لسان العرب

فصل الثاء المثلثة
ثأي: الثَّأْيُ والثَّأَى جَمِيعًا: الإِفساد كلُّه، وَقِيلَ: هِيَ الْجِرَاحَاتُ وَالْقَتْلُ وَنَحْوُهُ مِنَ الإِفساد. وأَثْأَى فِيهِمْ: قَتَلَ وَجَرَحَ. والثَّأْي والثَّأَى: خَرْمُ خُرَزِ الأَدِيم. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ أَن تَغْلُظَ الإِشْفَى ويَدِقَّ السَّيْرُ، وَقَدْ ثَئِيَ يَثْأَى وثَأَى يَثْأَى وأَثْأَيْته أَنا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزَها ... مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْه بَيْنَها الكُتَبُ

(14/106)


وثَأَيْتُ الخَرْزَ إِذا خَرَمته. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَثْأَيْتُ الخَرْزَ إِثْآأً خَرَمْته، وَقَدْ ثَئِيَ الخَرْزُ يَثْأَى ثَأىً شَدِيدًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ثَئِيَ الخَرْز يَثْأَى؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ ثَأَى الخَرْزُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَحَكَى كُرَاعٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ ثَأَى الخَرْزُ يَثْأَى، وَذَلِكَ أَن يَتَخَرَّمَ حَتَّى تَصِيرَ خَرْزَتان فِي مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ، قَالَ: وأَنكر ابْنُ حَمْزَةَ فَتْحَ الْهَمْزَةِ. وأَثْأَيْتُ فِي الْقَوْمِ إِثْآءً أَي جَرَحْتَ فِيهِمْ، وَهُوَ الثَّأَى؛ قَالَ:
يَا لَك مِنْ عَيْثٍ ومِنْ إِثْآءِ ... يُعْقِبُ بالقَتلِ وبالسِّباءِ
والثَّأَى: الخَرْمُ والفَتْق؛ قَالَ جَرِيرٌ:
هُوَ الوافِدُ المَيْمونُ والرَّاتِقُ الثَّأَى، ... إِذا النَّعْلُ يَوْمًا بالعَشِيرَةِ زَلَّتِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا وَقَعَ بَيْنَ الْقَوْمِ جِرَاحَاتٌ قِيلَ عَظُم الثَّأَى بَيْنَهُمْ، قَالَ: وَيَجُوزُ لِلشَّاعِرِ أَن يَقْلِبَ مَدَّ الثَّأَى حَتَّى تَصِيرَ الْهَمْزَةُ بَعْدَ الأَلف كَقَوْلِهِ:
إِذا مَا ثَاءَ فِي مَعَدٍّ
قَالَ: وَمِثْلُهُ رَآهُ ورَاءَهُ بِوَزْنِ رَعاه وراعَه ونَأَى ونَاءَ؛ قَالَ:
نِعْمَ أَخو الهَيْجاء فِي الْيَوْمِ اليَمِي
أَراد أَن يَقُولَ اليَوِمِ فقلَب. والثَّأْوَة: بَقِيَّةُ قَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ، قَالَ: والثَّأْوَة الْمَهْزُولَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَهِيَ الشَّاةُ الْمَهْزُولَةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُغَذْرِمُها فِي ثَأْوَةٍ مِنْ شياهِهِ، ... فَلَا بُورِكَتْ تِلْكَ الشِّياهُ القَلائِلُ
الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ تُغَذْرِمُها لِلْيَمِينِ الَّتِي كَانَ أَقسم بِهَا، وَمَعْنَى تُغَذْرِمُها أَي حَلَفْتُ بِهَا مجازِفاً غَيْرَ مُسْتَثْبِتٍ فِيهَا، والغُذارِمُ: مَا أُخذ مِنَ الْمَالِ جِزافاً. ابْنُ الأَنباري: الثَّأَى الأَمر الْعَظِيمُ يَقَعُ بَيْنَ الْقَوْمِ؛ قَالَ: وأَصله مِنْ أَثْأَيْت الخَرْزَ؛ وأَنشد:
ورأْب الثَّأَى والصَّبْر عندَ الموَاطِن
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ورَأَبَ الثَّأَى
أَي أَصْلح الْفَسَادَ. وأَصل الثَّأَى: خَرْم مَوَاضِعِ الخَرْز وَفَسَادُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
رَأَبَ اللهُ بِهِ الثَّأَى.
والثُّؤَى: جَمع ثُؤْيَةٍ وَهِيَ خِرَق تُجْمَعُ كالكُبَّة عَلَى وتِدِ المَخْض لِئَلَّا يَنْخَرِقُ السِّقَاءُ عِنْدَ الْمَخْضِ. ابْنُ الأَعرابي: الثَّأَى أَن يجمع بين رؤوس ثَلَاثِ شَجَرَاتٍ أَو شَجَرَتَيْنِ، ثُمَّ يُلْقى عَلَيْهَا ثوبٌ فَيُستَظَلَّ به.
ثبا: الثُّبَةُ: العُصْبَة مِنَ الفُرسان، وَالْجَمْعُ ثُبَاتٌ وثُبُونَ وثِبُونَ، عَلَى حَدِّ مَا يَطْرُدُ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَتَصْغِيرُهَا ثُبَيَّة. والثُّبَةُ والأُثْبِيَّة: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وأَصلها ثُبَيٌ، وَالْجَمْعُ أَثَابِيّ وأَثَابِيَةٌ، الْهَاءُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الأَخيرة؛ قَالَ حُمَيد الأَرقط:
كأَنه يومَ الرِّهان المُحْتَضَرْ، ... وَقَدْ بَدَا أَوَّلُ شَخْصٍ يُنْتَظَرْ
دُونَ أَثَابِيَّ مِنَ الْخَيْلِ زُمَرْ، ... ضَارٍ غَدا يَنْفُضُ صِئْبان المَدَرْ «1»
. أَي بازٍ ضارٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الثُّبَة الْجَمَاعَةُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَةٍ كِرامٍ ... نَشاوى، وَاجِدِينَ لِما نَشَاءُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: الذَّاهِبُ مِنْ ثُبَة وَاوٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بأَن أَكثر مَا حُذِفَتْ لَامُهُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ
__________
(1) . قوله [صئبان المدر] هكذا في الأصل، والذي في الأساس: صئبان المطر

(14/107)


أَب وأَخ وسَنَة وعِضَة، فَهَذَا أَكثر مِمَّا حُذِفَتْ لَامُهُ يَاءً، وَقَدْ تَكُونُ يَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ «1» . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَن ثُبَة مِنَ الْوَاوِ، وأَصلها ثُبْوة حَمْلًا عَلَى أَخواتها لأَن أَكثر هَذِهِ الأَسماء الثُّنَائِيَّةِ أَن تَكُونَ لَامُهَا وَاوًا نَحْوَ عِزَة وعِضَة، وَلِقَوْلِهِمْ ثَبَوْت لَهُ خَيْرًا بَعْدَ خَيْرٍ أَو شَرًّا إِذا وَجَّهْتَهُ إِليه، كَمَا تَقُولُ جَاءَتِ الْخَيْلُ ثُبَاتٍ أَي قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ. وثَبَّيْت الجيشَ إِذا جَعَلْتَهُ ثُبَة ثُبَة، وَلَيْسَ فِي ثَبَّيْت دَلِيلٌ أَكثر مِنْ أَن لَامَهُ حَرْفُ عِلَّةٍ. قَالَ: وأَثَابِيُّ لَيْسَ جَمْعَ ثُبَة، وإِنما هُوَ جَمْعُ أُثْبِيَّة، وأُثْبِيَّة فِي مَعْنَى ثُبَة؛ حَكَاهَا ابْنُ جِنِّي فِي الْمُصَنَّفِ. وثَبَّيْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ ثُبَة ثُبَة؛ قَالَ:
هَلْ يَصْلُح السيفُ بِغَيْرِ غِمْدِ؟ ... فَثَبِّ مَا سَلَّفتَه مِنْ شُكْدِ
أَي فأَضف إِليه غَيْرَهُ واجْمَعْه. وثُبَة الْحَوْضِ: وَسَطُهُ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ ثَبَّيت أَي جَمَعْتُ، وَذَلِكَ أَن الْمَاءَ إِنما تَجْمَعُهُ مِنَ الْحَوْضِ فِي وَسَطِهِ، وَجَعَلَهَا أَبو إِسحاق مِنْ ثَابَ الْمَاءُ يَثُوب، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ فِي تَصْغِيرِهَا ثُوَيْبَة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والثُّبَة وَسَطُ الْحَوْضِ الَّذِي يَثُوب إِليه الْمَاءُ، وَالْهَاءُ هَاهُنَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ وَسَطِهِ لأَن أَصله ثُوَب، كَمَا قَالُوا أَقام إِقامة وأَصله إِقواماً، فعوَّضوا الْهَاءَ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُهُ:
كَمْ ليَ مِنْ ذِي تُدْرَإِ مِذَبِّ، ... أَشْوَسَ، أَبَّاءٍ عَلَى المُثَبِّي
أَراد الَّذِي يَعْذُله وَيَكْثُرُ لَوْمُهُ وَيَجْمَعُ لَهُ العَذْل مِنْ هُنَا وَهُنَا. وثَبَّيت الرجلَ: مَدَحْتُهُ وأَثْنَيْت عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ إِذا مَدَحْتَهُ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ. والثَّبِيُّ: الْكَثِيرُ «2» . الْمَدْحِ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه جَمْع لِمَحَاسِنِهِ وحَشْد لِمَنَاقِبِهِ. والتَّثْبِيَة: الثَّنَاءُ عَلَى الرَّجُلِ فِي حَيَاتِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يُثَبِّي ثَناءً مِنْ كريمٍ، وقَوْلُه: ... أَلا انْعم عَلَى حُسنِ التَّحِيّة واشْرَبِ
والتَّثْبِيَة: الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ. وثَبَّيْت عَلَى الشَّيْءِ تَثْبِيَةً أَي دُمْت عَلَيْهِ. والتَّثْبِيَة: أَن تَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِ أَبيك ولزومُ طَرِيقِهِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي قَوْلَ لَبِيدٍ:
أُثَبِّي فِي الْبِلَادِ بِذِكْرِ قَيْسٍ، ... وَوَدُّوا لَوْ تَسُوخُ بِنَا البلادُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا وَجْهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن أُثَبِّي هَاهُنَا أُثْني. وثَبَّيت المالَ: حَفِظْتُهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ وَقَوْلُ الزِّمَّاني أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
تَرَكْتُ الخيلَ من آثار ... رُمْحِي فِي الثُّبَى الْعَالِي
تَفادَى، كتفَادِي الوَحْشِ ... مِنْ أَغْضَفَ رِئْبالِ
قَالَ: الثُّبَى الْعَالِي مِنْ مَجَالِسِ الأَشراف، وَهَذَا غَرِيبٌ نَادِرٌ لَمْ أَسمعه إِلَّا فِي شِعْرِ الفِنْد. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ الْيَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ، وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ مِنَ الْوَاوِ، وَاحْتَجَّ بأَن مَا ذَهَبَ لَامُهُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ أَب وغَدٍ وأَخٍ وهَنٍ فِي الْوَاوِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّثْبِيَة إِصلاح الشَّيْءِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ الجعدي:
__________
(1) . قوله: فهذا أكثر إلخ؛ هكذا في الأَصل
(2) . قوله [والثَّبِيُّ الكثير إلخ] كذا بالأصل، وذكره شارح القاموس فيما استدركه، فقال: والثَّبِيُّ كغَنِيّ الكثير إلخ ولكن لم نجد ما يؤيده في المواد التي بأيدينا

(14/108)


يُثَبُّون أَرْحاماً وَمَا يَجْفِلُونها، ... وأَخْلاقَ وُدٍّ ذَهَّبَتْها المَذاهِبُ «3»
. قَالَ: يُثَبُّون يُعَظِّمون يَجْعَلُونَهَا ثُبَةً. يُقَالُ: ثَبِّ معروفَك أَي أَتِمَّه وَزِدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنا أَعرفه تَثْبِيَةً أَي أَعرفه مَعْرِفَةً أُعْجمها ولا أَستيقنها.
ثتي: الثَّتَى والحَتا: سَوِيق المُقْل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والثَّتَى: حُطام التِّبْنِ. والثَّتَى: دُقاق التِّبْنِ أَو حُسافَة التَّمْرِ. وَكُلُّ شَيْءٍ حَشَوْتَ بِهِ غِرارة مِمَّا دَقّ فَهُوَ الثَّتَى؛ وأَنشد:
كأَنه غِرارةٌ مَلأَى ثَتَى
وَيُرْوَى: مَلأَى حَتَا. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الثَّتَاةُ والثَّتَى قِشْرُ التَّمْرِ ورديئه.
ثدي: الثَّدْي: ثدْي المرأَة، وَفِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ: الثَّدْي مَعْرُوفٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَهُوَ للمرأَة وَالرَّجُلِ أَيضاً، وَجَمْعُهُ أَثْدٍ وثُدِيّ، عَلَى فُعول، وثِدِيّ أَيضاً، بِكَسْرِ الثَّاءِ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْكَسْرِ؛ فأَما قَوْلُهُ:
وأَصْبَحَت النِّساءُ مُسَلِّباتٍ، ... لهُنَّ الويلُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينا
فإِنه كَالْغَلَطِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ الثُّدِيَّا فأَبدل النُّونَ مِنَ الْيَاءِ لِلْقَافِيَةِ. وَذُو الثُّدَيَّة: رَجُلٌ، أَدخلوا الْهَاءَ فِي الثُّدَيَّة هَاهُنَا، وَهُوَ تَصْغِيرُ ثَدْي. وأَما حَدِيثُ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْخَوَارِجِ: فِي ذِي الثُّدَيَّة الْمَقْتُولِ بِالنَّهْرَوَانِ
، فإِن أَبا عُبَيْدٍ حَكَى عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ إِنما قِيلَ ذُو الثُّدَيَّة بِالْهَاءِ هِيَ تَصْغِيرُ ثَدْي؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذُو الثُّدَيَّة لَقَبُ رَجُلٍ اسْمُهُ ثُرْمُلة، فَمَنْ قَالَ فِي الثَّدْي إِنه مُذَكَّرٌ يَقُولُ إِنما أَدخلوا الْهَاءَ فِي التَّصْغِيرِ لأَن مَعْنَاهُ الْيَدُ، وَذَلِكَ أَن يَدَهُ كَانَتْ قَصِيرَةً مِقْدَارِ الثَّدْي، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِيهِ ذُو اليُدَيَّة وَذُو الثُّدَيَّة جَمِيعًا، وإِنما أُدخل فِيهِ الْهَاءُ، وَقِيلَ: ذُو الثُّدَيَّة وإِن كَانَ الثَّدْي مُذَكَّرًا لأَنها كأَنها بَقِيَّةُ ثَدْي قَدْ ذَهَبَ أَكثره، فَقَلَّلَهَا كَمَا يُقَالُ لُحَيْمة وشُحَيْمة، فأَنَّثها عَلَى هَذَا التأْويل، وَقِيلَ: كأَنه أَراد قِطْعَةً مِنْ ثَدْي، وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ الثَّنْدُوَة، بِحَذْفِ النُّونِ، لأَنها مِنْ تَرْكِيبِ الثَّدْي وَانْقِلَابُ الْيَاءِ فِيهَا وَاوًا لِضَمَّةِ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَضُرَّ ارْتِكَابُ الْوَزْنِ الشَّاذِّ لِظُهُورِ الِاشْتِقَاقِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنما هُوَ ذُو اليُدَيَّة، قَالَ: وَلَا أُرى الأَصل كَانَ إِلَّا هَذَا، وَلَكِنَّ الأَحاديث تَتَابَعَتْ بِالثَّاءِ. وامرأَة ثَدْيَاء: عَظِيمَةُ الثَّدْيين، وَهِيَ فَعَلَاءُ لَا أَفَعلَ لَهَا لأَن هَذَا لَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ، وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَثْدَى. وَيُقَالُ: ثَدِيَ يَثْدَى إِذا ابتلَّ. وَقَدْ ثَداهُ يَثْدُوه ويَثْدِيه إِذا بَلَّه. وثَدَّاه إِذا غَذَّاه. والثُّدَّاء، مِثْلُ المُكَّاء: نَبْتٌ، وَقِيلَ: نَبْتٌ فِي الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ المُصاص والمُصَّاخ، وَعَلَى أَصله قُشُورٌ كَثِيرَةٌ تَتَّقِد بِهَا النَّارُ، الْوَاحِدَةُ ثُدَّاءة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بهراه دايزاد «4» ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَاجِزٍ:
كأَنَّما ثُدَّاؤه المَخْروفُ، ... وَقَدْ رَمَى أَنصافَه الجُفُوفُ،
رَكْبٌ أَرادوا حِلَّةً وُقُوف
شَبَّهَ أَعلاه وَقَدْ جَفَّ بِالرَّكْبِ، وَشَبَّهَ أَسافله الخُضْر بالإِبل لِخُضْرَتِهَا. وثَدِيَت الأَرضُ: كسَدِيَت؛
__________
(3) . قوله [ذهبتها المذاهب] كذا في الأصل، والذي في التكملة: ذهبته الذواهب
(4) . قوله [بهراه دايزاد] هكذا هو في الأصل

