لسان العرب

فصل السين المهملة
سبن: السَّبَنِيَّةُ: ضرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ تُتَّخَذُ مِنْ مُشاقة الْكَتَّانِ أَغلظ مَا يَكُونُ، وَقِيلَ: مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ بِنَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهُ سَبَنٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُهَا فَيَقُولُ السَّبَنِيئة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِالْجُمْلَةِ فإِني لَا أَحْسبها عَرَبِيَّةً. وأَسْبَنَ إِذَا دَامَ عَلَى السَّبَنِيَّات، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بُرْدة فِي تَفْسِيرِ الثِّيَابِ القَسِّيَّة قَالَ: فَلَمَّا رأَيتُ السَّبَنيَّ عَرَفْتُ أَنها هِيَ.
ابْنُ الأَعرابي: الأَسْبَانُ المَقانِعُ الرِّقاقُ.
ستن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْتانُ أَصل الشَّجَرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَسْتَنُ أُصول الشَّجَرِ الْبَالِي، وَاحِدَتُهُ أَسْتَنَة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَسْتَنُ، عَلَى وَزْنِ أَحمر، شَجَرٌ يَفْشُو فِي مَنابته وَيَكْثُرُ، وَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ إِلَيْهِ مِنْ بُعدٍ شَبَّهَهُ بشُخُوصِ النَّاسِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
تَحِيدُ عَنْ أَسْتَنٍ سُودٍ أَسافلُه، ... مِثْل الإِماء الغَوادِي تحْمِلُ الحُزَما
وَيُرْوَى: مَشْيُ الإِماء الْغَوَادِي. ابْنُ الأَعرابي: أَسْتَنَ الرجلُ وأَسْنَتَ إِذَا دَخَلَ فِي السَّنة. قَالَ: والأُبْنة فِي الْقَضِيبِ إِذَا كَانَتْ تَخْفَى فَهِيَ الأَسْتَنُ.
سجن: السِّجْنُ: الحَبْسُ. والسَّجْنُ، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ. سَجَنَه يَسْجُنُه سَجْناً أَي حَبَسَهُ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: قَالَ
ربِّ السَّجْنُ أَحبّ إِلَيَّ.
والسِّجْنُ: المَحْبِسُ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ
، فَمَنْ كَسَرَ السِّينَ فهو المَحْبِس وَهُوَ اسْمٌ، وَمِنْ فَتْحِ السِّينِ فَهُوَ مَصْدَرُ سَجَنه سَجْناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا شيءٌ أَحَقَّ بطُولِ سَجْنٍ مِنْ لسانٍ.
والسَّجَّانُ: صاحبُ السِّجْنِ. وَرَجُلٌ سَجِينٌ: مَسْجُون، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ سُجَناء وسَجْنى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: امرأَة سَجِينٌ وسَجِينة أَي مَسْجُونَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ سَجْنى وسَجائن؛ وَرَجُلٌ سَجِين فِي قَوْمٍ سَجْنى؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ. وسَجَنَ الهَمَّ يَسْجُنه إِذَا لَمْ يَبُثَّه، وَهُوَ مَثَلٌ بِذَلِكَ؛ قَالَ:
وَلَا تَسْجُنَنَّ الهَمَّ، إنَّ لسَجْنِه ... عَناءً، وحَمِّلْهُ المَهارى النَّواجِيا
وسِجِّين: فِعِّيل مِنَ السِّجْن. والسِّجِّين: السِّجْن. وسِجِّينٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. والسِّجِّينُ: الصُّلب الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
؛ قِيلَ: الْمَعْنَى أَن كِتَابَهُمْ فِي حَبْسٍ لِخَسَاسَةِ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ: فِي سِجِّينٍ فِي حَجَر تَحْتَ الأَرض السَّابِعَةِ، وَقِيلَ: فِي سِجِّين فِي حِسَابٍ؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ فِعِّيل مَنْ سَجَنْتُ أَي هُوَ مَحْبُوسٌ عَلَيْهِمْ كَيْ يُجازوا بِمَا فِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَفِي سِجِّين فِي الأَرض السَّابِعَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: سِجِّين مَوْضِعٌ فِيهِ كِتَابُ الْفُجَّارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ودواوينُهم؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَهُوَ فِعِّيل مِنَ السِّجْن الحبْس كالفِسِّيق مِنَ الفِسْق. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ: ويُؤتى بِكِتَابِهِ مَخْتُومًا فَيُوضَعُ فِي السِّجِّين
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ بالأَلف وَاللَّامِ، وَهُوَ بِغَيْرِهِمَا اسْمُ عَلَمٍ لِلنَّارِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
. وَيُقَالُ: فَعَل ذَلِكَ سِجِّيناً أَي عَلانية. والسَّاجُون: الْحَدِيدُ الأَنيثُ. وضَرْبٌ سِجِّينٌ أَي شَدِيدٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
فإِنّ فِينَا صَبُوحاً، إنْ رأَيتَ بِهِ ... رَكْباً بَهِيّاً وَآلَافًا ثَمانينا
ورَجْلةً يَضْرِبون الهامَ عَنْ عُرُضٍ ... ضَرْباً، تواصَتْ بِهِ الأَبطالُ، سِجِّينا

(13/203)


قَالَ الأَصمعي: السِّجِّين مِنَ النَّخْلِ السِّلْتِينُ، بِلُغَةِ أَهل الْبَحْرَيْنِ. يُقَالُ: سَجِّنْ جِذْعَك إِذَا أَردت أَن تَجْعَلَهُ سِلتيناً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ سِجِّين مَكَانُ سِلْتين، وسِلتِينٌ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. أَبو عَمْرٍو: السِّجِّينُ الشَّدِيدُ. غَيْرُهُ: هُوَ فِعّيل مِنَ السِّجْن كأَنه يُثْبِتُ مَنْ وَقَعَ بِهِ فَلَا يَبرح مكانَه، وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي سِخِّيناً أَي سُخْناً، يَعْنِي الضَّرْبَ، وَرُوِيَ عَنِ المؤَرِّج سِجِّيل وسِجِّين دَائِمٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ. والسِّلتِينُ مِنَ النَّخْلِ: مَا يحفر في أُصولها حُفَر تجْذِبُ الماءَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَتْ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الماء.
سحن: السَّحْنة والسَّحَنةُ والسَّحْناء والسَّحَناء: لِينُ البَشَرة والنَّعْمة، وَقِيلَ: الهيئةُ واللونُ والحالُ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ السَّحْنة، وَهِيَ بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَهِيَ مَفْتُوحَةُ السِّينِ وَقَدْ تُكْسَرُ، وَيُقَالُ فِيهَا السَّحْناء، بِالْمَدِّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: النَّعْمة، بِفَتْحِ النُّونِ، التَّنَعُّمُ، والنِّعْمة، بِكَسْرِ النُّونِ، إِنْعَامُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ. وَإِنَّهُ لحسَن السَّحْنة والسَّحناء. يُقَالُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ حسَنٌ سَحْنَتُهم، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ السَّحَناء والثَّأَداء، بِالتَّحْرِيكِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمع أَحداً يَقُولُهُمَا بِالتَّحْرِيكِ غَيْرُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسان: إِنَّمَا حُرِّكتا لِمَكَانِ حُرُوفِ الْحَلْقِ. قَالَ: وسَحْنة الرَّجُلِ حُسْن شَعْرِهِ وَدِيبَاجَتُهُ لوْنِه «1» . ولِيْطِه. وَإِنَّهُ لحَسَن سَحْناء الوَجْه. وَيُقَالُ: سَحَناء، مثقل، وسَحْناء أَجود. وَجَاءَ الْفَرَسُ مُسْحِناً أَي حَسَنَ الْحَالِ، والأُنثى بِالْهَاءِ. تَقُولُ: جاءَت فرسُ فُلَانٍ مُسْحِنةً إِذَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْحَالِ حَسَنَةَ المَنْظر. وتَسَحَّنَ المالَ وساحَنه: نَظَرَ إِلَى سَحْنائه. وتسحَّنْتُ المالَ فرأَيت سَحْناءَه حسَنة. والمُساحَنة: المُلاقاة. وساحَنه الشيءَ مُساحَنةً: خَالَطَهُ فِيهِ وفاوَضَه. وساحَنْتُك خَالَطْتُكَ وفاوضْتُك. والمُساحنة: حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ. والسَّحْنُ: أَن تَدْلُك خَشبة بمسْحَنٍ حَتَّى تَلين مِنْ غَيْرِ أَن تأْخذ مِنَ الْخَشَبَةِ شَيْئًا، وَقَدْ سَحَنها، وَاسْمُ الْآلَةِ المِسْحَن. والمَساحِنُ: حِجَارَةٌ تُدَقُّ بِهَا حِجَارَةُ الْفِضَّةِ، وَاحِدَتُهَا مِسْحَنة؛ قَالَ المُعطَّل الْهُذَلِيُّ:
وفَهْمُ بنُ عَمْرٍو يَعْلِكون ضَريسَهم، ... كَمَا صَرَفتْ فوْقَ الجُذاذِ المَساحِنُ
والجُذاذ: مَا جُذَّ مِنَ الْحِجَارَةِ أَي كُسِر فَصَارَ رُفاتاً. وسَحَنَ الشيءَ سَحْناً: دَقَّهُ. والمِسْحَنة: الصَّلاءَة. والمِسْحنة: الَّتِي تُكْسَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمَساحِنُ حِجَارَةٌ رِقاق يُمْهَى بِهَا الحديدُ نَحْوَ المِسَنِّ. وسَحَنتُ الحجر: كسرته.
سحتن: الأَزهري: ابْنُ الأَعرابي السَّحْتَنةُ الأُبْنة الْغَلِيظَةُ فِي الغُصن. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ سَحْتَنه إِذَا ذَبَحَهُ، وطَحْلبَه مثله.
سخن: السُّخْنُ، بِالضَّمِّ: الحارُّ ضِدَّ الْبَارِدِ، سَخُنَ الشيءُ والماءُ، بِالضَّمِّ، وسَخَنَ، بِالْفَتْحِ، وسَخِنَ؛ الأَخيرة لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ، سُخونة وسَخانةً وسُخْنة وسُخْناً وسَخَناً وأَسْخَنَه إِسْخاناً وَسخَّنَه وسَخُنَتْ الأَرض وسَخِنَتْ وسَخُنَت عَلَيْهِ الشَّمْسُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَبَنُو عَامِرٍ يَكْسِرون. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّة: شَرُّ الشِّتَاءِ السَّخينُ
أَي الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ. قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي غَرِيبِ الحَرْبيّ:
شرُّ الشتاءِ السُّخَيْخِين
، وَشَرْحُهُ أَنه الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّقَلة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الطُّفَيْل: أَقبل رهْطٌ مَعَهُمُ امرأَة فَخَرَجُوا وَتَرَكُوهَا مَعَ أَحدهم فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: رأَيت سَخينَته تَضْرب اسْتَها
__________
(1) . قوله [وديباجته لونه إلخ] عبارة التهذيب: حسن شعره وديباجته، قال وديباجته لونه وليطه

(13/204)


يَعْنِي بَيْضَتيه لِحَرَارَتِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ
وَاثِلَةَ: أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعا بقُرْصٍ فَكَسَرَهُ فِي صَحْفة ثُمَّ صَنَعَ فِيهَا مَاءً سُخْناً
؛ مَاءٌ سُخْن، بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، أَي حَارٌّ. وَمَاءٌ سَخِينٌ ومُسَخَّنٌ وسِخِّين وسُخاخِينٌ: سُخْنٌ، وَكَذَلِكَ طَعَامٌ سُخاخِين. ابْنُ الأَعرابي: ماءٌ مُسْخَنٌ وسَخِين مِثْلَ مُتْرَص وتَريصٍ ومُبرَم وبَريمٍ؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنُ كُلْثُومٍ:
مُشَعْشَعة كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا، ... إِذَا مَا الماءُ خالَطَها سَخِينا
. قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي أَنّ الْمَاءَ الْحَارَّ إِذَا خَالَطَهَا اصْفَرَّت، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَذْهَبُ إِلَى أَنه مِنَ السَّخاء لأَنه يَقُولُ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ، إِذَا أُمِرَّتْ ... عَلَيْهِ لمالِهِ فِيهَا مُهِينا
. قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لأَن ذَلِكَ لَقَبٌ لَهَا وَذَا نَعْتٍ لِفِعْلِهَا، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنه كَانَ يَنْكَرُ أَن يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعَل، لِيُبْطِلَ بِهِ قَوْلَ ابْنِ الأَعرابي فِي صِفَتِهِ: الْمَلْدُوغُ سَلِيمٌ؛ إِنَّهُ بِمَعْنَى مُسْلَم لِمَا بِهِ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ كَثِيرًا، أَعني فَعَيْلًا بِمَعْنَى مُفْعَل مِثْلَ مُسْخَن وسَخِين ومُتْرَص وتَرِيص، وَهِيَ أَلفاظ كَثِيرَةٌ مَعْدُودَةٌ. يُقَالُ: أَعْقَدْتُ العسلَ فَهُوَ مُعْقَدُ وعَقِيد، وأَحْبَسْته فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مُحْبَسٌ وحَبِيس، وأَسْخَنْتُ الماءَ فَهُوَ مُسْخَنٌ وسَخِين، وأَطْلَقْتُ الأَسيرَ فَهُوَ مُطْلَقٌ وطَلِيق، وأَعْتَقْت العبدَ فَهُوَ مُعْتَق وعَتِيق، وأَنْقَعْتُ الشرابَ فَهُوَ مُنْقَع ونَقِيع، وأَحْبَبْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحَبٌّ وحَبِيبٌ، وأَطْرَدْتُه فَهُوَ مُطْرَد وطَرِيد أَي أَبعدته، وأَوْجَحْتُ الثوبَ إِذَا أَصْفَقْته فَهُوَ مُوجَحٌ ووَجِيحٌ، وأَتْرَصْتُ الثوبَ أَحْكمته فَهُوَ مُترَص وتَرِيص، وأَقْصَيْتُه فَهُوَ مُقْصىً وقَصِيٌّ، وأَهْدَيْت إِلَى الْبَيْتِ هَدْياً فَهُوَ مُهْدًى وهَدِيٌّ، وأَوصيت لَهُ فَهُوَ مُوصىً ووَصِيٌّ، وأَجْنَنْتُ الميتَ فَهُوَ مُجَنٌّ وجَنين، وَيُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ النَّاقِصِ الخَلْق مُخْدَجٌ وخَديجٌ؛ قَالَ: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ، وَكَذَلِكَ مُجْهَضٌ وجَهِيض إِذَا أَلقته مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ، وأُبْرَمْتُ الأَمرَ فَهُوَ مُبْرَمٌ وبَرِيمٌ، وأَبْهَمْتُه فَهُوَ مُبْهَم وبَهِيمٌ، وأَيْتَمه اللَّهُ فَهُوَ مُوتَم ويَتِيم، وأَنْعَمه اللَّهُ فَهُوَ مُنعَمٌ ونَعِيم، وأُسْلِمَ الملْسُوعُ لِمَا بِهِ فَهُوَ مُسْلَم وسَلِيم، وأَحْكَمْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحْكَم وحَكيم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ*؛ وأَبْدَعْته فَهُوَ مُبْدَع وبَدِيع، وأَجْمَعْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مُجْمَع وجَمِيع، وأَعْتَدْتُه بِمَعْنَى أَعْدَدْته فَهُوَ مُعْتَد وعَتيد؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ؛ أَي مُعْتَدٌ مُعَدٌّ؛ يُقَالُ: أَعددته وأَعتدته وأَعتدته بِمَعْنَى، وأَحْنَقْتُ الرَّجُلَ أَغضبته فَهُوَ مُحْنَقٌ وحَنِيقٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَلاقَيْنا بغِينةِ ذِي طُرَيْفٍ، ... وبعضُهُم عَلَى بعضٍ حَنِيقُ
. وأَفْرَدْته فَهُوَ مُفْرَد وفَرِيد، وَكَذَلِكَ مُحْرَدٌ وحَرِيد بِمَعْنَى مُفْرد وفَريد، قَالَ: وأَما فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل فمُبْدِعٌ وبَدِيع، ومُسْمِع وسَمِيع، ومُونِقٌ وأَنيق، ومُؤْلِم وأَلِيم، ومُكِلٌّ وكَلِيل؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلُ
غَيْرُهُ: وَمَاءٌ سُخَاخِينٌ عَلَى فُعاليل، بِالضَّمِّ، وَلَيْسَ فِي

(13/205)


