْعُ أَبْوِنةٌ وبُونٌ، بِالضَّمِّ، وبُوَنٌ، وأَباها سِيبَوَيْهِ. والبُونُ: موضعٌ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَدري مَا صحتُه. الْجَوْهَرِيُّ: البانُ ضربٌ مِنَ الشَّجَرِ، وَاحِدَتُهَا بانةٌ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
بَرَهْرهةٌ رُؤْدةٌ رَخْصةٌ، ... كخُرْعوبةِ البانةِ المنفطِرْ
وَمِنْهُ دُهْنُ البانِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي بَيَنَ وَعَلَّلَهُ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: فَلَمَّا أَلْقى الشامُ بَوانِيَه عزلَني وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي
أَي خيرَه وَمَا فِيهِ مِنَ السَّعة والنّعْمة. وَيُقَالُ: أَلقى عَصاه وأَلقى بَوانِيَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: البَواني فِي الأَصل أَضْلاعُ الصدْرِ، وَقِيلَ: الأَكتافُ والقوائمُ، الْوَاحِدَةُ بَانِيَةٌ، قَالَ: ومنْ حقِّ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَن تَجِيءَ فِي بَابِ الْبَاءِ وَالنُّونِ وَالْيَاءِ، قَالَ: وَذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَرِدْ حَيْثُ وَرَدَتْ إِلَّا مَجْمُوعَةً. وَفِي
__________
(1) . قوله [إلى غمرة إلخ] هكذا فيه بياض بالأَصل
(2) . قوله [بكسر الباء] عبارة التكملة: والبوان بالضم عمود الخيمة لغة في البوان بالكسر، عن الفراء

(13/61)


حَدِيثِ
عَلِيٍّ: أَلقَت السماءُ بَرْكَ بَوانيها
؛ يريدُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ. والبُوَيْن: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْقِل بْنُ خوَيلد:
لعَمْري لَقَدْ نَادَى المُنادي فراعَني، ... غَداةَ البُوَيْنِ، مِنْ قَرِيبٍ فأَسْمَعا
وبُوانات: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْن بْنُ أَوس:
سَرَتْ مِنْ بُواناتٍ فبَوْنٍ فأَصْبَحَتْ ... بقَوْرانَ، قَورانِ الرِّصاف تُواكِله
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بُوانةُ، بِالضَّمِّ، اسمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ لَقِيَتْ شَوْلٌ، بجَنْبَيْ بُوانةٍ، ... نَصِيّاً كأَعْرافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
وَقَالَ وضَّاح الْيَمَنِ:
أَيا نَخْلَتَيْ وادِي بُوانةَ حَبَّذا، ... إِذَا نامَ حُرَّاسُ النخيلِ، جَناكما
قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ بِحَذْفِ الْهَاءِ؛ قَالَ الزَّفَيان:
مَاذَا تَذَكَّرْتُ مِنَ الأَظْعان، ... طَوالِعاً مِنْ نحوِ ذِي بُوانِ
قَالَ: وأَما الَّذِي بِبِلَادِ فَارِسَ فَهُوَ شِعْب بَوَّان، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ المكرَّم: يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ أَطْيب بِقَاعِ الأَرض وأَحسَن أَماكِنِها؛ وَإِيَّاهُ عَنى أَبو الطَّيِّبِ المتنَبِّي بِقَوْلِهِ:
يَقول بشِعْبِ بَوَّانٍ حِصاني: ... أَعَنْ هَذَا يُسارُ إِلَى الطِّعانِ؟
أَبوكُمْ آدَمٌ سَنَّ المَعاصي، ... وعَلَّمكُمْ مُفارَقةَ الجِنانِ
وَفِي حَدِيثِ النذْر:
أَن رَجُلًا نَذَرَ أَن يَنْحَر إِبِلًا بِبُوانَةَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا، هَضْبةٌ مِنْ وَراء يَنبُع. ابْنُ الأَعرابي: البَوْنة الْبِنْتُ الصَّغِيرَةُ. والبَوْنة: الفصيلة. والبَوْنة: الفراق.
بين: البَيْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى وجْهَين: يَكُونُ البَينُ الفُرْقةَ، وَيَكُونُ الوَصْلَ، بانَ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونةً، وَهُوَ مِنَ الأَضداد؛ وشاهدُ البَين الوَصل قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَقَدْ فَرَّقَ الواشِينَ بَيْنِي وبينَها، ... فقَرَّتْ بِذاكَ الوَصْلِ عَيْنِي وعينُها
وَقَالَ قيسُ بْنُ ذَريح:
لَعَمْرُك لَوْلَا البَيْنُ لَا يُقْطَعُ الهَوى، ... وَلَوْلَا الْهَوَى مَا حَنَّ لِلبَيْنِ آلِفُ
فالبَينُ هُنَا الوَصْلُ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو فِي رَفْعِ بَيْنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ رِماحَنا أَشْطانُ بئْرٍ ... بَعيدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ
وأَنشد أَيضاً:
ويُشْرِقُ بَيْنُ اللِّيتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْل
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَيَكُونُ البَينُ اسْمًا وظَرْفاً مُتمكِّناً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؛ قرئَ بَيْنَكُمْ
بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَالرَّفْعُ عَلَى الْفِعْلِ أَي تقَطَّع وَصْلُكم، والنصبُ عَلَى الْحَذْفِ، يريدُ مَا بَيْنَكُمْ، قرأَ نَافِعٌ وحفصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ بَيْنَكُمْ
نَصْبًا، وقرأَ ابْنُ كَثير وأَبو عَمْروٍ وابنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ بينُكم رَفْعًا، وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: لَقَدْ تقطَّع بينُكم أَي وَصْلُكم، وَمَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ
فَإِنَّ أَبا الْعَبَّاسِ رَوَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ تقطَّع الَّذِي كانَ بينَكم؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ فيمَنْ فتَحَ الْمَعْنَى: لَقَدْ تقطَّع مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشَّركة بينَكم، ورُوي عَنِ ابْنِ مسعودٍ أَنه قرأَ لَقَدْ تقطَّع

(13/62)


