لسان العرب

فصل الراء المهملة
رأي: الرُّؤْيَة بالعَيْن تَتَعدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى العِلْم تتعدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ يُقَالُ: رَأَى زَيْدًا عَالِمًا ورَأَى رَأْياً ورُؤْيَةً ورَاءَةً مِثْلُ راعَة. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرُّؤْيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: عَلَى رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ، وحَقيقَتُها أَنه أَراد رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ وَاوًا إِبْدَالًا صَحِيحًا فَقَالَ رُويَتِك، ثُمَّ أَدغَمَ لأَنَّ هَذِهِ الواوَ قَدْ صَارَتْ حرفَ علَّة لمَا سُلِّط عَلَيْهَا مِنَ البَدَل فَقَالَ رُيَّتِك، ثُمَّ كَسَرَ الراءَ لِمُجَاوِرَةِ الْيَاءِ فَقَالَ رِيَّتِكَ. وَقَدْ رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وَلَيْسَتِ الهاءُ فِي رَأْيَة هُنَا للمَرَّة الْوَاحِدَةِ إِنَّمَا هُوَ مصدَرٌ كَرُؤيةٍ، إلَّا أَنْ تُرِيدَ المَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فَيَكُونَ رَأَيْته رَأْية كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُه ضربة، فأَمَّا إذ لَمْ تُردْ هَذَا فرأْية كرؤْية لَيْسَتِ الهاءُ فِيهَا للوَحْدَة. ورَأَيْته رِئْيَاناً: كرُؤْية؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَرَيْتُهُ عَلَى الحَذْف؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَجنْاء مُقْوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها ... مَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رَأْيَةً جَمَلا
حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْها خَلْقُ أَرْبَعةٍ ... فِي لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ، فانْشَمَلا
خَلْقُ أَربعةٍ: يَعْنِي ضُمورَ أَخْلافها، وانْشَمَلَ: ارْتَفَعَ كانْشمرَ، يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرَها قبلُ ظَنَّها جَمَلًا لِعظَمها حَتَّى يَدلَّ عَلَيْهَا ضُمورُ أَخْلافِها فيَعْلَم حِينَئِذٍ أَنها نَاقَةٌ لأَن الْجَمَلَ لَيْسَ لَهُ خِلْفٌ؛ وأَنشد ابْنُ جِنِّي:
حَتَّى يَقُولَ من رآهُ إذْ رَاهْ: ... يَا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ مَا أَشْقاهْ
أَراد كلَّ من رَآهُ إذْ رَآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الْهَمْزَةِ؛ وَقَوْلُهُ:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى، ... إِذَا مَا النِّسْعُ طَالَ عَلَى المَطِيَّهْ؟
ومَنْ رَا مثلَ مَعْدانَ بْنِ يَحْيَى، ... إِذَا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟

(14/291)


أَصل هَذَا: مِنْ رأَى فخفَّف الْهَمْزَةَ عَلَى حَدِّ: لَا هَناك المَرْتَعُ، فَاجْتَمَعَتْ أَلفان فَحَذَفَ إِحْدَاهُمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَصله رأَى فأَبدل الْهَمْزَةَ يَاءً كَمَا يُقَالُ فِي سأَلْت سَيَلْت، وَفِي قرأْت قَرَيْت، وَفِي أَخْطأْت أَخْطَيْت، فَلَمَّا أُبْدِلت الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ يَاءً أَبدلوا الْيَاءُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْفِعْلِ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ؛ قَالَ: وسأَلت أَبا عَلِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ قَالَ:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى
فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ فَعَلْتُ مِنْهُ فَقَالَ رَيَيْت وَيَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ حَيَيْتُ وَعَيَيْتُ؟ قَالَ: لأَن الْهَمْزَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذَا أُبدلت عَنِ الْيَاءِ تُقلب، وَذَهَبَ أَبو عَلِيٍّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ أَنه أَراد رأَى فحذَفَ الهمزةَ كَمَا حَذَفَهَا مِنْ أَرَيْت وَنَحْوِهِ، وَكَيْفَ كَانَ الأَمر فَقَدْ حُذِفْتَ الْهَمْزَةُ وَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً، وَهَذَانِ إِعْلَالَانِ تَوَالَيَا فِي الْعَيْنِ وَاللَّامِ؛ وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: جَا يَجِي، فَهَذَا إِبْدَالُ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ يَاءٌ أَلفاً وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا، فأَعلّ اللَّامَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا. وأَنا أَرَأُهُ والأَصلُ أَرْآهُ، حذَفوا الهمزةَ وأَلْقَوْا حَرَكَتها عَلَى مَا قبلَها. قَالَ سِيبَوَيْهِ: كلُّ شيءٍ كَانَتْ أَوَّلَه زائدةٌ سِوَى أَلف الْوَصْلِ مَنْ رأَيْت فَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى تَخْفِيفِ هَمْزِهِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ، جَعَلُوا الهمزةَ تُعاقِب، يَعْنِي أَن كُلَّ شيءٍ كَانَ أَوّلُه زَائِدَةً مِنَ الزَّوَائِدِ الأَربع نَحْوَ أَرَى ويَرَى ونرَى وتَرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ بِالْهَمْزِ أَي أَنَّها لَا تَقُولُ أَرْأَى وَلَا يَرْأَى وَلَا نَرْأَى وَلَا تَرْأَى، وَذَلِكَ لأَنهم جَعَلُوا هَمْزَةَ الْمُتَكَلِّمِ فِي أَرَى تُعاقِبُ الهمزةَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَهِيَ همزةُ أَرْأَى حَيْثُ كَانَتَا هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الأُولى زَائِدَةً وَالثَّانِيَةُ أَصليةً، وكأَنهم إِنَّمَا فرُّوا مِنِ الْتِقَاءِ هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَرْفٌ سَاكِنٌ، وَهِيَ الرَّاءُ، ثُمَّ أَتْبعوها سائرَ حروفِ الْمُضَارَعَةِ فَقَالُوا يَرَى ونَرَى وتَرَى كَمَا قَالُوا أَرَى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَحَكَى أَبو الْخَطَّابِ قدْ أَرْآهم، يَجيءُ بِهِ عَلَى الأَصل وَذَلِكَ قَلِيلٌ؛ قَالَ:
أَحِنُّ إِذَا رَأيْتُ جِبالَ نَجْدٍ، ... وَلَا أَرْأَى إِلَى نَجْدٍ سَبِيلا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا أَرَى عَلَى احْتِمَالِ الزِّحافِ؛ قَالَ سُراقة الْبَارِقِيُّ:
أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَياهُ، ... كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ
وَقَدْ رَوَاهُ الأَخفش: مَا لَمْ تَرَياهُ، عَلَى التَّخْفِيفِ الشَّائِعِ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذَا الْحَرْفِ. التَّهْذِيبُ: وَتَقُولُ الرجلُ يَرَى ذاكَ، عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: وَعَامَّةُ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي يَرَى ونَرَى وتَرَى وأَرَى عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: ويعضهم يحقِّقُه فَيَقُولُ، وَهُوَ قَلِيلٌ، زيدٌ يَرْأَى رَأْياً حَسَناً كَقَوْلِكَ يَرْعَى رَعْياً حَسَناً، وأَنشد بَيْتَ سُرَاقَةَ الْبَارِقِيِّ. وارْتَأَيْتُ واسْتَرْأَيْت: كرَأَيْت أَعني مِنْ رُؤية العَين. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى هَمْزِ مَا كَانَ مِنْ رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأَيْت فِي رُؤْية الْعَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ يَترُك الْهَمْزَ وَهُوَ قَلِيلٌ، قَالَ: وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَهمُوزٌ؛ وأَنشد فِيمَنْ خَفَّفَ:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ بِراعٍ ... رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الحِلابِ؟
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا جَاءَ مَاضِيهِ بِلَا هَمزٍ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ أَيضاً:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ

(14/292)


وَيُرْوَى: فِي الْعِلَابِ؛ وَمِثْلُهُ للأَحوص:
أَوْ عَرَّفُوا بصَنِيعٍ عندَ مَكْرُمَةٍ ... مَضَى، وَلَمْ يَثْنِه مَا رَا وَمَا سَمِعا
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أَرَأَيْتَ وأَ رَأَيْتَكَ أَرَيْتَ وأَ رَيْتَك، بِلَا هَمْزٍ؛ قَالَ أَبو الأَسود:
أَرَيْتَ امرَأً كُنْتُ لَمْ أَبْلُهُ ... أَتاني فَقَالَ: اتَّخِذْني خَلِيلا
فترَك الهمزةَ، وَقَالَ رَكَّاضُ بنُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْري:
فقُولا صادِقَيْنِ لزَوْجِ حُبَّى ... جُعلْتُ لَهَا، وإنْ بَخِلَتْ، فِداءَ
أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كلامَ حُبَّى، ... أَتَمْنَعُني عَلَى لَيْلى البُكاءَ؟
وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ كَلَامُ حبَّى، وَالَّذِي رُوِيَ كَلَامُ لَيْلى؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَرَيْتَ، إِذَا جالَتْ بكَ الخيلُ جَوْلةً، ... وأَنتَ عَلَى بِرْذَوْنَةٍ غيرُ طائِلِ
قَالَ: وأَنشد ابْنُ جِنِّي لِبَعْضِ الرُّجَّازِ:
أَرَيْتَ، إنْ جِئْتِ بِهِ أُمْلُودا ... مُرَجَّلًا ويَلْبَسُ البُرُودا،
أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي هَذَا الْبَيْتِ الأَخير شُذُوذٌ، وَهُوَ لِحَاقُ نُونِ التَّأْكِيدِ لِاسْمِ الْفَاعِلِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والكلامُ الْعَالِي فِي ذَلِكَ الهمزُ، فَإِذَا جئتَ إِلَى الأَفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ الَّتِي فِي أَوائلها الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ والأَلف اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ، الَّذِينَ يَهْمِزُونَ وَالَّذِينَ لَا يَهْمِزُونَ، عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ كَقَوْلِكَ يَرَى وتَرَى ونَرَى وأَرَى، قَالَ: وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ نَحْوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى
، وإِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ
، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
؛ إِلَّا تَيمَ الرِّباب فَإِنَّهُمْ يَهْمِزُونَ مَعَ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فَتَقُولُ هُوَ يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى وأَرْأَى، وَهُوَ الأَصل، فَإِذَا قَالُوا مَتَى نَراك قَالُوا مَتَى نَرْآكَ مِثْلَ نَرْعاك، وبعضٌ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فَيَقُولُ مَتَى نَرَاؤكَ مِثْلَ نَراعُك؛ وأَنشد:
أَلا تِلْكَ جاراتُنا بالغَضى ... تقولُ: أَتَرْأَيْنَه لنْ يضِيفا
وأَنشد فِيمَنْ قَلَبَ:
مَاذَا نَراؤُكَ تُغْني فِي أَخي رَصَدٍ ... مِنْ أُسْدِ خَفَّانَ، جأْبِ الوَجْه ذِي لِبَدِ
وَيُقَالُ: رأَى فِي الْفِقْهِ رَأْياً، وَقَدْ تَرَكَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَ فِي مُسْتَقْبَلِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَرُبَّمَا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ فهَمَزَته؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنشد شاعِرُ تَيْمِ الرِّباب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ للأَعْلم بْنِ جَرادَة السَّعْدي:
أَلَمْ تَرْأَ مَا لاقَيْت والدَّهْرُ أَعْصُرٌ، ... وَمَنْ يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ ويَسْمَعِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى ويَسْمَعُ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، لأَن الْقَصِيدَةَ مَرْفُوعَةٌ؛ وَبَعْدَهُ:
بأَنَّ عَزِيزاً ظَلَّ يَرْمي بِحَوْزِهِ ... إليَّ، وراءَ الحاجِزَينِ، ويُفْرِعُ
يُقَالُ: أَفْرَعَ إِذَا أَخذَ فِي بَطْنِ الْوَادِي؛ قَالَ وَشَاهِدُ تَرْكِ الْهَمْزَةِ مَا أَنشده أَبو زَيْدٍ:
لمَّا اسْتَمَرَّ بِهَا شَيْحانُ مُبْتَجِحٌ ... بالبَيْنِ عَنْك بِمَا يَرْآكَ شَنآنا
قَالَ: وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، فَإِذَا جِئتَ إِلَى الأَمر فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَتْركون الْهَمْزَ فَيَقُولُونَ: رَ ذَلِكَ، وللإِثنين: رَيا ذَلِكَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: رَوْا ذَلِكَ،

(14/293)


وللمرأَة رَيْ ذَلِكَ، وللإِثنين كَالرَّجُلَيْنِ، وَلِلْجَمْعِ: رَيْنَ ذاكُنَّ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَهْمِزُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: ارْأَ ذَلِكَ وارْأَيا وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ ارْأَيْنَ، قَالَ: فَإِذَا قَالُوا أَرَيْتَ فُلَانًا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِه أَرَيْتَكُم فُلَانًا أَفَرَيْتَكُم فَلَانًا فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَهْمِزُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِهِمُ الْهَمْزُ، فَإِذَا عَدَوْت أَهلَ الْحِجَازِ فَإِنَّ عامَّة العَرب عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ، نَحْوَ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ
أَرَيْتَكُمْ، وَبِهِ قرأَ الْكِسَائِيُّ تَرَك الْهَمْزَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: وَلَوْ تَرَ مَا أَهلُ مَكَّةَ، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: أَرادوا وَلَوْ تَرى مَا فَحَذَفُوا لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمال. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ لخَبِيثٌ وَلَوْ تَرَ مَا فلانٌ وَلَوْ تَرى مَا فُلَانٍ، رَفْعًا وَجَزْمًا، وَكَذَلِكَ وَلَا تَرَ مَا فلانٌ وَلَا تَرى مَا فُلانٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ: الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ، فَإِذَا قَالُوا إِنَّهُ لَخَبِيثٌ وَلَمْ تَرَ مَا فُلانٌ قَالُوهُ بِالْجَزْمِ، وَفُلَانٌ فِي كُلِّهِ رُفِعَ وتأْويلُها وَلَا سيَّما فلانٌ؛ حكي ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ كُلُّهُ. وَإِذَا أَمَرْتَ مِنْهُ عَلَى الأَصل قُلْتَ: ارْءَ، وَعَلَى الْحَذْفِ: رَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ عَلَى الْحَذْفِ رَهْ، لأَن الأَمر مِنْهُ رَ زَيْدًا، وَالْهَمْزَةُ سَاقِطَةٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ*
، قَالَ: الْعَرَبُ لَهَا فِي أَرأَيْتَ لُغَتَانِ وَمَعْنَيَانِ: أَحدهما أَنْ يسأَلَ الرجلُ الرجلَ: أَرأَيتَ زَيْدًا بعَيْنِك؟ فَهَذِهِ مَهْمُوزَةٌ، فَإِذَا أَوْقَعْتَها عَلَى الرجلِ مِنْهُ قُلْتَ أَرَأَيْتَكَ عَلَى غيرِ هَذِهِ الْحَالِ، يُرِيدُ هَلْ رأَيتَ نَفْسَك عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ تُثَنِّي وتَجْمع فتقولُ لِلرَّجُلَيْنِ أَرَأَيْتُماكُما، وَلِلْقَوْمِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، وللنسوة أَرأَيْتُنَّكُنَّ، وللمرأَة أَرأَيْتِكِ، بِخَفْضِ التاءِ لَا يَجُوزُ إِلَّا ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنْ تَقُولَ أَرأَيْتَكَ وأَنت تَقُولُ أَخْبِرْني، فتَهْمِزُها وتنصِب التاءَ مِنْهَا وتَتركُ الهمزَ إِنْ شِئْتَ، وَهُوَ أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ، وتَتْرُكُ التاءَ مُوحَّدةً مَفْتُوحَةً لِلْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ وَالْجَمْعِ فِي مؤَنثه ومذكره، فنقول للمرأَة: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا هَلْ خَرج، وَلِلنِّسْوَةِ: أَرَأَيْتَكُنَّ زَيْدًا مَا فَعَل، وَإِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَرَبُ التاءَ وَاحِدَةً لأَنهم لَمْ يُرِيدُوا أَن يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْهَا وَاقِعًا عَلَى نَفْسِهَا فَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهَا فِي الْكَافِ وَوَجَّهُوا التَّاءَ إِلَى الْمُذَكَّرِ وَالتَّوْحِيدِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ وَاقِعًا، قَالَ: وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي أَرأَيتَكُمْ فَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ: لَفْظُهَا لفظُ نصبٍ وتأْويلُها تأْويلُ رَفْعٍ، قَالَ: وَمِثْلُهَا الْكَافُ الَّتِي فِي دُونَكَ زَيْدًا لأَنَّ الْمَعْنَى خُذْ زَيْدًا قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْه النَّحْوِيُّونَ القُدَماء، وَهُوَ خطَأٌ لأَن قَوْلَكَ أَرأَيْتَكَ زَيْدًا مَا شأْنُه يُصَيِّرُ أَرَأَيْتَ قَدْ تَعَدَّتْ إِلَى الْكَافِ وَإِلَى زيدٍ، فتصيرُ «2» أَرأَيْتَ اسْمَيْن فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَرأَيْتَ نفْسَكَ زَيْدًا مَا حالُه، قَالَ: وَهَذَا مُحَالٌ وَالَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمْ أَن الْكَافَ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَرأَيْتَ زَيْدًا مَا حالُه، وَإِنَّمَا الْكَافُ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ الْخِطَابِ، وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الْخِطَابِ فَتَقُولُ لِلْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ: أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا مَا حَالُهُ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْكَافِ، وَتَقُولُ فِي الْمُؤَنَّثِ: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا مَا حالُه يَا مَرْأَةُ؛ فَتُفْتَحُ التَّاءُ عَلَى أَصل خِطَابِ الْمُذَكَّرِ وَتُكْسَرُ الْكَافُ لأَنها قَدْ صَارَتْ آخرَ مَا فِي الْكَلِمَةِ والمُنْبِئَةَ عَنِ الْخِطَابِ، فَإِنَّ عدَّيْتَ الْفَاعِلَ إِلَى الْمَفْعُولِ فِي هَذَا الْبَابِ صَارَتِ الكافُ مَفْعُولَةً، تَقُولُ: رأَيْتُني عَالِمًا بِفُلَانٍ، فَإِذَا سَأَلَتْ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ قلتَ لِلرَّجُلِ: أَرَأَيْتَكَ عَالِمًا بِفُلَانٍ، وللإِثنين أَرأَيتُماكما عالمَينِ بِفُلَانٍ، وَلِلْجَمْعِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، لأَن هَذَا فِي تأْويل أَرأَيتُم أَنْفُسَكم، وَتَقُولُ للمرأَة: أَرأَيتِكِ عالمَة بفُلانٍ، بِكَسْرِ التاء،
__________
(2) . قوله [فتصير إلخ] هكذا بالأصل ولعلها فتنصب إلخ.

(14/294)


وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ قَالَ: أَرأَيْتَكَ زَيْدًا قَائِمًا، إِذَا اسْتَخْبَر عَنْ زَيْدٍ تَرَكَ الْهَمْزَ وَيَجُوزُ الْهَمْزُ، وَإِذَا اسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ كَانَ الْهَمْزُ الِاخْتِيَارَ وَجَازَ تَرْكُه كَقَوْلِكَ: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَك أَي مَا حالُك مَا أَمْرُك، وَيَجُوزُ أَرَيْتَكَ نَفْسَك. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِذَا جَاءَتْ أَرأَيْتَكُما وأَ رأَيْتَكُمْ بِمَعْنَى أَخْبِرْني كَانَتِ التَّاءُ موَحَّدة، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى العِلْم ثَنَّيْت وجَمَعْت، قُلْتَ: أَرأَيْتُماكُما خارِجَيْنِ وأَ رأَيْتُمُوكُمْ خارِجِينَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ أَرأَيْتَكَ وأَ رأيْتَكُمْ وأَ رأَيْتَكما، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ الِاسْتِخْبَارِ بِمَعْنَى أَخبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِرُوني، وتاؤُها مَفْتُوحَةٌ أَبداً. وَرَجُلٌ رَءَّاءٌ: كَثيِرُ الرُّؤيَةِ؛ قَالَ غِيلَانُ الرَّبَعي:
كأَنَّها وقَدْ رَآها الرَّءَّاءُ
وَيُقَالُ: رأَيْتُه بعَيْني رُؤيَةً ورأَيْتُه رَأْيَ العينِ أَي حَيْثُ يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: مِنْ رأْيِ القَلْبِ ارْتَأَيْتُ؛ وأَنشد:
أَلَا أَيُّها المُرْتَئِي فِي الأُمُور، ... سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانُها
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذَا أَمرْتَ مَنْ رأَيْتَ قُلْتَ ارْأَ زَيْدًا كأنَّكَ قُلْتَ ارْعَ زَيْدًا، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رَ زَيْدًا، فَتُسْقِطُ أَلف الْوَصْلِ لِتَحْرِيكِ مَا بَعْدَهَا، قَالَ: وَمِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزِ قَوْلُكَ رأَيْت الرَّجُلَ، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رأَيت الرَّجُلَ، فحرَّكتَ الأَلف بِغَيْرِ إِشْبَاعِ الْهَمْزِ وَلَمْ تُسْقِطِ الْهَمْزَةَ لأَن مَا قَبْلَهَا مُتَحَرِّكٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن أَبا البَخْترِي قَالَ ترَاءَيْنا الهِلالَ بذاتِ عِرْق، فسأَلنا ابنَ عباسٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَدَّهُ إِلَى رُؤْيَتِه فإنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فأَكْمِلوا العِدَّة
، قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ تَراءَيْنا الهلالَ أَي تَكَلَّفْنا النَّظَر إِلَيْهِ هل نَراهُ أَم لَا، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ انْطَلِقْ بِنَا حَتَّى نُهِلَّ الهلالَ أَي نَنْظُر أَي نراهُ. وَقَدْ تَراءَيْنا الهِلالَ أَي نظرْناه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ راءَيْتُ ورأَيْتُ،
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرَاوُون النَّاسَ.
وَقَدْ رأَّيْتُ تَرْئِيَةً: مِثْلَ رَعَّيْت تَرْعِيَةً. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَرَيْتُه الشيءَ إِرَاءَةً وإرايَةً وإرءَاءَةً. الْجَوْهَرِيُّ: أَرَيْتُه الشيءَ فرآهُ وأَصله أَرْأَيْتُه. والرِّئْيُ والرُّواءُ والمَرْآةُ: المَنْظَر، وَقِيلَ: الرِّئْيُ والرُّواءُ، بِالضَّمِّ، حُسْنُ المَنْظر فِي البَهاء والجَمال. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى يتَبيَّنَ لَهُ رِئْيُهما
، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ، أَي مَنْظَرُهُما وَمَا يُرَى مِنْهُمَا. وَفُلَانٌ مِنِّي بمَرْأىً ومَسْمَعٍ أَي بِحَيْثُ أَراهُ وأَسْمَعُ قولَه. والمَرْآةُ عامَّةً: المَنْظَرُ، حَسَناً كَانَ أَو قَبِيحاً. وَمَا لهُ رُواءٌ وَلَا شاهِدٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَيُقَالُ: امرأَةٌ لَهَا رُواءٌ إِذَا كَانَتْ حَسَنةَ المَرْآةِ والمَرْأَى كَقَوْلِكَ المَنْظَرَة والمَنْظر. الْجَوْهَرِيُّ: المَرْآةُ، بِالْفَتْحِ عَلَى مَفْعَلةٍ، المَنْظر الحَسن. يُقَالُ: امرأَةٌ حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْأَى، وَفُلَانٌ حسنٌ فِي مَرْآةِ العَين أَي فِي النَّظَرِ. وَفِي المَثل: تُخْبِرُ عَنْ مَجْهولِه مَرْآتُه أَي ظاهرُه يدلُّ عَلَى باطِنِه. وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيا:
فَإِذَا رجلٌ كَرِيهُ المَرْآةِ
أَي قَبِيحُ المَنْظرِ. يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَنُ المَرْأَى والمَرْآةِ حَسُنَ فِي مَرْآةِ الْعَيْنِ، وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ الرُّؤْيَةِ. والتَّرْئِيَةُ: حُسْنُ البَهاء وحُسْنُ المنظرِ، اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
أَمَّا الرُّواءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ، ... مِثل الجِبالِ الَّتِي بالجِزْعِ منْ إضَمِ

(14/295)


وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً
؛ قُرِئَتْ رِئْياً؛ بِوَزْنِ رِعْياً، وَقُرِئَتْ رِيّاً؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الرِّئْيُ المَنْظَر، وَقَالَ الأَخفش: الرِّيُّ مَا ظَهَر عَلَيْهِ مِمَّا رأَيْت، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ المدينة يَقْرؤُونها رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ مِنْ رأَيْت لأَنَّه مع آياتٍ لَسْنَ مهموزاتِ الأَواخِر. وَذَكَرَ بعضهم: أَنَّه ذهب بالرِّيِّ إلى رَوِيت إذا لم يُهْمَزْ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَلَهُ تَفْسِيرَانِ أَحدهما أَن مَنْظَرهُم مُرْتَوٍ مِنَ النَّعْمة كأَن النَّعِيم بَيِّنٌ فِيهِمْ وَيَكُونُ عَلَى ترك الهمز من رأَيت، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنَ الْمَنْظَرِ مِنْ رأَيت، وَهُوَ مَا رأَتْهُ الْعَيْنُ مِنْ حالٍ حسَنة وَكُسْوَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ نُمَير الثَّقَفِيِّ:
أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا ... بِذِي الرِّئْيِ الجمِيلِ منَ الأَثاثِ؟
وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ إِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ أَو يَكُونَ مِنْ رَوِيَتْ أَلْوانهم وَجُلُودُهُمْ رِيّاً أَي امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ. وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَرَيْنَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: أَنْتُنَّ تَرَيْنَ، لأَن الْفِعْلَ لِلْوَاحِدَةِ وَالْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ فِي الْمُوَاجَهَةِ فِي خَبَرِ المرأَةِ مِنْ بنَاتِ الْيَاءِ، إِلَّا أَن النُّونَ الَّتِي فِي الْوَاحِدَةِ عَلَامَةُ الرَّفْعِ وَالَّتِي فِي الْجَمْعِ إِنَّمَا هِيَ نُونُ الْجَمَاعَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفَرْقٌ ثَانٍ أَن الياءَ فِي تَرَيْن لِلْجَمَاعَةِ حَرْفٌ، وَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ، وَالْيَاءُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدَةِ اسْمٌ، وَهِيَ ضَمِيرُ الْفَاعِلَةِ الْمُؤَنَّثَةِ. وَتَقُولُ: أَنْتِ تَرَيْنَني، وَإِنْ شِئْتَ أَدغمت وَقُلْتَ تَرَيِنِّي، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، كَمَا تَقُولُ تَضْرِبِنِّي. واسْتَرْأَى الشيءَ: اسْتَدْعَى رُؤيَتَه. وأَرَيْتُه إِيَّاهُ إراءَةً وَإِرَاءً؛ الْمَصْدَرُ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: الْهَاءُ لِلتَّعْوِيضِ، وَتَرَكَهَا عَلَى أَن لَا تعوَّض وَهْمٌ مِمَّا يُعَوِّضُونَ بَعْدَ الْحَذْفِ وَلَا يُعَوِّضون. ورَاءَيْت الرجلَ مُراآةً ورِياءً: أَرَيْته أَنِّي عَلَى خِلَافِ مَا أَنا عَلَيْهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ
، وَفِيهِ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ
؛ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَي إِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُونَ صَلَّوا معَهم يُراؤُونهُم أَنَّهم عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ. وَفُلَانٌ مُراءٍ وقومٌ مُراؤُونَ، والإِسم الرِّياءُ. يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ رِياءً وسُمْعَةً. وَتَقُولُ مِنَ الرِّياء يُسْتَرْأَى فلانٌ، كَمَا تَقُولُ يُسْتَحْمَقُ ويُسْتَعْقَلُ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو. وَيُقَالُ: رَاءَى فُلَانٌ الناسَ يُرائِيهِمْ مُراآةً، ورَايَاهم مُرَايَاةً، عَلَى القَلْب، بِمَعْنًى، ورَاءَيْته مُراآةً ورِيَاءً قابَلْته فرَأَيْته، وَكَذَلِكَ تَرَاءَيْته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَبَى اللهُ إِلَّا أَن يُقِيدَكَ، بَعْدَ ما ... تَراءَيْتُموني مِنْ قَرِيبٍ ومَوْدِقِ
يَقُولُ: أَقاد اللَّهُ مِنْكَ عَلانيَةً وَلَمْ يُقِدْ غِيلَة. وَتَقُولُ: فُلَانٌ يَتَرَاءَى أَي يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي المِرْآةِ أَو فِي السَّيْفِ. والمِرْآة: مَا تَراءَيْتَ فِيهِ، وَقَدْ أَرَيْته إِيَّاهَا. ورَأَّيْتُه تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها عَلَيْهِ أَو حَبَسْتُهَا لَهُ يَنْظُرُ نفسَه وتَرَاءَيْتُ فِيهَا وتَرَأَّيْتُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم فِي الْمَاءِ
أَي لَا يَنْظُر وَجْهَه فِيهِ، وَزْنُه يتَمَفْعَل مِنَ الرُّؤْية كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: تَمَسْكَنَ مِنَ المَسْكَنة، وتَمدْرَع مِنَ المَدْرَعة، وَكَمَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَنْدَلْت بالمِندِيل. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكُم فِي الدُّنْيَا
أَي لَا يَنْظُر فيها، وقال: وَفِي رِوَايَةٍ
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم بالدُّنيا مِنَ الشَّيْءِ المَرْئِيِّ.
والمِرآةُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا، وَجَمْعُهَا المَرَائِي وَالْكَثِيرُ المَرَايَا، وَقِيلَ: مَنْ حوَّل الْهَمْزَةَ قَالَ المَرَايَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: تَراءَيْتُ فِي المِرآةِ تَرَائِياً ورَأَّيْتُ الرجلَ تَرْئِيَةً إِذَا أَمْسَكْتَ لَهُ

(14/296)


المِرآةَ لِيَنْظُر فِيهَا. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تراءَى فِي المِرآة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
إِذا الفَتى لَمْ يَرْكَبِ الأَهْوالا، ... فأَعْطِه المِرْآة والمِكْحالا،
واسْعَ لَهُ وعُدَّهُ عِيالا
والرُّؤْيا: مَا رأَيْته فِي منامِك، وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ رُيَّا، قَالَ: وَهَذَا عَلَى الإِدغام بَعْدَ التَّخْفِيفِ الْبَدَلِيِّ، شَبَّهُوا وَاوَ رُويا الَّتِي هِيَ فِي الأَصل هَمْزَةٌ مُخَفَّفَةٌ بِالْوَاوِ الأَصلية غَيْرِ المقدَّر فِيهَا الْهَمْزُ، نَحْوُ لوَيْتُ لَيّاً وشَوَيْتُ شَيّاً، وَكَذَلِكَ حَكَى أَيضاً رِيَّا، أَتبع الْيَاءَ الْكَسْرَةَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْيَاءِ الْوَضْعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَخْفِيفِ رُؤْيا رِيَّا، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا كَانَ التَّخْفِيفُ يصيِّرها إِلى رُويَا ثُمَّ شُبِّهَتِ الْهَمْزَةُ الْمُخَفَّفَةُ بِالْوَاوِ الْمُخَلَّصَةِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَرْنٌ أَلْوى وقُرُونٌ لُيٌّ وأَصلها لُويٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ إِلى الْيَاءِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَقيسُ الْقَوْلَيْنِ قَلْبَها، كَذَلِكَ أَيضاً كُسِرَتِ الرَّاءُ فَقِيلَ رِيَّا كَمَا قِيلَ قُرون لِيٌّ، فَنَظِيرُ قَلْبِ وَاوِ رُؤْيَا إِلحاقُ التَّنْوِينِ مَا فِيهِ اللامُ، وَنَظِيرُ كَسْرِ الراءِ إِبدالُ الأَلف فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُنَوَّنِ الْمَنْصُوبِ مِمَّا فِيهِ اللَّامُ نَحْوُ العِتابا، وَهِيَ الرُّؤَى. ورأَيتُ عَنْكَ رُؤىً حَسَنَةً: حَلَمتها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا كَثُرَتْ رُؤَاهُ، بِوَزْنِ رُعاهُ، وَهِيَ أَحْلامه، جمعُ الرُّؤْيا. ورَأَى فِي مَنَامِهِ رُؤْيا، عَلَى فُعْلى بِلَا تَنْوِينٍ، وجمعُ الرُّؤْيا رُؤىً، بِالتَّنْوِينِ، مِثْلُ رُعىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ الرُّؤْيا فِي اليَقَظَة؛ قَالَ الرَّاعِي:
فكَبَّر للرُّؤْيا وهَشَّ فُؤادُه، ... وبَشَّرَ نَفْساً كَانَ قَبْلُ يَلُومُها
وَعَلَيْهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ
؛ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي الطَّيِّبِ:
ورُؤْياكَ أَحْلى، فِي العُيون، مِنَ الغَمْضِ
التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ
؛ إِذا تَرَكَتِ العربُ الْهَمْزَ مِنَ الرُّؤْيا قَالُوا الرُّويا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، فإِذا كَانَ مِنْ شأْنهم تحويلُ الْوَاوِ إِلى الْيَاءِ قَالُوا: لَا تَقْصُصْ رُيَّاك، فِي الْكَلَامِ، وأَما فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ؛ وأَنشد أَبو الْجَرَّاحِ:
لَعِرْضٌ مِنَ الأَعْراض يُمْسِي حَمامُه، ... ويُضْحي عَلَى أَفنانهِ الغِينِ يَهْتِفُ
أَحَبُّ إِلى قَلْبي مِنَ الدِّيكِ رُيَّةً ... «3» . وبابٍ، إِذا مَا مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَراد رُؤْيةً، فَلَمَّا تَرَكَ الْهَمْزَ وَجَاءَتْ وَاوٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحَوَّلَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا يُقَالُ لَوَيْتُه لَيّاً وكَوَيْتُه كَيّاً، والأَصل لَوْياً وكَوْياً؛ قَالَ: وإِن أَشرتَ فِيهَا إِلى الضَّمَّةِ فَقُلْتَ رُيَّا فَرَفَعْتَ الرَّاءَ فَجَائِزٌ، وَتَكُونُ هَذِهِ الضَّمَّةُ مِثْلَ قوله وحُيلَ [حِيلَ] وسُيق [سِيق] بالإِشارة. وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنه سَمِعَ أَعرابيّاً يَقْرَأُ:
إِن كُنْتُمْ للرُّيَّا تَعْبُرون.
وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَيتُ رُيَّا حَسَنة، قَالَ: وَلَا تُجْمَعُ الرُّؤْيا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُجْمَعُ الرُّؤْيا رُؤىً كَمَا يُقَالُ عُلْياً وعُلىً. والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يَرَاهُ الإِنسانُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ ورِئِيٌّ إِذا كَانَ يُحِبه ويُؤَالِفُه، وَتَمِيمٌ تَقُولُ رِئِيٌّ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، مِثْلُ سِعيد وبِعِير. اللَّيْثُ: الرَّئِيُّ جنِّيّ يَتَعَرَّضُ لِلرَّجُلِ يُريه كَهَانَةً وطِبّاً، يُقَالُ: مَعَ فُلَانٍ رَئِيٌّ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ بِوَزْنِ رَعِيّ، وَهُوَ الَّذِي يَعْتَادُ الإِنسان مِنَ الجنّ. ابن الأَعرابي:
__________
(3) . قوله [رية] تقدم في مادة عرض: رنة، بالراء المفتوحة والنون، ومثله في ياقوت

(14/297)


أَرْأَى الرجلُ إِذا صَارَ لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ لِسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الَّذِي أَتاكَ رَئِيُّكَ بِظُهور رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
يُقَالُ لِلتَّابِعِ مِنَ الْجِنِّ: رَئِيٌّ بِوَزْنِ كَمِيٍّ، وَهُوَ فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي بِهِ لأَنه يَتَراءى لمَتْبوعه أَو هُوَ مِنَ الرَّأْيِ، مِنْ قَوْلِهِمْ فلانٌ رَئِيُّ قومِهِ إِذا كَانَ صَاحِبَ رأْيِهِم، قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ رَاؤُهُ لِاتِّبَاعِهَا مَا بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الخُدْري: فإِذا رَئِيٌّ مِثْلُ نِحْيٍ
، يَعْنِي حَيَّةً عظِيمَةً كالزِّقِّ، سَمَّاهَا بالرَّئِيِّ الجِنِّ لأَنهم يَزْعُمُونَ أَن الحيَّاتِ مِنْ مَسْخِ الجِنِّ، وَلِهَذَا سَمَّوْهُ شَيْطَانًا وحُباباً وَجَانًّا. وَيُقَالُ: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ أَي مَسٌّ. وتَرَاءَى لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ، وَلِلِاثْنَيْنِ تَرَاءَيَا، وَلِلْجَمْعِ تَراءَوْا. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تَبَّيَنت الرَّأْوَة فِي وجْهِه، وَهِيَ الحَماقة. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةُ الحُمْقِ إِذا عَرَفْت الحُمْق فِيهِ قَبْلَ أَن تَخْبُرَهُ. وَيُقَالُ: إِن فِي وَجْهِهِ لرَأْوَةً أَي نَظْرَة ودَمامَةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ رَأْوَةَ الحُمْقِ. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: حَكَى يَعْقُوبُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةٌ، قَالَ: وَلَا أَعرف مثلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي تَصْرِيفِ رَأَى. ورَأْوَةُ الشَّيْءِ: دلالَتُه. وَعَلَى فُلان رَأْوَةُ الحُمْقِ أَي دَلالَته. والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الثَّوْبُ يُنْشَر للبَيْع؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ. التَّهْذِيبُ: الرِّئْيُ بِوَزْنِ الرِّعْيِ، بِهَمْزَةٍ مسَكَّنَةٍ، الثوبُ الْفَاخِرُ الَّذِي يُنشَر ليُرى حُسْنُه؛ وأَنشد:
بِذِي الرِّئْيِ الجَميلِ مِنَ الأَثاثِ
وَقَالُوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ نادِرِ المصادِرِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَنَظِيرُهُ سَمْعَ أُذُنِي، وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي المُتَعَدِّيات. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ بعينٍ مَا أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ وكُنْ كأَنِّي أَنْظُر إِلَيْكَ. وَفِي حَدِيثِ
حنَظلة: تُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ.
تَقُولُ: جعلتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِك وبمَرْأًى مِنْكَ أَي حِذاءَكَ ومُقابِلَك بِحَيْثُ تَرَاهُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَي كأَنَّا نراهُما رَأْيَ العَيْنِ. والتَّرْئِيَةُ، بِوَزْنِ التَّرْعِيةِ: الرجلُ المُخْتال، وَكَذَلِكَ التَّرَائِيَة بوزْنِ التَّراعِيَة. والتَّرِيَّة والتَّرِّيَّة والتَّرْيَة، الأَخيرة نَادِرَةٌ: مَا تَرَاهُ المرأَة مِنْ صُفْرةٍ أَو بَياضٍ أَو دمٍ قليلٍ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقَدْ رَأَتْ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الخِرْقَة الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا المرأَةُ حَيْضَها مِنْ طُهْرِهَا، وَهُوَ مِنَ الرُّؤْيَةِ. وَيُقَالُ للمَرْأَةِ: ذاتُ التَّرِيَّةِ، وَهِيَ الدَّمُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ رَأَتْ تَرِيَّةً أَي دَماً قَلِيلًا. اللَّيْثُ: التَّرِّيَّة مشدَّدة الرَّاءِ، والتَّرِيَّة خَفِيفَةُ الرَّاءِ، والتَّرْية بجَزْمِ الرَّاءِ، كُلُّها لُغَاتٌ وَهُوَ مَا تَرَاهُ المرأَةُ مِنْ بَقِيَّة مَحِيضِها مِنْ صُفْرة أَو بَيَاضٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنّ الأَصل فِيهِ تَرْئِيَةٌ، وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنْ رأَيت، ثُمَّ خُفِّفَت الهَمْزة فَقِيلَ تَرْيِيَةٌ، ثُمَّ أُدْغِمَت الياءُ فِي الْيَاءِ فَقِيلَ تَرِيَّة. أَبو عُبِيدٍ: التَّرِيَّةُ فِي بَقِيَّةِ حَيْضِ المرأَة أَقَلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ والكُدْرَة وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عِنْدَ طُهْرِها لِتَعْلم أَنَّها قَدْ طَهُرَت مِنْ حَيْضِها، قَالَ شَمِرٌ: وَلَا تَكُونُ التَّرِيَّة إِلا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فأَما مَا كَانَ فِي أَيام الْحَيْضِ فَلَيْسَ بتَرِيَّة وَهُوَ حَيْضٌ، وَذَكَرَ الأَزهري هَذَا فِي تَرْجَمَةِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مِنَ الْمُعْتَلِّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّرِيَّة الشيءُ الخَفِيُّ اليَسيِرُ مِنَ الصُّفْرة والكْدْرة تَراها المرأَةُ بَعْدَ الاغْتِسال مِنَ الحَيْضِ. وَقَدْ رَأَتِ المرأَة تَرِيئَةً إِذا رَأَت الدَّمَ القليلَ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الماءُ الأَصْفَر الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ.

