لسان العرب أ
حَرْفُ الْأَلِفِ اللَّيِّنَةِ
: مِنْ شَرْطِنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَن نُرَتِّبَهُ كَمَا رَتَّبَ
الْجَوْهَرِيُّ صِحَاحَهُ، وَهَكَذَا وَضَعَ الْجَوْهَرِيُّ هُنَا
هَذَا الْبَابَ فَقَالَ بَابُ الأَلف اللَّيِّنَةِ، لأَن الأَلف عَلَى
ضَرْبَيْنِ لَيِّنَةٍ وَمُتَحَرِّكَةٍ، فَاللَّيِّنَةُ تُسَمَّى أَلفاً
وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُسَمَّى هَمْزَةً، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْهَمْزَةَ وَذَكَرْنَا أَيضاً مَا كَانَتِ الأَلف فِيهِ مُنْقَلِبَةً
مِنَ الْوَاوِ أَوِ الْيَاءِ، قَالَ: وَهَذَا بَابٌ مَبْنِيٌّ عَلَى
أَلفات غَيْرِ مُنْقَلِبَاتٍ مِنْ شَيْءٍ فَلِهَذَا أَفردناه. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَلف الَّتِي هِيَ أَحد حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ
لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْرِيكِهَا، عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ
النَّحْوِيِّينَ، فَإِذَا أَرادوا تَحْرِيكَهَا رَدُّوهَا إِلَى أَصلها
فِي مِثْلِ رَحَيانِ وعَصَوانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنْقَلِبَةً عَنْ
وَاوٍ وَلَا يَاءٍ وأَرادوا تَحْرِيكَهَا أَبدلوا مِنْهَا هَمْزَةً فِي
مِثْلِ رِسالة ورَسائلَ، فَالْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنَ الأَلف، وَلَيْسَتْ
هِيَ الأَلف لأَن الأَلف لَا سَبِيلَ إِلَى تحريكها، والله أَعلم.
آ: الأَلف: تأْليفها مِنْ هَمْزَةٍ وَلَامٍ وَفَاءٍ، وَسُمِّيَتْ
أَلفاً لأَنها تأْلف الْحُرُوفَ كُلَّهَا، وَهِيَ أَكثر الْحُرُوفِ
دُخُولًا فِي الْمَنْطِقِ، وَيَقُولُونَ: هَذِهِ أَلِفٌ مُؤلَّفةٌ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ*، أَنَّ
الأَلف اسْمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، وَاللَّهُ
أَعلم بِمَا أَراد، والأَلف اللَّيِّنَةُ لَا صَرْفَ لَهَا إِنَّمَا
هِيَ جَرْسُ مَدَّةٍ بَعْدِ فَتْحَةٍ، وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي
الْعَبَّاسِ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ أَنهما
قَالَا: أُصول الأَلفات ثَلَاثَةٌ وَيَتْبَعُهَا الْبَاقِيَاتُ: أَلف
أَصلية وَهِيَ فِي الثُّلَاثِيِّ مِنَ الأَسماء، وأَلف قَطْعِيَّةٌ
وَهِيَ فِي الرُّبَاعِيِّ، وأَلِفٌ وَصْلِيَّةٌ وَهِيَ فِيمَا جَاوَزَ
الرُّبَاعِيَّ، قَالَا: فالأَصلية مِثْلُ أَلِفِ أَلِفٍ وإلْفٍ وأَلْفٍ
وَمَا أَشبهه، وَالْقَطْعِيَّةُ مِثْلُ أَلف أَحمد وأَحمر وَمَا
أَشبهه، وَالْوَصْلِيَّةُ مِثْلُ أَلف اسْتِنْبَاطٍ وَاسْتِخْرَاجٍ،
وَهِيَ فِي الأَفعال إِذَا كَانَتْ أَصلية مِثْلَ أَلف أَكَل، وَفِي
الرُّبَاعِيِّ إِذَا كَانَتْ قَطْعِيَّةً مِثْلَ أَلف أَحْسَن،
وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ مِثْلَ أَلف اسْتَكْبَرَ وَاسْتَدْرَجَ إِذَا
كَانَتْ وَصْلِيَّةً، قَالَا: وَمَعْنَى أَلف الِاسْتِفْهَامِ
ثَلَاثَةٌ: تَكُونُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ مِنَ الجَبّار لِوَلِيِّهِ
تَقْرِيرًا وَلِعَدُوِّهِ تَوْبِيخًا، فَالتَّقْرِيرُ كَقَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ لِلْمَسِيحِ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ؛ قَالَ أَحمد بْنُ
يَحْيَى: وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّقْرِيرُ لِعِيسَى، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، لأَن خُصُومه كَانُوا
(15/427)
حُضوراً فأَراد اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ
عِيسَى أَنْ يُكَذِّبهم بِمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ، وأَما التَّوْبِيخُ
لِعَدُوِّهِ فَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى
الْبَنِينَ، وَقَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، أَأَنْتُمْ
أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فَهَذِهِ أُصول
الأَلفات. وَلِلنَّحْوِيِّينَ أَلقابٌ لأَلفات غَيْرِهَا تُعْرَفُ
بِهَا، فَمِنْهَا الأَلف الْفَاصِلَةُ وَهِيَ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحدهما الأَلف الَّتِي تُثْبِتُهَا الْكَتَبَةُ بَعْدَ وَاوِ
الْجَمْعِ لِيُفْصَلَ بِهَا بَيْنَ وَاوِ الْجَمْعِ وَبَيْنَ مَا
بَعْدَهَا مِثْلَ كَفَرُوا وشَكَرُوا، وَكَذَلِكَ الأَلفُ الَّتِي فِي
مِثْلِ يَغْزُوا وَيَدْعُوا، وَإِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا لِاتِّصَالِ