مَا بينَكم، وَاعْتَمَدَ الفراءُ وغيرُه مِنَ النَّحْوِيِّينَ قراءةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ*
، وَكَانَ أَبو حَاتِمٍ يُنْكِر هَذِهِ القراءةَ وَيَقُولُ: مَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ
لَمْ يُجِزْ إِلَّا بمَوْصول كَقَوْلِكَ مَا بينَكم، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ حذفُ الْمَوْصُولِ وَبَقَاءُ الصلةِ، لَا تُجيزُ العربُ إِنْ قامَ زيدٌ بِمَعْنَى إِنَّ الَّذِي قَامَ زيدٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو حَاتِمٍ خَطَأٌ، لأَن اللَّهَ جَلّ ثَنَاؤُهُ خاطَبَ بِمَا أَنزَل فِي كِتَابِهِ قَوْمًا مُشْرِكِينَ فَقَالَ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ
؛ أَراد لَقَدْ تَقَطَّعَ الشِّرْكُ بَيْنَكُمْ أَي فِيمَا بينَكم، فأَضمرَ الشركَ لِمَا جرَى مِنْ ذِكْر الشُّركاء، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَن قرأَ بِالنَّصْبِ احْتَمَلَ أَمرين: أَحدُهما أَن يكونَ الفاعلُ مضمَراً أَي لَقَدْ تقطَّع الأَمرُ أَو العَقْدُ أَو الودُّ بينَكم، والآخرُ مَا كَانَ يراهُ الأَخفشُ مِنْ أَن يكونَ بَيْنَكُمْ، وَإِنْ كَانَ منصوبَ اللَّفْظِ مرفوعَ الموضِع بِفِعْلِهِ، غيرَ أَنه أُقِرّتْ عَلَيْهِ نَصْبةُ الظَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ مرفوعَ الْمَوْضِعِ لاطِّراد اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ ظَرْفًا، إِلَّا أَن استعمالَ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ صفةٌ لِلْمُبْتَدَإِ مكانَه أَسهلُ مِنِ استعمالِها فاعِلةً، لأَنه لَيْسَ يَلزمُ أَن يَكُونَ المبتدأُ اسْمًا مَحْضًا كَلُزُومِ ذَلِكَ فِي الْفَاعِلِ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ مِنْ أَن تَرَاهُ؛ أَي سماعُك بِهِ خيرٌ مِنْ رؤْيتك إِيَّاهُ. وَقَدْ بانَ الحيُّ بَيْناً وبَيْنونةً؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
فهاجَ جَوًى فِي القَلْب ضَمَّنه الهَوَى ... بِبَيْنُونةٍ، يَنْأَى بِهَا مَنْ يُوادِعُ
والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وغُرابُ البَين: هُوَ الأَبْقَع؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
ظَعَنَ الَّذِينَ فِراقَهم أَتَوَقَّعُ، ... وجَرَى ببَيْنِهمُ الغُرابُ الأَبْقَعُ
حَرِقُ الجَناحِ كأَنَّ لحْيَيْ رأْسِه ... جَلَمانِ، بالأَخْبارِ هَشٌّ مُولَعُ
وَقَالَ أَبو الغَوث: غرابُ البَيْنِ هُوَ الأَحمرُ المِنْقارِ والرِّجْلينِ، فأَما الأَسْود فإِنه الحاتِمُ لأَنه يَحْتِمُ بِالْفِرَاقِ. وَتَقُولُ: ضربَه فأَبانَ رأْسَه مِنْ جسدِه وفَصَلَه، فَهُوَ مُبِينٌ. وَفِي حَدِيثِ الشُّرْب:
أَبِنِ القَدَحَ عَنْ فِيكَ
أَي افْصِلْه عَنْهُ عِنْدَ التنفُّس لِئَلَّا يَسْقُط فِيهِ شيءٌ مِنَ الرِّيق، وَهُوَ مِنَ البَينِ البُعْد والفِراق. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البائِن
أَي المُفْرِطِ طُولًا الَّذِي بَعُدَ عَنْ قَدِّ الرِّجَالِ الطِّوال، وبانَ الشيءُ بَيْناً وبُيوناً. وَحَكَى الفارسيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: طَلَبَ إِلَى أَبَوَيْه البائنةَ، وَذَلِكَ إِذَا طَلَب إِلَيْهِمَا أَن يُبِيناهُ بِمَالٍ فيكونَ لَهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا تكونُ البائنةُ إِلَّا مِنَ الأَبوين أَو أَحدِهما، وَلَا تكونُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ أَبانَه أَبواه إِبانةً حَتَّى بانَ هُوَ بِذَلِكَ يَبينُ بُيُوناً. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبي قَالَ: سمعتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشيرٍ يَقُولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطَلَبَتْ عَمْرةُ إِلَى بَشِيرِ بْنِ سعدٍ أَن يُنْحِلَني نَحْلًا مِنْ مَالِهِ وأَن يَنْطلِقَ بِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، فيُشْهدَه فَقَالَ: هَلْ لَكَ مَعَهُ ولدٌ غيرُه؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَبَنتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَشهَدُ عَلَى هَذَا، هَذَا جَورٌ، أَشهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، اعْدِلوا بَيْنَ أَولادكم في النِّحْل [النُّحْل] كَمَا تُحِبُّون أَن يَعْدلوا بَيْنَكُمْ فِي البرِّ واللُّطف
؛ قَوْلُهُ: هَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ أَي هَلْ أَعْطَيْتَ كلَّ واحدٍ مَالًا تُبِينُه بِهِ أَي تُفْرِدُه، وَالِاسْمُ البائنةُ. وَفِي حَدِيثِ
الصِّدِّيقِ: قَالَ لِعَائِشَةَ،

(13/63)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي كنتُ أَبَنْتكِ بنُحْل
أَي أَعطيتُكِ. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: بانَ وبانَه؛ وأَنشد:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وَقَدْ بانُوني، ... غَرْبانِ فَوقَ جَدْوَلٍ مَجْنونِ
وتبَايَنَ الرجُلانِ: بانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ إِذَا انْفَصَلَا. وبانَت المرأَةُ عَنِ الرَّجُلِ، وَهِيَ بائنٌ: انْفَصَلَتْ عَنْهُ بِطَلَاقٍ. وتَطْليقةٌ بَائِنَةٌ، بِالْهَاءِ لَا غَيْرَ، وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَي تَطْليقةٌ «1» . ذاتُ بَيْنونةٍ، وَمِثْلُهُ: عِيشةٌ راضيةٌ أَي ذاتُ رِضاً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ طَلق امرأَتَه ثمانيَ تَطْلِيقاتٍ: فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا قَدْ بانَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: صدَقُوا؛ بانَتِ المرأَةُ مِنْ زوجِها
أَي انْفَصَلَتْ عَنْهُ وَوَقَعَ عَلَيْهَا طلاقُه. والطَّلاقُ البائِنُ: هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِك الزوجُ فِيهِ استِرْجاعَ المرأَةِ إِلَّا بعَقْدٍ جديدٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. وَيُقَالُ: بانَتْ يدُ الناقةِ عَنْ جَنْبِها تَبِينُ بُيوناً، وبانَ الخلِيطُ يَبينُ بَيْناً وبَيْنونةً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَآذَنَ الثَّاوِي بِبَيْنُونة
ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلْجَارِيَةِ إِذَا تزوَّجت قَدْ بانَت، وهُنّ قَدْ بِنَّ إِذَا تزوَّجْنَ. وبَيَّن فلانٌ بِنْتَه وأَبانَها إِذَا زوَّجَها وَصَارَتْ إِلَى زَوْجِهَا، وبانَت هِيَ إِذَا تَزَوَّجَتْ، وكأَنه مِنَ الْبِئْرِ الْبَعِيدَةِ أَي بَعُدَتْ عَنْ بَيْتِ أَبيها. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ عالَ ثلاثَ بناتٍ حَتَّى يَبِنَّ أَو يَمُتْنَ
؛ يَبِنَّ، بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَي يتزوَّجْنَ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
حَتَّى بانُوا أَو مَاتُوا.
وبئرٌ بَيُونٌ: واسعةُ مَا بَيْنَ الجالَيْنِ؛ وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: هِيَ الَّتِي لَا يُصيبُها رِشاؤُها، وَذَلِكَ لأَن جِرابَ الْبِئْرِ مُسْتَقِيمٌ، وَقِيلَ: البَيُونُ البئرُ الْوَاسِعَةُ الرأْسِ الضَّيِّقَة الأَسْفَل؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
إِنَّك لَوْ دَعَوْتَني، ودُوني ... زَوْراءُ ذاتُ مَنْزعٍ بَيُونِ،
لقُلْتُ: لَبَّيْه لمنْ يَدْعوني
فَجَعَلَهَا زَوْراءَ، وَهِيَ الَّتِي فِي جِرابِها عَوَجٌ، والمَنْزَعُ: الموضعُ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ الدَّلْوُ إِذَا نُزِع مِنَ الْبِئْرِ، فَذَلِكَ الْهَوَاءُ هُوَ المَنْزَعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بئرٌ بَيُونٌ وَهِيَ الَّتِي يُبِينُ المُسْتَقي الْحَبْلَ فِي جِرابِها لِعَوَجٍ فِي جُولها؛ قَالَ جَرِيرٌ يَصِفُ خَيْلًا وصَهِيلَها:
يَشْنِفْنَ للنظرِ الْبَعِيدِ، كأَنما ... إرْنانُها ببَوائنُ الأَشْطانِ
أَراد كأَنها تَصْهَل فِي رَكَايَا تُبانُ أَشْطانُها عَنْ نَوَاحِيهَا لِعَوَجٍ فِيهَا إِرْنَانُهَا ذَوَاتُ «2» . الأَذنِ والنَّشاطِ مِنْهَا، أَراد أَن فِي صهيلِها خُشْنة وغِلَظاً كأَنها تَصْهَل فِي بئرٍ دَحُول، وَذَلِكَ أَغْلَظُ لِصَهيلِها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْبَيْتُ لِلْفَرَزْدَقِ لَا لِجَرِيرٍ، قَالَ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ يَصْهَلْنَ. والبائنةُ: البئرُ البعيدةُ الْقَعْرِ الْوَاسِعَةُ، والبَيونُ مثلُه لأَن الأَشْطانَ تَبِينُ عَنْ جرابِها كَثِيرًا. وأَبانَ الدَّلوَ عَنْ طَيِّ الْبِئْرِ: حادَ بِهَا عَنْهُ لِئَلَّا يُصيبَها فَتَنْخَرِقُ؛ قَالَ:
دَلْوُ عِراكٍ لَجَّ بِي مَنينُها، ... لَمْ تَرَ قَبْلي ماتِحاً يُبينُها
وَتَقُولُ: هُوَ بَيْني وبَيْنَه، وَلَا يُعْطَفُ عليه إلا
__________
(1) . قوله [وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أي تطليقة إلخ] هكذا بالأَصل، ولعل فيه سقطاً
(2) . قوله [إرنانها ذوات إلخ] كذا بالأَصل. وفي التكملة: والبيت للفرزدق يهجو جريراً، والرواية إرنانها أي كَأَنَّهَا تَصْهِلُ مِنْ آبَارِ بوائن لسعة أجوافها إلخ. وقول الصاغاني: والرواية إرنانها يعني بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وبالنون كما هنا بخلاف رواية الجوهري فإنها أذنابها، وقد عزا الجوهري هذا البيت لجرير كما هنا فقد رد عليه الصاغاني من وجهين