(14/298)


قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصل فِي تَرِيَّة تَرْئِيَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الرَّاءِ فَبَقِيَ تَرِئْيَة، ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا كَمَا فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي المَراة والكَماة، والأَصل المَرْأَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلى الرَّاءِ ثُمَّ أُبدلت الْهَمْزَةُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. وَفِي حَدِيثِ
أُمّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة والتَّرِيَّة شَيْئًا
، وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الأَثير تَفْسِيرَهُ فَقَالَ: التَّرِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ، مَا تَرَاهُ المرأَة بَعْدَ الْحَيْضِ وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ مِنْ كُدْرة أَو صُفْرة، وَقِيلَ: هِيَ الْبَيَاضُ الَّذِي تَرَاهُ عِنْدَ الطُّهْر، وَقِيلَ: هِيَ الخِرْقة الَّتِي تَعْرِف بِهَا المرأَة حيضَها مِنْ طُهْرِها، والتاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ الرُّؤْية، والأَصل فِيهَا الْهَمْزُ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وشدَّدوا الياءَ فَصَارَتِ اللَّفْظَةُ كأَنها فَعِيلَةٌ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يُشَدِّدُ الراءَ وَالْيَاءَ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن الْحَائِضَ إِذا طَهُرت واغْتَسَلت ثُمَّ عَادَتْ رَأَتْ صُفْرة أَو كُدْرة لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَلَمْ يُؤَثِّر فِي طُهْرها. وتَراءَى القومُ: رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وتَراءَى لِي وتَرَأَّى؛ عَنْ ثَعْلَبٍ: تَصَدَّى لأَرَاهُ. ورَأَى المكانُ المكانَ: قابَلَه حَتَّى كَأَنَّه يَراهُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ:
لَمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بِكِرْفِئٍ ... عَكِرٍ، كَمَا لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ
وقرأَ أَبو عَمْرٍو:
وأَرْنا مَنَاسِكَنا
، وَهُوَ نادِرٌ لِمَا يَلْحَقُ الفعلَ مِنَ الإِجْحاف. وأَرْأَتِ الناقَةُ والشاةُ مِنَ المَعَز والضَّأْنِ، بتَقْدِير أَرْعَتْ، وَهِيَ مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ: رؤِيَ فِي ضَرْعها الحَمْلُ واسْتُبينَ وعَظُمَ ضَرْعُها، وَكَذَلِكَ المَرْأَة وجميعُ الحَوامِل إِلا فِي الحَافِر والسَّبُع. وأَرْأَت العَنْزُ: وَرِمَ حَياؤُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهَا. التَّهْذِيبُ: أَرْأَت العَنْزُ خاصَّة، وَلَا يُقَالُ لِلنَّعْجة أَرْأَتْ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَثْقَلَت لأَن حَياءَها لَا يَظْهَر. وأَرْأَى الرجلُ إِذا اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ. وتَرَاءَى النَّخْلُ: ظَهَرَت أَلوانُ بُسْرِهِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وكلُّه مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ. ودُورُ الْقَوْمِ مِنَّا رِئَاءٌ أَي مُنْتَهَى البَصَر حيثُ نَرَاهُم. وهُمْ مِنِّي مَرْأىً ومَسْمَعٌ، وإِن شئتَ نَصَبْتَ، وَهُوَ مِنَ الظُّرُوفِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي أُجْرِيَتْ مُجْرَى غَيْرِ الْمَخْصُوصَةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ مَناطَ الثُّرَيَّا ومَدْرَجَ السُّيُول، وَمَعْنَاهُ هُوَ مِنِّي بحيثُ أَرَاهُ وأَسْمَعُه. وهُمْ رِئَاءُ أَلْفٍ أَي زُهَاءُ أَلْفٍ فِيمَا تَرَى العَيْنُ. ورأَيت زَيْدًا حَلِيماً: عَلِمْتُه، وَهُوَ عَلَى المَثَل برُؤْيَةِ العَيْن. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ*
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَم أَي أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلى هَؤُلاء، ومَعْناه اعْرِفْهُم يَعْنِي عُلَمَاءَ أَهل الْكِتَابِ، أَعطاهم اللَّهُ عِلْم نُبُوّةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بأَنه مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإِنجيل يَأْمرُهم بالمَعْروف ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكر، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلَمْ تَرَ*
أَلَمْ تُخْبِرْ، وتأْويلُهُ سُؤالٌ فِيهِ إِعْلامٌ، وتَأْوِيلُه أَعْلِنْ قِصَّتَهُم، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ: أَلَمْ تَرَ إِلى فلان، وأَ لَمْ تَرَ إِلى كَذَا، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العربُ عِنْدَ التَّعَجُّب مِنَ الشَّيْءِ وَعِنْدَ تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ*
؛ أَي أَلَمْ تَعْجَبْ لِفِعْلِهِم، وأَ لَمْ يَنْتَه شأْنُهُم إِليك. وأَتاهُم حِينَ جَنَّ رُؤْيٌ رُؤْياً ورَأْيٌ رَأْياً أَي حينَ اختَلَطَ الظَّلام فلَمْ يَتَراءَوْا. وارْتَأَيْنا فِي الأَمْرِ وتَراءَيْنا: نَظَرْناه. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه، وذَكَر المُتْعَة: ارْتَأَى امْرُؤٌ بعدَ ذَلِكَ مَا شاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ
أَي فكَّر وتَأَنَّى، قَالَ: وَهُوَ افْتَعَل مِنْ رُؤْيَة القَلْب أَو مِنَ الرَّأْيِ. ورُوِي

(14/299)


عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: أَنا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، قِيلَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَراءَى نَارَاهُما
؛ قَالَ ابنُ الأَثِير: أَي يَلْزَمُ المُسْلِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَن يُباعِدَ مَنْزِلَه عَنْ مَنْزِل المُشْرِك وَلَا يَنْزِل بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِذا أُوقِدَتْ فِيهِ نارُه تَلُوح وتَظْهَرُ لِنَارِ المُشْرِكِ إِذا أَوْقَدَها فِي مَنْزِله، وَلَكِنَّهُ يَنْزِل معَ المُسْلِمِين فِي دَارِهِم، وإِنما كَرِهَ مُجاوَرَة الْمُشْرِكِينَ لأَنهم لَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا أَمانَ، وحَثَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الهِجْرة؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَن يَسْكُنَ بلادَ المُشْرِكين فيكونَ مَعَهم بقَدْر مَا يَرَى كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ نارَ صاحِبه. والتَّرَائِي: تفاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ. يُقَالُ: تَرَاءَى القومُ إِذا رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وتَرَاءَى لِي الشيءُ أَي ظَهَر حَتَّى رَأَيْته، وإِسناد التَّرائِي إِلى النَّارَيْن مجازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُر إِلى دارِ فُلَانٍ أَي تُقابِلُها، يَقُولُ نَارَاهُمَا مُخْتَلِفتانِ، هَذِهِ تَدْعو إِلى اللَّهِ وَهَذِهِ تَدْعُو إِلى الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ تَتَّفِقانِ؟ والأَصل فِي تَراءَى تَتَراءَى فَحَذَفَ إِحدى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. وَيُقَالُ: تَراءَينا فُلَانًا أَي تَلاقَيْنا فَرَأَيْتُه ورَآني. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ لَا تَراءَى نارَاهُما: أَي لَا يَتَّسِمُ المُسْلِم بسِمَةِ المُشْرِك وَلَا يَتَشَبَّه بِهِ فِي هَدْيِه وشَكْلِهِ وَلَا يَتَخَلّق بأَخْلاقِه، مِنْ قَوْلِكَ مَا نَارُ بَعِيرِكَ أَي مَا سِمةُ بعِيرِكَ. وَقَوْلُهُمْ: دَارِي تَرَى دارَ فلانٍ أَي تُقابِلُها؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
سَلِ الدَّار مِنْ جَنْبَيْ حَبِيرٍ، فَواحِفِ، ... إِلى مَا رَأَى هَضْبَ القَلِيبِ المصَبَّحِ
أَراد: إِلى مَا قابَلَه. وَيُقَالُ: مَنازِلُهم رِئَاءٌ عَلَى تَقْدِيرِ رِعَاء إِذا كَانَتْ مُتَحاذِيةً؛ وأَنشد:
لَيالِيَ يَلْقَى سرْبُ دَهْماء سِرْبَنَا، ... ولَسْنا بِجِيرانٍ ونَحْنُ رِئَاءُ
وَيُقَالُ: قَوْم رِئَاءٌ يقابلُ بعضُهُم بَعْضًا، وَكَذَلِكَ بُيوتُهُم رِئَاءٌ. وتَرَاءَى الجَمْعانِ: رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وَفِي حَدِيثِ رَمَلِ الطَّوافِ:
إِنما كُنَّا رَاءَيْنا بِهِ الْمُشْرِكِينَ
، هُوَ فاعَلْنا مِنَ الرُّؤْية أَي أَرَيْناهم بِذَلِكَ أَنَّا أَقْوِياء. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَهلَ الجَنَّةِ ليَتَرَاءَوْنَ أَهلَ عِلِّيِّين كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَب الدُّرِّيَّ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: يَتَرَاءَوْنَ أَي يتَفاعَلون أَي يَرَوْنَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قولُه كَمَا تَرَوْن. والرَّأْيُ: معروفٌ، وَجَمْعُهُ أَرْآءٌ، وآراءٌ أَيضاً مَقْلُوبٌ، ورَئِيٌّ عَلَى فَعِيل مِثْلُ ضَأْنٍ وضَئِينٍ. وَفِي حَدِيثِ الأَزرق بْنِ قَيْسٍ: وفِينا رجُلٌ لَهُ رَأْيٌ. يُقَالُ: فلانٌ مِنْ أَهل الرَّأْي أَي أَنه يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَيَقُولُ بمَذْهَبِهم، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا، والمُحَدِّثون يُسَمُّون أَصحابَ القياسِ أَصحابَ الرَّأْي يَعْنُون أَنهم يأْخذون بآرائِهِم فِيمَا يُشْكِلُ مِنَ الْحَدِيثِ أَو مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ. والرَّأْيُ: الاعتِقادُ، اسمٌ لَا مصدرٌ، وَالْجَمْعُ آراءٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يكَسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَرْءٍ مِثْلُ أَرْعٍ ورُئِيٌّ ورِئِيٌّ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَتَرَاءَى بِرَأْيِ فُلَانٍ إِذا كَانَ يَرَى رَأْيَه ويَمِيلُ إِليه ويَقْتَدي بِهِ؛ وأَما مَا أَنشده خَلَفٌ الأَحمر مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَما تَرَانِي رَجُلًا كَمَا تَرَى ... أَحْمِلُ فَوْقي بِزَّتِي كَمَا تَرَى
عَلَى قَلُوص صَعْبَةٍ كَمَا تَرَى ... أَخافُ أَن تَطْرَحَني كَمَا تَرَى

(14/300)


فَمَا تَرى فِيمَا تَرَى كَمَا تَرَى
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الأَبيات أَنها لَوْ كَانَتْ عدَّتُها ثَلَاثَةً لَكَانَ الْخَطْبُ فِيهَا أَيسر، وَذَلِكَ لأَنك كُنْتَ تَجْعَلُ وَاحِدًا مِنْهَا مِنْ رُؤْية العَيْنِ كَقَوْلِكَ كَمَا تُبْصِر، وَالْآخَرَ مِنْ رُؤْية القَلْبِ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ فَيَصِيرُ كَقَوْلِكَ كَمَا تَعْلم، وَالثَّالِثَ مِنْ رأَيْت الَّتِي بِمَعْنَى الرَّأْي الِاعْتِقَادِ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ يَرَى رَأْي الشُّراةِ أَي يعتَقِدُ اعْتِقادَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ
؛ فحاسَّةُ البَصَر هَاهُنَا لَا تتَوَجَّه وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى أَعْلَمَك اللَّهُ لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لوَجَب تعدِّيه إِلى ثَلَاثَةِ مَفْعولِين، وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلا مَفْعُولَانِ: أَحدهما الْكَافُ فِي أَراك، وَالْآخَرُ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ لِلْغَائِبِ أَي أَراكَه، وإِذا تعدَّت أَرى هَذِهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الثَّالِثِ بُدُّ، أَوَلا تَراكَ تَقُولُ فُلَانٌ يَرَى رأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَا تَعْني أَنه يَعْلَمُ مَا يَدَّعون هُمْ عِلْمَه، وإِنما تَقُولُ إِنه يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُونَ وإِن كَانَ هُوَ وَهُمْ عِنْدَكَ غَيْرَ عَالِمِينَ بأَنهم عَلَى الْحَقِّ، فَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ لرأَيت، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلِذَلِكَ قُلْنَا لَوْ كَانَتِ الأَبيات ثَلَاثَةً لَجَازَ أَن لَا يَكُونَ فِيهَا إِيطاء لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي وإِن اتَّفَقَتِ الأَلفاظ، وإِذْ هِي خمسة فظاهر أَمرها أَن تَكُونَ إِيطاء لِاتِّفَاقِ الأَلفاظ وَالْمَعَانِي جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَن الْعَرَبَ قَدْ أَجرت الْمَوْصُولَ وَالصِّلَةَ مُجْرى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ ونَزَّلَتْهما مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ؛ لأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الأَشياء كُلِّهَا وَحْدَهُ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَف عَلَى نفسِه، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الصِّلَةُ وَالْمَوْصُولُ كَالْخَبَرِ الْوَاحِدِ وأَراد عَطْفَ الصِّلَةِ جَاءَ مَعَهَا بِالْمَوْصُولِ لأَنهما كأَنهما كِلَاهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ مُفْرَدٌ؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَيا ابْنَةَ عبدِ اللَّهِ وابْنَةَ مالِكٍ، ... وَيَا ابْنَةَ ذِي الجَدَّينِ والفَرَسِ الوَرْدِ
إِذا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ، فالْتَمِسي لهُ ... أَكِيلًا، فإِني لسْتُ آكُلُه وَحْدي
فإِنما أَراد: أَيا ابْنة عبدِ اللَّهِ ومالِكٍ وَذِي الجَدّين لأَنها واحدةٌ، أَلا تَراهُ يَقُولُ صنعتِ وَلَمْ يَقُلْ صنعتُنَّ؟ فإِذا جازَ هَذَا فِي الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِليه كَانَ فِي الصِّلَةِ والموصولِ أَسْوَغَ، لأَنَّ اتِّصالَ الصِّلَةِ بِالْمَوْصُولِ أَشدُّ مِنَ اتِّصَالِ المضافِ إِليه بالمُضاف؛ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الأَعرابي وَقَدْ سأَله أَبو الْحَسَنِ الأَخفشُ عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
بَناتُ وَطَّاءٍ عَلَى خَدِّ اللَّيْل
فَقَالَ لَهُ: أَين الْقَافِيَةُ؟ فَقَالَ: خَدِّ الليلْ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ الأَخفش: كأَنه يُرِيدُ الكلامَ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَيْتِ قلَّ أَو كَثُر، فَكَذَلِكَ أَيضاً يَجْعَلُ مَا تَرَى وَمَا تَرَى جَمِيعًا الْقَافِيَةَ، وَيَجْعَلُ مَا مَرَّةً مَصْدَرًا وَمَرَّةً بِمَنْزِلَةِ الَّذِي فَلَا يَكُونُ فِي الأَبيات إِيطاء؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ أَن يَكُونَ تَقْدِيرُهَا أَما تَرَانِي رَجُلًا كرُؤْيَتِك أَحمل فَوْقِي بِزَّتِي كمَرْئِيِّك عَلَى قَلُوصٍ صَعْبَةٍ كعِلْمِكَ أَخاف أَن تَطْرَحَنِي كمَعْلُومك فَمَا تَرَى فِيمَا تَرَى كمُعْتَقَدِك، فَتَكُونُ مَا تَرَى مَرَّةً رُؤْيَةَ الْعَيْنِ، وَمَرَّةً مَرْئِيّاً، وَمَرَّةً عِلْماً وَمَرَّةً مَعلوماً، وَمُرَّةً مُعْتَقَداً، فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْمَعَانِي الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا مَا وَاتَّصَلَتْ بِهَا فَكَانَتْ جُزْءًا مِنْهَا لَاحِقًا بِهَا صَارَتِ الْقَافِيَةُ مَا تَرَى جَمِيعًا، كَمَا صَارَتْ فِي قَوْلِهِ خَدِّ اللَّيْلِ هِيَ خَدُّ اللَّيْلِ جَمِيعًا لَا اللَّيْلُ وَحْدَهُ؛ قَالَ: فَهَذَا قِيَاسٌ مِنَ الْقُوَّةِ بِحَيْثُ تَرَاهُ، فإِن قُلْتَ: فَمَا رَوِيُّ هَذِهِ

(14/301)


الأَبيات؟ قِيلَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ رَوّيها الأَلفَ فَتَكُونُ مَقْصُورَةً يَجُوزُ مَعَهَا سَعَى وَأَتَى لأَن الأَلف لَامُ الْفِعْلِ كأَلف سَعَى وسَلا، قَالَ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَن تَكُونَ رائِيَّة لأَمرين: أَحدهما أَنها قَدِ التُزِمَت، وَمِنْ غَالِبِ عَادَةِ الْعَرَبِ أَن لَا تَلْتَزِمَ أَمراً إِلا مَعَ وُجُوبِهِ، وإِن كَانَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَدْ تتَطوَّع بِالْتِزَامِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَقل الأَمرين وأَدْوَنُهما، وَالْآخَرُ أَن الشِّعْرَ الْمُطْلَقَ أَضعاف الشِّعْرِ الْمُقَيَّدِ، وإِذا جَعَلْتَهَا رَائِيَّةً فَهِيَ مُطْلقة، وَإِذَا جَعَلْتَهَا أَلِفِيَّة فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ، أَلا تَرَى أَن جَمِيعَ مَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنَ الشِّعْرِ الْمَقْصُورِ لَا تَجِدُ الْعَرَبَ تَلْتَزِمُ فِيهِ مَا قَبْلَ الأَلف بَلْ تُخَالِفُ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنه لَيْسَ رَوِيّاً؟ وأَنها قَدِ الْتَزَمَتِ الْقَصْرَ كَمَا تَلْتَزِمُ غَيْرَهُ مِنْ إِطلاق حَرْفِ الرَّوِيِّ، وَلَوِ الْتَزَمَتْ مَا قَبْلَ الأَلف لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلى إِلْباس الأَمر الَّذِي قَصَدُوا لإِيضاحِه، أَعني القصرَ الَّذِي اعْتَمَدُوهُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا عِنْدِي قَصِيدَةُ يزيدَ بنِ الحَكَم، الَّتِي فِيهَا مُنْهَوي ومُدَّوي ومُرْعَوي ومُسْتَوي، هِيَ واويَّة عِنْدَنَا لِالْتِزَامِهِ الْوَاوَ فِي جَمِيعِهَا والياءاتُ بَعْدَهَا وُصُول لِمَا ذَكَرْنَا. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ رَأْي القَلْب والجمعُ الآراءُ. وَيُقَالُ: مَا أَضلَّ آرَاءَهم وَمَا أَضلَّ رَأْيَهُمْ. وارْتَآهُ هُوَ: افْتَعَل مِنَ الرَّأْي والتَّدْبِير. واسْتَرْأَيْتُ الرُّجلَ فِي الرَّأْيِ أَي اسْتَشَرْتُه وراءَيْته. وَهُوَ يُرَائِيهِ أَي يشاوِرُه؛ وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حطَّان:
فإِن تَكُنْ حِينَ شاوَرْناكَ قُلْتَ لَنا ... بالنُّصْحِ مِنْكَ لَنَا فِيما نُرَائِيكا
أَي نَسْتَشِيرُكَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ: يُراؤُنَ النَّاسَ
، وقوله: يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
، فَلَيْسَ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ إِذا أَبْصَرَهُم النَّاسُ صَلَّوا وإِذا لَمْ يَرَوْهم تَرَكُوا الصلاةَ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلَ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ
؛ وَهُوَ المُرَائِي كأَنه يُرِي النَّاسَ أَنه يَفْعَل وَلَا يَفْعَل بِالنِّيَّةِ. وأَرْأَى الرجلُ إِذا أَظْهَر عَمَلًا صالِحاً رِياءً وسُمْعَة؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ يَهْجُو قَوْمًا ويَرْمِي امرأَة مِنْهُمْ بِغَيْرِ الجَمِيلِ:
وَبَاتَ يُراآها حَصاناً، وقَدْ جَرَتْ ... لَنا بُرَتَاهَا بِالَّذِي أَنَا شَاكِرُه
قَوْلُهُ: يُراآها يَظُنُّ أَنها كَذَا، وَقَوْلُهُ: لَنَا بُرَتاها مَعْنَاهُ أَنها أَمكنته مِنْ رِجْلَيْها. وَقَالَ شَمِرٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ أَرَى اللهُ بِفُلَانٍ أَي أَرَى اللهُ الناسَ بِفُلَانٍ العَذَابَ والهلاكَ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الشَّرِّ؛ قَالَ الأَعشى:
وعَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَمْداً ... خَسَّها، وأَرَى بِهَا
يَعْنِي قَبِيلَةً ذكَرَها أَي أَرَى اللهُ بِهَا عَدُوَّها مَا شَمِتَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي أَرَى اللَّهُ بِهَا أَعداءَها مَا يَسُرُّهم؛ وأَنشد:
أَرَانَا اللهُ بالنَّعَمِ المُنَدَّى
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَرَى اللهُ بِفُلَانٍ أَي أَرَى بِهِ مَا يَشْمَتُ بِهِ عَدُوُّه. وأَرِنِي الشَّيءَ: عاطِنيهِ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ والمؤَنث، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مَرآةٌ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا أَي مَخْلَقة، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ والمؤَنث، قال: هُوَ أَرْآهُمْ لأَنْ يَفَعَلَ ذَلِكَ أَي أَخْلَقُهُم. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: لَوْ تَرَ مَا وأَو تَرَ مَا ولَمْ تَرَ مَا، مَعْنَاهُ كُلُّهُ عِنْدَهُ وَلَا سِيَّما. والرِّئَة، تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ: مَوْضِع النَّفَس والرِّيحِ مِنَ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ رِئَاتٌ ورِئُون،

(14/302)


عَلَى مَا يَطّرِد فِي هَذَا النَّحْوِ؛ قَالَ:
فَغِظْنَاهُمُ، حتَّى أَتَى الغَيْظُ مِنْهُمُ ... قُلوباً، وأَكْباداً لهُم، ورِئِينَا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما جَازَ جَمْعُ هَذَا وَنَحْوِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لأَنها أَسماء مَجْهودة مُنْتَقَصَة وَلَا يُكَسَّر هَذَا الضَّرب فِي أَوَّلِيَّته وَلَا فِي حَدِّ التَّسْمِيَةِ، وَتَصْغِيرُهَا رُؤَيَّة، وَيُقَالُ رُوَيَّة؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يُنازِعْنَ العَجاهِنَةَ الرِّئِينَا
ورَأَيْته: أَصَبْت رِئَته. ورُؤِيَ رَأْياً: اشْتكى رِئَته. غَيْرُهُ: وأَرْأَى الرجلُ إِذا اشْتَكى رِئَته. الْجَوْهَرِيُّ: الرِّئَة السَّحْرُ، مَهْمُوزَةٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى رِئِينَ، والهاءُ عوضٌ مِنَ الْيَاءِ المَحْذوفة. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمانَ بنِ عادٍ: وَلَا تَمْلأُ رِئَتِي جَنْبِي
؛ الرِّئَة الَّتِي فِي الجَوْف: مَعْروفة، يَقُولُ: لَسْتُ بِجَبان تَنْتَفِخُ رِئَتي فَتَمْلأُ جَنْبي، قَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهَا الهَرَوي. والثَّوْرُ يَرِي الكَلْبَ إِذا طَعَنَه فِي رِئَتِه. قَالَ ابْنُ بُزُرج: ورَيْته مِنَ الرِّئَةِ، فَهُوَ مَوْرِيّ، ووَتَنْته فَهُوَ مَوْتونٌ وشَويْته فَهُوَ مَشْوِيّ إِذا أَصَبْت رِئَتَه وشَوَاتَه ووَتِينِه. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ مِنَ الرِّئة رَأَيْته فَهُوَ مَرْئيٌّ إِذا أَصَبْته فِي رِئَته. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَقْبَل الضَّيم حامِضُ الرِّئَتَين؛ قَالَ دُرَيْدٌ:
إِذا عِرْسُ امْرِئٍ شَتَمَتْ أَخاهُ، ... فَلَيْسَ بحامِضِ الرِّئَتَيْن مَحْضِ
ابْنُ شُمَيْلٍ: وَقَدْ وَرَى البعيرَ الدَّاءُ أَي وَقَعَ فِي رِئَتِه وَرْياً. ورَأَى الزندُ: وَقَدَ؛ عَنْ كُرَاعٍ، ورَأَيْته أَنا؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وجَذْب البُرَى أَمْراسَ نَجْرانَ رُكِّبَتْ ... أَوَاخِيُّها بالمُرْأَياتِ الرَّواجِفِ
يَعْنِي أَواخِيَّ الأَمْراسِ، وَهَذَا مَثَلٌ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: رَأْسٌ مُرْأىً بِوَزْنِ مُرْعًى طويلُ الخَطْمِ فِيهِ شبِيهٌ بالتَّصْويب كهَيْئة الإِبْرِيقِ؛ وَقَالَ نُصَيْرٌ:
رُؤُوسٌ مُرْأَياتٌ كَأَنَّها قَراقِيرُ
قَالَ: وَهَذَا لَا أَعرف لَهُ فِعْلًا وَلَا مادَّة. وَقَالَ النَّضْرُ: الإِرْآءُ انْتِكابُ خَطْمِ البعيرِ عَلَى حَلْقِه، يُقَالُ: جَمَلٌ مُرأىً وجِمال مُرْآةٌ. الأَصمعي: يُقَالُ لِكُلِّ ساكِنٍ لَا يَتَحَرَّك ساجٍ ورَاهٍ ورَاءٍ؛ قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرف رَاءً بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَن يَكُونَ أَراد رَاه، فَجَعَلَ بَدَلَ الْهَاءِ يَاءً. وأَرْأَى الرجلُ إِذا حَرَّك بعَيْنَيْه عِنْدَ النَّظَرِ تَحْرِيكاً كَثِيراً وَهُوَ يُرْئي بِعَيْنَيْه. وسَامَرَّا: الْمَدِينَةُ الَّتِي بَنَاهَا المُعْتَصِم، وَفِيهَا لُغَاتٌ: سُرَّ مَنْ رَأَى، وسَرَّ مَنْ رَأَى، وسَاءَ مَنْ رأَى، وسَامَرَّا؛ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى ثَعْلَبٍ وَابْنِ الأَنباري، وسُرَّ مَنْ رَاءَ، وسُرَّ مَرَّا، وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ أَنه قَالَ: ثَقُلَ عَلَى النَّاسِ سُرَّ مَنْ رأَى فَغَيَّروه إِلى عَكْسِهِ فَقَالُوا سامَرَّى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ أَنَّهُمْ حَذَفُوا الْهَمْزَةَ مِنْ سَاءَ وَمِنْ رَأَى فَصَارَ سَا مَنْ رَى، ثُمَّ أُدغمت النُّونُ فِي الرَّاءِ فَصَارَ سَامَرَّى، وَمَنْ قَالَ سَامَرَّاءُ فإِنه أَخَّر هَمْزَةَ رأَى فَجَعَلَهَا بَعْدَ الأَلف فَصَارَ سَا مَنْ رَاءَ، ثُمَّ أَدغم النُّونَ فِي الرَّاءِ. ورُؤَيَّة: اسْمُ أَرْضٍ؛ وَيُرْوَى بَيْتُ الْفَرَزْدَقِ:
هَلْ تَعْلَمون غَدَاةَ يُطْرَدُ سَبْيُكُم ... بالسَّفْحِ، بَيْنَ رُؤَيَّةٍ وطِحَالِ؟
وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ هُنَا: رَاءَ لُغَةٌ فِي رَأَى، وَالِاسْمُ الرِّيءُ. ورَيَّأَهُ تَرْيِئَة: فَسَّحَ عَنْهُ مِنْ خِناقهِ.

(14/303)


وَرَايا فُلَانًا: اتَّقاه؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وَيُقَالُ رَاءَهُ فِي رَآه؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
وكلُّ خَلِيل رَاءَني، فهْوَ قَائِلٌ ... منَ أجْلِك: هَذَا هامَةُ اليَومِ أَو غَدِ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
فَلَيْت سُوَيْداً رَاءَ مَنْ فَرَّ مِنْهُمُ، ... ومَنْ جَرَّ، إِذْ يَحْدُونَهُم بالرَّكَائِبِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَمَا ذاكِ مِنْ أَنْ لَا تَكُوني حَبِيبَةً، ... وإِن رِيءَ بالإِخْلافِ مِنْكِ صُدُودُ
وَقَالَ آخَرُ:
تَقَرَّبَ يَخْبُو ضَوْءُهُ وشُعاعُه، ... ومَصَّحَ حَتَّى يُسْتَراءَ، فَلَا يُرى
يُسْتَراءَ: يُسْتَفْعَل مِنْ رأَيت. التَّهْذِيبُ: قَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ مِنَ الظنِّ رِيْتُ فُلَانًا أَخاكَ، وَمَنْ هَمَزَ قَالَ رؤِيتُ، فإِذا قُلْتَ أَرى وأَخَواتها لَمْ تَهْمِزْ، قَالَ: وَمَنْ قَلَبَ الْهَمْزَ مِنْ رأَى قَالَ راءَ كَقَوْلِكَ نأَى وناءَ. وَرُوِيَ
عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه بَدأَ بالصَّلاة قَبْلَ الخُطْبة يومَ العِيدِ ثُمَّ خَطَبَ فَرُؤِيَ أَنه لَمْ يُسْمِعِ النساءَ فأَتاهُنَّ ووعَظَهُنَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رُؤِيَ فِعْلٌ لَمْ يسَمّ فَاعِلُهُ من رَأَيْت بِمَعْنَى ظَنَنْت، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولَيْنِ، تَقُولُ رأَيتُ زَيْدًا عاقِلًا، فإِذا بَنَيْتَه لِمَا لَمْ يُسَمّ فاعلُه تعدَّى إِلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَقُلْتَ رُؤِيَ زيدٌ عَاقِلًا، فَقَوْلُهُ إِنه لَمْ يُسْمِع جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَالْمَفْعُولُ الأَول ضَمِيرُهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَراهُمُني الباطِلُ شَيْطاناً
؛ أَراد أَنَّ الباطِلَ جَعَلَني عِنْدَهُمْ شَيْطَانًا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِيهِ شُذُوذٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن ضَمِيرَ الْغَائِبِ إِذا وَقَعَ مُتَقَدِّماً عَلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ فَالْوَجْهُ أَن يُجاء بِالثَّانِي مُنْفَصِلًا تَقُولُ أَعطاه إِياي فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَن يَقُولَ أَراهم إِياي، وَالثَّانِي أَن وَاوَ الضَّمِيرِ حَقُّهَا أَن تَثْبُتَ مَعَ الضَّمَائِرِ كَقَوْلِكَ أَعطيتموني، فَكَانَ حَقُّهُ أَن يَقُولَ أَراهُمُوني، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
قرأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: وتُرَى الناسَ سُكارى
، فَنَصَبَ الرَّاءَ مِنْ تُرى، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ، يُرِيدُ مثلَ قَوْلِكَ رُؤِيتُ أَنَّك قائمٌ ورُؤِيتُك قَائِمًا، فَيَجْعَلُ سُكارى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لأَن تُرى تَحْتَاجُ إِلى شَيْئَيْنِ تَنْصِبُهُمَا كَمَا تَحْتَاجُ ظَنَّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رُؤِيتُ مقلوبٌ، الأَصلُ فِيهِ أُريتُ، فأُخرت الْهَمْزَةُ، وَقِيلَ رُؤِيتُ، وهو بمعنى الظن.
ربا: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوّاً ورِباءً: زَادَ وَنَمَا. وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ
؛ وَمِنْهُ أُخِذَ الرِّبا الحَرام؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: يَعني بِهِ دَفْعَ الإِنسان الشيءَ ليُعَوَّضَ مَا هُوَ أَكثرُ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَكثر التَّفْسِيرِ لَيْسَ بِحَرامٍ، وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لِمَنْ زَادَ عَلَى مَا أَخذ، قَالَ: والرِّبا رِبَوانِ: فالحَرام كلُّ قَرْض يُؤْخَذُ بِهِ أَكثرُ مِنْهُ أَو تُجَرُّ بِهِ مَنْفَعة فَحَرَامٌ، وَالَّذِي لَيْسَ بِحَرَامٍ أَن يَهَبَه الإِنسان يَسْتَدْعي بِهِ مَا هُوَ أَكْثَر أَو يُهْديَ الهَدِيَّة ليُهْدى لَهُ مَا هُوَ أَكثرُ مِنْهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قُرِئَ هَذَا الْحَرْفُ ليَرْبُوَ بِالْيَاءِ وَنَصْبِ الْوَاوِ، قرأَها عَاصِمٌ والأَعمش، وقرأَها أَهل الْحِجَازِ لتَرْبُو، بِالتَّاءِ مَرْفُوعَةً، قَالَ: وكلٌّ صوابٌ، فَمَنْ قرأَ لِتَرْبُوَ فَالْفِعْلُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ خُوطِبُوا دَلَّ عَلَى نَصْبِهَا سُقُوطُ النُّونِ، وَمَنْ قرأَها ليَرْبُوَ فَمَعْنَاهُ ليَرْبُوَ مَا أَعطيتم مِنْ شَيْءٍ لتأْخذوا أَكثر، مِنْهُ، فَذَلِكَ رُبُوّه وَلَيْسَ ذَلِكَ زَاكِيًا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَتِلْكَ تَرْبُو بِالتَّضْعِيفِ.

(14/304)


وأَرْبَى الرَّجُلُ فِي الرِّبا يُرْبِي. والرُّبْيَةُ: مِنَ الرِّبا، مُخَفَّفَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صُلْحِ أَهل نَجْرَانَ: أَن لَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلَا دَمٌ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنما هُوَ رُبْيَة، مُخَفَّفٌ، أَراد بِهَا الرِّبا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والدماءَ الَّتِي كَانُوا يُطْلَبون بِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِثْلُ الرُّبْيَة مِنَ الرِّبا حُبْيَة مِنْ الاحْتِباء، سماعٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْنِي أَنهم تَكَلَّمُوا بِهِمَا بِالْيَاءِ رُبْيَة وحُبْيَة وَلَمْ يَقُولُوا رُبْوَة وحُبْوة، وأَصلهما الْوَاوُ، وَالْمَعْنَى أَنه أُسقط عَنْهُمْ مَا اسْتَسْلَفُوه فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ سَلَفٍ أَو جَنَوه مِنْ جِنَايَةٍ، أُسقط عَنْهُمْ كلُّ دَمٍ كَانُوا يُطْلبون بِهِ وكلُّ رِباً كَانَ عَلَيْهِمْ إِلَّا رؤوسَ أَموالهم فإِنهم يَرُدُّونَهَا، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، والأَصل فِيهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رَبَا المالُ إِذا زَادَ وارْتَفَع، وَالِاسْمُ الرِّبا مَقْصُورٌ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَصل الْمَالِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ تبايُعٍ، وَلَهُ أَحكام كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ، وَالَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ رُبِّيَّة، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَمْ يُعْرَفْ فِي اللُّغَةِ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَبِيلُهَا أَن تَكُونَ فُعُّولة مِنَ الرِّبا كَمَا جَعَلَ بَعْضُهُمُ السُّرِّيَّة فُعُّولة مِنَ السَّرْوِ لأَنها أَسْرى جَوَارِي الرَّجُلِ. وَفِي حَدِيثِ
طَهْفةَ: مَنْ أَبى فَعَلَيْهِ الرِّبْوَةُ
أَي مَنْ تَقاعَدَ عَنْ أَداءِ الزكاةِ فَعَلَيْهِ الزيادةُ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ كالعُقُوبة لَهُ، وَيُرْوَى:
مَنْ أَقَرَّ بالجِزْية فَعَلَيْهِ الرِّبْوَةُ
أَي مَنِ امْتَنَعَ عَنِ الإِسلام لأَجْل الزَّكَاةِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الجِزْية أَكثرُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالزَّكَاةِ. وأَرْبى عَلَى الْخَمْسِينَ وَنَحْوِهَا: زَادَ. وَفِي حَدِيثِ
الأَنصار يَوْمَ أُحُدٍ: لئِنْ أَصَبْنا مِنْهُمْ يَوْماً مثلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ فِي التَّمْثِيلِ
أَي لَنَزِيدَنَّ ولَنُضاعِفَنَّ. الْجَوْهَرِيُّ: الرِّبا فِي الْبَيْعِ وَقَدْ أَرْبَى الرجلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَجْبى فَقَدْ أَرْبَى.
وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
وتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تكونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ.
ورَبا السويقُ وَنَحْوُهُ رُبُوّاً: صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ فانْتَفَخ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صفةِ الأَرضِ: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ*
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ عَظُمَتْ وانْتَفَخَتْ،
وَقُرِئَ ورَبأَتْ
، فَمَنْ قرأَ ورَبَتْ فَهُوَ رَبَا يَرْبُو إِذا زَادَ عَلَى أَيِّ الجهاتِ زَادَ، وَمَنْ قرأَ ورَبأَتْ بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ ارْتَفَعَتْ. وسابَّ فُلَانٌ فُلَانًا ف أَرْبَى عَلَيْهِ فِي السِّباب إِذا زَادَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً
أَي أَخْذَةً تَزِيدُ عَلَى الأَخَذات؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي زائِدَةً كَقَوْلِكَ أَرْبَيْت إِذا أَخَذْتَ أَكثرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ. والرَّبْوُ والرَّبْوَةُ: البُهْرُ وانْتِفاخُ الجَوْفِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ودُونَ جُذُوٍّ وابْتِهارٍ ورَبْوةٍ، ... كأَنَّكُما بالرِّيقِ مُخْتَنِقانِ
أَي لسْتَ تَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ جُذُوٍّ عَلَى أَطْراف الأَصابِعِ وبَعْدَ رَبْوٍ يأْخُذُكَ. والرَّبْوُ: النَّفَسُ الْعَالِي. ورَبَا يَرْبُو رَبْواً: أَخَذَه الرَّبْوُ. وطَلَبْنا الصَّيْدَ حَتَّى تَرَبَّيْنا أَي بُهِرْنا «4» . وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا مَا لِي أَراكِ حَشْيَا رَابِيَةً
؛ أَراد بالرَّابِيَة الَّتِي أَخَذَها الرَّبْوُ وَهُوَ البُهْرُ، وَهُوَ النَّهِيجُ وتَواتُرُ النَّفَسِ الَّذِي يَعْرِضُ للمُسْرِعِ فِي مَشْيِه وحَرَكَتِه وَكَذَلِكَ الحَشْيا. ورَبا الفَرَس إِذا انَتَفَخَ مِنْ عَدْوٍ أَو فَزَعٍ؛ قَالَ بِشْر بْنُ أَبي خَازِمٍ:
كأَنَّ حَفِيفَ مُنْخُرِه، إِذَا مَا ... كتَمْنَ الرَّبْوَ، كِيرٌ مُسْتَعارُ
__________
(4) . قوله [حَتَّى تَرَبَّيْنَا أَيْ بُهِرْنَا] هكذا في الأصل

(14/305)


والرِّبَا: العِينَة. وَهُوَ الرِّمَا أَيضاً عَلَى البَدَل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوانِ ورِبَيان، وأَصله مِنَ الْوَاوِ وإِنما ثُنِّيَ بِالْيَاءِ للإِمالة السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجل الْكَسْرَةِ. ورَبَا المالُ: زادَ بالرِّبَا. والمُرْبِي: الَّذِي يَأْتي الرِّبَا. والرَّبْوُ والرَّبْوَةُ والرُّبْوَةُ والرِّبْوَة والرَّبَاوَة والرُّبَاوة والرِّبَاوَة والرَّابِيَة والرَّبَاةُ: كلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض ورَبا؛ قَالَ المُثَقِّب العَبْدي:
عَلَوْنَ رَبَاوَةً وهَبَطْنَ غَيْباً، ... فَلَمْ يَرْجِعْنَ قَائِمَةً لِحِينِ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَفُوتُ العَشَنَّقَ إِلْجامُهَا، ... وإِنْ هُوَ وَافَى الرَّبَاةَ المَدِيدَا
المديدَ: صِفَةٌ للعَشَنَّقِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ صِفَةً للرَّبَاةِ عَلَى أَن يَكُونَ فَعِيلًا فِي مَعْنَى مَفْعولةٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يكونَ عَلَى الْمَعْنَى كأَنَه قَالَ الرَّبْوَ المَدِيدَ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ فَاعِلًا ومَفْعولًا. وأَرْبَى الرجلُ إِذا قَامَ عَلَى رابِيَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ بَقَرَةً يَخْتَلِف الذِّئْبُ إِلى ولَدها:
تُرْبِي لَهُ، فَهْوَ مَسْرورٌ بطَلْعَتِها ... طَوْراً، وطَوْراً تَناسَاهُ فتَعْتَكِرُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
الفِرْدَوْسُ رَبْوَة الجَنَّةِ
أَي أَرْفَعُها. ابْنُ دُرَيْدٍ: لفُلان عَلَى فُلَانٍ رَباءٌ بِالْفَتْحِ والمَدِّ، أَي طَوْلٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ
؛ وَالِاخْتِيَارُ مِنَ اللُّغَاتِ رُبْوةٌ لأَنها أَكثر اللُّغَاتِ، والفتحُ لُغة تَمِيمٍ، وجَمْعُ الرَّبْوة رُبىً ورُبِيٌّ؛ وأَنشد:
ولاحَ إِذْ زَوْزَى بِهِ الرُّبِيُ
وزَوْزَى بِهِ أَي انْتَصَب بِهِ. قَالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الرَّوَابِي مَا أَشْرَف مِنَ الرَّمْلِ مثلُ الدَّكْدَاكَةِ غيرَ أَنها أَشَدُّ مِنْهَا إِشْرافاً، وَهِيَ أَسْهَلُ مِنَ الدَّكْداكةِ، والدَّكْدَاكَةُ أَشَدُّ اكْتِنازاً مِنْهَا وأَغْلَظُ، والرَّابِيَة فِيهَا خُؤُورَةٌ وإشْرافٌ تُنْبِتُ أَجْوَدَ البَقْلِ الَّذِي فِي الرِّمَالِ وأَكثرَه يَنْزِلُها الناسُ. وَيُقَالُ جَمَل صَعْبُ الرُّبَةِ أَي لَطيف الجُفْرةِ؛ قَالَهُ ابْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله رُبْوَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
هَلْ لَكِ، يَا خَدْلَةُ، فِي صَعْبِ الرُّبَهْ ... مُعْتَرِمٍ، هامَتُه كالحَبْحَبَهْ؟
ورَبَوْت الرَّابِية: عَلَوْتها. وأَرضٌ مُرْبِية: طَيّبة. وَقَدْ رَبَوْت في حِجْرِهِ [حَجْرِهِ] رُبُوّاً ورَبْواً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ورَبِيْتُ رِباءً ورُبِيّاً، كِلاهما: نَشَأْتُ فِيهِمْ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ لِمِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:
ثَلاثَة أَمْلاكٍ رَبَوْا فِي حُجُورِنَا، ... فهَلْ قائِلٌ حَقّاً كمَنْ هُوَ كاذِبُ؟
هَكَذَا رَوَاهُ رَبَوْا عَلَى مِثال غَزَوْا؛ وأَنشد فِي الْكَسْرِ للسَّمَوْأَل بنِ عَادِياءَ:
نُطْفَةً مَّا خُلِقْتُ يومَ بُرِيتُ ... أَمِرَتْ أَمْرَها، وَفِيهَا رَبِيتُ
كَنَّها اللهُ تحتَ سِتْرٍ خَفِيٍّ، ... فتَجافَيْتُ تَحْتَها فَخَفِيتُ
ولكُلٍّ مِنْ رِزْقِه مَا قَضَى اللَّهُ، ... وإِن حَكَّ أَنْفَه المسْتَمِيتُ
ابْنُ الأَعرابي: رَبِيت فِي حجرِه ورَبَوْتُ ورَبِيتُ أَرْبَى رَباً ورُبُوّاً: وأَنشد:

(14/306)