(14/109)


حَكَاهَا يَعْقُوبُ وَزَعَمَ أَنها بَدَلٌ مِنْ سِينِ سَدِيَتْ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، قَالَ: ثُمَّ قَلَبُوا فَقَالُوا ثَدِئتْ، مَهْمُوزٌ مِنَ الثَّأَد، وَهُوَ الثَّرَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا مِنْهُ سَهْوٌ وَاخْتِلَاطٌ وإِن كَانَ إِنما حَكَاهُ عَنِ الْجَرْمِيِّ، وأَبو عُمَرَ يَجِلُّ عَنْ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ يَعْقُوبُ إِلا أَن يَعْنيَ بِالْجَرْمِيِّ غَيْرَهُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: الثَّنْدُوَة، بِفَتْحِ أَولها غَيْرُ مَهْمُوزٍ، مِثَالُ التَّرْقُوَة والعَرْقُوَة عَلَى فَعْلُوَة، وَهِيَ مَغْرِز الثَّدْي، فإِذا ضَمَمْتَ هَمَزْتَ وَهِيَ فُعْلُلَة، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَكَانَ رؤبة يهمز الثُّنْدُؤَة وسِئَة الْقَوْسِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ لَا تَهْمِزُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَفِي الْمُعْتَلِّ بالأَلف: الثَّدْوَاءُ معروف موضع.
ثرا: الثَّرْوَة: كَثْرَةُ العَدَد مِنَ النَّاسِ وَالْمَالِ. يُقَالُ: ثَرْوَة رجالٍ وثَرْوَة مالٍ، والفَرْوة كالثَّرْوة فَاؤُهُ بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ لُوطٍ إِلا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ
؛ الثَّرْوَة: الْعَدَدُ الْكَثِيرُ: وإِنما خَصَّ لُوطًا لِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. وثَرْوَةٌ مِنْ رِجَالٍ وثَرْوَة مِنْ مَالٍ أَي كَثِيرٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ
وثَرْوَةٌ مِنْ رِجَالٍ لَوْ رأَيْتَهمُ، ... لَقُلْتَ: إِحْدَى حِراجِ الجَرّ مِنْ أُقُر
مِنَّا بِبادِيةِ الأَعْرابِ كِرْكِرةٌ، إِلى كَراكِرَ بالأَمصارِ والحَضَر
وَيُرْوَى: وثَوْرةٌ مِنْ رِجَالٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ ثَوْرَة مِنْ رِجَالٍ وثَرْوَةٌ بِمَعْنَى عَدَدٍ كَثِيرٍ، وثَرْوَة مِنْ مَالٍ لَا غَيْرَ. وَيُقَالُ: هَذَا مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ أَي مَكْثَرة. وَفِي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ:
هِيَ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَر
؛ مَثْرَاة: مَفْعَلة مِنَ الثَّرَاء الْكَثْرَةُ. والثَّرَاءُ: الْمَالُ الْكَثِيرُ؛ قَالَ حَاتِمٌ:
وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ لَوْ أَنَّ حاتِماً ... أَراد ثَرَاءَ المالِ، كَانَ لَهُ وَفْرُ
والثَّرَاء: كَثْرَةُ الْمَالِ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:
يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَه، ... وشرْخُ الشَّبابِ عندَهُنَّ عجيبُ
أَبو عَمْرٍو: ثَرَا اللهُ القومَ أَي كَثَّرَهم. وثَرَا القومُ ثَراءً: كَثُروا ونَمَوْا. وثَرَا وأَثْرَى وأَفْرى: كثُرَ مالُه. وَفِي حَدِيثِ
إِسماعيل، عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ لأَخيه إِسحاق إِنك أَثْرَيْتَ وأَمْشَيْتَ
أَي كثُر ثَراؤُك، وَهُوَ الْمَالُ، وكثُرت ماشيتُك. الأَصمعي: ثَرَا القومُ يَثْرُون إِذا كَثُرُوا ونَمَوْا، وأَثْرَوْا يُثْرُون إِذا كثُرت أَموالهم. وَقَالُوا: لَا يُثْرِينا العَدُوُّ أَي لَا يَكْثُرُ قَوْلُهُ فِينَا. وثَرَا المالُ نفسُه يَثْرُوا إِذا كثُر. وثَرَوْنا القومَ أَي كُنَّا أَكثر مِنْهُمْ. وَالْمَالُ الثَّرِي، مِثْلُ عَمٍ خَفِيفٌ: الْكَثِيرُ. وَالْمَالُ الثَّرِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ: وَهُوَ الْكَثِيرُ. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: وأَراحَ عليَّ نَعَماً ثَرِيّاً
أَي كَثِيرًا؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ ثَرْوَانَ، والمرأَة ثُرَيَّا، وَهُوَ تَصْغِيرُ ثَرْوَى. ابْنُ سِيدَهْ: مَالٌ ثَرِيّ كَثِيرٌ. وَرَجُلٌ ثَرِيّ وأَثْرَى: كَثِيرُ الْمَالِ. والثَّرِيّ: الْكَثِيرُ الْعَدَدِ؛ قَالَ المَأْثُور المُحاربي جَاهِلِيٌّ:
فَقَدْ كُنْتَ يَغْشاكَ الثَّرِيُّ، ويَتَّقِي ... أَذاك، ويَرْجُو نَفْعَك المُتَضَعْضِع
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِآخَرَ:
سَتَمْنَعُني مِنْهُمْ رِماحٌ ثَرِيَّةٌ، ... وغَلْصَمةٌ تَزْوَرُّ مِنْهَا الغَلاصِمُ
وأَثْرَى الرجلُ: كَثُرت أَمواله؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ بَنِي أُمية:

(14/110)


لَكُمْ مَسْجِدا اللَّهِ المَزُورانِ، والحَصَى ... لَكُمْ قِبْصُه مِنْ بَيْنِ أَثْرَى وأَقْتَرا
أَراد: مِنْ بَيْنِ مَنْ أَثْرَى وَمَنْ أَقتر أَي مِنْ بَيْنِ مُثْرٍ ومُقْترٍ، وَيُقَالُ: ثَرِيَ الرجلُ يَثْرَى ثَراً وثَرَاءً، مَمْدُودٌ، وَهُوَ ثَرِيٌّ إِذا كَثُر مَالُهُ، وَكَذَلِكَ أَثْرَى فَهُوَ مُثْرٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ إِنه لَذو ثَرَاء وثَرْوَة، يُرَادُ إِنه لَذُو عَدد وَكَثْرَةِ مَالٍ. وأَثْرَى الرجلُ وَهُوَ فَوْقَ الِاسْتِغْنَاءِ. ابْنُ الأَعرابي: إِن فُلَانًا لَقَرِيب الثَّرَى بَعِيد النَّبَط لِلَّذِي يَعِدُ وَلَا وَفَاءَ لَهُ. وثَرَيْتُ بِفُلَانٍ فأَنا بِهِ ثَرٍ وثَريءٌ وثَرِيٌّ أَي غَنِيٌّ عَنِ النَّاسِ بِهِ. والثَّرَى: التُّرَابُ النَّدِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ التُّرَابُ الذي إِذا بُلَّ لم يَصِرْ طِينًا لَازِبًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما تَحْتَ الثَّرى
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنه مَا تَحْتَ الأَرض، وَتَثْنِيَتُهُ ثَرَيانِ وثَرَوانِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ أَثْرَاء. وثَرىً مَثْرِيٌّ: بَالَغُوا بِلَفْظِ الْمَفْعُولِ كَمَا بَالَغُوا بِلَفْظِ الْفَاعِلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْنَا هَذَا لأَنه لَا فِعْلَ لَهُ فَنَحْمِلُ مَثْرِيَّه عَلَيْهِ. وثَرِيَتِ الأَرضُ ثَرىً، فَهِيَ ثَرِيَّةٌ: نَدِيَتْ ولانَتْ بَعْدَ الجُدُوبة واليُبْس، وأَثْرَتْ: كثُرَ ثَراها. وأَثْرَى الْمَطَرُ: بلَّ الثَّرَى. وَفِي الْحَدِيثِ:
فإِذا كَلْبٌ يأْكل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ
أَي التُّرَابَ النَّدِيَّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرض ثَرِيَّةٌ إِذا اعْتَدَلَ ثَراها، فإِذا أَردت أَنها اعْتَقَدَت ثَرىً قُلْتَ أَثْرَتْ. وأَرض ثَرِيَّة وثَرْيَاء أَي ذَاتُ ثَرَىً ونَدىً. وثَرَّى فُلَانٌ الترابَ والسَّويقَ إِذا بَلَّه. وَيُقَالُ: ثَرِّ هَذَا المكانَ ثُمَّ قِفْ عَلَيْهِ أَي بُلَّهُ. وأَرض مُثْرِيَةٌ إِذا لَمْ يجِفَّ ترابُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأُتِي بِالسَّوِيقِ فأَمر بِهِ فَثُرِّيَ
أَي بُلَّ بِالْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: أَنا أَعلم بِجَعْفَرٍ أَنه إِن عَلِمَ ثَرَّاه مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَطْعَمه
أَي بَلَّه وأَطعمه الناسَ. وَفِي حَدِيثِ خُبْزِ الشَّعِيرِ:
فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْناه.
وثَرِيتُ بِفُلَانٍ فأَنا ثَرِيّ بِهِ أَي غَنِيٌّ عَنِ النَّاسِ بِهِ، وَرُوِيَ
عَنْ جَرِيرٍ أَنه قَالَ: إِني لأَكره الرَّحَى «1» . مَخَافَةَ أَن تَسْتَفْرِعَنِي وَإِنِّي لأَراه كَآثَارِ الْخَيْلِ فِي الْيَوْمِ الثَّرِيّ.
أَبو عُبَيْدٍ: الثَّرْيَاء عَلَى فَعْلاء الثَّرَى؛ وأَنشد:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ ثَرْيَائِه ... غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائه
وأَما حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يُقْعِي ويُثَرِّي فِي الصَّلَاةِ
، فَمَعْنَاهُ أَنه كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ بالأَرض بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا تُفَارِقَانِ الأَرض حَتَّى يُعِيدَ السُّجُودَ الثَّانِيَ، وَهُوَ مِنَ الثَّرَى التُّرَابُ لأَنهم أَكثر مَا كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى وَجْهِ الأَرض بِغَيْرِ حَاجِزٍ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ أَقْعَى؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ هَذَا حِينَ كَبِرت سنُّه فِي تَطَوُّعِهِ، والسُّنَّة رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَنِ الأَرض بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وثَرَّى التُّرْبة: بَلَّها. وثَرَّيْتُ الْمَوْضِعَ تَثْرِيةً إِذا رَشَشته بِالْمَاءِ. وثَرَّى الأَقِط والسَّوِيق: صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً ثُمَّ لَتَّه بِهِ. وَكُلُّ مَا نَدَّيته فَقَدْ ثَرَّيته. والثَّرَى: النَّدَى. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: فَبَيْنَا هُوَ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ
؛ يُقَالُ: مَكَانٌ ثَرْيَانُ وأَرض ثَرْيَا إِذا كَانَ فِي تُرَابِهَا بَلَلٌ ونَدىً. والْتَقَى الثَّرَيانِ: وَذَلِكَ أَن يَجِيءَ الْمَطَرُ فيرسَخَ فِي الأَرض حَتَّى يَلْتَقِيَ هُوَ وَنَدَى الأَرض. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَبِس رَجُلٌ فَرْوًا دُونَ قَمِيصٍ فَقِيلَ التَقَى الثَّرَيَانِ، يَعْنِي شَعْرَ الْعَانَةِ ووَبَرَ الفَرْوِ. وَبَدَا ثَرَى الْمَاءِ مِنَ الْفَرَسِ: وَذَلِكَ حِينَ يَنْدَى بالعَرَق؛ قَالَ طُفَيل الغَنَويّ:
__________
(1) . قوله [إني لأكره الرحى إلخ] كذا بالأصل

(14/111)