(13/64)


بِالْوَاوِ لأَنه لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ، وَقَالُوا: بَيْنا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ حَدَثَ كَذَا؛ قَالَ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
فبَيْنا نَحْنُ نَرْقُبُه، أَتانا ... مُعَلّق وَفْضةٍ، وزِناد راعِ
إِنَّمَا أَراد بَيْنَ نَحْنُ نَرْقبُهُ أَتانا، فأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فحدَثتْ بَعْدَهَا أَلفٌ، فإِن قِيلَ: فلِمَ أَضافَ الظرفَ الَّذِي هُوَ بَيْن، وَقَدْ عَلِمْنَا أَن هَذَا الظرفَ لَا يُضَافُ مِنَ الأَسماء إِلَّا لِمَا يدلُّ عَلَى أَكثر مِنَ الْوَاحِدِ أَو مَا عُطف عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِالْوَاوِ دُونَ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ نَحْوَ المالُ بينَ القومِ والمالُ بَيْنَ زيدٍ وَعَمْرٍو، وقولُه نَحْنُ نرقُبُه جملةٌ، وَالْجُمْلَةُ لَا يُذْهَب لَهَا بَعْدَ هَذَا الظرفِ؟ فالجواب: أَن هاهنا وَاسِطَةً محذوفةٌ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ بينَ أَوقاتِ نَحْنُ نرْقُبُه أَتانا أَي أَتانا بَيْنَ أَوقات رَقْبَتِنا إِيَّاهُ، والجُمَلُ مِمَّا يُضافُ إِلَيْهَا أَسماءُ الزَّمَانِ نَحْوَ أَتيتك زمنَ الحجاجُ أَميرٌ، وأَوانَ الخليفةُ عبدُ المَلِك، ثُمَّ إِنَّهُ حُذِفَ المضافُ الَّذِي هُوَ أَوقاتٌ ووَليَ الظَّرْفُ الَّذِي كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَحْذُوفِ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُقيمت مُقامَ الْمُضَافِ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ؛ أَي أَهلَ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ الأَصمعيُّ يَخْفِضُ بعدَ بَيْنا إِذَا صلَح فِي مَوْضِعِهِ بَيْنَ ويُنشِد قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ بِالْكَسْرِ:
بَيْنا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِه، ... يَوْمًا، أُتِيحَ لَهُ جَرِيءٌ سَلْفَعُ
وغيرُه يرفعُ مَا بعدَ بَيْنا وبَيْنَما عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَالَّذِي يُنْشِدُ برَفع تَعنُّقِه وبخفْضِها «1» . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ومثلُه فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ بَعْدَهَا قولُ الْآخَرِ:
كُنْ كيفَ شِئْتَ، فقَصْرُك الموتُ، ... لَا مَزْحَلٌ عَنْهُ وَلَا فَوْتُ
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِهِ، ... زالَ الغِنَى وتَقَوَّضَ البيتُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تأْتي إذْ فِي جَوَابِ بَيْنَا كَمَا قَالَ حُمَيْد الأَرقط:
بَيْنا الفَتى يَخْبِطُ فِي غَيْساتِه، ... إِذِ انْتَمَى الدَّهْرُ إِلَى عِفْراتِه
وَقَالَ آخَرُ:
بيْنا كَذَلِكَ، إذْ هاجَتْ هَمَرَّجةٌ ... تَسْبي وتَقْتُل، حَتَّى يَسْأَمَ الناسُ
وَقَالَ الْقُطَامِيُّ:
فبَيْنا عُمَيْرٌ طامحُ الطَّرف يَبْتَغي ... عُبادةَ، إذْ واجَهْت أَصحَم ذَا خَتْر
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يدلُّ عَلَى فسادِ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إنَّ إِذْ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي جَوَابِ بَيْنما بِزِيَادَةِ مَا، وَهَذِهِ بعدَ بَيْنا كَمَا تَرَى؛ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنه قَدْ جَاءَ بَيْنما وَلَيْسَ فِي جَوَابِهَا إِذْ كَقَوْلِ ابْنِ هَرْمة فِي بَابِ النَّسيبِ مِنَ الحَماسةِ:
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالْقاعِ ... سِراعاً، والعِيسُ تَهْوي هُوِيّا
خطَرَتْ خَطْرةٌ عَلَى القلبِ من ذكراكِ ... وهْناً، فَمَا استَطَعتُ مُضِيّاً
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَعشى:
بَيْنَما المرءُ كالرُّدَيْنيّ ذي الجُبَّةِ ... سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ،
رَدَّه دَهْرُه المُضَلّلُ، حَتَّى ... عادَ مِنْ بَعْدِ مَشْيِه التَّدْليفِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
بَيْنما المرءُ آمِنٌ، راعَهُ رائعُ ... حَتْفٍ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ انْبِعاقَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى الله
__________
(1) . قوله: [والذي ينشد إلى وبخفضها؛ هكذا في الأَصل، ولعل في الكلام سقطاً