فَمَنْ يكُ سَائِلًا عَنِّي فإِنِّي ... بمَكَّة مَنْزِلي، وبِها رَبِيتُ
الأَصمعي: رَبَوْتُ فِي بَني فُلَانٍ أَرْبُو نَشَأْتُ فيهِم، ورَبَّيْتُ فُلَانًا أُرَبِّيه تَرْبِيَةً وتَرَبَّيْتُه ورَبَبْتُه ورَبَّبْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: رَبَّيْته تَرْبِيَة وتَرَبَّيْته أَي غَذَوْتُه، قَالَ: هَذا لِكُلِّ مَا يَنْمِي كالوَلَد والزَّرْع وَنَحْوِهِ. وَتَقُولُ: زَنْجَبيل مُرَبّىً ومُرَبَّبٌ أَيضاً أَي مَعْمُولٌ بالرُّبِّ. والأُرْبِيَّة، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: أَصل الفَخِذِ، وأَصله أُرْبُوَّة فَاسْتَثْقَلُوا التَّشْدِيدَ عَلَى الْوَاوِ، وَهُمَا أُرْبِيَّتان، وَقِيلَ: الأُرْبِيَّة مَا بَيْنَ أَعْلى الفَخِذ وأَسْفَل البَطْنِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ أَصل الْفَخِذِ مِمَّا يَلِي البطنَ وَهِيَ فُعْلِيَّة، وَقِيلَ: الأُرْبِيّة قَرِيبَة مِنَ العانَة، قَالَ: وللإِنسان أُرْبِيَّتان وَهُمَا العانَة والرُّفْعُ تَحْتَها. وأُرْبِيَّة الرَّجُلِ: أَهلُ بَيْتِه وبنُو عَمِّه لَا تَكُونُ الأُرْبِيَّة مِنْ غَيْرِهِمْ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإِنِّي وَسْطَ ثَعْلَبةَ بنِ عمروٍ ... بِلا أُرْبِيَّة نَبَتَتْ فُروعا
وَيُقَالُ: جَاءَ فِي أُرْبِيَّةٍ مِنْ قَوْمِهِ أَي فِي أَهل بَيْتِهِ وبَنِي عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ. والرَّبْوُ: الجَماعة هُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ كالرُّبَّة [كالرِّبَّة] . أَبو سَعِيدٍ: الرُّبْوة، بِضَمِّ الرَّاءِ، عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْجَمْعُ الرُّبِي؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
بَيْنَا هُمُو يَنْتَظِرون المُنْقَضَى ... مِنَّا، إِذا هُنَّ أَراعِيلٌ رُبَى
وأَنشد:
أَكَلْنا الرُّبَى يَا أُمَّ عَمْروٍ، ومَنْ يَكُنْ ... غَرِيباً بأَرْضٍ يأْكُلِ الحَشَراتِ
والأَرْباء: الْجَمَاعَاتُ مِنَ النَّاسِ، وَاحِدُهُمْ رَبْوٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ. أَبو حَاتِمٍ: الرُّبْيَة ضَرْب مِنَ الحَشَرات، وَجَمْعُهُ رُبىً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الإِرْبِيَانُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ، وَقِيلَ: ضَرب مِنَ السمكِ بيضٌ كالدُّود يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ. والرُّبْيَة: دُوَيْبَّة بَيْنَ الفَأْرة وأُمِّ حُبَيْنٍ. والرَّبْوُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنا عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِوُجُودِنَا رَبَوْت وَعَدِمْنَا رَبَيت عَلَى مِثَالِ رَمَيت.
رتا: رَتَا الشيءَ يَرْتُوه رَتْواً: شدَّه وأَرْخاه، ضِدٌّ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ فِي الحَساءِ: إِنَّه يَرْتُو فُؤادَ الحَزِينِ ويَسْرو عَنْ فُؤادِ السَّقِيم
؛ قَالَ الأَصمعي: يَرْتُو فُؤَادَ الحَزِينِ يَشُدُّه ويُقَوِّيه؛ وَقَالَ لَبِيدٌ فِي الشَّدِّ يصفِ دِرْعاً:
فَخْمَةٌ دَفْراء تُرْتى بالعُرى ... قُرْدُمانِيّاً وتَرْكاً كالبَصَلْ
يَعْنِي الدُّروعَ أَنه لَيْسَ لَهَا عُرىً فِي أَوْساطِها، فيُضَمُّ ذَيلُها إِلى تِلْكَ العُرى وتُشَدُّ إِلى فَوقُ لتَنْشَمِرَ عَنْ لَابِسِهَا، فَذَلِكَ الشَّدُّ هُوَ الرَّتْوُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّتْوُ يَكُونُ شَدّاً وَيَكُونُ إِرْخاءً؛ وأَنشد للحرث يَذْكُرُ جَبَلًا وارتفاعَه:
مُكْفَهِرّاً عَلَى الحَوادِثِ لَا يَرْتُوهُ ... للِدَّهْرِ مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ
أَي لَا تُرْخِيه وَلَا تُدْهِيهِ داهِيةٌ وَلَا تُغَيِّرُه. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَا تَرْتُوهُ لَا تَرْمِيه، وأَصل الرَّتْوِ الخَطْوُ، أَراد أَنَّ الداهيةَ لَا تَخَطَّاه وَلَا تَرْمِيه فتُغيِّرَه عَنْ حَالِهِ وَلَكِنَّهُ باقٍ عَلَى الدَّهْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الخَزِيرَة تَرْتُو فُؤَاد المَريضِ

(14/307)


أَي تَشُدُّه وتُقَوِّيه. ورَتَوْتُه: ضَمَمْته. ورُتِيَ فِي ذَرْعِه: كَفُتَّ فِي عَضُدِه. والرَّتْوة: الدَّرجة والمَنْزِلة عندَ السُّلْطان. والرَّتْيَة والرَّتْوَة: الخَطْوة، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ ولَسْت مِنْهَا عَلَى ثِقَةٍ. وَقَدْ رَتَوْت أَرْتُو رَتْواً إِذا خَطَوْت. وَرُوِيَ
عَنْ مُعَاذٍ أَنه قَالَ: تَتَقَدَّم العلماءُ يومَ الْقِيَامَةِ برَتْوَة
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرَّتْوة الخَطْوة هَاهُنَا أَي بخَطْوة، وَيُقَالُ بدَرَجَة. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَي برَمْية سَهْم، وَقِيلَ: بِميلٍ، وَقِيلَ: مَدى البَصَر. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جَهْلٍ: فَيَغِيب فِي الأَرض ثُمَّ يَبْدو رَتْوَة.
وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنها أَقبلت إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا ادْني يَا فَاطِمَةُ، فدَنَتْ رَتْوة، ثُمَّ قَالَ ادْني يَا فاطِمَة، فدَنَتْ رَتْوة
؛ الرَّتْوة هَاهُنَا: الخَطْوة، وَقِيلَ: الرَّتْوة البَسْطَة، والرَّتْوَةُ نحوٌ منْ ميلٍ، والرَّتْوة الدَّعْوة، والرَّتْوَة الزِّيَادَةُ فِي الشرَفِ وغيرِه، والرَّتْوَة العُقْدة الشَّدِيدة، والرَّتْوَة العُقْدة المسْتَرْخية، قَالَ: ورَتَا برأْسه يَرْتُو رَتْواً ورُتُوّاً أَوْمَأَ، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الإِيماءِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَقُولَ نعَم وَتَعَالَ بالإِيماء. ورَتا بالدَّلْو يَرْتُو رَتْواً: مَدَّ بِهَا مَدًّا رَفيقاً. ورَتَوْت: رمَيْت. والرَّتْوة: رَميةٌ بسَهْم. والرَّتْوة: نحوٌ مِنْ مِيلٍ، وَقِيلَ: مَدُّ البَصَر والرَّتْوَة: سُوَيْعة. والرَّتْوَة: شَرَفٌ مِنَ الأَرضِ نَحْوَ الرَّبْوة. ابْنُ الأَعرابي: الرَّاتِي الزائِدُ عَلَى غَيْرِهِ فِي العِلْم، والرَّاتي الربَّاني، وَهُوَ العالِمُ العامِل المُعَلِّم، فإِن حُرِم خَصْلَةً لَمْ يُقَل لَهُ ربَّانيٌّ.
رثا: الرَّثْوُ: الرَّثِيئة مِنَ اللَّبَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عَلَى لَفْظِهِ فِي حُكْمِ التَّصْرِيفِ لأَن الرَّثِيئة مَهْمُوزَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ رَثَأْت اللبنَ خَلَطْته، فأَمَّا قَوْلُهُمْ رجلٌ مَرْثُوٌّ أَي ضعيفُ العَقْل فَمِنَ الرَّثِيَّة. ورَثَوْت الرَّجُلَ: لُغَةٌ فِي رثَأْتُه، ورَثَتِ المرأَة بَعْلها تَرْثِيه وتَرْثُوه رِثَايةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَي حَفِظْته، وَالْمَعْرُوفُ نثَّيْت عَنْهُ خَبَرًا أَي حَمَلْته. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأُرى اللِّحْيَانِيَّ حَكَى رَثَوْت عَنْهُ حَدِيثًا حَفِظته وإِنما الْمَعْرُوفُ نَثَوْتُ عَنْهُ خَبَراً، وَفِي الصِّحَاحِ: رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثِي رِثَايَةً إِذا ذكَرْتَه عَنْهُ. ورَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثي رِثَايَةً إِذا ذكَرْته عَنْهُ، وَحُكِيَ عَنِ العُقَيلي رثَوْنا بَيْنَنَا حَدِيثًا ورَثَيْناه وَتَنَاثَيْنَاهُ مِثْلَهُ. والرَّثْيَة، بِالْفَتْحِ: وجَعٌ فِي الرُّكْبَتَين والمفاصِل. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وجعُ المفاصِل واليَدين والرجْلين، وَقِيلَ: وجعٌ وظُلاعٌ فِي القوائِمِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا مَنَعك مِنْ الانْبعاث مِنْ وجَع أَو كِبَرٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ فشَدَّد:
فإِن تَرَيْني اليَومَ ذَا رَثِيَّهْ
وَقَالَ أَبو نُخَيْلة يَصِفُ كِبَره:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدي، ... ورَثْيَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ،
وصارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويَدِي
وَيَرْوَى: فِي تشددِ، قَالَ: الرَّثْية انْحِلال الرُّكَب والمفاصِل، وَقَدْ رَثِيَ رَثْياً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْقِيَاسُ رَثىً، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: والرَّثْيَة والرَّثِيَّة الضَّعف. التهذيب: الرَّثْيَة داءٌ يعرِض فِي المفاصِل وَلَا هَمْز فِيهَا، وجَمْعها رَثَياتٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ لجوَّاس بْنِ نُعَيْمٍ أَحد بَنِي الهُجَيْم بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيم، قَالَ السُّكَّرِيُّ: ويُعْرَف بِابْنِ أُمِّ نَهارٍ، وأُمُّ نهارٍ هِيَ أُمُّ أَبيه وَبِهَا يُعرف:

(14/308)


وللكَبير رَثَيات أَرْبَعُ: ... الرُّكبَتان والنَّسا والأَخْدَعُ
وَلَا يزالُ رأْسُه يَصَّدَّعُ، ... وكلُّ شيءٍ بعدَ ذاكَ يَيْجَعُ
والرَّثْيَةُ: الحُمْق. وَفِي أَمْره رَثْيَة أَي فُتُور؛ وَقَالَ أَعرابي:
لَهُمْ رَثْيَةٌ تَعْلو صَرِيمَةَ أَهْلِهمْ، ... وللأَمْر يَوْماً راحةٌ فقَضاءُ
ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ مَرْثُوءٌ مِنَ الرَّثْية نادرٌ أَي أَنه مِمَّا هُمِزَ وَلَا أَصل لَهُ فِي الهَمْز. وَرَجُلٌ أَرْثَى: لَا يُبْرِمُ أَمْراً، ومَرْثُوٌّ: فِي عقْله ضَعْف، وَقِيَاسُهُ مَرْثِيٌّ، فأَدخلوا الواو على الواو كَمَا أَدخلوا الْيَاءُ عَلَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ أَرضٌ مَسْنِيَّة وقَوْسٌ مَغْريّة. ورَثَى فُلَانٌ فُلَانًا يَرْثِيهِ رَثْياً ومَرْثِيَةً إِذا بكاهُ بَعْدَ مَوته. قَالَ: فإِن مدَحَه بَعْدَ مَوْتِهِ قِيلَ رَثَّاهُ يُرَثِّيه تَرْثِيَةً. ورَثَيْت الميّتَ رَثْياً ورِثَاءً ومَرْثَاةً ومَرْثِيَةً ورَثَّيْته: مَدَحْته بَعْدَ الْمَوْتِ وبَكَيْته. ورَثَوْت الْمَيِّتَ أَيضاً إِذا بكَيْته وعدَّدت مَحَاسِنَهُ، وَكَذَلِكَ إِذا نظَمْت فِيهِ شِعْرًا. ورَثَتِ المرأَةُ بعْلها تَرْثِيه ورَثِيَتْه تَرْثاهُ رِثَايَةً فِيهِمَا؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وتَرَثَّتْ كرَثَّت؛ قَالَ رُؤْبَةَ:
بكاءَ ثكْلى فَقَدتْ حَميما، ... فَهِيَ تُرَثِّي بِأَبا وابْنِيما
وَيُرْوَى: وابْناما، وَلَمْ يَحْتَشِمْ مِنَ الأَلف مَعَ الْيَاءِ لأَنها حِكَايَةٌ، وَالْحِكَايَةُ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا مَن زَيْدًا فِي حِكَايَةِ رأَيتُ زيْداً، ومَن زيدٍ فِي حِكَايَةِ مَرَرْتُ بزَيْدٍ؟ وكلُّ ذَلِكَ مذْكورٌ فِي مَوَاضِعِهِ. وامرأَة رثَّاءَةٌ ورثَّايَة: كَثِيرَةُ الرِّثاء لبَعْلِها أَو لِغَيْرِهِ مِمَّن يُكْرمُ عندَها تَنُوحُ نِياحةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ، فَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجه عَلَى أَصله، وَمَنْ هَمَزَهُ فلأَنَّ الْيَاءَ إِذا وَقَعَتْ بَعْدَ الأَلف السَّاكِنَةِ هُمِزَت، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَقَّاءَةٍ وسَقَّايَةٍ وَمَا أَشْبَهَها. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ رَثأْتُ زَوْجي بأَبيات، وهَمَزَت؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: رُبَّما خَرَجَتْ بِهِمْ فَصاحَتُهم إِلى أَنْ يَهْمِزُوا مَا لَيْسَ بمَهموز، قَالُوا: رَثَأْت المَيت ولَبَّأْت بالحَجِّ وحَلَّأْت السَّويقَ تَحْلِئَةً إِنما هُوَ مِنَ الحَلاوةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنِ التَّرَثِّي
، وَهُوَ أَن يُنْدَب المَيِّتُ فيقال وَا فُلاناهْ. ورَثَيْتُ لَهُ: رَحِمْتُهُ. وَيُقَالُ: مَا يَرْثِي فلانٌ لِي أَي مَا يَتَوَجَّع وَلَا يُبالِي. وإِنِّي لأَرْثِي لَهُ مَرْثَاةً ورَثْياً. ورَثَى لَهُ أَي رَقَّ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنّ أُخْتَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بَعَثَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ فِطْرِه بقَدَحِ لَبَنٍ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنما بَعَثْت بِهِ إِليكَ مَرْثِيةً لكَ مِنْ طُول النهارِ وشِدّة الحرِّ
أَي تَوَجُّعاً لكَ وإِشْفاقاً، مِنْ رَثَى لَهُ إِذا رَقّ وَتَوَجَّعَ، وَهِيَ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ نَحْوُ المَغْفِرَة والمَعْذِرَة، قَالَ: وَقِيلَ الصَّوَابُ أَن يُقَالَ مَرْثاةً لكَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَثَيْت للحيِّ رَثْياً ومَرْثَاةً، والله أَعلم.
رجا: الرَّجَاءُ مِنَ الأَمَلِ: نَقِيضُ اليَأْسِ، مَمْدودٌ. رَجاهُ يَرْجُوهُ رَجْواً ورَجَاءً ورَجَاوَةً ومَرْجَاةً ورَجَاةً، وهمزَتُه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ بِدَلِيلِ ظُهورِها فِي رَجاوةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِلَّا رَجَاةَ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِها
؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غَدَوْتُ رَجَاةً أَن يَجودَ مُقاعِسٌ ... وصاحِبُه، فاسْتَقْبَلانِيَ بالغَدْرِ

(14/309)


وَيُرْوَى: بالعُذْرِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الرَّجَاءِ بِمَعْنَى التَّوَقُّعِ والأَمَل. ورَجِيَهُ ورَجَاهُ وارْتَجَاه وتَرَجَّاه بمَعْنىً؛ قَالَ بِشْرٌ يُخَاطِبُ بِنْتَهُ:
فرَجِّي الخَيْرَ وانْتَظِرِي إِيَابِي، ... إِذا مَا الْقارِظُ العَنَزِيُّ آبَا
وَمَا لِي فِي فُلَانٍ رَجِيَّةٌ أَي مَا أَرْجُو. وَيُقَالُ: مَا أَتَيْتُكَ إِلا رَجَاوَةَ الخَيْرِ. التَّهْذِيبُ: مَنْ قَالَ فَعَلْت ذَلِكَ رَجاةَ كذا هو خَطأٌ، إِنما يُقَالُ رَجاءَ كَذَا، قَالَ: والرَّجْوُ المُبالاة، يُقَالُ: مَا أَرْجُو أَي مَا أُبالِي. قَالَ الأَزهري: رَجِيَ بِمَعْنَى رَجَا لَمْ أَسْمَعْه لِغَيْرِ اللَّيْثِ، وَلَكِنْ رَجِيَ إِذا دُهِشَ. وأَرْجَتِ الناقةُ: دَنا نِتاجُها، يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجْوُ والرَّجاءُ بِمَعْنَى الخَوْف. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّجاءُ الخَوْف. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ الرَّجَاءُ فِي مَعْنَى الخَوْفِ لَا يَكُونُ إِلا مَعَ الجَحْدِ، تَقُولُ: مَا رَجَوْتُكَ أَي مَا خِفْتُك، وَلَا تَقُولُ رَجَوْتُك فِي مَعْنَى خِفْتُك؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ:
إِذا لَسَعَتْه النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها، ... وخالَفَها فِي بَيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ
أَي لَمْ يَخَفْ وَلَمْ يُبالِ، وَيُرْوَى: وحالَفَها، قَالَ: فَحَالَفَهَا لَزِمَهَا، وَخَالَفَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا وأَخذَ عَسَلَها. الْفَرَّاءُ: رَجَا فِي موضِعِ الخَوْفِ إِذا كَانَ مَعَهُ حرفُ نَفْيٍ، وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
؛ الْمَعْنَى لَا تَخافون للهِ عَظَمة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
لَا تَرْتَجِي حِينَ تُلاقِي الذَّائِدَا ... أَسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا، أَو واحِدَا؟
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
؛ مَعْنَاهُ تَخَافُونَ، قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ مَعْنَى الخَوْفِ يَكُونُ رَجاءً إِلَّا وَمَعَهُ جَحْدٌ، فإِذا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الخوفُ عَلَى جِهَةِ الرَّجاء والخوفِ وَكَانَ الرَّجاء كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
هَذِهِ؛ لِلَّذِينَ لَا يَخافون أَيامَ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
إِذا لَسَعَتْه النحلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ رَجَوْتُك وأَنتَ تُريد خِفْتُك، وَلَا خِفْتُك وأَنت تُرِيدُ رَجَوْتك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا
؛ أَي لَا يَخْشَوْنَ لِقَاءَنَا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَذَا ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدَةَ. والرَّجا، مَقْصُورٌ: ناحيةُ كلِّ شيءٍ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ نَاحِيَةَ الْبِئْرِ مِنْ أَعلاها إِلى أَسفلِها وحافَتَيْها. وكلُّ شَيْءٍ وكلُّ ناحيةٍ رَجاً، وَتَثْنِيَتُهُ رَجَوَان كعَصاً وعَصَوانِ. ورُمِيَ بِهِ الرَّجَوانِ: اسْتُهِينَ بِهِ فكأَنه رُمِيَ بِهِ هُنَالِكَ، أَرادوا أَنه طُرِحَ فِي المَهالِكِ؛ قَالَ:
فَلَا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أَنِّي ... أَقَلُّ القَوْمِ مَنْ يُغْنِي مَكانِي
وَقَالَ الْمُرَادِيُّ:
لَقَدْ هَزِئَتْ مِنِّي بنَجْرانَ، إِذْ رَأَتْ ... مَقامِيَ فِي الكِبْلَيْنِ، أُمُّ أَبانِ
كأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أسِيراً مُكَبَّلًا، ... وَلَا رَجُلًا يُرْمَى بِهِ الرَّجَوَانِ
أَي لَا يَسْتطِيع أَن يَسْتَمْسِك، وَالْجَمْعُ أَرْجاءٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها
، أَي نَوَاحِيهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَيْنَ الرَّجَا والرَّجَا مِنْ جَنْبِ واصِبةٍ ... يَهْماء، خابِطُها بالخَوْفِ مَعْكُومُ

(14/310)


والأَرْجاءُ تُهْمَز وَلَا تُهْمَزُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ لَمَّا أُتِيَ بكَفَنِه فَقَالَ: إنْ يُصِبْ أَخُوكُم خَيْرًا فعَسَى وَإِلَّا فَلْيَتَرامَ بِي رَجَوَاها إِلَى يومِ الْقِيَامَةِ
أَي جانِبا الحُفْرة، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، يُرِيدُ بِهِ الحُفْرة، والرَّجَا، مَقْصُورٌ: نَاحِيَةُ الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَتَرامَ بِي لفظُ أَمْرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الخَبَر أَي وإلَّا تَرامَى بِي رَجَواها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ «5» . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ الناسُ يَرِدُونَ مِنْهُ أَرْجَاءَ وادٍ رَحْبٍ
أَي نَواحِيَه، وصَفَه بسَعَة العَطَنِ وَالِاحْتِمَالِ والأَناةِ. وأَرْجَاها: جعَل لَهَا رَجاً. وأَرْجَى الأَمْرَ: أَخَّرَه، لُغَةٌ فِي أَرْجأَهُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَرْجَأْتُ الأَمْرَ وأَرْجَيْته إِذَا أَخَّرْتَهُ، يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ، وَقَدْ قُرِئَ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ
،
وَقُرِئَ: مُرْجَؤُونَ
، وَقُرِئَ: أَرْجِهْ وَأَخاهُ*
، وأَرْجِئْهُ وأَخاه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي قِرَاءَةِ أَهل الْمَدِينَةِ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ*
، وَإِذَا وصفتَ بِهِ قلتَ رجلٌ مُرْجٍ وَقَوْمٌ مُرْجِيَة، وَإِذَا نَسَبْتَ إِلَيْهِ قلتَ رجلٌ مُرْجيٌّ، بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَمْزِ. وَفِي حَدِيثُ
تَوْبةِ كَعْبِ بْنِ مالكٍ: وأَرْجَأَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْرَنا
أَي أَخَّرَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: الإِرْجاء التأْخير، وَهَذَا مَهْمُوزٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ المُرْجِئَةِ، قَالَ: وَهُمْ فِرقة مِنْ فِرَقِ الإِسلامِ يَعْتَقِدُونَ أَنه لَا يَضُرُّ مَعَ الإِيمان مَعْصِية كَمَا أَنه لَا ينْفعُ مَعَ الكُفْرِ طَاعَةٌ؛ سُمُّوا مُرجِئَة لاعتقادِهم أَن اللَّهَ أَرجَأَ تَعْذيبَهم عَلَى الْمَعَاصِي أَي أَخّرَه عَنْهُمْ، والمُرْجِئة يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّأْخير. وَتَقُولُ مِنَ الْهَمْزِ: رَجُلٌ مُرْجِئٌ وهُم المُرْجِئَة، وَفِي النَّسَبِ مُرْجِئِيٌّ مِثَالُ مُرْجِعٍ ومُرْجِعَةٍ ومُرْجِعِيٍّ، وَإِذَا لَمْ تَهْمِز قُلْتَ رَجُلٌ مُرْجٍ ومُرْجِيَة ومُرْجِيٌّ مِثْلُ مُعْطٍ ومُعْطِية ومُعْطِيّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَلا تَرَى أَنَّهم يتَبايَعُون الذَّهبَ بالذَّهبِ وَالطَّعَامَ مُرَجًّى
أَي مُؤَجّلًا مُؤَخَّراً، وَيُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِهِ مُرَجًّى، بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن يَشْتريَ مِنْ إنسانٍ طَعَامًا بدينارٍ إِلَى أَجَلٍ، ثم يبيعه مِنْهُ أَو مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَن يَقْبِضَهُ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لأَنه فِي التَّقْدِيرِ بيعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ والطعامُ غائبٌ، فكأَنه قَدْ بَاعَهُ دينارَه الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الطَّعَامَ بِدِينَارَيْنِ فَهُوَ رِبًا ولأَنه بَيْعُ غائبٍ بناجزٍ وَلَا يَصِحُّ. والأُرْجِيّةُ: مَا أُرْجِيَ مِنْ شَيْءٍ. وأَرْجَى الصيدَ: لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا كأَرْجأَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ واويٌّ لوجود ر ج وَمَلْفُوظًا بِهِ مُبَرْهَناً عَلَيْهِ وعدمِ ر ج ي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ
؛ مِنْ ذَلِكَ. وقَطِيفة حَمْراء أُرْجُوان، والأُرْجُوانُ: الحُمْرة، وَقِيلَ: هُوَ النَّشاسْتَجُ، وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ النَّشَا. والأُرْجُوَانُ: الثيابُ الحُمْرُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والأُرْجُوَانُ: الأَحْمَرُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الأُرْجُوَانُ صِبْغ أَحْمَر شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، والبَهْرَمانُ دونَه؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
عَشِيَّة غادَرَت خَيْلِي حُمَيْداً، ... كأَنَّ عَلَيْهِ حُلَّةَ أُرْجُوَانِ
وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: أَحمرُ أُرْجُوَانٌ، عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِهِ كَمَا قَالُوا أَحْمَرُ قانِئٌ، وَذَلِكَ لأَن سِيبَوَيْهِ إِنَّمَا مَثَّل بِهِ فِي الصِّفَةِ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا السِّيرَافِيُّ، وَإِمَّا أَن يُريد الأُرْجُوَان الَّذِي هُوَ الأَحْمر مُطْلَقًا. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَنَّه غَطَّى
__________
(5) . قوله [وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلخ] فِي النِّهَايَةِ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَصَفَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ كَانَ إلخ

(14/311)


وجهَه بقَطِيفَةٍ حَمْراءَ أُرْجُوانٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأُرْجُوَان الشَّدِيدُ الحُمْرَة، لَا يُقَالُ لِغَيْرِ الحُمْرة أُرْجُوَان، وَقَالَ غَيْرُهُ أُرْجُوَان مُعَرَّبٌ أَصله أُرْغُوَانٌ بِالْفَارِسِيَّةِ فأُعْرِبَ، قَالَ: وَهُوَ شَجَرٌ لَهُ نَوْرٌ أَحمر أَحْسَنُ مَا يَكُونُ، وكلُّ لَوْنٍ يُشْبهُه فَهُوَ أُرْجُوَانٌ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
كأَنَّ ثِيابَنا مِنَّا ومنْهُمْ ... خُضِبْنَ بأُرْجُوَانٍ، أَو طُلِينا
وَيُقَالُ: ثوبٌ أُرْجُوَانٌ وقَطِيفةٌ أُرْجُوَانٌ، والأَكثر فِي كَلَامِهِمْ إِضَافَةُ الثَّوْبِ وَالْقَطِيفَةِ إِلَى الأُرْجُوَان، وَقِيلَ: إِنَّ الكلمةَ عَرَبِيَّةٌ والأَلف وَالنُّونَ زَائِدَتَانِ، وَقِيلَ: هُوَ الصِّبْغ الأَحْمَرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النَّشاسْتَجُ، والذَّكَر والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ. أَبو عُبَيْدٍ: البَهْرَمانُ دُونَ الأُرْجُوَانِ فِي الحُمْرة، والمُفَدَّمُ المُشْرَبُ حُمْرَةً. ورَجاءٌ ومُرَجَّى: اسْمَانِ.
رحا: الرَّحا: معروفةٌ، وَتَثْنِيَتُهَا رَحَوانِ، والياءُ أَعْلى. ورَحَوْتُ الرَّحا: عَمِلْتُها، ورحي
رَحَيْتُ أَكثرُ، وَقَالَ فِي الْمُعْتَلِّ بالياء: رحي
الرَّحَى الحَجَر الْعَظِيمُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّحَا عِنْدَ الفرَّاء يكتُبها بِالْيَاءِ وبالأَلف لأَنه يُقَالُ رَحَوْت بالرَّحا ورحي
رَحَيْتُ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّحَى الحَجَر الْعَظِيمُ، أُنثى. والرَّحَى: مَعْرُوفَةٌ الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا، وَالْجَمْعُ أَرْحٍ وأَرْحاءٌ ورُحِيٌّ ورِحِيٌّ وأَرْحِيَةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ؛ قَالَ:
ودارَتِ الحَرْبُ كدَوْرِ الأَرْحِيَه
قَالَ: وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ. وَحَكَى الأَزهري عَنْ أَبي حَاتِمٍ قَالَ: جَمْعُ الرَّحَى أَرْحَاءٌ، وَمَنْ قَالَ أَرْحِيَةٌ فَقَدْ أَخطأ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرُ رِحِيٌّ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ القَفا أَقْفاءٌ، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَةٌ فَقَدْ أَخطأَ، قَالَ: وسَمِعْنا فِي أَدْنَى الْعَدَدِ ثلاثُ أَرْحٍ، قَالَ: والرَّحَى مُؤَنَّثَةٌ وكذلك القفا، وأَلف رحي
الرَّحَى مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ، تقول هما رحي
رَحَيَانِ؛ قَالَ مُهَلْهِلُ بنُ رَبِيعَةَ التَّغْلِبِيُّ:
كأنَّا غُدْوَةً وبَني أَبينا، ... بجَنْبِ عُنَيْزَةٍ، رحي رَحَيا مُديِرِ
وكلُّ مَن مَدَّ قَالَ رَحاءٌ ورَحاءَانِ وأَرْحِيَةٌ مِثْل عطاءٍ وعَطاءانِ وأَعطِية، جَعَلَهَا مُنْقَلِبَةً مِنَ الْوَاوِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا أَدري مَا حُجَّته وَلَا مَا صِحَّتُه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا: حُجَّتُه رَحَتِ الحَيَّةُ تَرْحُو إِذَا اسْتَدارَت، قَالَ: وأَما صِحّةُ رَحَاء بالمدّ فقولهم أَرْحِيَةٌ. ورحي
رَحَيْتُ الرَّحَى: عَمِلْتُها وأَدَرْتُها. الْجَوْهَرِيُّ: رَحَوْتُ الرَّحا ورحي
رَحَيْتُها إِذَا أَدَرْتها. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَدُورُ رَحا الإِسلامِ لخَمْسٍ أَو سِتٍّ أَو سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دينُهم يَقُمْ لَهُمْ سبعين سنة، وإنْ يَهْلِكُوا فسبيلُ مَنْ هَلَك مِنَ الأُمَمِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
تدورُ فِي ثلاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سِوَى الثلاثِ وَالثَّلَاثِينَ، قَالَ: نَعَمْ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ دارتْ رَحَى الْحَرْبِ إِذَا قامتْ عَلَى سَاقِهَا، وأَصل الرَّحَى الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا، وَالْمَعْنَى أَن الإِسلام يَمْتَدُّ قيامُ أَمره عَلَى سَنَن الاستقامةِ والبُعْدِ مِنْ إحداثاتِ الظَّلَمة إِلَى تَقَضِّي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ، ووجهُه أَنْ يَكُونَ قَالَهُ وَقَدْ بَقِيتْ مِنْ عُمُره السِّنون الزائدةُ عَلَى الثَّلَاثِينَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، فَإِذَا انْضَمَّت إِلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الأَئمة الرَّاشِدِينَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَنَةً كَانَتْ بَالِغَةً ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، وَإِنْ كَانَ أَراد سنةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَفِيهَا خَرَجَ أَهلُ مِصْرَ وحَصَروا عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَرَى فِيهَا مَا جَرَى، وَإِنْ كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وقعةُ الجَمَل، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا

(14/312)


وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وقْعَةُ صِفِّينَ، وأَما قَوْلُهُ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا فَإِنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَراد مدّةَ مُلْكِ بَنِي أُميّةَ وَانْتِقَالَهُ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّهُ كَانَ بَيْنَ اسْتِقْرارِ المُلْك لِبَنِي أُمية إِلَى أَن ظَهَرَتْ دُعاةُ الدَّوْلة الْعَبَّاسِيَّةِ بخُراسان نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا التأْويل كَمَا تَرَاهُ فَإِنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعِينَ سَنَةً وَلَا كَانَ الدِّينُ فِيهَا قَائِمًا، وَيُرْوَى:
تَزول رَحى الإِسلام
عِوَضَ تَدُورُ أَي تَزُول عَنْ ثُبُوتها وَاسْتِقْرَارِهَا. وتَرَحَّتِ الحَيّة «6» . اسْتَدَارَتْ وتَلَوَّت فَهِيَ مُتَرَحِّيَةٌ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لَهَا إِحْدَى بناتِ طَبَقٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَا حَيَّ لَا أَفْرَقُ أَن تَفِحِّي، ... أَوْ أَنْ تَرَحَّيْ كرَحَى المُرَحِّي
والمُرَحِّي: الَّذِي يُسَوِّي الرَّحى، قَالَ: وفَحِيحُ الحَيَّة بفيهِ وحَفِيفُه مِنْ جَرْشِ بَعْضه بِبَعْضٍ إِذَا مَشى فتَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا. الْجَوْهَرِيُّ: رَحَتِ الحَيَّةُ تَرْحُو وتَرَحَّتْ إِذَا اسْتَدارَتْ. والأَرْحَاءُ: عامةُ الأَضْراسِ، واحدُها رَحىً، وخَصَّ بعضُهم بِهِ بعضَها فَقَالَ قَوْمٌ: للإِنسان اثْنَتا عَشْرَةَ رَحًى، فِي كُلِّ شِقٍّ سِتٌّ، فسِتٌّ مِنْ أَعلى وسِتٌّ مِنْ أَسْفَلَ، وَهِيَ الطَّواحِنُ، ثُمَّ النَّواجِذُ بعدَها وَهِيَ أَقْصى الأَضْراس، وَقِيلَ: الأَرْحَاءُ بعدَ الضَّواحِك، وَهِيَ ثَمَانٍ: أَربعٌ فِي أَعلى الْفَمِ، وأَربعٌ فِي أَسفله تَلي الضّواحِكَ؛ قَالَ:
إِذَا صَمَّمَتْ فِي مُعْظَمِ البَيْضِ أَدْرَكَتْ ... مَراكِزَ أَرْحَاءِ الضُّروسِ الأَواخِرِ
وأَرْحاءُ الْبَعِيرِ والفِيل: فَراسِنُهما. والرَّحَا: الصَّدْرُ؛ قَالَ:
أُجُدٌ مُداخِلَةٌ وآدَمُ مُصْلِقٌ، ... كَبْداءُ لاحِقةُ الرَّحَا وشَمَيْذَرُ
ورَحَا الناقةِ: كِرْكِرَتُها؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
فَنِعْمَ المُعْتَرى رَكَدَتْ إِلَيْهِ، ... رَحَى حَيْزومِها كرَحَا الطَّحِين
والرَّحَى: كِرْكرَةُ الْبَعِيرِ. الأَزهري: فَراسِنُ الجَمَل أَرْحَاؤُه وثَفِناتُ رُكَبِهِ وكِرْكِرَته أَرْحَاؤُه؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
إليكَ عَبْدَ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، ... باتَتْ لَهَا قَوائِدٌ وقُوَّدُ،
وتالِياتٌ ورَحًى تَمَيَّدُ
قَالَ: ورَحَى الإِبِل مثلُ رَحَى القَوْمِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، يَقُولُ: اسْتَأْخَرَت جَواحِرُها واسْتَقْدَمتْ قَوائِدُها ووَسَطت رَحَاها بَيْنَ القَوائد والجَواحِر. والرَّحى: قِطْعة مِنَ النَّجَفَةِ مُشْرِفة عَلَى مَا حَوْلَها تَعْظُمُ نحوَ مِيلٍ، والجمعُ أَرْحَاء، وَقِيلَ: الأَرْحَاءُ قِطَعٌ مِنَ الأَرض غِلاظٌ دُونَ الْجِبَالِ تَسْتَدِيرُ وتَرْتَفِعُ عَمَّا حَوْلَها. ابْنُ الأَعرابي: الرَّحَى مِنَ الأَرض مكانٌ مُسْتَدِيرٌ غَليظٌ يَكُونُ بَيْنَ رِمالٍ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّحَا القارَة الضَّخْمة الغليظةُ، وَإِنَّمَا رَحَّاها اسْتِدارَتُها وغِلَظُها وإشْرافُها عَلَى مَا حَوْلَهَا، وأَنها أَكَمَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ مُشْرِفَة وَلَا تَنْقادُ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ وَلَا تُنْبِتُ بَقْلًا وَلَا شَجَراً؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
إِذَا مَا القُفُّ، ذُو الرَّحَيَيْنِ، أَبْدى ... مَحاسِنَه، وأَفْرَخَتِ الوُكُورُ
__________
(6) . قوله [وتَرَحَّتِ الحية إلخ] هذه عبارة التهذيب بزيادة قوله ولهذا إلخ من المحكم. وعبارة المحكم: ورحتِ الحية استدارت كالرحى وَلِهَذَا قِيلَ لَهَا إِحْدَى بَنَاتِ طَبَقٍ، قَالَ رُؤْبَةُ إلخ وعليه ينطبق الشاهد

(14/313)


قَالَ: والرَّحَا الحجارةُ والصَّخْرة الْعَظِيمَةُ. ورَحَى الحَرْبِ: حَوْمَتُها؛ قَالَ:
ثُمَّ بالنَّيِّراتِ دارَتْ رَحَانا، ... ورَحَى الحَرْبِ بالكُماةِ تَدُورُ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
فَدارَتْ رَحَانا بفُرْسانِهِمْ، ... فَعادُوا كأَنْ لَمْ يَكُونوا رَميما
ورَحى المَوْتِ: مُعْظَمُه، وَهِيَ المَرْحَى؛ قَالَ:
عَلَى الجُرْدِ شُبَّاناً وشِيباً عَلَيْهِمُ، ... إِذَا كانتِ المَرْحَى، الحَديدُ المُجَرَّبُ
ومَرْحَى الجمَلِ: مَوْضعٌ بِالْبَصْرَةِ دارتْ عَلَيْهِ رَحَى الْحَرْبِ. التَّهْذِيبُ: رَحَى الحَرْبِ حَوْمَتُها، ورَحَى الموتِ ومَرْحَى الحَرْبِ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيمانَ بْنَ صُرَدٍ: أَتيتُ عَلِيّاً حِينَ فَرَغَ مِنْ مَرْحَى الجَمل
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الموضعَ الَّذِي دارتْ عَلَيْهِ رَحى الحَرْبِ؛ وأَنشد:
فَدُرْنا كَمَا دارَتْ عَلَى قُطْبِها الرَّحَى، ... ودارَتْ، عَلَى هامِ الرِّجالِ، الصَّفائِحُ
ورَحَى القومِ: سَيِّدُهم الَّذِي يَصْدُرُون عَنْ رأْيه ويَنْتَهُونَ إِلَى أَمره كَمَا يُقَالُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحَا دارَةِ العربِ. قَالَ: وَيُقَالُ رَحَاهُ إِذَا عَظَّمَه وحَراه إِذَا أَضاقَهُ. والرَّحَى: جماعَةُ العِيالِ. والرَّحَى: نَبْتٌ تُسَمِّيه الفُرْس اسْبانَخْ. ورَحَا السَّحابِ: مُسْتَدارُها. وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحابِ:
كَيْفَ تَرَوْنَ رَحاها
أَي اسْتِدارَتَها أَو مَا اسْتَدارَ مِنْهَا. والأَرْحِي: القَبائلُ الَّتِي تَسْتَقِلُّ بنَفْسها وتَسْتَغْني عَنْ غَيْرِهَا، والرَّحَى مِنْ قَوْلِ الرَّاعِي:
عَجِبْتُ مِنَ السارِينَ، والرِّيحُ قَرَّةٌ، ... إِلَى ضَوْء نارٍ بَيْنَ فَرْدَةَ والرَّحَى
قَالَ: اسْمُ مَوْضِعٍ. والرَّحَا مِنَ الإِبل: الطَّحَّانة، وَهِيَ الإِبل الكثيرةُ تَزْدَحِمُ. والرَّحَا: فرسُ النَّمِر بنِ قاسِطٍ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَن فِي شِعْر هُذَيْل رُحَيَّات، وفَسَّرُوه بِأَنَّهُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ إِنَّمَا هُوَ زُخَيَّات، بِالزَّايِ وَالْخَاءِ، والله أَعلم.
رخا: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرِّخْوُ والرَّخْوُ والرُّخْو الهَشُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ غَيْرُهُ: وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ رَخاوة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كلامُ الْعَرَبِ الجيّدُ: الرِّخْو، بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ قَالَهُ الأَصمعي وَالْفَرَّاءُ، قَالَا: والرَّخْوُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، مُوَلَّد، والأُنثى بِالْهَاءِ. رَخُوَ رَخَاءً ورَخاوَةً ورِخْوَةً، الأَخيرة نادِرَة، ورَخِيَ واسْتَرْخَى. الْجَوْهَرِيُّ: رَخِيَ الشيءُ يَرْخَى ورَخُوَ أَيضاً إِذَا صَارَ رِخْواً. ابْنُ سِيدَهْ: وأَرْخَى الرِّباط ورَاخَاه جَعَلَه رِخْواً. وَفِيهِ رُخْوَة ورِخْوَة أَي اسْتِرْخَاءٌ. وفرسٌ رِخْوَة أَي سَهْلَةٌ مُسْتَرْسِلَة؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
تَغْدُو بِهِ خَوْصاءُ، تَقْطَعُ جَرْيَها، ... حَلَقَ الرِّحالَةِ، فَهْيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
أَراد: فَهِيَ شيءٌ رُخْوٌ، فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ رِخْوَة. وأَرْخَيْت الشيءَ وغيرَه إِذَا أَرْسَلْته. وَهَذِهِ أُرْخِيَّةٌ لِمَا أَرْخَيْتَ مِنْ شيءٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والأَرَاخِيّ جَمْعُ أُرْخِيَّة لِمَا اسْتَرْخى مِنْ شَعَرٍ وَغَيْرِهِ؛ قَالَ مُليْح بنُ الحَكَم الْهُذَلِيُّ:
إِذَا أَطْرَدَت بَيْنَ الوِشاحَيْن حَرَّكَتْ ... أَرَاخِيّ مُصْطَكٍ، مِنَ الحَلْيِ، حافِل
وَقَدِ اسْتَرْخَى الشيءُ. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: أَرْخِ

(14/314)