يُذَدْنَ ذِيادَ الحامِساتِ، وَقَدْ بَدَا ... ثَرَى الماءِ مِنْ أَعطافِها المُتَحلِّب
يُرِيدُ العَرَق. وَيُقَالُ: إِني لأَرَى ثَرَى الْغَضَبِ فِي وَجْهِ فُلَانٍ أَي أَثَرَه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإِني لَتَرَّاكُ الضَّغينةِ قَدْ أَرى ... ثَرَاها مِنَ المَوْلى، وَلَا أَسْتَثيرُها
وَيُقَالُ: ثَرِيتُ بِكَ أَي فَرِحت بِكَ وسُرِرت. وَيُقَالُ ثِرِيتُ بِكَ، بِكَسْرِ الثَّاءِ، أَي كَثُرْتُ بِكَ، قَالَ كثيِّر:
وإِني لأَكْمِي الناسَ مَا تَعِدِينَني ... مِنَ البُخْلِ أَن يَثْرَى بذلِك كاشِحُ
أَي يَفْرَح بذلِك وَيَشْمَتُ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده ابْنُ بَرِّيٍّ:
وإِني لأَكمي النَّاسَ مَا أَنا مُضْمِرٌ، ... مَخَافَةَ أَن يَثْرَى بِذَلِكَ كَاشِحُ
ابْنُ السِّكِّيتِ: ثَرِيَ بِذَلِكَ يَثْرَى بِهِ إِذا فَرِحَ وسُرَّ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ مُثْرٍ أَي أَنه لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ مَثَل، وأَصل ذَلِكَ أَن يَقُولَ لَمْ يَيْبَس الثَّرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، كَمَا
قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: بُلُّوا أَرحامكم وَلَوْ بِالسَّلَامِ
؛ قَالَ جَرِيرٌ:
فَلَا تُوبِسُوا بَيْني وَبَيْنَكُمُ الثَّرَى، ... فإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وبينكُم مُثْرِي
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: شَهْرٌ ثَرَى وشهرٌ ترَى وشهرٌ مَرْعى وشهرٌ اسْتَوى أَي تُمْطِرُ أَوّلًا ثُمَّ يَطْلُعُ النَّبَاتُ فَتَرَاهُ ثُمَّ يَطول فَتَرْعَاهُ النَّعَم، وَهُوَ فِي الْمُحْكَمِ، فأَمّا قَوْلُهُمْ ثَرَى فَهُوَ أَوّل مَا يَكُونُ الْمَطَرُ فَيَرْسُخُ فِي الأَرض. وتبتلُّ التُّربة وتَلين فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ ثَرَى، وَالْمَعْنَى شَهْرٌ ذُو ثَرىً، فَحَذَفُوا الْمُضَافَ، وَقَوْلُهُمْ وَشَهْرٌ تَرَى أَي أَن النَّبْتَ يُنْقَف فيه حتى ترى رؤوسه، فأَرادوا شَهْرًا تَرَى فِيهِ رؤوس النَّبَاتِ فَحَذَفُوا، وَهُوَ مِنْ بَابِ كُلَّه لَمْ أَصنع، وأَما قَوْلُهُمْ مَرْعَى فَهُوَ إِذا طَالَ بِقَدْرِ مَا يُمَكِّنُ النَّعَم أَن تَرْعَاهُ ثُمَّ يَسْتَوِي النَّبَاتُ ويَكْتَهِل فِي الرَّابِعِ فَذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِهِمُ اسْتَوَى. وَفُلَانٌ قَرِيبُ الثَّرَى أَي الْخَيْرِ. والثَّرْوَانُ: الغَزِير، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ ثَرْوَان والمرأَة ثُرَيَّا، وَهِيَ تَصْغِيرُ ثَرْوَى. والثُّرَيَّا: مِنَ الْكَوَاكِبِ، سُمِّيَتْ لِغَزَارَةِ نَوْئها، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ كَوَاكِبِهَا مَعَ صِغَرِ مَرْآتها، فكأَنها كَثِيرَةُ الْعَدَدِ بالإِضافة إِلى ضِيقِ الْمَحَلِّ، لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلا مُصَغَّرًا، وَهُوَ تَصْغِيرٌ عَلَى جِهَةِ التَّكْبِيرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِلْعَبَّاسِ يَمْلِك مِنْ وَلَدِكَ بِعَدَدِ الثُّرَيَّا
؛ الثُّرَيَّا: النَّجْمُ الْمَعْرُوفُ. وَيُقَالُ: إِن خِلَالَ أَنجم الثُّريا الظَّاهِرَةِ كَوَاكِبُ خَفِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ والثَّرْوةُ: لَيْلَةٌ يَلْتَقِي الْقَمَرُ والثُّرَيَّا. والثُّرَيَّا مِنَ السُّرُج: عَلَى التَّشْبِيهِ بالثُّريا مِنَ النُّجُومِ. والثُّريَّا: اسْمُ امرأَة مِنْ أُميّة الصُّغْرَى شَبَّب بِهَا عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ. والثُّرَيّا: مَاءٌ مَعْرُوفٌ. وأَبو ثَرْوَان: رَجُلٌ مِنْ رُوَاةِ الشِّعْرِ. وأَثْرَى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَغلب العِجْلي:
فَمَا تُرْبُ أَثْرَى، لَوْ جَمَعْت ترابَها، ... بأَكثرَ مِنْ حَيَّيْ نِزارٍ عَلَى العَدِّ
ثطا: الثَّطَا: إِفراط الحُمْق. يُقَالُ: رَجُلٌ بَيِّنُ الثَّطَا والثَّطَاةِ. وثَطِيَ ثَطاً: حَمُق. وثَطَا الصبيُّ: بِمَعْنَى خَطَا؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بامرأَة سَوْدَاءَ تُرْقِص صَبِيًّا لَهَا وَهِيَ تَقُولُ:
ذُؤال، يَا ابْنَ القَرْم، يَا ذُؤاله ... يَمْشِي الثَّطَا، ويَجْلِسُ الهَبَنْقَعَهْ

(14/112)


فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَقُولِي ذُؤال فإِنه شَرُّ السِّبَاعِ
، أَرادت أَنه يَمْشِي مَشْيَ الحَمْقَى كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَتَكَلَّمُ إِلا بالحُمْق. وَيُقَالُ: هُوَ يَمْشِي الثَّطَا أَي يَخْطُو كَمَا يَخْطُو الصَّبِيُّ أَوَّل مَا يَدْرُج. والهَبَنْقَعَةُ: الأَحمق. وَذُؤَالٌ: تَرْخِيمُ ذُؤَالَةَ، وَهُوَ الذِّئْبُ. والقَرْمُ: السَّيِّد. وَقَدْ رُوِيَ:
فُلَانٌ مِنْ ثَطَاتِه لَا يَعْرِف قَطاتَه مِنْ لَطاته
، والأَعْرفُ فُلَانٌ مِنْ لَطاته، والقَطاةُ: مَوْضِعُ الرَّدِيفِ مِنَ الدَّابَّةِ، واللطاةُ: غُرَّة الْفَرَسِ؛ أَراد أَنه لَا يَعْرِفُ مِنْ حُمْقه مقدَّم الْفَرَسِ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ إِن أَصل الثَّطا مِنَ الثَّأْطة، وَهِيَ الحَمْأَة. والثُّطَى: العناكب، والله أَعلم.
ثعا: الثَّعْوُ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْر. وَقِيلَ: هُوَ مَا عَظُمَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَانَ مِنَ البُسْر؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَعرف النَّعْوُ.
ثغا: الثُّغاءُ: صوتُ الشَّاءِ والمَعَز وَمَا شَاكَلَهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: الثُّغَاءُ صَوْتُ الْغَنَمِ والظِّباء عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ ثَغَا يَثْغُو وثَغَتْ تَثْغُو ثُغَاءً أَي صَاحَتْ. والثَّاغِيَة: الشَّاةُ. وَمَا لَهُ ثَاغٍ وَلَا راغٍ وَلَا ثَاغِيَة وَلَا راغِيَة؛ الثَّاغِيَة الشَّاةُ والراغِيَة النَّاقَةُ أَي مَا لَهُ شَاةٌ وَلَا بَعِيرٌ. وَتَقُولُ: سَمِعْتُ ثَاغِيَةَ الشَّاءِ أَي ثُغاءها، اسمٌ عَلَى فاعلَة، وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ راغِية الإِبل وَصَوَاهِلَ الْخَيْلِ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا:
لَا تجيءُ بِشاة لَهَا ثُغَاءٌ
؛ الثُّغاءُ: صِيَاحُ الْغَنَمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَابِرٍ: عَمَدْتُ إِلى عَنْزٍ لأَذْبَحَها فثَغَتْ فسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَغْوَتَها فَقَالَ لَا تَقْطَعْ دَرّاً وَلَا نَسْلًا
؛ الثَّغْوة:؛ المرَّة مِنَ الثُّغاء. وأَتيته فَمَا أَثْغَى وَلَا أَرْغى أَي مَا أَعطاني شَاةً تَثْغُو وَلَا بَعِيرًا يَرْغُو. وَيُقَالُ: أَثْغَى شَاتَهُ وأَرْغَى بعِيره إِذا حَمَلَهُمَا عَلَى الثُّغاء والرُّغاء. وما بِالدَّارِ ثاغٍ وَلَا راغٍ أَي أَحد. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُعْتَلِّ بِالْيَاءِ: الثَّغْيَة الْجُوعُ وإِقْفار الحَيّ.
ثفا: ثَفَوْتُه: كُنْتُ مَعَهُ عَلَى إِثره. وثَفَاه يَثْفِيه: تَبِعَه. وَجَاءَ يَثْفُوه أَي يَتْبَعه. قَالَ أَبو زَيْدٍ: تَأَثَّفَكَ الأَعداء أَي اتَّبعوك وأَلَحُّوا عَلَيْكَ وَلَمْ يَزَالُوا بِكَ يُغْرُونَك بِي «2» . أَبو زَيْدٍ: خامَرَ الرجلُ الْمَكَانَ إِذا لَمْ يَبْرَحْه، وَكَذَلِكَ تأَثَّفَه. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ ثَفَاه يَثْفُوه إِذا جَاءَ فِي إِثره؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يُبادِرُ الآثارَ أَن يؤوبا، ... وحاجِبَ الجَوْنَة أَنْ يَغِيبا
بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبا، ... كالذِّئْبِ يَثْفُو طَمَعاً قَرِيبَا
والأُثْفِيَّة: مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ القِدْر، تَقْدِيرُهُ أُفْعُولة، وَالْجُمَعُ أَثَافِيُّ وأَثَاثِيُّ؛ الأَخيرة عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: وَالثَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْفَاءِ، وَقَالَ فِي جَمْعِ الأَثَافِي: إِن شِئْتَ خَفَّفْتَ؛ وَشَاهِدُ التَّخْفِيفِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
يَا دارَ هِنْدٍ عَفَت إِلَّا أَثَافِيها، ... بينَ الطَّوِيِّ، فصاراتٍ، فَوادِيها
وَقَالَ آخَرُ:
كأَنَّ، وَقَدْ أَتَى حَوْلٌ جدِيدٌ، ... أَثَافِيَها حَماماتٌ مُثُولُ
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: والبُرْمَة بَيْنَ الأَثَافِيِ
، وَقَدْ تُخَفَّفُ الياءُ فِي الْجَمْعِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي تُنْصَبُ وَتُجْعَلُ الْقِدْرُ عَلَيْهَا، وَالْهَمْزَةُ فِيهَا زَائِدَةٌ. وثَفَّى الْقِدْرَ وأَثْفَاها: جَعَلَهَا عَلَى الأَثافي. وثَفَّيْتُها: وَضَعْتُهَا عَلَى الأَثافي. وأَثَّفْت القِدْرَ أَي جَعَلْتُ لَهَا أَثافيَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
وَما اسْتُنْزِلَتْ فِي غَيرِنا قِدْرُ جارِنا، ... وَلَا ثُفِّيَتْ إِلا بِنَا، حينَ تُنْصَب
__________
(2) . كأَنه ينظر بقوله هذا إلى قَوْلُ النَّابِغَةِ: لَا تقْذِفَنّي ... في الصفحة التالية

(14/113)


وَقَالَ آخَرُ:
وذاكَ صَنِيعٌ لَمْ تُثَفَّ لَهُ قِدْرِي
وَقَوْلُ حُطامٍ الْمُجَاشِعِيِّ:
لَمْ يَبْقَ مِنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ ... غَيرُ خِطامٍ ورَمادٍ كِنْفَيْنْ
وصالِياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ
جَاءَ بِهِ عَلَى الأَصل ضَرُورَةً وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ يُثْفَيْن؛ قَالَ الأَزهري: أَراد يُثْفَيْنَ مِنْ أَثْفَى يُثْفِي، فَلَمَّا اضطرَّه بِنَاءُ الشِّعْرِ رَدَّهُ إِلى الأَصل فَقَالَ يُؤَثْفَيْن، لأَنك إِذا قُلْتَ أَفْعل يُفْعِل علمتَ أَنه كَانَ فِي الأَصل يُؤَفْعِل؛ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِثِقَلِهَا كَمَا حَذَفُوا أَلف رأَيت مِنْ أَرى، وَكَانَ فِي الأَصل أَرْأَى، فَكَذَلِكَ مِنْ يَرَى وتَرَى ونَرَى، الأَصل فِيهَا يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى، فإِذا جَازَ طَرْحُ هَمْزَتِهَا، وَهِيَ أَصلية، كَانَتْ هَمْزَةُ يُؤَفْعِلُ أَولى بِجَوَازِ الطَّرْحِ لأَنها لَيْسَتْ مِنْ بِنَاءِ الْكَلِمَةِ فِي الأَصل؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
كُرات غُلامٍ مِنْ كِساءٍ مُؤَرْنَبِ
وَوَجْهُ الْكَلَامِ: مُرْنَب، فَرَدَّهُ إِلى الأَصل. وَيُقَالُ: رَجُلٌ مُؤَنْمَل إِذا كَانَ غَلِيظَ الأَنامل، وإِنما أَجمعوا عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ يُؤَفْعِل اسْتِثْقَالًا لِلْهَمْزَةِ لأَنها كالتقَيُّؤِ، ولأَن فِي ضَمَّةِ الْيَاءِ بَيَانًا وَفَصْلًا بَيْنَ غَابِرِ فِعْل فَعَلَ وأَفْعَل، فَالْيَاءُ مِنْ غَابِرِ فعَل مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ مِنْ غَابِرِ أَفْعل مَضْمُومَةٌ، فأَمنوا اللَّبْسَ وَاسْتَحْسَنُوا تَرْكَ الْهَمْزَةِ إِلا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ أَو كَلَامٍ نَادِرٍ. وَرَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي: يَعْنِي الْجَبَلَ لأَنه يَجْعَلُ صَخْرَتَانِ إِلى جَانِبِهِ وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا الْقِدْرُ، فَمَعْنَاهُ رَمَاهُ اللَّهُ بِمَا لَا يَقُومُ لَهُ. الأَصمعي: مِنْ أَمثالهم فِي رَمْي الرَّجُلِ صَاحِبَهُ بالمعْضِلات: رَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: ثَالِثَةُ الأَثَافِي الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَبَلِ يُجْعَلُ إِلى جَانِبِهَا اثْنَتَانِ، فَتَكُونُ الْقِطْعَةُ مُتَّصِلَةً بِالْجَبَلِ؛ قَالَ خُفافْ بْنُ نُدْبَة:
وإِنَّ قَصِيدَةً شَنْعاءَ مِنِّي، ... إِذا حَضَرَت، كثالثةِ الأَثَافِي
وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ رَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي أَي رَمَاهُ بِالشَّرِّ كُلّه فَجَعَلَهُ أُثْفِية بَعْدَ أُثْفِية حَتَّى إِذا رُمي بِالثَّالِثَةِ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا غَايَةً؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ:
بَلْ كُلُّ قَوْمٍ، وإِن عزُّوا وإِن كَرُمُوا، ... عَرِيفُهم بأَثَافِي الشَّرِّ مَرْجوم
أَلا تَرَاهُ قَدْ جَمَعَهَا لَهُ؟ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأُثْفِيَّة حَجَرٌ مِثْلُ رأْس الإِنسان، وَجَمْعُهَا أَثَافِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ: وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ، وتُنصب الْقُدُورُ عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ ذِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ فإِنه يُسَمَّى المِنْصَب، وَلَا يُسَمَّى أُثْفِيّة. وَيُقَالُ: أَثْفَيْت القِدْرَ وثَفَّيْتُها إِذا وَضَعْتَهَا عَلَى الأَثافي، والأُثْفِيَّة: أُفْعُولة مِنْ ثَفَّيْت، كَمَا يُقَالُ أُدْحِيّة لِمَبيض النَّعَامِ مِنْ دَحَيْت. وَقَالَ اللَّيْثُ: الأُثْفِيَّة فُعْلوية مِنْ أَثّفْت، قَالَ: وَمَنْ جَعَلَهَا كَذَلِكَ قَالَ أَثَّفْت الْقِدْرَ، فَهِيَ مُؤَثَّفة، وَقَالَ آثَفْت الْقِدْرَ فَهِيَ مُؤْثَفَة؛ قَالَ النَّابِغَةِ:
لَا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لَا كِفاءَ لَهُ، ... وَلَوْ تَأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفْدِ
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ تأَثَّفَك الأَعْداء أَي تَرَافَدُوا حَوْلَكَ مُتضافرِين عليَّ وأَنت النارُ بَيْنَهُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَلَوْ تأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفَدِ
قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مِنَ الأُثْفِيَة فِي شَيْءٍ، وإِنما هُوَ مِنْ قَوْلِكَ أَثَفْت الرَّجُلَ آثِفُه إِذا تَبِعْته، والآثِفُ التَّابِعُ. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: قِدْر مُثْفاة مِنْ أَثْفَيْت.