الْمَكْنِيِّ بِالْفِعْلِ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الأَلف الْفَاصِلَةُ،
والأُخرى الأَلف الَّتِي فَصَلَتْ بَيْنَ النُّونِ الَّتِي هِيَ
عَلَامَةُ الإِناث وَبَيْنَ النُّونِ الثَّقِيلَةِ كَرَاهَةَ
اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ نُونَاتٍ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي
الأَمر افْعَلْنانِّ، بِكَسْرِ النُّونِ وَزِيَادَةِ الأَلف بَيْنِ
النُّونَيْنِ؛ وَمِنْهَا أَلف العِبارة لأَنها تُعبر عَنِ
الْمُتَكَلِّمِ مِثْلَ قَوْلِكَ أَنا أَفْعَلُ كَذَا وأَنا أَستغفر
اللَّهَ وَتُسَمَّى الْعَامِلَةَ؛ وَمِنْهَا الأَلف الْمَجْهُولَةُ
مِثْلَ أَلف فَاعِلٍ وَفَاعُولٍ وَمَا أَشبهها، وَهِيَ أَلف تَدْخُلُ
فِي الأَفعال والأَسماء مِمَّا لَا أَصل لَهَا، إِنَّمَا تأْتي لإِشباع
الْفَتْحَةِ فِي الْفِعْلِ وَالِاسْمِ، وَهِيَ إِذَا لَزِمَتْها
الحركةُ كَقَوْلِكَ خاتِم وخواتِم صَارَتْ وَاوًا لَمَّا لَزِمَتْهَا
الْحَرَكَةُ بِسُكُونِ الأَلف بَعْدَهَا، والأَلف الَّتِي بَعْدَهَا
هِيَ أَلف الْجَمْعِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ أَيضاً؛ وَمِنْهَا أَلف
الْعِوَضِ وَهِيَ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ الْمَنْصُوبِ إِذَا
وَقَفْتَ عَلَيْهَا كَقَوْلِكَ رأَيت زَيْدًا وَفَعَلْتُ خَيْرًا وَمَا
أَشبهها؛ وَمِنْهَا أَلف الصِّلة وَهِيَ أَلفٌ تُوصَلُ بِهَا فَتحةُ
الْقَافِيَةِ، فَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
بانَتْ سُعادُ وأَمْسَى حَبْلُها انْقَطَعا
وَتُسَمَّى أَلف الْفَاصِلَةِ، فَوَصَلَ أَلف الْعَيْنِ بِأَلِفٍ
بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا؛ الأَلف الَّتِي بَعْدَ النُّونِ الأَخيرة هِيَ صِلَةٌ
لِفَتْحَةِ النُّونِ، وَلَهَا أَخوات فِي فَوَاصِلِ الْآيَاتِ كَقوله
عَزَّ وَجَلَّ: قَوارِيرَا* وسَلْسَبِيلًا؛ وأَما فَتْحَةُ هَا
الْمُؤَنَّثِ فَقَوْلُكَ ضَرَبْتُهَا وَمَرَرْتُ بِهَا، وَالْفَرْقُ
بَيْنَ أَلِفِ الْوَصْلِ وأَلف الصِّلَةِ أَن أَلف الْوَصْلِ إِنَّمَا
اجْتُلِبَتْ فِي أَوائل الأَسماء والأَفعال، وَأَلِفَ الصِّلَةِ فِي
أَواخر الأَسماء كَمَا تَرَى؛ وَمِنْهَا أَلف النُّونِ الْخَفِيفَةِ
كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، وَكَقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ؛ الْوُقُوفُ عَلَى
لَنَسْفَعاً وَعَلَى وَلَيَكُوناً بالأَلف، وَهَذِهِ الأَلف خَلَفٌ
مِنَ النُّونِ، والنونُ الْخَفِيفَةُ أَصلها الثَّقِيلَةُ إِلَّا أَنها
خُفّفت؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الأَعشى:
وَلَا تَحْمَدِ المُثْرِينَ وَاللَّهَ فَاحْمَدا
أَراد فاحْمَدَنْ، بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ، فَوَقَفَ عَلَى الأَلف؛
وَقَالَ آخَرُ:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْنَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ، ... فَقَالَتْ لَهُ
الفَتاتانِ: قُوما
أَراد: قُومَنْ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
يَحْسَبهُ الجاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخاً، عَلَى كُرْسِيِّه،
مُعَمَّمَا
فَنَصَبَ يَعْلم لأَنه أَراد مَا لَمْ يَعْلَمن بِالنُّونِ
الْخَفِيفَةِ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَقَالَ أَبو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ
فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
قِفا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
قَالَ: أَراد قِفَنْ فأَبدل الأَلف مِنَ النُّونِ الْخَفِيفَةِ
كَقَوْلِهِ قُوما أَراد قُومَنْ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ؛ أَكثر الرِّوَايَةِ
أَن الْخِطَابَ لِمَالِكٍ خَازِنِ جَهَنَّمَ وَحْدَهُ فَبَنَاهُ عَلَى
مَا وَصَفْنَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِمَالِكٍ ومَلَكٍ مَعَهُ،
وَاللَّهُ أَعلم؛ وَمِنْهَا أَلِفُ الْجَمْعِ مِثْلَ مَساجد وجِبال
وفُرْسان
(15/428)
وفَواعِل، وَمِنْهَا التَّفْضِيلُ
وَالتَّصْغِيرُ كَقَوْلِهِ فُلَانٌ أَكْرَمُ منكَ وأَلأَمُ مِنْكَ
وَفُلَانٌ أَجْهَلُ الناسِ، وَمِنْهَا أَلِفُ النِّداء كَقَوْلِكَ
أَزَيْدُ؛ تُرِيدُ يَا زَيْدُ، وَمِنْهَا أَلف النُّدبة كقولك وا
زَيْداه أَعني الأَلف الَّتِي بَعْدَ الدَّالِ، وَيُشَاكِلُهَا أَلف
الِاسْتِنْكَارِ إِذَا قَالَ رَجُلٌ جَاءَ أَبو عَمْرٍو فيُجِيب
الْمُجِيبُ أَبو عَمْراه، زِيدَتِ الْهَاءُ عَلَى الْمَدَّةِ فِي