يدَيْكَ واستَرْخْ إنَّ الزِّنادَ مِنْ مَرْخْ؛ يُضْرَب لِمَنْ طلبَ حَاجَةً إِلَى كَرِيمٍ يَكْفِيكَ عِنْدَهُ اليسيرُ مِنَ الْكَلَامِ. والمُرَاخَاةُ: أَن يُراخِيَ رِبَاطًا ورِباقاً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ رَاخِ لَهُ مِنْ خِناقهِ أَي رَفِّهْ عَنْهُ. وأَرْخِ لَهُ قَيْده أَيْ وسِّعْه وَلَا تضَيِّقْه. وَيُقَالُ: أَرْخِ لَهُ الحبْلَ أَي وسِّعْ عَلَيْهِ الأَمرَ فِي تَصَرُّفه حَتَّى يَذْهَبَ حيثُ شَاءَ. وَقَوْلُهُمْ فِي الآمِنِ المُطْمَئنِّ أَرْخَى عِمامَتَه، لأَنه لَا تُرْخى العمائمُ فِي الشِّدّة. وأَرْخَى الفرسَ وأَرْخَى لَهُ: طوَّلَ لَهُ مِنَ الحبْلِ. والتَّرَاخِي: التقاعُدُ عَنِ الشَّيْءِ. والحروفُ الرِّخْوَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ: الثاءُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالذَّالُ وَالزَّايُ وَالظَّاءُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالْهَاءُ؛ والحرفُ الرِّخْو: هُوَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الصَّوْتُ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ المَسُّ والرَّشُّ والسَّحُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَجِدُ الصَّوْتَ جَارِيًا مَعَ السِّينِ وَالشِّينِ وَالْحَاءِ؟ والرَّخَاء: سَعَة العَيْشِ، وَقَدْ رَخُوَ ورَخَا يَرْخُو ويَرْخى رَخاً، فَهُوَ راخٍ ورَخِيٌّ أَي ناعِم، وَزَادَ فِي التَّهْذِيبِ: ورَخِيَ يَرْخَى وَهُوَ رَخِيُّ الْبَالِ إِذَا كَانَ فِي نَعْمَةٍ واسِعَ الْحَالِ بَيّنُ الرَّخاء، ممدودٌ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي عَيْشٍ رخِيٍّ. وَيُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ الأَمرَ ليَذْهَبُ منِّي فِي بالٍ رَخِيٍّ إِذَا لَمْ يُهْتَمَّ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
اذْكُرِ اللَّهَ فِي الرَّخَاء يَذْكُرْك فِي الشِّدَّة
، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فلْيُكثُر الدعاءَ عِنْدَ الرَّخَاء
؛ الرَّخَاءُ: سَعَة العَيْش؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَيْسَ كلُّ الناسِ مُرْخًى عَلَيْهِ
أَي مُوسَّعاً عَلَيْهِ فِي رِزْقِه ومَعيشَتِه. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
اسْتَرْخِيا عَنِّي
أَي انْبَسِطا واتَّسِعا. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْر وأسماءَ فِي الحجِّ: قَالَ لَهَا اسْتَرْخِي عَنِّي.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُ الرَّخَاء فِي الْحَدِيثِ. وريحٌ رُخَاءٌ: لَيِّنة. اللَّيْثُ: الرُّخَاءُ مِنَ الرِّياح الليِّنة السَّرِيعَةُ لَا تُزَعْزِعُ شَيْئًا. الْجَوْهَرِيُّ: والرُّخَاءُ، بِالضَّمِّ، الريحُ الليِّنَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ
؛ أَي حَيْثُ قَصَد، وَقَالَ الأَخفش: أَي جَعَلْنَاهَا رُخاءً. واسْتَرْخَى بِهِ الأَمرُ: وَقَعَ فِي رَخَاءٍ بعدَ شِدَّةٍ؛ قَالَ طُفَيل الغَنَوي:
فأَبَّلَ، واسْتَرْخَى بِهِ الخَطْبُ بعدَ ما ... أَسافَ، وَلَوْلَا سَعْيُنا لَمْ يُؤَبِّل
يُرِيدُ حَسُنَت حَالُهُ. وَيُقَالُ: اسْتَرْخَى بِهِ الأَمرُ واسْتَرْخَت بِهِ حالُه إِذَا وَقَعَ فِي حَالٍ حَسَنةٍ بَعْدَ ضيقٍ وشِدَّة. واسْتَرْخَى به الخَطْبُ أَي أَرْخاهُ خَطْبُه ونعَّمه وَجَعَلَهُ فِي رَخاءٍ وسَعَةٍ. وأَرْخَت النَّاقَةُ إِرْخاءً: اسْتَرخى صِلَاهَا، فَهِيَ مُرْخٍ وَيُقَالُ: أَصْلتْ، وإصْلاؤُها انْهِكاكُ صَلَوَيْها وَهُوَ انْفراجُهما عِنْدَ الْوِلَادَةِ حِينَ يَقَعُ الْوَلَدُ فِي صَلَوَيْها. ورَاخَتِ المرأَةُ: حَانَ وِلادُها. وتَرَاخَى عَنِّي: تقاعَسَ. ورَاخَاه: باعَدَه. وتَرَاخَى عَنْ حاجَته: فتَرَ. وتَرَاخَى السماءُ: أَبْطأَ المَطرُ. وتَرَاخَى فلانٌ عَنِّي أَي أَبْطَأَ عَنِّي، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: تَرَاخَى بعُدَ عَنِّي. والإِرْخَاء: شدَّةُ العَدْوِ، وَقِيلَ: هُوَ فوقَ التَّقْريب. والإِرْخَاءُ الأَعلى: أَشدُّ الحُضْر، والإِرْخَاء الأَدْنى: دُونَ الأَعلى؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وإرْخَاءُ سِرْحانٍ وتَقْريبُ تَتْفُلِ «1»
. وفرسٌ مِرْخاءٌ وناقةٌ مِرْخَاءٌ فِي سَيْرِهِمَا. وأَرْخَيْتُ الفَرسَ وتَرَاخَى الفَرَسُ، وَقِيلَ: الإِرْخَاءُ عَدْوٌ دُونَ التَّقْرِيبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا يقال أَرْخَيْت
__________
(1) . صدر البيت:
لَهُ أَيْطَلَا ظبيٍ، وَسَاقَا نعامةٍ

(14/315)


الفرسَ وَلَكِنْ يُقَالُ أَرْخَى الفَرَسُ فِي عَدْوه إِذَا أَحْضَرَ، وَلَا يُقَالُ تَرَاخَى الفرسُ إلَّا عندَ فُتُورِه فِي حُضْرِهِ. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإرْخَاءُ الفرسِ مأْخُوذٌ مِنَ الرِّيحِ الرُّخَاء، وَهِيَ السَّريعة فِي لِينٍ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْخَى بِهِ عَنَّا أَي أَبْعَدَه عنَّا. وأَرْخَى الدّابَّةَ: سَارَ بِهَا الإِرْخاءَ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
إِلَى ابْنِ الخَليفَة فاعْمِدْ لَهُ، ... وأَرْخِ المطِيّةَ حَتَّى تَكِلْ
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِرْخَاءُ أَن تُخَلِّيَ الفَرَس وشهْوَته فِي العَدْو غَيرَ مُتْعِبٍ لَهُ. يُقَالُ: فرَسٌ مِرْخَاءٌ مِنْ خَيْلٍ مَراخٍ. وأَتانٌ مِرْخَاءٌ: كثيرة الإِرخاء.
ردي: الرَّدى: الهلاكُ. رَدِيَ، بِالْكَسْرِ، يَرْدَى رَدىً: هَلَكَ، فَهُوَ رَدٍ. والرَّدِي: الهالِكُ، وأَرْداهُ اللهُ. وأَرْدَيْتُه أَي أَهلكتُه. ورجلٌ رَدٍ: لِلْهَالِكِ. وامرأَة رَدِيَةٌ، عَلَى فَعلةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لتُهْلِكُني، وَفِيهِ: وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى
. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: ف أَرْدَوْا فرَسَين فأَخَذْتُهما
؛ هُوَ مِنَ الرَّدى الهلاكِ أَي أَتْعَبُوهُما حَتَّى أَسْقَطوهُما وخَلَّفُوهُما، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فأَرْذَوْا، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَي تركُوهما لضَعْفِهما وهُزالهما. ورَدي فِي الهُوَّةِ رَدًى وتَرَدَّى: تَهَوَّر. وأَرْدَاهُ اللَّهُ ورَدَّاه فَتَرَدَّى: قلبَه فانْقَلب. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى
؛ قِيلَ: إِذَا مَاتَ، وَقِيلَ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّارِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ
؛ وَهِيَ الَّتِي تَقَع مِنْ جَبَلٍ أَو تَطِيحُ فِي بِئْرٍ أَو تسقُطُ مِنْ موضِعٍ مُشْرفٍ فتموتُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: التّرَدِّي هُوَ التَّهَوُّر فِي مَهْواةٍ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: رَدِيَ فلانٌ فِي القَلِيب يَرْدَى وتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ تَرَدِّياً. وَيُقَالُ: رَدَى فِي الْبِئْرِ وتَرَدَّى إِذَا سَقَط فِي بئرٍ أَو نهرٍ مِنْ جبَلٍ، لُغتان. وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه قَالَ فِي بَعيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ: ذَكِّه مِنْ حَيْثُ قدَرْت
؛ تَرَدَّى أَي سقَطَ كأَنه تفَعَّل مِنَ الرَّدى الهَلاكِ أَي اذْبَحْه فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَن مِنْ بدَنِهِ إِذَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ نَحْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ نَصَر قوْمَه عَلَى غَيْرِ الحقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رَدَى فَهُوَ يُنْزَعُ بذَنَبه
؛ أَرادَ أَنه وقَع فِي الإِثم وهَلَك كالبعِير إِذَا تَرَدَّى فِي البِئر وأُريد أَن يُنْزَعَ بذَنَبه فَلَا يُقْدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ:
إنَّ الرجلَ ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تُرْدِيه بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرضِ
أَي توقعُهُ فِي مَهْلَكة. والرِّدَاءُ: الَّذِي يُلْبَسُ، وتثنيتُه رِدَاءَانِ، وَإِنْ شِئتَ رِدَاوَانِ لأَن كُلَّ اسمٍ ممدودٍ فَلَا تَخْلُو همْزَتُه، إِمَّا أَن تَكُونَ أَصلِيَّة فتَتْرُكها فِي التَّثْنِيَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْلِبها فَتَقُولُ جَزَاءانِ وخَطاءَانِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يقولَ قُرّاءَانِ ووُضَّاءَانِ مِمَّا آخِرُه همزةٌ أَصليَّة وقبلَها أَلِفٌ زَائِدَةٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِمَّا أَن تكونَ للتأْنيث فتَقْلِبها فِي التَّثنية وَاوًا لَا غيرُ، تَقُولُ صَفْرَاوَانِ وسَوْداوانِ، وَإِمَّا أَن تكونَ مُنقَلبة مِنْ واوٍ أَو ياءٍ مِثْلَ كساءٍ ورِدَاءٍ أَو مُلحِقَةً مثلُ عِلْباءٍ وحِرْباءٍ مُلْحِقَةٌ بسِرْداحٍ وشِمْلالٍ، فأَنتَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شِئْتَ قلَبْتها وَاوًا مِثْلَ التأْنيثِ فَقُلْتَ كِساوانِ وعِلْباوانِ ورِدَاوَانِ، وَإِنْ شِئْتَ تركتَها هَمْزَةً مِثْلَ الأَصلية، وَهُوَ أَجْوَد، فَقُلْتَ كِساءَانِ وعِلْباءَانِ ورِدَاءَان، وَالْجَمْعُ أَكْسِية. والرِّدَاءُ: مِنَ المَلاحِفِ؛ وَقَوْلُ طَرَفة:

(14/316)


ووَجْه، كأَنّ الشَّمْسَ حَلّتْ رِداءَها ... عَلَيْهِ، نَقِيّ اللّونِ لَمْ يتَخَدَّدِ «2»
. فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلشَّمْسِ رِدَاءً، وَهُوَ جَوْهر لأَنه أَبلغ مِنَ النُّور الَّذِي هُوَ العَرَض، وَالْجَمْعُ أَرْدِيَةٌ، وَهُوَ الرِّدَاءَةُ كَقَوْلِهِمِ الإِزارُ والإِزارة، وَقَدْ تَرَدّى بِهِ وارْتَدَى بِمَعْنًى أَيْ لبِسَ الرِّداءَ. وَإِنَّهُ لحَسَنُ الرِّدْيَةِ أَي الارْتِداء. والرِّدْيَة: كالرِّكبةِ مِنَ الرُّكوبِ والجِلْسَةِ مِنَ الجُلُوسِ، تَقُولُ: هُوَ حَسَنُ الرِّدْيَة. ورَدَّيْتُه أَنا تَرْدِيةً. والرِّدَاءُ: الغِطاءُ الْكَبِيرُ. ورجلٌ غَمْرُ الرِّدَاءِ: واسِعُ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَ رِدَاؤُه صَغِيرًا؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
غَمْرُ الرِّدَاءِ، إِذَا تبَسَّمَ ضاحِكاً ... غَلِقَتْ لضِحْكَتِه رِقابُ المالِ
وعَيْشٌ غَمْرُ الرِّداءِ: واسِعٌ خَصِيبٌ. والرِّدَاءُ: السَّيْفُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراهُ عَلَى التَّشْبِيهِ بالرِّداءِ مِنَ المَلابِسِ؛ قَالَ مُتَمِّم:
لَقَدْ كَفَّنَ المِنْهالُ، تحتَ رِدَائِه، ... فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوعا
وَكَانَ المِنْهالُ قتلَ أَخاهُ مالِكاً، وَكَانَ الرجلُ إِذَا قَتَل رجُلًا مَشْهُورًا وَضَعَ سيفَه عَلَيْهِ ليُعرفَ قاتِلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْفَرَزْدَقِ:
فِدًى لسُيوفٍ مِنْ تَمِيمٍ وَفَى بِها ... رِدَائِي، وجَلَّتْ عَنْ وجُوهِ الأَهاتِم
وأَنشد آخَرُ:
يُنازِعُني رِدَائِي عَبْدُ عَمْرٍو، ... رُوَيْداً يَا أَخا سَعْدِ بنِ بَكْرِ
وَقَدْ ترَدَّى بِهِ وارْتَدَى؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذَا كشَفَ اليومُ العَمَاسُ عَنِ اسْتِه، ... فَلَا يَرْتَدي مِثْلي وَلَا يتَعَمَّمُ
كَنَى بِالِارْتِدَاءِ عَنْ تقَلُّد السيفِ، والتَّعَمُّمِ عَنْ حملِ البَيْضة أَو المِغْفَر؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُمَا أَلْبَسُ ثيابَ الْحَرْبِ وَلَا أَتَجَمَّل. والرِّدَاءُ: القَوْسُ؛ عَنِ الْفَارِسِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نِعْمَ الرِّداءُ القَوْسُ
لأَنها تُحْمَلُ مَوْضِعَ الرِّداءِ مِنَ العاتِقِ. والرِّداءُ: العقلُ. والرِّداءُ: الجهلُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
رفَعْتُ رِداءَ الجهلِ عَنِّي وَلَمْ يَكُنْ ... يُقَصِّرُ عنِّي، قَبْلَ ذاكَ، رداءُ
وَقَالَ مَرَّةً: الرِّداء كلُّ مَا زَيَّنَك حَتَّى دارُكَ وابْنُكَ، فَعَلَى هَذَا يكونُ الرِّداء مَا زانَ وَمَا شانَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَبوكَ رِدَاؤُكَ ودارُكَ رِدَاؤُكَ وبُنَيُّكَ رِدَاؤُكَ، وكلُّ مَا زَيَّنَكَ فَهُوَ رِدَاؤُكَ. ورِدَاءُ الشَّبابِ: حُسْنُه وغَضارَتُه ونَعْمَتُه؛ وَقَالَ رؤْبة:
حَتَّى إِذَا الدَّهْرُ اسْتَجَدَّ سِيما ... مِنَ البِلى يَسْتَوْهِبُ الوَسِيما
رِدَاءَهُ والبِشْرَ والنَّعِيما
يَسْتوْهِبُ الدّهرُ الوَسِيمَ أَي الوجهَ الوَسيم رِدَاءَهُ، وَهُوَ نَعْمَتُه، واسْتَجدّ سِيما أَي أَثَراً مِنَ البِلى؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ طَرَفَةَ:
ووَجْه، كأَنّ الشَّمسَ حَلَّتْ رِدَاءَها ... عَلَيْهِ، نَقيّ اللَّونِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
أَي أَلقت حُسْنَهَا ونُورَها عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، مِنَ التَّحْلِيَةِ، فَصَارَ نُورُها زِينَةً لَهُ كالحَلْيِ. والمَرَادِي: الأَرْدِيةُ واحِدَتُها مِرْدَاةٌ؛ قَالَ:
لَا يَرْتَدِي مَرادِيَ الحَريرِ، ... وَلَا يُرَى بشِدّةِ الأَمِيرِ،
إلَّا لِحَلْبِ الشَّاةِ والبَعِيرِ
__________
(2) . وفي رواية أخرى: أَلْقَت رداءها

(14/317)


وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَا وَاحِدَ لَهَا. والرِّدَاءُ: الدَّينُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَقَوْلُ حَكِيمِ العرَب مَنْ سَرّه النّساءُ وَلَا نَساءَ، فلْيُباكِرِ الغَداءَ والعَشاءَ، وليخفِّفِ الرِّدَاء، وليُحْذِ الحِذاء، وليُقِلَّ غِشيانَ النِّساء؛ الرِّدَاءُ: هُنَا الدَينُ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: أَرادَ لَوْ زَادَ شَيْءٌ فِي الْعَافِيَةِ لَزَادَ هَذَا وَلَا يَكُونُ. التَّهْذِيبِ: وَرُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه قَالَ: مَنْ أَرادَ الْبَقَاءَ وَلَا بَقاء، فلْيُباكِرِ الغَداء، وليُخَفِّف الرِّدَاء، وليُقِلَّ غِشْيانَ النِّساءِ؛ قَالُوا لَهُ: وَمَا تَخْفِيفُ الرِّدَاء فِي البَقاءِ؟ فَقَالَ: قِلَّة الدَّيْنِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وسُمِّي الدَّيْنُ رِدَاءً لأَن الرِّدَاء يقَع عَلَى المَنْكِبين والكَتِفَينِ ومُجْتَمَعِ العُنُقِ، والدَّيْنُ أَمانةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي ضَمَانِ الدَّيْنِ هَذَا لَكَ فِي عُنُقي ولازِمٌ رَقَبَتي، فَقِيلَ للدَّينِ رِدَاءٌ لأَنه لَزِمَ عُنُقَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كالرِّداءِ الَّذِي يَلْزَم المَنْكِبين إِذَا تُرُدِّيَ بِهِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للسَّيفِ رِدَاءٌ لأَن مُتَقلِّدَه بحَمائِله مُتَرَدٍّ بِهِ؛ وَقَالَتْ خَنْسَاءُ:
وداهِيةٍ جَرَّها جارِمٌ، ... جعَلْتَ رِدَاءَكَ فِيهَا خِمارا
أَي عَلَوتَ بسَيْفِك فِيهَا رقابَ أَعْدائِكَ كالخِمارِ الَّذِي يتَجَلَّلُ الرأْسَ، وقَنَّعْتَ الأَبْطالَ فِيهَا بسيفِك. وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: ترَدَّوْا بالصَّماصِمِ
أَي صَيَّرُوا السُّوُف بِمَنْزِلَةِ الأَرْدِية. وَيُقَالُ للوِشاحِ رِدَاءٌ. وَقَدْ تَرَدَّت الْجَارِيَةُ إِذَا توَشَّحَت؛ وَقَالَ الأَعشى:
وتَبْرُد بَرْدَ رِدَاءِ العَرُوسِ، ... بالصَّيفِ، رَقْرَقتَ فِيهِ العَبيرا
يَعْنِي بِهِ وِشاحَها المُخَلَّقَ بالخَلُوق. وامرأَة هَيْفاءُ المُرَدَّى أَي ضامِرَةُ موضعِ الوِشاحِ. والرِّدَاءُ: الشَّبَابُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وهَذَا رِدَائِي عِنْدَهُ يَسْتَعِيرُهُ
الأَصمعي: إِذَا عَدَا الفَرَسُ فرَجَم الأَرْضَ رَجْماً قِيلَ رَدَى، بِالْفَتْحِ، يَرْدِي رَدْياً ورَدَيَاناً. وَفِي الصِّحَاحِ: رَدَى يَرْدِي رَدْياً ورَدَيَاناً إِذَا رَجَم الأَرضَ رَجْماً بَيْنَ العَدْو والمَشْي الشَّدِيدِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَاتِكَةَ:
بجَأْوَاءَ تَرْدِي حافَتَيه المَقَانِبُ
أَي تَعْدُو. قَالَ الأَصمعي: قُلْتُ لِمُنْتَجِعِ بنِ نَبهان مَا الرَّدَيان؟ قَالَ: عَدْوُ الحِمارِ بَيْنَ آرِيِّهِ ومُتَمَعَّكِه. ورَدَت الخَيْلُ رَدْياً ورَدَياناً: رَجَمَت الأَرضَ بحَوافِرِها فِي سَيْرِها وعَدْوِها، وأَرْدَاها هُو، وَقِيلَ: الرَّدَيانُ التَّقْريبُ، وَقِيلَ: الرَّدَيَانُ عَدْوُ الفَرَس. ورَدَى الغُرابُ يَرْدِي: حَجَلَ. والجَواري يَرْدِينَ رَدْياً إِذَا رَفَعْنَ رِجْلًا ومَشَيْن عَلَى رِجْلٍ أُخْرَى يَلْعَبْنَ. ورَدَى الغُلامُ إِذَا رَفَع إحدَى رِجْلَيْه وقَفَزَ بالأُخرى. ورَدَيتُ فُلَانًا بحَجَرٍ أَرْدِيهِ رَدْياً إِذَا رَمَيْته؛ قَالَ ابْنُ حِلِّزَةَ:
وكأنَّ المَنونَ تَرْدِي بِنَا أعْصَم ... صمٍّ يَنْجَابُ عَنْه العَمَاءُ
وَرَدَيْتُه بالحِجارَةِ أَرْدِيهِ رَدْياً: رَمَيْته. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: فَ رَدَيْتُهُم بِالْحِجَارَةِ
أَي رَمَيْتُهُم بِهَا. يُقَالُ: رَدَى يَرْدِي رَدْياً إِذَا رَمَى. والمِرْدَى والمِرْدَاةُ: الحَجَرُ وأَكثر مَا يُقَالُ فِي الحَجَرِ الثَّقِيلِ. وَفِي حَدِيثِ أُحد:
قَالَ أَبو سُفْيَانَ مَنْ رَدَاهُ
أَي منْ رَماهُ. ورَدَيْتُه: صَدَمْته. ورَدَيْت الحَجَرَ بِصَخْرَة أَو بِمعْوَلٍ إِذَا ضَرَبته بِهَا لتَكسِره. ورَدَيْت الشيءَ بالحَجَرِ: كَسَرْته.

(14/318)


والمِرْدَاةُ: الصَّخْرة تَرْدِي بهَا، والحَجَر تَرْمِي بِهِ، وجَمْعُها المَرَادِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي المَثَل: عِنْدَ جُحْرِ كُلِّ ضَبٍّ مِرْدَاتُهُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للشيءِ العَتِيدِ لَيْسَ دونَه شيءٌ، وَذَلِكَ أَن الضبَّ لَيْسَ يَنْدَلُّ عَلَى جُحْرِه، إِذَا خَرَج مِنْهُ فَعَادَ إِلَيْهِ، إِلَّا بحَجَرٍ يَجعَلُه علامَةً لجُحْرِه فيَهْتَدِي بِها إليهِ، وتُشَبَّهُ بِهَا النّاقَةُ فِي الصَّلابَةِ فيقالُ مِرْدَاةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الصَّخْرة يقالُ لَها رَدَاةٌ، وَجَمْعُهَا رَدَياتٌ؛ وقال ابن مقبل:
وقَافِية، مثل حَدِّ الرَّدَاةِ، ... لَمْ تَتّرِكْ لِمُجِيبٍ مَقالا
وَقَالَ طُفَيل:
رَدَاةٌ تَدَلَّتْ مِنْ صُخُورِ يَلَمْلَم
ويَلَمْلَمُ: جَبَلٌ. والمِرْدَاةُ: الحَجَر الَّذِي لَا يَكَادُ الرَّجُلُ الضابِطُ يَرْفَعه بيدِهِ يُرْدَى بِهِ الحجرُ، والمكانُ الغَليظُ يَحْفِرونَهُ فيَضْرِبُونَه فيُلَيِّنُونَهُ، ويُرْدَى بِهِ جُحْرُ الضَّبِّ إِذَا كَانَ فِي قَلْعَةٍ فَيُلَيِّنُ القَلْعَة ويَهْدِمُها، والرَّدْيُ إنَّما هُوَ رَفْعٌ بِهَا ورَمْيٌ بِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: المِرْدَى حَجَرٌ يُرْمَى بِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ: إِنَّهُ لَمِرْدَى حُروبٍ، وهُمْ مَرادِي الحُرُوبِ، وَكَذَلِكَ المِرْداةُ. والمِرْدَاةُ: صَخْرَةٌ تُكْسَرُ بِهَا الحِجَارَة. الْجَوْهَرِيُّ: والرَّدَاةُ الصَّخرَةُ، والجمعُ الرَّدَى؛ وَقَالَ:
فَحْلُ مَخَاضٍ كالرَّدَى المُنْقَضِ
والمَرَادِي: القَوائِمُ مِنَ الإِبِلِ والفِيَلة عَلَى التّشْبِيه. قَالَ اللَّيْثُ: تُسَمَّى قوائِمُ الإِبِلِ مَرادِيَ لثِقَلِها وشِدَّةِ وَطْئِها نعتٌ لَهَا خاصَّة، وَكَذَلِكَ مَرادِي الفِيل. والمَرَادِي: المَرامِي. وَفُلَانٌ مِرْدَى خُصومَةٍ وحَرْبٍ: صَبُورٌ عَلَيْهِمَا. ورَادَيْتُ عَنِ القَوْمِ مُرَادَاةً إِذَا رامَيْت بالحِجارةِ. والمُرْدِيُّ: خَشَبة تُدْفَعُ بِهَا السَّفِينَةُ تكونُ فِي يدِ المَلَّاحِ، والجمعُ المَرَادِي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمَرْدَى مَفْعَلٌ مِنَ الرَّدَى وَهُوَ الهَلاكُ. ورَادَى الرجلَ: داراهُ وراوَدَهُ، وراوَدْتُه عَلَى الأَمرِ ورَادَيْتُه مَقْلُوبٌ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رادَيْته عَلَى الأَمْر راوَدْته كأَنه مَقْلُوبٌ؛ قَالَ طُفَيْل يَنْعَت فَرَسَه:
يُرادَى عَلَى فأْسِ اللِّجام، كأَنما ... يُرادَى بِهِ مِرْقاةُ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
أَبو عَمْرٍو: رَادَيْت الرَّجُلَ وداجَيْته ودالَيْته وفانَيْته بِمَعْنًى واحِدٍ. والرَّدَى: الزِّيَادَةُ. يُقَالُ: مَا بَلَغَت رَدَى عَطائِكَ أَي زيادَتُك فِي العَطِيَّة. ويُعْجِبُني رَدَى قولِك أَي زيادةُ قَوْلك؛ وقال كثير:
له عَهْدُ ودٍّ لَمْ يُكَدَّرْ، يَزينُه ... رَدَى قَوْلِ معروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
أَي يَزينُ عَهْدَ وِدِّهِ زيادةُ قولِ معروفٍ مِنْهُ؛ وَقَالَ آخَرُ:
تَضمّنَها بَناتُ الفَحْلِ عَنْهُمْ ... فأَعْطَوْها، وَقَدْ بَلَغوا رَدَاها
وَيُقَالُ: رَدَى عَلَى المائَةِ يَرْدِي وأَرْدَى يُرْدِي أَي زادَ. ورَدَيْت عَلَى الشَّيْءِ وأَرْدَيْت: زِدْتُ. وأَرْدَى عَلَى الخَمسينَ والثمانينَ: زادَ؛ وَقَالَ أَوس:
وأسْمَرَ خَطِّيّاً، كأَنَّ كُعوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ، قَدْ أَرْدَى ذِرَاعًا عَلَى العَشْرِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: لُغَةُ الْعَرَبِ أَرْدَأَ عَلَى الْخَمْسِينَ زَادَ. ورَدَتْ غَنَمي وأَرْدَتْ: زَادَتْ؛ عَنِ الْفَرَّاءِ؛ وأَما قَوْلُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

(14/319)


له عَهْدُ ودٍّ لم يُكَدَّرْ، يَزينُه ... رَدَى قَوْلِ معروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: رَدَى زِيَادَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَنَى مِنْهُ مَصْدَراً عَلَى فَعِلَ كَالضَّحِكِ وَالْحُمْقِ، أَو اسْمًا عَلَى فعَل فوضَعه موضِعَ الْمَصْدَرَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا عَلَى مَا لَمْ تَظْهر فِيهِ الياءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْيَاءِ لأَنها لامٌ مَعَ وُجُودِ رَدْيٍ ظَاهِرَةٍ وَعَدَمِ رَدْوٍ. وَيُقَالُ: مَا أَدرِي أَين رَدَى أَي أَين ذَهَبَ. ابْنُ بَرِّيٍّ: والمِرْدَاء، بالمدِّ، مَوْضِعٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
هَلَّا سأَلتُم، يَوْمَ مِرْدَاءِ هَجَرْ، ... إذْ قابَلَتْ بَكْرٌ، وإذْ فَرَّتْ مُضَرْ
وَقَالَ آخَرُ:
فَلَيْتَكَ حالَ البحرُ دونَكَ كلُّه، ... ومَنْ بالمَرَادِي مِنْ فَصيحٍ وأَعْجَمِ
قَالَ الأَصمعي: المَرَادِي جَمْعُ مِرْداءٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهِيَ رِمَالٌ منبطحة ليست بمُشْرِفة.
رذي: الرَّذِيُّ: الَّذِي أَثقَلَه المَرَض، وَقَدْ رَذِيَ وأُرْذِيَ. والرَّذِيُّ مِنَ الإِبل: المهزُولُ الهالِكُ الَّذِي لَا يَستطيعُ بَراحاً وَلَا يَنبَعِث، والأُنْثَى رَذِيَّة. وَفِي الصِّحَاحِ: الرَّذِيَّة النَّاقَةُ الْمَهْزُولَةُ مِنَ السَّيْرِ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ الْمَتْرُوكَةُ الَّتِي حسَرَها السفَرُ لَا تَقْدِرُ أَن تَلْحَق بِالرِّكَابِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
فَلَا يُعْطِي الرَّذِيَّةَ وَلَا الشّرَطَ اللّئِيمَة
أَي الهَزيلَة. والرَّذِيُّ: الضَّعِيفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ رَذَايَا ورُذَاةٌ؛ الأَخيرة شاذَّة، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعَسَى أَن يَكُونَ عَلَى تَوَهُّمِ رَاذٍ، وَقَدْ رَذِيَ يَرْذَى رَذَاوَةً، وَقَدْ أَرْذَيْتُه. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ أَرْذَيْت نَاقَتِي إِذَا هَزَلْتها وخَلَّفْتها. والمُرْذَى: المَنْبُوذ، وَقَدْ أَرْذَيْتُه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: ف أَرْذَوْا فَرَسَيْنِ فأَخذتُهُما
أَي تركوهُما لضَعْفِهِما وهُزالِهِما، وَرُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الرَّدَى الهَلاكِ أَي أَتْعَبُوهما وخَلَّفوهما، وَالْمَشْهُورُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقضَيْنا عَلَى هَذَا بِالْوَاوِ لِوُجُودِ رَذَاوَةٍ. وَفِي حَدِيثِ
يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقَاءَهُ الحُوتُ رَذِيّاً.
ابْنُ الأَعرابي: الرَّذِيُّ الضَّعِيفُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يَأْوِي إِلَى الأَطنابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ ... مِثلِ البَلِيّةِ، قالِصاً أهدامُها
أَراد: كلُّ امرأَة أَرْذاها الجوعُ والسُّلالُ؛ والسُّلالُ: داءٌ باطِنٌ ملازِمٌ للجَسَدِ لَا يَزَال يَسُلُّه ويُذِيبُه.
رزا: ابْنُ الأَعرابي: رَزَا فلانٌ فُلَانًا إِذَا بَرَّه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصله مَهْمُوز فخُفِّفَ وكُتِبَ بالأَلف، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: رَزَا فلانٌ فلانا إذا قَبِلَ بِرَّهُ. الأُمَوِي: أَرْزَيْتُ إِلَى اللَّهِ أَي اسْتَنَدْت. وقال شمر: إنه لَ يُرْزِي إِلَى قُوّةٍ أَي يَلْجأُ إِلَيْهَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا جَائِزٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رؤْبة:
يُرْزِي إِلَى أَيْدِ شَديدٍ إيَادْ
الْجَوْهَرِيُّ: أَرْزَيْتُ ظَهْري إِلَى فُلَانٍ أَي الْتَجَأْتُ إِلَيْهِ؛ قَالَ رؤْبة:
لَا تُوعِدَنِّي حَيَّةٌ بالنَّكْزِ، ... أَنا ابنُ أَنْضادٍ إِلَيْهَا أُرْزِي،
نَغْرِفُ منْ ذِي غَيِّثٍ ونُؤْزِي
الأَنضاد: الأَعمام. أَنضاد الرَّجُلِ: أَعمامه وأَخواله الْمُتَقَدِّمُونَ فِي الشَّرَفِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلا أَنّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ضَلالَةَ العَمَلِ مَا رَزَيْنَاكَ عِقالًا
، جاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَكَذَا غَيْرَ مَهْمُوزٍ، قَالَ: والأَصل الْهَمْزُ، وَهُوَ مِنَ التَّخْفِيفِ الشَّاذِّ، وضلالَةُ العَمَل:

(14/320)


بُطْلانُه وذَهابُ نَفْعِه.
رسا: رَسَا الشَّيءُ يَرْسُو رُسُوّاً وأَرْسَى: ثَبَتَ، وأَرْسَاه هُوَ. ورَسَا الجَبَلُ يَرْسُو إِذَا ثَبَت أَصلهُ فِي الأَرض، وجبالٌ رَاسِياتٌ. والرَّوَاسِي مِنَ الْجِبَالِ: الثَّوابتُ الرَّواسخُ؛ قَالَ الأَخفش: وَاحِدَتُهَا رَاسِيةٌ. ورَسَتْ قَدَمُه: ثبَتَتْ فِي الحَرْب. ورَسَتِ السَّفينةُ تَرْسُو رُسُوّاً: بَلَغَ أَسفلُها القَعْرَ وَانْتَهَى إِلَى قرارِ الماءِ فَثَبَتَت وَبَقِيَتْ لَا تَسير، وأَرْساها هُوَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَفِينَتِهِ:
بِسْمِ الله مَجْريها ومُرْساهَا
، وقرئَ:
مُجْرِيهَا ومُرْسِيها
، عَلَى النَّعْتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ قرأَ مُجْراها ومُرْساهَا، بِالضَّمِّ، مِنْ أَجْرَيْت وأَرْسَيْت، ومَجْراها ومَرْسَاها، بِالْفَتْحِ، مِنْ رَسَت وجَرَت؛ التَّهْذِيبِ: القرَّاء كُلُّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى ضَمِّ الْمِيمِ مِنْ مُرْساها وَاخْتَلَفُوا فِي مُجْراها، فقرأَ الْكُوفِيُّونَ مَجْراها وقرأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وأَبو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ مُجْراها؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَنْ قرأَ مُجْراها ومُرْساها فَالْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ إجْراؤُها وإرساؤُها، وَقَدْ رَسَت السَّفينةُ وأَرْساها اللهُ، قَالَ: ولَوْ قُرِئَت مُجْرِيها ومُرْسِيها فَمَعْنَاهُ أَن اللَّهَ يُجْريها ويُرْسيها، وَمَنْ قرأَ مَجْراها ومَرْساها فَمَعْنَاهُ جَرْيُها وثَباتُها غَيْرُ جارِيَة، وجائز أَن يكونا بمَعنَى مُجْراها ومُرْساها. وَقَوْلُهُ عزَّ وجل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها*
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ متَى وقُوعُها، قَالَ: وَالسَّاعَةُ هُنَا الْوَقْتُ الَّذِي يموتُ فِيهِ الخَلْق. والمِرْساةُ: أَنْجَرُ السَّفينة الَّتِي تُرْسَى بِهَا، وَهُوَ أَنْجَرُ ضَخْمٌ يُشَدُّ بالحِبال ويُرْسلُ فِي الْمَاءِ فيُمْسِكُ السَّفينة ويُرْسِيها حَتَّى لَا تَسِير، تُسَمِّيها الفُرْسُ [لَنْگَرْ] . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ أَرْسَيْتُ الوَتِدَ فِي الأَرض إِذَا ضَرَبْتَه فِيهَا؛ قَالَ الأَحوص:
سِوَى خَالِدَاتٍ مَا يُرَمْنَ وهَامِدٍ، ... وأَشْعَتَ تُرْسِيه الوَلِيدَةُ بالفِهْرِ
وَإِذَا ثَبَتَت السَّحابة بِمَكَانٍ تُمطِر قِيلَ: أَلْقَت مَرَاسِيَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ألْقَت السَّحابَةُ مَراسِيَها اسْتَقَرَّت ودَامَتْ وجَادَت. ورَسا الفَحْل بِشُوَّلِهِ: هَدَرَ بِهَا فاسْتَقَرَّت. التَّهْذِيبِ: والفَحْل مِنَ الإِبِل إِذَا تَفَرَّقَ عَنْهُ شُوَّلُه فَهَدَرَ بِهَا ورَاغَت إِلَيْهِ وسَكَنَت قِيلَ رَسَا بِهَا؛ وَقَالَ رؤْبة:
إِذَا اشمعَلَّتْ سَنَناً رَسَا بِهَا ... بِذات خَرْقَيْن إِذَا حَجَا بِها
اشمعَلَّت: انْتَشَرَتْ، وَقَوْلُهُ: بِذَاتِ خَرْقَيْنِ يَعْنِي شِقْشِقَة الفَحْلِ إِذَا هَدَرَ فِيهَا. وَيُقَالُ: أَرْسَتْ قَدماه أَي ثَبَتَتا. الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا قَد رَسا الفَحْلُ بالشُّوَّل وَذَلِكَ إِذَا قَعَا عَلَيْها. وقِدْرٌ رَاسِيَة: لَا تَبْرَح مَكَانَها وَلَا يُطاقُ تَحْوِيلُها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُدُورٍ راسِياتٍ
؛ قَالَ الفراءُ: لَا تُنْزَلُ عَنْ مَكَانِها لعِظَمِها. والرَّاسِيَةُ: الَّتِي تَرْسُو، وَهِيَ الْقَائِمَةُ. وَالْجِبَالُ الرَّوَاسِي والرَّاسِياتُ: هِيَ الثَّوابِتُ. ورَسَا لَهُ رَسْواً مِنْ حَدِيثٍ: ذَكَرَهُ. ورَسَوْت لَهُ إِذَا ذَكَرْتَ لَهُ طَرَفاً مِنْهُ. ورَسَوْتُ عَنْهُ حَديثاً أَرْسُوهُ رَسْواً، ورَسَا عَنْهُ حَدِيثًا رَسْواً: رَفَعه وحَدَّث بِهِ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عُمر بْنُ قَبِيصة العَبْدِي مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ:
أَبا مَالِكٍ، لَوْلا حَواجِزُ بَيْنَنا ... وحُرْماتُ حَقّ لَمْ تُهَتَّكْ سُتُورُها،
رَمَيْتُك إذْ عَرَّضْتَ نَفْسَكَ رَمْيَةً ... تَبَازَخُ مِنْها، حِينَ يُرْسَى عَذِيرُها

(14/321)


قَوْلُهُ: حِينَ يُرْسَى عَذِيرُها أَي حِينَ يُذْكَرُ حالُها وحَدِيثُها. ابْنُ الأَعرابي: الرَّسُّ والرُّسُوُّ بِمَعْنًى واحدٍ. ورَسَسْتُ الحَدِيثَ أَرُسُّه فِي نَفْسِي أَي حَدَّثْتُ بِهِ فِي نَفْسي؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ:
خَلِيلَيَّ، عُوجَا، بارَكَ اللهُ فِيكُمَا، ... عَلَى دارِ مَيّ، أَوْ أَلِمَّا فَسَلِّمَا
كَمَا أَنْتُما لَوْ عُجْتُمَا بِي لِحاجةٍ، ... لَكَانَ قَلِيلًا أَنْ تُطاعَا وتُكْرَما
أَلِمَّا بمَحْزُونٍ سَقِيمٍ، وأَسْعِفا ... هواهُ بمَيّ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّما
أَلا فاحْذَرَا الأَعْداءَ واتَّقِياهُمُ، ... ورُسَّا إِلَى مَيّ كَلَامًا مُتَمَّما
وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعي: إِنِّي لأَسْمَعُ الحديثَ «3» . فأُحَدِّثُ بِهِ أَرُسُّه فِي نَفْسي
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَبتدئ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ ودَرْسِهِ فِي نَفْسي وأُحَدِّثُ بِهِ خَادِمِي أَسْتَذْكِرُ الْحَدِيثَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ أُرَدِّدُه وأُعاوِدُ ذِكْرَه. ورَسا الصومَ إِذَا نَواهُ. ورَاسَى فلانٌ فُلَانًا إِذَا سابَحَه، وساراهُ إِذَا فاخَرَه. ورَسَا بينَهم رَسْواً: أَصْلَح. والرَّسْوَةُ: السِّوارُ مِنَ الذَّبْلِ، وَقَالَ كُرَاعٌ: الرَّسْوَةُ الدَّسْتِينَجُ، وجمعهُ رَسَوات وَلَا يُكَسَّر، وَقِيلَ: الرَّسْوَةُ السِّوارُ إِذَا كَانَ مِنْ خَرَزٍ فَهُوَ رَسْوةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّسْوَةُ شَيْءٌ مِنْ خَرَزٍ يُنْظَمُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّسِيُّ الثَّابِتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. والرَّسِيُّ: الْعَمُودُ الثابتُ فِي وسَط الخِباءِ. الْجَوْهَرِيُّ: تَمْرةٌ نِرْسِيانَةٌ، بِكَسْرِ النُّونِ، لضرب من التَّمْرِ.
رشا: الرَّشْوُ: فِعْلُ الرَّشْوَةِ، يُقَالُ: رَشَوْتُه. والمُرَاشَاةُ: المُحاباةُ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ والرِّشْوَةُ مَعْرُوفَةٌ: الجُعْلُ، وَالْجَمْعُ رُشىً ورِشىً؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ رُشْوَةٌ ورُشىً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رِشْوَةٌ ورِشىً، والأَصل رُشىً، وأَكثر الْعَرَبِ يَقُولُ رِشىً. ورَشَاه يَرْشُوه رَشْواً: أَعطاه الرَّشْوَةَ. وَقَدْ رَشا رَشْوَةَ وارْتَشَى مِنْهُ رَشْوَةً إِذَا أَخذَها. ورَاشَاهُ: حَابَاهُ. وتَرَشَّاه: لايَنَهُ. ورَاشَاه إِذَا ظاهرهَ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الرُّشْوَةُ مأْخوذة مِنْ رَشَا الفَرْخُ إِذَا مدَّ رأْسَه إِلَى أُمِّه لتَزُقَّه. أَبو عُبَيْدٍ: الرَّشَا مِنْ أَولاد الظِّباء الَّذِي قَدْ تحرَّك وتمشَّى. والرِّشَاءُ: رَسَنُ الدَّلوِ. والرَّائِشُ: الَّذِي يُسْدي بَيْنَ الرَّاشِي والمُرْتَشِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
لعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ والمُرْتَشِيَ والرَّائِشَ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ الوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بالمُصانعة، وأَصله مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، فالرَّاشِي مَنْ يُعطي الَّذِي يُعينُه عَلَى الْبَاطِلِ، والمُرْتَشِي الآخذُ، والرَّائِش الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزيد لِهَذَا ويَسْتَنْقِصُ لِهَذَا، فأَما مَا يُعطى توصُّلًا إِلَى أَخذِ حَقّ أَو دفعِ ظلمٍ فغيرُ داخِلٍ فِيهِ.
وَرُوِيَ أَن ابْنَ مَسْعُودٍ أُخِذَ بأَرضِ الحَبَشة فِي شَيْءٍ فأَعْطى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سبيلُه
،
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئمة التَّابِعِينَ قَالُوا: لَا بأْس أَن يُصانعَ الرجلُ عَنْ نفسهِ ومالهِ إِذَا خافَ الظُّلْمَ.
والرِّشاءُ: الحبْلُ، وَالْجَمْعُ أَرْشِيَةٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاوِ لأَنه يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ كَمَا يوصَلُ بالرُّشْوَةِ إِلَى مَا يُطلَبُ مِنَ الأَشياء. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمِنْ كَلَامِ المؤَخِّذات لِلرِّجَالِ أَخَّذْتُه بدُبَّاء مُمَلَّإٍ مِنَ الماءِ مُعَلَّقٍ بتِرْشاء؛ قَالَ: التِّرْشَاءُ الْحَبْلُ، لَا يُسْتَعمَلُ هَكَذَا إِلَّا فِي هَذِهِ الأُخْذةِ. وأَرْشى
__________
(3) . قوله [إني لأَسمع الحديث إلخ] هكذا في الأَصل. ولفظ النهاية: إني لأَسمع الْحَدِيثَ أَرُسُّهُ فِي نَفْسِي وأحدث بِهِ الْخَادِمَ، أَرُسُّهُ فِي نفسي أي أثبته إلخ