الْكَلَامِ غَيْرُهُ. أَبو عَمْرٍو: مَاءٌ سَخِيم وسَخِين لِلَّذِي لَيْسَ بحارٍّ وَلَا بَارِدٍ؛ وأَنشد:
إِنِّ سَخِيمَ الماءِ لَنْ يَضِيرا
. وتَسْخين الْمَاءِ وإِسْخانه بِمَعْنًى. ويومٌ سُخاخينٌ: مِثْلَ سُخْن؛ فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:
أُحِبُّ أُمَّ خالِدٍ وخالِداً، ... حُبّاً سُخاخِيناً وحُبّاً بَارِدَا
. فإِنه فَسَّرَ السُّخاخين بأَنه الْمُؤْذِي المُوجِع، وَفَسَّرَ الْبَارِدَ بأَنه الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ قَلْبُهُ، قَالَ كُرَاعٌ: وَلَا نَظِيرَ لسُخَاخِين. وَقَدْ سَخَنَ يومُنا وسَخُن يَسْخُن، وَبَعْضٌ يَقُولُ يَسْخَنُ، وسَخِنَ سُخْناً وسَخَناً. وَيَوْمٌ سُخْن وساخِن وسُخْنانٌ وسَخْنانٌ: حارٌّ. وَلَيْلَةٌ سُخْنة وَسَاخِنَةٌ وسُخْنانة وسَخْنانة وسَخَنَانة، وسَخُنَتِ النارُ والقِدْر تَسْخُنُ سُخْناً وسُخُونة، وَإِنِّي لأَجِدُ فِي نفْسي سُخْنة وسِخْنة وسَخْنة وسَخَنَةً، بِالتَّحْرِيكِ، وسَخْناءَ، مَمْدُودٌ، وسُخونة أَي حَرّاً أَو حُمَّى، وَقِيلَ: هِيَ فَضْلُ حَرَارَةٍ يَجِدُهَا مِنْ وَجَعٍ. وَيُقَالُ: عَلَيْكَ بالأَمر عِنْدَ سُخْنته أَي فِي أَوله قَبْلَ أَن يَبْرُد. وضَرْبٌ سِخِّين: حارٌّ مُؤْلِم شَدِيدٌ؛ قَالَ ابن مقبل:
ضَرْباً تَواصَتْ بِهِ الأَبْطالُ سِخِّينا
والسَّخينةُ: الَّتِي ارْتَفَعَتْ عَنِ الحَسَاء وثَقُلَتْ عَنْ أَن تُحْسَى، وَهِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الدَّقِيقِ دُونَ الْعَصِيدَةِ فِي الرِّقَّةِ وفوقَ الحَساء، وَإِنَّمَا يأْكلون السَّخِينة والنَّفِيتَة فِي شدَّة الدَّهْرِ وغَلاءِ السِّعْرِ وعَجَفِ المالِ. قَالَ الأَزهري: وَهِيَ السَّخُونة أَيضاً. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الهَيْثم أَنه كتب أَعْرَابِيٍّ قَالَ: السَّخِينة دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى ماءٍ أَو لَبَنٍ فَيُطْبَخُ ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو يُحسَى، وَهُوَ الحَسَاءِ. غَيْرُهُ: السَّخِينة تُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَنها جَاءَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ببُرْمَةٍ فِيهَا سَخِينة
أَي طَعَامٌ حَارٌّ، وَقِيلَ: هِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ، وَقِيلَ: دَقِيقٌ وَتَمْرٌ أَغلظ مِنَ الحَسَاء وأَرق مِنَ الْعَصِيدَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُكْثِرُ مِنْ أَكلها فعُيِّرَتْ بِهَا حَتَّى سُمُّوا سَخِينَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ عَلَى عَمِّهِ حَمْزَةَ فصُنِعَتْ لَهُمْ سَخِينَةٌ فأَكلوا مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَنه مازَحَ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا الشيءُ المُلَفَّفُ فِي البِجَادِ؟ قَالَ: هُوَ السَّخِينة يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ
؛ المُلَفَّفُ فِي البِجاد: وَطْبُ اللَّبَنِ يُلَفُّ فِيهِ ليَحْمَى ويُدْرِكَ، وَكَانَتْ تَمِيمٌ تُعَيَّرُ بِهِ. والسَّخِينة: الحَساءِ الْمَذْكُورُ، يؤْكل فِي الجَدْب، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَيَّرُ بِهَا، فَلَمَّا مَازَحَهُ مُعَاوِيَةُ بِمَا يُعَابُ بِهِ قَوْمُهُ مَازَحَهُ الأَحْنَفُ بِمِثْلِهِ. والسَّخُونُ مِنَ الْمَرَقِ: مَا يُسَخَّنُ؛ وَقَالَ:
يُعْجبُه السَّخُونُ والعَصِيدُ، ... والتَّمْرُ حُبّاً مَا لَهُ مَزِيدُ
. وَيُرْوَى: حَتَّى مَا لَهُ مَزِيدُ. وسَخِينةُ: لَقَبُ قُرَيْشٍ لأَنها كَانَتْ تُعاب بأَكْل السَّخينة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ «2» .:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَن سَتَغْلِبُ رَبَّها، ... ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
. والمِسْخَنَةُ مِنَ البِرامِ: القِدْرُ الَّتِي كأَنها تَوْر؛ ابْنُ شُميل: هِيَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يطبخُ فِيهَا لِلصَّبِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أُنزِل عَلَيْكَ طعامٌ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أُنزل عَلَيَّ طَعَامٌ فِي مِسْخَنة
؛ قَالَ: هِيَ قِدْر كالتَّوْرِ يُسَخَّن فِيهَا الطَّعَامُ. وسُخْنَةُ الْعَيْنِ: نقيضُ قُرَّتها، وَقَدْ سَخِنَت عينه،
__________
(2) . قوله [قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ] زاد الأَزهري الأَنصاري، والذي في المحكم: قال حسان

(13/206)


بِالْكَسْرِ، تَسْخَنُ سَخَناً وسُخْنَةً وسُخُوناً وأَسْخَنها وأَسْخَنَ بِهَا؛ قَالَ:
أَوهِ أَدِيمَ عِرْضِه، وأَسْخِنِ ... بعَيْنِه بَعْدَ هُجوعِ الأَعْيُنِ «1»
. وَرَجُلٌ سَخِينُ الْعَيْنِ، وأَسْخَن اللَّهُ عينَه أَي أَبكاه. وَقَدْ سخُنَتْ عَيْنُهُ سُخْنَة وسُخُوناً، وَيُقَالُ: سَخِنَتْ وَهِيَ نَقِيضُ قَرّت، وَيُقَالُ: سَخِنَت عَيْنُهُ مِنْ حَرَارَةٍ تَسْخَن سُخْنَةً؛ وأَنشد:
إِذَا الماءُ مِنْ حالِبَيْه سَخِنْ
قَالَ: وسَخِنَت الأَرض وسَخُنت، وأَما الْعَيْنُ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ. والتَّساخين: المَراجل، لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: إِلَّا أَنه قَدْ يُقَالُ تِسْخان، قَالَ: وَلَا أَعرف صِحَّةَ ذَلِكَ. وسَخُنَت الدَّابَّةُ إِذا أُجْرِيَت فسَخُنَ عِظامُها وخَفَّتْ فِي حُضْرِها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
رَفَّعْتُها طَرَدَ النَّعامِ وفوْقَهُ، ... حَتَّى إِذَا سَخُنَتْ وخَفَّ عِظامُها
. وَيُرْوَى سُخِّنَتْ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ. والتَّساخِينُ: الخِفافُ، لَا وَاحِدَ لَهَا مِثْلَ التَّعاشِيب. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَيْسَ للتَّساخين وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا كَالنِّسَاءِ لَا وَاحِدَ لَهَا، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ تَسْخان وتَسْخَن. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ سَرِيَّةً فأَمَرهم أَن يَمْسَحُوا عَلَى المَشاوِذ والتَّساخين
؛ المَشاوذُ: الْعَمَائِمُ، والتَّساخِين: الخِفَاف. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَالَ حَمْزَةُ الأَصبهاني فِي كِتَابِ المُوازنة: التَّسْخان تَعْرِيبُ تَشْكَن، وَهُوَ اسْمُ غِطاء مِنْ أَغطية الرأْس، كَانَ العلماءُ والمَوَابِذة يأْخذونه على رؤوسهم خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ، قَالَ: وَجَاءَ ذِكْرُ التَّساخين فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ تعاطَى تفسيرَه هُوَ الخُفُّ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُ فَارِسِيَّتَهُ وَالتَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ. والسَّخاخِينُ المَساحِي، وَاحِدُهَا سِخِّينٌ، بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهِيَ مِسْحاة مُنْعَطِفة. والسِّخِّينُ: مَرُّ المِحْراث؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، يَعْنِي مَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ الحَرَّاثُ مِنْهُ؛ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ المِعْزَق والسِّخُّينُ، وَيُقَالُ للسِّكِّين السِّخِّينة والشِّلْقاء، قَالَ: والسَّخاخِين سَكاكين الجَزَّار.
سدن: السَّادِنُ: خَادِمُ الْكَعْبَةِ وبيتِ الأَصنام، وَالْجَمْعُ السَّدَنَةُ، وَقَدْ سَدَنَ يَسْدُنُ، بِالضَّمِّ، سَدْناً وسَدَانَةً، وَكَانَتِ السَّدَانَةُ واللِّواءِ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فأَقرّها النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُمْ فِي الإِسلام. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّادِنِ وَالْحَاجِبِ أَن الْحَاجِبَ يَحْجُبُ وإِذْنُه لِغَيْرِهِ، والسَّادِنُ يَحْجُبُ وَإِذْنُهُ لِنَفْسِهِ. والسَّدْنُ والسِّدانة: الحِجابة، سَدَنه يَسْدُنه. والسَّدَنة: حُجَّاب الْبَيْتِ وقَوَمةُ الأَصنام فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الأَصل، وَذَكَرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِدَانَة الْكَعْبَةِ وسِقَاية الحاجِّ فِي الْحَدِيثَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سِدَانَة الْكَعْبَةِ خِدْمَتُها وتَوَلِّي أَمرها وَفَتْحُ بَابِهَا وإِغلاقُه، يُقَالُ مِنْهُ: سَدَنْتُ أَسْدُنُ سَدَانة. وَرَجُلٌ سَادِنٌ مِنْ قَوْمٍ سَدَنة وَهُمُ الخَدَم. والسَّدَنُ: السِّتْرُ، وَالْجَمْعُ أَسْدانٌ، وَقِيلَ: النُّونُ هُنَا بَدَلٌ مِنَ اللَّامِ فِي أَسْدال؛ قَالَ الزَّفَيانُ:
مَاذَا تَذَكَّرْت مِنَ الأَظْعانِ، ... طوالِعاً مِنْ نَحْوِ ذِي بُوانِ
كأَنما ناطُوا، عَلَى الأَسْدانِ، ... يانِعَ حُمَّاضٍ وأُقْحُوانِ
. ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَسْدانُ والسُّدُونُ مَا جُلِّلَ بِهِ الهَوْدَجُ مِنَ الثِّيَابِ، وَاحِدُهَا سَدَنٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الأَسْدانُ لُغَةٌ فِي الأَسْدالِ، وَهِيَ سُدُولُ الهوادج.
__________
(1) . حرك نون أسخن بالكسر وحقها السكون مراعاة للقافية

(13/207)


أَبو عَمْرٍو: السَّدِينُ الشَّحْمُ، والسَّدينُ السِّتْرُ. وسَدَنَ الرجلُ ثوبه وسَدَنَ السِّتْرَ إذا أَرسله.
سرأن: إِسْرائين وإِسْرائيل، زَعَمَ يعقوب أَنه بَدَلٌ: اسم مَلَكٍ.
سربن: السِّرْبان: كالسِّرْبال، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن نُونَ سِرْبان بَدَلٌ مِنْ لَامِ سِرْبال. وتَسَرْبَنتُ: كتَسَرْبَلْتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَصُدُّ عَنِّي كَمِيَّ القومِ مُنْقَبِضاً، ... إِذَا تَسَرْبَنْتُ تحتَ النَّقْعِ سِرْباناً
. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو سِربالًا.
سرجن: السِّرْجينُ والسَّرْجينُ: مَا تُدْمَلُ بِهِ الأَرضُ، وَقَدْ سَرْجَنَها. الْجَوْهَرِيُّ: السِّرْجين، بِالْكَسْرِ، معرَّب لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْليل، بِالْفَتْحِ، وَيُقَالُ سِرْقين.
سرفن: إِسْرافينُ وإِسْرافيلُ، وَكَانَ القَنانِيُّ يَقُولُ سَرافينُ وسَرافِيلُ وإِسْرائِيلُ وإِسرائينُ، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَنه بَدَلٌ: اسم مَلَك، وَقَدْ تَكُونُ هَمْزَةُ إِسرافِيلَ أَصلًا فَهُوَ عَلَى هَذَا خماسي.
سرقن: السِّرْقِين والسَّرقين: مَا تُدْمَلُ بِهِ الأَرضُ، وَقَدْ سَرْقَنَها. التَّهْذِيبِ: السَّرْقين مُعَرَّبٌ، ويقال سِرْجين.
سطن: الساطِنُ: الخَبيث. والأُسْطُوانُ: الرَّجلُ الطَّوِيلُ الرِّجْلينِ والظهرِ. وجَمَل أُسْطُوانٌ: طَوِيلُ العُنُق مُرْتَفِع، وَمِنْهُ الأُسْطُوانة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
جَرَّبْنَ مِنِّي أُسْطواناً أَعْنَقا، ... يَعْدِلُ هَدْلاءَ بِشِدْقٍ أَشْدَقا
والأَعْنَق: الطَّوِيلُ العُنُق. والأُسْطُوانة: السارِيَة معروفَة، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وأُسْطُوان الْبَيْتِ مَعْرُوفٌ، وأَساطِينُ مُسَطَّنَةٌ، وَنُونُ الأُسْطُوانة مِنْ أَصل بَنَّاءِ الْكَلِمَةِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرٍ أُفْعُوالة، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ أَساطينُ مُسَطَّنَةٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: النُّونُ فِي الأُسْطوانة أَصلية، قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِهِمْ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النُّونُ أَصلية وَهُوَ أُفْعُوالةٌ مِثْلُ أُقْحوانةٍ، وَكَانَ الأَخفش يَقُولُ هُوَ فُعْلُوانة، قَالَ: وَهَذَا يُوجِب أَن تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً وَإِلَى جَنْبِها زَائِدَتَانِ الأَلف والنونُ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَكُونُ، قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ أُفْعُلانةٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جُمِعَ عَلَى أَسَاطِينَ، لأَنه لَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ أَفاعينُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إِنَّ أُسْطُوانة أُفْعُوالة مِثْلَ أُقْحُوانة، قَالَ: وَزَنَهَا أُفْعُلانة وَلَيْسَتْ أُفْعُوالة كَمَا ذكَر، يَدُلُّك عَلَى زِيَادَةِ النُّونِ قولُهم فِي الْجَمْعِ أَقاحِيُّ وأَقاحٍ، وقولُهم فِي التَّصْغِيرِ أُقَيْحية، قَالَ: وأَما أُسْطُوانة فَالصَّحِيحُ فِي وَزْنِهَا فُعْلُوانة لِقَوْلِهِمْ فِي التَّكْسِيرِ أَساطين كسَراحِين، وَفِي التَّصْغِيرِ أُسَيْطِينة كسُرَيْحِين، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَزْنُهَا أُفْعُوالة لِقِلَّةٍ هَذَا الْوَزْنِ وَعَدَمِ نَظِيرِهِ، فأَمّا مُسَطَّنة ومُسَطَّن فإِنما هُوَ بِمَنْزِلَةٍ تَشَيْطَنَ فَهُوَ مُتَشَيْطِن، فِيمَنْ زَعَمَ أَنه مَنْ شَاطَ يَشيطُ، لأَن الْعَرَبَ قَدْ تَشْتقُّ مِنَ الْكَلِمَةِ وتُبقي زَوَائِدُهُ كَقَوْلِهِمْ تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ، قَالَ: وَمَا أَنكره بعدُ مِنْ زِيَادَةِ الأَلف وَالنُّونِ بَعْدَ الْوَاوِ الْمَزِيدَةِ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا لَا يكادُ يَكُونُ، فَغَيْرُ مُنْكِرٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ عُنْظُوان وعُنْفُوان، ووزْنُهما فُعْلُوان بإِجماع، فَعَلى هَذَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ أُسْطُوانة كعُنْظُوانة، قَالَ: وَنَظِيرُهُ مِنَ الْيَاءِ فِعْليان نَحْوَ صِلِّيان وبِلِّيان وعِنْظيان، قَالَ: فَهَذِهِ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا زِيَادَةُ الأَلف وَالنُّونِ وَزِيَادَةُ الْيَاءِ قَبْلَهَا وَلَمْ يُنْكر ذَلِكَ أَحد. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الطَّوِيلِ الرِّجْلَيْنِ وَالدَّابَّةِ الطَّوِيلُ الْقَوَائِمِ:

(13/208)


مُسَطَّن، وَقَوَائِمُهُ أَساطينُه. والأَسْطان: آنِيَةُ الصُّفْر. قَالَ الأَزهري: الأُسْطُوانُ إِعراب «1» . أُستُون.
سعن: السَّعْنُ والسُّعْنُ: شَيْءٌ يُتَّخذ مِنْ أَدَمٍ شِبْهَ دَلوٍ إِلا أَنه مُستطيل مُسْتَدِيرٌ وَرُبَّمَا جُعِلَتْ لَهُ قَوَائِمُ يُنْتَبَذ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ بعضُ الدِّلاءِ عَلَى تِلْكَ الصَّنْعَةِ. والسُّعْن: القِرْبة الْبَالِيَةُ المتَخَرِّقة العُنق يُبرَّد فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ: السُّعْن قِرْبة أَو إِداوة يُقْطع أَسفلُها ويُشَدُّ عُنُقها وتُعَلَّق إِلَى خَشَبَةٍ أَو جِذْع نَخْلَةٍ، ثُمَّ يُنْبَذ فِيهَا ثُمَّ يُبرَّد فِيهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بدَلو السَّقَّائين يَصُبُّونَ بِهِ فِي المَزائد. وَفِي حَدِيثِ
عُمر: وأَمَرْت بصاعٍ مِنْ زَبِيبٍ فجُعِل فِي سُعْنٍ
؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ. والسُّعْنة: الْقِرْبَةُ الصَّغِيرَةُ يُنْبَذ فِيهَا. وَقَالَ فِي السُّعْن: قِرْبة يُنبذ فِيهَا وَيُسْتَقَى بِهَا، وَرُبَّمَا جُعِلَتِ المرأَةُ فِيهَا غَزْلُهَا وَقَطَنُهَا، وَالْجَمْعُ سِعَنةٌ مِثْلَ غُصْن وغِصَنة. والسُّعْن: كالعُكَّة يَكُونُ فِيهَا الْعَسَلُ، وَالْجَمْعُ أَسْعانٌ وسِعَنةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اشتريتُ سُعْناً مُطْبَقاً فذُكِر لأَبي جَعْفَرٍ فَقَالَ: كَانَ أَحَبَّ الْآنِيَةِ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلُّ إناءٍ مُطْبَقٍ
؛: قِيلَ: هُوَ القَدَح الْعَظِيمُ يُحْلب فِيهِ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
طَرَحْتُ بِذِي الجَنْبَين سُعْني وقِربتي، ... وَقَدْ أَلَّبُوا خَلْفِي وقَلَّ المَسارب
. المَذاهب. والمُسَعَّن: غَرْبٌ يُتَّخذ مِنْ أَديمين يُقابَل بَيْنَهُمَا فيُعْرَقان بِعِرَاقَيْنِ، وَلَهُ خُصْمان مِنْ جانبَين، لَوْ وُضِعَ قَامَ قَائِمًا مِنَ اسْتِوَاءٍ أَعلاه وأَسفله. والسُّعْن: ظُلَّة أَو كالظُّلَّة تُتَّخذ فَوْقَ السُّطُوحِ حَذَرَ نَدى الوَمَد، وَالْجَمْعُ سُعونٌ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ عُمانيَّة لأَن مُتَّخذيها إِنما هُمْ أَهلُ عُمان. وأَسْعَنَ الرجلُ إِذَا اتخَذَ السُّعنة، وَهِيَ المِظَلَّة. وَمَا عِنْدَهُ سَعْنٌ وَلَا مَعْنٌ؛ السَّعْنُ: الوَدَك، والمَعْن: الْمَعْرُوفُ. وَمَا لَهُ سَعْنة وَلَا مَعْنةٌ، بِالْفَتْحِ، أَي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَقِيلَ: السَّعْنة المشؤُومة «2» . والمَعْنة الْمَيْمُونُ، وَكَانَ الأَصمعي لَا يَعْرِفُ أَصلها، وقيل: السَّعْنة من المِعْزى صِغَارُ الأَجسام فِي خَلْقها، والمَعْنُ الشَّيْءُ الهَيِّن. والسَّعْنة: الْكَثْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، والمَعنة الْقِلَّةُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَابْنُ سَعْنة، بِفَتْحِ السِّينِ: مِنْ شُعَرَائِهِمْ. وسُعْنة: اسْمُ رَجُلٍ. وَيَوْمُ السَّعانين: عِيدٌ لِلنَّصَارَى. وَفِي حَدِيثِ شَرْط النَّصَارَى:
وَلَا يُخْرِجوا سَعانينَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ عِيدٌ لَهُمْ مَعْرُوفٌ قَبْلَ عِيدِهِمُ الْكَبِيرِ بأُسبوع، وَهُوَ سُرْياني مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدُهُ سَعْنُون.
سغن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْغانُ الأَغذية الرَّدِيئَةُ، وَيُقَالُ بِاللَّامِ أَيضاً.
سفن: السَّفْنُ: القَشْر. سَفَن الشيءَ يَسْفِنه سَفْناً: قَشَّرَهُ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
فجاءَ خَفِيَّاً يَسْفِنُ الأَرضَ بَطْنُه، ... تَرى التُّرْبَ مِنْهُ لَاصِقًا كلَّ مَلْصَق
. وَإِنَّمَا جَاءَ مُتَلَبِّدًا عَلَى الأَرض لِئَلَّا يَرَاهُ الصَّيْدُ فَيَنْفِرَ مِنْهُ. والسَّفِينة: الفُلْك لأَنها تَسْفِن وَجْهَ الْمَاءِ أَي تُقَشِّرُهُ، فَعِيلة بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيلَ لَهَا سَفِينَةٌ لأَنها تَسْفِنُ الرَّمْلَ إِذَا قَلَّ الْمَاءُ، قَالَ: وَيَكُونُ مأْخوذاً مِنَ السَّفَنِ، وَهُوَ الفأْس الَّتِي يَنْحَت بِهَا النجارُ، فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ السَّفِينَةُ سَفِينَةً لأَنها تَسْفِنُ عَلَى وَجْهِ الأَرض أَي تَلزَق بِهَا، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سَفِينَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كأَنها تَسْفِنُ الْمَاءَ أَي
__________
(1) . قوله [قَالَ الأَزهري الأُسطوان إِعْرَابُ إلخ] عبارته: لا أحسب الأَسطوان معرباً والفرس تقول أستون انتهى. زاد الصاغاني: الأسطوانة من أسماء الذكر
(2) . قوله [وقيل السعنة المشؤُومة إلخ] وقيل بالعكس كما في الصاعاني وغيره