الِاسْتِنْكَارِ كما زيدت في وا فُلاناهْ فِي النُّدْبَةِ، وَمِنْهَا
أَلِفُ التأْنيث نَحْوَ مدَّةٍ حَمْراء وبَيْضاء ونُفَساء، وَمِنْهَا
أَلف سَكْرَى وحُبْلَى، وَمِنْهَا أَلف التَّعايِي وَهُوَ أَن يَقُولَ
الرَّجُلُ إِنَّ عُمر، ثُمَّ يُرْتَجُ عَلَيْهِ كلامُه فَيَقِفُ عَلَى
عُمر وَيَقُولُ إِنَّ عُمرا، فَيَمُدُّهَا مُسْتَمِدًّا لِمَا يُفتح
لَهُ مِنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ مُنْطَلِق، الْمَعْنَى إنَّ عُمَرَ
مُنْطَلِقٌ إِذَا لَمْ يَتعايَ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي التَّرْخِيمِ
كَمَا يَقُولُ يَا عُما وَهُوَ يُرِيدُ يَا عُمر، فَيَمُدُّ فَتْحَةَ
الْمِيمِ بالأَلف لِيَمْتَدَّ الصَّوْتُ؛ وَمِنْهَا أَلِفَاتُ المدَّات
كَقَوْلِ الْعَرَبِ لِلْكَلْكَلِ الكَلْكال، وَيَقُولُونَ للخاتَم
خَاتَامُ، وللدانَق دَانَاقُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: الْعَرَبُ تَصِلُ
الْفَتْحَةَ بالأَلف وَالضَّمَّةَ بِالْوَاوِ وَالْكَسْرَةَ
بِالْيَاءِ؛ فمِن وَصْلِهم الْفَتْحَةَ بالأَلف قولُ الرَّاجِزِ:
قُلْتُ وَقَدْ خَرَّتْ علَى الكَلْكَالِ: ... يَا ناقَتِي مَا جُلْتِ
عَنْ مَجالِي
أَراد: عَلَى الكَلْكَلِ فَوَصَل فَتْحَةَ الْكَافِ بالأَلف، وَقَالَ
آخَرُ:
لَها مَتْنَتانِ خَظاتا كَمَا
أَرادَ: خَظَتا؛ ومِن وصلِهم الضمةَ بِالْوَاوِ مَا أَنشده
الْفَرَّاءُ:
لَوْ أَنَّ عَمْراً هَمَّ أَنْ يَرْقُودا، ... فانْهَضْ فَشُدَّ
المِئزَرَ المَعْقُودا
أَرَادَ: أَنْ يَرْقُدَ، فَوَصَلَ ضَمَّةَ الْقَافِ بِالْوَاوِ؛
وأَنشدَ أَيضاً:
اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنا، ... يَومَ الفِراقِ، إِلَى
إخْوانِنا صُورُ
«2» وأَنَّنِي حَيْثُما يَثْني الهَوَى بَصَرِي، ... مِنْ حَيْثُما
سَلَكُوا، أَدْنو فأَنْظُورُ
أَراد: فأَنْظُرُ؛ وأَنشد فِي وَصْلِ الْكَسْرَةِ بِالْيَاءِ:
لَا عَهْدَ لِي بِنِيضالِ، ... أَصْبحْتُ كالشَّنِّ البالِي
أَراد: بِنِضال؛ وَقَالَ:
علَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِيمالِي
أَراد: شِمالِي، فَوَصَلَ الْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ؛ وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ
أَرَادَ: يَنْبَعُ؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَكثر أَهْلِ اللُّغَةِ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْباعُ يَنْفَعِل مِنْ باعَ يَبُوع، والأَول
يَفْعَلُ مِن نَبَعَ يَنْبَعُ؛ وَمِنْهَا الأَلف المُحوَّلة، وَهِيَ
كُلُّ أَلِفٍ أَصْلُهَا الْيَاءُ وَالْوَاوُ الْمُتَحَرِّكَتَانِ
كَقَوْلِكَ قَالَ وباعَ وَقَضَى وغَزا وَمَا أَشْبَهَهَا؛ وَمِنْهَا
أَلِفُ التَّثْنِيَةِ كَقَوْلِكَ يَجْلِسانِ ويَذْهَبانِ، وَمِنْهَا
أَلِفُ التَّثْنِيَةِ فِي الأَسماء كَقَوْلِكَ الزَّيْدان والعَمْران.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ أَيا أَياه أَقبل،
وَزْنُهُ عَيا عَياه. وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: أَلف
الْقَطْعِ فِي أَوائل الأَسماء عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن تَكُونَ
فِي أَوائل الأَسماء الْمُنْفَرِدَةِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَن
تَكُونَ فِي أَوائل الْجَمْعِ، فَالَّتِي فِي أَوائل الأَسماء
تَعْرِفُهَا بِثَبَاتِهَا فِي التَّصْغِيرِ بأَن تَمْتَحِنَ الأَلف
فَلَا تَجِدُهَا فَاءً وَلَا عَيْنًا وَلَا لَامًا، وَكَذَلِكَ
فحَيُّوا بأَحسن مِنْهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَلف الْقَطْعِ وَأَلِفِ
الْوَصْلِ أَنَّ أَلف الْوَصْلِ فَاءٌ مِنَ الْفِعْلِ، وألف القطع
__________
(2) . قوله [إخواننا] تقدّم في صور: أحبابنا، وكذا هو في المحكم.
(15/429)
لَيْسَتْ فَاءً وَلَا عَيْنًا وَلَا
لَامًا، وأَما أَلِفُ الْقَطْعِ فِي الْجَمْعِ فَمِثْلُ أَلف أَلوان
وَأَزْوَاجٍ، وَكَذَلِكَ أَلف الْجَمْعِ فِي السَّتَهِ، وأَما أَلفات
الْوَصْلِ فِي أَوائل الأَسماء فَهِيَ تِسْعَةٌ: أَلف ابْنِ وَابْنَةَ
وَابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ وَامْرِئٍ وامرأَة وَاسْمٍ وَاسْتٍ فَهَذِهِ
ثَمَانِيَةٌ تُكْسَرُ الأَلف فِي الِابْتِدَاءِ وَتُحْذَفُ فِي
الْوَصْلِ، وَالتَّاسِعَةُ الأَلف الَّتِي تَدْخُلُ مَعَ اللَّامِ
لِلتَّعْرِيفِ، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ سَاقِطَةٌ فِي
الْوَصْلِ كَقَوْلِكَ الرَّحْمَنُ، الْقَارِعَةُ، الحاقَّة، تَسْقُطُ
هَذِهِ الأَلفات فِي الْوَصْلِ وَتَنْفَتِحُ فِي الِابْتِدَاءِ.