(14/322)


الدَّلْوَ: جَعَلَ لَهَا رِشاءً أَيْ حَبْلًا. والرِّشَاءُ: مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْحَبْلِ. الْجَوْهَرِيُّ الرِّشَاءُ كواكبُ كَثِيرَةٌ صغارٌ عَلَى صُورَةِ السَّمَكة يُقَالُ لَهَا بطنُ الحُوت، وَفِي سُرَّتِها كَوْكَبٌ نَيِّرٌ يِنزِلُه الْقَمَرُ. وأَرْشِيَةُ الحنظلِ واليقطينِ: خُيوطه. وَقَدْ أَرْشَت الشجرةُ وأَرْشَى الحنظلُ إِذَا امْتَدَّتْ أَغصانُه. قَالَ الأَصمعي: إِذَا امْتَدَّتْ أَغصانُ الحَنظل قِيلَ قَدْ أَرْشَتْ أَي صَارَتْ كالأَرْشِيَة، وَهِيَ الحِبال. أَبو عَمْرٍو: اسْتَرْشَى مَا فِي الضَّرْع واسْتَوْشى مَا فِيهِ إِذَا أَخْرَجَهُ. واسْتَرْشَى فِي حُكْمِهِ: طَلَبَ الرَّشْوَة عَلَيْهِ. واسْتَرْشَى الفصيلُ إِذَا طَلَبَ الرَّضاع، وَقَدْ أَرْشَيْتُه إرْشاءً. ابْنُ الأَعرابي: أَرْشَى الرجلُ إِذَا حكَّ خَوْرانَ الْفَصِيلِ ليعدُوَ، وَيُقَالُ لِلْفَصِيلِ الرَّشِيُّ. والرَّشَاةُ: نَبْتٌ يُشْرَب للْمَشِيِّ؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: الرَّشَاةُ عُشبةٌ نحوُ القَرْنُوَةِ، وَجَمْعُهَا رَشاً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحملْنا الرَّشِيّ عَلَى الْوَاوِ لِوُجُودِ ر ش وو عدم ر ش ي.
رصا: ابْنُ الأَعرابي: رَصَاه إِذَا أَحكمَهُ، ورَصَاهُ إِذَا نَواهُ للصومِ، وَاللَّهُ أَعلم.
رضي: الرِّضَا، مقصورٌ: ضدُّ السَّخَطِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ برِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وبمُعافاتِكَ مِنْ عُقوبَتِكَ، وأَعوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصي ثَناءً عَلَيْكَ أَنت كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
بَدأَ بالمُعافاة ثُمَّ بالرِّضَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا ابتدأَ بالمُعافاة مِنَ الْعُقُوبَةِ لأَنها مِنْ صِفَاتِ الأَفعال كالإِماتة والإِحياء والرِّضَا؛ والسَّخَطُ مِنْ صِفَاتِ الْقَلْبِ، وصفاتُ الأَفعال أَدْنى رُتبةً مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فبدأَ بالأَدْنى مُتَرَقِّياً إِلَى الأَعلى، ثُمَّ لمَّا ازْدَادَ يَقِينًا وارْتَقى تَرَكَ الصفاتِ وقَصَر نَظَرُهُ عَلَى الذَّاتِ فَقَالَ أَعوذ بِكَ مِنْكَ، ثُمَّ لمَّا ازْدَادَ قُرْبًا اسْتَحيْا مَعَهُ مِنَ الاسْتِعاذة عَلَى بِسَاطِ القُرْب فالْتَجأَ إِلَى الثَّناءِ فَقَالَ لَا أُحْصي ثَناءً عَلَيْكَ، ثُمَّ عَلِمَ أَن ذَلِكَ قُصورٌ فَقَالَ أَنت كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نفسِك؛ قَالَ: وأَما على الرواية الأُولى فَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِعَاذَةَ بالرِّضا عَلَى السَّخَط لأَن المُعافاة مِنَ العُقوبة تَحْصُلُ بِحُصُولِ الرِّضَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لأَن دَلَالَةَ الأُولى عَلَيْهَا دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ، فأَراد أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ فَكَنَّى عَنْهَا أَولًا ثُمَّ صَرَّحَ بِهَا ثَانِيًا، ولأَن الراضِيَ قَدْ يعاقِب لِلْمَصْلَحَةِ أَو لِاسْتِيفَاءِ حقِّ الْغَيْرِ. وَتَثْنِيَةُ الرِّضا رِضَوانِ ورِضَيانِ، الأُولى عَلَى الأَصل والأُخرى عَلَى المُعاقبة، وكأَن هَذَا إِنَّمَا ثُنِّيَ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَسَمِعَ الْكِسَائِيُّ رِضَوانِ وحِمَوانِ فِي تَثْنِيَةِ الرِّضا والحِمى، قَالَ: وَالْوَجْهُ حِمَيان ورِضَيان، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُهُمَا بِالْيَاءِ عَلَى الأَصل، وَالْوَاوُ أَكثر، وَقَدْ رَضِيَ يَرْضَى رِضاً ورُضاً ورِضْوَاناً ورُضْوَاناً، الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ ونَظَّرهَ بشُكْران ورُجْحانٍ، ومَرْضَاةً، فَهُوَ رَاضٍ مِنْ قَوْمٍ رُضَاةٍ، ورَضِيٌّ مَنْ قَوْمٍ أَرْضِيَاءَ ورُضاةٍ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ نَادِرَةٌ، أَعني تَكْسِيرَ رَضِيّ عَلَى رُضاةٍ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ جَمَعَ رَاضٍ لَا غَيْرَ، ورَضٍ مِنْ قَوْمٍ رَضِينَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا رَضْيُوا كَمَا قَالُوا غَزْيا، أَسكن العينَ، وَلَوْ كَسَرَهَا لحذفَ لأَنه لَا يَلْتَقي سَاكِنَانِ حَيْثُ كَانَتْ لَا تَدْخُلُهَا الضَّمَّةُ وَقَبْلَهَا كَسْرَةٌ، وراعَوْا كَسْرَةَ الضَّادِ فِي الأَصل فَلِذَلِكَ أَقروها يَاءً، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَادِرَةٌ. ورَضِيتُ عَنْكَ وعَلَيْكَ رِضىً، مقصورٌ: مصدرٌ مَحْضٌ، والاسمُ الرِّضَاءُ، ممدودٌ عَنِ الأَخفش؛ قَالَ القُحَيْفُ العُقَيْلي:
إِذَا رَضِيَتْ عَليَّ بَنو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني رِضاها

(14/323)


وَلَا تَنْبو سُيوفُ بَني قُشَيْرٍ، ... وَلَا تَمْضي الأَسِنَّةُ فِي صَفاها
عَدَّاهُ بعَلى لأَنَّه إِذَا رَضِيَتْ عَنْهُ أَحَبَّتْه وأَقْبَلَت عليه، فذلك اسْتَعْمل عَلَى بِمَعْنَى عَنْ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَكَانَ أَبو عَلِيّ يَسْتَحْسِنُ قَوْلَ الْكِسَائِيِّ فِي هَذَا، لأَنه لمَّا كَانَ رَضِيتُ ضِدَّ سَخِطْت عَدَّى رَضيتُ بعَلى، حَمْلًا لِلشَّيْءِ عَلَى نَقِيضِهِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَظيره، قَالَ: وَقَدْ سَلَكَ سِيبَوَيْهِ هذه الطريق في المصادر كَثِيرًا فَقَالَ: قَالُوا كَذَا كَمَا قَالُوا كَذَا، وأَحدُهما ضدُّ الآخرَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ*
؛ تأْويله أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ عَنْهُم أَفْعالَهم وَرَضُوا عَنْهُ مَا جَازَاهُمْ بِهِ. وأَرْضاهُ: أَعْطاهُ مَا يَرْضى بِهِ. وتَرَضَّاهُ طَلَب رِضاه؛ قَالَ:
إِذَا العَجوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ، ... وَلَا تَرَضَّاها وَلَا تَمَلَّقِ
أَثبت الأَلف مِنْ تَرَضَّاها فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ تَشْبِيهًا بِالْيَاءِ فِي قَوْلِهِ:
أَلَمْ يَأْتيكَ، والأَنْباءُ تَنْمي، ... بِمَا لاقَتْ لَبونُ بَني زِيادِ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لَئلَّا يَقُولَ تَرَضَّها فيلْحَقَ الجُزْءَ خَبْنٌ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَواه عَلَى الْوَجْهِ الأَعْرَف: وَلَا تَرَضَّها وَلَا تَمَلَّقِ، عَلَى احْتِمَالِ الخَبْن. والرَّضِيُّ: المَرْضِيُّ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّضِيُّ المُطيعُ والرَّضِيُّ الضّامِنُ. ورَضِيتُ الشيءَ وارْتَضَيْتُه، فَهُوَ مَرْضِيٌّ، وَقَدْ قالوا مَرْضُوٌّ، فجاؤوا بِهِ عَلَى الأَصْل. ابْنُ سِيدَهْ: ورَضِيَهُ لِذَلِكَ الأَمْر، فَهُوَ مَرْضُوٌّ ومَرْضِيٌّ. وارْتَضَاه: رَآهُ لَهُ أَهْلًا. ورجلٌ رِضىً مِنْ قَوْمٍ رِضىً: قُنْعانٌ مَرْضِيٌّ، وصَفوا بالمَصْدر؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
هُمُ بَيْنَنا فَهُمْ رِضىً وهُمُ عَدْلُ
وصَفَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي فِي مَعْنى مَفْعول كَمَا وُصِفَ بالمَصْدر الَّذِي فِي مَعْنى فاعِلٍ فِي عَدْلٍ وخَصْمٍ. الصِّحَاحُ: الرِّضْوَانُ الرِّضا، وَكَذَلِكَ الرُّضْوانُ، بِالضَّمِّ، والمَرْضَاةُ مثلهُ. غَيره: المَرْضَاةُ والرِّضْوَان مَصْدَرَانِ، والقُرّاء كلهم قَرَؤُوا الرِّضْوَانَ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، إلَّا مَا رُوِي عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ رُضْوَان وَيُقَالُ: هُوَ مَرْضِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَرْضُوٌّ لأَن الرِّضَا فِي الأَصل مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ، وَقِيلَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
أَي مَرْضِيَّة أَي ذَاتِ رِضًى كَقَوْلِهِمْ هَمٌّ ناصِبٌ. وَيُقَالُ: رُضِيَتْ مَعيشَتهُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، وَلَا يُقَالُ رَضِيَتْ. وَيُقَالُ: رَضِيتُ بِهِ صاحِباً، وَرُبَّمَا قَالُوا رَضِيتُ علَيْه فِي معنَى رَضِيتُ بِهِ وَعَنْهُ. وأَرْضَيْتُه عَنِّي ورَضَّيْته، بِالتَّشْدِيدِ أَيضاً، فَرَضِيَ. وتَرَضَّيته أَي أَرْضَيْته بَعْدَ جَهْدٍ. واسْتَرْضَيْتُه فأَرْضَانِي. ورَاضَانِي مُرَاضَاةً ورِضَاءً فَرَضَوْتُه أَرْضُوهُ، بِالضَّمِّ، إِذَا غَلَبْتَه فِيهِ لأَنه مِنَ الْوَاوِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: فرَضَوْتُه كُنْتُ أَشدَّ رِضاً مِنْهُ، وَلَا يُمَدُّ الرِّضَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالُوا رَضِيتُ عَنْهُ رِضاً، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَاوِ، كَمَا قَالُوا شَبِعَ شِبَعاً، وَقَالُوا رَضِيَ لِمكان الْكَسْرِ وحَقُّه رَضُوَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِذَا جَعَلْتَ الرِّضَى بِمَعْنَى المُراضاةِ فَهُوَ مَمْدُودٌ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ مصدَرَ رَضِي يَرْضَى رِضىً فَهُوَ مَقْصُورٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا عيشَة رَاضِيَة عَلَى النَّسب أَي ذَاتُ رِضاً. ورَضْوَى: جَبَل بالمَدينة، والنِّسْبة إِلَيْهِ رَضَوِي قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ورَضْوَى اسْمُ جَبَلٍ بِعَيْنِهِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ المرأَةُ، قَالَ: وَلَا أَحمله عَلَى بَابِ تَقْوَى لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ر ض ي فَيَكُونُ هَذَا مَحْمُولًا عَلَيْهِ.

(14/324)


التَّهْذِيبِ: ورَضْوَى اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الأَخطل:
عفَا واسِطٌ مِنْ آلِ رَضْوَى فَنَبْتَلُ، ... فَمُجْتَمَعُ المَجْرَيْنِ، فالصَّبْرُ أَجْمَلُ
وَمِنْ أَسماء النِّسَاءِ رُضَيَّا بِوَزْنِ الثُّرَيّا، وَتَكْبِيرُهُمَا رَضْوَى وثَرْوى. ورَضْوَى: فَرَس سَعْدِ بْنِ شُجَاعٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
رطا: الأَرْطَى: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الرَّمْل، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنْ وجْهٍ وفَعْلى مِنْ وجْه لأَنهم يَقُولُونَ أَديمٌ مأْروط إِذَا دُبِغَ بوَرَقِه، وَيَقُولُونَ أَديمٌ مَرْطِيٌّ، وَالْوَاحِدَةُ أَرْطاة ولُحوقُ تَاءِ التأْنيثِ فِيهِ يدلُّ عَلَى أَن الأَلف فِيهِ لَيْسَتْ للتأْنيث وَإِنَّمَا هِيَ للإِلحاق، أَو بُنِيَ الاسمُ عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ذِئْبًا:
لمَّا رأَى أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ، ... مالَ إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فاضْطَجَعْ
وأَرْطَتِ الأَرض: أَنْبَتَتِ الأَرْطى. والرَّوَاطِي: رِمالٌ تُنْبِتُ الأَرْطى؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَبْيَض مُنْهالًا منَ الرَّوَاطِي
وَرُوِيَ: مُنْهَلًّا مِن الرَّواطي، وفُسِّرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقِيلَ: الرَّوَاطِي كُثْبانٌ حُمْر، والأَوَّلُ أَصحُّ. وأَديم مَرْطِيٌّ: مَدْبُوغٌ بالأَرْطى. والرَّاطِيَة والرَّوَاطِي: مَوْضِعٌ مِنْ شِقِّ بَنِي سَعْدٍ، قِيلَ: بَنِي سَعْد الْبَحْرَيْنِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
فِي دفِّ يَبْنِينَ مِن الرَّوَاطِي
الْجَوْهَرِيُّ: ورَاطِيَةُ اسمُ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ أُرَاطٌ؛ وَهُوَ فِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ كُلْثوم:
ونحنُ الحابِسونَ بذِي أُراطٍ، ... تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرينا «1»
. ورَطاها رَطْواً: نكَحَها، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ. والرَّوَاطِي: مواضع معروفة.
رعي: الرَّعْيُ: مَصْدَرُ رَعَى الكَلأَ ونحوَه يَرْعَى رَعْياً. والرَّاعِي يَرْعى الماشيةَ أَي يَحوطُها ويحفظُها. والماشيةُ تَرْعَى أَي تَرْتَفِعُ وتأْكل. ورَاعِي الماشيةِ: حافظُها، صفةٌ غَالِبَةٌ غلَبةَ الِاسْمِ، وَالْجَمْعُ رُعَاةٌ مِثْلُ قاضٍ وقُضاةٍ، ورِعَاءٌ مِثْلُ جائعٍ وجِياعٍ، ورُعْيانٌ مِثْلُ شَابٍّ وشُبَّانٍ، كسَّروه تَكْسِيرَ الأَسماء كَحاجِرٍ وحُجْرانٍ لأَنها صِفَةٌ غَالِبَةٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ عَلَى فَاعِلٍ يَعْتَوِرُ عَلَيْهِ فُعَلَة وفِعالٌ إِلَّا هَذَا، وَقَوْلُهُمْ آسٍ وأُساةٌ وإساءٌ. وَفِي حَدِيثِ الإِيمان:
حَتَّى تَرى رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُون فِي البُنْيان.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: كأَنه رَاعِي غَنَمٍ
أَي فِي الجَفَاء والبَذاذةِ. وَفِي حَدِيثِ
دُرَيْدٍ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: إِنَّمَا هُوَ رَاعِي ضأْنٍ مَا لَه وللحربِ
، كأَنه يَسْتَجْهله ويُقَصِّر بِهِ عَنْ رُتْبةِ مَنْ يَقُودُ الجُيوشَ ويَسُوسُها؛ وأَما قَوْلُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ العَدَوِيِّ فِي صِفَةِ نَخْلٍ:
تَبِيتُ رُعَاها لَا تَخافُ نِزاعَها، ... وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بالقُيودِ وبالأُبض
فَإِنَّ أَبا حَنِيفَةَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رُعىً جمعُ رُعاةٍ، لأَن رُعاةً وَإِنْ كان جمعاً فإن لَفْظُهُ لَفْظُ الْوَاحِدِ، فَصَارَ كَمُهاةٍ ومُهىً، إِلَّا أَن مُهاةً وَاحِدٌ وَهُوَ ماءُ الْفَحْلِ فِي رَحِم النَّاقَةِ، ورُعَاة جَمْعٌ؛ وأَما قَوْلُ أُحَيْحَة:
وتُصْبِحُ حيثُ يَبِيتُ الرِّعَاء، ... وإنْ ضَيَّعوها وإنْ أَهْمَلُوا
إِنَّمَا عَنَى بالرِّعَاء هُنَا حَفَظَة النَّخْل لأَنه إِنَّمَا هُوَ فِي صِفَةِ النَّخِيل؛ يَقُولُ: تُصْبح النخلُ فِي أَماكنها لَا تَنْتَشِر كَمَا تَنْتَشِرُ الإِبل المُهْمَلة. والرَّعِيَّة: الماشيةُ الراعيةُ أَو المَرْعِيَّة؛ قال:
__________
(1) . رواية المعلقة: بذي أُراطى

(14/325)


ثُمَّ مُطِرْنَا مَطْرَةً رَوِيَّهْ، ... فنَبَتَ البَقْلُ وَلَا رَعِيَّهْ
وَفِي التَّنْزِيلِ: حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ
؛ جَمْعُ الرَّاعِي. قَالَ الأَزهري: وأَكثر مَا يُقَالُ رُعَاةٌ للوُلاةِ، والرُّعْيَانُ لراعِي الغَنَمِ. وَيُقَالُ للنَّعَم: هِيَ تَرْعَى وتَرْتَعِي. وقرأَ بَعْضُ القُرَّاء:
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً نَرْتَعِي
«2» . ونَلْعَبْ؛ وَهُوَ نَفْتَعِلُ مِنَ الرَّعْيِ، وَقِيلَ: مَعْنَى نَرْتَعِي أَي يَرْعَى بعضُنا بَعْضًا. وَفُلَانٌ يَرْعَى عَلَى أَبِيه أَي يَرْعَى غَنَمَه. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إنَّه لَتِرْعِيَّةُ مالٍ «3» . إِذَا كَانَ يَصْلُح المالُ عَلَى يَدِهِ ويُجِيدُ رِعْيةَ الإِبِل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رجلٌ تَرْعِيَّةٌ [تِرْعِيَّةٌ] وتِرْعِيٌّ، بِغَيْرِ هَاءٍ، نادرٌ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
ولَسْت بِتِرْعِيّ طَوِيلٍ عَشَاؤُه، ... يُؤَنِّفُها مُسْتَأَنَفَ النَّبْتِ مُبْهِل
وَكَذَلِكَ تَرْعِيَّة وتُرْعِيَّة، مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ، وتِرْعَايَة وتُرْعَايَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى صِناعتُه وصِنَاعة آبائِهِ الرِّعَايَة، وَهُوَ مِثَالٌ لَمْ يَذْكُرْهُ سِيبَوَيْهِ. والتِّرْعِيَّة: الحَسَن الالْتِماسِ والارْتِيادِ لِلْكَلإِ لِلْمَاشِيَةِ؛ وأَنشد الأَزهري لِلْفِرَاءِ:
ودَار حِفاظٍ قَدْ نَزَلْنَا، وغَيرُها ... أَحبُّ إِلَى التِّرْعِيَّةِ الشَّنَآنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ حَكِيمِ بْنِ مُعَيَّة:
يَتْبَعُها تِرْعِيَّةٌ فِيهِ خَضَعْ، ... في كَفِّه زَيْعٌ، وَفِي الرُّسْغِ فَدَعْ
والرِّعَايَةُ: حِرْفةُ الرَّاعِي، والمَسُوسُ مَرْعِيٌّ؛ قَالَ أَبو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَت:
لَيس قَطاً مثلَ قُطَيّ، وَلَا المَرْعِيُّ، ... فِي الأَقْوامِ، كالرَّاعِي
وَرَعتِ الماشِيةُ تَرْعَى رَعْياً ورِعَايَةً وارْتَعَتْ وتَرَعَّتْ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وَمَا أُمُّ خِشْفٍ تَرَعَّى بِهِ ... أَراكاً عَمِيماً ودَوْحاً ظَلِيلا
ورَعَاها وأَرْعَاها، يُقَالُ: أَرْعَى اللهُ المَواشِيَ إِذَا أَنْبَتَ لَهَا مَا تَرْعاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ
؛ وَقَالَ الشاعر:
كأَنَّها ظَبْيةٌ تَعْطُو إِلَى فَنَنٍ، ... تأْكُلُ مِنْ طَيِّبٍ، واللهُ يُرْعِيها
أَي يُنْبِتُ لَهَا مَا تَرْعَى، والاسمُ الرِّعْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ. وأَرْعَاهُ المكانَ: جعلَهَ لَهُ مَرْعىً؛ قَالَ القُطامي:
فَمَنْ يَكُ أَرْعاهُ الحِمَى أَخَواتُه، ... فَما ليَ مِنْ أُخْتٍ عَوانٍ وَلَا بِكْرِ
وإبِلٌ رَاعِيةٌ، وَالْجَمْعُ الرَّوَاعِي. ورَعَى البعِيرُ الكلأَ بنَفْسِه رَعْياً، وارْتَعَى مثلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَيْهِ:
كالظَّبْيةِ البِكْرِ الفَرِيدةِ تَرْتَعِي، ... فِي أَرْضِها، وفَراتِها وعِهادَها
خَضَبَتْ لَهَا عُقَدُ البِراقِ جَبِينَها، ... مِنْ عَرْكِها عَلَجانَها وعَرادَها
والرِّعْي، بِكَسْرِ الرَّاءِ: الكَلأُ نَفْسُه، وَالْجَمْعُ أَرْعَاءٌ. والمَرْعَى: كالرَّعْيِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى
. وَفِي الْمَثَلِ: مَرْعىً وَلَا كالسَّعْدانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُ أَبي العِيالِ:
__________
(2) . قوله [نرتعي] كذا بالأَصل والتهذيب بإثبات الياء بعد العين وهي قراءة قنبل وقفاً ووصلًا كما في الخطيب المفسر
(3) . قوله [إنه لترْعِيَّة مال] حاصل لغاتها إنها مثلثة الأَول مع تشديد الياء المثناة التحتية وتخفيفها كما في القاموس

(14/326)


أَفُطَيْم، هَلْ تَدْرِينَ كَمْ مِنْ مَتْلَفٍ ... جاوَزْتُ، لَا مَرْعىً وَلَا مَسْكُونِ؟
عِنْدِي أَن المَرْعَى هَاهُنَا فِي مَوْضِعِ المَرْعِيِّ لِمُقَابَلَتِهِ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مَسْكون. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ المَرْعَى الرِّعْيَ أَي ذُو رِعْيٍ. قَالَ الأَزهري: أَفادني المُنْذِرِيُّ يُقَالُ لَا تَقْتَنِ فَتاةً وَلَا مَرْعاة فإنَّ لكُلٍّ بُغاةً؛ يَقُولُ: المَرْعَى حَيْثُ كَانَ يُطْلَبُ، والفَتاةُ حَيْثُمَا كَانَتْ تُخْطَبُ، لكلِّ فتاةٍ خاطِب، ولكلِّ مَرْعىً طَالِبٌ؛ قَالَ: وأَنشدني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
ولَنْ تُعايِنَ مَرْعىً ناضِراً أُنُفاً، ... إلَّا وجَدْتَ بِهِ آثارَ مأْكُولِ
وأَرْعَتِ الأَرضُ: كثُر رِعْيُها. والرَّعايا والرَّعاوِيَّةُ: الْمَاشِيَةُ المَرْعِيَّة تَكُونُ لِلسُّوقَةِ وَالسُّلْطَانِ، والأَرْعاوِيَّةُ لِلسُّلْطَانِ خَاصَّةً، وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا وُسومُه ورُسومُه. والرَّعاوَى والرُّعاوَى، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا: الإِبل الَّتِي تَرْعَى حَوالَى القومِ وديارِهم لأَنها الإِبل الَّتِي يُعْتَمَلُ عَلَيْهَا؛ قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ تُعاتب زوجَها:
تَمَشَّشْتَني، حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْتَنِي ... كنِضْوِ الرَّعاوَى، قلتَ: إنِّي ذَاهِبُ
قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع الرَّعاوَى بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا هَاهُنَا. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأُرْعُوَّة بِلُغَةِ أَزْدِ شَنُوأَة نِيرُ الفَدَّان يُحْتَرَثُ بِهَا. والراعِي: الواليِ. والرَّعِيَّة: العامَّة. ورَعَى الأَمِيرُ رَعِيَّته رِعايةً، ورَعَيْتُ الإِبلَ أَرْعاها رَعْياً ورَعاه يَرْعاه رَعْياً ورِعايَةً: حَفِظَه. وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمرَ قومٍ فَهُوَ راعِيهم وهُم رَعِيَّته، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدِ اسْتَرْعَاهُ إيَّاهم: اسْتَحْفَظه، واسْتَرْعَيْته الشيءَ فرَعَاه. وَفِي الْمَثَلِ: مَن اسْتَرْعَى الذئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ أَي مَنِ ائتَمَنَ خَائِنًا فَقَدْ وَضَعَ الأَمانة فِي غيرِ موْضِعِها. ورَعَى النُّجُوم رَعْياً ورَاعَاها: راقَبَها وانْتَظَر مَغِيبَها؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
أَرْعَى النُّجوم وَمَا كُلِّفْت رِعْيَتَها، ... وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمارِي
ورَاعَى أَمرهَ: حَفِظَه وتَرَقَّبَه. والمُراعاة: المُناظَرة والمُراقَبَة. يُقَالُ: راعَيْتُ فُلَانًا مُرَاعَاةً ورِعَاءً إِذَا راقَبْتَه وتأَمَّلْت فِعْلَه. ورَاعَيْتُ الأَمرَ: نَظَرْت إلامَ يَصِيرُ. ورَاعَيْته: لاحَظته. ورَاعَيْته: مِنْ مُراعاةِ الحُقوق. وَيُقَالُ: رَعَيْتُ عَلَيْهِ حُرْمَتَه رِعَايَةً. وفلانُ [يُرَاعِي] أَمرَ فُلانٍ أَي يَنْظُرُ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمره. وأَرْعَى عَلَيْهِ: أَبْقى؛ قَالَ أَبو دَهْبَل: أَنشده أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
إِنْ كَانَ هَذَا السِّحْرُ منكِ، فَلَا ... تُرْعِي عَليَّ وجَدِّدِي سِحْرا
والإِرْعَاءُ: الإِبْقاء عَلَى أَخيكَ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَع:
بَغى بعضُهُمُ بَعْضاً، ... فَلَمْ يُرْعُوا عَلَى بَعْضِ
والرُّعْوَى: اسْمٌ مِنَ الإِرْعَاء وَهُوَ الإِبْقاءُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ قَيْسٍ:
إِنْ تَكُنْ للإِله فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ... رُعْوَى، يعُدْ إِلَيْكَ النَّعيمُ
وأَرْعِنِي سَمْعَكَ ورَاعِنِي سمعكَ أَي اسْتَمِعْ إِلَيَّ. وأَرْعَى إِلَيْهِ: اسْتَمَع. وأَرْعَيْت فُلاناً سَمْعي إِذَا اسْتَمَعْت إِلَى مَا يقولُ وأَصْغَيْت إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُرْعِي إِلَى قَوْلِ أَحدٍ أَي لَا يلتفِتُ إِلَى أَحد. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِنَ الإِرْعاءِ والمُرَاعَاةِ،

(14/327)


وَقَالَ الأَخفش: هُوَ فاعِلْنا مِنَ المُراعاة عَلَى مَعْنَى أَرْعِنا سَمْعَك وَلَكِنَّ الْيَاءَ ذَهَبَتْ للأَمْر،
وَقُرِئَ رَاعِناً
، بِالتَّنْوِينِ عَلَى إعْمال القولِ فِيهِ كأَنه قَالَ لَا تَقُولُوا حُمْقاً وَلَا تَقُولُوا هُجْراً، وَهُوَ مِنَ الرُّعونَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقوال، قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَرْعِنا سَمْعَك، وَقِيلَ: أَرْعِنَا سَمْعَك حَتَّى نُفْهِمَك وتَفْهَمَ عَنَّا، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهل الْمَدِينَةِ، ويُصَدِّقُها
قِرَاءَةُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: لَا تَقُولُوا رَاعَوْنَا
، وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَرْعِنا سَمْعك ورَاعِنَا سَمْعَك، وَقَدْ مَرَّ مَعْنَى مَا أَراد القومُ يقول رَاعِنا فِي تَرْجَمة رَعَنَ، وَقِيلَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: راعِنا، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَسابُّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بَيْنَهَا، وكانوا يسُبُّون النبي، عليه السلام، فِي نُفوسِهِم فَلَمَّا سَمِعوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ اغْتَنَمُوا أَن يُظْهِرُوا سَبَّهُ بِلَفْظٍ يُسمع وَلَا يَلْحَقُهُمْ فِي ظَاهِرِهِ شَيْءٌ؛ فأَظهر اللَّهُ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ ونَهَى عَنِ الْكَلِمَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: رَاعِنَا مِنَ المُرَاعَاة والمُكافأَةِ، وأُمِرُوا أَن يخاطِبوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالتعزير والتَّوْقير، أَي لَا تَقُولُوا رَاعِنا أَي كافِئْنا فِي المَقال كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَفِي
مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَاعُونا.
ورَعى عَهْدَه وحَقَّه: حَفِظَه، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الرَّعْيا والرَّعْوَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى ثَعْلَبًا حَكَى الرُّعوى، بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْوَاوِ، وَهُوَ مِمَّا قُلِبَتْ يَاؤُهُ وَاوًا لِلتَّصْرِيفِ وَتَعْوِيضِ الْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا وَلِلْفَرْقِ أَيضاً بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَهُ كالَبقْوى والفَتْوى والتَّقْوى والشَّرْوى والثَّنْوى، والبَقْوى والبَقْيا اسْمَانِ يُوضَعَانِ مَوْضِعَ الإِبْقاء. والرَّعْوى والرَّعْيا: مِنْ رِعايةِ الحِفاظِ. وَيُقَالُ: ارْعَوَى فُلَانٌ عَنِ الْجَهْلِ يَرْعَوِي ارْعِوَاءً حَسَناً ورَعْوى حَسَنةً، وَهُوَ نُزُوعُه وحُسْنُ رُجوعهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرَّعْوَى والرَّعْيا النُّزُوعُ عَنِ الْجَهْلِ وحسنُ الرجوعِ عَنْهُ. وارْعَوَى يَرْعَوِي أَي كفَّ عَنِ الأُمور. وَفِي الْحَدِيثِ:
شَرُّ الناسِ رجلٌ يقرأُ كتابَ اللهِ لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيءٍ مِنْهُ
أَي لَا ينكفُّ وَلَا يَنْزَجِرُ، مِنْ رَعَا يَرْعُو إِذَا كفَّ عَنِ الأُمور. وَيُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الرَّعْوَة والرِّعْوة والرُّعْوَة والرُّعْوَى والارْعِوَاء، وَقَدِ ارْعَوى عَنِ الْقَبِيحِ، وَتَقْدِيرُهُ افْعَوَلَ وَوَزْنُهُ افْعَلَل، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْغَمْ لِسُكُونِ الْيَاءِ، وَالِاسْمُ الرُّعْيا، بِالضَّمِّ، والرَّعْوى بِالْفَتْحِ مِثْلُ البُقْيا والبَقْوى. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فسُئِلْت عَنْهَا فأَخْبِرْ بِهَا وَلَا تقُلْ حَتَّى آتِيَ الأَمير لَعَلَّهُ يَرْجِعُ أَو يَرْعَوِي.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الارْعِوَاءُ النَّدَم عَلَى الشَّيْءِ وَالِانْصِرَافُ عَنْهُ والتركُ لَهُ؛ وأَنشد:
إِذَا قُلْتُ عَنْ طُول التَّنائي: قَدِ ارْعَوَى، ... أَبى حُبُّها إِلَّا بَقاءً عَلَى هَجْرِ
قَالَ الأَزهري: ارْعَوَى جَاءَ نَادِرًا، قَالَ: وَلَا أَعلم فِي الْمُعْتَلَّاتِ مِثْلَهُ كأَنهم بَنَوْهُ عَلَى الرَّعْوى وَهُوَ الإِبْقاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إلَّا إرْعَاءً عَلَيْهِ
أَي إبْقاءً ورِفْقاً. يُقَالُ: أَرْعَيْتُ عَلَيْهِ، مِنَ المُرَاعَاةِ والمُلاحظةِ. قَالَ الأَزهري: وللرَّعْوَى ثلاثةُ مَعانٍ: أَحدها الرَّعْوى اسمٌ مِنَ الإِبْقاء، والرَّعْوَى رِعاية الحِفاظِ لِلْعَهْدِ، والرَّعْوى حسنُ المُراجَعةِ والنُّزوع عَنِ الجَهْلِ. وَقَالَ شَمِرٌ: تَكُونُ المُرَاعَاة مِنَ الرَّعْيِ مَعَ آخَرَ، يُقَالُ: هَذِهِ إبِلٌ تُرَاعِي الوَحْشَ أَي تَرْعى مَعَهَا. وَيُقَالُ: الحِمارُ يُراعِي الحُمُر أَي يَرْعى مَعَهَا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيب:

(14/328)


مِنْ وَحشِ حَوضَى يُرَاعِي الصَّيْدَ مُنْتَبِذاً، ... كأَنَّه كوْكَبٌ فِي الجَوِّ مُنْجَرِدُ
والمُرَاعَاةُ: المحافَظة والإِبْقاءُ عَلَى الشيءِ. والإِرْعَاء: الإِبْقاء. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ أَمْرُ كَذَا أَرْفَقُ بِي وأَرْعَى عليَّ. وَيُقَالُ: أَرْعَيْت عَلَيْهِ إِذَا أَبْقَيْت عَلَيْهِ ورحِمْتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
نِساءُ قُرَيْشٍ خيرُ نِساءٍ أَحْناهُ عَلَى طِفْلٍ فِي صِغَرِه وأَرْعَاهُ عَلَى زوجٍ فِي ذاتِ يدهِ
؛ هُوَ مِنَ المُراعاةِ الحِفْظِ والرِّفْقِ وتَخْفِيفِ الكُلَفِ والأَثْقالِ عَنْهُ، وذاتُ يدهِ كِنايةٌ عَمَّا يَمْلِكُ مِنْ مالٍ وغيرهِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُعْطى مِنَ الغَنائِمِ شيءٌ حَتَّى تُقْسَم إِلَّا لِرَاعٍ أَو دليلٍ
؛ الرَّاعِي هُنَا: عَيْنُ الْقَوْمِ عَلَى العدوِّ، مِنَ الرِّعايَةِ الحِفْظِ. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمَانَ بْنِ عادٍ: إِذَا رَعَى القومُ غَفَلَ
؛ يُرِيدُ إِذَا تَحافَظَ القومُ لشيءٍ يخافُونَه غَفَلَ وَلَمْ يَرْعَهُم. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُم مسؤول عَنْ رعيَّتهِ
أَي حافِظٌ مؤْتَمَنٌ. والرَّعِيَّةُ: كُلُّ مَنْ شَمِلَه حِفْظُ الرَّاعِي ونَظَرهُ. وَقَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ورِّعِ اللِّصَّ وَلَا تُرَاعِهْ
، فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ كُفَّه أَنْ يأْخُذَ مَتاعَك وَلَا تُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَيُرْوَى
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنه قَالَ: مَا كَانُوا يُمْسِكون عن اللِّصِّ إذا دَخَلَ دارَ أَحدِهم تأَثُّماً.
والرَّاعِيَةُ: مُقَدِّمَةُ الشَّيْبِ. يُقَالُ: رأَى فلانٌ رَاعِيَةَ الشَّيْبِ، ورَوَاعِي الشَّيْبِ أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ. والرِّعْيُ: أَرْضٌ فِيهَا حِجَارَةٌ ناتِئَةٌ تَمْنَعُ اللُّؤْمَة أَن تَجْري. ورَاعِيَة الأَرضِ: ضَرْبٌ مِنَ الجَنادِب. والرَّاعِي: لَقَبُ عُبْيدِ اللَّهِ بْنِ الحُصَيْن النُّمَيْري الشَّاعِرِ.
رغا: الرُّغاءُ: صَوتُ ذواتِ الخُفِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يأْتي أَحدُكُم يومَ القيامةِ ببعيرٍ لَهُ رُغاءٌ
؛ الرُّغَاءُ: صوتُ الإِبلِ. رَغَا البعيرُ وَالنَّاقَةُ تَرْغُو رُغَاءً: صوَّتت فضَجَّت، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ للضِّباع والنَّعام. وَنَاقَةٌ رَغُوٌّ، عَلَى فَعَوْلٍ، أَي كَثِيرَةُ الرُّغاءِ. وَفِي حَدِيثِ
المُغيرة: مَلِيلَة الإِرْغاءِ
أَي مَمْلولة الصوتِ، يَصِفُها بكَثْرة الْكَلَامِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ حَتَّى تُضْجِرَ السَّامِعِينَ، شبَّه صوتَها بالرُّغاء أَو أَراد إزْباد شِدْقيْها لِكَثْرَةِ كَلَامِهَا، مِنَ الرَّغوة الزُّبْدِ. وَفِي الْمَثَلِ: كَفى بِرُغَائِها مُنادياً أَي أَن رُغاءَ بعيرهِ يقومُ مَقامَ نِدائهِ فِي التَّعَرُّض للضِّيافة والقِرى. وسَمِعْتُ رَاغِيَ الإِبل أَي أَصواتَها. وأَرْغَى فلانٌ بعيرَه: وَذَلِكَ إِذَا حَمَلَهُ عَلَى أَن يَرْغُوَ لَيْلًا فيُضافَ. وأَرْغَيْتُه أَنا: حملتُه عَلَى الرُّغَاء؛ قَالَ سَبْرة بنُ عَمْرو الفَقْعَسي:
أَتَبْغي آلُ شَدَّادٍ عَلَيْنَا، ... وَمَا يُرْغى لِشَدَّادٍ فَصيلُ
يَقُولُ: هُمْ أَشِحَّاء لَا يُفَرِّقون بَيْنَ الْفَصِيلِ وأُمّه بِنَحْرٍ وَلَا هِبَةٍ، وَقَدْ يُرْغِي صاحبُ الإِبل إبلَه ليَسْمَعَ ابْنُ السَّبِيلِ بِاللَّيْلِ رُغاءَها فيَميلَ إليها؛ قال ابْنُ فَسْوة يَصِفُ إِبِلًا:
طِوال الذُّرى مَا يَلْعَنُ الضَّيْفُ أَهْلَها، ... إِذَا هُوَ أَرْغَى وسْطَها بَعْد ما يَسْري
أَي يُرْغي ناقَتَه فِي ناحِية هَذِهِ الإِبل. وَفِي حَدِيثِ الإِفك:
وَقَدْ أَرْغَى الناسُ للرَّحيل
أَي حَمَلُوا رواحِلَهُم عَلَى الرُّغاءِ، وَهَذَا دأْبُ الإِبل عِنْدَ رَفْعِ الأَحْمالِ عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي رَجاءٍ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَّقِياً حَتَّى يَكُونَ أَذلَّ مِنْ قَعُودٍ كلُّ مَنْ أَتى إِلَيْهِ أَرْغاه
أَيْ قَهَره وأَذلَّه لأَن البعير لا يَرْغُو إِلَّا عَنْ ذُلّ واسْتِكانة، وَإِنَّمَا خصَّ القَعودَ لأَن الفَتِيَّ مِنَ

(14/329)