(13/209)


تَقْشِره، وَالْجَمْعُ سَفائن وسُفُن وسَفِين؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
مَلأْنا البَرَّ حَتَّى ضاقَ عَنَّا، ... ومَوْجُ الْبَحْرِ نَمْلَؤُه سَفينا «3»
. وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
وهَمَّ رَعْلُ الآلِ أَن يَكُونَا ... بحْراً يَكُبُّ الحُوتَ والسَّفِينا
وَقَالَ المَثقَّب العَبْدي:
كأَنَّ حُدوجَهُنَّ عَلَى سَفِين
. سِيبَوَيْهِ: أَما سَفائن فَعَلَى بَابِهِ، وفُعُلٌ دَاخِلٌ عَلَيْهِ لأَن فُعُلًا فِي مِثْلِ هَذَا قَلِيلٌ، وإِنما شَبَّهُوهُ بِقَليب وقُلُب كأَنهم جَمَعُوا سَفيناً حِينَ عَلِمُوا أَن الْهَاءَ سَاقِطَةٌ، شَبَّهُوهَا بجُفرةٍ وجِفارٍ حِينَ أَجرَوْها مُجرى جُمْد وجِماد. والسَّفَّانُ: صَانِعُ السُّفن وَسَائِسُهَا، وحِرْفَته السِّفانة. والسَّفَنُ: الفأْس الْعَظِيمَةُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لأَنها تَسْفِنُ أَي تَقْشر، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عِنْدِي بِقَوِيٍّ. ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّفَن والمِسْفَن والشَّفْرُ أَيضاً قَدوم تُقْشر بِهِ الأَجذاع؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَةً أَنضاها السَّيْرُ:
تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِداً، ... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعةِ السَّفَنُ «4»
. يَعْنِي تَنقَّص. الْجَوْهَرِيُّ: السَّفَنُ مَا يُنْحَت بِهِ الشَّيْءُ، والمِسْفَن مِثْلُهُ؛ وَقَالَ:
وأَنتَ فِي كَفِّكَ المِبْراةُ والسَّفَنُ
يَقُولُ: إِنك نجَّار؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزُهَيْرٍ:
ضَرْباً كنَحتِ جُذوعِ الأَثْلِ بالسَّفَنِ
والسَّفَنُ: جِلدٌ أَخشَن غَلِيظٌ كَجُلُودِ التَّمَاسِيحِ يَكُونُ عَلَى قَوَائِمِ السُّيُوفِ، وَقِيلَ: هُوَ حجَرٌ يُنْحَت بِهِ ويُليَّن، وَقَدْ سَفَنَه سَفْناً وسَفَّنَه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّفَنُ قِطْعَةٌ خَشْنَاءُ مِنْ جِلْدِ ضَبٍّ أَو جِلْدِ سَمَكَةٍ يُسْحَج بِهَا القِدْح حَتَّى تَذْهَبَ عَنْهُ آثَارُ المِبراة، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ السَّمَكِ الَّذِي تُحَكُّ بِهِ السِّياط والقِدْحان والسِّهام والصِّحافُ، وَيَكُونُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ؛ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَصِفُ قِدْحاً:
رَمَّه البارِي، فَسوَّى دَرْأَه ... غَمْزُ كَفَّيه، وتحْليقُ السَّفَنْ
وَقَالَ الأَعشى:
وَفِي كلِّ عامٍ لَهُ غَزْوَةٌ ... تَحُكّ الدوابِرَ حَكَّ السَّفَنْ
أَي تأْكل الحجارةُ دوابرَ لَهَا مِنْ بَعْدِ الْغَزْوِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْحَدِيدِ مَا يُسَفَّن بِهِ الخشبُ أَي يُحَك بِهِ حَتَّى يَلِينَ، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ الأَطومِ، وَهِيَ سَمَكَةٌ بَحْرِيَّةٌ تُسَوَّى قوائمُ السُّيُوفِ مِنْ جِلْدِهَا. وسَفَنَتِ الريحُ الترابَ تَسْفِنُه سَفْناً: جَعَلَتْهُ دُقاقاً؛ وأَنشد:
إِذَا مَساحِيجُ الرِّياحِ السُّفَّن
أَبو عُبَيْدٍ: السَّوافِنُ الرِّيَاحُ الَّتِي تَسْفِنُ وَجْهَ الأَرض كأَنها تَمْسحه، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُقَشِّرُهُ، الْوَاحِدَةُ سافِنَة، وسَفَنَت الرِّيحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِ الأَرض؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَفَنَتِ الرِّيحُ تَسْفُنُ سُفُوناً وسَفِنَتْ إِذَا هَبَّتْ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَهِيَ رِيحٌ سَفُونٌ إِذَا كَانَتْ أَبداً هابَّةً؛ وأَنشد:
__________
(3) . قوله [وموج البحر] كذا بالأَصل، والذي في المحكم: ونحن البحر
(4) . قوله [تخوف السير إلخ] الذي في الصحاح: الرحل بدل السير، وظهر بدل عود. قال الصاغاني: وعزاه الأَزهري لابن مقبل وَهُوَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ النَّهْدِيُّ، وذكر صاحب الأَغاني في ترجمة حماد الراوية أَنه لابن مزاحم الثمالي

(13/210)


مَطاعِيمُ للأَضيافِ فِي كلِّ شَتْوَةٍ ... سَفُونِ الرِّياحِ، تَتْرُكُ الليطَ أَغْبرا
والسَّفِينَةُ: اسْمٌ، وَبِهِ سُمِّي عَبْدٌ أَو عَسِيف مُتكَهِّن كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأَخبرني أَبو العَلاء أَنه إِنما سُمِّيَ سفِينَة لأَنه كَانَ يَحْمِلُ الحسنَ وَالْحُسَيْنَ أَو متاعَهما، فشبِّه بالسَّفينة مِنَ الفُلْكِ. وسَفَّانة: بنت «1» . حاتم طَيِءٍ، وَبِهَا كَانَ يُكنى. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ سَفَوانَ، بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ، وادٍ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ بَلَغَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي طَلَبِ كُرْزٍ الفِهْرِي لَمَّا أَغار عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولى، والله أَعلم.
سقن: التَّهْذِيبِ خَاصَّةً عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأَسْقانُ الخَواصر الضامرة. وأَسْقَنَ الرجلُ إِذَا تَمَّمَ جِلاءَ سيفه.
سقلطن: السّقْلاطُونُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَنْبَغِي أَن يَكُونَ خُمَاسِيًّا لِرَفْعِ النُّونِ وَجَرِّهَا مَعَ الْوَاوِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: عَرَضْتُهُ عَلَى رُومِيَّةٍ وَقُلْتُ لَهَا مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: سِجِلَّاطُسْ.
سكن: السُّكُونُ: ضِدُّ الْحَرَكَةِ. سَكَنَ الشيءُ يَسْكُنُ سُكوناً إِذَا ذَهَبَتْ حَرَكَتُهُ، وأَسْكَنه هو وسَكَّنه غَيْرُهُ تَسْكيناً. وَكُلُّ مَا هَدَأَ فَقَدْ سَكَن كَالرِّيحِ والحَرّ وَالْبَرْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وسَكَنَ الرَّجُلُ: سَكَتَ، وَقِيلَ: سَكَن فِي مَعْنَى سَكَتَ، وسَكَنتِ الرِّيحُ وسَكَن الْمَطَرُ وسَكَن الْغَضَبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَاهُ وَلَهُ مَا حَلَّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لأَنهم لَمْ يُنْكِرُوا أَن مَا استقرَّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلَّهِ أَي هُوَ خَالِقُهُ ومُدَبِّره، فَالَّذِي هُوَ كَذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
، قَالَ: إِنَّمَا السَّاكِنُ مِنَ النَّاسِ والبهائم خاصة، قال: وسَكَنَ هَدَأَ بَعْدَ تَحَرُّك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، الخَلْق. أَبو عُبَيْدٍ: الخَيْزُرَانَةُ السُّكّانُ، وَهُوَ الكَوْثَلُ أَيضاً. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الجَذَفُ السُّكّان فِي بَابِ السُّفُن. اللَّيْثُ: السُّكّانُ ذَنَب السَّفِينَةِ الَّتِي بِهِ تُعَدَّل؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
كسُكّانِ بُوصِيٍّ بدَجْلَةَ مُصْعِدِ
. وسُكَّانُ السَّفِينَةِ عَرَبِيٌّ. والسُّكّانُ: مَا تُسَكَّنُ بِهِ السفينة تمنع به من الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ. والسِّكِّين: المُدْية، تُذَكَّرُ وتؤَنث؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فعَيَّثَ فِي السَّنامِ، غَداةَ قُرٍّ، ... بِسِكِّينٍ مُوَثَّقَةِ النِّصابِ
وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
يُرَى ناصِحاً فِيمَا بَدا، وَإِذَا خَلا ... فَذَلِكَ سِكِّينٌ، عَلَى الحَلْقِ، حاذقُ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَمْ أَسمع تأْنيث السِّكِّين، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَدْ سَمِعَهُ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو حَاتِمٍ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ:
بسِكِّينٍ مُوَثَّقَة النِّصابِ
. هَذَا الْبَيْتُ لَا تَعْرِفُهُ أَصحابنا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَجَاءَ المَلَك بسِكِّين دَرَهْرَهَةٍ
أَي مُعْوَجَّة الرأْس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَهُ ابْنُ الجَوَالِيقي فِي المُعَرَّب فِي بَابِ الدَّالِ، وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: السِّكِّينَة لُغَةٌ فِي السِّكِّين؛ قَالَ:
سِكِّينةٌ مِنْ طَبْعِ سَيْفِ عَمْرِو، ... نِصابُها مِنْ قَرْنِ تَيْسٍ بَرِّي
وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ:
قَالَ المَلَكُ لَمَّا شَقَّ بَطْنَه
__________
(1) . قوله [وسفانة بنت إلخ] أصل السفانة اللؤلؤة كما في القاموس

(13/211)


إيتِني بالسِّكِّينة
؛ هِيَ لُغَةٌ فِي السِّكِّين، وَالْمَشْهُورُ بِلَا هَاءٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ سَمِعْتُ بالسِّكِّين إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مَا كُنَّا نُسَمِّيهَا إلَّا المُدْيَةَ
؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
قَدْ زَمَّلُوا سَلْمَى عَلَى تِكِّين، ... وأَوْلَعُوها بدَمِ المِسْكِينِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراد عَلَى سِكِّين فأَبدل التَّاءَ مَكَانَ السِّينِ، وَقَوْلُهُ: بِدَمِ الْمِسْكِينِ أَي بإِنسان يأْمرونها بِقَتْلِهِ، وصانِعُه سَكّانٌ وسَكَاكِينيٌّ؛ قَالَ: الأَخيرة عِنْدِي مولَّدة لأَنك إِذَا نَسَبْتَ إِلَى الْجَمْعِ فَالْقِيَاسُ أَن تَردّه إِلَى الْوَاحِدِ. ابْنُ دُرَيْدٍ: السِّكِّين فِعِّيل مِنْ ذَبَحْتُ الشيءَ حَتَّى سَكَنَ اضْطِرَابُهُ؛ وَقَالَ الأَزهري: سُمِّيَتْ سِكِّيناً لأَنها تُسَكَّنُ الذَّبِيحَةَ أَي تُسَكنها بِالْمَوْتِ. وَكُلُّ شَيْءٍ مَاتَ فَقَدْ سَكَنَ، وَمِثْلُهُ غِرِّيد لِلْمُغَنِّي لِتَغْرِيدِهِ بِالصَّوْتِ. وَرَجُلٌ شِمِّير: لتَشْمِيره إِذَا جَدَّ فِي الأَمر وَانْكَمَشَ. وسَكَنَ بِالْمَكَانِ يَسْكُنُ سُكْنَى وسُكُوناً: أَقام؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
وَإِنْ كَانَ لَا سُعْدَى أَطالتْ سُكُونَهُ، ... وَلَا أَهْلُ سُعْدَى آخِرَ الدَّهْرِ نازِلُهْ.
فَهُوَ سَاكِنٌ مِنْ قَوْمٍ سُكّان وسَكْنٍ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: جَمْعٌ عَلَى قول الأَخفش. وأَسْكَنه إياه وسَكَنْتُ داري وأَسْكَنْتها غَيْرِي، وَالِاسْمُ مِنْهُ السُّكْنَى كَمَا أَن العُتْبَى اسْمٌ مِنَ الإِعْتاب، وَهُمْ سُكّان فُلَانٍ، والسُّكْنَى أَن يُسْكِنَ الرجلَ مَوْضِعًا بِلَا كِرْوَة كالعُمْرَى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والسَّكَن أَيضاً سُكْنَى الرَّجُلِ فِي الدَّارِ. يُقَالُ: لَكَ فِيهَا سَكَنٌ. أَي سُكْنَى. والسَّكَنُ والمَسْكَنُ والمَسْكِن: الْمَنْزِلُ وَالْبَيْتُ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ مَسْكنٌ، بِالْفَتْحِ. والسَّكْنُ: أَهل الدَّارِ، اسْمٌ لِجَمْعِ ساكِنٍ كَشَارِبٍ وشَرْبٍ؛ قَالَ سَلامة بْنُ جَنْدَل:
لَيْسَ بأَسْفَى وَلَا أَقْنَى وَلَا سَغِلٍ، ... يُسْقَى دواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ:
فَيَا كَرَمَ السَّكْنِ الَّذِينَ تَحَمَّلوا ... عَنِ الدارِ، والمُسْتَخْلَفِ المُتَبَدَّلِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي صَارَ خَلَفاً وبَدَلًا للظباءِ وَالْبَقَرِ، وَقَوْلُهُ: فَيَا كَرَمَ يَتَعَجَّب مِنْ كَرَمِهِمْ. والسَّكْنُ: جَمْعُ سَاكِنٌ كصَحْب وَصَاحِبٍ. وَفِي حَدِيثِ
يأْجوج ومأْجوج: حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانة لتُشْبِعُ السَّكْنَ
؛ هو بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ لأَهل الْبَيْتِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّكْنُ أَيضاً جِمَاعُ أَهل الْقَبِيلَةِ. يُقَالُ: تَحَمَّلَ السَّكْنُ فَذَهَبُوا. والسَّكَنُ: كُلُّ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ واطمأْنَنت بِهِ مِنْ أَهل وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا قَالَتِ الْعَرَبُ السَّكَنُ لِمَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً
. والسَّكَنُ: المرأَة لأَنها يُسْكَنُ إِلَيْهَا. والسَّكَنُ: الساكِنُ؛ قال الراجز:
لِيَلْجَؤُوا مِنْ هَدَفٍ إِلَى فَنَنْ، ... إِلَى ذَرَى دِفْءٍ وظِلٍّ ذِي سَكَنْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
اللهم أَنْزِلْ علينا في أَرضنا سَكَنَها
أَي غِيَاثَ أَهلها الَّذِي تَسْكُن أَنفسهم إِلَيْهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ. اللَّيْثُ: السَّكْنُ السُّكّانُ. والسُّكْنُ: أَن تُسْكِنَ إِنْسَانًا مَنْزِلًا بِلَا كِرَاءٍ، قَالَ: والسَّكْنُ الْعِيَالُ أَهلُ الْبَيْتِ، الْوَاحِدُ ساكِنٌ. وَفِي حَدِيثِ
الدَّجَّالِ: السُّكْنُ القُوتُ.
وَفِي حَدِيثِ
الْمَهْدِيِّ: حَتَّى إنَّ العُنْقود لَيَكُونُ سُكْنَ أَهل الدَّارِ
أَي قُوتَهم مِنْ بَرَكَتِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّزْل، وَهُوَ طَعَامُ

(13/212)


الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ عَلَيْهِ. والأَسْكانُ: الأَقْواتُ، وَقِيلَ للقُوتِ سُكْنٌ لأَن الْمَكَانَ بِهِ يُسْكَنُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ نُزْلُ الْعَسْكَرِ لأَرزاقهم الْمُقَدِّرَةِ لَهُمْ إِذَا أُنزِلوا مَنْزِلًا. وَيُقَالُ: مَرْعًى مُسْكِنٌ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يُحْوج إِلَى الظَّعْن، كَذَلِكَ مَرْعًى مُرْبِعٌ ومُنْزِلٌ. قَالَ: والسُّكْنُ المَسْكَن. يُقَالُ: لَكَ فِيهَا سُكْنٌ وسُكْنَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وسُكْنى المرأَة: المَسْكَنُ الَّذِي يُسْكنها الزَّوْجُ إِيَّاهُ. يُقَالُ: لَكَ دَارِي هَذِهِ سُكْنَى إِذَا أَعاره مَسْكناً يَسْكُنه. وسُكّانُ الدَّارِ: هُمُ الْجِنُّ الْمُقِيمُونَ بِهَا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا اطَّرَفَ دَارًا ذَبَحَ فِيهَا ذَبيحة يَتَّقي بِهَا أَذَى الْجِنِّ فَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ. والسَّكَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: النَّارُ؛ قَالَ يَصِفُ قَنَاةً ثَقَّفَها بِالنَّارِ والدُّهن:
أَقامها بسَكَنٍ وأَدْهان
وَقَالَ آخَرُ:
أَلْجَأَني الليلُ وريحٌ بَلَّهْ ... إِلَى سَوادِ إِبلٍ وثَلَّهْ،
وسَكَنٍ تُوقَدُ فِي مِظَلَّهْ
ابْنُ الأَعرابي: التَّسْكِينُ تَقْوِيمُ الصَّعْدَةِ بالسَّكَنِ، وَهُوَ النَّارُ. والتَّسْكين: أَن يَدُومَ الرَّجُلُ عَلَى رُكُوبِ السُّكَيْنِ، وَهُوَ الْحِمَارُ الْخَفِيفُ السَّرِيعُ، والأَتانُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ سُكَيْنة، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْجَارِيَةُ الْخَفِيفَةُ الرُّوح سُكَيْنة. قَالَ: والسُّكَيْنة أَيضاً اسْمُ البَقَّة الَّتِي دَخَلَتْ فِي أَنف نُمْروذَ بْنِ كَنْعان الْخَاطِئِ فأَكلت دماغَه. والسُّكَيْنُ: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ أَبو دُواد:
دَعَرْتُ السُّكَيْنَ بِهِ آيِلًا، ... وعَيْنَ نِعاجٍ تُراعي السِّخالا
والسَّكينة: الوَدَاعة والوَقار. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فِيهِ مَا تَسْكُنُون بِهِ إِذَا أَتاكم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالُوا إِنَّهُ كَانَ فِيهِ مِيرَاثُ الأَنبياء وعصا موسى وعمامة هرون الصَّفْرَاءُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ رأْس كرأْس الهِرِّ إِذَا صَاحَ كَانَ الظَّفَرُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقِيلَ: إِنَّ السَّكينة لَهَا رأْس كرأْس الهِرَّة مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ولها جناحان. قال الْحَسَنُ:
جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فِي التَّابُوتِ سَكِينة لَا يَفِرُّون عَنْهُ أَبداً وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ إِلَيْهِ.
الْفَرَّاءُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَنزل اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكينة للسَّكينة. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَةَ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: يَا مِسْكِينة عَلَيْكِ السَّكِينةَ
؛ أَراد عَلَيْكِ الوَقارَ والوَداعَة والأَمْنَ. يُقَالُ: رَجُلٌ وَدِيعَ وقُور سَاكِنٌ هَادِئٌ. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ: السَّكِينةَ مَغْنَم وَتَرْكُهَا مَغْرَم
، وَقِيلَ: أَراد بِهَا هَاهُنَا الرَّحْمَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينة تَحْمِلُهَا الْمَلَائِكَةُ.
وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ السَّكِينة الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الطمأْنينة، وَقِيلَ: هِيَ النَّصْرُ، وَقِيلَ: هِيَ الوَقار وَمَا يَسْكُن بِهِ الإِنسان. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ
مَا تَسْكُنُ بِهِ قلوبُهم. وَتَقُولُ للوَقُور: عَلَيْهِ السُّكون والسَّكِينة؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي عُرَيْف الكُلَيبي:
للهِ قَبْرٌ غالَها، ماذا يُجِنْنَ، ... لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينةً ووَقَارا
وَفِي حَدِيثِ الدَّفْع مِنْ عَرَفَةَ:
عَلَيْكُمُ السَّكِينةَ والوَقارَ والتَّأَنِّيَ فِي الْحَرَكَةِ وَالسَّيْرِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ:
فلْيأْتِ وَعَلَيْهِ السَّكِينة.
وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغَشِيَتْه السَّكِينةُ
؛ يُرِيدُ مَا

(13/213)


كَانَ يَعْرِضُ لَهُ مِنَ السُّكُونِ والغَيْبة عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَن السَّكينة تَكَلَّمُ عَلَى لسانِ عُمَرَ
؛ قِيلَ: هُوَ مِنَ الْوَقَارِ وَالسُّكُونِ، وَقِيلَ: الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: أَراد السَّكِينَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّهَا حَيَوَانٌ لَهُ وَجْهٌ كَوَجْهِ الإِنسان مُجتَمِع، وسائِرُها خَلْقٌ رَقِيقٌ كَالرِّيحِ والهواء، وقيل: هي صُورة كالهِرَّة كَانَتْ مَعَهُمْ فِي جُيوشهم، فإِذا ظَهَرَتِ انْهَزَمَ أَعداؤُهم، وَقِيلَ: هِيَ مَا كَانُوا يَسْكُنُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أُعطيها مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: والأَشْبه بِحَدِيثِ عُمَرَ أَن يَكُونَ مِنَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِنَاءِ الْكَعْبَةِ: فأَرسل اللَّهُ إِلَيْهِ السَّكينة
؛ وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ أَي سَرِيعَةُ المَمَرِّ. والسَّكِّينة: لُغَةٌ فِي السَّكينة؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَلَا يُعْلَمُ فِي الْكَلَامِ فَعِّيلة. والسِّكِّينةُ، بِالْكَسْرِ: لُغَةٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ. وتَسَكَّنَ الرَّجُلُ: مِنَ السَّكِينة والسَّكِّينة. وَتَرَكْتُهُمْ عَلَى سَكِناتِهم ومَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ورَباعَتهم ورَبَعاتهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ وحُسْن حَالِهِمْ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: عَلَى مَسَاكِنِهِمْ، وَفِي الْمُحْكَمِ: عَلَى مَنازلهم، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْجَيِّدُ لأَن الأَول لَا يُطَابِقُ فِيهِ الِاسْمُ الْخَبَرَ، إِذ الْمُبْتَدَأُ اسْمٌ وَالْخَبَرُ مَصْدَرٌ، فَافْهَمْ. وَقَالُوا: تَرَكْنَا الناسَ عَلَى مُصاباتهم أَي عَلَى طَبَقَاتِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ. والسَّكِنة، بِكَسْرِ الْكَافِ: مَقَرُّ الرأْس مِنَ الْعُنُقِ؛ وَقَالَ حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقيّ وَكُنْيَتُهُ أَبو الطَّحَّان:
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عَنْ سَكِناتِه، ... وطَعْنٍ كتَشْهاقِ العَفا هَمَّ بالنَّهْقِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: اسْتَقِرُّوا عَلَى سَكِناتكم فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ
أَي عَلَى مَوَاضِعِكُمْ وَفِي مسَاكنكم، وَيُقَالُ: وَاحِدَتُهَا سَكِنة مِثْلُ مَكِنة ومَكِنات، يَعْنِي أَن اللَّهَ قَدْ أَعز الإِسلام، وأَغنى عَنِ الْهِجْرَةِ والفِرار عَنِ الْوَطَنِ خَوْفَ الْمُشْرِكِينَ. وَيُقَالُ: النَّاسُ عَلَى سَكِناتهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ زامِل بْنُ مُصاد العَيْني:
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عَنْ سَكِناته، ... وطَعْنٍ كأَفواه المَزاد المُخَرَّق
قَالَ: وَقَالَ طُفَيل:
بضرْبٍ يُزيل الهامَ عَنْ سَكِناته، ... ويَنْقَعُ مِنْ هامِ الرِّجَالِ المُشَرَّب
قَالَ: وَقَالَ النَّابِغَةُ:
بضربٍ يُزيلُ الهامَ عَنْ سَكِناته، ... وطعن كإِيزاغِ الْمَخَاضِ الضَّوارب
. والمِسْكينُ والمَسْكِين؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعيل: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَكْفِي عِيَالَهُ، قَالَ أَبو إسحق: الْمِسْكِينُ الَّذِي أَسْكَنه الفقرُ أَي قَلَّلَ حركتَه، وَهَذَا بِعِيدٍ لأَن مِسْكيناً فِي مَعْنَى فَاعِلٍ، وَقَوْلُهُ الَّذِي أَسْكَنه الفقرُ يُخْرجه إِلى مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ المِسْكين وَالْفَقِيرِ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا شَيْئًا، وَهُوَ مِفْعيل مِنَ السُّكُونِ، مِثْلُ المِنْطيق مِنَ النُّطْق. قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَالَ يُونُسُ الْفَقِيرُ أَحسن حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يُقيمه، وَالْمِسْكِينُ أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ السِّكِّيتِ؛ قَالَ يُونُسُ: وَقُلْتُ لأَعرابي أَفقير أَنت أَم مِسْكِينٌ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ بَلْ مِسْكِينٌ، فأَعلم أَنه أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَن الْمِسْكِينَ أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ بِقَوْلِ الرَّاعِي:

(13/214)


أَما الفقيرُ الَّذِي كانَتْ حَلوبَتُه ... وَفْق العِيال، فَلَمْ يُترَك لَهُ سَبَدُ
فأَثبت أَن لِلْفَقِيرِ حَلوبة وَجَعَلَهَا وفْقاً لِعِيَالِهِ؛ قَالَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا كَقَوْلِ يُونُسَ. وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: الْمِسْكِينُ أَحسن حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وإِليه ذَهَبَ أَحمد بْنُ عُبَيْد، قَالَ: وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لأَن اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ
؛ فأَخبر أَنهم مَسَاكِينُ وأَن لَهُمْ سَفينة تُساوي جُمْلة، وَقَالَ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً؛ فَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي أَخبر بِهَا عَنِ الْفُقَرَاءِ هِيَ دُونَ الْحَالِ الَّتِي أَخبر بِهَا عَنِ الْمَسَاكِينِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِلى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ عليُّ بْنُ حَمْزَةَ الأَصبهاني اللُّغَوِيُّ، ويَرى أَنه الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ خطأٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
؛ فأَكد عَزَّ وَجَلَّ سُوءَ حَالِهِ بِصِفَةِ الفقر لأَن المَتْربَة الْفَقْرُ، وَلَا يُؤَكَّدُ الشَّيْءُ إِلا بِمَا هُوَ أَوكد مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
؛ فأَثبت أَن لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا فِي الْبَحْرِ؛ وَاسْتَدَلَّ أَيضاً بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
هَلْ لَكَ فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ، ... تُغِيثُ مِسْكيناً قَلِيلًا عَسْكَرُهْ،
عَشْرُ شِياهٍ سَمْعُه وبَصَرُهْ، ... قَدْ حَدَّثَ النَّفْسَ بِمِصْرٍ يَحْضُرُهْ
. فأَثبت أَن لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ، وأَراد بِقَوْلِهِ عَسْكَرُهُ غَنَمُهُ وأَنها قَلِيلَةٌ، وَاسْتَدَلَّ أَيضاً بِبَيْتِ الرَّاعِي وَزَعَمَ أَنه أَعدل شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةٍ ذَلِكَ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَما الفقيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلوبَتُه
لأَنه قَالَ: أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلوبتُه وَلَمْ يَقُلِ الَّذِي حَلُوبَتُهُ، وَقَالَ: فَلَمْ يُترك لَهُ سَبَدٌ، فأَعلمك أَنه كَانَتْ لَهُ حَلوبة تَقُوت عِيَالَهُ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ وَلَكِنْ مِسْكِينٍ، ثُمَّ أَعلمك أَنها أُخِذَتْ مِنْهُ فَصَارَ إِذ ذَاكَ فَقِيرًا، يَعْنِي ابنُ حمْزة بِهَذَا الْقَوْلِ أَن الشَّاعِرَ لَمْ يُثْبِتْ أَن لِلْفَقِيرِ حَلُوبَةً لأَنه قَالَ: الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ، وَلَمْ يَقُلِ الَّذِي حَلُوبَتُهُ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَ لَهُ مَالٌ وثرْوة فإِنه لَمْ يُترَكْ لَهُ سَبَدٌ، فَلَمْ يُثْبت بِهَذَا أَن لِلْفَقِيرِ مَالًا وثرْوَة، وإِنما أَثبَت سُوءَ حَالِهِ الَّذِي به صارفقيراً، بَعْدَ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَثَرْوَةٍ، وَكَذَلِكَ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:
أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
. أَنه أَثبت فَقْرَهُ لِعَدَمِ حَلوبته بَعْدَ أَن كَانَ مِسْكِينًا قَبْلَ عَدَمِ حَلوبته، وَلَمْ يُرِد أَنه فَقِيرٌ مَعَ وُجُودِهَا فإِن ذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ لِلْفَقِيرِ مَالٌ وَثَرْوَةٌ فِي قَوْلِكَ: أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَ لَهُ مَالٌ وَثَرْوَةٌ، لأَنه لَا يَكُونُ فَقِيرًا مَعَ ثَرْوَتِهِ وَمَالِهِ فَحَصَلَ بِهَذَا أَن الْفَقِيرَ فِي الْبَيْتِ هُوَ الَّذِي لَمْ يُتركْ لَهُ سَبَدٌ بأَخذ حَلُوبَتِهِ، وَكَانَ قَبْلَ أَخذ حَلُوبَتِهِ مِسْكِينًا لأَن مَنْ كَانَتْ لَهُ حَلُوبَةٌ فَلَيْسَ فَقِيرًا، لأَنه قَدْ أَثبت أَن الْفَقِيرَ الَّذِي لَمْ يُترَكْ لَهُ سَبَدٌ، وإِذا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا فَهُوَ إِمّا غَنِيٌّ وإِما مِسْكِينٌ، وَمَنْ لَهُ حَلُوبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ، وإِذا لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا لَمْ يَبْقَ إِلّا أَن يَكُونَ فَقِيرًا أَو مِسْكِينًا، وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ فَقِيرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَلَمْ يبقَ أَن يَكُونَ إِلا مِسْكِينًا، فَثَبَتَ بِهَذَا أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: وَلِذَلِكَ بدأَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْفَقِيرِ قَبْلَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمِسْكِينِ وَغَيْرِهِ، وأَنت إِذا تأَملت قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ
، وَجَدْتَهُ سُبْحَانَهُ قَدْ

(13/215)


رَتَّبَهُمْ فَجَعَلَ الثَّانِي أَصلح حَالًا مِنَ الأَول، وَالثَّالِثَ أَصلح حَالًا مِنَ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ أَن الْعَرَبَ قَدْ تَسَمَّتْ بِهِ وَلَمْ تَتَسَمَّ بِفَقِيرٍ لِتَنَاهِي الْفَقْرِ فِي سُوءِ الْحَالِ، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا تَمَسْكَن الرَّجُلُ فَبَنَوْا مِنْهُ فِعْلًا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْمِسْكِينِ فِي زِيِّه، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْفَقِيرِ إِذ كَانَتْ حَالُهُ لَا يَتَزَيّا بِهَا أَحدٌ؟ قَالَ: وَلِهَذَا رَغِبَ الأَعرابيُّ الَّذِي سأَله يُونُسُ عَنِ اسْمِ الْفَقِيرِ لِتَنَاهِيهِ فِي سُوءِ الْحَالِ، فَآثَرَ التَّسْمِيَةَ بالمَسْكَنة أَو أَراد أَنه ذَلِيلٌ لِبُعْدِهِ عَنْ قَوْمِهِ وَوَطَنِهِ، قَالَ: وَلَا أَظنه أَراد إِلا ذَلِكَ، وَوَافَقَ قولُ الأَصمعي وَابْنِ حَمْزَةَ فِي هَذَا قولَ الشَّافِعِيِّ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمانة، والمِسْكين الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ. وَقَالَ زِيَادَةُ اللَّهِ بْنُ أَحمد: الْفَقِيرُ الْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ لَا يسأَل، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يسأَل، فَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلى أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لأَنه يسأَل فيُعْطَى، وَالْفَقِيرُ لَا يسأَل وَلَا يُشْعَرُ بِهِ فيُعْطَى لِلُزُومِهِ بَيْتِهِ أَو لِامْتِنَاعِ سُؤَالِهِ، فَهُوَ يَتَقَنَّع بأَيْسَرِ شَيْءٍ كَالَّذِي يتقوَّت فِي يَوْمِهِ بِالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يسأَل مُحَافَظَةً عَلَى مَاءِ وَجْهِهِ وإِراقته عند السُّؤَالِ، فَحَالُهُ إِذاً أَشدّ مِنْ حَالِ الْمِسْكِينِ الَّذِي لَا يَعْدَمُ مَنْ يُعْطِيهِ، وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ المسكينُ الَّذِي تَرُدُّه اللُّقْمةُ واللُّقْمتانِ، وإِنما الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يسأَل وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فيُعْطَى
، فأَعْلَمَ أَن الَّذِي لَا يسأَل أَسوأُ حَالًا مِنَ السَّائِلِ، وإِذا ثَبَتَ أَن الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا يسأَل وأَن الْمِسْكِينَ هُوَ السَّائِلُ فَالْمِسْكِينُ إِذاً أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَالْفَقِيرُ أَشدّ مِنْهُ فَاقَةً وَضُرًّا، إِلَّا أَن الْفَقِيرَ أَشرف نَفْسًا مِنَ الْمِسْكِينِ لِعَدَمِ الْخُضُوعِ الَّذِي فِي الْمِسْكِينِ، لأَن الْمِسْكِينَ قَدْ جَمَعَ فَقْرًا وَمَسْكَنَةً، فَحَالُهُ فِي هَذَا أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَلِهَذَا قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ «2» فأَبانَ أَن لَفْظَةَ الْمِسْكِينِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ أَشدّ قُبحاً مِنْ لَفْظَةِ الْفَقِيرِ، وَكَانَ الأَولى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَن تَكُونَ لِمَنْ لَا يسأَل لِذُلِّ الْفَقْرِ الَّذِي أَصابه، فَلَفْظَةُ الْمِسْكِينِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَشد بُؤْسًا مِنْ لَفْظَةِ الْفَقِيرِ، وإِن كَانَ حَالُ الْفَقِيرِ فِي الْقِلَّةِ وَالْفَاقَةِ أَشد مِنْ حَالِ الْمِسْكِينِ، وأَصل الْمِسْكِينِ فِي اللُّغَةِ الْخَاضِعُ، وأَصل الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجُ، وَلِهَذَا
قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَحْيِني مِسْكيناً وأَمِتْني مِسْكِينًا واحْشُرْني فِي زُمْرةِ الْمَسَاكِينِ
؛ أَراد بِهِ التَّوَاضُعَ والإِخْبات وأَن لَا يَكُونَ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ أَي خَاضِعًا لَكَ يَا رَبِّ ذَلِيلًا غَيْرَ مُتَكَبِّرٍ، وَلَيْسَ يُرَادُ بِالْمِسْكِينِ هُنَا الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: وَقَدِ اسْتَعَاذَ سَيِّدُنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الْفَقْرِ؛ قَالَ: وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنِ الخِضْرِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
، فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ لِخُضُوعِهِمْ وَذُلِّهِمْ مِنْ جَوْرِ الْمَلِكِ الَّذِي يأْخذ كُلَّ سَفِينَةٍ وَجَدَهَا فِي الْبَحْرِ غَصْباً، وَقَدْ يَكُونُ الْمِسْكِينُ مُقِلًّا ومُكْثِراً، إِذ الأَصل فِي المسكين أَنه من المَسْكَنة، وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالذُّلُّ، وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ الْمِسْكِينَ بِالْفَقْرِ لَمَّا أَراد أَن يُعْلِمَ أَن خُضُوعَهُ لِفَقْرٍ لَا لأَمر غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
؛ والمَتْرَبةُ: الْفَقْرُ، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ جَعَلَ الْمِسْكِينَ أَسوأَ حَالًا لِقَوْلِهِ ذَا مَتْرَبَةٍ، وَهُوَ الَّذِي لَصِقَ بِالتُّرَابِ لشدَّة فَقْرِهِ، وَفِيهِ أَيضاً حُجَّةٌ لِمَنْ جَعَلَ الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لأَنه أَكد حَالَهُ بِالْفَقْرِ، وَلَا يؤكَّد الشَّيْءُ إِلا بِمَا هُوَ أَوكد مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ المِسْكين والمَساكين والمَسْكَنة والتَّمَسْكُنِ، قَالَ: وَكُلُّهَا يَدُورُ مَعْنَاهَا على الخضوع
__________
(2) . الحديث