التهذيب: وَتَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا نَادَيْتَهُ: آفلان وأَ فلان وَآ
يَا فُلَانُ، بِالْمَدِّ، والعرب تزيد آإذا
أَرادوا الْوُقُوفَ عَلَى الْحَرْفِ الْمُنْفَرِدِ؛ أَنشد
الْكِسَائِيُّ:
دَعا فُلانٌ رَبَّه فَأَسْمَعا «1» ... بالخَيْرِ خَيْراتٍ، وإِنْ
شَرًّا فَآ،
وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَآ
قَالَ: يُرِيدُ إِلَّا أَن تَشَاءَ، فَجَاءَ بِالتَّاءِ وَحْدَهَا
وَزَادَ عَلَيْهَا آ، وَهِيَ فِي لُغَةِ بَنِي سَعْدٍ، إِلَّا أَن تَا
بأَلف لَيِّنَةٍ وَيَقُولُونَ أَلا تَا، يَقُولُ: أَلا تَجِيء،
فَيَقُولُ الْآخَرُ: بَلَى فَا أَي فَاذْهَبْ بِنَا، وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ وَإِنْ شَرًّا فَآ، يُرِيدُ: إِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. الجوهري:
آحرف هِجَاءٍ مَقْصُورَةٌ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ جَعَلْتَهَا اسْمًا
مَدَدْتَهَا، وَهِيَ تُؤَنَّثُ مَا لَمْ تُسَمَّ حَرْفًا، فَإِذَا
صُغِّرَتْ آيَةٌ قُلْتَ أُيَيَّة، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً
فِي الْخَطِّ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا أَشبهها مِنَ الْحُرُوفِ؛
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ هَذَا الْقَوْلِ إِذَا صُغِّرَتْ آءَ
فِيمَنْ أَنث قُلْتَ أُيية عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ زَيَّيْتُ زَايًا
وَذَيَّلْتُ ذَالًا، وأَما عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ زَوَّيْتُ زَاياً
فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي تَصْغِيرِهَا أُوَيَّة، وَكَذَلِكَ تَقُولُ فِي
الزَّايِ زُوَيَّة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَوا:
آءَ حَرْفٌ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، فَإِذَا مَدَدْتَ نوَّنت، وَكَذَلِكَ
سَائِرُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، والأَلف يُنَادَى بِهَا الْقَرِيبُ دُونَ
الْبَعِيدِ، تَقُولُ: أَزَيْدُ أَقبِل، بأَلف مَقْصُورَةٍ والأَلف مِنْ
حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ، فَاللَّيِّنَةُ تُسَمَّى الأَلف،
وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُسَمَّى الْهَمْزَةَ، وَقَدْ يَتَجَوَّزُ فِيهَا
فَيُقَالُ أَيضاً أَلف، وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُرُوفِ الزِّيادات،
وَقَدْ تَكُونُ الأَلف ضَمِيرَ الِاثْنَيْنِ فِي الأَفعال نَحْوَ
فَعَلا ويَفْعَلانِ، وعلامةَ التَّثْنِيَةِ فِي الأَسماء، ودَليلَ
الرَّفْعِ نَحْوَ زَيْدَانِ ورجُلان، وَحُرُوفُ الزِّيَادَاتِ عَشَرَةٌ
يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: [الْيَوْمَ تَنْساه] وَإِذَا تَحَرَّكَتْ فَهِيَ
هَمْزَةٌ، وَقَدْ تُزَادُ فِي الْكَلَامِ لِلِاسْتِفْهَامِ، تَقُولُ:
أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَم عَمْرو، فَإِنِ اجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ
فَصَلْتَ بَيْنَهُمَا بأَلف؛ قال ذو الرمة:
أَبا ظَبْيةَ الوَعْساء بَيْنَ جُلاجِلٍ ... وبيْنَ النَّقا، آأَنْتِ
أَمْ أُمُّ سالِمِ؟
قَالَ: والأَلف عَلَى ضَرْبَيْنِ أَلف وَصْلٍ وأَلف قَطْعٍ، فَكُلُّ
مَا ثَبَتَ فِي الْوَصْلِ، فَهُوَ أَلِفُ الْقَطْعِ، وَمَا لَمْ
يَثْبُتْ فَهُوَ أَلِفُ الْوَصْلِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا زَائِدَةً،
وَأَلِفُ الْقَطْعِ قَدْ تَكُونُ زَائِدَةً مِثْلَ أَلِفِ
الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ تَكُونُ أَصلية مِثْلَ أَخَذَ وأَمَرَ،
وَاللَّهُ أَعلم.
إِذَا
: الْجَوْهَريُّ: إِذَا اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ
وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ إلَّا مُضافة إِلَى جُمْلَةٍ، تَقُولُ: أَجِيئُك
إِذَا احْمَرّ البُسْرُ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ، وَالَّذِي يَدُلُّ
عَلَى أَنها اسْمٌ وُقُوعُهَا مَوْقِعَ قَوْلِكَ آتِيكَ يومَ يَقْدَمُ
فُلَانٌ، وَهِيَ ظَرْفٌ، وَفِيهَا مُجازاة لأَنّ جَزَاءَ الشَّرْطِ
ثَلَاثَةُ أَشياء: أَحدها الْفِعْلُ كَقَوْلِكَ إنْ تأْتِني آتِك،
وَالثَّانِي الْفَاءُ كَقَوْلِكَ إِنْ تَأْتِني فأَنا مُحْسِنٌ
إِلَيْكَ، وَالثَّالِثُ إِذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ
؛
__________
(1) . قوله [دعا فلان إلخ] كذا بالأصل، وتقدم في معي: دعا كلانا.
(15/430)
وَتَكُونُ لِلشَّيْءِ تُوَافِقُهُ فِي
حَالٍ أَنت فِيهَا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ
قائمٌ؛ الْمَعْنَى خَرَجْتُ ففاجأَني زَيْدٌ فِي الْوَقْتِ بِقِيَامٍ؛
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ ابْنُ جِنِّي فِي إِعْرَابِ أَبيات
الْحَمَاسَةِ فِي بَابِ الأَدب فِي قَوْلِهِ:
بَيْنا نَسُوسُ النَّاسَ، والأَمْرُ أَمْرُنا، ... إِذَا نَحنُ فيهمْ
سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
قَالَ: إِذَا فِي الْبَيْتِ هِيَ المَكانِيَّة الَّتِي تَجِيء
للمُفاجأَة؛ قَالَ: وكذلك إذ
إذْ فِي قَوْلِ الأَفوه:
بَيْنَما الناسُ عَلى عَلْيائِها، ... إذ إذْ هَوَوْا فِي هُوَّةٍ
فِيهَا فَغارُوا
فإذْ هُنَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إِلَى مَا بَعْدَهَا كَإذا الَّتِي
لِلْمُفَاجَأَةِ، وَالْعَامِلُ فِي إذْ هَوَوْا؛ قال: وأَمّا إذ
إذْ فَهِيَ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، وَقَدْ تَكُونُ للمُفاجأة
مِثْلُ إِذَا وَلَا يَلِيها إِلَّا الفِعلُ الْوَاجِبُ، وَذَلِكَ
نَحْوُ قَوْلِكَ بَيْنَمَا أَنا كذا إذ
إذْ جَاءَ زَيْدٌ، وَقَدْ تُزادَان جَمِيعًا فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَإذ
إِذْ واعَدْنا مُوسى؛ أَي وَواعَدْنا؛ وَقَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
رِبْع الهُذَليّ:
حتَّى إِذَا أَسْلَكُوهم فِي قُتائِدةٍ، ... شَلًّا كَمَا تَطْردُ
الجمَّالةُ الشُّرُدا
أَي حَتَّى أَسلكوهم فِي قُتائدة لأَنه آخِرُ الْقَصِيدَةِ، أَوْ
يَكُونُ قَدْ كَفَّ عَنْ خَبَرِهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ النَّاصِبُ لِقَوْلِهِ
شَلًّا تَقْدِيرُهُ شَلُّوهم شَلًّا، وَسَنَذْكُرُ مِنْ مَعَانِي إِذَا
فِي تَرْجَمَةِ ذَا مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
إِلَّا
: الأَزهري: إِلَّا تَكُونُ اسْتِثْنَاءً، وَتَكُونُ حَرْفَ جَزَاءٍ
أَصلها إِنْ لَا، وَهْمَا مَعًا لَا يُمالان لأَنهما مِنَ الأَدواتِ