الإِبل يَكُونُ كَثِيرَ الرُّغاءِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فسَمِعَ الرَّغْوَةَ خلْفَ ظَهْرهِ فَقَالَ هَذِهِ رَغْوة نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الجَدْعَاءِ
؛ الرَّغْوَةُ، بِالْفَتْحِ: المَرَّة مِنَ الرُّغَاءِ، وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ كالغَرْفةِ والغُرْفة. وتَراغَوْا إِذَا رَغا واحدٌ هاهُنا وَوَاحِدٌ هَاهُنَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّهُمْ وَاللَّهِ تَرَاغَوْا عَلَيْهِ فقتلُوه
أَي تَصايَحُوا وتَداعَوْا عَلَى قتلهِ. وَمَا لَهُ ثاغِيَة وَلَا راغِيَة أَي مَا لَهُ شَاةٌ وَلَا ناقةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ثَغا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَتيته فَمَا أَثْغى وَلَا أَرْغَى أَي لَمْ يُعْطِ شَاةً وَلَا نَاقَةً كَمَا يُقَالُ ما أَخْشى وَلَا أَجلَّ. والرَّغْوَة: الصَّخْرَةُ. وَيُقَالُ: رَغَّاهُ إِذَا أَغضبه، وغَرَّاه إِذَا أَجبره. ورَغَا الصبيُّ رُغَاءً: وَهُوَ أَشدُّ مَا يَكُونُ مِنَ بُكَائِهِ. ورَغا الضَّبُّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كَذَلِكَ. ورَغْوَة اللَّبَنِ ورُغْوَته ورِغْوَته ورُغَاوَتُه ورِغَاوَتُه ورُغَايَته ورِغايَتُه، كُلُّ ذَلِكَ: زَبَدهُ، وَالْجَمْعُ رُغاً. وارْتَغَيْتُ: شربْتُ الرُّغْوة. والارْتِغَاء: سَحْفُ الرَّغْوة واحْتِساؤها؛ الْكِسَائِيُّ: هِيَ رَغْوة اللَّبَنِ ورُغْوَتهُ ورِغْوَته ورِغَاؤه ورِغَايتهُ، وَزَادَ غَيْرُهُ رُغَايَته، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ رُغَاوَته. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للرَّغْوَة رُغَاوى وَجَمْعُهَا رَغَاوَى. وارْتَغَى الرُّغْوَة: أَخذها وَاحْتَسَاهَا. وَفِي الْمَثَلِ: يُسِرُّ حَسْواً فِي ارْتِغَاءٍ؛ يُضرب لِمَنْ يُظهر أَمراً وَهُوَ يُرِيدُ غيرهَ؛ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِمَنْ سأَله عَنْ رجلٍ قبَّل أُمَّ امرأَته قَالَ: يُسِرُّ حسْواً فِي ارْتِغَاء وَقَدْ حرُمَت عَلَيْهِ امرأَته، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُضرَب مَثَلًا لِمَنْ يُظهر طلَب الْقَلِيلِ وَهُوَ يُسِرُّ أَخْذَ الْكَثِيرِ. وأَمْسَت إبِلُكم تُنَشِّفُ وتُرَغِّي أَي تَعْلُو أَلبانَها نُشافة ورَغْوة، وَهُمَا وَاحِدٌ. والمِرْغَاةُ: شيءٌ يُؤْخَذُ بِهِ الرَّغُوة. ورَغا اللبنُ ورَغَّى وأَرْغَى تَرْغِيَةً: صَارَتْ لَهُ رَغْوةٌ وأَزبد. وإبلٌ مَرَاغٍ: لأَلبانِها رَغْوة كَثِيرَةٌ. وأَرْغَى البائلُ: صَارَ لِبَوْلِهِ رَغْوة؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
مِنَ البِيضِ تُرْغِينا سِقاطَ حَديِثِها، ... وتَنْكُدُنا لهْوَ الْحَدِيثِ المُمَتَّعِ «4»
. فَسَّرَهُ فَقَالَ: تُرْغِينا، مِنَ الرَّغْوة، كأَنها لَا تُعْطِينا صَرِيحَ حديثِها تَنْفَحُ لَنَا برَغْوتِه وَمَا لَيْسَ بمَحْضٍ مِنْهُ؛ مَعْنَاهُ أَي تُطْعِمُنا حَدِيثًا قَلِيلًا بِمَنْزِلَةِ الرَّغْوة، وتَنْكُدنا لَا تُعْطِينا إِلَّا أَقَلَّه، قَالَ: وَلَمْ أَسمع تُرْغي مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَلَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ إلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَمِنْ ذَلِكَ قولُهم: كلامٌ مُرَغٍّ إِذَا لَمْ يُفْصِحْ عَنْ مَعْنَاهُ. ورُغْوةُ: فَرَسُ مَالِكِ بن عَبْدة.
رفا: رَفَوْتُه: سَكَّنْته مِنَ الرُّعْب؛ قَالَ أَبو خِراشٍ الْهُذْلِيُّ:
رَفَوْني وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ لَا تُرَعْ، ... فقلتُ، وأَنْكَرْت الوُجوهَ: هُمُ هُمُ
يَقُولُ: سَكَّنُوني، اعتَبرَ بِمُشَاهَدَةِ الْوُجُوهِ، وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى مَا فِي النُّفُوسِ، يُرِيدُ رَفَؤُوني فأَلقى الْهَمْزَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. ورَفَوْتُ الثوبَ أَرْفُوه رَفْواً: لُغَةٌ فِي رَفَأْتُه، يُهمز وَلَا يُهْمَزُ، وَالْهَمْزُ أَعلى. وَقَالَ فِي بَابِ تَحْوِيلِ الْهَمْزَةِ: رَفَوْتُ الثوبَ رَفْواً يُحَوِّلُ الْهَمْزَةُ وَاوًا كَمَا تَرَى. أَبو زَيْدٍ: الرِّفاءُ الموافَقة، وَهِيَ المُرافاةُ بِلَا هَمْزٍ؛ وأَنشد:
ولمَّا أَنْ رأَيتُ أَبا رُوَيْمٍ ... يُرافِيني، ويَكْرَهُ أَنْ يُلاما
والرِّفاءُ: الالتِحامُ والاتِّفاقُ. وَيُقَالُ: رَفَّيْتُه
__________
(4) . قوله [الممتع] كذا بالأَصل بمثناة فوقية بعد الميم كالمحكم، والذي في التهذيب والأَساس: الممنع، بالنون: وفسره فقال: أي تستخرج منا الحديث الذي نمنعه إلا منها

(14/330)


تَرْفِيةً إِذَا قُلْتَ لِلْمُتَزَوِّجِ بالرِّفاءِ والبَنين؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَإِنْ شئتَ كَانَ مَعْنَاهُ بِالسُّكُونِ والطمأْنينة، مِنْ قَوْلِهِمْ رَفَوْت الرجلَ إِذَا سَكَّنته. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى أَن يُقَالَ بالرِّفاءِ والبَنِين
، قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَهْمُوزِ؛ قَالَ: وَكَانَ إِذَا رَفَّى رَجُلًا أَي إِذَا أَحبَّ أَن يَدْعُوَ لَهُ بالرِّفاء، فترَك الْهَمْزَ وَلَمْ يَكُنِ الهمزُ مِنْ لُغَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكثر هَذَا الْقَوْلِ. الْفَرَّاءُ: أَرْفَأْتُ إِلَيْهِ وأَرْفَيْتُ إِلَيْهِ لُغَتَانِ بِمَعْنَى جَنَحْت إِلَيْهِ. اللَّيْثُ: أَرْفَت السَّفينة قَرُبَتْ إِلَى الشَّطّ. أَبو الدُّقيش: أَرْفَت السفينةُ وأَرْفَيْتُها أَنا، بِغَيْرِ هَمْزٍ. والرُّفَةُ، بِالتَّخْفِيفِ: التِّبْنُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَغْنَتِ التُّفَةُ عَلَى الرُّفَةِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِمَا لُغَةٌ، وَقِيلَ: الرُّفَة التِّبْن، يَمَانِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الثُّنَائِي. والرُّفَةُ: دُوَيْبَّة تَصِيدُ تسمَّى عَناقَ الأَرض. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَى لامِها بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ وَاوًا بِدَلِيلِ الضَّمَّةِ. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ الرُّفَة عَناقُ الأَرض تَصِيدُ كَمَا يَصيدُ الفَهْد. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: غَلِط اللَّيْثُ فِي الرُّفَةِ فِي لَفْظِهِ وَتَفْسِيرِهِ، قَالَ: وأَحسبه رأَى فِي بَعْضِ الصُّحُفِ أَنا أَغنى عنك من التُّفَةِ عَنِ الرُّفَةِ، فَلَمْ يَضْبُطْهُ وغيَّرَه فأَفسده، فأَما عَناقُ الأَرض فَهُوَ التُّفَة مُخَفَّفَةً، بِالتَّاءِ وَالْفَاءِ وَالْهَاءِ، وَيُكْتَبُ بِالْهَاءِ فِي الإِدْراج كَهَاءِ الرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَمَّا الرَّفْتُ فَهُوَ بِالتَّاءِ فَعْلٌ مِنْ رَفَتُّه أَرْفِتُه إِذَا دَقَقْته. وَيُقَالُ للتِّبْنِ: رُفَتٌ ورَفْتٌ ورُفاتٌ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا. والأُرْفِيُّ: لبنُ الظَّبْيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اللبنُ الخالصُ المَحْضُ الطَّيِّبُ. والأُرْفِيُّ أَيضاً: الماسِخُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ أُفْعُولًا وَقَدْ يَكُونُ فُعْلِيّاً، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْوَاوِ لِوُجُودِ رَفَوْت وَعَدَمِ رَفَيْت. والأَرْفَى: الأَمرُ العظيمُ.
رقا: الرَّقْوَةُ: دِعْصٌ مِنْ رَمْلٍ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّقْوةُ والرَّقْوُ فُوَيْقَ الدِّعْصِ مِنَ الرَّمْلِ، وأَكثرُ مَا يَكُونُ إِلَى جَوَانِبِ الأَودية؛ قَالَ يَصِفُ ظَبْيَةً وخِشْفها:
لَهَا أُمُّ مُوَقَّفة وَكُوبٌ، ... بحيثُ الرَّقْوُ، مَرْتَعُها البَرِيرُ «1»
. أَراد لَهَا أُمُّ مرتَعها البَريرُ، وَكَنَّى بالكُوب عَنِ الْقَلْبِ وغيرهِ، والمُوَقَّفة: الَّتِي فِي ذِراعَيْها بياضٌ، والوَكُوبُ: الَّتِي واكَبَتْ ولدَها ولازَمَتْه؛ وَقَالَ آخَرُ:
مِن البِيضِ مِبْهاجٌ، كأَنَّ ضَجِيعَها ... يَبِيتُ إِلَى رَقْوٍ، مِنَ الرَّمْلِ، مُصْعب
ابْنُ الأَعرابي: الرَّقْوَة القُمْزَة مِنَ التُّرَابِ تَجْتَمِع عَلَى شَفِير الْوَادِي، وَجَمْعُهَا الرُّقَا. ورَقِيَ إِلَى الشيءِ رُقِيّاً ورُقُوّاً وارْتَقَى يَرْتَقِي وتَرَقَّى: صَعِد، ورَقَّى غيرهَ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ للأَعشى:
لئنْ كُنت فِي جُبّ ثَمَانِينَ قامَةً، ... ورُقِّيت أَسْبابَ السَّمَاءِ بسُلَّم
ورَقِىَ فلانٌ فِي الْجَبَلِ يَرْقَى رُقِيّاً إِذَا صَعَّدَ. وَيُقَالُ: هَذَا جبَل لَا مَرْقىً فِيهِ وَلَا مُرْتَقىً. وَيُقَالُ: مَا زَالَ فلانٌ يَتَرقَّى بِهِ الأَمرُ حَتَّى بَلَغ غايتَه. ورَقِيتُ فِي السُّلَّم رَقْياً ورُقِيّاً إِذَا صَعِدْتَ، وارتَقَيْت مثلُه؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَنتَ الَّذِي كلَّفْتَني رَقْيَ الدَّرَجْ، ... عَلَى الكَلالِ والمَشِيبِ والعَرَجْ
وَفِي التنزيل: لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ
. وَفِي حَدِيثِ
__________
(1) . قوله: وكنى بالكوب؛ هكذا في الأَصل، ولم يرد في البيت وإنما ورد وَكُوب

(14/331)


اسْتِراقِ السَّمْعِ:
ولكنَّهم يُرَقُّونَ فِيهِ
أَي يتَزَيَّدُون فِيهِ. يُقَالُ: رَقَّى فُلَانٌ عَلَى الْبَاطِلِ إِذَا تقَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ وَزَادَ فِيهِ، وَهُوَ مِنَ الرُّقِيّ الصُّعُودِ والارتفاعِ، ورَقَّى شُدِّد لِلتَّعْدِيَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرْتَفِعُونَ إِلَى الْبَاطِلِ ويدَّعون فَوْقَ مَا يَسْمَعُونَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كنتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ
أَيْ صَعَّاداً عَلَيْهَا، وفعَّال لِلْمُبَالَغَةِ. والمَرْقَاة والمِرْقَاة: الدَّرَجَةُ، وَاحِدَةٌ مِنْ مَرَاقِي الدرَج، وَنَظِيرُهُ مَسْقاةٌ ومِسْقاة، ومَثْناةٌ ومِثْناة للحَبْل، ومَبْناةٌ ومِبْناة للعَيْبة أَو النِّطَع، بالفتج وَالْكَسْرِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ كسَرَها شبَّهها بِالْآلَةِ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا، وَمَنْ فَتَح قَالَ هَذَا مَوْضِعٌ يُفْعَلُ فِيهِ، فجعَله بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَالِفًا؛ عَنْ يَعْقُوبَ. وتَرَقَّى فِي العِلْم أَي رَقِيَ فِيهِ دَرَجة دَرَجَةً. ورَقَّى عَلَيْهِ كَلَامًا تَرْقِيةً أَي رفَع. والرُّقْيَة: العُوذة، مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ رؤْبة:
فَمَا تَرَكا مِن عُوذَةٍ يَعْرِفانها، ... وَلَا رُقْيَةٍ إِلَّا بِهَا رَقَيَاني
وَالْجَمْعُ رُقىً. وَتَقُولُ: اسْتَرْقَيْتُه فرَقَانِي رُقْيَة، فَهُوَ راقٍ، وَقَدْ رَقَاه رَقْياً ورُقِيّاً. ورجلٌ رَقَّاءٌ: صاحبُ رُقىً. يُقَالُ: رَقَى الرَّاقِي رُقْيةً ورُقِيّاً إِذَا عَوَّذَ ونَفَثَ فِي عُوذَتِه، والمَرْقِيُّ يَسْتَرْقي، وَهُمُ الراقُونَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
تَناذَرَها الرَّاقُونَ مِن سُوءِ سَمِّها
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
لَقَدْ عَلِمْت، والأَجَلِّ الْبَاقِي، ... أَنْ لَنْ يَرُدَّ القَدَرَ الرَّوَاقِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كأَنه جمَع امرأَةً رَاقِيَةً أَو رجُلًا رَاقِيَةً، بِالْهَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا كنَّا نأْبُنُه برُقْيَة.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الرُّقْيَة العُوذة الَّتِي يُرْقى بِهَا صاحبُ الآفةِ كالحُمَّى والصَّرَع وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الأَحاديث جوازُها وَفِي بعضِها النَّهْيُ عَنْهَا، فمنَ الْجَوَازِ قَوْلُهُ:
اسْتَرْقُوا لهَا فإنَّ بِهَا النَّظْرَة
أَي اطْلُبوا لَهَا مَنْ يَرْقِيها، وَمِنَ النَّهْيِ عَنْهَا قَوْلُهُ:
لَا يَسْتَرْقُون وَلَا يَكْتَوُون
، والأَحاديث فِي الْقِسْمَيْنِ كَثِيرَةٌ، قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَن الرُّقَى يُكره مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبِغَيْرِ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى وصفاتهِ وَكَلَامِهِ فِي كتُبه الْمُنَزَّلَةِ، وأَن يعْتَقدَ أَن الرُّقْيا نَافِعَةٌ لَا مَحالَة فيتَّكلَ عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا أَراد بِقَوْلِهِ:
مَا توَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى
، وَلَا يُكره مِنْهَا مَا كَانَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ كَالتَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى والرُّقَى المَرْوِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِلَّذِي رَقَى بِالْقُرْآنِ وأَخَذَ عَلَيْهِ أَجْراً:
مَن أَخَذ برُقْية باطِلٍ فَقَدْ أَخَذْت برُقْية حَقّ
، وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اعْرِضُوها عليَّ فعرَضْناها فَقَالَ لَا بأْس بِهَا إِنَّمَا هِيَ مواثِيقُ
، كأَنه خَافَ أَن يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا كَانُوا يَتَلَفَّظُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ تَرْجَمَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ؛ وأَما قَوْلُهُ:
لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَو حُمَةٍ
، فَمَعْنَاهُ لَا رُقْية أَوْلَى وأَنفعُ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ
لَا فَتىً إِلَّا عليٌ
، وَقَدْ أَمَر، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصحابه بالرُّقْيةِ وسَمِعَ بِجَمَاعَةٍ يَرْقُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وأَما الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ:
الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرقُونَ وَلَا يَكْتَوُون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
، فَهَذَا مِنْ صِفَةِ الأَولياء الْمُعْرِضِينَ عَنْ أَسباب الدُّنْيَا الَّذِينَ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَلَائِقِهَا، وَتِلْكَ درجةُ الخَواصِّ لَا يَبْلُغها غيرُهم، جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى

(14/332)


مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، فأَما العوامُّ فَمُرَخَّصٌ لَهُمْ فِي التَّدَاوِي والمُعالجات، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَانْتَظَرَ الفرجَ مِنَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَاصِّ والأَولياء، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ رَخَّصَ لَهُ فِي الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ وَالدَّوَاءِ، أَلا تَرَى أَن الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ عِلْمًا مِنْهُ بِيَقِينِهِ وَصَبْرِهِ؟ وَلَمَّا أَتاه الرَّجُلُ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَقَالَ: لَا أَملك غَيْرَهُ، ضَرَبَهُ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ أَصابه عَقَره وَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ. وقولُهم: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي امْشِ واصْعد بِقَدْرِ مَا تُطِيقُ وَلَا تَحْمِلْ عَلَى نَفْسِكَ ما لا تُطِيقُهُ، وَقِيلَ: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي الْزَمْه وارْبَعْ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي أَصِلحْ أوَّلًا أمرَكَ، فَيَقُولُ قَدْ رَقِيتُ، بِكَسْرِ الْقَافِ، رُقِيّاً. ومَرْقَيَا الأَنْفِ: حَرْفاه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، كأَنه مِنْهُ ظَنٌّ، وَالْمَعْرُوفُ مَرَقَّا الأَنْفِ. أَبو عَمْرٍو: الرُّقَّى الشحْمة الْبَيْضَاءُ النَّقِيَّة تَكُونُ فِي مَرْجِعِ الكَتِف، وَعَلَيْهَا أُخْرى مثلُها يُقَالُ لَهَا المَأْتاةُ «1» . فَكَمَا يَراها الآكِلُ يأْخُذُها مُسابَقةً. قَالَ: وَفِي الْمَثَلِ يَضْرِبُه النِّحْرير للخَوْعَمِ حَسِبْتَنِي الرُّقَّى عَلَيْهَا المَأْتاة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والرُّقَيُّ مَوْضِعٌ. ورُقَيَّة: اسْمُ امرأَة. وعبدُ اللَّهِ بنُ قيسِ الرُّقَيَّات «2» . إِنَّمَا أُضيف قيسٌ إِلَيْهِنَّ لأَنه تَزَوَّجَ عدَّة نِسْوَةٍ وَافَقَ أَسماؤهن كُلِّهِنَّ رقيَّةَ فنُسب إِلَيْهِنَّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ كَانَتْ لَهُ عدَّةُ جَدَّاتٍ أَسماؤهن كُلِّهنّ رُقَيَّة، وَيُقَالُ: إِنَّمَا أُضيف إِلَيْهِنَّ لأَنه كَانَ يُشَبِّبُ بِعِدَّةِ نِسَاءٍ يُسَمَّيْن رُقَيَّة.
ركا: الرَّكْوَةُ والرِّكْوة «3» . شِبْه تَوْرٍ مِنْ أَدمٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: الرِّكْوَةُ الَّتِي لِلْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أُتِيَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، بِرَكْوةٍ [بِرِكْوةٍ] فِيهَا ماءٌ
؛ قَالَ: الرَّكْوة [الرِّكْوة] إناءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُشْرَب فِيهِ الماءُ، وَالْجَمْعُ رَكَوات، بِالتَّحْرِيكِ، ورِكاءٌ. والرَّكْوَة [الرِّكْوة] أَيضاً: زَوْرَقٌ صَغِيرٌ. والرَّكْوةُ [الرِّكْوةُ] : رقْعَة تَحْتَ العَواصِرِ، والعَواصِرُ حِجَارَةٌ ثلاثٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. ورَكا الأَرضَ رَكْواً: حَفَرَهَا. ورَكا رَكْواً: حَفَرَ حَوْضاً مُسْتَطيلًا. والمَرْكُوُّ مِنَ الحِياضِ: الْكَبِيرُ، وَقِيلَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مِنَ الاحْتِفار. ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الحَوْضَ سوَّيته. أَبو عَمْرٍو: المَرْكُوُّ الحَوْض الْكَبِيرُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ فِي المَرْكُوِّ أَنه الحُوَيْضُ الصَّغِيرُ يُسَوِّيه الرَّجُلُ بِيَدَيْهِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ إِذَا أَعْوَزه إناءٌ يَسْقي فِيهِ بَعيراً أَو بَعيريَن. يُقَالُ: ارْكُ مَركُوّاً تَسْقِي فِيهِ بَعيرَك، وأَما الْحَوْضُ الْكَبِيرُ فَلَا يُسَمَّى مَرْكُوّاً. اللَّيْثُ: الرَّكْوُ أَن تَحْفِرَ حَوْضاً مُسْتَطِيلًا وَهُوَ المَرْكُوُّ. وَفِي حَدِيثِ
البرَاء: فأَتَيْنا عَلَى رَكِيٍّ ذَمَّةٍ
؛ الرَّكِيُّ: جِنْسٌ للرَّكِيَّة وَهِيَ الْبِئْرُ، والذَّمَّة الْقَلِيلَةُ الماءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجه: فإذا هو في رَكِيٍّ يَتَبَرَّد.
الْجَوْهَرِيُّ: والمَرْكُوُّ الحَوْضُ الْكَبِيرُ والجُرْمُوزُ الصَّغِيرُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
السَّجْلُ والنُّطْفَةُ والذَّنُوبُ، ... حَتَّى تَرىَ مَرْكُوَّها يَثُوبُ
يَقُولُ: اسْتَقَى تارَةً ذَنُوباً، وَتَارَةً نُطْفَةً حَتَّى رجَعَ الحَوضُ مَلآنَ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَن يُشْرَبَ.
__________
(1) . قوله [يقال لها المأتاة] هكذا هو في الأَصل والتهذيب
(2) . قوله [وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ] مثله في الجوهري عبد الله مكبراً، وقال في التكملة: صوابه عبيد الله مصغراً
(3) . قوله [الركوة إلخ] هي مثلثة الراء كما في القاموس

(14/333)


والرَّكِيَّة: البئرُ تُحْفَرُ، وَالْجَمْعُ رَكِيٌّ «1» . ورَكَايا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ لأَنه مِنْ رَكَوْت أَي حَفَرْت. ورَكا الأَمْرَ رَكْواً: أَصْلَحَه؛ قَالَ سُوَيْد:
فَدَعْ عَنْكَ قَوْماً قَدْ كَفَوْك شُؤُونَهُم، ... وشَأْنُكَ إنْ لَا تَرْكُهُ مُتَفاقِمُ
مَعْنَاهُ إِنْ لَا تُصْلِحْه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الشيءَ أَرْكُوهُ إِذَا شَدَدْتَه وأَصْلَحْته. ورَكا عَلَى الرجُل رَكْواً وأَرْكَى: أَثْنَى عَلَيْهِ ثَناءً قَبِيحًا. ورَكَوْتُ عَلَيْهِ الحِمْلَ وأَرْكَيْتُه: ضاعَفْته عَلَيْهِ وأثْقَلْتُه بِهِ، ورَكَوْت عَلَيْهِ الأَمْرَ ورَكَّيْته. وَيُقَالُ: أَرْكَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا كأَنه رَكَّهُ فِي عُنقهِ أَي جَعَلَه. وأَرْكَيْت فِي الأَمْر: تأَخَّرْت. ابْنُ الأَعرابي: رَكاه إِذَا أَخَّرَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ لكُلِّ مُسْلِم إلَّا لِلْمُتَشاحِنَيْنِ فَيُقَالُ ارْكُوهُما حَتَّى يَصْطَلِحا
؛ هَكَذَا رُويَ بِضَمِّ الأَلف. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه قَالَ تُعْرَضُ أَعمالُ الناسِ فِي كلِّ جُمْعةٍ مَرَّتَين يومَ الإثنَيْنِ ويومَ الخَميس فيُغْفَر لِكُلِّ عبدٍ مُؤْمن إلا عَبْداً كانتْ بينَه وبينَ أَخيهِ شَحْناءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا
؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ ارْكُوا هَذَيْنِ أَي أَخِّرُوا، قَالَ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى. رُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ أَرْكَيْت الدَّيْنَ أَي أَخَّرْته، وأَرْكَيْتُ عليَّ دَيْناً ورَكَوْتُه. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ:
اتْرُكُوا هَذَيْنِ
، مِنَ التَّرْكِ. وَيُرْوَى: ارْهَكُوا، بالهاءُ، أَي كَلِّفُوهُما وأَلْزِمُوهُما، مِنْ رَهَكْت الدابَّة إِذَا حمَلْت عَلَيْهَا فِي السَّيْر وأَجْهَدْتها. قَالَ أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للغَريم ارْكِنِّي إِلَى كَذَا أَي أَخِّرْني. الأَصمعي: رَكَوْتَ عَلَيَّ الأَمرَ أَي وَرَّكْتَه. ورَكَوْتُ عَلَى فلانٍ الذَّنْبَ أَي وَرَّكْتُه. ورَكَوْتُ بَقِيَّةَ يَوْمي أَي أَقَمْتُ. ابْنُ الأَعرابي: أَرْكَيْتُ لِبَني فُلَانٍ جُنْداً أَيْ هَيَّأْتُه لَهُمْ. وأَرْكَيْتَ عليَّ ذَنْباً لَمْ أَجْنِه. وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: صارَتِ القوْسُ رَكْوَةً؛ يُضْرَبُ فِي الإِدْبارِ وانْقِلابِ الأُمور. وأَرْكَيْتُ إِلَى فُلَانٍ: مِلْتُ إِلَيْهِ واعْتَزَيْت. وأَرْكَيْت إِلَيْهِ: لَجَأْت. وأَنا مُرْتَكٍ عَلَى كَذَا أَي مُعَوِّلٌ عَلَيْهِ، وَمَا لِي مُرتَكىً إِلَّا عليكَ. عليُّ بْنُ حَمْزَةَ: رَكَوْتُ إِلَى فُلَانٍ اعتَزَيْتُ إِلَيْهِ ومِلْتُ إِلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
إِلَى أَيِّما الحَيَّيْنِ تُرْكَوا، فإنَّكُمْ ... ثِفالُ الرَّحَى مَنْ تَحْتَها لَا يَرِيمُها
فَسَرَّ تُرْكَوْا تُنْسَبوا وتُعْزَوْا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا هِيَ تُرْكُوا أَو تَرْكُوا أَي تَنْتَسِبوا وتَعْتَزُوا. والرَّكاءُ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَفِي المُحْكم: وادٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فدَعْدَعا سُرَّةَ الرَّكاءِ، كَمَا ... دَعْدَعَ سَاقِي الأَعاجِمِ الغَرَبا
قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَوْثُوقِ بِهَا مِنْ كِتَابِ الْجَمْهَرَةِ الرِّكَاءِ، بِالْكَسْرِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ أَصح، وَهُوَ مَوْضِعٌ؛ وصفَ ماءَيْن التَقَيا مِنَ السَّيْل فمَلَآ سُرَّة الرِّكاء كَمَا ملأَ سَاقِي الأَعاجِم قَدَح الغَرَبِ خَمْرًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّكاء، بِالْفَتْحِ، وادٍ بجانِب نَجْدٍ بينَ البَدِيِّ والكُلابِ، قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ وَلَّادٍ فِي بَابِ المَمْدود والمَفْتوح أَوَّلُه.
__________
(1) . قوله [والجمع رَكِيّ] كذا بضبط الأَصل والتهذيب بفتح الراء، فلا تغتر بضبطها في نسخ القاموس الطبع بضمها

(14/334)


غَيْرُهُ: ورِكَاءٌ، مَمْدُودٌ، مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
إِذْ بالرِّكَاء مَجالِسٌ فُسُحُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَاوِ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ر ك ي، وَقَدْ تَرَى سِعَةَ بَابِ رَكَوْت. ابْنُ الأَعرابي: رَكَاهُ إِذَا جاوَبَ رَوْكَه، وَهُوَ صوتُ الصَّدَى مِنَ الجَبل والحَمَّام. والرَّكِيُّ: الضَّعِيف مثلُ الرَّكِيكِ، وَقِيلَ: ياؤُه بَدَلٌ مِنْ كَافِ الرَّكِيكِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الأَمرُ أَرْكَى مِنْ هَذَا أَي أَهْوَنُ مِنْهُ وأَضْعَف؛ قَالَ القُطامي:
وغيرُ حَرْبيَ أَرْكَى مِن تَجَشمِها، ... إجَّانَةٌ مِن مُدامٍ شَدَّ مَا احْتَدَما
رمي: اللَّيْثُ: رَمى يَرْمِي رَمْياً فَهُوَ رامٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: لَيْسَ هَذَا نَفْيَ رَمْيِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ خُوطِبَت بِمَا تَعْقِل. وَرُوِيَ
أَنّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ناوِلْني كَفّاً مِنْ تُرابِ بَطْحاءِ مكةَ، فناولَهُ كَفًّا فرَمَى بِهِ فَلَمْ يَبقَ مِنْهُمْ أَحدٌ مِنَ العدُوّ إِلَّا شُغِلَ بعَيْنهِ
، فأَعْلَمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَن كَفّاً مِنْ تُرابٍ أَو حَصًى لَا يَمْلأُ بِهِ عُيونَ ذَلِكَ الْجَيْشِ الْكَثِيرِ بَشَرٌ، وأَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى توَلَّى إيصالَ ذَلِكَ إِلَى أَبصارهم فَقَالَ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
؛ أَي لَمْ يُصِبْ رَمْيُك ذَلِكَ ويبْلُغ ذَلِكَ المَبْلَغ، بَلْ إِنَّمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوَلَّى ذَلِكَ، فَهَذَا مَجازُ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَرَوَى أَبو عَمْرٍو عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ وَمَا رَمَيْتَ الرُّعْبَ والفَزَعَ فِي قُلُوبِهِمْ إذْ رَمَيْتَ بالحَصى وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمى؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَعْنَاهُ مَا رَمَيْتَ بِقُوَّتِكَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنْ بِقُوَّةِ اللَّهِ رَمَيْتَ. ورَمى اللهُ لِفُلَانٍ: نَصَره وصنَع لَهُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الرَّمْيِ لأَنه إِذَا نَصَرَهُ رَمى عدُوَّه. وَيُقَالُ: طَعَنه فأَرْمَاه عَنْ فَرسه أَي أَلقاه عَنْ ظَهْرِ دَابَّتِهِ كَمَا يُقَالُ أَذْراه. وأَرْمَيْتُ الحجَرَ مِنْ يَدِي أَي أَلقيت. ابْنُ سِيدَهْ: رَمَى الشيءَ رَمْياً ورَمَى بِهِ ورَمَى عَنِ القوْس ورَمَى عَلَيْهَا، وَلَا يُقَالُ رَمَى بِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَرْمِي عَلَيْهَا وَهِيَ فَرْعٌ أَجْمَعُ، ... وَهِيَ ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصْبَعُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنَّمَا جَازَ رَمَيْتُ عَلَيْهَا لأَنه إِذَا رَمى عَنْهَا جعَلَ السهمَ عَلَيْهَا. ورَمَى القَنَصَ رَمْياً لَا غَيْرُ. وخرجتُ أَرْتَمِي وَخَرَجَ يَرْتَمِي إِذَا خَرَجَ يَرْمي القنَصَ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
خَلَتْ غيرَ آثارِ الأَراجِيلِ تَرْتَمِي، ... تَقَعْقَع فِي الآباطِ مِنْهَا وِفاضُها
قَالَ: تَرْتَمِي أَي تَرْمي الصَّيدَ، والأَراجِيلُ رجالةٌ لُصوصٌ [لِصوصٌ] . أَبو عُبَيْدَةَ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الأَمر يُتقدَّم فِيهِ قَبْلَ فِعْلِه: قَبْلَ الرِّماءِ تُمْلأُ الكَنائنُ. والرِّماءُ: المُراماةُ بالنَّبْلِ. والتِّرْماءُ: مِثْلُ الرِّماءِ والمُراماةِ. وخرجْت أَتَرَمَّى وخرجَ يَتَرَمَّى إِذَا خَرَجَ يَرْمي فِي الأَغْراضِ وأُصُول الشَّجَرِ. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ:
خرجتُ أَرْتَمِي بأَسْهُمي
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَتَرَامَى.
يُقَالُ رَمَيْت بالسَّهْمِ رَمْياً وارْتَمَيْت وتَرَامَيْت تَرَامِياً ورَامَيْت مُرَاماةً إِذَا رَمَيْت بِالسِّهَامِ عَنِ القِسِيّ، وَقِيلَ: خرجتُ أَرْتَمِي إِذَا رَمَيْت

(14/335)


القَنَصَ، وأَتَرَمَّى إِذَا خَرَجْتَ تَرْمي فِي الأَهْدافِ ونحوِها. وَفُلَانٌ مُرْتَمىً لِلْقَوْمِ «2» . ومُرْتَبىً أَيْ طَلِيعَةٌ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ وراءَ اللهِ مَرْمىً
أَي مَقْصِدٌ تُرْمى إِلَيْهِ الآمالُ ويوجَّه نحوهَ الرَّجاءُ. والمَرْمَى: مَوْضِعُ الرَّمْيِ تَشْبِيهًا بالهَدَف الَّذِي تُرْمى إِلَيْهِ السِّهَامُ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنَّهُ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فتَرَامَى بِهِ الأَمرُ إِلَى أَن صَارَ إِلَى خَدِيجَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فوَهَبَتْه لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَعْتَقَه
؛ تَرامَى بِهِ الأَمرُ إِلَى كَذَا أَي صَارَ وأَفْضى إِلَيْهِ، وكأَنه تَفاعَل مِنَ الرَّمْي أَي رَمَتْه الأَقدارُ إِلَيْهِ. وتَيْسٌ رَمِيٌّ: مَرْمِيٌّ، وَكَذَلِكَ الأُنثى وَجَمْعُهَا رَمَايَا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوا ذَكَرًا مِنْ أُنثى فَهِيَ بِالْهَاءِ فِيهِمَا. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَنْزٌ رَمِيٌّ ورَمِيَّة، والأَول أَعلى. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الْخَوَارِجِ:
يَمْرُقون مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُق السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة
؛ الرَّمِيَّة: هِيَ الطَّرِيدَةُ الَّتِي يَرْميها الصَّائِدُ، وَهِيَ كلُّ دابةٍ مَرْمِيَّةٍ، وأُنِّثَتْ لأَنها جُعِلَت اسْمًا لَا نَعْتًا، يُقَالُ بِالْهَاءِ لِلذَّكَرِ والأُنثى: قَالَ ابْنُ الأَثير: الرَّمِيَّة الصَّيْدُ الَّذِي تَرْميه فتَقْصِدهُ ويَنْفُذُ فِيهِ سَهْمُك، وَقِيلَ: هِيَ كلُّ دَابَّةٍ مَرْمِيَّة. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّمِيَّة الصَّيْدُ يُرْمى. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا بِئْسَ الرَّمِيَّةُ الأَرْنَبُ؛ يُرِيدُونَ بِئْسَ الشيءُ مِمَّا يُرْمى، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي غَالِبِ الأَمر إِنَّمَا تَكُونُ للإِشعار بأَن الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ بعدُ بِالْمَفْعُولِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: هَذِهِ ذَبِيحَتُكَ، لِلشَّاةِ الَّتِي لَمْ تُذْبَح بعدُ كالضَّحية، فَإِذَا وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ فَهِيَ ذبيحٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِمْ بِئْسَ الرَّمِيَّة الأَرنب: أَي بِئْسَ الشيءُ مِمَّا يُرْمى بِهِ الأَرنب، قَالَ: وَإِنَّمَا جَاءَتْ بِالْهَاءِ لأَنها صَارَتْ فِي عِدَادِ الأَسماء، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى رُمِيَتْ فَهِيَ مَرْمِيَّة، وعُدِلَ بِهِ إِلَى فَعِيلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بئسَ الشيءُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا يُرْمى الأَرْنَبُ. وَبَيْنَهُمْ رَمِّيَّا أَي رَمْيٌ. وَيُقَالُ: كَانَتْ بَيْنَ القومِ رِمِّيَّا ثُمَّ حَجَزَتْ بَيْنَهُمْ حِجِّيزى، أَي كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ تَرامٍ بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ توسَّطَهم مَنْ حجزَ بَيْنَهُمْ وكفَّ بعضَهم عَنْ بَعْضٍ. والرِّمى: صَوْتَ الْحَجَرِ الَّذِي يَرْمي بِهِ الصَّبِيُّ. والمِرْماةُ: سهمٌ صَغِيرٌ ضَعِيفٌ؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو زِيَادٍ مثلٌ لِلْعَرَبِ إِذَا رأَوْا كثرةَ المَرَامِي فِي جَفِير الرَّجُلِ قَالُوا:
ونَبْلُ العبدِ أَكثرُها المَرَامِي
قِيلَ: مَعْنَاهُ أَن الحُرَّ يُغَالِي بِالسِّهَامِ فَيَشْتَرِي المِعْبَلة والنَّصْل لأَنه صَاحِبُ حربٍ وصيدٍ، وَالْعَبْدُ إِنَّمَا يَكُونُ رَاعِيًا فتُقْنِعُه المَرَامِي لأَنها أَرخصُ أَثماناً إِنِ اشْتَرَاهَا، وَإِنِ اسْتَوهَبها لَمْ يَجُدْ لَهُ أَحد إِلَّا بمرْماة. والمِرْمَاة: سهمُ الأَهداف؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدَعُ أَحدُهم الصلاةَ وَهُوَ يُدْعى إِلَيْهَا فَلَا يُجيبُ، وَلَوْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ لأَجابَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَوْ أَن أَحدهم دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْن لأَجابَ وَهُوَ لَا يُجيب إِلَى الصَّلَاةِ
، فَيُقَالُ المِرْمَاةُ الظِّلْفُ ظِلْفُ الشاةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ إِنَّ المرمَاتَينِ مَا بَيْنَ ظِلْفَي الشاةِ، وتُكْسَر ميمُه وتُفتح. قَالَ: وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ
لَوْ أَن رَجُلًا دَعا النَّاسَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ أَو عَرْقٍ أَجابوه
، قَالَ: وَفِيهَا لُغَةٌ أُخرى مَرْمَاة، وَقِيلَ: المِرْمَاةُ، بِالْكَسْرِ، السَّهمُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُتَعلَّمُ فِيهِ الرَّمْيُ وَهُوَ أَحْقَرُ السِّهَامِ وأَرْذَلُها، أَي لَوْ دُعِي إِلَى أَن يُعْطى سَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ السِّهَامِ لأَسْرَعَ الإِجابة؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِوَجِيهٍ، وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى
لَوْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَين أَو عَرْقٍ.
__________
(2) . قوله [وفلان مُرْتَمىً للقوم إلخ] كذا بالأَصل والتهذيب بهذا الضبط، والذي في القاموس والتكملة: مرتم، بكسر الميم الثانية وحذف الياء

(14/336)


قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا حَرْفٌ لَا أَدري مَا وَجْهُهُ إِلَّا أَنه هَكَذَا يُفَسَّر بِمَا بَيْنَ ظِلْفَي الشاةِ يُرِيدُ بِهِ حقارَته قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ القَطاع المِرْمَاة مَا فِي جَوْفِ ظِلْف الشَّاةِ مِنْ كُراعِها، وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: المِرْمَاةُ، بِالْكَسْرِ، السَّهْمُ الَّذِي يُرْمى بِهِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: والمَرَامِي مِثْلُ المَسالِّ دقيقةٌ فِيهَا شيءٌ مِنْ طُولٍ لَا حُروفَ لَهَا، قَالَ: والقِدْحُ بِالْحَدِيدِ مِرْمَاةٌ، وَالْحَدِيدَةُ وَحْدَهَا مِرْمَاةٌ، قَالَ: وَهِيَ لِلصَّيْدِ لأَنها أَخَفّ وأَدَقُّ، قَالَ: والمِرْمَاةُ قِدْح عَلَيْهِ رِيشٌ وَفِي أَسْفَلهِ نَصْلٌ مثلُ الإِصْبع؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: المِرْمَاتانِ، فِي الْحَدِيثِ، سَهْمَانِ يَرْمي بِهِمَا الرجلُ فيُحْرِزُ سَبَقَه فَيَقُولُ سَابَق إِلَى إحْرازِ الدُّنْيَا وسَبَقِها ويَدَع سَبَق الْآخِرَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: المِرْمَاة مِثْلُ السِّرْوةِ وَهُوَ نَصْل مدَوَّرٌ للسَّهْم. ابْنُ سِيدَهْ: المِرْمَاة والمَرْمَاة هَنَة بَيْنَ ظِلْفَي الشَّاةِ. وَيُقَالُ: أَرْمَى الفرسُ براكِبه إِذَا أَلقاه. وَيُقَالُ: أَرْمَيْت الحِمْل عَنْ ظَهْرِ البَعِير فارْتَمَى عَنْهُ إِذَا طَاحَ وسَقَط إِلَى الأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وسَوْقاً بالأَماعِزِ يَرْتَمِينا
أَراد يَطِحْن ويَخْرِرْنَ. ورَمَيْت بالسَّهْم رَمْياً ورِمَايَةً ورَامَيْتُه مُرَامَاةً ورِمَاءً وارْتَمَيْنَا وتَرَامَيْنا وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ رِمِّيَّا ثُمَّ صَارُوا إِلَى حِجِّيزى. وَيُقَالُ للمرأَة. أَنتِ تَرْمِينَ وأَنْتُنَّ تَرْمِينَ، الْوَاحِدَةُ وَالْجَمَاعَةُ سَوَاءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ فِي رِمِّيَّا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْحِجَارَةِ
؛ الرِّمِّيَّا، بِوَزْنِ الهِجِّيرى والخِصِّيصى: مِنَ الرَّمْي، وَهُوَ مصدرٌ يُراد بِهِ الْمُبَالَغَةُ. وَيُقَالُ: تَرامَى الْقَوْمُ بِالسِّهَامِ وارْتَمَوْا إِذَا رَمَى بعضُهم بَعْضًا. الْجَوْهَرِيُّ: رَمَيْت الشيءَ مِنْ يَدي أَي أَلْقَيْته فارْتَمَى. ابْنُ سِيدَهْ: وأَرْمَى الشيءَ مِنْ يدهِ أَلقاه. ورَمَى اللَّهُ فِي يدِه وأَنْفِه وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعضائهِ رَمْياً إِذَا دُعِي عَلَيْهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
قُعوداً لَدَى أَبْياتِهم يَثْمِدُونَها، ... رَمَى اللهُ فِي تِلْكَ الأُنوفِ الكَوانِعِ
والرَّمِيُّ: قِطَعٌ صِغَارٌ مِنَ السَّحَابِ، زَادَ التَّهْذِيبُ: قدرُ الكَفِّ وأَعظمُ شَيْئًا، وَقِيلَ: هِيَ سَحَابَةٌ عظيمةُ القَطرِ شَدِيدَةُ الوقْعِ، وَالْجَمْعُ أَرْمَاءٌ وأَرْمِيَةٌ ورَمَايا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذؤَيب يَصِفُ عَسَلًا:
يَمانِيَةٍ أَجْبى لَهَا مَظَّ مائِدٍ، ... وآلِ قُراسٍ صوبُ أَرْميَةٍ كُحْلِ
وَيُرْوَى: صوبُ أَسْقِية. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّمِيّ السّقيُّ وَهِيَ السَّحَابَةُ الْعَظِيمَةُ القطرِ. الأَصمعي: الرَّمِيّ والسَّقِيُّ، عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، هُمَا سَحَابَتَانِ عَظِيمَتَا الْقَطْرِ شَدِيدَتَا الْوَقْعِ مِنْ سَحَائِبِ الْحَمِيمِ وَالْخَرِيفِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الأَصمعي؛ وَقَالَ مُلَيح الهُذَلي فِي الرَّميّ السَّحَابِ:
حَنِين اليَماني هاجَه، بعْدَ سَلْوةٍ، ... ومِيضُ رَميٍّ، آخرَ اللَّيلِ، مُعْرِقِ
وَقَالَ أَبو جُنْدُبٍ الْهُذَلِيُّ وَجَمَعَهُ أَرْمِيَةً:
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْت، أَتاكَ منْهمُ ... رجالٌ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الحَميم
والحَميم: مطرُ الصَّيْفِ، وَيَكُونُ عظيمَ الْقَطْرِ شديدَ الوَقْع. والسحابُ يَتَرَامَى أَي يَنْضم بعضهُ إِلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ يَرْمِي؛ قَالَ المُتَنَخِّل الْهُذَلِيُّ:
أَنْشَأَ فِي العَيْقةِ يَرْمِي لَهُ ... جُوفُ رَبابٍ وَرِهٍ مُثْقَلِ
ورَمَى بِالْقَوْمِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ: أَخْرَجهم مِنْهُ، وَقَدِ