(13/216)


والذِّلَّة وَقِلَّةِ الْمَالِ وَالْحَالِ السَّيِّئَةِ، واسْتَكانَ إِذا خَضَعَ. والمَسْكَنة: فَقْرُ النَّفْسِ. وتَمَسْكَنَ إِذا تَشَبَّه بِالْمَسَاكِينِ، وَهُمْ جَمْعُ المِسْكين، وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ بَعْضُ الشَّيْءِ، قَالَ: وَقَدْ تَقَعُ المَسْكَنة عَلَى الضَّعف؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
قَيْلة: قَالَ لَهَا صَدَقَت المِسْكِينةُ
؛ أَراد الضَّعف وَلَمْ يُرِدِ الْفَقْرَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: المِسْكين مِنَ الأَلفاظ المُتَرَحَّمِ بِهَا، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ المِسْكين، تَنْصِبُهُ عَلَى أَعني، وَقَدْ يَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ، وَالرَّفْعُ عَلَى إِضمار هُوَ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّرَحُّمِ مَعَ ذَلِكَ، كَمَا أَن رحمةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإِن كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ؛ قَالَ: وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ مَرَرْتُ بِهِ المسكينَ، عَلَى الْحَالِ، وَيَتَوَهَّمُ سُقُوطَ الأَلف وَاللَّامِ، وَهَذَا خطأٌ لأَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَالًا وَفِيهِ الأَلف وَاللَّامُ، وَلَوْ قُلْتُ هَذَا لَقُلْتُ مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ الظريفَ تُرِيدُ ظَرِيفًا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ حَمَلْتَهُ عَلَى الْفِعْلِ كأَنه قَالَ لَقِيتُ الْمِسْكِينَ، لأَنه إِذا قَالَ مَرَرْتُ بِهِ فكأَنه قَالَ لَقِيِتُهُ، وَحُكِيَ أَيضاً: إِنه المسكينُ أَحْمَقُ وتقديرُه: إِنه أَحمق، وَقَوْلُهُ المسكينُ أَي هُوَ المسكينُ، وَذَلِكَ اعتراضٌ بَيْنَ اسْمِ إِن وَخَبَرِهَا، والأُنثى مِسْكينة؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: شُبِّهَتْ بِفَقِيرَةٍ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الإِكْثار، وَقَدْ جَاءَ مِسْكين أَيضاً للأُنثى؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
قَدْ أَطْعَنُ الطَّعْنةَ النَّجْلاءَ عَنْ عُرُضٍ، ... كفَرْجِ خَرْقاءَ وَسْطَ الدارِ مِسْكينِ
عَنَى بِالْفَرَجِ مَا انْشَقَّ مِنْ ثِيَابِهَا، وَالْجَمْعُ مَساكين، وإِن شِئْتَ قُلْتَ مِسْكينون كَمَا تَقُولُ فَقِيرُونَ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: يَعْنِي أَن مِفْعيلًا يَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ نَحْوَ مِحْضِير ومِئْشير، وإِنما يَكُونُ ذَلِكَ مَا دَامَتِ الصِّيغَةُ لِلْمُبَالَغَةِ، فَلَمَّا قَالُوا مِسْكينة يَعْنُونَ الْمُؤَنَّثَ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الْمُبَالَغَةَ شَبَّهُوهَا بِفَقِيرَةٍ، وَلِذَلِكَ سَاغَ جَمْعُ مُذَكَّرِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ. وَقَوْمٌ مَساكينُ ومِسْكِينون أَيضاً، وإِنما قَالُوا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قِيلَ للإِناث مِسْكينات لأَجل دُخُولِ الْهَاءِ، وَالِاسْمُ المَسْكَنة. اللَّيْثُ: المَسْكَنة مَصْدَرُ فِعْل المِسْكين، وإِذا اشْتَقُّوا مِنْهُ فِعْلًا قَالُوا تَمَسْكَنَ الرجلُ أَي صَارَ مِسكيناً. وَيُقَالُ: أَسْكَنه اللَّهُ وأَسْكَنَ جَوْفَه أَي جَعَلَهُ مِسْكيناً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِسْكِينُ الْفَقِيرُ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الذِّلَّة وَالضَّعْفِ. يقال: تَسَكَّن الرجل وتَمَسْكَن، كَمَا قَالُوا تَمَدْرَعَ وتَمَنْدَلَ مِنَ المِدْرَعَة والمِنْديل، عَلَى تَمَفْعَل، قَالَ: وَهُوَ شَاذٌّ، وَقِيَاسُهُ تَسَكَّنَ وتَدرَّعَ مِثْلَ تشَجَّع وتحَلَّم. وسَكَن الرجلُ وأَسْكَن وتمَسْكَنَ إِذا صَارَ مِسكيناً، أَثبتوا الزَّائِدَ، كَمَا قَالُوا تَمَدْرَع فِي المِدرعة. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَسَكَّن كتَمَسْكَن، وأَصبح القومُ مُسْكِنين أَي ذَوِي مَسْكنة. وَحُكِيَ: مَا كَانَ مِسْكِينًا وَمَا كُنْتُ مِسْكِينًا وَلَقَدْ أَسكَنْتُ. وتمسكَنَ لِرَبِّهِ: تضَرَّع؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَتَمَسْكَنَ إِذا خَضَعَ لِلَّهِ. والمَسْكَنة: الذِّلَّة. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لِلْمُصَلِّي: تَبْأَسُ وتمسْكَنُ وتُقْنِع يَدَيْكَ
؛ وَقَوْلُهُ تمسْكَنُ أَي تذَلَّل وتَخْضَع، وَهُوَ تَمَفْعَل مِنَ السُّكُونِ؛ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَصل الْحَرْفِ السُّكون، والمَسْكَنة مَفْعلة مِنْهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ تسَكَّن، وَهُوَ الأَكثر الأَفصح إِلا أَنه جاءَ فِي هَذَا الْحَرْفِ تَمَفْعَل، وَمِثْلُهُ تمَدْرَع وأَصله تَدرَّع؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كُلُّ مِيمٍ كَانَتْ فِي أَول حَرْفٍ فَهِيَ مَزِيدَةٌ إِلا مِيمَ مِعْزى وَمِيمَ مَعَدٍّ، تَقُولُ: تمَعْدَد، وَمِيمَ مَنْجَنِيق وَمِيمَ مَأْجَج وَمِيمَ مَهْدَد؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا فِيمَا جَاءَ عَلَى بِنَاءِ مَفْعَل أَو مِفْعَل أَو مِفْعيل، فأَما مَا جَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعْلٍ

(13/217)


أَو فِعالٍ فَالْمِيمُ تَكُونُ أَصلية مِثْلُ المَهْدِ والمِهاد والمَرد وَمَا أَشبهه. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسد: المَسْكين، بِفَتْحِ الْمِيمِ، المِسْكين. والمِسْكينة: اسْمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَا أَدري لمَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ إِلا أَن يَكُونَ لِفَقْدِهَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستَكان الرَّجُلُ: خَضَع وذلَّ، وَهُوَ افتَعَل مِنَ المَسْكَنة، أُشبعت حَرَكَةُ عَيْنِهِ فَجَاءَتْ أَلفاً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ
؛ وَهَذَا نَادِرٌ، وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ
؛ أَي فَمَا خَضَعُوا، كَانَ فِي الأَصل فَمَا استَكَنُوا فَمُدَّتْ فَتْحَةُ الْكَافِ بأَلف كَقَوْلِهِ: لَهَا مَتْنتان خَظاتا، أَراد خَظَتا فَمَدَّ فَتْحَةَ الظَّاءِ بأَلف. يُقَالُ: سَكَنَ وأَسكَنَ واسْتَكَنَ وتَمَسْكَنَ واسْتَكان أَي خَضَعَ وَذَلَّ. وَفِي حَدِيثِ
تَوْبَةِ كَعْبٍ: أَما صَاحِبَايَ فاستَكانا وقَعَدا فِي بُيُوتِهِمَا
أَي خَضَعَا وذلَّا. والاسْتِكانة: اسْتِفْعال مِنَ السُّكون؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَكثر مَا جاءَ إِشباع حَرَكَةِ الْعَيْنِ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوب أَي يَنْبَع، مُدَّتْ فَتْحَةُ الْبَاءِ بأَلف، وَكَقَوْلِهِ: أَدْنو فأَنْظُورُ، وَجَعَلَهُ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مِنَ الكَيْنِ الَّذِي هُوَ لَحْمُ بَاطِنِ الْفَرْجِ لأَن الْخَاضِعَ الذَّلِيلَ خَفِيٌّ، فَشَبَّهَهُ بِذَلِكَ لأَنه أَخفى مَا يَكُونُ مِنَ الإِنسان، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ وَدُونِهِ؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
فَمَا وَجدوا فِيكَ ابنَ مَرْوان سَقْطةً، ... وَلَا جَهْلةً فِي مازِقٍ تَسْتَكِينُها
الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
؛ أَي يَسْكُنون بِهَا. والسَّكُون، بِالْفَتْحِ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. والسَّكون: مَوْضِعٌ، وَكَذَلِكَ مَسْكِنٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ مِنْ أَرض الْكُوفَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الرَّزِيَّة، يَوْمَ مَسْكِنَ، ... والمُصِيبةَ والفَجيعه
. جَعَلَهُ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ فَلَمْ يَصْرِفْهُ. وأَما المُسْكان، بِمَعْنَى العَرَبون، فَهُوَ فُعْلال، وَالْمِيمُ أَصلية، وَجَمْعُهُ المَساكين؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي. ابْنُ شُمَيْلٍ: تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ عِنْدَ النَّوْمِ سُكْنة كأَنه يأْمن الْوَحْشَةَ، وَفُلَانُ بنُ السَّكَن. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُهُ بِجَزْمِ الْكَافِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُقَالُ سَكَنٌ وسَكْنٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ فِي الإِسكان:
ونُبِّئْتُ جَوَّاباً وسَكْناً يَسُبُّني، ... وعَمْرو بنُ عَفْرا، لَا سلامَ عَلَى عَمْرِو
وسَكْنٌ وسُكَنٌ وسُكَينٌ: أَسماء. وسُكَينٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَعَلَى الرُّمَيْثة مِنْ سُكَينٍ حاضرٌ، ... وَعَلَى الدُّثَيْنةِ مِنْ بَنِي سَيَّارِ
. وسُكَينٌ، مُصَغَّرٌ: حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ فِي شِعْرِ النَّابِغَةِ الذُّبياني. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي هَذَا الْبَيْتَ: وَعَلَى الرُّميثة مِنْ سُكين. وسُكَيْنة: بِنْتُ الحُسَين بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، والطُّرَّة السُّكَيْنِيَّة مَنْسُوبَةٌ إِليها.
سلن: التَّهْذِيبِ فِي الثُّلَاثِيِّ: ابْنُ الأَعرابي الأَسْلانُ الرِّماح الذُّبَّل.
سلعن: سَلْعَنَ فِي عدْوه: عَدا عَدْواً شديداً.
سمن: السِّمَنُ: نَقِيضُ الهُزال. والسَّمِينُ: خِلَافُ المَهْزول، سَمِنَ يَسْمَنُ سِمَناً وسَمانةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
رَكِبْناها سَمانَتَها، فَلَمَّا ... بَدَتْ مِنْهَا السَّناسِنُ والضُّلوعُ

(13/218)


أَراد: رَكِبْنَاهَا طُولَ سَمانتِها. وَشَيْءٌ سامِنٌ وَسَمِينٌ، وَالْجَمْعُ سِمانٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يَقُولُوا سُمَناء، اسْتَغنَوْا عَنْهُ بسِمانٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِذا كَانَ السِّمَنُ خِلْقة قِيلَ هَذَا رَجُلٌ مُسْمِن وَقَدْ أَسْمَن. وسَمَّنه: جَعَلَهُ سَمِينًا، وتسَمَّنَ وسَمَّنه غيرُه. وَفِي الْمَثَلِ: سَمِّنْ كلْبَك يأْكُلْك. وَقَالُوا: اليَنَمةُ تُسْمِن وَلَا تُغْزر أَي أَنها تَجْعَلُ الإِبل سَمينة وَلَا تَجْعَلُهَا غِزاراً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: امرأَة مُسْمَنة سَمينة ومُسَمَّنة بالأَدْوية. وأَسْمَن الرجلُ: مَلَكَ سَميناً أَو اشْتَرَاهُ أَو وُهِبَهُ. وأَسْمَنَ القومُ: سَمِنَتْ مَوَاشِيهِمْ ونَعَمُهم، فَهُمْ مُسْمِنون. واسْتَسْمَنتُ اللحمَ أَي وَجَدْتُهُ سَميناً. واسْتَسْمَن الشيءَ: طَلَبَهُ سَمِينًا أَو وَجَدَهُ كَذَلِكَ. واسْتَسْمَنه: عَدَّه سَميناً، وَطَعَامٌ مَسْمَنة لِلْجِسْمِ. والسُّمنة: دَوَاءٌ يُتَّخَذُ للسِّمَن. وَفِي التَّهْذِيبِ: السُّمْنة دَوَاءٌ تُسَمَّن بِهِ المرأَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَيلٌ للمُسَمَّنات يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ فَترة فِي الْعِظَامِ
أَي اللَّاتِي يَسْتَعْمِلْنَ السُّمْنةَ، وَهُوَ دَوَاءٌ يَتَسَمَّنُ بِهِ النِّسَاءُ، وَقَدْ سُمِّنَتْ، فَهِيَ مُسَمَّنة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يتَسَمَّنون
أَي يتَكثَّرون بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ ويَدَّعون مَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرَفِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَمْعُهم المالَ ليُلْحَقُوا بذَوي الشَّرَف، وَقِيلَ: مَعْنَى يَتَسَمَّنُون يحِبون التَّوَسُّعَ فِي المَآكل والمَشارِب، وَهِيَ أَسباب السِّمَنِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.
وَوَضَعَ محمد بن إِسحق حَدِيثًا: ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُون
، فِي بَابِ كَثْرَةِ الأَكل وَمَا يُذَمُّ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمتي القَرْنُ الَّذِي أَنا فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم ثُمَّ يظهَر فِيهِمْ قومٌ يُحِبُّون السَّمَانةَ يَشْهَدُونَ قبل أَن يُسْتَشْهَدُوا
؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لرجلٍ سَمِينٍ ويُومِئُ بِإِصْبَعِهِ إِلى بَطْنِهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَكَ.
وأَرضٌ سَمِينة: جَيِّدة التُّرْب قَلِيلَةُ الْحِجَارَةِ قَوِيَّةٌ عَلَى ترشيح النَّبْتِ. والسَّمْنُ: سِلاءُ اللَّبَنِ. والسَّمْنُ: سِلاءُ الزُّبْد، والسَّمْنُ لِلْبَقَرِ، وَقَدْ يَكُونُ للمِعْزَى؛ قَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ وَذَكَرَ مِعْزًى لَهُ:
فتَمْلأُ بَيْتَنا أَقِطاً وسَمْناً، ... وحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ ورِيُ
وَالْجَمْعُ أَسْمُن وسُمُون وسُمْنان مِثْلَ عَبْدٍ وعُبْدانٍ وظَهْرٍ وظُهْرانٍ. وسَمَنَ الطعامَ يَسْمُنُه سَمْناً، فَهُوَ مَسْمُون: عَمَلَهُ بالسَّمْن ولَتَّهُ بِهِ؛ وَقَالَ:
عَظِيمُ القَفا رِخْوُ الخَواصِرِ، أَوْهَبَتْ ... لَهُ عَجْوَةٌ مَسْمُونَةٌ وخَمِيرُ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ إِنما هُوَ أُرْهِنَتْ لَهُ عَجْوَةٌ أَي أُعِدَّتْ وأُدِيمت كَقَوْلِهِ:
عِيديَّةٌ أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنَانِيرُ
. يريد أَنه منقول بالهمزة مِنْ رَهَنَ الشيءُ إِذا دَامَ؛ قَالَ الشَّاعِرَ:
الخُبْزُ واللَّحْمُ لَهُمْ راهِنٌ، ... وقَهْوَةٌ راوُوقُها ساكِبُ
وسَمَنَ الخبزَ وسَمَّنَه وأَسْمنَه: لَتَّه بالسَّمْنِ. وسَمَنْتُ لَهُ إِذا أَدَمْتَ لَهُ بالسَّمْن. وأَسْمَنَ الرَّجُلُ: اشْتَرَى سَمْناً. وَرَجُلٌ سامِنٌ: ذُو سَمْن، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ تامِرٌ ولابِنٌ أَي ذُو تَمْرٍ وَلَبَنٍ. وأَسْمَنَ القومُ: كثرَ عِنْدَهُمُ السَّمْنُ. وسَمَّنَهم تَسْمِيناً: زَوَّدَهم السَّمْنَ. وجاؤُوا يَسْتَسمِنُون أَي يَطْلُبُونَ السَّمْنَ أَن يُوهَبَ لَهُمْ.