والأَدواتُ لَا تُمالُ مِثْلَ حَتَّى وأَما وأَلا وَإِذَا، لَا يَجُوزُ
فِي شَيْءٍ مِنْهَا الإِمالة لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بأَسماء، وَكَذَلِكَ
إِلَى وَعَلَى ولَدَى الإِمالة فِيهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَقَالَ
سِيبَوَيْهِ: أَلف إِلَى وَعَلَى مُنْقَلِبَتَانِ مِنْ وَاوَيْنِ لأَن
الأَلفات لَا تَكُونُ فِيهَا الإِمالة، قَالَ: وَلَوْ سُمِّيَ بِهِ
رَجُلٌ قِيلَ فِي تَثْنِيَتِهِ أَلَوانِ وعَلَوانِ، فَإِذَا اتَّصَلَ
بِهِ الْمُضْمَرُ قَلَبْتَهُ فَقُلْتَ إلَيْكَ وَعَلَيْكَ، وَبَعْضُ
الْعَرَبِ يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ فَيَقُولُ إِلَاكَ وعَلاك؛ قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ لأَنَّ الأَلفات لَا
يَكُونُ فِيهَا الإِمالة، قَالَ: صَوَابُهُ لأَن أَلِفَيْهِما
والأَلِفُ فِي الْحُرُوفِ أَصل وَلَيْسَتْ بِمُنْقَلِبَةٍ عَنْ يَاءٍ
وَلَا وَاوٍ وَلَا زَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ أَلف إِلَى
وَعَلَى مُنْقَلِبَتَانِ عَنْ وَاوٍ إِذَا سَمَّيْتَ بِهِمَا وَخَرَجَا
مِنَ الْحَرْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ، قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ
الْجَوْهَرِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ، فَإِذَا سميت بها لَحِقَت
بالأَسماء فجُعِلَتْ الأَلف فِيهَا مُنْقَلِبَةً عَنِ الْيَاءِ وَعَنِ
الْوَاوِ نَحْوَ بَلَى وَإِلَى وَعَلَى، فَمَا سُمِع فِيهِ الإِمالة
يُثَنَّى بِالْيَاءِ نَحْوَ بَلَى، تَقُولُ فِيهَا بَلَيانِ، وَمَا
لَمْ يُسمع فِيهِ الإِمالة ثُنِّيَ بِالْوَاوِ نَحْوَ إِلَى وَعَلَى،
تَقُولُ فِي تَثْنِيَتِهِمَا اسْمَيْنِ إلَوانِ وعَلَوانِ. قَالَ
الأَزهري: وأَما مَتَى وأَنَّى فَيَجُوزُ فِيهِمَا الإِمالة لأَنهما
مَحَلَّانِ والمحالُّ أَسماء، قَالَ: وبَلَى يَجُوزُ فِيهَا الإِمالة
لأَنها يَاءٌ زِيدَتْ فِي بَلْ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ
حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ، فأَما إِلَّا الَّتِي أَصلها إنْ لَا
فَإِنَّهَا تَلِي الأَفعال المُسْتَقْبَلَة فَتَجْزِمُهَا، مِنْ ذَلِكَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي
الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ
؛ فَجَزْمُ تَفْعَلُوهُ وَتَكُنْ بإلَّا كَمَا تَفْعَلُ إِنْ الَّتِي
هِيَ أُمّ الْجَزَاءِ وَهِيَ فِي بَابِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: وأَما
إِلَّا فَهِيَ حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ يُستثنى بِهَا عَلَى خَمْسَةِ
أَوجه: بَعْدَ الإِيجاب وَبَعْدَ النَّفْيِ والمُفَرَّغِ والمُقَدَّمِ
والمُنْقَطِع؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذِهِ عِبَارَةٌ سَيِّئَةٌ،
قَالَ: وَصَوَابُهَا أَن يَقُولَ الِاسْتِثْنَاءُ بإلَّا يَكُونُ
بَعْدَ الإِيجاب وَبَعْدَ النَّفْيِ مُتَّصِلًا وَمُنْقَطِعًا
ومُقَدَّماً وَمُؤَخَّرًا، وَإِلَّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُسَلِّطة
(15/431)
لِلْعَامِلِ ناصِبة أَو مُفَرَّغة غَيْرُ
مُسَلِّطة، وَتَكُونُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا نَعْتًا أَو بَدَلًا؛ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ فَتَكُونُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ بِمَعْنَى
لَكِنْ لأَن المُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ المُسْتَثْنَى مِنْهُ،
وَقَدْ يُوصفُ بإلَّا، فَإِنْ وصَفْتَ بِهَا جَعلْتها وَمَا بَعْدَهَا
فِي مَوْضِعِ غَيْرَ وأَتبعت الِاسْمَ بَعْدَهَا مَا قَبْلَهُ فِي
الإِعراب فَقُلْتَ جَاءَنِي القومُ إِلَّا زيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:
وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخُوه، ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا الفَرْقدانِ
كأَنه قَالَ: غَيْرُ الفَرْقَدَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ
الآمِدي فِي المؤتَلِف والمُخْتَلِف أَنّ هَذَا الْبَيْتَ
لِحَضْرَمِيِّ بْنِ عَامِرٍ؛ وَقَبْلَهُ:
وكلُّ قَرينةٍ قُرِنَتْ بأُخْرَى، ... وَإِنْ ضَنَّت، بِهَا
سَيفَرَّقانِ
قَالَ: وأَصل إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ والصفةُ عارضةٌ، وَأَصْلُ غَيْرَ
صفةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ عارضٌ؛ وَقَدْ تَكُونُ إلَّا بِمَنْزِلَةِ
الْوَاوِ فِي الْعَطْفِ كَقَوْلِ الْمُخَبَّلِ:
وأَرَى لها داراً بأَغْدِرةِ ... السِّيدان لَمْ يَدْرُسْ لَهَا رَسْمُ
إلَّا رَماداً هَامِدًا دَفَعَتْ، ... عَنْهُ الرِّياحَ، خَوالِدٌ
سُحْمُ
يُرِيدُ: أَرَى لَهَا دَارًا ورَماداً؛ وَآخِرُ بَيْتٍ فِي هَذِهِ
الْقَصِيدَةِ:
إنَّي وجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُه ... تَقْوَى الإِلهِ، وشَرُّه
الإِثْمُ
قَالَ الأَزهري: أَما إلَّا الَّتِي هِيَ للإِستثناء فَإِنَّهَا
تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْر، وَتَكُونُ بِمَعْنَى سِوَى، وَتَكُونُ
بِمَعْنَى لَكِن، وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَمّا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى
الِاسْتِثْنَاءِ المَحْضِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: إِذَا
اسْتَثْنَيْتَ بإلَّا مِنْ كَلَامٍ لَيْسَ فِي أَوّله جَحْدٌ فَانْصِبْ
مَا بَعْدَ إِلَّا، وَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ بِهَا مِنْ كَلَامٍ أَوّلُه
جَحْدٌ فَارْفَعْ مَا بَعْدَهَا، وَهَذَا أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ
وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَشَرِبُوا
مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
؛ فَنُصِبَ لأَنه لَا جَحْدَ فِي أَوّله؛ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا
فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
؛ فَرُفِعَ لأَن فِي أَوّله الْجَحْدَ، وَقِسْ عَلَيْهِمَا مَا
شَاكَلَهُمَا؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وكلُّ أَخ مُفَارِقُهُ أَخوه، ... لعَمر أَبيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي
مَعْنَى جَحْدٍ وَلِذَلِكَ رَفَعَ بِإِلَّا كأَنه قَالَ مَا أَحَدٌ
إِلَّا مُفارِقُه أَخُوه إِلَّا الفَرْقَدانِ فَجَعَلَهَا مُتَرْجِماً