(14/114)


والمُثَفَّاة «1» . المرأَة الَّتِي لِزَوْجِهَا امرأَتان سِوَاهَا، شُبِّهَتْ بأَثافي الْقِدْرِ. وثُفِّيَت المرأَة إِذا كَانَ لِزَوْجِهَا امرأَتان سِوَاهَا وَهِيَ ثالثتهما، شُبِّهْنَ بأَثافي الْقِدْرِ؛ وَقِيلَ: المُثَفَّاة المرأَة الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الأَزواج كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ المُثَفَّى، وَقِيلَ: المُثَفَّاة الَّتِي مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَزواج. والمُثَفَّى: الَّذِي مَاتَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والمُثَفِّيَة الَّتِي مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَزواج، وَالرَّجُلُ مُثَفٍّ. والمُثَفَّاة: سِمَةٌ كالأَثافي. وأُثَيْفِيَات: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: أُثَيْفِيات أَجْبل صِغَارٌ شُبِّهَتْ بأَثافي الْقِدْرِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
دَعَوْن قُلوبَنا بأُثَيْفِيَاتٍ، ... فأَلْحَقْنا قَلائِصَ يَعْتَلِينا
وَقَوْلُهُمْ: بَقِيَتْ مِنْ فُلَانٍ أُثْفِيَة خَشْناء أَي بَقِيَ منهم عدد كثير.
ثلا: التَّهْذِيبِ: ابْنُ الأَعرابي ثَلا إِذا سَافَرَ، قَالَ: والثَّلِيُّ الكثير المال.
ثني: ثَنَى الشيءَ ثَنْياً: ردَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ تَثَنَّى وانْثَنَى. وأَثْنَاؤُه ومَثَانِيه: قُواه وَطَاقَاتُهُ، وَاحِدُهَا ثِنْي ومَثْنَاة ومِثْنَاة؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وأَثْنَاء الحَيَّة: مَطاوِيها إِذا تَحَوَّتْ. وثِنْي الْحَيَّةِ: انْثِنَاؤُها، وَهُوَ أَيضاً مَا تَعَوَّج مِنْهَا إِذا تَثَنَّتْ، وَالْجَمْعُ أَثْنَاء؛ وَاسْتَعَارَهُ غَيْلَانُ الرَّبَعِي لِلَّيْلِ فَقَالَ:
حَتَّى إِذا شَقَّ بَهِيمَ الظَّلْماءْ، ... وساقَ لَيْلًا مُرْجَحِنَّ الأَثْنَاءْ
وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ اسْمٌ. وَفِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ليسَ بِالطَّوِيلِ المُتَثَنِي
؛ هُوَ الذَّاهِبُ طُولًا، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي طَوِيلٍ لَا عَرْض لَهُ. وأَثْنَاء الوادِي: مَعاطِفُه وأَجْراعُه. والثِّنْي مِنَ الْوَادِي وَالْجَبَلِ: مُنْقَطَعُه. ومَثَانِي الْوَادِي ومَحانِيهِ: مَعاطِفُه. وتَثَنَّى فِي مِشيته. والثِّنْي: وَاحِدُ أَثْنَاء الشَّيْءِ أَي تَضَاعِيفُهُ؛ تَقُولُ: أَنفذت كَذَا ثِنْيَ كِتَابِي أَي فِي طَيّه. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فأَخذ بطَرَفَيْه ورَبَّقَ لكُمْ أَثْنَاءَه
أَي مَا انْثَنَى مِنْهُ، وَاحِدُهَا ثِنْيٌ، وَهِيَ مَعَاطِفُ الثَّوْبِ وَتَضَاعِيفُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: كَانَ يَثْنِيه عَلَيْهِ أَثْنَاءً مِنْ سَعَتِه
، يَعْنِي ثَوْبَهُ. وثَنَيْت الشَّيْءَ ثَنْياً: عَطَفْتُهُ. وثَنَاه أَي كَفَّه. وَيُقَالُ: جَاءَ ثَانِياً مِنْ عِنانه. وثَنَيْته أَيضاً: صَرَفته عَنْ حَاجَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذا صِرْتَ لَهُ ثَانِيًا. وثَنَّيْته تَثْنِيَةً أَي جَعَلْتُهُ اثْنَيْنِ. وأَثْنَاءُ الوِشاح: مَا انْثنَى مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَعَرُّض أَثْنَاء الوِشاح المُفَصَّل «2»
. وَقَوْلُهُ:
فإِن عُدَّ مِنْ مَجْدٍ قديمٍ لِمَعْشَر، ... فَقَوْمي بِهِمْ تُثْنَى هُناك الأَصابع
يَعْنِي أَنهم الْخِيَارُ الْمَعْدُودُونَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، لأَن الْخِيَارَ لَا يَكْثُرُونَ. وَشَاةٌ ثانِيَةٌ بَيِّنة الثِّنْي: تَثْني عُنُقَهَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ. وثَنَى رِجْلَه عَنْ دَابَّتِهِ: ضَمَّهَا إِلى فَخْذِهِ فَنَزَلَ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ. اللَّيْثُ: إِذا أَراد الرَّجُلُ وَجْهًا فَصَرَفْتَهُ عَنْ وَجْهِهِ قُلْتَ ثَنَيْته ثَنْياً. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُثْنَى عَنْ قِرْنِه وَلَا عَنْ وجْهه، قَالَ: وإِذا فَعَلَ الرَّجُلُ أَمراً ثُمَّ ضَمَّ إِليه أَمراً آخَرَ قِيلَ ثَنَّى بالأَمر الثَّانِي يُثَنِّي تَثْنِية. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
مَنْ قَالَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَه
أَي عاطفٌ رِجْلَهُ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَن ينهَض. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
مَنْ قَالَ قَبْلَ أَن يَثْنِيَ رِجْلَه
؛ قَالَ ابن
__________
(1) . قوله [والمُثَفَّاة إلخ] هكذا بضبط الأَصل فيه وفيما بعده والتكملة والصحاح وكذا في الأَساس، والذي في القاموس: المِثفاة بكسر الميم
(2) . البيت لإمرئ القيس من معلقته

(14/115)


الأَثير: وَهَذَا ضِدُّ الأَول فِي اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى، لأَنه أَراد قَبْلَ أَن يَصْرِفَ رَجْلَهُ عَنْ حَالَتِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِي التَّشَهُّدِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: نَزَلَتْ فِي بَعْضِ مَنْ كَانَ يلقى النبي، صلى الله عليه وسلم، بِمَا يُحِبُّ ويَنْطَوِي لَهُ عَلَى الْعَدَاوَةِ والبُغْض، فَذَلِكَ الثَّنْيُ الإِخْفاءُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
أَي يُسِرُّونَ عَدَاوَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
يُجِنُّون ويَطْوُون مَا فِيهَا وَيَسْتُرُونَهُ اسْتِخْفَاءً مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ: أَلا إِنَّهم تَثْنَوْني صُدُورُهُمْ، قَالَ: وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ تَنْثَني
، وَهُوَ مِنَ الفِعل افعَوْعَلْت. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله مِنْ ثَنَيت الشَّيْءَ إِذا حَنَيْته وعَطَفته وَطَوَيْتَهُ. وانْثَنَى أَي انْعطف، وَكَذَلِكَ اثْنَوْنَى عَلَى افْعَوْعَل. واثْنَوْنَى صَدْرُهُ عَلَى الْبَغْضَاءِ أَي انْحَنَى وَانْطَوَى. وَكُلُّ شَيْءٍ عَطَفْتَهُ فَقَدْ ثَنَيْتَهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِرَاعِي إِبل أَوردها الماءَ جُمْلَةً فَنَادَاهُ: أَلا واثْنِ وُجوهَها عَنِ الْمَاءِ ثُمَّ أَرْسِل مِنْها رِسْلًا رِسْلًا أَي قَطِيعًا، وأَراد بِقَوْلِهِ اثْنِ وُجوهها أَي اصْرِفْ وُجُوهَهَا عَنِ الْمَاءِ كَيْلَا تَزْدَحِمَ عَلَى الْحَوْضِ فَتَهْدِمَهُ. وَيُقَالُ لِلْفَارِسِ إِذا ثَنَى عُنُقَ دَابَّتِهِ عِنْدَ شدَّة حُضْرِه: جَاءَ ثَانِيَ العِنان. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ نَفْسُهُ: جَاءَ سَابِقًا ثَانِياً إِذا جَاءَ وَقَدْ ثَنَى عُنُقَهُ نَشاطاً لأَنه إِذا أَعيا مَدَّ عنقه، وإِذا لم يجئ وَلَمْ يَجْهَد وَجَاءَ سيرُه عَفْواً غَيْرَ مَجْهُودٍ ثَنَى عُنُقَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
ومَن يَفْخَرْ بِمِثْلِ أَبي وجَدِّي، ... يَجِئْ قَبْلَ السَّوَابِقِ، وهْو ثَانِي
أَي يجئ كَالْفَرَسِ السَّابِقِ الَّذِي قَدْ ثَنى عُنُقَهُ، وَيَجُوزُ أَن يَجْعَلَهُ كَالْفَارِسِ الَّذِي سَبَقَ فرسُه الْخَيْلَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ ثَنى مِنْ عُنُقِهِ. والاثْنان: ضِعْفُ الْوَاحِدِ. فأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، فَمِنَ التَّطَوُّعِ المُشامِ لِلتَّوْكِيدِ، وَذَلِكَ أَنه قَدْ غَنِيَ بِقَوْلِهِ إِلَهَيْن عَنِ اثْنَيْنِ، وإِنما فَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ وَالتَّشْدِيدُ؛ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؛ أَكد بِقَوْلِهِ الْأُخْرى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ، فَقَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ نَفْخَةٌ أَنها وَاحِدَةٌ فأَكد بِقَوْلِهِ واحِدَةٌ، وَالْمُؤَنَّثُ الثِّنْتان، تَاؤُهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الْيَاءِ أَنه مِنْ ثَنيْت لأَن الِاثْنَيْنِ قَدْ ثُنِّيَ أَحدهما إِلى صَاحِبِهِ، وأَصله ثَنَيٌ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُمْ إِياه عَلَى أَثْناء بِمَنْزِلَةِ أَبناء وآخاءٍ، فَنَقَلُوهُ مِنْ فَعَلٍ إِلى فِعْلٍ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي بِنْتٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ تَاءٌ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْيَاءِ فِي غَيْرِ افْتَعَلَ إِلا مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْنَتُوا، وَمَا حَكَاهُ أَبو عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِمْ ثِنْتَان، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ
؛ إِنما الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ كانَتَا تَجَرُّدُهُمَا مِنْ مَعْنَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وإِلا فَقَدْ عُلِمَ أَن الأَلف فِي كانَتَا وَغَيْرِهَا مِنَ الأَفعال عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ ثَانِيَ اثْنَين أَي هُوَ أَحدهما، مُضَافٌ، وَلَا يُقَالُ هُوَ ثانٍ اثْنَين، بِالتَّنْوِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مُشْبَعًا فِي تَرْجَمَةِ ثَلَثَ. وَقَوْلُهُمْ: هَذَا ثَانِي اثْنَين أَي هُوَ أَحد اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثالثُ ثلاثةٍ مُضَافٌ إِلى الْعَشَرَةِ، وَلَا يُنَوَّن، فإِن اخْتَلَفَا فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْتَ أَضفت، وإِن شِئْتَ نَوَّنْتَ وَقُلْتَ هَذَا ثَانِي وَاحِدٍ وثانٍ وَاحِدًا، الْمَعْنَى هَذَا ثَنَّى وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ ثالثُ اثْنَيْنِ وثالثٌ اثْنَيْنِ، وَالْعَدَدُ مَنْصُوبٌ مَا بَيْنَ أَحد عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ إِلا اثْنَيْ عَشَرَ فإِنك تُعْرِبُهُ عَلَى هِجَاءَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْعَدَدُ مَنْصُوبٌ مَا بَيْنَ أَحد عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ،

(14/116)


قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ وَالْعَدَدُ مَفْتُوحٌ، قَالَ: وَتَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ اثْنَتَانِ، وإِن شِئْتَ ثِنْتَان لأَن الأَلف إِنما اجْتُلِبَتْ لِسُكُونِ الثَّاءِ فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ سَقَطَتْ. وَلَوْ سُمِّيَ رَجُلٌ باثْنَيْن أَو باثْنَي عَشَرَ لَقُلْتَ فِي النِّسْبَةِ إِليه ثَنَوِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي ابْنٍ بَنَوِيٌّ، واثْنِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ابْنِيٌّ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ خُصْيَيْه مِنَ التَّدَلْدُلِ ... ظَرْفُ عجوزٍ فِيهِ ثِنْتا حَنْظَلِ
أَراد أَن يَقُولَ: فِيهِ حَنْظَلَتَانِ، فأَخرج الاثْنَين مَخْرَجَ سَائِرِ الأَعداد لِلضَّرُورَةِ وأَضافه إِلى مَا بَعْدَهُ، وأَراد ثِنْتان مِنْ حَنْظَلٍ كَمَا يُقَالُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وأَربعة دَرَاهِمَ، وَكَانَ حَقُّهُ فِي الأَصل أَن يَقُولَ اثْنَا دَرَاهِمَ وَاثْنَتَا نِسْوَةٍ، إِلَّا أَنهم اقْتَصَرُوا بِقَوْلِهِمْ دِرْهَمَانِ وامرأَتان عَنْ إِضافتهما إِلى مَا بَعْدَهُمَا.
وَرَوَى شِمْرٌ بإِسناد لَهُ يَبْلُغُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ أَنه سأَل النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الإِمارة فَقَالَ: أَوَّلها مَلامة وثِناؤُها نَدامة وثِلاثُها عذابٌ يومَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ عَدَل
؛ قَالَ شِمْرٌ: ثِناؤها أَي ثَانِيهَا، وثِلاثها أَي ثَالِثُهَا. قَالَ: وأَما ثُناءُ وثُلاثُ فَمَصْرُوفَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ وَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ رُباعُ ومَثْنَى؛ وأَنشد:
وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً، ... وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أَمْسِ الدَّابِرِ
وَقَالَ آخَرُ:
أُحاد ومَثْنَى أَضْعَفَتْها صَواهِلُه
اللَّيْثُ: اثْنَان اسْمَانِ لَا يُفْرَدَانِ قَرِينَانِ، لَا يُقَالُ لأَحدهما اثْنٌ كَمَا أَن الثَّلَاثَةَ أَسماء مُقْتَرِنَةٌ لَا تُفَرَّقُ، وَيُقَالُ فِي التأْنيث اثْنَتان وَلَا يُفْرَدَانِ، والأَلف فِي اثْنَيْنِ أَلف وَصْلٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا اثْنتان كَمَا قَالُوا هِيَ ابْنَةُ فُلَانٍ وَهِيَ بِنْتُهُ، والأَلف فِي الِابْنَةِ أَلف وَصْلٍ لَا تَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ، والأَصل فِيهِمَا ثَنَيٌ، والأَلف فِي اثْنَتَيْن أَلف وَصْلٍ أَيضاً، فإِذا كَانَتْ هَذِهِ الأَلف مَقْطُوعَةً فِي الشِّعْرِ فَهُوَ شَاذٌّ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:
إِذا جاوَزَ الإِثْنَيْن سِرٌّ، فإِنه ... بِنثٍّ وتَكْثيرِ الوُشاةِ قَمِينُ
غَيْرُهُ: واثْنَان مِنْ عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، واثْنَتَان لِلْمُؤَنَّثِ، وَفِي المؤَنث لُغَةٌ أُخرى ثِنْتَان بِحَذْفِ الأَلف، وَلَوْ جَازَ أَن يُفْرَدَ لَكَانَ وَاحِدُهُ اثْنٍ مِثْلَ ابْنٍ وَابْنَةٍ وأَلفه أَلف وَصْلٍ، وَقَدْ قَطَعَهَا الشَّاعِرُ عَلَى التَّوَهُّمِ فَقَالَ:
أَلا لَا أَرى إِثْنَيْنِ أَحْسنَ شِيمةً، ... عَلَى حدثانِ الدهرِ، مِنِّي ومنْ جُمْل
والثَّنْي: ضَمُّ وَاحِدٍ إِلى وَاحِدٍ، والثِّنْيُ الِاسْمُ، وَيُقَالُ: ثِنْيُ الثَّوْبِ لِمَا كُفَّ مِنْ أَطرافه، وأَصل الثَّنْي الكَفّ. وثَنَّى الشيءَ: جَعَلَهُ اثْنَيْنِ، واثَّنَى افْتَعَلَ مِنْهُ، أَصله اثْتنَى فَقُلِبَتِ الثَّاءُ تَاءً لأَن التَّاءَ آخَتِ الثَّاءَ فِي الْهَمْسِ ثُمَّ أُدغمت فِيهَا؛ قَالَ:
بَدا بِأَبي ثُمَّ اتَّنى بأَبي أَبي، ... وثَلَّثَ بالأَدْنَيْنَ ثَقْف المَحالب «3»
. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَالْقَوِيُّ فِي الْقِيَاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْلِبُ تَاءَ افْتَعَلَ ثَاءً فَيَجْعَلُهَا مَنْ لَفْظِ الْفَاءِ قَبْلَهَا فَيَقُولُ اثَّنَى واثَّرَدَ واثَّأَرَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي ادَّكر اذَّكر وَفِي اصْطَلحوا اصَّلحوا. وَهَذَا ثَانِي هَذَا أَي الَّذِي شَفَعَهُ. وَلَا يُقَالُ ثَنَيْته إِلَّا أَن أَبا زَيْدٍ قَالَ: هو واحد ف اثْنِه أَي كُنْ لَهُ ثَانِيًا. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي أَيضاً: فُلَانٌ لَا يَثْنِي وَلَا يَثْلِثُ أَي هُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فإِذا أَراد النُّهوض لَمْ يَقْدِرْ فِي مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا فِي الثَّالِثَةِ. وشَرِبْتُ اثْنَا القَدَح وشرِبت اثْنَيْ هَذَا القَدَح أَي اثْنَيْنِ مِثلَه، وَكَذَلِكَ
__________
(3) . قوله [ثقف المحالب] هو هكذا بالأَصل

(14/117)


شَرِبْتُ اثْنَيْ مُدِّ الْبَصْرَةِ، واثْنَيْن بِمدِّ الْبَصْرَةِ. وثَنَّيْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ اثْنَيْنِ. وَجَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى مَثْنَى أَي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَجَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى وثُلاثَ غَيْرَ مَصْرُوفَاتٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي ث ل ث، وَكَذَلِكَ النِّسْوَةُ وَسَائِرُ الأَنواع، أَي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ
صَلَاةُ اللَّيْلِ: مَثْنَى مَثْنَى
أَي رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، فَهِيَ ثُنَائِيَة لَا رُباعية. ومَثْنَى: مَعْدُولٌ مِنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
فَمَا حَلَبَتْ إِلَّا الثَّلاثة والثُّنَى، ... ولا قَيَّلَتْ إِلَّا قريبا مَقالُها
قَالَ: أَراد بِالثَّلَاثَةِ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْآنِيَةِ، وبالثُّنَى الِاثْنَيْنِ؛ وَقَوْلُ كُثَيِّرِ عِزَّةَ:
ذكرتَ عَطاياه، وليْستْ بحُجَّة ... عليكَ، وَلَكِنْ حُجَّةٌ لَكَ فَاثْنِني
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَعطني مَرَّةً ثَانِيَةً وَلَمْ أَره فِي غَيْرِ هَذَا الشِّعْرِ. والاثْنَانِ: مِنْ أَيام الأُسبوع لأَن الأَول عِنْدَهُمُ الأَحد، وَالْجَمْعُ أَثْنَاء، وَحَكَى مُطَرِّزٌ عَنْ ثَعْلَبٍ أَثَانِين، ويومُ الإِثْنَيْن لَا يُثَنى وَلَا يُجْمَعُ لأَنه مُثَنَّى، فإِن أَحببت أَن تَجْمَعَهُ كأَنه صِفَةُ الْوَاحِدِ، وَفِي نُسْخَةٍ كأَن لَفْظَه مبنيٌّ لِلْوَاحِدِ، قُلْتَ أَثَانِين، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَثَانِين لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ وإِنما هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ وقِياسِه، قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ قَالَ: وَالْمَسْمُوعُ فِي جَمْعِ الاثْنَيْن أَثْنَاء عَلَى مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَحَكَى السِّيرَافِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ فُلَانًا لَيَصُومَ الأَثْنَاء وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَيَصُومَ الثُّنِيَّ عَلَى فُعول مِثْلَ ثُدِيٍّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ الْيَوْمَ الثِّنَى، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمُ اليومُ الإثْنانِ، فإِنما هُوَ اسْمُ الْيَوْمِ، وإِنما أَوقعته الْعَرَبُ عَلَى قَوْلِكَ اليومُ يَوْمَانِ واليومُ خمسةَ عشرَ مِنَ الشَّهْرِ، وَلَا يُثَنَّى، وَالَّذِينَ قَالُوا اثْنَيْ جَعَلُوا بِهِ عَلَى الاثْن، وإِن لَمْ يُتَكلم بِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثُّلَاثَاءِ والأَربعاء يَعْنِي أَنه صَارَ اسْمًا غَالِبًا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَدْ قَالُوا فِي الشِّعْرِ يَوْمَ إِثْنَيْن بِغَيْرِ لَامٍ؛ وأَنشد لأَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:
أَرائحٌ أَنت يومَ إِثْنَيْنِ أَمْ غَادِي، ... ولمْ تُسَلِّمْ عَلَى رَيْحانَةِ الوادي؟
قال: وَكَانَ أَبو زِيَادٍ يَقُولُ مَضى الإثْنَانِ بِمَا فِيهِ، فيوحِّد ويذكِّر، وَكَذَا يَفْعل فِي سَائِرِ أَيام الأُسبوع كُلِّهَا، وَكَانَ يؤنِّث الْجُمُعَةَ، وَكَانَ أَبو الجَرَّاح يَقُولُ: مَضَى السَّبْتُ بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الأَحد بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الإثْنانِ بِمَا فِيهِمَا، وَمَضَى الثُّلَاثَاءُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الأَربعاء بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الْخَمِيسُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَتِ الْجُمُعَةُ بِمَا فِيهَا، كَانَ يُخْرِجُهَا مُخْرج الْعَدَدِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي الإثْنَيْنِ غَيْرُ زَائِدَةٍ وإِن لَمْ تَكُنِ الِاثْنَانِ صِفَةً؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: إِنما أَجازوا دُخُولَ اللَّامِ عَلَيْهِ لأَن فِيهِ تَقْدِيرَ الْوَصْفِ، أَلا تَرَى أَن مَعْنَاهُ الْيَوْمُ الثَّانِي؟ وَكَذَلِكَ أَيضاً اللَّامُ فِي الأَحد وَالثُّلَاثَاءِ والأَربعاء وَنَحْوِهَا لأَن تَقْدِيرَهَا الْوَاحِدُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالْجَامِعُ وَالسَّابِتُ، وَالسَّبْتُ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرض فِي سِتَّةِ أَيام أَولها الأَحد وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ، فأَصبحت يَوْمَ السَّبْتِ مُنْسَبِتَةً أَي قَدْ تَمَّتْ وَانْقَطَعَ الْعَمَلُ فِيهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الْيَهُودَ كَانُوا يَنْقَطِعُونَ فِيهِ عَنْ تَصَرُّفِهِمْ، فَفِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعْنَى الصِّفَةِ مَوْجُودٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُنِ اثْنَوِيّاً أَي مِمَّنْ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَحْدَهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ

(14/118)


الْعَظِيمَ؛ المَثَانِي مِنَ الْقُرْآنِ: مَا ثُنِّيَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ، قِيلَ لَهَا مَثَانٍ لأَنها يُثْنى بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَتُعَادُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُمِّيَتْ آيَاتُ الْحَمْدِ مَثَانِي، وَاحِدَتُهَا مَثْنَاة، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لأَنها تُثَنَّى مَعَ كُلِّ سُورَةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي، ... وكلَّ خيرٍ صالحٍ أَعطاني،
رَبِّ مَثَانِي الآيِ وَالْقُرْآنِ
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْفَاتِحَةِ:
هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي
، وَقِيلَ: المَثَانِي سُوَر أَوَّلها الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةُ، وَقِيلَ: مَا كَانَ دُونَ المِئِين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كأَن المِئِين جُعِلَتْ مبادِيَ وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِي، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ؛ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
مَنْ للقَوافي بعدَ حَسَّانَ وابْنِه؟ ... ومَنْ للمَثَانِي بعدَ زَيْدِ بنِ ثابتِ؟
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، مِنَ المَثَانِي مِمَّا أُثْني بِهِ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وتقدَّس لأَن فِيهَا حَمْدَ اللَّهِ وتوحيدَه وَذِكْرَ مُلْكه يومَ الدِّينِ، الْمَعْنَى؛ وَلَقَدْ آتَيناك سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ
؛ أَي مُكَرَّرًا أَي كُرِّرَ فِيهِ الثوابُ والعقابُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المَثَانِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَشياء، سَمَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَثَانِيَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ
؛ وسَمَّى فاتحةَ الْكِتَابِ مَثَانِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
؛ قَالَ: وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ مَثَانِي لأَن الأَنْباء والقِصَصَ ثُنِّيَتْ فِيهِ، وَيُسَمَّى جَمِيعُ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ أَيضاً لِاقْتِرَانِ آيَةِ الرَّحْمَةِ بِآيَةِ الْعَذَابِ. قَالَ الأَزهري: قرأْت بِخَطِّ شَمِرٍ قَالَ
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّف عَنْ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ أَن المَثَانِي سِتٌّ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَهِيَ: سُورَةُ الْحَجِّ، وَالْقَصَصِ، وَالنَّمْلِ، وَالنُّورِ، والأَنفال، وَمَرْيَمَ، وَالْعَنْكَبُوتِ، وَالرُّومِ، وَيس، وَالْفُرْقَانِ، وَالْحِجْرِ، وَالرَّعْدِ، وَسَبَأٍ، وَالْمَلَائِكَةِ، وإِبراهيم، وَص، وَمُحَمَّدٍ، وَلُقْمَانَ، والغُرَف، وَالْمُؤْمِنِ، والزُّخرف، وَالسَّجْدَةِ، والأَحقاف، والجاثِيَة، وَالدُّخَانِ
، فَهَذِهِ هِيَ المَثَانِي عِنْدَ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ، وَهَكَذَا وَجَدْتُهَا فِي النُّسَخِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَن السَّادِسَةَ وَالْعِشْرِينَ هِيَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ، فإِما أَن أَسقطها النُّسَّاخُ وإِمّا أَن يَكُونَ غَنيَ عَنْ ذِكْرِهَا بِمَا قدَّمه مِنْ ذَلِكَ وإِما أَن يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المَثَانِي مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ كُلُّ سُورَةٍ دُونَ الطُّوَلِ وَدُونَ المِئِين وَفَوْقَ المُفَصَّلِ؛
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَالْمُفَصَّلُ يَلِي المَثَانِي، والمَثَانِي مَا دُونَ المِئِين
، وإِنما قِيلَ لِمَا ولِيَ المِئِينَ مِنَ السُّوَر مَثَانٍ لأَن الْمِئِينَ كأَنها مَبادٍ وَهَذِهِ مَثَانٍ، وأَما
قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: مِنْ أَشراط السَّاعَةِ أَن توضَعَ الأَخْيار وتُرْفَعَ الأَشْرارُ وأَن يُقْرَأَ فِيهِمْ بالمَثْنَاةِ على رؤوس الناسِ لَيْسَ أَحَدٌ يُغَيّرُها، قِيلَ: وَمَا المَثْنَاة؟ قَالَ: مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ كأَنه جَعَلَ مَا اسْتُكتب مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَبْدَأً وَهَذَا مَثْنىً
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سأَلتُ رَجُلًا مِنْ أَهل العِلم بالكُتُبِ الأُوَلِ قَدْ عرَفها وقرأَها عَنِ المَثْنَاة فَقَالَ إِن الأَحْبار والرُّهْبان مِنْ بَنِي إِسرائيل مِنْ بَعْدِ مُوسَى