(13/219)


والسَّمّانُ: بَائِعُ السَّمْن. الْجَوْهَرِيُّ: السَّمّان إِن جَعَلْتَهُ بَائِعَ السَّمْن انْصَرَفَ، وإِن جَعَلْتَهُ مِنَ السَّمِّ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَيُقَالُ: سَمَّنْته وأَسْمَنتُه إِذا أَطعمته السَّمْنَ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَمَّا نزَلْنا حاضِرَ المَدينة، ... بعدَ سِياقِ عُقْبةٍ مَتِينه،
صِرْنا إِلى جاريَةٍ مَكِينه، ... ذاتِ سُرورٍ عَيْنُها سَخِينه
فباكَرَتْنا جَفْنةٌ بَطِينه، ... لحْمَ جَزُورٍ عَثَّةٍ سَمِينه
أَي مَسْمونة مِنَ السَّمْن لَا مِنَ السِّمَنِ، وَقَوْلُهُ: جَارِيَةً، يُرِيدُ عَيْنًا تَجْرِي بِالْمَاءِ، مَكِينَةٌ: مُتَمَكِّنَةٌ فِي الأَرض، ذَاتَ سُرورٍ: يُسَرُّ بِهَا النَّازِلُ. والتَّسْمِينُ: التَّبْرِيدُ، طَائِفِيَّةٌ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: أَنه أُتِيَ بِسَمَكَةٍ مَشْوِيَّةٍ فَقَالَ لِلَّذِي حَمَلَهَا سَمِّنْها، فَلَمْ يَدْرِ مَا يُرِيدُ، فَقَالَ عَنْبَسَة بْنُ سَعِيدٍ: إِنه يَقُولُ لَكَ بَرِّدْها قليلًا.
والسُّمَانَى: طَائِرٌ، وَاحِدَتُهُ سُمَاناةٌ، وَقَدْ يَكُونُ السُّمَانَى وَاحِدًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ سُمّانَى، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نفْسِي تَمَقَّسُ مِنْ سُمانَى الأَقبُر
ابن الأَعرابي: الأَسْمالُ والأَسْمانُ الأُزُر الخُلْقانُ. والسَّمّانُ: أَصْباغ يُزَخْرَفُ بِهَا، اسْمٌ كالجَبّان. وسَمْنٌ وسَمْنان وسُمْنان وسُمَيْنة: مواضع. والسُّمَنِيَّة: قَوْمٌ مِنْ أَهل الْهِنْدِ دُهْرِيُّونَ. الْجَوْهَرِيُّ: السُّمَنِيَّة، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، فِرْقَةٌ مِنْ عَبَدَةِ الأَصنام تَقُولُ بالتَّناسُخ وَتُنْكِرُ وقوعَ الْعِلْمِ بالإِخبار. والسُّمْنة: عُشْبة ذَاتُ وَرَقٍ وقُضُب دَقِيقَةُ الْعِيدَانِ لَهَا نَوْرة بَيْضَاءَ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السُّمْنةُ مِنَ الجَنْبَة تَنْبُتُ بنُجُوم الصَّيْفِ وتَدُوم خُضْرتها.
سنن: السِّنُّ: وَاحِدَةُ الأَسنان. ابْنُ سِيدَهْ: السِّنُّ الضِّرْسُ، أُنْثَى. وَمِنَ الأَبَدِيّاتِ: لَا آتِيكَ سِنَّ الحِسْلِ أَي أَبداً، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَي مَا بَقِيَتْ سِنُّه، يَعْنِي وَلَدَ الضَّبِّ، وسِنُّه لَا تَسْقُطُ أَبداً؛ وَقَوْلُ أَبي جَرْوَلٍ الجُشَمِيّ، وَاسْمُهُ هِنْدٌ، رَثَى رَجُلًا قُتِلَ مِنْ أَهل الْعَالِيَةِ فَحَكَمَ أَولياؤُه فِي دِيَتِهِ فأَخذوها كُلَّهَا إِبلًا ثُنْياناً، فَقَالَ فِي وَصْفِ إِبل أُخذت فِي الدِّيَةِ:
فجاءتْ كسِنِّ الظَّبْيِ، لَمْ أَرَ مِثْلَها ... سَنَاءَ قَتِيلٍ أَو حَلُوبَةَ جائِعِ
مُضاعَفَةً شُمَّ الحَوَارِكِ والذُّرَى، ... عِظامَ مَقِيلِ الرأْسِ جُرْدَ المَذارِعِ
كسِنِّ الظَّبْيِ أَي هِيَ ثُنْيانٌ لأَن الثَّنِيَّ هُوَ الَّذِي يُلقي ثَنِيَّتَه، والظَّبْيُ لَا تَنْبُتُ لَهُ ثَنِيَّة قَطُّ فَهُوَ ثَنِيٌّ أَبداً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْمُفَضَّلِ: لَا آتِيكَ سِنِي حِسْلٍ. قَالَ: وَزَعَمُوا أَن الضب يعيش ثلثمائة سَنَةٍ، وَهُوَ أَطول دَابَّةٍ فِي الأَرض عُمْرًا، وَالْجُمْعُ أَسْنانٌ وأَسِنَّةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، مِثْلُ قِنٍّ وأَقْنانٍ وأَقِنَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا سَافَرْتُمْ فِي خِصْبٍ فأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها، وإِذا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فاسْتَنْجُوا.
وَحَكَى الأَزهري فِي التَّهْذِيبِ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ أَنه قَالَ: لَا أَعرف الأَسِنَّة إِلَّا جَمْع سِنان لِلرُّمْحِ، فإِن كَانَ الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا فكأَنها جَمْعُ الأَسْنان، يُقَالُ لِمَا تأْكله الإِبل وَتَرْعَاهُ مِنَ العُشْب سِنٌّ، وَجَمْعُ أَسْنان أَسِنَّة، يُقَالُ سِنّ وأَسْنان مِنَ المَرْعَى، ثُمَّ أَسِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الأَسِنَّة جَمْعُ السِّنان لَا جَمْعُ الأَسنان، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ الحَمْضُ يَسُنُّ الإِبلَ عَلَى الخُلَّةِ أَي يقوِّيها كَمَا يقوِّي السِّنُّ حدَّ السِّكِّينِ، فالحَمْضُ سِنانٌ لَهَا عَلَى رَعْيِ الخُلَّة، وَذَلِكَ أَنها تَصْدُق الأَكلَ

(13/220)


بَعْدَ الحَمْضِ، وَكَذَلِكَ الرِّكابُ إِذا سُنَّت فِي المَرْتَع عِنْدَ إِراحة السَّفْرِ ونُزُولهم، وَذَلِكَ إِذا أَصابت سِنّاً مِنَ الرِّعْيِ يَكُونُ ذَلِكَ سِناناً عَلَى السَّيْرِ، ويُجْمَع السِّنَانُ أَسِنَّةً، قَالَ: وَهُوَ وَجْهُ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَمَعْنَى يَسُنُّها أَي يقوِّيها عَلَى الخُلَّة. والسِّنانُ: الِاسْمُ مِنْ يَسُنُّ وَهُوَ القُوَّة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَبو سَعِيدٍ مَذْهَبًا حَسَنًا فِيمَا فَسَّرَ، قَالَ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ عِنْدِي صَحِيحٌ بيِّن «3» .، وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ: السِّنُّ الأَكل الشَّدِيدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَصابت الإِبلُ اليومَ سِنّاً مِنَ الرَّعْي إِذا مَشَقَتْ مِنْهُ مَشْقاً صَالِحًا، وَيُجْمَعُ السِّنّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسْناناً، ثُمَّ يُجْمَعُ الأَسْنانُ أَسِنَّةً كَمَا يُقَالُ كِنٌّ وأَكنانٌ، ثُمَّ أَكِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ، فَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذا سِرْتم فِي الخِصْب فأَمْكِنوا الرِّكابَ أَسْنانَها
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَسِنَّة إِنها جَمْعُ الأَسْنان، والأَسْنان جَمْعُ السِّنِّ، وَهُوَ الأَكل والرَّعْي، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أُسُنّاً، وَهُوَ نَادِرٌ أَيضاً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ أَعطوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها أَعطوها مَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ النَّحْرِ لأَن صَاحِبَهَا إِذا أَحسن رَعْيَها سَمِنت وحَسُنت فِي عَيْنِهِ فَيَبْخَلُ بِهَا مِنْ أَن تُنْحَر، فَشَّبَهَ ذَلِكَ بالأَسِنَّة فِي وُقُوعِ الِامْتِنَاعِ بِهَا، هَذَا عَلَى أَن الْمُرَادَ بالأَسنَّة جَمْعُ سِنَانٍ، وإِن أُريد بِهَا جَمْعُ سِنٍّ فَالْمَعْنَى أَمْكنوها مِنَ الرَّعي؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَعْطُوا السِّنَّ حظَّها مِنَ السّنِ
أَي أَعطوا ذَوَاتَ السِّنِّ حَظَّهَا مِنَ السِّنِّ وَهُوَ الرِّعْيُ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: فأَمْكِنُوا الرِّكابَ أَسْناناً
أَي تَرْعَى أَسْناناً. وَيُقَالُ: هَذِهِ سِنٌّ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتَصْغِيرُهَا سُنَيْنة، وَتُجْمَعُ أُسُنّاً وأَسْناناً. وَقَالَ القَنَاني: يقال له بُنَيٌّ سَنِينَةُ ابْنِك. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ أَشبه شَيْءٍ بِهِ سُنَّة وأُمَّةً، فالسُّنَّة الصُّورة وَالْوَجْهُ، والأُمَّةُ الْقَامَةُ. وَالْحَدِيدَةُ الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الأَرض يُقَالُ لَهَا: السِّنَّة والسِّكَّة، وَجَمْعُهَا السِّنَنُ والسِّكَكُ. وَيُقَالُ للفُؤُوس أَيضاً: السِّنَنُ. وسِنُّ الْقَلَمِ: مَوْضِعُ البَرْيِ مِنْهُ. يُقَالُ: أَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ وسَمِّنْها وحَرِّفْ قَطَّتَك وأَيْمِنْها. وسَنَنْتُ الرَّجُلَ سَنّاً: عَضَضْتُه بأَسناني، كَمَا تَقُولُ ضَرَسْتُه. وسَنَنْتُ الرجلَ أَسُنُّه سَنّاً: كَسَرْتُ أَسنانه. وسِنُّ المِنْجَل: شُعْبَة تَحْزِيزِهِ. والسِّنُّ مِنَ الثُّوم: حَبَّةٌ مِنْ رأْسه، عَلَى التَّشْبِيهِ. يُقَالُ: سِنَّةٌ مِنْ ثُوم أَي حبَّة مِنْ رأْس الثُّومِ، وسِنَّة مِنْ ثومٍ فِصَّةٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بالسِّنّ عَنِ العُمُر، قَالَ: والسِّنُّ مِنَ الْعُمُرِ أُنْثى، تَكُونُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ الأَعور الشَّنِّيُّ يَصِفُ بَعِيرًا:
قَرَّبْتُ مثلَ العَلَم المُبَنَّى، ... لَا فانِيَ السِّنِّ وَقَدْ أَسَنّا
أَراد: وَقَدْ أَسنَّ بعضَ الإِسنان غَيْرَ أَن سِنَّه لَمْ تَفْنَ بعدُ، وَذَلِكَ أَشدّ مَا يَكُونُ الْبَعِيرُ، أَعني إِذا اجْتَمَعَ وَتَمَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ:
مَا تُنْكِرُ الحَرْبُ العَوانُ مِنِّي؟ ... بازِلُ عامَيْنِ حَديثُ سِنِّي «4»
. إِنما عَنى شدَّته واحْتناكه، وإِنما قَالَ سِنّي لأَنه أَراد أَنه مُحْتَنِك، وَلَمْ يَذْهَبْ فِي السِّنّ، وَجَمْعُهَا أَسْنان لَا غَيْرَ؛ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير قَالَ: فِي حَدِيثِ
علي،
__________
(3) . قوله [صحيح بين] الذي بنسخة التهذيب التي بأيدينا: أَصح وأَبين
(4) . قوله [بازل عامين إِلخ] كذا برفع بازل في جميع الأُصول كالتهذيب والتكملة والنهاية وبإضافة حديث سني إِلا في نسخة من النهاية ضبط حديث بالتنوين مع الرفع وفي أُخرى كالجماعة

(13/221)


عَلَيْهِ السَّلَامُ:
بَازِلُ عَامَيْنِ حديثُ سِنِّي.
قَالَ: أَي إِني شَابٌّ حَدَثٌ فِي العُمر كَبِيرٌ قَوِيٌّ فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: وجاوزتُ أَسْنانَ أَهل بَيْتِي
أَي أَعمارهم. يُقَالُ: فُلَانٌ سِنُّ فُلَانٍ إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي السِّنِّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَنَ: لأُوطِئَنَّ أَسْنانَ الْعَرَبِ كَعْبَه
؛ يُرِيدُ ذَوِي أَسنانهم وَهُمُ الأَكابر والأَشراف. وأَسَنَّ الرجلُ: كَبِرَ، وَفِي الْمُحْكَمِ: كَبِرَتْ سِنُّه يُسِنُّ إِسْناناً، فَهُوَ مُسِنٌّ. وَهَذَا أَسَنُّ مِنْ هَذَا أَي أَكبر سِنّاً مِنْهُ، عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ أَبي جَهْمَة اللَّيْثِيُّ وأَدركته أَسَنَّ أَهل الْبَلَدِ. وَبَعِيرٌ مُسِنّ، وَالْجُمَعُ مَسانُّ ثَقِيلَةٌ. وَيُقَالُ: أَسَنَّ إِذا نَبَتَتْ سِنُّه الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُسِنًّا مِنَ الدَّوَابِّ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلى الْيَمَنِ فأَمرني أَن آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعاً، وَمِنْ كُلِّ أَربعين مُسِنَّةً
، والبقرَةُ والشاةُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ المُسِنّ إِذا أَثْنَتا، فإِذا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهما بَعْدَ طُلُوعِهَا فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَلَيْسَ مَعْنَى إِسْنانها كِبَرَها كَالرَّجُلِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ طُلوع ثَنِيَّتها، وتُثْني البقرةُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَذَلِكَ المِعْزَى تُثْني فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ تَكُونُ رَباعِيَة فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ سِدْساً فِي الْخَامِسَةِ ثُمَّ سَالِغاً فِي السَّادِسَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَرَوَى
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا الَّتِي لَمْ تُسْنَنْ
، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وَفَسَّرَهُ الَّتِي لَمْ تَنْبُتْ أَسنانها كأَنها لَمْ تُعْطَ أَسْناناً، كَقَوْلِكَ: لَمْ يُلْبَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَناً، وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ سَمْناً، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: سُنَّتِ البَدَنة إِذا نَبَتَتْ أَسنانها، وسَنَّها اللَّهُ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
بحِقَّتِها رُبِطَتْ في اللَّجِينِ، ... حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
. أَي نَبت وَصَارَ سِنّاً؛ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ، قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ لأَنه رَوَى الْحَدِيثَ
لَمْ تُسْنَنْ
، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وإِنما حَفِظَهُ عَنْ مُحَدِّث لَمْ يَضْبِطْه، وأَهل الثَّبْتِ والضَّبْطِ رَوَوْهُ
لَمْ تُسْنِنْ
، بِكَسْرِ النُّونِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى لَمْ تُسِنَّ، فأَظهر التَّضْعِيفَ لِسُكُونِ النُّونِ الأَخيرة، كَمَا يُقَالُ لَمْ يُجْلِلْ، وإِنما أَراد ابْنُ عُمَرَ أَنه لَا يُضَحَّى بأُضحية لَمْ تُثْنِ أَي لَمْ تَصِرْ ثَنِيَّة، وإِذا أَثْنَتْ فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ. وأَدنى الأَسْنان: الإِثْناءُ، وَهُوَ أَن تَنْبُتَ ثَنِيَّتاها، وأَقصاها فِي الإِبل: البُزُول، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السُّلُوغ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ
عَنْ جَبَلة بْنِ سُحَيْم قَالَ: سأَل رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَأُضَحِّي بالجَدَعِ؟ فَقَالَ: ضَحّ بالثَّنِيِّ فَصَاعِدًا
، فَهَذَا يُفَسِّرُ لَكَ أَن مَعْنَى قَوْلِهِ يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا التي لم تُسْنِنْ، أَراد بِهِ الإِثْناءَ. قَالَ: وأَما خَطَأُ القُتَيْبيّ مِنَ الْجِهَةِ الأُخرى فَقَوْلُهُ سُنِّنَتِ الْبَدَنَةُ إِذا نَبَتَتْ أَسْنانُها وسَنَّها اللَّهُ غيرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَقُولُهُ ذُو الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُلْبَنْ وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَناً وسَمْناً خطأٌ أَيضاً، إِنما مَعْنَاهُمَا لَمْ يُطْعَمْ سَمْنًا وَلَمْ يُسْقَ لَبَنًا. والمَسَانُّ مِنَ الإِبل: خلافُ الأَفْتاءِ. وأَسَنَّ سَدِيسُ النَّاقَةِ أَي نَبَتَ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَعشى:
بِحِقَّتِها رُبِطَت في اللَّجِينِ، ... حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
يَقُولُ: قيمَ عَلَيْهَا مُنْذُ كانتِ حِقَّةً إِلى أَن أَسْدَسَتْ فِي إِطعامها وإِكرامها؛ وَقَالَ القُلاخُ:

(13/222)