عَنْ قَوْلِهِ مَا أَحَدٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لَوْ كانَ غَيْرِي، سُلَيْمَى، اليومَ غَيَّرَه ... وَقْعُ الحوادِثِ
إِلَّا الصَّارِمُ الذَّكَرُ
جَعَلَهُ الْخَلِيلُ بَدَلًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ كأَنه قَالَ: مَا
أَحد إِلَّا يَتَغَيَّرُ مِنْ وَقْعِ الْحَوَادِثِ إِلَّا الصارمُ
الذكَرُ، فإلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى غَيْرَ، كأَنه قَالَ غَيْرِي وغيرُ
الصارمِ الذَّكرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
، قَالَ: إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ سِوَى كأَنك
قُلْتَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهةٌ سِوَى اللَّهِ لفَسَدَنا، قَالَ أَبو
مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَعْنَاهُ مَا
فِيهِمَا آلهةٌ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا سِوَي اللَّهِ
لَفَسَدَتَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رَفْعُه عَلَى نِيَّةِ الْوَصْلِ
لَا الانْقطاع مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ مَعْنَاهُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُم، وَهَذَا كَقَوْلِكَ
فِي الْكَلَامِ
(15/432)
النَّاسُ كلُّهم لَكَ حامدُون إلَّا
الظالِمَ لَكَ الْمُعْتَدِيَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعتدُّ بِتَرْكِهِ
الْحَمْدَ لِمَوْضِعِ الْعَدَاوَةِ، وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ لَا حُجَّةَ
لَهُ وَقَدْ سُمِّيَ ظَالِمًا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ،
وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الزجاج فقال بعد ما ذَكَرَ قَوْلَ أَبي
عُبَيْدَةَ والأَخفش: الْقَوْلُ عِنْدِي فِي هَذَا وَاضِحٌ، الْمَعْنَى
لئلَّا يكونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حجةٌ إلَّا مَنْ ظَلَمَ
بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وُضِّحَ لَهُ، كَمَا تَقُولُ مَا لَكَ
عليَّ حجةٌ إلَّا الظلمُ وإلَّا أَنْ تَظْلِمَني، الْمَعْنَى مَا لَكَ
عليَّ حجةٌ الْبَتَّةَ وَلَكِنَّكَ تَظلِمُني، وَمَا لَكَ عليَّ حجةٌ
إلَّا ظُلمي، وَإِنَّمَا سَمَّى ظُلْمُهُ هاهنا حُجَّةً لأَن
الْمُحْتَجَّ بِهِ سَمَّاهُ حُجَّةً، وحُجَّتُه دَاحِضَةٌ عِنْدَ
اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ؛ فَقَدْ سُمِّيَتْ حُجَّةً إلَّا أَنها حجةُ مُبْطِل،
فَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ مُوجِبَةٍ حَقًّا، قَالَ: وَهَذَا بَيَانٌ شافٍ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ
فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى
، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
؛ أَراد سِوَى مَا قَدْ سَلَفَ. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا
كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
؛ فَمَعْنَاهُ فهَلَّا كَانَتْ قريةٌ أَي أَهلُ قَرْيَةٍ آمنُوا،
وَالْمَعْنَى مَعْنَى النَّفْيِ أَي فَمَا كَانَتْ قريةٌ آمَنُوا
عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا، ثُمَّ
قَالَ: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
، اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الأَوّل كأَنه قَالَ: لَكِنَّ قومُ يُونُسَ
لمَّا آمنُوا انْقَطَعُوا مِنْ سَائِرِ الأُمم الَّذِينَ لَمْ
يَنْفَعْهم إيمانُهم عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ؛ وَمِثْلُهُ
قَوْلُ النَّابِغَةِ:
عَيّتْ جَواباً، وَمَا بالرَّبْع ... من أَحدٍ إلَّا أَواريَّ لأْياً
مَا أُبَيِّنُها «2»
فنصَب أَواريَّ عَلَى الِانْقِطَاعِ مِنَ الأَوّل، قَالَ: وَهَذَا
قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ، قَالَ:
وأَجازوا الرَّفْعَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى
لَيْسَ مِنَ الأَوّل وَكَانَ أَوّله مَنْفِيًّا يَجْعَلُونَهُ
كَالْبَدَلِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ
لَيْسَتِ اليَعافيرُ والعِيسُ مِنَ الأَنِيس فرفَعَها، ووجْهُ
الْكَلَامِ فِيهَا النَّصبُ. قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: سأَلت سِيبَوَيْهِ
عَنْ قَوْلِهِ تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها
إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
، عَلَى أَيّ شَيْءٍ نُصِبَ؟ قَالَ إِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا
لكنْ نُصب، قَالَ الْفَرَّاءُ: نُصب إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
لأَنهم مُنْقَطِعُونَ مِمَّا قَبْلُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ جِنْسه
وَلَا مِنْ شَكْله، كأَن قومَ يُونُسَ مُنْقَطِعُونَ مِنْ قَوْمِ
غَيْرِهِ مِنَ الأَنبياء، قَالَ: وأَمَّا إلَّا بِمَعْنَى لمَّا فمِثل
قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ
؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ
إنْ كُلُّهم لمَّا كذَّبَ الرُّسُلَ
، وَتَقُولُ: أَسأَلُك باللهِ إلَّا أَعْطَيْتَني ولَمَّا أَعطيتني
بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: وَحَرْفٌ مِنْ
الِاسْتِثْنَاءِ تَرفع بِهِ العربُ وتَنْصِبُ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ،
وَهُوَ قَوْلُكَ أَتاني إخْوَتُك إلَّا أَنْ يَكُونَ زَيْدًا وزيدٌ،
فَمَنْ نَصب أَراد إلَّا أَن يَكُونَ الأَمْرُ زَيْدًا، وَمَنْ رَفَعَ
بِهِ جَعَلَ كَانَ هَاهُنَا تَامَّةً مُكْتَفِيَةً عَنِ الْخَبَرِ
بِاسْمِهَا، كَمَا تَقُولُ كَانَ الأَمر، كَانَتِ الْقِصَّةُ. وَسُئِلَ
أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا وَقَعَ بِإِلَا
مُكَرَّرًا مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَربعاً فَقَالَ: الأَوّل
حَطٌّ، وَالثَّانِي زيادةٌ، وَالثَّالِثُ حَطٌّ، وَالرَّابِعُ
زِيَادَةٌ، إِلَّا أَن تَجْعَلَ بَعْضَ إلَّا إِذَا جُزْت الأَوّل
بِمَعْنَى الأَوّل فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ زِيَادَةً لَا
غَيْرَ، قَالَ: وأَما قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ فِي إلَّا الأُولى
إِنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ
الْحُذَّاقِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ
__________
(2) . قوله [عَيَّت جواباً إلخ هو عجز بيت صدره: وقفتُ فيها أَصَيلاناً
أُسائلها. وقوله: إلا الأَواريّ إلخ هو صدر بيت عجزه:
والنُؤيَ كالحَوضِ في المظلومةِ الجَلَدِ.