(13/65)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رجلٌ
؛ أَصلُ بَيْنا بَيْنَ، فأُشبِعتْ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلفاً، وَيُقَالُ بَيْنا وبَيْنما، وَهُمَا ظَرْفَا زمانٍ بِمَعْنَى المفاجأَة، ويُضافان إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ فعلٍ وفاعلٍ ومبتدإٍ وَخَبَرٍ، ويحْتاجان إِلَى جَوَابٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى، قَالَ: والأَفصَح فِي جَوَابِهِمَا أَن لَا يكون فيه إذا وَإِذَا، وَقَدْ جَاءَا فِي الْجَوَابِ كَثِيرًا، تَقُولُ: بَينا زيدٌ جالسٌ دخَل عَلَيْهِ عمرٌو، وَإِذْ دخَل عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الحُرَقة بِنْتِ النُّعمان:
بَيْنا نَسوسُ الناسَ، والأَمرُ أَمْرُنا، ... إِذَا نحنُ فِيهِمْ سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً
؛ فَإِنَّ الزَّجَّاجَ قَالَ: مَعْنَاهُ جَعَلَنَا بينَهم مِنَ الْعَذَابِ مَا يُوبِقُهم أَي يُهْلِكهم؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ أَي تواصُلهم فِي الدُّنْيَا مَوْبقاً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَي هُلْكاً، وَتَكُونُ بَيْن صِفَةً بِمَنْزِلَةِ وسَط وخِلال. الْجَوْهَرِيُّ: وبَيْن بِمَعْنَى وسْط، تَقُولُ: جلستُ بينَ الْقَوْمِ، كَمَا تَقُولُ: وسْطَ الْقَوْمِ، بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ ظرفٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ اسْمًا أَعرَبْتَه؛ تَقُولُ: لَقَدْ تقطَّع بينُكم، بِرَفْعِ النُّونِ، كَمَا قَالَ أَبو خِراش الهُذلي يَصِفُ عُقاباً:
فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَراحٍ، ... فصادَفَ بينَ عَينَيْه الجَبُوبا
الجبُوب: وَجْهُ الأَرض. الأَزهري فِي أَثناء هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: رُوِيَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ الْكَوَاكِبُ البَبانيات «1» . هِيَ الَّتِي لَا يَنزِلها شمسٌ وَلَا قمرٌ إِنَّمَا يُهْتَدى بِهَا فِي البرِّ وَالْبَحْرِ، وَهِيَ شَامِيَّةٌ، ومَهَبُّ الشَّمالِ مِنْهَا، أَوَّلها القُطْب وَهُوَ كوكبٌ لَا يَزول، والجدْي والفَرْقَدان، وَهُوَ بَيْنَ القُطب، وَفِيهِ بَنات نعْشٍ الصُّغْرَى، وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سَمِعْتُ المبرَّد يَقُولُ إِذَا كَانَ الِاسْمُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ بَيْنا اسْمًا حَقِيقِيًّا رفَعته بِالِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ اسْمًا مَصْدَرِيًّا خفضْتَه، وَيَكُونُ بَيْنا فِي هَذَا الْحَالِ بِمَعْنَى بينَ، قَالَ: فسأَلت أَحمد بْنَ يَحْيَى عَنْهُ وَلَمْ أُعلِمْه قَائِلَهُ فَقَالَ: هَذَا الدرُّ، إِلَّا أَنَّ مِنَ الْفُصَحَاءِ مَنْ يَرْفَعُ الِاسْمَ الَّذِي بَعْدَ بَينا وَإِنْ كَانَ مَصْدَرِيًّا فيُلحقه بِالِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ؛ وأَنشد بَيْتًا لِلْخَلِيلِ بْنِ أَحمد:
بَينا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِه، ... ذهَبَ الغِنى وتَقَوَّضَ البَيْتُ
وَجَائِزٌ: وبهْجَتُه، قَالَ: وأَما بَيْنما فالاسمُ الَّذِي بَعْدَهُ مرفوعٌ، وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرُ. ابْنُ سِيدَهْ: وبَيْنا وَبَيْنَمَا مِنْ حُرُوفِ الِابْتِدَاءِ، وَلَيْسَتِ الأَلف فِي بَيْنا بصلةٍ، وبَينا فعْلى أُشبِعت الفتحةُ فَصَارَتْ أَلفاً، وَبَيْنَمَا بَين زِيدت عَلَيْهِ مَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهَذَا الشَّيْءُ بَينَ بَينَ أَي بَيْنَ الجيِّد والرَّديء، وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلا وَاحِدًا وبُنيا عَلَى الْفَتْحِ، وَالْهَمْزَةُ المخفَّفة تُسَمَّى هَمْزَةٌ بَيْنَ بَيْنَ؛ وَقَالُوا: بَين بَين، يُرِيدُونَ التَّوَسُّط كَمَا قَالَ عَبيد بْنُ الأَبرص:
نَحْمي حَقيقَتَنا، وَبَعْضُ ... القَوْم يَسْقُطُ بَينَ بَيْنا
وَكَمَا يَقُولُونَ: هَمْزَةٌ بَين بَين أَي أَنها همزةٌ بَيْنَ الهمزةِ وَبَيْنَ حَرْفِ اللِّينِ، وَهُوَ الْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حركتُها إِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ والأَلف مِثْلُ سأَل، وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ مِثْلُ سَئِمَ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ مِثْلُ لَؤُم، إِلَّا أَنها لَيْسَ لَهَا تمكينُ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ، وَلَا تقَعُ الهمزةُ الْمُخَفَّفَةُ أَبداً أَوَّلًا لقُرْبِها بالضَّعْف مِنَ السَّاكِنِ، إِلَّا أَنها وَإِنْ كَانَتْ قَدْ قرُبَت مِنَ السَّاكِنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْكين الهمزةِ المحقَّقة فهي
__________
(1) . وردت في مادة بين [البابانيات] تبعاً للأَصل، والصواب ما هنا

(13/66)


متحرِّكة فِي الْحَقِيقَةِ، فَالْمَفْتُوحَةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي سأَل سأَلَ، والمكسورةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي سَئِمَ سَئِمَ، وَالْمَضْمُومَةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي لؤُم لؤُم، وَمَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ بَيْنَ أَنها ضَعِيفَةٌ لَيْسَ لَهَا تمكينُ المحقَّقة وَلَا خُلوصُ الْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حركتُها، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسُمِّيَتْ بَينَ بينَ لضَعْفِها؛ وأَنشد بَيْتَ عَبِيدِ بْنِ الأَبرص:
وَبَعْضُ القومِ يَسْقُطُ بَيْنَ بَيْنَا
أَي يَتَسَاقَطُ ضَعيفاً غَيْرَ معتدٍّ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ السِّيرَافِيُّ كأَنه قَالَ بَينَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كأَنه رجلٌ يَدْخُلُ بينَ فَرِيقَيْنِ فِي أَمرٍ مِنَ الأُمور فيسقُطُ وَلَا يُذْكَر فِيهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَجُوزُ عِنْدِي أَن يُرِيدَ بينَ الدُّخُولِ فِي الْحَرْبِ والتأَخر عَنْهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانُ يُقَدِّم رِجْلًا ويُؤَخر أُخرى. ولَقِيتُه بُعَيدات بَيْنٍ إذا لقِيتَه بعدَ حينٍ ثُمَّ أَمسكتَ عَنْهُ ثُمَّ أَتيته؛ وَقَوْلُهُ:
وَمَا خِفْتُ حَتَّى بَيَّنَ الشربُ والأَذى ... بِقانِئِه، إِنِّي مِنَ الحيِّ أَبْيَنُ
أَي بَائِنُ. والبَيانُ: مَا بُيِّنَ بِهِ الشيءُ مِنَ الدَّلَالَةِ وغيرِها. وبانَ الشيءُ بَياناً: اتَّضَح، فَهُوَ بَيِّنٌ، وَالْجَمْعُ أَبْيِناءُ، مِثْلُ هَيِّنٍ وأَهْيِناء، وَكَذَلِكَ أَبانَ الشيءُ فَهُوَ مُبينٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ دَبَّ ذَرٌّ فوقَ ضاحِي جلدِها، ... لأَبانَ مِنْ آثارِهِنَّ حُدورُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْجَمْعُ أَبْيِناء مِثْلُ هيِّن وأَهْيِناء، قَالَ: صَوَابُهُ مِثْلُ هيِّنٍ وأَهْوِناء لأَنه مِنَ الهَوانِ. وأَبَنْتُه أَنا أَي أَوْضَحْتُه. واستَبانَ الشيءُ: ظهَر. واستَبَنْتُه أَنا: عرَفتُه. وتَبَيَّنَ الشيءُ: ظَهَر، وتَبيَّنْتهُ أَنا، تتعدَّى هَذِهِ الثلاثةُ وَلَا تَتَعَدَّى. وَقَالُوا: بانَ الشيءُ واسْتَبانَ وتَبيَّن وأَبانَ وبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: آياتٍ مُبَيِّناتٍ*
، بِكَسْرِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، بِمَعْنَى مُتبيِّنات، وَمَنْ قرأَ
مُبَيَّنات
بِفَتْحِ الْيَاءِ فَالْمَعْنَى أَن اللَّهَ بَيَّنَها. وَفِي الْمَثَلِ: قَدْ بَيَّنَ الصبحُ لذِي عينَين أَي تَبَيَّن؛ وَقَالَ ابْنُ ذَريح:
وللحُبِّ آياتٌ تُبَيَّنُ للفَتى ... شُحوباً، وتَعْرى مِنْ يَدَيه الأَشاحم «1»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده ثَعْلَبٌ، وَيُرْوَى: تُبَيِّن بِالْفَتَى شُحوب. والتَّبْيينُ: الإِيضاح. والتَّبْيين أَيضاً: الوُضوحُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
إلَّا الأَوارِيّ لأْياً مَا أُبَيِّنُها، ... والنُّؤْيُ كالحَوض بِالْمَظْلُومَةِ الجلَد
يَعْنِي أَتَبيَّنُها. والتِّبْيان: مصدرٌ، وَهُوَ شاذٌّ لأَن الْمَصَادِرَ إِنَّمَا تَجِيءُ عَلَى التَّفْعال، بِفَتْحِ التَّاءِ، مثال التَّذْكار والتَّكْرار والتَّوْكاف، وَلَمْ يجيءْ بِالْكَسْرِ إِلَّا حَرْفَانِ وَهْمَا التِّبْيان والتِّلقاء. وَمِنْهُ حَدِيثُ
آدَمَ وَمُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَعطاكَ اللهُ التوراةَ فِيهَا تِبْيانُ كلِّ شيءٍ
أَي كشْفُه وإيضاحُه، وَهُوَ مَصْدَرٌ قَلِيلٌ لأَن مصادرَ أَمثاله بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ
؛ يُرِيدُ النِّسَاءَ أَي الأُنثى لَا تَكَادُ تَسْتَوفي الحجةَ وَلَا تُبينُ، وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ المرأَة لَا تَكَادُ تحتجُّ بحُجّةٍ إِلا عَلَيْهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الأَصنام، والأَوّل أَجود. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
؛ أَي ظَاهِرَةٍ مُتَبيِّنة. قَالَ ثَعْلَبٌ: يَقُولُ إِذَا طلَّقها لَمْ يحِلّ لَهَا أَن تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا أَن يُخْرجها هُوَ إِلَّا بحَدٍّ
__________
(1) . قوله [الأَشاحم] هكذا في الأَصل