بِحِقِّه رُبِّطَ فِي خَبْطِ اللُّجُنْ ... يُقْفَى بِهِ، حَتَّى السَّدِيسُ قَدْ أَسَنّ
وأَسَنَّها اللهُ أَي أَنْبَتها. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنه خَطَبَ فَذَكَرَ الرِّبَا فَقَالَ: إِن فِيهِ أَبواباً لَا تَخْفى عَلَى أَحدٍ مِنْهَا السَّلَمُ فِي السِّنِ
، يَعْنِي الرقيقَ والدوابَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ، أَراد ذَوَاتَ السِّنّ. وسِنُّ الْجَارِحَةِ، مؤَنثة ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ للعُمُر اسْتِدْلَالًا بِهَا عَلَى طُولِهِ وَقِصَرِهِ، وَبَقِيَتْ عَلَى التأْنيث. وسِنُّ الرَّجُلِ وسَنينُه وسَنينَتُه: لِدَتُه، يُقَالُ: هُوَ سِنُّه وتِنُّه وحِتْنُه إِذا كَانَ قِرْنَه فِي السِّنّ. وسَنَّ الشيءَ يَسُنُّه سَنّاً، فهو مَسْنون وسَنين وسَنَّته: أَحَدَّه وصَقَله. ابْنُ الأَعرابي: السَّنّ مَصْدَرُ سَنَّ الحديدَ سَنّاً. وسَنَّ لِلْقَوْمِ سُنَّةً وسَنَناً. وسَنَّ عَلَيْهِ الدِّرْعَ يَسُنُّها سَنّاً إِذا صَبَّها. وسَنَّ الإِبلَ يسُنُّها سَنّاً إِذا أَحْسَن رِعْيَتها حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا. والسَّنَنُ: اسْتِنان الإِبل وَالْخَيْلِ. وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَننِ الْخَيْلِ. وسَنَّنَ المَنْطِقَ: حَسَّنه فكأَنه صقَله وَزَيَّنَهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:
دَعْ ذَا، وبَهّجْ حَسَباً مُبَهَّجا ... فَخْماً، وسَنِّنْ مَنْطِقاً مُزَوَّجاً
والمِسَنُّ والسِّنانُ: الحجَر الَّذِي يُسَنُّ بِهِ أَو يُسنُّ عَلَيْهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: حجَر يُحدَّد بِهِ؛ قَالَ إِمرؤُ الْقَيْسِ:
يُباري شَباةَ الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ، ... كَصَفْحِ السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ لِلرَّاعِي:
وبيضٍ كسَتْهنَّ الأَسِنَّةُ هَفْوَةً، ... يُداوى بِهَا الصادُ الَّذِي فِي النّواظِرِ
. وأَراد بالصادِ الصَّيَدَ، وأَصله فِي الإِبل داء يُصيبها في رؤوسها وأَعينها؛ وَمِثْلُهُ لِلَبِيدٍ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ، يُباري ظِلَّهُ ... بأَسِيلٍ، كالسِّنانِ المُنْتَحَلْ
والزُّجُّ: جَمْعُ أَزَجَّ، وأَراد النعامَ، والأَزَجُّ: الْبَعِيدُ الخَطو، يُقَالُ: ظَلِيمٌ أَزجُّ وَنَعَامَةٌ زَجَّاء. والسِّنانُ: سِنانُ الرُّمْحِ، وَجَمْعُهُ أَسِنَّة. ابْنُ سِيدَهْ: سِنانُ الرُّمْحِ حَدِيدَتُهُ لصَقالتها ومَلاستها. وسَنَّنَه: رَكَّبَ فيه السِّنان. وأَسَنْت الرمحَ: جَعَلْتَ لَهُ سِناناً، وَهُوَ رُمح مُسَنٌّ. وسَنَنْتُ السِّنانَ أَسُنُّه سَنّاً، فَهُوَ مَسنون إِذا أَحدَدْته عَلَى المِسنِّ، بِغَيْرِ أَلف. وسَنَنتُ فُلَانًا بِالرُّمْحِ إِذا طَعَنْتُهُ بِهِ. وسَنَّه يَسُنُّه سَنّاً: طَعَنَهُ بالسِّنان. وسَنَّنَ إِليه الرُّمْحَ تسْنيناً: وَجَّهه إِليه. وسَننْت السِّكِّينَ: أَحددته. وسَنَّ أَضراسَه سَنّاً: سَوَّكها كأَنه صَقَلها. واسْتَنَّ: اسْتَاكَ. والسَّنُونُ: مَا استَكْتَ بِهِ. والسَّنين: مَا يَسقُط مِنَ الْحَجَرِ إِذا حَكَكْتَهُ. والسَّنُونُ: مَا تَسْتنُّ بِهِ مِنْ دَوَاءٍ مؤَلف لِتَقْوِيَةِ الأَسنان وتَطريتها. وَفِي حَدِيثِ السِّوَاكِ:
أَنه كَانَ يَستنُّ بعودٍ مِنْ أَراك
؛ الاستِنان: استعمالُ السِّوَاكِ، وَهُوَ افتِعال مِنَ الإِسْنان، أَي يُمِرُّه عَلَيْهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجُمُعَةِ:
وأَن يَدَّهِن ويَسْتنَّ.
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأَخذتُ الجَريدة فسَننْتُه بِهَا
أَي سَوَّكته بِهَا. ابْنُ السِّكِّيتِ: سَنَّ الرجلُ إِبله إِذا أَحسن رِعْيتها والقيامَ عَلَيْهَا حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
نُبِّئْتُ حِصْناً وحَيّاً مِنْ بَنِي أَسَدٍ ... قَامُوا فَقَالُوا: حِمانا غيرُ مقْروبِ
ضَلَّتْ حُلومُهُمُ عَنْهُمْ، وغَرَّهُمُ ... سَنُّ المُعَيديِّ فِي رَعْيٍ وتَعْزيبِ «5» .
__________
(5) . قوله [وتعزيب] التعزيب بالعين المهملة والزاي المعجمة أَن يبيت الرجل بماشيته كما في الصحاح وغيره في المرعى لا يريحها إِلى أَهلها

(13/223)


يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ مَعَدٍّ لَا يغُرَّنكم عزُّكم وأَنَّ أَصغر رَجُلٍ مِنْكُمْ يَرْعَى إِبله كَيْفَ شَاءَ، فإِن الحرث بْنَ حِصْن الغَسّاني قَدْ عَتب عَلَيْكُمْ وَعَلَى حِصْن بْنِ حُذيفة فَلَا تأْمنوا سَطوَته. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: سَنُّوا المالَ إِذا أَرسلوه فِي الرِّعْي. ابْنُ سِيدَهْ: سَنَّ الإِبلَ يَسُنُّها سَنّاً إِذا رَعَاهَا فأَسْمنها. والسُّنّة: الْوَجْهُ لصَقالتِه ومَلاسته، وَقِيلَ: هُوَ حُرُّ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: دَائِرَتُهُ. وَقِيلَ: الصُّورة، وَقِيلَ: الْجَبْهَةُ وَالْجَبِينَانِ، وَكُلُّهُ مِنَ الصَّقالة والأَسالة. وَوَجْهٌ مَسْنون: مَخروطٌ أَسيلٌ كأَنه قَدْ سُنَّ عَنْهُ اللَّحْمَ، وَفِي الصِّحَاحِ: رَجُلٌ مَسْنون: الْوَجْهِ إِذَا كَانَ فِي أَنفه وَوَجْهِهِ طولٌ والمَسْنون الْمَصْقُولُ، مِنْ سَننْتُه بالمِسَنِّ سَنّاً إِذا أَمررته عَلَى المِسنِّ. وَرَجُلٌ مُسْنُونُ الْوَجْهِ: حَسَنُه سهْله؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وسُنَّة الْوَجْهِ: دَوَائِرُهُ. وسُنَّةُ الْوَجْهِ: صُورته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُريك سُنَّةَ وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ ... مَلساءَ، لَيْسَ بِهَا خالٌ وَلَا نَدَبُ
وَمِثْلُهُ للأَعشى:
كَريماً شَمائِلُه مِنْ بَنِي ... مُعاويةَ الأَكْرَمِينَ السُّنَنْ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
بَيْضاءُ فِي المِرْآةِ، سُنَّتُها ... فِي الْبَيْتِ تحتَ مَواضعِ اللّمْسِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ قَبِيحُ السُّنَّة
؛ السُّنَّةُ: الصُّورَةُ وَمَا أَقبل عَلَيْكَ مِنَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: سُنّة الْخَدِّ صَفْحَتُهُ. والمَسْنونُ: المُصوَّر. وَقَدْ سَنَنْتُه أَسُنُّه سَنّاً إِذا صَوَّرْتُهُ. والمَسْنون: المُمَلَّس. وَحُكِيَ أَن يَزيد بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لأَبيه: أَلا تَرَى إِلى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ يُشَبّبُ بِابْنَتِكَ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ:
هِيَ زَهْراءُ، مثلُ لُؤلؤةِ الغَوَّاص، ... مِيزَتْ مِنْ جوهرٍ مكنونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ؛ فَقَالَ يَزِيدُ: إِنه يَقُولُ:
وإِذا مَا نَسَبْتَها لَمْ تَجِدْها ... فِي سَناءٍ، مِنَ المَكارم، دُونِ
قَالَ: وَصَدَقَ؛ قَالَ: فأَين قَوْلُهُ:
ثُمَّ خاصَرْتُها إِلى القُبَّةِ الخَضْراءِ، ... تَمْشي فِي مَرْمَرٍ مَسنونِ
قَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُرْوَى هَذِهِ الأَبيات لأَبي دَهْبَلٍ، وَهِيَ فِي شِعْرِهِ يَقُولُهَا فِي رَمْلة بِنْتِ مُعَاوِيَةَ؛ وأَول الْقَصِيدِ:
طالَ لَيْلي، وبِتُّ كالمَحْزونِ، ... ومَلِلْتُ الثَّواءَ بالماطِرُونِ
منها:
عَنْ يَساري، إِذا دخَلتُ من الباب، ... وإِن كنتُ خَارِجًا عَنْ يَميني
فلذاكَ اغْترَبْتُ فِي الشَّأْم، حَتَّى ... ظَنَّ أَهلي مُرَجَّماتِ الظُّنونِ
منها:
تَجْعَلُ المِسْكَ واليَلَنْجُوج والنَّدَّ ... صِلَاءً لَهَا عَلَى الكانُونِ
منها:
قُبَّةٌ منْ مَراجِلٍ ضَرَّبَتْها، ... عندَ حدِّ الشِّتاءِ فِي قَيْطُونِ
القَيْطُون: المُخْدَع، وَهُوَ بَيْتٌ فِي بَيْتٍ.
ثُمَّ فارَقْتُها عَلَى خَيْرِ مَا كانَ ... قَرينٌ مُفارِقاً لقَرِينِ

(13/224)


فبَكَتْ، خَشْيَةَ التَّفَرُّق للبَينِ، ... بُكاءَ الحَزينِ إِثرَ الحَزِينِ
فاسْأَلي عن تَذَكُّري واطِّبائيَ، ... لَا تَأْبَيْ إِنْ هُمُ عَذَلُوني
اطِّبائي: دُعائي، وَيُرْوَى: واكْتِئابي. وسُنَّةُ اللَّهِ: أَحكامه وأَمره وَنَهْيُهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللحياني. وسَنَّها اللَّهُ لِلنَّاسِ: بَيَّنها. وسَنَّ اللَّهُ سُنَّة أَي بَيَّن طَرِيقًا قَوِيمًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ؛*
نَصَبَ سُنَّةَ اللَّهِ عَلَى إِرادة الْفِعْلِ أَي سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الَّذِينَ نَافَقُوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بِهِمْ أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا. والسُّنَّة: السِّيرَةُ، حَسَنَةً كَانَتْ أَو قَبِيحَةً؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ عُتْبة الْهُذَلِيُّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَها، ... فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُها
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: سُنَّةُ الأَوَّلين أَنهم عَايَنُوا الْعَذَابَ فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ أَن قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ. وسَنَنْتُها سَنّاً واسْتَنَنْتُها: سِرْتُها، وسَنَنْتُ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فَلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سيّئَةً
يُرِيدُ مَنْ عَمِلَهَا ليُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَكُلُّ مَنِ ابتدأَ أَمراً عَمِلَ بِهِ قَوْمٌ بَعْدَهُ قِيلَ: هُوَ الَّذِي سَنَّه؛ قَالَ نُصَيْبٌ:
كأَني سَنَنتُ الحُبَّ، أَوَّلَ عاشِقٍ ... مِنَ الناسِ، إِذ أَحْبَبْتُ مِنْ بَيْنِهم وَحْدِي «1»
. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السُّنَّة وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا، والأَصل فِيهِ الطَّرِيقَةُ والسِّيرَة، وإِذا أُطْلِقَت فِي الشَّرْعِ فإِنما يُرَادُ بِهَا مَا أَمَرَ بِهِ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَهى عَنْهُ ونَدَب إِليه قَوْلًا وَفِعْلًا مِمَّا لَمْ يَنْطق بِهِ الكتابُ الْعَزِيزُ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي أَدلة الشَّرْعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ أَي الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنما أُنَسَّى لِأَسُنَ
أَي إِنما أُدْفَعُ إِلى النِّسْيانُ لأَسُوقَ الناسَ بِالْهِدَايَةِ إِلى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وأُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ أَن يَفْعَلُوا إِذا عَرَضَ لَهُمُ النسيانُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ سَنَنْتُ الإِبلَ إِذا أَحْسنت رِعْيتَها وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَزَلَ المُحَصَّبَ وَلَمْ يَسُنَّهُ
أَي لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّة يُعْمَلُ بِهَا، قَالَ: وَقَدْ يَفْعل الشَّيْءَ لِسَبَبٍ خَاصٍّ فَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَفْعل لِمَعْنًى فَيَزُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَبْقَى الْفِعْلُ عَلَى حَالِهِ مُتَّبَعاً كقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لِلْخَوْفِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْقَصْرُ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ: رَمَلَ رسولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بسُنَّة
أَي أَنه لَمْ يَسُنَّ فِعْلَه لِكَافَّةِ الأُمّة وَلَكِنْ لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَن يُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ أَصحابه، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ يَرَى أَن الرَّمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ سنَّة. وَفِي حَدِيثِ
مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامة: اسْنُنِ اليومَ وغَيِّرْ غَدًا
أَي اعْمَلْ بسُنَّتك الَّتِي سَنَنْتها فِي القِصاصِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا شِئْتَ أَن تُغَيِّرَ فَغَيِّرْ أَي تُغَيِّرَ مَا سَننْتَ، وَقِيلَ: تُغَيِّر مِنْ أَخذ الغِيَر وَهِيَ الدِّيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن أَكبر الْكَبَائِرِ أَن تُقاتل أَهل صَفْقَتِك وتُبَدِّلَ سُنَّتَك
؛ أَراد بِتَبْدِيلِ السُّنة أَن يَرْجِعَ أَعرابيّاً بَعْدَ هِجْرَتِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمَجُوسِ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهل الْكِتَابِ
أَي خُذُوهُمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وأَجْرُوهم فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مُجْراهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُنْقَضُ عَهْدُهم
__________
(1) . قوله [إِذ أَحببت إِلخ] كذا في الأَصل، وفي بعض الأَمهات: أَو بدل إِذ

(13/225)


عَنْ سُنَّةِ ماحِلٍ
أَي لَا يُنْقَضُ بسَعْيِ سَاعٍ بِالنَّمِيمَةِ والإِفساد، كَمَا يُقَالُ لَا أُفْسِدُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ بِمَذَاهِبِ الأَشرار وطُرُقهم فِي الْفَسَادِ. والسُّنَّة: الطَّرِيقَةُ، والسَّنن أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَلا رجلٌ يَرُدُّ عَنَّا مِنْ سَنَنِ هَؤُلَاءِ.
التَّهْذِيبُ: السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ الْمَحْمُودَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ أَهل السُّنَّة؛ مَعْنَاهُ مِنْ أَهل الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَهِيَ مأْخوذة مِنَ السَّنَنِ وَهُوَ الطَّرِيقُ. وَيُقَالُ للخَطّ الأَسود عَلَى مَتْنِ الْحِمَارِ: سُنَّة. والسُّنَّة: الطَّبِيعَةُ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأَعشى:
كَرِيمٌ شَمَائِلُه مِنْ بَنِي ... مُعاويةَ الأَكْرَمينَ السُّنَنْ
. وامْضِ عَلَى سَنَنِك أَي وَجْهك وقَصْدك. وَلِلطَّرِيقِ سَنَنٌ أَيضاً، وسَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَنُه وسِنَنُه وسُنُنُه: نَهْجُه. يُقَالُ: خَدَعَك سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَّتُه. والسُّنَّة أَيضاً: سُنَّة الْوَجْهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَرَك فلانٌ لَكَ سَنَنَ الطَّرِيقِ وسُنَنَه وسِنَنَه أَي جِهَتَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف سِنَناً عَنْ غَيْرِ اللِّحْيَانِيِّ. شَمِرٌ: السُّنَّة فِي الأَصل سُنَّة الطَّرِيقِ، وَهُوَ طَرِيقٌ سَنَّه أَوائل النَّاسِ فصارَ مَسْلَكاً لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وسَنَّ فلانٌ طَرِيقًا مِنَ الْخَيْرِ يَسُنُّه إِذا ابتدأَ أَمراً مِنَ البِرِّ لَمْ يَعْرِفْهُ قومُه فاسْتَسَنُّوا بِهِ وسَلَكُوه، وَهُوَ سَنِين. وَيُقَالُ: سَنَّ الطريقَ سَنّاً وسَنَناً، فالسَّنُّ الْمَصْدَرُ، والسَّنَنُ الِاسْمُ بِمَعْنَى المَسْنون. وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ وسُنَنه وسِنَنِه، ثَلَاثُ لُغَاتٍ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنُنُه مَحَجَّتُه. وتَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الْجَبَلِ أَي عَنْ وَجْهِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: السَّنَنُ الطَّرِيقَةُ. يُقَالُ: اسْتَقَامَ فُلَانٌ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: امْضِ عَلَى سَنَنِك وسُنَنِك أَي على وجهك. والمُسَنْسَنُ [المُسَنْسِنُ] : الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَرِيقٌ يُسْلَكُ. وتَسَنَّنَ الرجلُ فِي عَدْوِه واسْتَنَّ: مَضَى عَلَى وَجْهِهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
ظَلِلْنا بمُسْتَنِّ الحَرُورِ، كأَننا ... لَدى فَرَسٍ مُسْتَقْبِلِ الريحِ صائِم
عَنَى بمُسْتَنِّها موضعَ جَرْي السَّرابِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ اشْتِدَادِ حَرِّهَا كأَنها تَسْتَنُّ فِيهِ عَدْواً، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ «1» . مَخْرَجَ الرِّيحِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي أَحسن إِلَّا أَن الأَول قَوْلُ المتقدِّمين، وَالِاسْمُ مِنْهُ السَّنَنُ. أَبو زَيْدٍ: اسْتَنَّت الدابةُ عَلَى وَجْهِ الأَرض. واسْتَنَّ دَمُ الطَّعْنَةِ إِذا جَاءَتْ دُفْعةٌ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
مُسْتَنَّة سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشَّة، ... تَنْفي الترابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ
وَطَعَنه طَعْنةً فَجَاءَ مِنْهَا سَنَنٌ يَدْفَعُ كلَّ شيءٍ إِذا خَرَجَ الدمُ بحَمْوَتِه؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
وَقَدْ نَطْعُنُ الفَرْجَ، يومَ اللِّقاءِ، ... بالرُّمْحِ نحْبِسُ أُولى السَّنَنْ
قَالَ شَمِرٌ: يريدُ أُولى القومِ الَّذِينَ يُسرعون إِلى الْقِتَالِ، والسَّنَنُ الْقَصْدُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: سَنَنُ الرَّجُلِ قَصْدُهُ وهِمَّتُه. واسْتَنَّ السَّرابُ: اضطرب. وسَنَّ الإِبلَ سَنّاً: سَاقَهَا سَوْقاً سَرِيعًا، وَقِيلَ: السَّنُّ السَّيْرُ الشَّدِيدُ. والسَّنَنُ: الَّذِي يُلِحُّ فِي عَدْوِه وإِقْباله وإِدْباره. وَجَاءَ سَنَنٌ مِنَ الْخَيْلِ أَي شَوْطٌ. وَجَاءَتِ الرياحُ سَنائِنَ إِذا جَاءَتْ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَطَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَخْتَلِفُ. وَيُقَالُ: جَاءَ مِنَ الْخَيْلِ والإِبل سَنَنٌ مَا يُرَدُّ وجْهُه. وَيُقَالُ: اسْنُنْ قُرونَ فرسك
__________
(1) . قوله [وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلخ] نص عبارة المحكم: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنِي مجرى الريح