(14/337)


ارْتَمَت بِهِ البلادُ وتَرَامَتْ بِهِ؛ قَالَ الأَخطل:
وَلَكِنْ قَذاها زائرٌ لَا تُحِبُّهُ، ... تَرَامَتْ بِهِ الغِيطانُ مِنْ حيثُ لَا يَدْرِي
ابْنُ الأَعرابي: ورَمَى الرَّجلُ إِذَا سَافَرَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِآخَرَ أَيْنَ. تَرْمِي؟ فَقَالَ: أُرِيدُ بلَدَ كَذَا وَكَذَا؛ أَراد بِقَوْلِهِ أَيْنَ تَرْمِي أَيَّ جهةٍ تَنْوِي. ابْنُ الأَعرابي: ورَمَى فُلَانٌ فُلَانًا بأَمرٍ قبيحٍ أَي قَذَفَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ
، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ
؛ مَعْنَاهُ القَذْف. ورَمَى فُلَانٌ يَرْمِي إِذَا ظَنَّ ظَنّاً غيرَ مُصيب؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ رَجْماً بِالْغَيْبِ؛ قَالَ طُفَيْل يَصِفُ الْخَيْلَ:
إِذَا قيلَ: نَهْنِهْها وَقَدْ جَدَّ جِدُّها، ... تَرَامَتْ كخُذْرُوفِ الوَلِيد المُثَقَّفِ
تَرَامَتْ: تَتابَعَت وازْدادَتْ. يُقَالُ: مَا زَالَ الشرُّ يَتَرَامَى بَيْنَهُمْ أَي يَتَتابَع. وتَرَامَى الجُرْحُ والحَبْنُ إِلَى فَسادٍ أَي تَراخَى وَصَارَ عَفِناً فَاسِدًا. وَيُقَالُ: تَرَامَى أَمرُ فلانٍ إِلَى الظَّفَرِ أَو الخِذْلانِ أَي صَارَ إِلَيْهِ. والرَّمْي: الزِّيَادَةُ فِي العُمْرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وعَلَّمَنا الصَّبْرَ آباؤُنا، ... وخُطَّ لَنا الرَّمْيُ فِي الوافِرَهْ
الْوَافِرَةُ: الدُّنْيَا. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الرَّمْي أَن يُرْمَى بالقومِ إِلَى بَلَدٍ. ورَمَى عَلَى الْخَمْسِينَ رَمْياً وأَرْمَى: زَادَ. وكلُّ مَا زَادَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ أَرْمَى عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّباب وغَيُّه، ... وَفِي النَّفْسِ منِهُ فِتْنَةٌ وفُجورُها
قَالَ السُّكّري: تَرَامَاهُ الشَّباب أَي تَمَّ. والرَّمَاء، بالمَدَّ: الرِّبا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ عَلَى البَدَل. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَا تَبيعُوا الذَّهَبَ بالفِضَّة إلَّا يَداً بِيَدٍ هاءَ وَهَاءَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاء
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ بالفَتْح وَالْمَدِّ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد بالرَّمَاء الزِّيَادَةَ بِمَعْنَى الرِّبَا، يَقُولُ: هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَحِلُّ. يُقَالُ: أَرْمَى عَلَى الشيءِ إرْمَاءً إِذَا زَادَ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ أَرْبى؛ وَمِنْهُ قِيلَ: أَرْمَيْت عَلَى الخَمْسين أَي زِدْتُ عَلَيْهَا إرْماءً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:
إِنِّي أَخاف عَلَيْكُمُ الإِرْمَاءَ
، فجاءَ بِالْمَصْدَرِ؛ وأَنشد لِحَاتِمِ طَيِّءٍ:
وأَسْمَرَ خَطِّيّاً، كأَنَّ كُعوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ قَدْ أَرْمَى ذِراعاً عَلَى العَشْرِ
أَي قَدْ زَادَ عَلَيْهَا، وأَرْمَى وأَرْبى لُغَتَانِ. وأَرْمَى فلانٌ أَي أَرْبَى. ويقال: سابَّهُ ف أَرْمَى عَلَيْهِ إِذَا زادَ، وَحَدِيثُ
عَدِيٍّ الجُذَامِي: قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كانَ لِي امْرَأَتانِ فاقْتَتَلَتا فَ رَمَيْتُ إحْداهما ف رُمِيَ فِي جنَازَتِها أَي ماتَتْ فَقَالَ: اعْقِلْها وَلَا تَرِثهَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ رُمِيَ فِي جنازةِ فُلَانٍ إِذَا مَاتَ لأَنَّ الجِنازَة تَصيرُ مَرْميّاً فِيهَا، وَالْمُرَادُ بالرَّمْيِ الحَمْلُ والوَضْعُ، والفِعلُ فاعِلهُ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهِ هُوَ الظَّرْفُ بِعَيْنِهِ كَقَوْلِكَ سِيرَ بِزَيْدٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَنَّث الْفِعْلُ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فرُمِيَتْ فِي جِنازَتها، بِإِظْهَارِ التَّاءِ. ورُمَيٌّ ورِمِّيانُ: مَوْضِعَانِ. وأَرْمِيَا: اسمُ نَبِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحْسبه مُعَرَّباً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ورَمَى اسْمُ وادٍ، يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل:
أَحَقّاً أَتاني أَنَّ عَوْفَ بنَ مالِكٍ ... ببَطْنِ رَمَى يُهْدِي إلَيَّ القَوافِيَا؟ «3» .
__________
(3) . قوله [ببطن رمى] في ياقوت: ببين رمى، وقال: بِين رمى، بكسر الباء، موضع إلخ

(14/338)


رنا: الرُّنُوُّ: إِدَامَةُ النَّظَر مَعَ سكونِ الطَّرْف. رَنَوْتُه ورَنَوْتُ إِلَيْهِ أَرْنُو رَنْواً ورَنَا لَهُ: أَدامَ النَّظَرَ. يُقَالُ: ظَلَّ رَانِياً، وأَرْنَاهُ غيرهُ. والرَّنَا، بِالْفَتْحِ مقصورٌ: الشيءُ المَنْظُورُ إِلَيْهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الَّذِي يُرْنَى إِلَيْهِ مِنْ حُسْنهِ، سمَّاه بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الغَوِيِّ ظَعائِنٌ ... رَفَعْنَ الرَّنَا والعَبْقَرِيَّ المُرَقَّما
وأَرْنَاني حُسْنُ المَنْظَر ورَنَّاني؛ الْجَوْهَرِيُّ: أَرْنَانِي حسنُ مَا رأَيتُ أَي حَمَلَني عَلَى الرُّنُوِّ. والرُّنُوّ: اللَّهْوُ مَعَ شَغْلِ القَلْبِ والبَصَرِ وغَلَبةِ الهَوَى. وفُلانٌ رَنُوُّ فُلَانَةَ أَي يَرْنُو إِلَى حديثِها ويُعْجبُ بِهِ. قَالَ مُبْتَكِرٌ الأَعرابي: حدَّثني فلان فَ رَنَوْتُ إِلَى حديثهِ أَي لَهَوْتُ بِهِ، وَقَالَ: أَسأَلُ اللهَ أَن يُرْنِيكُم إِلَى الطَّاعَةِ أَي يُصَيِّرَكُم إِلَيْهَا حَتَّى تَسْكُنوا وتَدُومُوا عَلَيْهَا. وإنَّه لَ رَنُوُّ الأَمَاني أَي صاحبُ أُمْنِيَّةٍ. والرَّنْوَة: اللَّحمة، وجمعُها رَنَوات. وكأْسٌ رَنَوْنَاةٌ: دائمةٌ عَلَى الشُّرْبِ ساكِنة، وَوَزْنُهَا فَعَلْعَلَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
مَدَّت عَلَيْهِ المُلكَ أَطنابَها ... كأْسٌ رَنَونَاةٌ وطِرفٌ طِمِرّ
أَراد: مَدَّتْ كأْسٌ رَنَوْناةٌ عَلَيْهِ أَطْنابَ الْمُلْكِ، فذَكَرَ المُلْكَ ثمَّ ذَكَرَ أَطْنابَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَسْمَعْ بالرَّنَونَاةِ إلَّا فِي شِعْرِ ابْنِ أَحمر، وَجَمْعُهَا رَنَوْنَيَاتٌ، وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه سَمِعَه رَوَى بيتَ ابنِ أَحمر:
بَنَّتْ عَلَيْهِ الملْكُ أَطْنابَها
أَي المُلْكُ، هِيَ الكَأْسُ، ورَفَعَ المُلْكَ ببَنَّت، وَرَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بَنَتْ، بِتَخْفِيفِ النُّونِ، والمُلْكَ مفعولٌ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ ظرفٌ، وَقِيلَ: حَالٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ مَصْدَرًا مِثْلُ أَرْسَلَها العِراك، وَتَقْدِيرُهُ بَنَتْ عَلَيْهِ كأْسٌ رَنَوْناة أَطْنابَها مُلْكاً أَي فِي حَالِ كَوْنِهِ مُلْكًا، وَالْهَاءُ فِي أَطنابها فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا عَائِدَةٌ عَلَى الكأْس، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَطنابها بَدَلٌ مِنَ الْمُلْكِ فَتَكُونُ الْهَاءُ فِي أَطنابها عَلَى هَذَا عَائِدَةً عَلَى الْمُلْكِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ: بَنَتْ عَلَيْهِ الملكُ، فرفَعَ الملكَ وأَنَّثَ فِعْلَهُ عَلَى مَعْنَى المَمْلَكة؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
إنَّ إمرَأَ القَيْس عَلَى عَهْدِهِ، ... فِي إرْثِ مَا كَانَ أَبوه حِجِرْ
يَلْهو بِهِنْدٍ فَوْقَ أَنْماطِها، ... وفَرْثَنى يعْدُو إِلَيْهِ وَهِرْ
حتَّى أَتَتْه فَيْلَقٌ طافِحٌ ... لَا تَتَّقي الزَّجْرَ، وَلَا تَنْزَجِرْ
لمَّا رأَى يَوْماً، لَهُ هَبْوةٌ، ... مُرّاً عَبُوساً، شَرُّه مُقْمَطِرْ
أَدَّى إِلَى هِنْدٍ تَحِيَّاتها، ... وَقَالَ: هَذَا مِنْ دَواعي دبرْ
إنَّ الفَتى يُقْتِرُ بعدَ الغِنى، ... ويَغْتَني مِنْ بَعْدِ مَا يَفْتَقِرْ
والحَيُّ كالمَيْتِ ويَبْقى التُّقى، ... والعَيْشُ فَنَّانِ: فحُلْوٌ، ومُرْ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
فوَرَدَتْ تَقْتَدَ بَرْدَ مائِها
أَراد: وَرَدَتْ بَرْدَ ماءِ تَقْتَدَ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؛ أَي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ، ويُسَمَّى هَذَا البَدَل. وَقَوْلُهُمْ

(14/339)


فِي الْفَاجِرَةِ: تُرْنَى؛ هِيَ تُفْعَلُ مِنَ الرُّنُوِّ أَي يُدامُ النظَرُ إِلَيْهَا لأَنَّها تُزَنُّ بالرِّيبَة. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ يا ابْنَ تُرْنى كنايةٌ عَنِ اللَّئِيم؛ قَالَ صَخْرٌ الْغَيُّ:
فإنَّ ابنَ تُرْنى، إِذَا زُرْتُكُمْ، ... يُدافِعُ عَنِّيَ قَوْلًا عَنِيفا
وَيُقَالُ: فُلَانٌ رَنُوُّ فُلَانَةٍ إِذَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَر إِلَيْهَا. وَرَجُلٌ رَنَّاءٌ، بِالتَّشْدِيدِ: للَّذي يُدِيمُ النَّظَر إِلَى النساءِ. وَفُلَانٌ رَنُوُّ الأَماني أَي صاحِبُ أَمانيَّ يتَوقَّعُها؛ وأَنشد:
يَا صاحِبَيَّ، إنَّني أَرْنُوكمُا، ... لَا تُحْرِماني، إنَّني أَرْجُوكُما
ورَنا إِلَيْهَا يَرْنُو رُنُوّاً ورَناً، مَقْصُورٌ، إِذَا نظرَ إليْها مُداوَمة؛ وأَنشد:
إِذَا هُنَّ فَصَّلْنَ الحَدِيث لأَهْلهِ، ... وجَدَّ الرَّنا فصَّلْنَه بالتَّهانُف «1»
. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ رَنَوْناةٌ فعَوْعَلة أَو فعَلْعَلة مِنَ الرَّنا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
حديثَ الرَّنا فصَّلْنَه بالتَّهانُفِ
ابْنُ الأَعرابي: تَرَنَّى فُلَانٌ أَدام النَّظر إِلَى مَنْ يُحِبُّ. وتُرْنَى وتَرْنَى: اسْمُ رَمْلَةٍ، قَالَ: وقَضَينا عَلَى أَلِفِها بِالْوَاوِ وَإِنْ كَانَتْ لَامًا لِوُجُودِنَا رَنَوْت. والرُّناءُ: الصَّوْتُ والطَّرَب. والرُّنَاءُ: الصوتُ، وَجَمْعُهُ أَرْنِيَةٌ. وَقَدْ رَنَوتُ أَي طَرِبْتُ. ورنَّيْتُ غَيْرِي: طرَّبْتُه، قَالَ شَمِرٌ: سأَلت الرِّيَاشِيَّ عَنِ الرُّناءِ الصَّوْتِ، بِضَمِّ الرَّاءِ، فَلَمْ يَعْرفْه، وَقَالَ: الرَّناء، بِالْفَتْحِ، الْجَمَالُ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: سأَلت أَبا الْهَيْثَمِ عَنِ الرُّناءِ والرَّناء بِالْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَا فَلَمْ يَحْفَظْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والرُّناءُ بِمَعْنَى الصَّوْتِ مَمْدُودٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: أَخْبَرَنِي أَبي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي جُمَادَى الْآخِرَةَ رُنَّى، وَذَا القَعدة رُنَة، وَذَا الْحِجَّةِ بُرَكَ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: رُنَةُ اسْمُ جُمَادَى الْآخِرَةِ؛ وأَنشد:
يَا آلَ زَيدٍ، احْذَرُوا هَذِي السَّنَهْ، ... مِنْ رُنَةٍ حَتَّى يُوافيها رُنَهْ
قَالَ: وَيُرْوَى:
مِنْ أَنةٍ حَتَّى يُوَافِيَهَا أَنَه «2»
. وَيُقَالُ أَيضاً رُنَّى، وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: هِيَ بِالْبَاءِ، وَقَالَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ: هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنُّونِ. والرُّبَّى، بِالْبَاءِ: الشاةُ النُّفَساء، وَقَالَ قُطْرُبٌ وَابْنُ الأَنباري وأَبو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ وأَبو الْقَاسِمِ
الزَّجَّاجِيُّ: هُوَ بِالْبَاءِ لَا غيرُ، قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: لأَن فِيهِ يُعْلَم مَا نُتِجَتْ حُروبُهم أَي مَا انْجَلَتْ عَلَيْهِ أَو عَنْهُ، مأْخوذ مِنَ الشَّاةِ الرُّبَّى؛ وأَنشد أَبو الطَّيِّبِ:
أَتَيْتُك فِي الحنِين فقُلْتَ: رُبَّى، ... وَمَاذَا بينَ رُبَّى والحَنِينِ؟
قَالَ: وأَصل رُنَة رُونَة، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ الْعَيْنِ. ورُونَة الشَّيْءِ: غايتُه فِي حَرّ أَو بَرْدٍ أَو غَيْرِهِ، فسمِّي بِهِ جُمادى لشِدة بَرْدِه. وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ حِينَ سمَّوا الشُّهُورَ وَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ شدَّةَ البَرْدِ فسَمَّوْه بذلك.
رها: رَها الشيءُ رَهْواً: سَكَن. وعَيْشٌ رَاهٍ: خصيبٌ ساكنٌ رافِهٌ. وخِمْسٌ راهٍ إذا كان سهْلًا.
__________
(1) . قوله [وجد الرنا إلخ] هو هكذا بالجيم والدال في الأَصل وشرح القاموس أيضاً، وتقدم في مادة هنف بلفظ: حديث الرنا
(2) . قوله [من أنة إلخ] هكذا في الأَصل

(14/340)


وكلُّ ساكِنٍ لَا يتحَرَّكُ راهٍ ورَهْوٌ. وأَرْهَى عَلَى نَفْسِهِ: رفقَ بِهَا وسَكَّنها، والأَمرُ مِنْهُ أَرْهِ عَلَى نفسِك أَي ارْفُق بِهَا. وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ رَهْواً أَي ساكِناً عَلَى هِينتِك، الأَصمعي: يُقَالُ لِكُلِّ سَاكِنٍ لَا يَتَحَرَّكُ ساجٍ وراهٍ وزاءٍ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا أَرْهَيْتُ ذَاكَ أَي مَا تَركْتُه سَاكِنًا. الأَصمعي: يُقَالُ أَرْهِ ذَلِكَ أَي دَعْهُ حَتَّى يسكُن، قَالَ: والإِرْهاءُ الإِسْكان. والرَّهْوُ: المَطَر السَّاكِنُ. وَيُقَالُ: مَا أَرْهَيْتَ إِلا عَلَى نفْسِك أَي مَا رَفَقْتَ إِلا بِهَا. ورَها البحرُ أَي سكَن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
؛ يَعْنِي تَفَرُّق الْمَاءِ مِنْهُ، وَقِيلَ: أَي سَاكِنًا عَلَى هِينتِك، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رَهْواً هُنَا يَبَساً، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ، كَمَا قال: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً؛ قَالَ الْمُثَقِّبُ:
كالأَجْدَلِ الطالِب رَهْوَ القَطا، ... مُسْتَنْشطاً فِي العُنُقِ الأَصْيَدِ
الأَجْدَل: الصَّقْر. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: يَقُولُ دَعْه كَمَا فلَقْته لَكَ لأَن الطَّرِيقَ فِي الْبَحْرِ كَانَ رَهْواً بَيْنَ فِلْقي الْبَحْرِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّ الرَّهْو فِي السَّيْرِ هُوَ اللِّينُ مَعَ دوامِه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
، قَالَ: وَاسِعًا مَا بَيْنَ الطَّاقَاتِ؛ قَالَ الأَزهري: رَهْواً سَاكِنًا مِنْ نعتِ مُوسَى أَي عَلَى هِينَتِك، قَالَ: وأَجْود مِنْهُ أَن تَجْعَل رَهْوًا مِنْ نَعْتِ الْبَحْرِ، وَذَلِكَ أَنه قَامَ فِرْقاهُ سَاكِنَيْنِ فَقَالَ لِمُوسَى دَعِ الْبَحْرَ قَائِمًا مَاؤُهُ سَاكِنًا واعْبُر أَنت الْبَحْرَ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنبة: رَهْواً أَي دَمِثاً، وَهُوَ السَّهْل الَّذِي لَيْسَ برَمْلٍ وَلَا حَزْنٍ. والرَّهْوُ أَيضاً: الْكَثِيرُ الْحَرَكَةِ، ضدٌّ، وَقِيلَ: الرَّهْوُ الْحَرَكَةُ نَفْسُهَا. والرَّهْوُ أَيضاً: السَّرِيعُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فإِنْ أَهْلِكْ، عُمَيْرُ، فَرُبَّ زَحْفٍ ... يُشَبَّه نَقْعُه رَهْواً ضَبابا
قَالَ: وَهَذَا قَدْ يَكُونُ لِلسَّاكِنِ وَيَكُونُ لِلسَّرِيعِ. وَجَاءَتِ الخيلُ والإِبِلُ رَهْواً أَي سَاكِنَةً، وَقِيلَ: مُتَتَابِعَةً. وغارَةٌ رَهْوٌ مُتَتَابِعَةٌ. وَيُقَالُ: النَّاسُ رَهْوٌ واحدٌ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا أَي مُتَقَاطِرُونَ. أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
يَمْشِينَ رَهْواً
قَالَ: هُوَ سيرٌ سَهْل مُسْتَقِيمٌ. وَفِي حَدِيثِ
رافِع بْنِ خَدِيجٍ: أَنه اشتَرى مِنْ رجلُ بَعِيراً بِبَعِيرَيْنِ دَفع إِليه أَحَدهما وَقَالَ آتيكَ بالآخَرِ غَداً رَهْواً
؛ يَقُولُ: آتيكَ بِهِ عَفْواً سَهلًا لَا احْتباسَ فِيهِ؛ وأَنشد:
يَمْشِينَ رَهْواً، فَلَا الأَعجازُ خاذِلةٌ، ... وَلَا الصُّدورُ عَلَى الأَعْجازِ تَتَّكِلُ
وامرأَةٌ رَهْوٌ ورَهْوَى: لَا تَمْتَنِعُ مِنَ الفُجور، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْمُودَةٍ عِنْدَ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَن يُعَين ذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ الْوَاسِعَةُ الْهَنِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
لقدْ وَلَدَتْ أَبا قابُوسَ رَهْوٌ ... نَؤُومُ الفَرْجِ، حَمْراءُ العِجانِ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَغَيْرُهُ: نزَلَ المخَبَّل السَّعْديّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسفاره، عَلَى خُلَيْدة ابْنةِ الزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ وَكَانَ يُهاجِي أَباها فعرَفته وَلَمْ يَعْرِفْهَا، فأَتته بغَسُولٍ فغَسَلَتْ رأْسَه وأَحسَنَت قِراهُ وزَوَّدته عِنْدَ الرِّحْلة فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنتِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا تُرِيدُ إِلى اسمِي؟ قَالَ: أُريد أَن أَمدحك فَمَا رأَيت امرأَة مِنَ الْعَرَبِ أَكرم مِنْكِ قَالَتْ: اسْمِي رَهْوٌ قَالَ: تَاللَّهِ مَا رأَيت امرأَةً شَرِيفَةً سُمِّيَت بِهَذَا الاسْم غيرَكِ، قَالَتْ: أَنت سَمَّيْتَني بِهِ، قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟

(14/341)


قَالَتْ: أَنا خُلَيْدةُ بنتُ الزِّبْرِقان، وَقَدْ كَانَ هَجَاها وزوجَها هَزَّالًا فِي شِعْرِهِ فَسَمَّاهَا رَهْواً؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وأَنْكَحْتَ هَزَّالًا خُلَيْدةَ، بَعْدَ ما ... زَعَمْتَ برأْسِ العَيْنِ أَنك قاتِلُهْ
فأَنْكَحْتُمُ رَهْواً، كأَنَّ عِجانَها ... مَشَقُّ إِهابٍ أَوْسَعَ السَّلْخَ ناجِلُهْ
فجعَل عَلَى نَفْسِه أَن لَا يَهْجُوَها وَلَا يهجُوَ أَباها أَبداً، واسْتَحَى وأَنشأَ يَقُولُ:
لقدْ زَلَّ رَأْيِي فِي خُلَيْدة زَلَّةً، ... سأُعْتِبُ قَوْمِي بَعْدَها فأَتُوبُ
وأَشْهَدُ، والمُسْتَغْفَرُ اللهُ، أَنَّني ... كذَبْتُ عَلَيْهَا، والهِجاءُ كَذُوبُ
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهه، يصفُ السماءَ: ونَظَمَ رَهَواتِ فُرَجِها
أَي المواضعَ المُتَفَتِّحَةَ مِنْهَا، وَهِيَ جَمْعُ رَهْوَة. أَبو عَمْرٍو: أَرْهَى الرجلُ إِذا تَزَوَّج بالرَّهاء، وَهِيَ الخِجامُ الْوَاسِعَةُ العَفْلَق. وأَرْهَى: دامَ عَلَى أَكْلِ الرَّهْوِ، وَهُوَ الكُرْكِيُّ. وأَرْهَى: أَدامَ لضِيفانِه الطَّعامَ سَخاءً. وأَرْهَى: صادَفَ مَوْضِعاً رَهَاءً أَي واسِعاً. وبِئرٌ رَهْوٌ: واسِعَة الفَمِ. والرَّهْوُ: مُسْتَنْقَع الْمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَنْقَع الْمَاءِ مِنَ الجُوَبِ خاصَّة. أَبو سَعِيدٍ: الرَّهْوُ مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض وارْتَفَع مَا حَوْلَه. والرَّهْوُ: الجَوْبَةُ تَكُونُ فِي مَحَلَّةِ القَوْمِ يسيلُ إِليها المَطَر، وَفِي الصِّحَاحِ: يَسِيلُ فِيهَا المَطَر أَو غيرُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّه قَضَى أَنْ لَا شُفْعَة فِي فِناءٍ وَلَا طَريقٍ وَلَا مَنْقَبَةٍ وَلَا رُكْحٍ وَلَا رَهْوٍ
، وَالْجَمْعُ رِهاءٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفِنَاءُ فِنَاءُ الدَّارِ وَهُوَ مَا امْتَدَّ مَعَها مِنْ جَوانِبها، والمَنْقَبةُ الطريقُ بينَ الدارَيْنِ، والرُّكْحُ ناحِيةُ البَيْتِ مِنْ وَرائِهِ ورُبَّما كانَ فَضَاءً لَا بِناءَ فِيهِ. والرَّهْوُ: الجَوْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي مَحَلَّة القَوْم يسيلُ إِليها مِياهُهُم، قَالَ: وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يكُن مُشَارِكًا إِلَّا فِي واحدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الخَمْسةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بهذهِ المشارَكة شُفْعَة حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا فِي عَيْن العَقَار والدُّورِ والمَنازِلِ الَّتِي هَذِهِ الأَشْيَاءُ مِنْ حُقُوقِها، وأَنّ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الأَشْياء لَا يُوجِبُ لَهُ شُفْعة، وَهَذَا قولُ أَهلِ الْمَدِينَةِ لأَنَّهم لَا يوجِبُون الشُّفْعَة إِلَّا للشَّرِيك المُخالِطِ، وأَما قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
لَا يُمْنَعُ نَقْعُ البئرِ وَلَا رَهْوُ الماءِ
، ويُرْوى:
لَا يُباعُ
، فإِن الرَّهْو هُنَا المُستَنْقَع، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الماءَ الواسِعَ المُتَفَجِّر، وَالْحَدِيثُ نَهَى أَن يُباعَ رَهْوُ الماءِ أَو يُمْنع رَهْوُ الْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد مُجْتَمِعَه، سُمِّيَ رَهْواً باسمِ الموضعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لانْخِفاضِه. والرَّهْوُ: حَفِيرٌ يُجْمَع فِيهِ الماءُ. والرَّهْو: الواسِعُ. والرَّهَاءُ: الواسِعُ مِنَ الأَرضِ المُسْتَوِي قَلَّما يَخلُو منَ السَّرابِ. ورَهاءُ كلِّ شَيْءٍ: مُسْتَواهُ. وطريقٌ رَهَاءٌ: وَاسِعٌ، والرَّهاءُ شبيهٌ بالدُّخانِ والغَبَرة؛ قَالَ:
وتَحْرَجُ الأَبْصار فِي رَهَائِهِ
أَي تَحَارُ. والأَرْهاء: الجَوانِبُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَقِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ أَيُّ البِلادِ أَمْرَأُ؟ قَالَتْ: أَرْهَاءُ أَجَإٍ أَنَّى شَاءَتْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا أَن هَمْزَةَ الرَّهاء والأَرْهاءِ واوٌ لَا ياءٌ لأَن رَ هَـ وأَكثر مِنْ ر هـ ي، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتِ الْيَاءُ أَمْلَكَ بِهَا لأَنها لَامٌ. ورَهَتْ تَرْهُو رَهْواً: مَشَتْ مَشْياً خَفِيفاً فِي رِفْق؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ فِي نَعْتِ الرِّكَابِ:

(14/342)


يَمْشِينَ رَهْواً، فَلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ، ... وَلَا الصُّدُورُ عَلَى الأَعْجازِ تَتَّكِلُ
والرَّهْوُ: سَيْرٌ خَفِيفٌ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي سَيْرِ الإِبل. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّهْوُ السَّيْرُ السَّهْلُ. يُقَالُ: جاءَت الخَيْلُ رَهْواً أَي مُتَتَابِعَةً. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذْ مَرَّتْ بِهِ عَنانَةٌ تَرَهْيَأَتْ
أَي سحابةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْمَطَرِ فَهِيَ تُرِيدُهُ وَلَمْ تَفْعَل. والرَّهْو: شِدَّةُ السَّيْرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَقَوْلُهُ:
إِذا مَا دَعا داعِي الصَّباحِ أَجابَهُ ... بَنُو الحَرْب مِنَّا، والمَراهِي الضَّوابِعُ
فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: الْمَرَاهِي الْخَيْلُ السِّرَاعُ، وَاحِدُهَا مُرْهٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَوْ كَانَ مِرْهىً كَانَ أَجود، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه لَمْ يَعْرِفْ أَرْهَى الفَرَسُ وإِنما مِرْهىً عِنْدَهُ عَلَى رَها أَو عَلَى النَّسَبِ. الأَزهري: قَالَ العُكْلِيّ المُرْهِي مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي تَرَاهُ كأَنَّه لَا يُسْرِع وإِذا طُلِبَ لَمْ يُدْرَكْ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الرَّهْوُ مِنَ الطَّيْرِ والخيلِ السِّراعُ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
يُرَيْنَ عَصائباً يَرْكُضْنَ رَهْواً، ... سَوابِقُهُنَّ كالحِدَإِ التُّؤامِ
وَيُقَالُ: رَهْواً يَتْبَعُ بعضُها بَعْضًا: وَقَالَ الأَخطل:
بَني مهْرَةٍ، والخَيْلُ رَهْوٌ كأَنها ... قِداحٌ عَلَى كَفَّي مُجيلٍ يُفيضُها
أَي متتابعةٌ. والرَّهْوُ: مِنَ الأَضداد، يَكُونُ السَّيْرَ السَّهْلَ وَيَكُونُ السَّريعَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِي السَّريع:
فأَرْسَلَها رَهْواً رِعالًا، كأَنَّها ... جَرادٌ زهَتْهُ ريحُ نَجْدٍ فأَتْهَما
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَها يَرْهو فِي السَّيْرِ أَي رَفَقَ. وَشَيْءٌ رَهْوٌ: رَقِيقٌ، وَقِيلَ مُتَفَرِّق. ورَها بَيْنَ رِجْلَيْهِ يَرْهو رَهْواً: فَتَح؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد أَبو زِيَادٍ:
تَبيتُ، مِنْ شَفّانِ إِسْكَتَيْها ... وحِرِها، راهِيَةً رِجْلَيْها
وَيُقَالُ: رَها مَا بَيْنَ رِجْلَيْه إِذا فَتَحَ مَا بَيْنَ رِجليه. الأَصمعي: وَنَظَرَ أَعرابي إِلى بَعِيرٍ فالِجٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ رَهْوٌ بَيْنَ سَنامَيْن أَيْ فَجْوَةٌ بينَ سَنامَيْن، وَهَذَا مِنَ الانْهِباط. والرَّهْوُ: مَشْيٌ فِي سُكونٍ. وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ سَهْواً رَهْواً أَي سَاكِنًا بِغَيْرِ تَشَدُّدٍ. وثوبٌ رَهْوٌ: رَقيقٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي عَطَاءٍ:
وَمَا ضَرَّ أَثْوابي سَوادي، وتَحْتَه ... قَميصٌ مِنَ القوهِيِّ، رَهْوٌ بَنائقُهْ
وَيُرْوَى: مَهْوٌ ورَخْفٌ، وكلُّ ذَلِكَ سَواءٌ. وخِمارٌ رَهْوٌ: رَقيقٌ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَلي الرأْسَ وَهُوَ أَسْرَعُهُ وسَخاً. والرَّهْوُ والرَّهْوَةُ: المَكانُ المُرْتَفِعُ والمُنْخَفِضُ أَيضاً يَجتَمِع فِيهِ الماءُ، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّهْوة الارْتِفاعُ والانْحِدارُ ضِدٌّ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ النُّمَيْري:
دَلَّيْتُ رِجْلَيَّ فِي رَهْوَةٍ، ... فَما نالَتا عندَ ذاكَ القَرارا
وأَنشده أَبو حَاتِمٍ عَنْ أُمّ الهَيْثم؛ وأَنشد أَيضاً:
تَظَلُّ النساءُ المُرْضِعاتُ بِرَهْوةٍ ... تَزَعْزَعُ، من رَوْعِ الجَبانِ، قُلوبُها
فَهَذَا انْحِدار وانْخِفاض؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلثوم:
نَصَبْنا مِثْلَ رَهْوَةَ ذَاتَ حَدٍّ ... مُحافَظةً، وكُنّا السابِقينا

(14/343)


وَفِي التَّهْذِيبِ: وَكُنَّا المُسْنِفينا، وَفِي الصِّحَاحِ: وَكُنَّا الأَيْمَنينا، كأَنَّ رَهْوَةَ هَاهُنَا اسْمٌ أَو قارةٌ بِعَيْنِهَا، فَهَذَا ارْتِفَاعٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَهْوَةُ اسْمُ جَبَلٍ بِعَيْنِهِ، وذاتُ حَدٍّ: مِنْ نَعْتِ الْمَحْذُوفِ، أَراد نَصَبْنا كَتيبَةً مِثلَ رَهْوَة ذاتَ حَدٍّ، ومُحافظة: مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْحَدُّ: السِّلَاحُ وَالشَّوْكَةُ؛ قَالَ: وَكَانَ حَقُّ الشَّاهِدِ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ أَن تَكُونَ الرَّهْوَةُ فِيهِ تَقَعُ عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الأَرض فَلَا تَكُونُ اسْمَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وعُذْره فِي هَذَا أَنه إِنما سُمِّيَ الْجَبَلُ رَهْوَةً لارْتِفاعه فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى الْمَعْنَى. وشاهدُ الرَّهْوَة لِلْمُرْتَفِعِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
وسُئل عَنْ غَطَفان فَقَالَ رَهْوَةٌ تَنْبَع مَاءً
، فَ رَهْوَةٌ هُنَا جَبَلٌ يَنْبَعُ مِنْهُ مَاءٌ، وأَراد أَنَّ فِيهِمْ خُشونةً وتَوَعُّراً وتَمَنُّعاً، وأَنهم جَبَلٌ يَنْبَعُ مِنْهُ الْمَاءُ، ضَرَبَهُ مَثَلًا. قَالَ: والرَّهْوُ والرَّهْوَةُ شِبْهُ تَلٍّ صَغِيرٍ يَكُونُ فِي مُتون الأَرض وعلى رؤوس الْجِبَالِ، وَهِيَ مَواقِع الصُّقور والعِقبان؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَظَرْتُ، كَمَا جَلّى عَلَى رأْسِ رَهْوَةٍ ... مِن الطَّيْرِ أَقْنى، يَنْفُضُ الطَّلَّ أَزْرَقُ
الأَصمعي وَابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّهْوَةُ والرَّهْوُ مَا ارتفعَ مِنَ الأَرض. ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّهْوَةُ الرَّابِية تضْرِبُ إِلى اللِّين وطولُها فِي السَّمَاءِ ذِرَاعَانِ أَو ثَلَاثَةٌ، وَلَا تَكُونُ إِلا فِي سهولِ الأَرض وجَلَدِها مَا كَانَ طِينًا وَلَا تَكُونُ فِي الجِبال. الأَصمعي: الرِّهاءُ أَماكنُ مُرْتَفِعَةٌ، الْوَاحِدُ رَهْوٌ. والرَّهَاءُ: مَا اتَّسع مِنَ الأَرض؛ وأَنشد:
بِشُعْثٍ عَلَى أَكْوارِ شُدْفٍ رَمى بِهِمْ ... رَهاء الفَلا نَابِي الهُمومِ القَواذِف
والرَّهَاء: أَرض مُسْتَوِيةٌ قَلَّما تَخْلُو مِنَ السَّرَابِ. الْجَوْهَرِيُّ: ورَهْوَةٌ فِي شِعر أَبي ذُؤَيب عَقَبة بِمَكَانٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ بَيْتُ أَبي ذُؤَيْبٍ هُوَ قَوْلُهُ:
فإِنْ تُمْسِ فِي قَبْرٍ برَهْوَةَ ثاوِياً، ... أَنيسُك أَصْداءُ القُبور تَصيحُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رَهْوَى مَوْضِعٌ وَكَذَلِكَ رَهْوَةُ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لأَبي ذُؤَيْبٍ:
فإِن تمسِ فِي قَبْرٍ برَهْوَة ثَاوِيًا
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: رَهْوَةُ جَبَلٌ؛ وأَنشد:
يوعِدُ خَيْراً، وهْوَ بالرَّحْراحِ ... أَبْعَدُ مِن رَهْوةَ مِن نُباحِ
نُباحٌ: جَبَلٌ. ابْنُ بُزُرْجَ: يَقُولُونَ لِلرَّامِي وَغَيْرِهِ إِذا أَساء أَرْهِهْ أَي أَحْسِنْ. وأَرْهَيْت: أَحْسَنْت. والرَّهْو: طَائِرٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ الكُرْكِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ طَيْر الْمَاءِ يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: والرَّهْوُ طَائِرٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ هُوَ طَائِرٌ غَيْرُ الْكُرْكِيِّ يَتزوَّد الْمَاءَ فِي اسْتِهِ؛ قَالَ: وإِياه أَراد طَرَفة بِقَوْلِهِ:
أَبا كَرِبٍ، أَبْلِغْ لَدَيْكَ رِسالةً ... أَبا جابِرٍ عَنِّي، وَلَا تَدَعَنْ عَمْرا
هُمُ سَوَّدوا رَهْواً تَزَوَّدَ فِي اسْتِه، ... مِنَ الماءِ، خالَ الطَّيْرَ وارِدةً عَشْرا
وأَرْهى لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَرْهَيْتُه أَنا لَكَ أَي مَكَّنْتُكَ مِنْهُ. وأَرْهَيْتُ لَهُمُ الطَّعامَ والشرابَ إِذا أَدَمْتَه لَهُم؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ مِثْلُ أَرْهَنْتُ، وَهُوَ طَعَامٌ رَاهِنٌ وراهٍ أَي دائمٌ؛ قَالَ الأَعشى:
لَا يَسْتَفِيقونَ مِنْها، وهْيَ رَاهِيةٌ، ... إِلَّا بِهاتِ، وإِنْ عَلُّوا وإِن نَهِلُوا

(14/344)


وَيُرْوَى: رَاهِنَةٌ، يَعْنِي الخَمْر. والرَّهِيَّةُ: بُرٌّ يُطحَن بَيْنَ حَجَرَيْنِ ويُصَبُّ عَلَيْهِ لَبَن، وَقَدِ ارْتَهَى. والرُّها «3» : بَلَدٌ بِالْجَزِيرَةِ يُنْسَبُ إِليه ورَق المَصاحف، وَالنِّسْبَةُ إِليه رُهاوِيٌّ. وبَنُو رُهاء، بِالضَّمِّ «4» : قَبِيلَةٌ مِنْ مَذْحجٍ وَالنِّسْبَةُ إِليهم رُهَاوِيٌّ. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ هَرَا: ابْنُ الأَعرابي هَارَاهُ إِذا طانَزه، ورَاهاهُ إِذا حَامَقَهُ.
روي: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الأَلف: رُواوةُ مَوْضِعٌ مِنْ قِبَل بِلَادِ بَنِي مُزَيْنةَ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وغَيَّرَ آياتٍ، بِبُرْقِ رُواوةٍ، ... تَنائِي اللَّيالي، والمَدَى المُتَطاوِلُ
وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: رَوِيَ مِنَ الْمَاءِ، بِالْكَسْرِ، وَمِنَ اللَّبَن يَرْوَى رَيّاً ورِوىً أَيضاً مِثْلُ رِضاً وتَرَوَّى وارْتَوَى كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَالِاسْمُ الرِّيُّ أَيضاً، وَقَدْ أَرْواني. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الْغَزِيرَةِ: هِيَ تُرْوِي الصَّبِيَّ لأَنه يَنام أَول الليلِ، فأَراد أَنّ دِرَّتها تَعْجَلُ قبلَ نَوْمِه. والرَّيَّانُ: ضِدُّ العَطْشان، وَرَجُلٌ رَيّانُ وامرأَة رَيَّا مِن قَوْمٍ رِواءٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَمّا رَيَّا الَّتِي يُظنّ بِهَا أَنها مِنْ أَسماء النِّسَاءِ فإِنه صِفَةٌ، عَلَى نَحْوِ الحَرث والعَباسِ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا اللَّامُ، اتَّخَذُوا صِحَّةَ الْيَاءِ بَدَلًا مِنَ اللَّامِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى نَحْوِ زَيْدٍ مِنَ الْعَلَمِيَّةِ لَكَانَتْ رَوَّى مِنْ رَوِيت، وَكَانَ أَصلها رَوْيا فَقُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لأَن فَعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا وأَلفها يَاءً قُلِبَتْ إِلى الْوَاوِ كتَقْوَى وشرْوَى، وإِن كَانَتْ صِفَةً صَحَّتِ الْيَاءُ فِيهَا كصَدْيا وخَزْيا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَزِدْتُهُ بَيَانًا. الْجَوْهَرِيُّ: المرأَة رَيَّا وَلَمْ تُبدل مِنَ الْيَاءِ وَاوٌ لأَنها صِفَةٌ، وإِنما يُبدلون الْيَاءَ فِي فَعْلَى إِذا كَانَتِ اسْمًا وَالْيَاءُ مَوْضِعُ اللَّامِ، كَقَوْلِكَ شَرْوَى هَذَا الثوبِ وإِنما هُوَ مِنْ شَرَيْت، وتَقْوَى وإِنما هُوَ مِنَ التَّقِيَّة، وإِن كَانَتْ صِفَةً تَرَكُوهَا عَلَى أَصلها قَالُوا امرأَة خَزْيا ورَيَّا، وَلَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَتْ رَوَّى لأَنك كُنْتَ تُبْدِلُ الأَلف وَاوًا مَوْضِعَ اللَّامِ وَتَتْرُكُ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ فَعْلَى عَلَى الأَصل؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهَا
إِنما أَخرجه عَلَى الصِّفَةِ. وَيُقَالُ: شَرِبْت شُرْباً رَوِيّاً. ابْنُ سِيدَهْ: ورَوِيَ النَّبْتُ وتَرَوَّى تَنَعَّم. ونَبْتٌ رَيّانُ وشَجر رِواءٌ؛ قَالَ الأَعشى:
طَرِيقٌ وجَبّارٌ رِواءٌ أُصولُه، ... عَلَيْهِ أَبابِيلٌ مِنَ الطَّيْرِ تَنْعَبُ
وَمَاءٌ رَوِيٌّ ورِوىً ورَواءٌ: كَثِيرٌ مُرْوٍ؛ قَالَ:
تَبَشّرِي بالرِّفْهِ والماءِ الرِّوَى، ... وفَرَجٍ مِنْكِ قَرِيب قَدْ أَتَى
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
أَرَى إِبِلِي بِجَوْفِ الماءِ حَنَّتْ، ... وأَعْوَزَها بِه الماءُ الرَّوَاءُ
وماءٌ رَوَاء، مَمْدُودٌ مَفْتُوحُ الرَّاءِ، أَي عَذْبٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
مَنْ يَكُ ذَا شَكّ، فَهَذَا فَلْجُ ... ماءٌ رَواءٌ وطَرِيقٌ نَهْجُ
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: واجْتَهَرَ دُفُنَ الرَّواء
، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَقِيلَ: العَذْب الَّذِي فِيهِ للوارِدين رِيٌّ.
__________
(3) . قوله [والرُّها إلخ] هو بالمدّ والقصر كما في ياقوت
(4) . قوله [وبنو رُهَاء بالضم] تبع المؤلف الجوهري، والذي في القاموس كسماء