(13/67)


يُقام عَلَيْهَا، وَلَا تَبينُ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي طُلِّقت فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ثُمَّ تخرُج حَيْثُ شَاءَتْ، وبِنْتُه أَنا وأَبَنتُه واسْتَبنْتُه وبَيَّنْتُه؛ وَرَوِيَ بَيْتُ ذِي الرُّمَّةِ:
تُبَيِّنُ نِسْبةَ المَرَئِيّ لُؤْماً، ... كَمَا بَيَّنْتَ فِي الأَدَم العَوارا
أَي تُبَيِّنُها، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: تُبيِّن نِسبةُ، بِالرَّفْعِ، عَلَى قَوْلِهِ قَدْ بَيَّنَ الصبحُ لِذِي عَينين. وَيُقَالُ: بانَ الحقُّ يَبينُ بَياناً، فَهُوَ بائنٌ، وأَبانَ يُبينُ إِبَانَةً، فَهُوَ مُبينٌ، بِمَعْنَاهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ*
؛ أَي وَالْكِتَابِ البَيِّن، وَقِيلَ: مَعْنَى الْمُبِينِ*
الَّذِي أَبانَ طُرُقَ الْهُدَى مِنْ طُرُقِ الضَّلَالَةِ وأَبان كلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الأُمّة؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بانَ الشيءُ وأَبانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: بانَ الشيءُ وأَبَنتُه، فَمَعْنَى مُبين أَنه مُبينٌ خيرَه وبرَكَته، أَو مُبين الحقَّ مِنَ الْبَاطِلِ والحلالَ مِنَ الْحَرَامِ، ومُبينٌ أَن نُبُوَّةَ سيدنا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حقٌّ، ومُبين قِصَصَ الأَنبياء. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَكُونُ الْمُسْتَبِينُ أَيضاً بِمَعْنَى المُبين. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والاسْتِبانةُ يَكُونُ واقعاً. يقال: اسْتَبنتُ الشيءَ إِذَا تأَملتَه حَتَّى تَبيَّن لَكَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
؛ الْمَعْنَى ولتستبينَ أَنت يَا مُحَمَّدُ سبيلَ الْمُجْرِمِينَ أَي لتزدادَ استِبانة، وإِذا بانَ سبيلُ الْمُجْرِمِينَ فَقَدْ بَانَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ، وأَكثرُ القراء قرؤُوا: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
؛ والاسْتبانة حينئذٍ يَكُونُ غَيْرَ وَاقِعٍ. وَيُقَالُ: تبَيَّنْت الأَمر أَي تأَمَّلته وتوسَّمْتُه، وَقَدْ تبيَّنَ الأَمرُ يَكُونُ لازِماً وواقِعاً، وَكَذَلِكَ بَيَّنْته فبَيَّن أَي تَبَيَّن، لازمٌ وَمُتَعَدٍّ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ
؛ أَي بُيِّن لَكَ فِيهِ كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك مِنْ أَمر الدِّين، وَهَذَا مِنَ اللَّفْظِ العامِّ الَّذِي أُريد بِهِ الخاصُّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَيَّنْت الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بِكَسْرِ التَّاءِ، وتِفْعالٌ بِكَسْرِ التَّاءِ يَكُونُ اسْمًا، فأَما الْمَصْدَرُ فإِنه يَجِيءُ عَلَى تَفْعال بِفَتْحِ التَّاءِ، مِثْلُ التَّكْذاب والتَّصْداق وَمَا أَشبهه، وَفِي الْمَصَادِرِ حَرْفَانِ نَادِرَانِ: وَهُمَا تِلْقاء الشَّيْءِ والتِّبْيان، قَالَ: وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَلا إنَّ التَّبيين مِنَ اللَّهِ والعَجَلة مِنَ الشَّيْطَانِ فتبيَّنُوا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ التَّبْيين التثبُّتُ فِي الأَمر والتَّأَني فِيهِ، وَقُرِئَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
، وَقُرِئَ:
فتثبَّتوا
، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
،
وفتَثبَّتُوا
؛ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ: الْكِتابِ الْمُبِينِ*
، قَالَ: وَهُوَ التِّبيان، وَلَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ إِنَّمَا هُوَ بناءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا لفُتِحتْ كالتَّقْتال، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بيَّنْتُ كَالْغَارَةِ مِنْ أَغَرْت. وَقَالَ كُرَاعٍ: التِّبيان مصدرٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا التِّلقاء، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَبَيْنَهُمَا بَينٌ أَي بُعْد، لُغَةٌ فِي بَوْنٍ، وَالْوَاوُ أَعلى، وَقَدْ بانَه بَيْناً. والبَيانُ: الْفَصَاحَةُ واللَّسَن، وكلامٌ بيِّن فَصيح. والبَيان: الإِفصاح مَعَ ذَكَاءٍ. والبَيِّن مِنَ الرِّجَالِ: الْفَصِيحُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: البَيِّن مِنَ الرِّجَالِ السَّمْح اللِّسَانِ الْفَصِيحُ الظَّرِيفُ الْعَالِي الْكَلَامِ الْقَلِيلُ الرتَج. وفلانٌ أَبْيَن مِنْ فُلَانٍ أَي أَفصح مِنْهُ وأَوضح كَلَامًا. وَرَجُلٌ بَيِّنٌ: فَصِيحٌ، وَالْجَمْعُ أَبْيِناء، صحَّت الْيَاءُ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا؛ وأَنشد شَمِرٌ:
قَدْ يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبيُّ، ويَلْتَئي ... عَلَى البَيِّنِ السَّفّاكِ، وَهُوَ خَطيبُ
قَوْلُهُ يَلتئي أَي يُبْطئ، مِنَ اللأْي وَهُوَ الإِبطاء. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَبْيان وبُيَناء، فأَما أَبْيان

(13/68)