(15/433)
أَما إنَّ «1» كلَّ بناءٍ وَبالٌ عَلَى
صَاحِبِهِ إلَّا مَا لَا إلَّا مَا لَا
«2» أَي إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ للإِنسان مِنَ الكِنّ الَّذِي
تقُوم به الحياة.
ألا
: حَرْفٌ يُفْتَتَحُ بِهِ الْكَلَامُ، تَقُولُ أَلَا إنَّ زَيْدًا
خَارِجٌ كَمَا تَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ زَيْدًا خَارِجٌ. ثَعْلَبٌ عَنْ
سَلَمَةَ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ: أَلا تَكُونُ
تَنْبِيهًا وَيَكُونُ بَعْدَهَا أَمرٌ أَو نَهْيٌ أَو إِخْبَارٌ،
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: أَلا قُمْ، أَلا لَا تَقُمْ، أَلا إنَّ زَيْداً
قَدْ قَامَ، وَتَكُونُ عَرْضًا أَيضاً، وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ
بَعْدَهَا جزْماً وَرَفْعًا، كُلُّ ذَلِكَ جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ،
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: أَلا تَنْزِلُ تأْكل، وَتَكُونُ أَيضاً تَقْريعاً
وَتَوْبِيخًا وَيَكُونُ الْفِعْلُ بَعْدَهَا مَرْفُوعًا لَا غَيْرُ،
تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: أَلا تَنْدَمُ عَلَى فِعالك، أَلا تسْتَحي مِنْ
جِيرانِك، أَلا تخافُ رَبَّكَ؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ تُرْدَفُ أَلا
بِلَا أُخرى فَيُقَالُ: أَلا لَا؛ وأَنشد:
فقامَ يذُودُ الناسَ عَنْهَا بسَيْفِه ... وَقَالَ: أَلا لَا مِنْ
سَبيلٍ إِلَى هِنْدِ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: هَلْ كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيُقَالُ: أَلا لَا،
جَعَلَ أَلا تَنْبِيهًا وَلَا نَفْيًا. غَيْرُهُ: وَأَلَا حَرْفُ
اسْتِفْتَاحٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَتَنْبِيهٍ نَحْوَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ
، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
؛ قَالَ الفارِسي: فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى حَرْفِ تَنْبِيهٍ خَلَصَتْ
لِلِاسْتِفْتَاحِ كَقَوْلِهِ:
أَلا يَا اسْلَمي يَا دارَمَيَّ عَلَى البِلى
فخَلَصَتْ هَاهُنَا لِلِاسْتِفْتَاحِ وخُصّ التنبيهُ بِيَا. وأَما أَلا
الَّتِي للعَرْضِ فمُرَكَّبة مِنْ لَا وأَلف الِاسْتِفْهَامِ. أَلَّا:
مَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ مُثَقَّلة لَهَا مَعْنَيَانِ: تَكُونُ
بِمَعْنَى هَلَّا فَعَلْتَ وأَلَّا فعلتَ كَذَا، كأَنَّ مَعْنَاهُ لِمَ
لَمْ تَفْعَلْ كَذَا، وَتَكُونُ أَلَّا بِمَعْنَى أَنْ لَا فأُدغمت
النُّونُ فِي اللَّامِ وشُدِّدت اللامُ، تَقُولُ: أَمرته أَلَّا
يَفْعَلَ ذَلِكَ، بالإِدغام، وَيَجُوزُ إِظْهَارُ النُّونِ كَقَوْلِكَ:
أَمرتك أَن لَا تَفْعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَصَاحِفِ
الْقَدِيمَةِ مُدْغَمًا فِي مَوْضِعٍ وَمُظْهَرًا فِي مَوْضِعٍ،
وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَرَوَى
ثَابِتٌ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: لأَنْ يَسْأَلني ربِّي: أَلَّا فعلتَ،
أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَن يَقُولَ لِي: لِمَ فعَلْتَ؟
فَمَعْنَى أَلَّا فعَلْتَ هَلَّا فعلتَ، وَمَعْنَاهُ لِم لَمْ
تَفْعَلْ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ أَنْ لَا إِذَا كَانَتْ إِخْبَارًا
نَصَبَتْ ورَفَعَتْ، وَإِذَا كَانَتْ نَهْيًا جَزَمَت.
إِلَى
: حَرْفٌ خَافِضٌ وَهُوَ مُنْتَهىً لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، تَقُولُ:
خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَجَائِزٌ أَن تَكُونَ
دَخَلْتَهَا، وَجَائِزٌ أَن تَكُونَ بَلَغْتَهَا وَلَمْ تدْخُلْها
لأَنّ النِّهَايَةَ تَشْمَلُ أَول الْحَدِّ وَآخِرَهُ، وَإِنَّمَا
تَمْنَعُ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ تَكُونُ إِلَى
انْتِهَاءِ غايةٍ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ
إِلَى اللَّيْلِ
. وَتَكُونُ إِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ
؛ مَعْنَاهُ مَعَ أَموالِكم، وَكَقَوْلِهِمْ: الذَّوْدُ إِلَى
الذَّوْدِ إبِلٌ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللَّهِ*
؛ أَي مَعَ اللهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِينِهِمْ
. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
؛ فَإِنَّ الْعَبَّاسَ وَجَمَاعَةً مِنَ النَّحْوِيِّينَ جَعَلُوا
إِلَى بِمَعْنَى مَعَ هَاهُنَا وأَوجبوا غسْلَ المَرافِق
وَالْكَعْبَيْنِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ:
اليَدُ مِنْ أَطراف الأَصابع إِلَى الْكَتِفِ والرِّجل مِنَ الأَصابع
إِلَى أَصل الْفَخِذَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتِ المَرافِق والكَعْبانِ
دَاخِلَةً فِي تَحْدِيدِ اليدِ والرِّجْل كَانَتْ
__________
(1) . قوله [أما إن] في النهاية: ألا ان.