(14/345)


وَمَاءٌ رِوىً، مَقْصُورٌ بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ يَصْدُر «1» . مَنْ يَرِدُه عَنْ غَيْرِ رِيٍّ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلا صِفَةً لأَعْداد الْمِيَاهِ التي لا تَنْزَحُ وَلَا يَنقطع مَاؤُهَا؛ وَقَالَ الزَّفيان السَّعْدِيُّ:
يَا إِبِلِي مَا ذامُه فَتَأْبَيْهْ ... «2» . ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ
هَذَا مَقامٌ لَكِ حَتَّى تِيبَيْهْ
إِذا كَسَرَتَ الرَّاءَ قَصَرْتَهُ وَكَتَبْتَهُ بِالْيَاءِ فَقُلْتَ مَاءٌ رِوىً، وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي فِيهِ للوارِدةِ رِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
فصَبِّحا عَيْناً رِوىً وفَلْجا
وَقَالَ الجُمَيْحُ بْنُ سُدَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ:
مُسْحَنْفِرٌ يَهْدِي إِلى مَاءٍ رِوَى، ... طامِي الجِمام لَمْ تَمَخَّجْه الدِّلا
المُسْحَنْفِرُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَالْمَاءُ الرِّوَى: الْكَثِيرُ، والجِمامُ: جَمْعُ جَمَّة أَي هَذَا الطَّرِيقُ يَهْدِي إِلى مَاءٍ كَثِيرٍ. ورَوَّيْتُ رأْسِي بالدُّهْن ورَوَّيْت الثَّرِيدَ بالدَّسم. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّاوِيَةُ المَزادة فِيهَا الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْبَعِيرُ رَاوِيَة عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ غَيْرِهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فتَوَلَّوْا فاتِراً مَشْيُهُمُ، ... كَرَوَايا الطِّبْعِ هَمَّتْ بالوَحَلْ
وَيُقَالُ للضَّعيف الوادِع: مَا يَرُدُّ الرَّاوِيَة أَي أَنه يَضْعُف عَنْ ردِّها عَلَى ثِقَلها لِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ. والرَّاوِيَة: هُوَ الْبَعِيرُ أَو الْبَغْلُ أَو الْحِمَارُ الَّذِي يُستقى عَلَيْهِ الْمَاءُ والرَّجل الْمُسْتَقِي أَيضاً رَاوِيَة. قَالَ: وَالْعَامَّةُ تُسَمِّي المَزادة رَاوِيَة، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، والأَصل الأَول؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
تَمْشِي مِنَ الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ، ... مَشْيَ الرَّوَايَا بالمَزادِ الأَثْقَلِ «3»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الرَّاوِيَة الْبَعِيرُ قَوْلُ أَبي طَالِبٍ:
ويَنْهَضُ قَوْمٌ، فِي الحَدِيد، إِلَيْكُمُ ... نُهُوضَ الرَّوايا تحتَ ذاتِ الصَّلاصِلِ
ف الرَّوَايا: جَمْعُ رَاوِيَة لِلْبَعِيرِ: وَشَاهِدُ الرَّاوِيَة للمَزادة قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مِلْقَط:
ذاكَ سِنانٌ مُحْلِبٌ نَصْرُه، ... كالجَمَلِ الأَوْطَفِ بالرَّاوِيَةْ
وَيُقَالُ: رَوَيْتُ عَلَى أَهلي أَرْوِي رَيَّةً. قَالَ: وَالْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ إِنما هِيَ المَزادة، سُمِّيَتْ رَاوِيَةً لِمَكَانِ الْبَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُهَا وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ رَوَيْتُ القومَ أَرْوِيهم إِذا استَقَيْت لهم. وَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ رَيَّتُكم أَي مِنْ أَين تَرْتَوُون الْمَاءَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّوَاء الحَبْل الَّذِي يُرْوَى بِهِ عَلَى الرَّاوِيَةِ إِذا عُكِمَتِ المزادتانِ. يُقَالُ: رَوَيْت عَلَى الراَّوية أَرْوِي رَيّاً فأَنا راوٍ إِذا شدَدْتَ عَلَيْهِمَا الرِّواء؛ قَالَ: وأَنشدني أَعرابي وَهُوَ يُعاكِمُني:
رَيَّاً تَمِيميّاً عَلَى المزايدِ
وَيُجْمَعُ الرِّواءُ أَرْوِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ المِرْوَى، وَجَمْعُهُ مَراوٍ ومَراوَى. وَرَجُلٌ رَوَّاء إِذا كَانَ الاستقاءُ بِالرَّاوِيَةِ لَهُ صِناعةً، يُقَالُ: جَاءَ رَوّاءُ الْقَوْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَمَّى السَّحابَ رَوَايا البِلادِ
؛ الرَّوَايا مِنَ الإِبلِ: الحَوامِلُ للماء،
__________
(1) . قوله [إذا كان يصدر إلخ] كذا بالأصل ولعله إذا كان لا يصدر كما يقتضيه السياق
(2) . قوله [فتأبيه إلخ] هو بسكون الياء والهاء في الصحاح والتكملة، ووقع لنا في مادة حول وذام وأبي من اللسان بفتح الياء وسكون الهاء
(3) . قوله [الأثقل] هو هكذا في الأصل والجوهري هنا ومادة ردد، ووقع في اللسان في ردد المثقل

(14/346)


وَاحِدَتُهَا رَاوِيةٌ فشبَّهها بِهَا، وَبِهِ سُمِّيَتِ المزادةُ رَاوِيَةً، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
فإِذا هُوَ برَوَايا قُرَيْشٍ
أَي إِبِلِهِم الَّتِي كَانُوا يَسْتَقُونَ عَلَيْهَا. وتَرَوَّى القومُ ورَوَّوْا: تَزَوَّدُوا بِالْمَاءِ. ويَوْم التّرْوِية: يوْمٌ قَبْلَ يومِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحِجّة، سُمِّيَ بِهِ لأَن الحُجّاج يتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وينهَضُون إِلى مِنىً وَلَا مَاءَ بِهَا فيتزوَّدون رِيَّهم مِنَ الْمَاءِ أَي يَسْقُون ويَسْتَقُون. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يُلبِّي بالحَجِّ يومَ التَّرْوِيَةِ.
ورَوَيْت عَلَى أَهلي ولأَهلي رَيّاً: أَتيتُهم بِالْمَاءِ، يُقَالُ: مِنْ أَيْن رَيَّتُكم أَي مِنْ أَين تَرْتَوُون الْمَاءَ. ورَوَيْتُ عَلَى البَعير رَيّاً: اسْتَقَيْتُ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ:
وَلَنَا رَوايا يَحْمِلون لَنَا ... أَثْقالَنا، إِذ يُكْرَهُ الحَمْلُ
إِنما يَعْنِي بِهِ الرِّجَالَ الَّذِينَ يحْمِلون لَهُمُ الدِّياتِ، فَجَعَلَهُمْ كَرَوَايَا الْمَاءَ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ لسادةِ الْقَوْمِ الرَّوايا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهِيَ جَمْعُ راوِيةٍ، شَبّه السيِّد الَّذِي تحَمَّل الدِّيات عَنِ الْحَيِّ بالبَعير الرَّاوِيَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعي:
إِذا نُدِيَتْ رَوَايَا الثِّقْلِ يَوْماً، ... كَفَيْنا المُضْلِعاتِ لِمَنْ يَلِينا
أَراد بِرَوَايَا الثِّقْل حَوامِل ثِقْل الدِّيات، والمُضْلِعات: الَّتِي تُثْقِلُ مَنْ حَمَلَها، يَقُولُ: إِذا نُدِبَ للدِّيات المُضْلِعةِ حَمَّالوها كُنَّا نَحْنُ المُجِيبين لحمْلِها عمَّن يَلِينا مِنْ دُونِنَا. غَيْرُهُ: الرَّوَايا الَّذِينَ يحْمِلون الْحَمَالَاتِ؛ وأَنشدني ابْنُ بَرِّيٍّ لِحَاتِمٍ:
اغْزُوا بَنِي ثُعَل، والغَزْوُ جَدُّكُم ... جَدُّ الرَّوايا، وَلَا تَبْكُوا الَّذِي قُتِلا
وَقَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَذَكَرَ قَوْمًا أَغاروا عَلَيْهِمْ: لَقِينَاهُمْ فقَتَلْنا الرَّوَايَا وأَبَحْنا الزَّوايا أَي قَتَلْنا السادةَ وأَبَحْنا البُيوت وَهِيَ الزَّوايا. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ يَعْقُوبُ ورَوَيْتُ القومَ أَرْويهم إِذا اسْتَقَيْتُ لَهُمُ الْمَاءَ. وَقَوْمٌ رِوَاء مِنَ الْمَاءِ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ؛ قَالَ عُمر بْنُ لجَإٍ:
تَمْشي إِلى رِواءِ عاطِناتِها، ... تحَبُّسَ العانِسِ فِي رَيْطاتِها
وتَرَوَّت مفاصِلُه: اعْتَدَلَتْ وغَلُظَتْ، وارْتَوَت مَفَاصِلُ الرَّجُلِ كَذَلِكَ. اللَّيْثُ: ارْتَوَتْ مَفَاصِلُ الدَّابَّةِ إِذا اعْتَدَلت وغَلُظت، وارْتَوَت النَّخْلَةُ إِذا غُرست فِي قَفْر ثُمَّ سُقِيَت فِي أَصلها، وارْتَوَى الحَبْلُ إِذا كَثُرَ قُواه وغَلُظ فِي شِدَّة فَتْلٍ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَذْكُرُ قَطَاةً وفَرْخَها:
تَرْوي لَقىً أُلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ، ... تَصْهَرُه الشَّمس فَمَا يَنْصَهِرْ
تَرْوِي: مَعْنَاهُ تَسْتقي يُقَالُ: قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ اسْتَقى عَلَى الرَّاوِيَة. وَفَرَسٌ رَيَّانُ الظَّهْرِ إِذا سمِنَ مَتْناهُ. وَفَرَسٌ ظَمْآنُ الشَّوى إِذا كَانَ مُعَرَّق الْقَوَائِمِ، وإِنَّ مفاصِله لظِماء إِذا كَانَ كَذَلِكَ؛ وأَنشد:
رِواء أَعالِيهِ ظِماء مفاصِلُهْ
والرِّيُّ: المَنْظرُ الحسَنُ فِيمَنْ لَمْ يَعْتَقِدِ الْهَمْزَ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ لِمَكَانِ النَّعْمة وأَنه خِلَافُ أَثَرِ الجَهْد والعَطش والذُّبول. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَحسَنُ أَثاثاً ورِيّاً؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهل المدينة يقرؤونها رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ مِنْ رأَيت لأَنه مع آيات لسْنَ مَهْمُوزَاتِ الأَواخر، وَذَكَرَ بعضهم أَنه ذهب بالرِّيّ إِلى رَوَيْت إِذا لم يُهْمَزْ،

(14/347)


وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ رِيّاً بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَهُ تَفْسِيرَانِ، أَحدهما أَنّ مَنْظَرَهم مُرْتَوٍ مِنَ النَّعْمة كأَن النَّعِيمَ بيِّنٌ فِيهِمْ، وَيَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ مِنْ رأَيت. ورَوى الحَبْلَ رَيّاً فارْتَوى: فتَلَه، وَقِيلَ: أَنْعم فَتْله. والرِّوَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: حَبْلٌ مِنْ حِبال الخِباء، وَقَدْ يُشدُّ بِهِ الحِمْل والمَتاع عَلَى الْبَعِيرِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الرِّوَاءُ أَغْلَظُ الأَرْشيةِ، وَالْجَمْعُ الأَرْوِية؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
إِنِّي إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ، ... وشُدَّ فوْقَ بَعْضِهِمْ بالأَرْويَهْ،
هُناك أَوْصيني وَلَا تُوصِي بِيَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
ومَعِي إِداوةٌ عَلَيْهَا خِرْقةٌ قَدْ روَّأْتها.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْهَمْزِ، وَالصَّوَابُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَي شَدَدتها بِهَا وَرَبَطْتها عَلَيْهَا. يقال: رَوَيْت الْبَعِيرَ، مُخَفَّفُ الْوَاوِ، إِذا شَدَدْت عَلَيْهِ بالرِّواء. وارْتَوَى الحبْلُ: غلُظَت قُوَاهُ، وَقَدْ رَوَى عَلَيْهِ رَيّاً وأَرْوَى. ورَوَى عَلَى الرَّجل: شدَّه بالرِّواءِ لِئَلَّا يسقُط عَنِ الْبَعِيرِ مِنَ النَّوْمِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنِّي عَلَى مَا كانَ مِنْ تَخَدُّدي، ... ودِقَّةٍ فِي عَظْمِ سَاقِي ويَدِي،
أَرْوي عَلَى ذِي العُكَنِ الضَّفَنْدَدِ
وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كَانَ يأْخذ مَعَ كُلِّ فريضةٍ عِقالًا ورِواءً
؛ الرِّوَاء، مَمْدُودٌ، وَهُوَ حَبْلٌ؛ فإِذا جَاءَتْ إِلى الْمَدِينَةِ باعَها ثُمَّ تَصدَّق بِتِلْكَ العُقُل والأَرْوِيِة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرِّواء الحَبْلُ الَّذِي يُقْرَن بِهِ البعيرانِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الرِّوَاء الحَبْل الَّذِي يُرْوى بِهِ عَلَى الْبَعِيرِ أَي يُشدّ بِهِ الْمَتَاعُ عَلَيْهِ، وأَما الحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ البعِيرانِ فَهُوَ القَرَنُ والقِرانُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّوِيُّ السَّاقِي، والرَّوِيُّ الضَّعيفُ، والسَّوِيُّ الصَّحِيحُ البَدَنِ والعقلِ. وَرَوَى الحديثَ والشِّعْرَ يَرْوِيه رِوَاية وتَرَوَّاه، وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها قَالَتْ: تَرَوَّوْا شِعْر حُجَيَّة بْنِ المُضَرِّبِ فإِنه يُعِينُ عَلَى البِرِّ
، وَقَدْ رَوَّاني إِياه، وَرَجُلٌ راوٍ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَما كَانَ، فِي مَعْدانَ والفيلِ، شاغِلٌ ... لِعَنْبَسةَ الرَّاوي عليَّ القَصائدا؟
ورَاوِيةٌ كَذَلِكَ إِذا كَثُرَتْ روايتُه، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي صِفَتِهِ بالرِّواية. وَيُقَالُ: روَّى فُلَانٌ فُلَانًا شِعْرًا إِذا رَوَاهُ لَهُ حَتَّى حَفِظه للرِّواية عَنْهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَوَيْتُ الْحَدِيثَ والشِّعر رِوَاية فأَنا رَاوٍ، فِي الْمَاءِ والشِّعر، مِنْ قَوْمٍ رُوَاة. ورَوَّيْتُه الشِّعر تَرْوِيَةً أَي حَمَلْتُهُ عَلَى رِوايتِه، وأَرْوَيْتُه أَيضاً. وَتَقُولُ: أَنشد القصيدةَ يَا هَذَا، وَلَا تَقُلِ ارْوِها إِلا أَن تأْمره بِرِوَايَتِهَا أَي بِاسْتِظْهَارِهَا. وَرَجُلٌ لَهُ رُواء، بِالضَّمِّ، أَي منظرٌ. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَةَ: إِذا رأَيتُ رَجُلًا ذَا رُوَاء طَمِحَ بَصَرِي إِليه
؛ الرُّواء، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ: المنظرُ الْحَسَنُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الرَّاءِ وَالْوَاوِ، وَقَالَ: هُوَ مِنَ الرِّيِّ والارْتِواء، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ المَرأَى وَالْمَنْظَرِ فَيَكُونُ فِي الرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ. والرَّوِيُّ: حَرْفُ الْقَافِيَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ قَدْ حَداهُنَّ أَبو الجُوديِّ، ... بِرَجَزٍ مُسْحَنْفِرِ الرَّوِيِّ،
مُسْتَوِياتٍ كنَوى البَرْنيِ
وَيُقَالُ: قَصِيدَتَانِ عَلَى رَويّ وَاحِدٍ؛ قَالَ الأَخفش:

(14/348)


الرَّوِيُّ الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ وَيَلْزَمُ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذا قلَّ مالُ المَرْءِ قلَّ صديقُه، ... وأَوْمَتْ إِليه بالعُيوبِ الأَصابعُ
قَالَ: فَالْعَيْنُ حَرْفُ الرَّويّ وَهُوَ لَازِمٌ فِي كُلِّ بَيْتٍ؛ قَالَ: المتأَمل لِقَوْلِهِ هَذَا غَيْرُ مقْنعٍ فِي حَرْفِ الرَّويّ، أَلا تَرَى أَن قَوْلَ الأَعشى:
رحَلَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً أَجْمالَها، ... غَضْبى عليكَ، فَمَا تقولُ بَدَا لَهَا
تَجِدُ فِيهِ أَربعة أَحرف لَوَازِمٍ غَيْرَ مُخْتَلِفَةِ الْمَوَاضِعِ، وَهِيَ الأَلف قَبْلَ اللَّامِ ثُمَّ اللَّامُ وَالْهَاءُ والأَلف فِيمَا بَعْدُ، قَالَ: فَلَيْتَ شِعْرِي إِذا أَخذ الْمُبْتَدِي فِي مَعْرِفَةِ الرَّويّ بِقَوْلِ الأَخفش هَكَذَا مُجَرَّدًا كَيْفَ يَصِحُّ لَهُ؟ قَالَ الأَخفش: وَجَمِيعُ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تَكُونُ رَوِيّاً إِلا الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ اللَّواتي يكُنَّ للإِطلاق. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُ اللَّوَاتِي يكنَّ للإِطلاق فِيهِ أَيضاً مُسَامَحَةٌ فِي التَّحْدِيدِ، وَذَلِكَ أَنه إِنما يُعْلَمُ أَن الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ للإِطلاق، إِذا عَلِمَ أَن مَا قَبْلَهَا هُوَ الرَّوِيُّ فَقَدِ اسْتَغْنَى بِمَعْرِفَتِهِ إِياه عَنْ تَعْرِيفِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ. وَلَمْ يبقَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ هَاهُنَا غرضٌ مَطْلُوبٌ لأَن هَذَا مَوْضِعُ تَحْدِيدِهِ ليُعرف، فإِذا عُرف وعُلم أَن مَا بَعْدَهُ إِنما هُوَ للإِطلاق فَمَا الَّذِي يُلتَمس فِيمَا بَعْدُ؟ قَالَ: وَلَكِنْ أَحْوَطُ مَا يُقَالُ فِي حَرْفِ الرَّوِيِّ أَن جَمِيعَ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تَكُونُ رَويّاً إِلا الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ الزَّوَائِدَ فِي أَواخر الْكَلِمِ فِي بَعْضِ الأَحوال غَيْرَ مَبْنِيَّات فِي أَنْفُس الْكَلِمِ بِنَاءَ الأُصول نَحْوَ أَلف الجَرَعا مِنْ قَوْلِهِ:
يَا دارَ عَفْراء مِن مُحْتَلِّها الجَرعَا
وَيَاءِ الأَيَّامي مِنْ قَوْلِهِ:
هَيْهاتَ منزِلُنا بنَعْفِ سُوَيْقةٍ، ... كانتْ مُبَارَكَةً مِنَ الأَيَّامِ
وَوَاوِ الخِيامُو مِنْ قَوْلِهِ:
مَتَى كَانَ الخِيامُ بِذِي طُلُوحٍ، ... سُقيتِ الغَيْثَ، أَيتها الخِيامُ
وإِلَّا هَاءَيِ التأْنيث والإِضمار إِذا تَحَرَّكَ مَا قَبِلَهُمَا نَحْوَ طَلْحَهْ وضرَبَهْ، وَكَذَلِكَ الْهَاءُ الَّتِي تُبَيَّنُ بِهَا الْحَرَكَةُ نَحْوَ ارْمِهْ واغْزُهْ وفِيمَهْ ولِمَهْ، وَكَذَلِكَ التَّنْوِينُ اللَّاحِقُ آخِرَ الْكَلِمِ لِلصَّرْفِ كَانَ أَو لِغَيْرِهِ نَحْوَ زَيْدًا وصَهٍ وغاقٍ ويومئذٍ؛ وَقَوْلُهُ:
أَقِلِّي اللَّوْمَ، عاذِلَ، والعِتابَنْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
دايَنْتُ أَرْوى والدُّيونُ تُقْضَيَنْ
وَقَالَ الْآخَرُ:
يَا أَبَتا علَّك أَو عَساكَنْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
يَحْسَبُه الجاهلُ مَا لَمْ يَعْلَمَنْ
وَقَوْلُ الأَعشى:
وَلَا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَنْ
وَكَذَلِكَ الأَلفات الَّتِي تُبَدَّلُ مِنْ هَذِهِ النُّونَاتِ نَحْوَ:
قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فحَرِّكْ حَفْصا
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَحْسَبُه الجاهلُ مَا لَمْ يَعْلَما
وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ الَّتِي يُبْدِلُهَا قَوْمٌ مِنَ الأَلف فِي الْوَقْفِ نَحْوَ رأَيت رَجُلأْ وَهَذِهِ حُبْلأْ، وَيُرِيدُ أَن يضربَهأْ، وَكَذَلِكَ الأَلف وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ الَّتِي تَلْحَقُ الضَّمِيرَ نَحْوَ رأَيتها وَمَرَرْتُ بِهِي وَضَرَبْتُهُو وَهَذَا غُلَامُهُو وَمَرَرْتُ بِهِمَا

(14/349)


وَمَرَرْتُ بِهِمِي وَكَلَّمْتُهُمُو، وَالْجَمْعُ رَوِيَّات؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظن ذَلِكَ تَسَمُّحًا مِنْهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْعَرَبِ. والرَّوِيَّةُ فِي الأَمر: أَن تَنْظُر وَلَا تَعْجَل. ورَوَّيْت فِي الأَمر: لُغَةٌ فِي رَوَّأْت. ورَوَّى فِي الأَمر: لُغَةٌ فِي رَوَّأَ نَظَرَ فِيهِ وتَعقّبه وتَفَكَّر، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. والرَّوِيَّة. التَّفَكُّر فِي الأَمر، جَرَتْ فِي كَلَامِهِمْ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ: شَرُّ الرَّوايا رَوَايا الكَذِب
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ جَمْعُ رَوِيَّة وَهُوَ مَا يروِّي الإِنسانُ في نفسه من القول وَالْفِعْلِ أَي يُزَوِّرُ ويُفَكِّرُ، وأَصلها الْهَمْزُ. يُقَالُ: رَوَّأْتُ فِي الأَمر، وَقِيلَ: هِيَ جَمْعُ رَاوِيَةٍ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الرِّواية، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: جَمْعُ رَاوِيَة أَي الَّذِينَ يَرْوُون الْكَذِبَ أَو تَكْثُرُ رواياتُهم فِيهِ. والرَّوُّ: الخِصْبُ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لَنَا عِنْدَ فُلَانٍ رَوِيَّةٌ وأَشْكَلةٌ وَهُمَا الحاجةُ، وَلَنَا قِبَله صارَّة مِثْلُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبو زَيْدٍ بَقِيَتْ مِنْهُ رَوِيَّةٌ أَي بَقِيَّةٌ مِثْلُ التَّلِيَّة وَهِيَ الْبَقِيَّةُ مِنَ الشَّيْءِ. والرَّوِيَّةُ: البقيِّة مِنَ الدَّين وَنَحْوِهِ. والرَّاوِي: الَّذِي يقومُ عَلَى الْخَيْلِ. والرَّيَّا: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؛ قَالَ:
تطلَّعُ رَيَّاها مِنَ الكَفِرات
الكَفِراتُ: الْجِبَالُ العاليةُ الْعِظَامُ. وَيُقَالُ للمرأَة: إِنها لَطَيِّبَةُ الرَّيَّا إِذا كَانَتْ عَطِرَةَ الجِرْم. ورَيَّا كُلِّ شَيْءٍ: طِيبُ رائحتهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ «4» :
نَسِيمَ الصَّبا جاءتْ برَيَّا القَرَنْفُلِ
وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ يَصِفُ جَارِيَةً:
فَلَوْ أَن مَحْمُوماً بخَيْبَر مُدْنَفاً ... تَنَشَّقَ رَيَّاها، لأَقْلَعَ صالِبُهْ
والرَّوِيُّ: سَحَابَةٌ عَظِيمَةُ القَطر شَدِيدَةُ الْوَقْعِ مِثْلُ السَّقِيّ. وَعَيْنٌ رَيَّةٌ كَثِيرَةُ الْمَاءِ؛ قَالَ الأَعشى:
فأَوْرَدَها عَيْناً مِنَ السِّيفِ رَيَّةً، ... بِهِ بُرَأٌ مِثْلُ الفَسِيلِ المُكَمَّمِ «5»
. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: مِنْ أَين رَيَّةُ أَهْلِك أَي مِنْ أَينَ يَرْتَوُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما رِيَّةً فِي بَيْتِ الطِّرِمَّاحِ وَهُوَ:
كظَهْرِ اللأَى لَوْ تَبْتَغي رِيَّةً بِهَا ... نَهَارًا، لَعَيَّت فِي بُطُونِ الشَّواجِنِ
قَالَ: فَهِيَ مَا يُورَى بِهِ النارُ، قَالَ: وأَصله وِرْيةٌ مِثْلُ وِعْدةٍ، ثُمَّ قَدَّمُوا الرَّاءَ عَلَى الْوَاوِ فَصَارَ رِيَّةً. والرَّاءُ: شَجَرٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
يَطْعُنُ الطَّعْنةَ لَا يَنْفَعُها ... ثَمَرُ الرَّاء، وَلَا عَصْبُ الخُمُر
ورَيَّا: مَوْضِعٌ. وَبَنُو رُوَيَّة: بَطْنٌ «6» . والأُرْوِيَّةُ والإِرْوِيَّةُ؛ الْكَسْرُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: الأُنثى مِنَ الوُعول. وثلاثُ أَرَاوِيّ، عَلَى أَفاعيلَ، إِلى الْعَشْرِ، فإِذا كَثُرَتْ فَهِيَ الأَرْوَى، عَلَى أَفْعَل عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ أَبو الْعَبَّاسِ إِلى أَنها فَعْلَى وَالصَّحِيحُ أَنها أَفْعَل لِكَوْنِ أُرْوِيَّةٍ أُفْعُولةً؛ قَالَ وَالَّذِي حَكَيْتُهُ مِنْ أَنّ أَرَاوِيَّ لأَدنى الْعَدَدِ وأَرْوَى لِلْكَثِيرِ قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَن أَرَاوِيَّ تَكْسِيرُ أُرْوِيَّةٍ كأُرْجُوحةٍ وأَراجِيحَ، والأَرْوَى اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ مِنْ أَنّ الأَعَمَّ الْجَمَاعَةُ؛ وأَنشد عن أَبي زيد:
__________
(4) . هو إمرؤ القيس. وصدر البيت:
إِذا قامتا تَضَوّعَ المِسكُ منهما،
(5) . قوله [به برأ] كذا بالأصل تبعاً للجوهري، قال الصاغاني، والرواية: بها، وقد أورده الجوهري في برأ على الصحة. وقوله [المكمم] ضبط في الأصل والصحاح بصيغة اسم المفعول كما ترى، وضبط في التكملة بكسر الميم أي بصيغة اسم الفاعل، يقال كمم إذا أخرج الكمام، وكممه غطاه
(6) . قوله [وبنو روية إلخ] هو بهذا الضبط في الأصل وشرح القاموس

(14/350)


ثمَّ رَماني لأَكُونَنْ ذَبِيحةً، ... وَقَدْ كثُرَتْ بينَ الأَعَمِّ المَضائِضُ «1»
. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، يَعْنِي ابْنَ دُرَيْدٍ، فِي بَابِ أَرو، قَالَ: فَقُلْتُ لأَبي عَلِيٍّ مِنْ أَين لَهُ أَن اللَّامَ وَاوٌ وَمَا يُؤَمِّنُهُ أَن تَكُونَ يَاءً فَتَكُونُ مِنْ بَابِ التَّقْوَى والرَّعْوَى؛ قَالَ: فجَنَح إِلى الأَخذ بِالظَّاهِرِ، قَالَ: وَهُوَ الْقَوْلُ، يَعْنِي أَنه الصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَرْوَى تُنَوَّنُ وَلَا تُنَوَّنُ، فَمَنْ نَوَّنَهَا احْتَمَلَ أَن يَكُونَ أَفْعَلًا مِثْلُ أَرْنَبٍ، وأَن يَكُونَ فَعْلَى مِثْلُ أَرْطى مُلْحَقٌ، بجَعْفر، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ أُرْوِيَّةٌ أُفْعُولةً، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فُعْلِيَّة، وَتَصْغِيرُ أَرْوَى إِذا جَعَلْتَ وَزْنَهَا أَفْعَلًا أُرَيْوٍ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيْوِدٌ وأُحَيْوٍ، وأُرَيٍّ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيِّدٌ وأُحَيٍّ، وَمَنْ قَالَ أُحَيٍّ قَالَ أُرَيٍّ فَيَكُونُ مَنْقُوصًا عَنْ مَحْذُوفِ اللَّامِ بِمَنْزِلَةِ قاضٍ، إِنما حُذفت لَامُهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ التَّنْوِينِ، وأَما أَرْوَى فِيمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ فَوَزْنُهَا فَعْلى وَتَصْغِيرُهَا أُرَيَّا، وَمَنْ نوَّنها وَجَعَلَ وَزْنَهَا فَعْلى مِثْلَ أَرْطى فَتَصْغِيرُهَا أُرَيٌّ، وأَما تَصْغِيرُ أُرْوِيَّةٍ إِذا جَعَلْتَهَا أُفْعُولةً فأُرْيَوِيَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيْوِدٌ وَوَزْنُهَا أُفَيعِيلةٌ، وأُرَيَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيِّدٌ وَوَزْنُهَا أُفَيْعةٌ، وأَصلها أُرَيْيِيَيةٌ؛ فَالْيَاءُ الأُولى يَاءُ التَّصْغِيرِ وَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْفِعْلِ وَالثَّالِثَةُ وَاوُ أُفعولة وَالرَّابِعَةُ لَامُ الْكَلِمَةِ، فحَذَفْت مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ أُرْوِيَّة فُعْلِيَّةً فَتَصْغِيرُهَا أُرَيَّةٌ وَوَزْنُهَا فُعَيْلة، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ؛ قَالَ: وَكَوْنُ أَرْوَى أَفْعَلَ أَقيسُ لِكَثْرَةِ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ أَولًا، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ لأَنه جَعَلَ أُرْوِيَّةً أُفْعُولةً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للأُنثى أُرْوِيَّة وَلِلذَّكَرِ أُرْوِيَّة، وَهِيَ تُيُوس الجَبل، وَيُقَالُ للأُنثى عَنْزٌ وَلِلذَّكَرِ وَعِلٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الشَّاءِ لَا مِنَ الْبَقَرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُهْدِيَ لَهُ أَرْوَى وَهُوَ مُحْرِمٌ فرَدَّها
؛ قَالَ: الأَرْوَى جَمْعُ كَثْرَةٍ للأُرْوِيَّة، وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاوِيّ وَهِيَ الأَيايِلُ، وَقِيلَ: غَنَمُ الجبَل؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَوْن: أَنه ذكَرَ رَجُلًا تَكَلَّمَ فأَسقَط فَقَالَ جمَع بَيْنَ الأَرْوَى والنَّعامِ
؛ يُرِيدُ أَنه جَمَعَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مُتناقِضتين لأَن الأَرْوَى تَسْكُنُ شَعَف الجِبال والنَّعامُ يَسْكُنُ الفَيافيَ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَجْمَعْ بَيْنَ الأَرْوَى والنَّعامِ، وَفِيهِ:
لَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رأْسِ الجَبلِ
؛ الْجَوْهَرِيُّ: الأُرْوِيَّةُ الأُنثى مِنَ الوُعُول، قَالَ: وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة، وَهِيَ أُفْعُولة فِي الأَصل إِلا أَنهم قَلَبُوا الْوَاوَ الثَّانِيَةَ يَاءً وأَدغموها فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَكَسَرُوا الأُولى لِتَسْلَمَ الْيَاءُ، والأَرْوَى مُؤَنَّثَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
بتَكَلُّمٍ لَوْ تَسْتَطِيعُ كَلامَه، ... لَدَنَتْ لَهُ أَرْوَى الهِضابِ الصُّخَّدِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وإِلى سُلَيْمَانَ الَّذِي سَكَنَتْ ... أَرْوَى الهِضابِ لَهُ مِنَ الذُّعْرِ
وأَرْوَى: اسْمُ امرأَة. والمَرْوَى: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ. ورَيَّانُ: اسْمُ جَبَلٍ بِبِلَادِ بَنِي عَامِرٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فمَدافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُها ... خَلَقاً، كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
ريا: الرَّايَةُ: العَلَم لَا تَهْمِزُهَا الْعَرَبُ، وَالْجَمْعُ راياتٌ ورايٌ، وأَصلها الْهَمْزُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ رَاءَةً بِالْهَمْزِ، شَبَّهَ أَلف رَايَةٍ وإِن كَانَتْ بَدَلًا مِنَ الْعَيْنِ بالأَلف الزَّائِدَةِ فَهَمَزَ اللَّامَ كَمَا يَهْمِزُهَا بَعْدَ الزَّائِدَةِ فِي نَحْوِ سِقاء وشِفاء. ورَيَّيْتُها: عَمِلْتها كغَيَّيْتُها؛
__________
(1) . قوله [ثم إلخ] كذا بالأصل هنا والمحكم في عمم بدون ألف بعد اللام ألف، ولعله لا أكونن، بلا النافية، كما يقتضيه الوزن والمعنى

(14/351)


عَنْ ثَعْلَبٍ. وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ:
سأُعْطِي الرَّايَةَ غَدًا رجُلًا يُحِبُّه اللهُ ورسولُه
؛ الرَّايَةُ هَاهُنَا: العَلَمُ. يُقَالُ: رَيَّيْتُ الرَّايَةَ أَي رَكَزْتها. ابنُ سِيدَهْ: وأَرْأَيْتُ الرايةَ رَكَزْتها؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ وَهَمْزُهُ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ إِنما حُكْمُهُ أَرْيَيْتُها. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ رأَيْت رَايَةً أَي رَكَزْتُها، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْأَيْتُها، وَهُمَا لُغَتَانِ. والرايةُ: الَّتِي توضَع فِي عُنقِ الْغُلَامِ الآبِق. وَفِي الْحَدِيثِ:
الدَّيْنُ رايةُ اللَّهِ فِي الأَرضِ يَجْعَلُها فِي عُنُقِ مَنْ أَذَلَّه
، قَالَ ابْنُ الأَثير: الرايةُ حَدِيدَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ عَلَى قَدر العُنُق تُجعل فِيهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
قتادةَ فِي الْعَبْدِ الآبِق: كَرِهَ لَهُ الرَّايَةَ ورَخَّصَ فِي الْقَيْدِ.
اللَّيْثُ: الرَّايَةُ مِنْ رَاياتِ الأَعْلامِ، وَكَذَلِكَ الرَّايَةُ الَّتِي تُجعل فِي العُنق، قَالَ: وَهُمَا مِنْ تأْلِيف يَاءَيْنِ وَرَاءٍ، وَتَصْغِيرُ الرَّايَة رُيَيَّةٌ، وَالْفِعْلُ رَيَيْتُ رَيّاً ورَيَّيْتُ تَرِيَّةً، والأَمر بِالتَّخْفِيفِ ارْيِهْ، وَالتَّشْدِيدُ رَيِّهْ. وعَلَمٌ مَرِيٌّ، بِالتَّخْفِيفِ، وإِن شِئْتَ بَيَّنْت الياءَات فَقُلْتَ مَرْيِيٌّ بِبَيَانِ الياءَات. ورايةُ: بَلَدٌ مِنْ بِلَادِ هُذَيْلٍ. والرَّيُّ: مِنْ بِلَادِ فَارِسَ، النسبُ إِليه رازِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَالرَّاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهور مُكَرَّرٌ يَكُونُ أَصلًا لَا بَدَلًا وَلَا زَائِدًا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي وأَما قَوْلُهُ:
تَخُطُّ لامَ أَلِف مَوْصُولِ، ... والزايَ والرَّا أَيَّما تَهْلِيلِ
فإِنما أَراد وَالرَّاءَ، مَمْدُودَةً، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ الْوَزْنُ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ مِنَ الرَّاءِ، وَكَانَ أَصل هَذَا وَالزَّايَ وَالرَّاءَ أَيَّما تَهْلِيل، فَلَمَّا اتَّفَقَتِ الْحَرَكَتَانِ حُذِفَتِ الأُولى مِنَ الْهَمْزَتَيْنِ. ورَيَّيْتُ رَاءً: عَمِلْتها، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما أَبو عَلِيٍّ فَقَالَ أَلف الرَّاءِ وأَخواتها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَالْهَمْزَةُ بَعْدَهَا فِي حُكْمِ مَا انقلبتْ عَنْ يَاءٍ، لِتَكُونَ الكلمةُ بَعْدَ التَّكمِلةِ والصَّنعة الإِعرابية مِنْ بَابِ شَوَيْتُ وطَوَيْتُ وحَوَيْت، قَالَ ابْنُ جِنِّي، فَقُلْتُ لَهُ أَلسنا قَدْ عَلِمْنَا أَن الأَلف فِي الرَّاءِ هِيَ الأَلف فِي يَاءٍ وَبَاءٍ وَثَاءٍ إِذا تَهَجَّيْتَ وأَنت تَقُولُ إِن تِلْكَ الأَلف غَيْرُ مُنْقَلِبَةٍ مِنْ يَاءٍ أَو وَاوٍ لأَنها بِمَنْزِلَةِ أَلف مَا وَلَا؟ فَقَالَ: لَمَّا نُقِلت إِلى الِاسْمِيَّةِ دَخَلَهَا الحُكْم الَّذِي يَدْخُلُ الأَسماء مِنَ الِانْقِلَابِ والتَّصَرُّف، أَلا تَرَى أَننا إِذا سَمَّيْنَا رَجُلًا بضَرَبَ أَعربناه لأَنه قَدْ صَارَ فِي حَيِّز مَا يَدْخُلُهُ الإِعراب، وَهُوَ الأَسماء، وإِن كُنَّا نَعْلَمُ أَنه قَبْلَ أَن يُسمى بِهِ لَا يُعْرَبُ لأَنه فِعْلٌ مَاضٍ، وَلَمْ تَمْنَعْنا مَعْرِفَتُنا بِذَلِكَ مِنْ أَن نَقْضِيَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ مَا صَارَ مِنْهُ وإِليه، فَكَذَلِكَ أَيضاً لَا يَمْنَعُنا عِلْمُنا بأَن ألف رَا بَا تَا ثَا غَيْرُ مُنْقَلِبَةٍ، مَا دَامَتْ حُرُوفَ هِجَاءٍ، مِنْ أَن نَقْضِيَ عَلَيْهَا إِذا زِدْنَا عَلَيْهَا أَلفاً أُخرى، ثمَّ هَمَزْنَا تِلْكَ الْمَزِيدَةَ بأَنها الْآنَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وأَن الْهَمْزَةَ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْيَاءِ إِذا صَارَتْ إِلى حُكْمِ الِاسْمِيَّةِ الَّتِي تَقْضي عَلَيْهَا بِهَذَا وَنَحْوِهِ، قَالَ: وَيُؤَكِّدُ عِنْدَكَ أَنهم لَا يجوِّزون رَا بَا تَا ثَا حَا خَا وَنَحْوَهَا مَا دَامَتْ مَقْصُورَةً مُتَهَجَّاةً، فإِذا قُلْتَ هَذِهِ رَاءٌ حَسَنَةٌ وَنَظَرْتَ إِلى هَاءٍ مَشْقُوقَةٍ جَازَ أَن تُمَثِّلَ ذَلِكَ فَتَقُولُ وَزْنُهُ فَعَلٌ كَمَا تَقُولُ فِي دَاءٍ وَمَاءٍ وَشَاءٍ إِنه فَعَلٌ، قَالَ: فَقَالَ لأَبي عَلِيٍّ بعضُ حَاضِرِي الْمَجْلِسِ أَفتجمع عَلَى الْكَلِمَةِ إِعلال الْعَيْنِ وَاللَّامِ؟ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَحرف صَالِحَةٌ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهَا وَمَحْمُولًا عَلَيْهَا. ورايةُ: مَكَانٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَيْزارَة:
رِجالٌ ونِسْوانٌ بأَكْنافِ رايةٍ، ... إِلى حُثُنٍ تلكَ العُيونُ الدَّوامعُ
والله أَعلم.

(14/352)