(13/226)


أَي بُدَّهُ حَتَّى يَسِيلَ عَرَقُه فيَضْمُرَ، وَقَدْ سُنَّ لَهُ قَرْنٌ وقُرون وَهِيَ الدُّفَعُ مِنَ العَرَق؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمى:
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْمٍ ... تُسَنُّ، عَلَى سَنابِكِها، القُرونُ
. والسَّنينة: الرِّيحُ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ «1» . الخُنَعِيُّ فِي السَّنَائن الرِّياحِ: وَاحِدَتُهَا سَنِينةٌ، والرِّجَاعُ جَمْعُ الرَّجْعِ، وَهُوَ ماءُ السَّمَاءِ فِي الغَدير. وَفِي النَّوَادِرِ: رِيحٌ نَسْناسة وسَنْسانَةٌ بَارِدَةٌ، وَقَدْ نَسْنَسَتْ وسَنْسَنَتْ إِذا هَبَّتْ هُبُوباً بَارِدًا. وَيَقُولُ: نَسْناسٌ مِنْ دُخان وسَنْسانٌ، يُرِيدُ دُخَانَ نَارٍ. وبَنى الْقَوْمُ بُيُوتَهُمْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ. وسَنَّ الطينَ: طَيَّنَ بِهِ فَخَّاراً أَو اتَّخَذَهُ مِنْهُ. والمَسْنون: المُصَوَّرُ. والمَسْنون: المُنْتِن. وَقَوْلُهُ تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: أَي مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُنَّ الماءُ فَهُوَ مَسْنُون أَي تَغَيَّرَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَسْنون مَصْبوب عَلَى سُنَّةِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ الأَخفش: وإِنما يَتَغَيَّرُ إِذا أَقام بِغَيْرِ مَاءٍ جَارٍ، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَن مَسْنُونَ اسْمُ مَفْعُولٍ جارٍ عَلَى سُنَّ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْنُونٌ طَوَّلَهُ، جعله طويلًا مستوياً. يُقَالُ: رَجُلٌ مَسنون الْوَجْهِ أَي حَسَنُ الْوَجْهِ طَوِيلُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّطْبُ، وَيُقَالُ المُنْتِنُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَسنونُ المَصبوب. وَيُقَالُ: الْمَسْنُونُ المَصْبوب عَلَى صُورَةٍ، وَقَالَ: الْوَجْهُ المَسنون سمِّي مَسنوناً لأَنه كَالْمَخْرُوطِ. الْفَرَّاءُ: سُمِّيَ المِسَنُّ مِسَنّاً لأَن الْحَدِيدَ يُسَنُّ عَلَيْهِ أَي يُحَكُّ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ عِنْدَ الْحَكِّ: سَنِينٌ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ السَّائِلُ إِلا مُنْتِناً، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ يُقَالُ الْمَحْكُوكُ، وَيُقَالُ: هُوَ الْمُتَغَيِّرُ كأَنه أُخذ مِنْ سَنَنْتُ الْحَجَرَ عَلَى الحجَر، وَالَّذِي يَخْرُجُ بَيْنَهُمَا يُقَالُ لَهُ السَّنِينُ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ: وَكَانَ زَوْجُهَا سُنَّ فِي بِئْرٍ
أَي تَغَيَّرَ وأَنْتنَ، مِنْ قَوْلِهِ تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ أَي مُتَغَيِّرٍ، وَقِيلَ: أَراد بسُنَّ أَسِنَ بِوَزْنِ سَمِعَ، وَهُوَ أَن يَدُورَ رأْسه مِنْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ شَمَّهَا وَيُغْشَى عَلَيْهِ. وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنّاً: صَبَّتْهُ، واسْتَنَّتْ هِيَ: انْصَبَّ دَمْعُهَا. وسَنَّ عَلَيْهِ الماءَ: صَبَّه، وَقِيلَ: أَرسله إِرسالًا لَيِّنًا، وسَنَّ عَلَيْهِ الدرعَ يَسُنُّها سَنّاً كَذَلِكَ إِذا صَبَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ شَنَّ. وَيُقَالُ: شَنَّ عَلَيْهِمُ الغارةَ إِذا فَرَّقَهَا. وَقَدْ شَنَّ الماءَ عَلَى شَرَابِهِ أَي فرَّقه عَلَيْهِ. وسَنَّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ أَي صبَّه عَلَيْهِ صَبًّا سَهْلًا. الْجَوْهَرِيُّ: سَنَنْتُ الماءَ عَلَى وَجْهِي أَي أَرسلته إِرسالًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ، فإِذا فَرَّقْتَهُ بِالصَّبِّ قُلْتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ. وَفِي حَدِيثِ بَوْلِ الأَعرابي فِي الْمَسْجِدِ:
فَدَعَا بدلوٍ مِنْ مَاءٍ فسَنَّه عَلَيْهِ
أَي صَبَّهُ. والسَّنُّ. الصبُّ فِي سُهولة، وَيُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَمْرِ:
سُنَّها فِي البَطْحاء.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَشُنُّه
أَي كَانَ يَصُبُّهُ وَلَا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِ. وسَنَنْتُ الترابَ: صَبَبْتُهُ عَلَى وَجْهِ الأَرض صَبًّا سَهْلًا حَتَّى صَارَ كالمُسَنّاة. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مَوْتِهِ: فسُنُّوا عليَّ الترابَ سَنّاً
أَي ضَعُوهُ وَضْعًا سَهْلًا. وسُنَّت الأَرض فَهِيَ مَسنونة وسَنِينٌ إِذا أُكل نَبَاتُهَا؛ قَالَ الطِّرِمّاحُ:
بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الريحُ فِيهِ، ... حَنِينَ الجِلْبِ [الجُلْبِ] في البلدِ السَّنِينِ
. يَعْنِي المَحْلَ. وأَسْنان المنْجَل: أُشَرُهُ. والسَّنُونُ
__________
(1) . قوله [قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ إِلخ] سقط الشعر من الأَصل بعد قوله الرياح كما هو في التهذيب:
أَبين الديان غير بيض كأَنها ... فصول رجاع زفزفتها السنائن

(13/227)


والسَّنِينة: رِمالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهُ الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ كَهَيْئَةِ الحِبال مِنَ الرمل. التهذيب: والسَّنائن رِمَالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهَا سَنِينة؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وأَرْطاةِ حِقْفٍ بَيْنَ كِسْرَيْ سَنائن
وَرَوَى المؤرِّج: السِّنانُ الذِّبّانُ؛ وأَنشد:
أَيَأْكُلُ تَأْزِيزاً ويَحْسُو خَزِيرَةً، ... وَمَا بَيْنَ عَيْنَيهِ وَنِيمُ سِنانِ؟
قَالَ: تأْزِيزاً مَا رَمَتْه القدْر إِذا فَارَتْ. وسَانَّ البعيرُ الناقةَ يُسانُّها مُسانَّةً وسِناناً: عَارَضَهَا للتَّنَوُّخ، وَذَلِكَ أَن يَطْرُدَها حَتَّى تَبْرُكَ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا طَرَدَها حَتَّى يُنَوِّخَها ليَسْفِدَها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنها ... فَنِيقٌ ثَناها عَنْ سِنانٍ فأَرْقَلا
يَقُولُ: سانَّ ناقتَه ثُمَّ انْتَهَى إِلى العَدْوِ الشَّدِيدِ فأَرْقَلَ، وَهُوَ أَن يَرْتَفِعَ عَنِ الذَّمِيلِ، وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ أَيضاً لضابئِ بن الحرث البُرْجُمِيِّ؛ وَقَالَ الأَسدِيُّ يَصِفُ فَحْلًا:
للبَكَراتِ العِيطِ مِنْهَا ضاهِدا، ... طَوْعَ السِّنانِ ذارِعاً وعاضِدَا
. ذَارِعًا: يُقَالُ ذَرَعَ لَهُ إِذا وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ عنقِه ثُمَّ خَنَقه، والعاضِدُ: الَّذِي يأْخذ بالعَضُدِ طَوْعَ السِّنانِ؛ يَقُولُ: يُطاوعه السِّنانُ كَيْفَ شَاءَ. وَيُقَالُ: سَنَّ الفَحْلُ النَّاقَةَ يَسُنُّها إِذا كبَّها عَلَى وَجْهِهَا؛ قَالَ:
فاندَفَعَتْ تأْفِرُ واسْتَقْفاها، ... فسَنَّها للوَجْهِ أَو دَرْباها
أَي دَفَعَهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُسانَّةُ أَن يَبْتَسِرَ الفحلُ الناقةَ قَهْراً؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
وأَنت إِذا مَا كنتَ فاعِلَ هَذِهِ ... سِنَاناً، فَمَا يُلْقَى لِحَيْنك مَصْرَعُ
أَي فاعلَ هَذِهِ قَهْرًا وابْتِساراً؛ وَقَالَ آخَرُ:
كالفَحْل أَرْقَلَ بَعْدَ طُولِ سِنَانِ
وَيُقَالُ: سَانَّ الفحلُ الناقَةَ يُسانُّها إِذا كَدَمَها. وتَسانَّتِ الفُحُولِ إِذا تَكادَمت. وسَنَنْتُ الناقةَ: سَيَّرتُها سَيْرًا شَدِيدًا. وَوَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِهِ أَي فِي عَدَدِ شَعْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقِيلَ: فِيمَا شَاءَ واحْتَكَم؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَقَدْ يُفَسَّرُ سنُّ رأْسه عَدَدُ شعره من الْخَيْرِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِه وَفِي سِيِّ رأْسه وسَواءِ رأْسِه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الْحَرْفَ فِي الأَمثال: فِي سِنِّ رأْسه، وَرَوَاهُ فِي المؤلَّف: فِي سِيِّ رأْسه؛ قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ بِالْيَاءِ أَي فِيمَا سَاوَى رَأْسَه مِنَ الخِصْبِ. والسِّنُّ: الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَنَّتْ حَنِيناً، كثُؤَاجِ السّنِّ، ... فِي قَصَبٍ أَجْوَفَ مُرْثَعِنِ
اللَّيْثُ: السَّنَّةُ اسْمُ الدُّبَّة أَو الفَهْدَةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الصادِقِ فِي حَدِيثِهِ وَخَبَرِهِ: صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه؛ وَيَقُولُهُ الإِنسانُ عَلَى نَفْسِهِ وإِن كَانَ ضَارًّا لَهُ؛ قَالَ الأَصمعي: أَصله أَن رَجُلًا ساوَمَ رَجُلًا ببَكْرٍ أَراد شراءَه فسأَل البائعَ عَنْ سِنِّه فأَخبره بِالْحَقِّ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي:
صَدَقَني سِنَّ بِكْرِهِ، فَذَهَبَ مَثَلًا، وَهَذَا الْمَثَلُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ.
وَمِنْ أَمثالهم: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حَتَّى القَرْعَى؛ يضرب مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ، والقَرْعى مِنَ الفِصَال: الَّتِي أَصابها قَرَعٌ، وَهُوَ بَثْرٌ، فإِذا اسْتَنَّتِ الْفِصَالُ الصِّحَاحُ مَرَحاً نَزَتِ القَرْعَى

(13/228)


نَزْوَها تَشَبَّهُ بِهَا وَقَدْ أَضعفها القَرَعُ عَنِ النَّزَوانِ. واسْتَنَّ الفَرَسُ: قَمَصَ. واسْتَنَّ الفرسُ في المِضْمارِ إِذا جرى فين نَشاطه عَلَى سَنَنه فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. والاسْتنانُ: النَّشَاطُ؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ الْمَذْكُورُ: اسْتَنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القَرْعى، وَقِيلَ: اسْتَنَّتِ الفِصال أَي سَمِنَتْ وصَارَتْ جُلُودها كالمَسَانِّ، قَالَ: والأَول أَصح. وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ:
اسْتَنَّت شَرَفاً أَو شَرَفَيْنِ
؛ اسْتَنَّ الفَرَسُ يَسْتَنُّ اسْتِناناً أَي عَدَا لَمَرحه ونَشاطه شَوْطاً أَو شَوْطَيْنِ وَلَا راكِبَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِنّ فَرَسَ المُجاهِد ليَسْتَنُّ فِي طِوَله.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: رأَيت أَباه يَسْتَنُّ بسَيْفِه كَمَا يَسْتَنُّ الجملُ
أَي يَمْرَحُ ويَخْطُرُ بِهِ. والسِّنُّ والسِّنْسِنُ والسِّنْسِنَةُ: حَرْفُ فَقْرةِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ: السَّنَاسِنُ رؤوس أَطراف عِظَامِ الصَّدْرِ، وَهِيَ مُشَاش الزَّوْرِ، وَقِيلَ: هِيَ أَطراف الضُّلُوعِ الَّتِي فِي الصَّدْرِ. ابْنُ الأَعرابي: السَّنَاسِنُ والشَّنَاشِنُ العِظامُ؛ وَقَالَ الجَرَنْفَشُ:
كَيْفَ تَرَى الغزْوة أَبْقَتْ مِنِّي ... سَناسِناً، كحَلَقِ المِجَنِ
أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: السَّنَاسِنُ رؤوس المَحالِ وحُروفُ فَقَارِ الظَّهْرِ، وَاحِدُهَا سِنْسِنٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشاشَ السِّنْسِنِ
قَالَ الأَزهري: ولحمُ سَناسِنِ الْبَعِيرِ مِنْ أَطيب اللُّحْمَانِ لأَنها تَكُونُ بَيْنَ شَطَّي السَّنَام، ولحمُها يَكُونُ أَشْمَطَ طَيّباً، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْفَرَسِ جَوانِحُه الشاخِصَةُ شِبْهُ الضُّلُوعِ ثُمَّ تَنْقَطِعُ دُونَ الضُّلُوعِ. وسُنْسُنُ: اسْمٌ أَعجمي يُسَمِّي بِهِ السَّوَادِيُّونَ. والسُّنَّةُ: ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ معروفة.
سهن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْهان الرِّمالُ اللَّيِّنة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُبدلت النُّونُ مِنَ اللام، والله أَعلم.
سون: سُوَانُ: مَوْضِعٌ. ابْنُ الأَعرابي: التسَوُّنُ اسْتِرْخَاءُ الْبَطْنِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلى التَّسَوُّل مِنْ سَوِلَ يَسْوَلُ إِذا اسْتَرْخَى، فأَبدل مِنَ اللَّامِ النون.
سوسن: السَّوْسَن: نَبت، أَعجمي مُعَرَّبٌ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ الأَعشى:
وآسٌ وخَيْرِيٌّ ومَرْوٌ وسَوْسَنٌ، ... إِذا كَانَ هيزَمْنٌ ورُحْتُ مُخَشَّما
وأَجناسه كثيرة وأَطيبه الأَبيض.
سين: السينُ: حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، هَذِهِ سِينٌ وَهَذَا سِينٌ، فَمَنْ أَنث فَعَلَى تَوَهُّمِ الْكَلِمَةِ، وَمَنْ ذَكَّرَ فَعَلَى تَوَهُّمِ الْحَرْفِ، وَالسِّينُ مِنْ حَرْفِ الزِّيَادَاتِ، وَقَدْ تُخَلِّص الفعلَ لِلِاسْتِقْبَالِ تَقُولُ سَيَفْعَلُ، وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنها جَوَابُ لَنْ. أَبو زَيْدٍ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ السِّينَ تَاءً، وأَنشد لعِلْباء بْنِ أَرقم:
يَا قَبَّحَ اللَّهُ بَنِي السعْلاةِ، ... عَمْرو بْنَ يَرْبُوعٍ شِرارَ الناتِ،
لَيْسُوا أَعِفَّاء وَلَا أَكْياتِ
يُرِيدُ: النَّاسَ والأَكياس، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ التَّاءَ كَافًا، وَسَنَذْكُرُهَا فِي الأَلف اللَّيِّنَةِ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ لَا يُحْسِنُ سِينَهُ، يُرِيدُونَ شُعْبَةً مِنْ شُعَبه وَهُوَ ذُو ثَلَاثِ شُعَب. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يس
، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الم*، حم*، وأَوائل السُّوَرِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ يَا إِنسان لأَنه قَالَ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. وطُورُ سِينِينَ وسِينَا وسَيْنَاءَ جَبَلٌ بِالشَّامِ، قَالَ

(13/229)


الزجاج: إِن سَيناء [سِيناء] حِجَارَةٌ وَهُوَ، واللَّه أَعلم، اسْمُ الْمَكَانِ، فَمَنْ قرأَ سَيْناء عَلَى وَزْنِ صَحْرَاءَ فإِنها لَا تَنْصَرِفُ، وَمَنْ قرأَ سِيناء فَهُوَ عَلَى وَزْنِ عِلْباء إِلا أَنه اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعْلاء بِالْكَسْرِ مَمْدُودٌ. والسِّينينيَّة: شَجَرَةٌ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ عَنْ الأَخفش، وَجَمْعُهَا سِينِين، قَالَ: وَزَعَمَ الأَخفش أَنَّ طُورَ سِينِينَ مُضَافٌ إِليه، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحد غَيْرَهُ، الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ طُور أُضيف إِلى سِينَا، وَهِيَ شَجَرٌ، قَالَ الأَخفش: السِّينِينُ وَاحِدَتُهَا سِينِينِيّة، قال: وقرىء طور سَينَاء وسِينَاءَ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ أَجود فِي النَّحْوِ لأَنه بُنِيَ عَلَى فَعْلاء، وَالْكَسْرُ رَدِيءٌ فِي النَّحْوِ لأَنه لَيْسَ فِي أَبنية الْعَرَبِ فِعْلاء مَمْدُودٌ بِكَسْرِ الأَول غَيْرُ مَصْرُوفٍ، إِلا أَن تَجْعَلَهُ أَعجميّاً، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: إِنما لَمْ يُصْرَفْ لأَنه جُعِلَ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ. التَّهْذِيبُ: وسِينِينُ اسْمُ جَبَلٍ بالشأْم.