(14/119)


وَضَعُوا كِتَابًا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى مَا أَرادوا مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ المَثْنَاة؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ الأَخْذَ عَنْ أَهل الْكِتَابِ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَقَعَتْ إِليه يَوْمَ اليَرْمُوكِ مِنْهُمْ، فأَظنه قَالَ هَذَا لِمَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يُرِدِ النَّهْيَ عَنْ حَدِيثِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسُنَّتِه وَكَيْفَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَكثر الصَّحَابَةِ حَدِيثًا عَنْهُ؟ وَفِي الصِّحَاحِ فِي تَفْسِيرِ المَثْنَاةِ قَالَ: هِيَ التي تُسَمَّى بالفارسية دُو بَيْتي، وهو الغِناءُ؛ قال: وأَبو عُبَيْدَةَ يَذْهَبُ فِي تأْويله إِلى غَيْرِ هَذَا. والمَثاني مِنْ أَوْتارِ العُود: الَّذِي بَعْدَ الأَوّل، وَاحِدُهَا مَثْنىً. اللِّحْيَانِيُّ: التَّثْنِيَةُ أَن يَفُوزَ قِدْحُ رَجُلٍ مِنْهُمْ فيَنجُو ويَغْنَم فيَطْلُبَ إِليهم أَن يُعِيدُوه عَلَى خِطارٍ، والأَول أَقْيَسُ «1» . وأَقْرَبُ إِلى الِاشْتِقَاقِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ. ومَثْنَى الأَيادِي: أَن يُعِيدَ معروفَه مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَقِيلَ: هُوَ أَن يأْخذَ القِسْمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: هُوَ الأَنْصِباءُ الَّتِي كانت تُفْصَلُ مِنَ الجَزُور، وَفِي التَّهْذِيبِ: مِنْ جَزُورِ المَيْسِر، فَكَانَ الرجلُ الجَوادُ يَشْرِيها فَيُطْعِمُها الأَبْرامَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَيْسِرون؛ هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: مَثْنَى الأَيادِي أَن يَأْخُذَ القِسْمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
يُنْبِيك ذُو عِرْضِهمْ عَنِّي وعالِمُهُمْ، ... وَلَيْسَ جاهلُ أَمْر مِثْلَ مَنْ عَلِمَا
إِني أُتَمِّمُ أَيْسارِي وأَمْنَحُهُمْ ... مَثْنَى الأَيادِي، وأَكْسُو الجَفْنَة الأُدُما
والمَثْنَى: زِمامُ النَّاقَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنَّهُ ... تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
والثِّنْيُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي وَضَعَتْ بَطْنَيْنِ، وثِنْيُها وَلَدُهَا، وَكَذَلِكَ المرأَة، وَلَا يُقَالُ ثِلْثٌ وَلَا فوقَ ذَلِكَ. وَنَاقَةٌ ثِنْيٌ إِذا وَلَدَتِ اثْنَيْنِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا وَلَدَتْ بَطْنَيْنِ، وَقِيلَ: إِذا وَلَدَتْ بَطْنًا وَاحِدًا، والأَول أَقيس، وَجَمْعُهَا ثُنَاءٌ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، جَعَلَهُ كظِئْرٍ وظُؤارٍ؛ وَاسْتَعَارَهُ لَبِيدٌ للمرأَة فَقَالَ:
لياليَ تحتَ الخِدْرِ ثِنْي مُصِيفَة ... مِنَ الأُدْم، تَرْتادُ الشُّرُوج القَوابِلا
وَالْجَمْعُ أَثْنَاء؛ قَالَ:
قامَ إِلى حَمْراءَ مِنْ أَثْنَائِها
قَالَ أَبو رِياش: وَلَا يُقَالُ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ مُشْتَقًّا؛ التَّهْذِيبِ: وَوَلَدُهَا الثَّانِي ثِنْيُها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ لِلنَّاقَةِ إِذا وَلَدَتْ أَول وَلَدٍ تَلِدُهُ فَهِيَ بِكْر، وَوَلَدها أَيضاً بِكْرُها، فإِذا وَلَدَتِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ فَهِيَ ثِنْيٌ، وَوَلَدُهَا الثَّانِي ثِنْيها، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ بَيْتِ لَبِيدٍ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ المُصِيفة الَّتِي تَلِدُ وَلَدًا وَقَدْ أَسنَّت، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ مُصِيف وَوَلَدُهُ صَيْفِيّ، وأَرْبَعَ الرجلُ وَوَلَدُهُ رِبْعِيُّون. والثَّوَانِي: القُرون الَّتِي بَعْدَ الأَوائل. والثِّنَى، بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ: الأَمر يُعَادُ مَرَّتَيْنِ وأَن يُفْعَلَ الشيءَ مَرَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ ثِنىً وثُنىً وطِوىً وطُوىً وَقَوْمٌ عِداً وعُداً وَمَكَانٌ سِوىً وسُوىً. والثِّنَى فِي الصّدَقة: أَن تُؤْخَذَ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ.
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ
، مَقْصُورٌ، يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ؛ وَقَالَ الأَصمعي والكسائي، وأَنشد أَحدهما لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ وَكَانَتِ امرأَته لَامَتْهُ في بَكْرٍ نحره:
__________
(1) . قوله [والأَول أقيس إلخ] أي من معاني المثناة في الحديث

(14/120)


أَفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامَةً؟ ... لَعَمْري لَقَدْ كانَتْ مَلامَتُها ثِنَى
أَي لَيْسَ بأَوّل لومِها فَقَدْ فَعَلَتْهُ قَبْلَ هَذَا، وَهَذَا ثِنىً بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
أَعاذِلُ، إِنَّ اللَّوْمَ، فِي غَيْرِ كُنْهِهِ، ... عَليَّ ثِنىً مِنْ غَيِّكِ المُتَرَدِّد
قَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَن الثِّنَى إِعادة الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ وجهَ الْكَلَامِ وَلَا مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ أَن يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى آخَرَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُرِيدُ أَن يستردَّها، فَيُقَالُ لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ أَي لَا رُجُوعَ فِيهَا، فَيَقُولُ المُتَصَدِّقُ بِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ لَكَ عليَّ عُصْرَةُ الْوَالِدِ أَي لَيْسَ لَكَ رُجُوعٌ كَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا يُعطي وَلَده؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ أَي فِي أَخذ الصَّدَقَةِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الصَّدَقَةُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، وَهُوَ أَخذ الصَّدَقَةِ كَالزَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ بِمَعْنَى التَّزْكِيَةِ وَالتَّذْكِيَةِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلى حَذْفِ مُضَافٍ. والثِّنَى: هُوَ أَن تُؤْخَذَ نَاقَتَانِ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ وَاحِدَةٍ. والمَثْناة والمِثْناة: حَبْلٌ مِنْ صُوفٍ أَو شَعْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَبْلُ مِنْ أَيّ شَيْءٍ كَانَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَثْناة، بِالْفَتْحِ، الْحَبْلُ. الْجَوْهَرِيُّ: الثِّنَاية حَبْلٌ مِنْ شَعْرٍ أَو صُوفٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَنا سُحَيْمٌ، ومَعِي مِدرايَهْ ... أَعْدَدْتُها لِفَتْكِ ذِي الدوايَهْ،
والحَجَرَ الأَخْشَنَ والثِّنايَهْ
قَالَ: وأَما الثِّنَاءُ، مَمْدُودٌ، فَعِقَالُ الْبَعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ حَبْلٍ مَثْنيٍّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ثِنْيَيْه فَهُوَ ثِناءٌ لَوْ أُفرد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما لَمْ يُفْرَدْ لَهُ وَاحِدٌ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ تُشَدُّ بأَحد طَرَفَيْهِ الْيَدُ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ الأُخرى، فَهُمَا كَالْوَاحِدِ. وَعَقَلْتُ الْبَعِيرَ بِثنايَيْن، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، لأَنه لَا وَاحِدَ لَهُ إِذا عَقَلْتَ يَدَيْهِ جَمِيعًا بِحَبْلٍ أَو بِطَرَفَيْ حَبْلٍ، وإِنما لَمْ يُهْمَزْ لأَنه لَفْظٌ جَاءَ مُثَنّىً لَا يُفْرَدُ وَاحِدُهُ فَيُقَالُ ثِنَاء، فَتُرِكَتِ الْيَاءُ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا فِي مِذْرَوَيْن، لأَن أَصل الْهَمْزَةِ فِي ثِنَاءٍ لَوْ أُفْرد ياءٌ، لأَنه مِنْ ثَنَيْتُ، وَلَوْ أُفرد وَاحِدُهُ لَقِيلَ ثِنَاءَان كَمَا تَقُولُ كِسَاءَانِ وَرِدَاءَانِ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رأَيت ابْنَ عُمَرَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ وَهِيَ بَارِكَةٌ مَثْنِيَّة بِثِنايَيْن
، يَعْنِي مَعْقُولَةٌ بِعِقالين، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْحَبْلُ الثِّنَايَة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما لَمْ يَقُولُوا ثِنَاءَيْن، بِالْهَمْزِ، حَمْلًا عَلَى نَظَائِرِهِ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ يشد بأَحد طرفيه يد، وَبِطَرَفِهِ الثَّانِي أُخرى، فَهُمَا كَالْوَاحِدِ، وإِن جَاءَ بِلَفْظِ اثْنَيْنِ فَلَا يُفْرَدُ لَهُ وَاحِدٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلت الْخَلِيلَ عَنِ الثِّنَايَيْن فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّهَايَةِ لأَن الزِّيَادَةَ فِي آخِرِهِ لَا تُفَارِقُهُ فأَشبهت الْهَاءَ، وَمِنْ ثم قالوا مذروان، فجاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل لأَن الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تُفَارِقُهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الْخَلِيلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قَوْلِهِمْ عَقَلْته بِثِنايَيْن وهِنايَيْن لِمَ لَمْ يَهْمِزُوا؟ فَقَالَ: تَرَكُوا ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُفْرد الواحدُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: لَوْ كَانَتْ يَاءُ التَّثْنِيَةُ إِعراباً أَو دَلِيلَ إِعراب لَوَجَبَ أَن تُقْلَبَ الْيَاءُ الَّتِي بَعْدَ الأَلف هَمْزَةً فَيُقَالُ عَقَلْتُهُ بِثِناءَيْن، وَذَلِكَ لأَنها يَاءٌ وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ فَجَرَى مَجْرَى يَاءِ رِداءٍ ورِماءٍ وظِباءٍ. وعَقَلْتُه بِثِنْيَيْنِ إِذا عَقَلْت يَدًا وَاحِدَةً بعُقْدتين. الأَصمعي: يُقَالُ عَقَلْتُ البعيرَ بثِنَايَيْنِ، يُظهرون الْيَاءَ بَعْدَ الأَلف وَهِيَ الْمَدَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا، وَلَوْ مَدَّ مادٌّ لَكَانَ صَوَابًا كَقَوْلِكَ كِسَاءٌ وَكِسَاوَانِ وَكِسَاءَانِ. قَالَ: وَوَاحِدُ الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ مِثْلُ كِسَاءٍ

(14/121)


مَمْدُودٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَغفل اللَّيْثُ الْعِلَّةَ فِي الثِّنَايَيْنِ وأَجاز مَا لَمْ يُجِزْهُ النَّحْوِيُّونَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ عِنْدَ قَوْلِ الْخَلِيلِ تَرَكُوا الْهَمْزَةَ فِي الثِّنَايَيْن حَيْثُ لَمْ يُفْرِدُوا الْوَاحِدَ، قَالَ: هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ اللَّيْثُ فِي كِتَابِهِ لأَنه أَجاز أَن يُقَالَ لِوَاحِدِ الثِّنَايَيْن ثِناء، وَالْخَلِيلُ يَقُولُ لَمْ يَهْمِزُوا الثِّنايَيْنِ لأَنهم لَا يُفْرِدُونَ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا، وَرَوَى هَذَا شِمْرٌ لِسِيبَوَيْهِ. وَقَالَ شِمْرٌ: قَالَ أَبو زَيْدٍ يُقَالُ عَقَلْتُ الْبَعِيرَ بثِنَايَيْن إِذا عَقَلْتَ يَدَيْهِ بِطَرَفَيْ حَبْلٍ، قَالَ: وَعَقَلْتُهُ بثِنْيَيْنِ إِذا عَقَلَهُ يَدًا وَاحِدَةً بِعُقْدَتَيْنِ. قَالَ شِمْرٌ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَمْ يَهْمِزُوا ثِنَايَيْن لأَن وَاحِدَهُ لَا يُفْرَدُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْبَصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ فِي الثِنَايَيْن وعلى أَن لا يُفْرِدُوا الْوَاحِدَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْحَبْلُ يُقَالُ لَهُ الثِّنَايةُ، قَالَ: وإِنما قَالُوا ثِنايَيْن وَلَمْ يَقُولُوا ثِنايتَيْنِ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ يُشَدُّ بأَحد طَرَفَيْهِ يَدُ الْبَعِيرِ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ اليدُ الأُخْرى، فَيُقَالُ ثَنَيْتُ الْبَعِيرَ بثِنايَيْنِ كأَنَّ الثِّنَايَيْن كَالْوَاحِدِ وإِن جَاءَ بِلَفْظِ اثْنَيْنِ وَلَا يُفْرَدُ لَهُ وَاحِدٌ، وَمِثْلُهُ المِذْرَوانِ طَرَفَا الأَلْيَتَيْنِ، جُعِلَ وَاحِدًا، وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ لَقِيلَ مِذْرَيان، وأَما العِقَالُ الواحدُ فإِنه لَا يُقَالُ لَهُ ثِنايَةٌ، وإِنما الثِّنَايَة الْحَبْلُ الطَّوِيلُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ يَصِفُ السَّانيةَ وشدَّ قِتْبِها عَلَيْهَا:
تَمْطُو الرِّشاءَ، فَتُجْرِي فِي ثِنَايَتها، ... مِنَ المَحالَةِ، ثَقْباً رَائِدًا قَلِقَا
والثِّنَايَة هَاهُنَا: حَبْلٌ يُشَدُّ طَرَفَاهُ فِي قِتْب السَّانِيَةِ وَيُشَدُّ طَرَفُ الرِّشاء فِي مَثْناته، وَكَذَلِكَ الْحَبَلُ إِذا عُقِلَ بِطَرَفَيْهِ يَدُ الْبَعِيرِ ثِنَايَةٌ أَيضاً. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فِي ثِنَايَتها أَي فِي حَبْلِهَا، مَعْنَاهُ وَعَلَيْهَا ثِنَايَتُهَا. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الثِّنَاية عُودٌ يُجْمَعُ بِهِ طَرَفَا المِيلين مِنْ فَوْقِ المَحَالة وَمِنْ تَحْتِهَا أُخرى مِثْلُهَا، قَالَ: والمَحَالة والبَكَرَة تَدُورُ بَيْنَ الثّنَايَتَيْن. وثِنْيَا الْحَبْلِ: طَرَفَاهُ، وَاحِدُهَمَا ثِنْيٌ. وثِنْيُ الْحَبْلِ مَا ثَنَيْتَ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
لَعَمْرُك، إِنَّ الموتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى ... لَكالطِّوَلِ المُرْخى، وثِنْياه فِي الْيَدِ
يَعْنِي الْفَتَى لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ وإِن أُنْسِئ فِي أَجله، كَمَا أَن الدَّابَّةَ وإِن طُوّل لَهُ طِوَلُه وأُرْخِي لَهُ فِيهِ حَتَّى يَرُود فِي مَرتَعه وَيَجِيءَ وَيَذْهَبَ فإِنه غَيْرُ مُنْفَلِتٍ لإِحراز طَرَفِ الطِّوَل إِياه، وأَراد بِثِنْيَيه الطَّرَفَ المَثْنِيَّ فِي رُسْغه، فَلَمَّا انْثَنَى جَعَلَهُ ثِنْيين لأَنه عُقِدَ بِعُقْدَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ طَرَفَةَ: يَقُولُ إِن الْمَوْتَ، وإِن أَخطأَ الْفَتَى، فإِن مَصِيرَهُ إِليه كَمَا أَن الْفَرَسَ، وإِن أُرْخِي لَهُ طِوَلُه، فإِن مَصِيرَهُ إِلى أَن يَثْنيه صَاحِبُهُ إِذ طَرَفُهُ بِيَدِهِ. وَيُقَالُ: رَبَّق فُلَانٌ أَثْنَاء الْحَبْلِ إِذا جَعَلَ وَسَطَهُ أَرْباقاً أَي نُشَقاً لِلشَّاءِ يُنْشَق فِي أَعناق البَهْمِ. والثِّنَى مِنَ الرِّجَالِ: بَعْدَ السَّيِّد، وَهُوَ الثُّنْيان؛ قَالَ أَوس بْنُ مَغْراء:
تَرَى ثِنانا إِذا مَا جَاءَ بَدْأَهُمُ، ... وبَدْؤُهُمْ إِن أَتانا كَانَ ثُنْيَانا
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: ثُنْيَانُنا إِن أَتاهم؛ يَقُولُ: الثَّانِي منَّا فِي الرِّيَاسَةِ يَكُونُ فِي غَيْرِنَا سَابِقًا فِي السُّودد، وَالْكَامِلُ فِي السُّودد مِنْ غَيْرِنَا ثِنىً فِي السُّودُدِ عِنْدَنَا لِفَضْلِنَا عَلَى غَيْرِنَا. والثُّنْيَان، بِالضَّمِّ: الَّذِي يَكُونُ دُونَ السَّيِّدِ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَالْجَمْعُ ثِنْيَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:
طَوِيلُ اليدَيْنِ رَهْطُه غيرُ ثِنْيَةٍ، ... أَشَمُّ كَرِيمٌ جارُه لَا يُرَهَّقُ
وَفُلَانٌ ثِنْيَة أَهل بَيْتِهِ أَي أَرذلهم. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ

(14/122)


لِلَّذِي يَجِيءُ ثَانِيًا فِي السُّودد وَلَا يَجِيءُ أَولًا ثُنىً، مَقْصُورٌ، وثُنْيَانٌ وثِنْيٌ، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ. وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيةِ:
يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الفُجور وثِنَاه
أَي أَوَّله وَآخِرُهُ. والثَّنِيَّة: وَاحِدَةُ الثَّنَايَا مِنَ السِّن. الْمُحْكَمِ: الثَّنِيَّة مِنَ الأَضراس أولُ مَا فِي الْفَمِ. غَيْرُهُ: وثَنَايَا الإِنسان فِي فَمِهِ الأَربعُ الَّتِي فِي مُقَدَّمِ فِيهِ: ثِنْتَانِ مِنْ فَوْقُ، وثِنْتَانِ مِنْ أَسفل. ابْنُ سِيدَهْ: وللإِنسان والخُفِّ والسَّبُع ثَنِيَّتَان مِنْ فوقُ وثَنِيَّتَان مِنْ أَسفلَ. والثَّنِيُّ مِنَ الإِبل: الَّذِي يُلْقي ثَنِيَّته، وَذَلِكَ فِي السَّادِسَةِ، وَمِنَ الْغَنَمِ الدَّاخِلِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، تَيْساً كَانَ أَو كَبْشاً. التَّهْذِيبِ: الْبَعِيرُ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْخَامِسَةَ وَطَعَنَ السَّادِسَةَ فَهُوَ ثَنِيٌّ، وَهُوَ أَدنى مَا يَجُوزُ مِنْ سنِّ الإِبل فِي الأَضاحي، وَكَذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ والمِعْزى «2» ، فَأَمَّا الضَّأْنُ فَيَجُوزُ مِنْهَا الجَذَعُ فِي الأَضاحي، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْبَعِيرُ ثَنِيّاً لأَنه أَلقى ثَنيَّته. الْجَوْهَرِيُّ: الثَّنِيّ الَّذِي يُلْقِي ثَنِيَّته، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الظِّلْف وَالْحَافِرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَفِي الخُفّ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ. وَقِيلَ لابْنةِ الخُسِّ: هَلْ يُلْقِحُ الثَّنِيُّ؟ فَقَالَتْ: وإلْقاحُه أَنِيٌّ أَي بَطِيءٌ، والأُنْثى ثَنِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ ثَنِيَّاتٌ، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ثِنَاء وثُنَاء وثُنْيَانٌ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ ثُن. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ قَبْلَ الثَّنيّ اسْمٌ يُسَمَّى وَلَا بَعْدَ الْبَازِلِ اسْمٌ يُسَمَّى. وأَثْنَى البعيرُ: صَارَ ثَنِيّاً، وَقِيلَ: كُلُّ مَا سَقَطَتْ ثَنِيّته مِنْ غَيْرِ الإِنسان ثَنِيٌّ، وَالظَّبْيُ ثَنِيٌّ بَعْدَ الإِجذاع وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ. وأَثْنَى أَي أَلْقى ثَنِيّته. وَفِي حَدِيثِ الأُضحية:
أَنه أَمَرَ بالثَّنِيَّة مِنَ المَعَز
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الثَّنِيَّة مِنَ الْغَنَمِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَلِكَ، وَمِنَ الإِبل فِي السَّادِسَةِ، وَالذَّكَرُ ثَنِيٌّ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ مَا دَخَلَ مِنَ المَعَز فِي الثَّانِيَةِ، وَمِنَ الْبَقَرِ فِي الثَّالِثَةِ. ابْنُ الأَعرابي: فِي الْفَرَسِ إِذَا استَتَمَّ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ ثَنِيٌّ، فَإِذَا أَثْنَى أَلقى رَوَاضِعَهُ، فَيُقَالُ أَثْنَى وأَدْرَم للإِثْنَاء، قَالَ: وَإِذَا أَثْنَى سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ وَنَبَتَ مَكَانَهَا سِنٌّ، فَنَبَاتُ تِلْكَ السِّنِّ هُوَ الإِثْنَاء، ثُمَّ يَسْقُطُ الَّذِي يَلِيهِ عِنْدَ إِرْبَاعِهِ. والثَّنِيُّ مِنَ الْغَنَمِ: الَّذِي اسْتَكْمَلَ الثَّانِيَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ ثَنِيٌّ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلَ الشَّاةِ سَوَاءً. والثَّنِيَّة: طَرِيقُ الْعَقَبَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ طَلَّاع الثَّنَايَا إِذَا كَانَ سَامِيًا لِمَعَالِي الأُمور كَمَا يُقَالُ طَلَّاع أَنْجُدٍ، والثَّنِيَّة: الطَّرِيقَةُ فِي الْجَبَلِ كالنَّقْب، وَقِيلَ: هِيَ العَقَبة، وَقِيلَ: هِيَ الْجَبَلُ نَفْسَهُ. ومَثَانِي الدَّابَّةِ: رُكْبَتَاهُ ومَرْفِقاه؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
ويَخْدِي عَلَى صُمّ صِلابٍ مَلاطِسٍ، ... شَديداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثَانِي
أَي لَيْسَتْ بجاسِيَة. أَبو عَمْرٍو: الثَّنَايَا العِقاب. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والعِقاب جِبَالٌ طِوالٌ بعَرْضِ الطَّرِيقِ، فَالطَّرِيقُ تَأْخُذُ فِيهَا، وَكُلُّ عَقَبة مَسْلُوكَةٍ ثَنِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا ثَنَايَا، وَهِيَ المَدارِج أَيضاً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ ذِي البِجادَيْن المُزَني:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً، وَسُومِي، ... تعَرُّضَ الجَوْزاء للنُّجوم
يُخَاطِبُ نَاقَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ دَلِيلَهُ بِرُكُوبِهِ، وَالتَّعَرُّضُ فِيهَا: أَنْ يَتَيامَن الساندُ فِيهَا مرَّة ويَتَياسَر أُخْرَى لِيَكُونَ أَيسر عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ يَصْعَدْ ثَنِيَّة المُرارِ حُطَّ عنه
__________
(2) . قوله [وَكَذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْمِعْزَى] كذا بالأصل، وكتب عليه بالهامش: كذا وجدت انتهى. وهو مخالف لما في القاموس والمصباح والصحاح ولما سيأتي له عن النهاية

(14/123)


مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
؛ الثَّنِيَّة فِي الْجَبَلِ: كَالْعَقَبَةِ فِيهِ، وَقِيلَ: هِيَ الطَّرِيقُ الْعَالِي فِيهِ، وَقِيلَ: أَعلى المَسِيل فِي رأْسه، والمُرار، بِالضَّمِّ: مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ الحُدَيْبية، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِالْفَتْحِ، وَإِنَّمَا حَثَّهم عَلَى صُعُودِهَا لأَنها عَقَبة شاقَّة، وَصَلُوا إِلَيْهَا لَيْلًا حِينَ أَرادوا مَكَّةَ سَنَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فرغَّبهم فِي صُعُودِهَا، وَالَّذِي حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ ذُنُوبُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ؛ وَفِي خُطْبَةِ الحجَّاج:
أَنا ابنُ جَلا وطَلَّاع الثَّنَايا
هِيَ جَمْعُ ثَنِيَّة، أَراد أَنه جَلْدٌ يَرْتَكِبُ الأُمور الْعِظَامَ. والثَّنَاءُ: مَا تَصِفُ بِهِ الإِنسانَ مِنْ مَدْح أَو ذَمٍّ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمَدْحَ، وَقَدْ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَبِي المُثلَّم الْهُذَلِيِّ:
يَا صَخْرُ، أَو كُنْتَ تُثْنِي أَنَّ سَيْفَكَ مَشْقُوقُ ... الخُشَيْبةِ، لَا نابٍ وَلَا عَصِلُ
مَعْنَاهُ تَمْتَدِحُ وَتَفْتَخِرُ، فَحَذَفَ وأَوصل. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُبْدَأُ بِذِكْرِهِ فِي مَسْعاةٍ أَوْ مَحْمَدة أَو عِلْمٍ: فُلَانٌ بِهِ تُثْنَى الْخَنَاصِرُ أَي تُحْنَى فِي أَوَّل مَنْ يُعَدّ ويُذْكر، وأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، وَالِاسْمُ الثَّنَاء. الْمُظَفَّرُ: الثَّنَاءُ، مَمْدُودٌ، تَعَمُّدُك لتُثْنيَ عَلَى إِنْسَانٍ بحسَن أَو قَبِيحٍ. وَقَدْ طَارَ ثَنَاءُ فُلَانٍ أَي ذَهَبَ فِي النَّاسِ، وَالْفِعْلُ أَثْنَى فُلَانٌ «1» عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ عَلَى الْمَخْلُوقِ يُثْنِي إِثْنَاء أَو ثَنَاءً يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ مِنَ الْذِّكْرِ فِي الْمَخْلُوقِينَ وَضِدِّهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَثْنَى إِذَا قَالَ خَيْرًا أَو شَرًّا، وانْثَنَى إِذَا اغْتَابَ. وثِنَاء الدَّارِ: فِناؤها. قَالَ ابْنُ جِنِّي: ثِنَاء الدَّارِ وفِناؤها أَصْلانِ لأَن الثِّنَاء مِن ثَنَى يَثْنِي، لأَن هُنَاكَ تَنْثَني عَنِ الِانْبِسَاطِ لِمَجِيءِ آخِرِهَا وَاسْتِقْصَاءِ حُدُودِهَا، وفِناؤها مِنْ فَنِيَ يَفْنَى لأَنك إِذَا تَنَاهَيْتَ إِلَى أَقصى حُدُودِهَا فَنِيَتْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا جَعَلْتَ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَفْنِيَة، بِالْفَاءِ، دَلَالَةً عَلَى أَن الثَّاءَ فِي ثِنَاء بَدَلٌ مِنْ فَاءِ فِنَاءٍ، كَمَا زَعَمْتَ أَن فَاءَ جَدَف بَدَلٌ مِنْ ثَاءِ جَدَث لإِجماعهم عَلَى أَجْداث بِالثَّاءِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وُجُودُنَا لِثِناء مِنَ الِاشْتِقَاقِ مَا وَجَدْنَاهُ لِفِناء، أَلا تَرَى أَن الْفِعْلَ يَتَصَرَّفُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؟ ولَسْنا نَعْلَمُ لِجَدَفٍ بِالْفَاءِ تَصَرُّفَ جَدَثٍ، فَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بأَن الْفَاءَ بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ، وَجَعَلَهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْمُبْدَلِ. واسْتَثْنَيْتُ الشيءَ مِنَ الشَّيْءِ: حاشَيْتُه. والثَّنِيَّة: مَا اسْتُثْني.
وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنه قَالَ: الشُّهداء ثَنِيَّةُ اللَّهِ فِي الأَرض
، يَعْنِي مَن اسْتَثْناه مِنَ الصَّعْقة الأُولى، تأوَّل قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ؛ فَالَّذِينَ استَثْناهم اللَّهُ عِنْدَ كَعْبٍ مِنَ الصَّعْق الشُّهَدَاءَ لأَنهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِذَا نُفِخ فِي الصُّورِ وصَعِقَ الخَلْقُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى لَمْ يُصْعَقوا، فكأَنهم مُسْتَثْنَوْنَ مِنَ الصَّعِقين، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ كَعْبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَيضاً. والثَّنِيَّة: النَّخْلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنَ المُساوَمَة. وحَلْفَةٌ غَيْرُ ذَاتِ مَثْنَوِيَّة أَي غَيْرُ مُحَلَّلة. يُقَالُ: حَلَف فُلَانٌ يَمِينًا لَيْسَ فِيهَا ثُنْيا وَلَا ثَنْوَى «2» . وَلَا ثَنِيَّة وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءٌ، كُلُّهُ وَاحِدٌ، وَأَصْلُ هَذَا كُلُّهُ مِنَ الثَّنْي والكَفِّ والرَّدّ لأَن
__________
(1) . قوله [والفعل أثنى فلان] كذا بالأصل ولعل هنا سقطاً من الناسخ وأصل الكلام: والفعل أثنى وأثنى فلان إلخ
(2) . قوله [لَيْسَ فِيهَا ثُنْيَا وَلَا ثَنْوَى] أي بالضم مع الياء والفتح مع الواو كما في الصحاح والمصباح وضبط في القاموس بالضم، وقال شارحه: كالرجعى