فكميِّت وأَموات، قَالَ سِيبَوَيْهِ: شَبَّهوا فَيْعِلًا بِفَاعِلٍ حِينَ قَالُوا شَاهِدٌ وأَشهاد، قَالَ: وَمِثْلُهُ، يَعْنِي ميِّتاً وأَمواتاً، قيِّل وأَقيال وكَيِّس وأَكياس، وأَما بُيِّناء فَنَادِرٌ، والأَقيَس فِي ذَلِكَ جمعُه بِالْوَاوِ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. رَوَى
ابنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: إِنّ مِنَ الْبَيَانِ لسِحْراً وإِنّ مِنَ الشِّعر لحِكَماً
؛ قَالَ: البَيان إِظْهَارُ الْمَقْصُودِ بأَبلغ لفظٍ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب مَعَ اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِن الرجُلَ يكونُ عَلَيْهِ الحقُّ، وَهُوَ أَقْوَمُ بحُجَّتِه مِنْ خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ بِبَيانِه إِلَى نَفْسِه، لأَن مَعْنَى السِّحْر قَلْبُ الشيءِ فِي عَيْنِ الإِنسانِ وَلَيْسَ بِقَلْبِ الأَعيانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنه يَبْلُغ مِنْ بَيانِ ذِي الْفَصَاحَةِ أَنه يَمْدَح الإِنسانَ فيُصدَّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القلوبَ إِلَى قولِه وحُبِّه، ثُمَّ يذُمّه فيُصدّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القلوبَ إِلَى قَوْلِهِ وبُغْضِهِ، فكأَنه سَحَرَ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ، وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِهِ:
إِن مِنَ البيانِ لسِحْراً.
وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي أُمامة: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الحياءُ والعِيُّ شُعْبتان مِنَ الإِيمانِ، والبَذاءُ والبيانُ شُعْبتانِ مِنَ النِّفاق
؛ أَراد أَنهما خَصْلتان مَنْشَؤهما النِّفاق، أَما البَذاءُ وَهُوَ الفُحْشُ فَظَاهِرٌ، وأَما البيانُ فَإِنَّمَا أَراد مِنْهُ بِالذَّمِّ التعمُّق فِي النُّطْق والتفاصُحَ وإظهارَ التقدُّم فِيهِ عَلَى النَّاسِ وكأَنه نوعٌ مِنَ العُجْب والكِبْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى:
البَذاءُ وبعضُ الْبَيَانِ
، لأَنه لَيْسَ كلُّ البيانِ مَذْمُومًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ
؛ قِيلَ إِنه عنى بالإِنسان هاهنا النبيَّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ
أَي علَّمه القرآنَ الَّذِي فِيهِ بيانُ كلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: الإِنسانُ هَنَا آدمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَن يَكُونَ الإِنسانُ اسْمًا لِجِنْسِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا علَّمَه البيانَ جعَله مميِّزاً حَتَّى انْفَصَلَ الإِنسانُ ببيَانِه وَتَمْيِيزِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ. وَيُقَالُ: بَيْنَ الرجُلَين بَيْنٌ بَعيدٌ وبَوْنٌ بَعِيدٌ؛ قَالَ أَبو مَالِكٍ: البَيْنُ الفصلُ «2» . بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، يَكُونُ إِمَّا حَزْناً أَو بقُرْبه رَمْلٌ، وبينَهما شيءٌ لَيْسَ بحَزنٍ وَلَا سهلٍ. والبَوْنُ: الفضلُ والمزيّةُ. يُقَالُ: بَانَهُ يَبونُه ويَبينُه، والواوُ أَفصحُ، فأَما فِي البُعْد فَيُقَالُ: إِنَّ بَيْنَهُمَا لَبَيْناً لَا غَيْرَ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَولُ مَا يُبِينُ عَلَى أَحدِكم فَخِذُه
أَي يُعْرب ويَشهد عَلَيْهِ. ونخلةٌ بائنةٌ: فاتَتْ كبائسُها الكوافيرَ وَامْتَدَّتْ عراجِينُها وَطَالَتْ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لحَبيب القُشَيْري:
مِنْ كُلِّ بائنةٍ تَبينُ عُذوقَها ... عَنْهَا، وحاضنةٍ لَهَا مِيقارِ
قَوْلُهُ: تَبينُ عذوقَها يَعْنِي أَنها تَبين عذوقَها عَنْ نَفْسِهَا. والبائنُ والبائنةُ مِنَ القِسِيِّ: الَّتِي بانتْ مِنْ وتَرِها، وَهِيَ ضِدُّ البانِية، إِلَّا أَنها عَيْبٌ، والباناةُ مقلوبةٌ عَنِ البانِية. الْجَوْهَرِيُّ: البائنةُ القوسُ الَّتِي بَانَتْ عَنْ وَتَرِها كثيراً، وأَما التي قد قرُبَتْ مِنْ وَتَرِها حَتَّى كَادَتْ تلْصَق بِهِ فَهِيَ البانيةُ، بِتَقْدِيمِ النُّونِ؛ قَالَ: وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ. والباناةُ: النَّبْلُ الصِّغارُ؛ حَكَاهُ السُّكَّريّ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ. وَلِلنَّاقَةِ حالِبانِ: أَحدُهما يُمْسِك العُلْبة مِنَ الْجَانِبِ الأَيمن، والآخرُ يحلُب مِنَ الْجَانِبِ الأَيْسر، وَالَّذِي يَحْلُب يسمَّى المُسْتَعْلي والمُعَلِّي، وَالَّذِي يُمْسِك يسمَّى البائنَ. والبَيْنُ: الْفِرَاقُ. التَّهْذِيبُ: وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: اسْتُ البائنِ أَعْرَفُ، وَقِيلَ: أَعلمُ، أَي مَنْ وَلِيَ أَمْراً ومارَسَه فَهُوَ أَعلم بِهِ مِمَّنْ لم يُمارِسْه، قال:
__________
(2) . قوله [البين الفصل إلخ] كذا بالأَصل

(13/69)


وَالْبَائِنُ الَّذِي يقومُ عَلَى يَمِينِ النَّاقَةِ إِذَا حلبَها، وَالْجَمْعُ البُيَّنُ، وَقِيلَ: البائنُ والمُسْتَعْلي هُمَا الْحَالِبَانِ اللَّذَانِ يَحْلُبان الناقةَ أَحدُهما حالبٌ، وَالْآخَرُ مُحْلِب، والمُعينُ هُوَ المُحْلِب، وَالْبَائِنُ عَنْ يَمِينِ النَّاقَةِ يُمْسِك العُلْبةَ، والمُسْتَعْلي الَّذِي عَنْ شِمالها، وَهُوَ الحالبُ يَرْفع البائنُ العُلْبةَ إِلَيْهِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يُبَشِّرُ مُسْتعلِياً بائنٌ، ... مِنَ الحالبَيْنِ، بأَن لَا غِرارا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والبائنُ الَّذِي يأْتي الحلوبةَ مِنْ قِبَل شِمَالِهَا، والمُعَلِّي الَّذِي يأْتي مِنْ قِبل يَمِينِهَا. والبِينُ، بِالْكَسْرِ: القطعةُ مِنَ الأَرض قَدْرُ مَدِّ الْبَصَرِ مِنَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: هُوَ ارتفاعٌ فِي غِلَظٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الأَرْضَيْن. والبِينُ أَيضاً: الناحيةُ، قَالَ الْبَاهِلِيُّ: المِيلُ قدرُ مَا يُدْرِكُ بَصَرُهُ مِنَ الأَرض، وفَصْلٌ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْن يُقَالُ لَهُ بِينٌ، قَالَ: وَهِيَ التُّخومُ، والجمعُ بُيونٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل يُخاطِبُ الخيالَ:
لَمْ تَسْرِ لَيْلى وَلَمْ تَطْرُقْ لحاجتِها، ... مِنْ أَهلِ رَيْمانَ، إِلَّا حَاجَةً فِينَا
بِسَرْوِ حِمْيَر أَبْوالُ البِغالِ بِهِ، ... أَنَّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذلكَ البِينا «1»
. ومَن كسَر التاءَ والكافَ ذهَب بالتأْنيث إِلَى ابْنَةِ الْبِكْرِيِّ صَاحِبَةِ الْخَيَالِ، قَالَ: وَالتَّذْكِيرُ أَصْوَبُ. وَيُقَالُ: سِرْنا مِيلًا أَي قَدْرَ مَدِّ البَصَرِ، وَهُوَ البِينُ. وبِينٌ: موضعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْحِيرَةِ. ومُبِينٌ: مَوْضِعٌ أَيضاً، وَقِيلَ: اسمُ ماءٍ؛ قَالَ حَنْظلةُ بْنُ مُصَبَّحٍ:
يَا رِيَّها اليومَ عَلَى مُبِينِ، ... عَلَى مبينٍ جَرَدِ القَصيمِ
التَّارِكِ المَخاضَ كالأُرومِ، ... وفَحْلَها أَسود كالظَّليمِ
جَمَعَ بَيْنَ النُّونِ وَالْمِيمِ، وَهَذَا هُوَ الإِكْفاء؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ جَائِزٌ للمطْبوع عَلَى قُبْحِه، يَقُولُ: يَا رِيَّ نَاقَتِي عَلَى هَذَا الْمَاءِ، فأَخرَجَ الكلامَ مُخْرَجَ النِّدَاءِ وَهُوَ تعجُّب. وبَيْنونةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
يَا رِيحَ بَيْنونةَ لَا تَذْمِينا، ... جئْتِ بأَلوانِ المُصَفَّرِينا «2»
. وهُما بَيْنونَتانِ بَيْنونةُ القُصْوَى وبَينونة الدُّنيا، وكِلْتاهما فِي شِقِّ بَنِي سعدٍ بَيْنَ عُمانَ ويَبْرِين. التَّهْذِيبُ: بَيْنونة موضعٌ بينَ عُمان والبحرَيْن وبيءٌ. وعَدَنُ أَبْيَنَ وإِبْيَن: موضعٌ، وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: عَدَن أَبْيَن، وَقَالَ: أَبْيَن مَوْضِعٌ، ومثَّل سِيبَوَيْهِ بأَبْيَن وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَقِيلَ: عَدَن أَبْيَن اسمُ قريةٍ عَلَى سيفِ الْبَحْرِ ناحيةَ الْيَمَنِ. الْجَوْهَرِيُّ: أَبْيَنُ اسمُ رجلٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَدَن، يُقَالُ: عَدَنُ أَبْيَنَ. والبانُ: شجرٌ يَسْمُو ويَطُول فِي اسْتِواءٍ مِثْلُ نَبات الأَثْل، وورَقُه أَيضاً هدبٌ كهَدَب الأَثْل، وَلَيْسَ لخَشَبه صلابةٌ، واحدتُه بانةٌ؛ قَالَ أَبو زِيَادٍ: مِنَ العِضاه البانُ، وَلَهُ هَدَبٌ طُوالٌ شديدُ الخُضْرة، وَيَنْبُتُ فِي الهِضَبِ، وثمرتُه تُشبه قُرونَ اللُّوبياء إِلَّا أَن خُضْرَتَها شديدةٌ، وَلَهَا حبٌّ وَمِنْ ذَلِكَ الحبِّ يُسْتَخْرَج دُهْنُ البانِ. التَّهْذِيبُ: البانةُ شجرةٌ لَهَا ثَمَرَةٌ تُرَبَّبُ بأَفاوِيه الطِّيب، ثُمَّ يُعْتَصر دُهْنها طِيباً، وَجَمْعُهَا البانُ، ولاسْتِواءِ نباتِها ونباتِ أَفنانِها وطُولِها ونَعْمَتِها شَبَّه الشُّعَراءُ الجاريةَ النَّاعِمَةَ ذاتَ الشِّطاطِ بِهَا فَقِيلَ: كأَنها بانةٌ، وكأَنها غُصْنُ بانٍ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطيم:
__________
(1) . قوله [بسرو] قال الصاغاني، والرواية: من سرو حمير لا غير
(2) . قوله [بألوان] في ياقوت: بأرواح