(14/124)


الْحَالِفَ إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لَا أَفعل كَذَا وَكَذَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ غَيْرَه فَقَدْ رَدَّ مَا قَالَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ. والثِّنْوة: الِاسْتِثْنَاءُ. والثُّنْيَانُ، بِالضَّمِّ: الِاسْمُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ الثَّنْوَى، بِالْفَتْحِ. والثُّنْيَا والثُّنْوَى: مَا اسْتَثْنَيْتَهُ، قُلِبَتْ يَاؤُهُ وَاوًا لِلتَّصْرِيفِ وَتَعْوِيضِ الْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا، والفرقِ أَيضاً بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. والثُّنْيا الْمَنْهِيُّ عَنْهَا فِي الْبَيْعِ: أَن يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ إِذَا بَاعَ جَزُورًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَاسْتَثْنَى رأْسه وأَطرافه، فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ الثُّنْيا إِلَّا أَن تُعْلَمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ أَن يُسْتَثْنَى فِي عَقْدِ الْبَيْعِ شَيْءٌ مَجْهُولٌ فَيُفْسِدُهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُبَاعَ شَيْءٌ جُزَافًا فَلَا يَجُوزُ أَن يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ قلَّ أَو كَثُرَ، قَالَ: وَتَكُونُ الثُّنْيَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَن يُسْتثنى بَعْدَ النِّصْفِ أَو الثُّلُثِ كَيْلٌ مَعْلُومٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَعتق أَوْ طلَّق ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاءُ
أَي مَنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ شَرْطًا أَو عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ فَلَهُ مَا شَرَطَ أَو اسْتَثْنَى مِنْهُ، مِثْلَ أَن يَقُولَ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً أَو أَعتقتهم إِلَّا فُلَانًا، والثُّنْيا مِنَ الجَزور: الرأْس وَالْقَوَائِمُ، سُمِّيَتْ ثُنْيا لأَن الْبَائِعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَسْتَثْنِيهَا إِذَا بَاعَ الْجَزُورَ فَسُمِّيَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ الثُّنْيا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ لِرَجُلٍ نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ فَمَرِضَتْ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَاشْتَرَطَ ثُنْيَاها
؛ أَراد قَوَائِمَهَا ورأْسها؛ وَنَاقَةٌ مذكَّرة الثُّنْيا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
مذَكَّرة الثُّنْيا مُسانَدة القَرَى، ... جُمالِيَّة تَخْتبُّ ثُمَّ تُنِيبُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: يَصِفُ النَّاقَةَ أَنها غَلِيظَةُ الْقَوَائِمِ كأَنها قَوَائِمُ الْجَمَلِ لِغِلَظِهَا. مذكَّرة الثُّنْيا: يَعْنِي أَن رأْسها وَقَوَائِمَهَا تُشْبِهُ خَلْق الذِّكارة، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا. والثَّنِيَّة: كالثُّنْيا. وَمَضَى ثِنْيٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي سَاعَةٌ؛ حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: والثُنُون «1» : الجمع العظيم.
ثها: ابْنُ الأَعرابي: ثَها إِذَا حَمُق، وهَثا إِذَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وثاهَاه إِذَا قاوَلَه، وهاثاهُ إِذَا مازَحه ومايَلَه.
ثوا: الثَّواءُ: طولُ المُقام، ثَوَى يَثْوي ثَواءً وثَوَيْتُ بِالْمَكَانِ وثَوَيْته ثَواءً وثُوِيّاً مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مَضاءً ومُضِيّاً؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، وأَثْوَيْت بِهِ: أَطلت الإِقامة بِهِ. وأَثْوَيْته أَنا وثَوَّيْته؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: أَلزمته الثَّواء فِيهِ. وثَوَى بِالْمَكَانِ: نَزَلَ فِيهِ، وَبِهِ سُمِّي الْمَنْزِلُ مَثْوىً. والمَثْوى: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقام بِهِ، وَجَمْعُهُ المَثَاوِي. ومَثْوَى الرَّجُلِ: مَنْزِلُهُ. والمَثْوَى: مَصْدَرُ ثَوَيْت أَثْوِي ثَواءً ومَثْوىً. وَفِي كِتَابِ أَهل نَجْران: وَعَلَى نَجْران مَثْوَى رُسُلي أَي مسكَنُهم مُدَّةَ مُقامهم ونُزُلهم. والمَثْوَى: المَنْزل. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رُمْح النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ اسْمُهُ المُثْوِيَ
؛ سُمِّيَ بِهِ لأَنه يُثْبِت المطعونَ بِهِ، مِنَ الثَّوَاء الإِقامة. وأَثْوَيت بِالْمَكَانِ: لُغَةٌ فِي ثَوَيْت؛ قَالَ الأَعشى:
أَثْوَى وقَصَّرَ ليلَه لِيُزَوَّدا، ... ومَضَى وأَخْلَفَ مِن قُتَيْلَة مَوْعِدا
وأَثْوَيْت غَيْرِي: يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وثَوَّيْت غَيْرِي تَثْوِيَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ
؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: المَثْوَى عِنْدِي فِي الْآيَةِ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ دُونَ الْمَكَانِ لِحُصُولِ الْحَالِ فِي الْكَلَامِ مُعْمَلًا فِيهَا، أَلا تَرَى أَنه لَا يَخْلُو مِنْ أَن يَكُونَ مَوْضِعًا أَو مَصْدَرًا؟ فَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَوْضِعًا لأَن اسْمَ الْمَوْضِعِ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ لأَنه لَا مَعْنَى لِلْفِعْلِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
__________
(1) . قوله [والثُنُون إلخ] هكذا في الأصل

(14/125)


مَوْضِعًا ثَبَتَ أَنه مَصْدَرٌ، وَالْمَعْنَى النَّارُ ذَاتُ إِقَامَتِكُمْ أَي النَّارُ ذَاتُ إِقَامَتِكُمْ فِيهَا خَالِدِينَ أَي هُمْ أَهل أَن يُقِيمُوا فِيهَا ويَثْوُوا خَالِدِينَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَصْلِحُوا مَثَاوِيَكُم وأَخِيفُوا الهَوامَّ قَبْلَ أَن تُخِيفَكُمْ وَلَا تُلِثُّوا بدَار مَعْجَزةٍ
؛ قَالَ: المَثَاوِي هُنَا المَنازل جَمْعُ مَثْوىً، والهَوامّ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ،
وَلَا تُلِثُّوا
أَي لَا تُقِيمُوا، والمَعْجَزَة والمَعْجِزَة الْعَجْزُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ
؛ أَي إِنَّهُ تَوَلَّاني فِي طُولِ مُقامي. وَيُقَالُ لِلْغَرِيبِ إِذَا لَزِمَ بَلْدَةً: هُوَ ثَاوِيها. وأَثْوَانِي الرَّجُلُ: أَضافَني. يُقَالُ: أَنْزَلَني الرَّجُلُ فأَثْوَانِي ثَواءً حَسَناً. وَرَبُّ الْبَيْتِ: أَبو مَثْوَاه؛ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ أَنه أَنشده قَوْلَ الأَعشى:
أَثْوَى وقصَّر لَيْلَهُ ليزوَّدا
قَالَ شِمْرٌ: أَثْوَى عَنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبَرَ، قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي أَثَوَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَن ثَوَى وأَثْوَى مَعْنَاهُمَا أَقام. وأَبو مَثْوَى الرجلِ: صَاحِبُ مَنْزِلِهِ. وأُمُّ مَثْوَاه: صَاحِبَةُ مَنْزِلِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: أَبو المَثْوَى رَبُّ الْبَيْتِ، وأُمُّ المَثْوَى رَبَّتُه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كُتِبَ إِلَيْهِ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ مَتَى عهدُك بِالنِّسَاءِ؟ قَالَ: البارحةُ، قِيلَ: بِمَنْ؟ قَالَ: بأُمِّ مَثْوَايَ
أَي ربَّةِ الْمَنْزِلِ الَّذِي بَاتَ فِيهِ، وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَتَهُ لأَن تَمَامَ الْحَدِيثِ:
فَقِيلَ لَهُ أَما عَرَفْتَ أَن اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا؟ فَقَالَ: لَا.
وأَبو مَثْوَاك: ضيفُك الَّذِي تُضِيفُه. والثَّوِيُّ: بَيْتٌ فِي جَوْفِ بَيْتٍ. والثَّوِيُّ: الْبَيْتُ المهيأُ لِلضَّيْفِ. والثَّوِيُّ، عَلَى فَعِيل: الضَّيْفُ نَفْسُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَن رَجُلًا قَالَ تَثَوَّيْتُه
أَي تَضَيَّفْتُه. والثَّوِيُّ: الْمُجَاوِرُ فِي الْحَرَمَيْنِ. والثَّوِيُّ: الصَّبور فِي الْمُغَازِي المُجَمَّر وَهُوَ الْمَحْبُوسُ. والثَّوِيُّ أَيضاً: الأَسير؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ الثَّواء. وثُوِيَ الرَّجُلُ: قُبِرَ لأَن ذَلِكَ ثَواءٌ لَا أَطول مِنْهُ؛ وَقَوْلُ أَبي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
نَغْدُو فَنَتْرُكُ فِي المَزاحِفِ مَنْ ثَوَى، ... ونُمِرُّ فِي العَرَقاتِ مَنْ لَمْ نَقْتُل «2»
. أَراد بِقَوْلِهِ مَنْ ثَوَى أَي مَنْ قُتِل فأَقام هُنَالِكَ. وَيُقَالُ لِلْمَقْتُولِ: قَدْ ثَوَى. ابْنُ بَرِّيٍّ: ثَوَى أَقام فِي قَبْرِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
حَتى ظَنَّني القَوْمُ ثَاوِيا
وثَوَى: هَلَكَ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
فَمَنْ للقَوافي شَانَها مَنْ يحُوكُها، ... إِذَا مَا ثَوَى كَعْبٌ وفَوَّزَ جَرْولُ؟
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
وَمَا ضَرَّها أَنَّ كَعْباً ثَوَى، ... وفَوَّزَ مِنْ بَعْدِه جَرْوَلُ
وَقَالَ دُكَيْنٌ:
فإنْ ثَوَى ثَوَى النَّدَى فِي لَحْدِه
وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
فقُدْنَ لمَّا ثَوَى نَهْباً وأَسْلابَا
ابْنُ الأَعرابي: الثُّوَى قُمَاشُ الْبَيْتِ، وَاحِدَتُهَا ثُوَّةٌ مِثْلَ صُوَّةٍ وصُوىً وهُوَّةٍ وهُوىً. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِلْخِرْقَةِ الَّتِي تُبَلُّ وَتُجْعَلُ عَلَى السِّقَاءِ إِذَا مُخِضَ لئَلَّا يَنْقَطِعَ الثُّوَّة والثَّايَةُ. والثَّوِيَّة: حِجَارَةٌ تُرْفَعُ بِاللَّيْلِ فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّاعِي إِذَا رَجَعَ إِلَى الْغَنَمِ لَيْلًا يَهْتَدِي بِهَا، وَهِيَ أَيضاً أَخفض عَلَمٍ يَكُونُ بقدر قِعْدة
__________
(2) . قوله [ونمرّ إلخ] أنشده في عرق:
وَنُقِرُّ فِي الْعَرَقَاتِ مَنْ لَمْ يقتل

(14/126)


الإِنسان؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن أَلف ثَايَةَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَذْهَبُ إِلَى أَنها عَنْ يَاءٍ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذِهِ ثَايَة الْغَنَمِ وثَايَة الإِبل مأْواها وَهِيَ عَازِبَةٌ أَو مأْواها حَوْلَ الْبُيُوتِ. الْجَوْهَرِيُّ: والثَّوِيَّةُ مأْوَى الْغَنَمِ، وَكَذَلِكَ الثَّايَة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والثِّيَّة لُغَةٌ فِي الثَّايَة. ابْنُ سِيدَهْ: الثُّوَّة كالصُّوَّة ارْتِفَاعٌ وغِلَظ، وَرُبَّمَا نُصِبَتْ فَوْقَهَا الْحِجَارَةُ ليُهْتَدَى بِهَا. والثُّوَّة: خِرْقَةٌ تُوضَعُ تَحْتَ الوَطْب إِذَا مُخِضَ لِتَقِيَه الأَرض. والثُّوَّة والثُّوِيُّ كِلْتَاهُمَا: خِرَق كَهَيْئَةِ الكُبَّة عَلَى الْوَتَدِ يُمْخض عَلَيْهَا السِّقَاءُ لِئَلَّا يَنْخَرِقَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الثَّوِيَّة من ث وو لِقَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهَا ثُوَّة كقُوَّة، وَنَظِيرُهُ فِي ضَمِّ أَوَّله مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمُ السُّدُوس. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والثُّوَّة خِرْقَةٌ أَو صُوفَةٌ تُلَف عَلَى رأَس الْوَتَدِ يُوضَعُ عَلَيْهَا السِّقَاءُ وَيُمْخَضُ وِقَايَةً لَهُ، وَجَمْعُهَا ثُوىً؛ قَالَ الطرِمّاح:
رِفَاقًا تنادِي بالنُّزول كأنَّها ... بَقايا الثُّوَى، وَسْط الدِّيار المُطَرَّح
والثَّايَة والثَّاوَة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، والثَّوِيَّة: مأْوى الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى الثَّاوَة مَقْلُوبَةً عَنِ الثَّايةِ، والثايَة مَأْوَى الإِبل، وَهِيَ عَازِبَةٌ أَو حَوْلَ الْبُيُوتِ. والثَّايَة أَيضاً: أَن تُجْمَعَ شَجَرَتَانِ أَو ثَلَاثٍ فيُلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبٌ فيُسْتَظَلَّ بِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَجَمْعُ الثَّايَة ثَايٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والثُّوَيَّة: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الثُّوَيَّة؛ هِيَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ: مَوْضِعٌ بِالْكُوفَةِ بِهِ قَبْرُ أَبي مُوسَى الأَشعري وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. والثَّاء: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا عَلَى أَلفه بأَنها وَاوٌ لأَنها عَيْنٌ. وَقَافِيَةٌ ثاوِيَّةٌ: عَلَى حَرْفِ الثَّاءِ، والله أَعلم.