(13/70)


حَوْراءَ جَيداء يُسْتَضاءُ بِهَا، ... كأَنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ
ابْنُ سِيدَهْ: قَضَينا عَلَى أَلف البانِ بِالْيَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا لغلبةِ (ب ي ن) عَلَى (ب ون) .
تأن: أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَغَرَّكَ يَا مَوْصولُ، مِنْهَا ثُمالةٌ ... وبَقْلٌ بأَكنافِ الغُرَيِّ تُؤَانُ
قَالَ: أَراد تُؤَامُ فأَبدل، هَذَا قَوْلَهُ، قَالَ: وأَحسن مِنْهُ أَن يَكُونَ وَضْعاً لَا بَدَلًا، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ هَذَا إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَقَوْلُهُ: يَا موصولُ إِما أَن يَكُونَ شَبَّهه بِالْمَوْصُولِ مِنَ الْهَوَامِّ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ اسمَ رَجُلٍ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: تتَاءَنَ الرجلُ الصيدَ إذا جاءَه مِنْ هُنَا مَرَّةً وَمِنْ هُنَا مَرَّةً أُخرى، وَهُوَ ضرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ؛ قَالَ أَبو غَالِبٍ المَعْنِيّ:
تتَاءَنَ لِي بالأَمرِ مِنْ كُلِّ جانبٍ ... ليَصْرِفَني عَمَّا أُرِيدُ كَنود.
تبن: التِّبْنُ: عَصيفة الزَّرْع مِنَ البُرِّ وَنَحْوِهِ مَعْرُوفٌ، وَاحِدَتُهُ تِبْنة، والتَّبْنُ: لُغَةٌ فِيهِ. والتَّبْنُ، بِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ تَبَنَ الدابةَ يَتْبِنُها تَبْناً عَلَفَها التِّبْنَ. وَرَجُلٌ تَبّانٌ: يَبيع التِّبْنَ، وَإِنْ جعلتَه فَعْلانَ مِنَ التَّبّ لَمْ تصْرِفْه. والتِّبْنُ، بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ: أَعظم الأَقْداحِ يكادُ يُرْوي الْعِشْرِينَ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَلِيظُ الَّذِي لَمْ يُتَنَوَّق فِي صَنْعَتِه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَغَيْرُهُ: ترتيبُ الأَقداحِ الغُمَر، ثُمَّ القَعْب يُرْوي الرَّجُلَ، ثُمَّ القَدَحُ يُرْوي الرَّجلين، ثُمَّ العُسُّ يُروي الثلاثةَ والأَربعة، ثُمَّ الرَّفْد، ثُمَّ الصَّحْن مُقَارِبُ التِّبْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ حَمْزَةُ الأَصفهاني بَعْدَ الصَّحْن ثُمَّ المعْلَق، ثُمَّ العُلْبة، ثُمَّ الجَنْبَة، ثُمَّ الحَوْأَبةُ، قَالَ: وَهِيَ أَنْكَرُها، قَالَ: وَنَسَبَ هَذِهِ الْفُرُوقَ إِلَى الأَصمعي. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ مَعَدِيكَرِبَ: أَشْرَبُ التِّبْنَ مِنَ اللَّبَن.
والتَّبَانةُ: الطَّبانةُ والفِطْنة والذَّكاءُ. وتَبِنَ لَهُ تَبَناً وتَبانةً وتَبانِيَةً: طَبِنَ، وَقِيلَ: التَّبَانةُ فِي الشَّرِّ، والطَّبَانةُ فِي الْخَيْرِ. وَفِي حَدِيثِ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْحَامِلِ المتوفَّى عَنْهَا زوجُها إِنه يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَبَّنْتُم مَا تَبَّنْتُم
؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُراها خَلَّطْتُم، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ مِنَ التَّبانة والطَّبانةِ، وَمَعْنَاهُمَا شدَّةُ الفِطْنةِ ودِقَّةُ النَّظَرِ، وَمَعْنَى قَوْلِ سَالِمٍ تَبَّنْتُمْ أَي أَدْقَقْتُمْ النَّظَرَ فقُلْتُم إِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: طَبِنَ لَهُ، بِالطَّاءِ، فِي الشرِّ، وتَبِنَ لَهُ فِي الْخَيْرِ؛ فجعَل الطَّبانة فِي الخَديعةِ والاغْتِيال، والتَّبانةَ فِي الْخَيْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُمَا عِنْدَ الأَئمة واحدٌ، وَالْعَرَبُ تُبْدِلُ الطاءَ تَاءً لقُرْب مَخرَجِهما، قَالُوا: مَتَّ ومَطَّ إِذَا مَدَّ، وطَرَّ وتَرَّ إِذَا سَقَطَ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّبَنُ إِنَّمَا هُوَ اللُّؤْمُ والدِّقَّة، والطَّبَنُ العِلْمُ بالأُمور والدَّهاءُ والفِطنة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا ضدُّ الأَول. وَرُوِيَ عَنِ الْهَوَازِنِيِّ أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ اشْغَلْ عَنَّا أَتبانَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: وَهُوَ فِطْنَتهم لِمَا لَا يُفطَنُ لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: وتَبِنَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَتْبَنُ تَبَناً، بِالتَّحْرِيكِ، أَي صارَ فَطِناً؛ فَهُوَ تَبِنٌ أَي فَطِنٌ دقيقُ النَّظَرِ فِي الأُمور، وَقَدْ تَبَّنَ تَتْبيناً إِذَا أَدَقَّ النظرَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِي الْحَدِيثِ
أَن الرجلَ لَيَتكلَّم بالكلمةِ يُتَبِّنُ فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدِي إِغْماضُ الْكَلَامِ وتَدقيقُه فِي الجدلِ وَالْخُصُومَاتِ

(13/71)


فِي الدِّين؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
مُعاذٍ: إِياكم ومُغَمَّضاتِ [مُغَمِّضاتِ] «1» . الأُمور.
وَرَجُلٌ تَبِنٌ بَطِنٌ: دقيقُ النَّظَرِ فِي الأُمور فَطِنٌ كالطَّبِن، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن التَّاءَ بَدَلٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو سَعِيدِ السِّيرَافِيُّ تَبِنَ الرجلُ انْتفخ بَطْنُه، ذكَره عِنْدَ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ. وبَطِنَ بَطَناً، فَهُوَ بَطِنٌ، وتَبِنَ تَبَناً فَهُوَ تَبِنٌ، فقرَنَ تَبِنَ ببَطِنَ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ سِيبَوَيْهِ بتَبِنَ «2» امتَلأَ بطنُه لأَنه ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وبَطِنَ بَطَناً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا الْفِطْنَةَ، قَالَ: والتَّبِنُ الَّذِي يَعْبَثُ بيدِه فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ رِدَاءً مُتَبَّناً بالزَّعْفَرانِ
أَي يُشْبه لَوْنُهُ لونَ التِّبْنِ. والتُّبَّان، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: سَراويلُ صغيرٌ مقدارُ شبْر يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ المغلَّظة فَقَطْ، يَكُونُ للملَّاحينَ. وَفِي حَدِيثِ
عَمَّارٍ: أَنه صَلَّى فِي تُبّانٍ فَقَالَ إِنِّي مَمْثونٌ
أَي يَشْتَكِي مَثانَتَه، وَقِيلَ: التُّبّانُ شِبْهُ السَّراويلِ الصَّغِيرِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: صَلَّى رَجُلٌ فِي تُبّانٍ وَقَمِيصٍ
، تذكِّره الْعَرَبُ، وَالْجَمْعُ التَّبابِين. وتُبْنَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
عَفا رابغٌ مِنْ أَهلِه فالظَّواهِرُ، ... فأَكنافُ تُبْنَى قَدْ عَفَتْ، فالأَصافِرُ.
ترن: تُرْنَى: المرأَةُ الْفَاجِرَةُ، فِيمَنْ جَعَلَهَا فُعْلى، وَقَدْ قِيلَ: إِنها تُفْعَل مِنَ الرُّنُوّ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
فإِنَّ ابنَ تُرْنَى، إِذَا جِئْتُكم، ... يُدافِعُ عَنِّيَ قَوْلًا بَرِيحا
قَوْلُهُ: قَوْلًا بَرِيحًا أَي يُسْمِعُنِي بمُشْتَقِّه «3» قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الأَحْوَل ابْنُ تُرْنَى اللئيمُ، وَكَذَا قَالَ فِي ابْنِ فَرْتَنَى. قَالَ ثَعْلَبٌ: ابْنُ تُرْنَى وَابْنُ فَرْتَنَى أَي ابْنُ أَمة. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ للأَمةِ تُرْنَى وفَرْتَنَى، وَتَقُولُ لِوَلَدِ البَغيّ: ابْنُ تُرْنَى وَابْنُ فَرْتَنَى؛ قَالَ صَخْرٌ الْغَيُّ:
فإنَّ ابنَ تُرْنَى، إِذَا جِئتُكم، ... أَراه يُدافِعُ قوْلًا عَنِيفَا
أَي قَوْلًا غَيْرَ حسَنٍ؛ وَقَالَ عمروٌ ذُو الْكَلْبِ:
تمَنّاني ابنُ تُرْنَى أَن يَراني، ... فغيْري مَا يُمَنَّى مِنَ الرِّجالِ
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ تُرْنَى مأْخوذاً مِنْ رُنِيَتْ تُرْنَى إِذَا أُديمَ النظرُ إليها.
تعهن: فِي الْحَدِيثِ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتُعُهِّنَ وَهُوَ قائلٌ السُّقْيا
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ، موضعٌ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِر التَّاءَ، قَالَ: وأَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ العين.
تفن: ابْنُ الأَعرابي: التَّفْنُ الوَسَخُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَفَنَ الشيءَ طَرَدَه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
حمَلَ فلانٌ عَلَى الْكَتِيبَةِ فَجَعَلَ يَتْفِنها
أَي يَطْرُدها، وَيُرْوَى
يَثْفِنُها
أَي يَطْرُدها أَيضاً.
تقن: التِّقْنُ: تُرْنوقُ البئرِ والدِّمَن، وَهُوَ الطينُ الرقيقُ يُخالطه حَمْأَة يخرُج مِنَ الْبِئْرِ، وَقَدْ تتَقَّنَتْ، وَاسْتَعْمَلَهُ بعضُ الأَوائل فِي تكَدُّر الدم ومُتكدِّره.
__________
(1) . قوله [ومغمضات] هكذا ضبط في بعض نسخ النهاية، وفي بعض آخر كمؤمنات وعليه القاموس وشرحه
(2) . قوله [وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ سيبويه بتبن إلخ] هكذا فيما بأيدينا من النسخ.
(3) . قوله [بمشتقه] أي بخصامه؛ كذا في بعض النسخ، وفي بعض آخر: بمشقة منه.

(13/72)


والتِّقْنةُ: رُسابة الْمَاءِ وخُثارتُه. اللَّيْثُ: التِّقْنُ رُسابةُ الْمَاءِ فِي الرَّبيع، وَهُوَ الَّذِي يجيءُ بِهِ الماءُ مِنَ الخُثورةِ. والتِّقْنُ: الطِّينُ الَّذِي يذهَب عَنْهُ الْمَاءُ فيتشقَّقُ. وتَقَّنُوا أَرْضَهم: أَرْسَلوا فِيهَا الماءَ الخاثرَ لتجُودَ. والتَّقْنُ: بقيَّةُ الماءِ الكدِرِ فِي الْحَوْضِ. وَيُقَالُ: زَرَعْنا فِي تِقْنِ أَرضٍ طيِّبة أَو خبيثةٍ فِي تُرْبَتِها. والتِّقْنُ: الطبيعةُ. والفَصاحةُ مِنْ تِقْنِه أَي مِنْ سُوسِه وطَبْعِه. وأَتْقَنَ الشيءَ: أَحْكَمَه، وإتْقانُه إِحْكامُه. والإِتْقانُ: الإِحكامُ للأَشياء. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
. وَرَجُلٌ تِقْنٌ وتَقِن: مُتْقِنٌ للأَشياء حاذِقٌ. وَرَجُلٌ تِقْنٌ: وَهُوَ الحاضرُ المَنْطِق وَالْجَوَابِ. وتِقْنٌ: رجلٌ مِنْ عادٍ. وابنُ تِقْنٍ: رجلٌ. وتِقْنٌ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ جيِّدَ الرَّمي، يُضْرَب بِهِ الْمَثَلُ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْقُط لَهُ سَهْم؛ وأَنشد فَقَالَ:
لأَكْلةٌ مِنْ أَقِطٍ وسَمْنِ، ... وشَرْبتانِ مِنْ عَكيِّ الضأْنِ،
أَلْيَنُ مَسّاً فِي حَوايا البَطْنِ ... مِنْ يَثرَبيّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ،
يَرْمي بِهَا أَرْمى مِنِ ابْنِ تِقْنِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الأَصل فِي التِّقْن ابنُ تِقْنٍ هَذَا، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ حَاذِقٍ بالأَشياء تِقْنٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَتْقَنَ فلانٌ عمَله إذا أَحْكَمَه؛ وأَنشد شَمِرٌ لِسُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ دَبّاب «4» . بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ السيِّد:
أَهلكن طَسماً، وبَعْدَهمُ غَذِيّ بهم وذا جُدون ... «5» وأَهْلُ جاشٍ، وأَهلُ مَأْرِب، وحيّ لقن والتُّقون
واليُسْر كَالْعُسْرِ، وَالْغِنَى كَالْعَدَمِ، وَالْحَيَاةُ كَالْمَنُونِ
فَجَمَعَهُ عَلَى تُقونٍ لأَنه أَراد تِقْناً، ومَن انْتَسَبَ إِلَيْهِ. والتُّقونُ: مِنْ بَني تِقْن بْنِ عَادٍ، مِنْهُمْ عُمر بْنُ تِقْن، وكعْب بنِ تِقْن، وَبِهِ ضُرب الْمَثَلُ فَقِيلَ: أَرْمى مِنِ ابْنِ تِقْن.