(2) . قوله [إلا ما لا إلخ] هي في النهاية بدون تكرار.
(15/434)
داخِلةً فِيمَا يُغْسَلُ وخارِجَةً مِمَّا
لَا يُغسل، قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَعَ المَرافِق لَمْ يَكُنْ
فِي المَرافِق فَائِدَةٌ وَكَانَتِ الْيَدُ كُلُّهَا يَجِبُ أَن تُغسل،
وَلَكِنَّهُ لَمَّا قِيلَ إِلَى المَرافِق اقتُطِعَتْ فِي الغَسْل مِنْ
حَدِّ المِرْفَق. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَرَوَى النَّضْرُ عَنِ
الْخَلِيلِ أَنه قَالَ إِذَا اسْتأْجرَ الرجلُ دابَّةً إِلَى مَرْوَ،
فَإِذَا أَتى أَدناها فَقَدْ أَتى مَرْوَ، وَإِذَا قَالَ إِلَى
مَدِينَةِ مَرْوَ فَإِذَا أَتى بَابَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ أَتاها.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ
؛ إنَّ الْمَرَافِقَ فِيمَا يُغْسَلُ. ابْنُ سِيدَهْ قَالَ إِلَى
مُنتهى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: خَرَجْتُ مِنْ
كَذَا إِلَى كَذَا، وَهِيَ مِثْلُ حَتَّى إلَّا أَن لِحَتَّى فِعلًا
ليس لإِلى. وتقول لِلرَّجُلِ: إِنَّمَا أَنا إِلَيْكَ أَي أَنت
غَايَتِي، وَلَا تكونُ حَتَّى هُنَا فَهَذَا أَمْرُ إِلَى وأَصْلُه
وَإِنِ اتَّسَعَتْ، وَهِيَ أَعمُّ فِي الْكَلَامِ مِنْ حَتَّى،
تَقُولُ: قُمْتُ إِلَيْهِ فَتَجْعَلُهُ مُنْتَهاك مِنْ مَكَانِكَ وَلَا
تَقُولُ حَتَّاه. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللَّهِ*
؛ وأَنت لَا تَقُولُ سِرْتُ إِلَى زَيْدٍ تُرِيدُ مَعَهُ، فَإِنَّمَا
جَازَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ*
لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ مَن ينضافُ فِي نُصرتي إِلَى اللَّهِ فَجَازَ
لِذَلِكَ أَن تأْتي هُنَا بِإِلَى؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ
لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى
؛ وأَنت إِنَّمَا تَقُولُ هَلْ لَكَ فِي كَذَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا
كَانَ هَذَا دُعَاءً مِنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ
صَارَ تَقْدِيرُهُ أَدعوك أَو أُرْشِدُكَ إِلَى أَن تزكَّى؛ وَتَكُونُ
إِلَى بِمَعْنَى عِنْدَ كَقَوْلِ الرَّاعِي:
صَناعٌ فَقَدْ سادَتْ إليَّ الغوانِيا
أَي عِنْدِي. وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِكَ: فلانٌ حليمٌ إِلَى
أَدبٍ وفقْهٍ؛ وَتَكُونُ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
فَلَا تَتْرُكَنِّي بالوَعِيدِ كأَنَّني ... إِلَى الناسِ مَطْلِيٌّ
بِهِ القارُ أَجْرَبُ
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا إلَيْكَ إِذَا قُلْتَ تَنَحَّ، قَالَ:
وَسَمِعْنَا مِنَ العرَب مَن يُقَالُ لَهُ إلَيْكَ، فَيَقُولُ إِلَيَّ،
كأَنه قِيلَ لَهُ تَنَحَّ، فَقَالَ أَتَنَحَّى، وَلَمْ يُستعمل
الْخَبَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسماء الْفِعْلِ إلَّا فِي قَوْلِ هَذَا
الأَعرابي. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
وَلَيْسَ ثَمَّ طَرْدٌ وَلَا إلَيْكَ إلَيْكَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ كَمَا تَقُولُ الطريقَ الطريقَ، ويُفْعَل
بَيْنَ يَدَيِ الأُمراء، وَمَعْنَاهُ تَنَحَّ وابْعُدْ، وَتَكْرِيرُهُ
للتأْكيد؛ وأَما قَوْلُ أَبي فِرْعَوْنَ يَهْجُو نَبَطِيَّةً
اسْتَسْقَاهَا مَاءً:
إِذَا طَلَبْتَ الْمَاءَ قالَتْ لَيْكا، ... كأَنَّ شَفْرَيْها، إِذَا
مَا احْتَكَّا،
حَرْفا بِرامٍ كُسِرَا فاصْطَكَّا
فَإِنَّمَا أَراد إلَيْكَ أَي تَنَحَّ، فَحُذِفَ الأَلف عُجْمَةً؛
قَالَ ابْنُ جِنِّي: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَيْكا مُرْدَفة، واحْتَكّا
واصْطَكا غَيْرُ مُرْدَفَتَين، قَالَ: وَظَاهِرُ الْكَلَامِ عِنْدِي
أَن يَكُونَ أَلف لَيْكَا رَوِيًّا، وَكَذَلِكَ الأَلف مِنَ احْتَكَّا
وَاصْطَكَّا رَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ ضَمِيرَ الِاثْنَيْنِ؛
وَالْعَرَبُ تَقُولُ إلَيْكَ عَنِّي أَي أَمْسِكْ وكُفَّ، وَتَقُولُ:
إليكَ كَذَا وَكَذَا أَي خُذْه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ القُطامي:
إِذَا التَّيَّارُ ذُو العضلاتِ قُلْنا: ... إلَيْك إلَيْك، ضاقَ بِهَا
ذِراعا
وَإِذَا قَالُوا: اذْهَبْ إلَيْكَ، فَمَعْنَاهُ اشْتَغِلْ بنَفْسك
وأَقْبِلْ عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الأَعشى:
فاذْهَبي ما إلَيْكِ، أَدْرَكَنِي الحِلْمُ، ... عَداني عَنْ
هَيْجِكُمْ إشْفاقي
وَحَكَى النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْخَلِيلِ فِي قَوْلِكَ
فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكَ اللَّهَ قَالَ: مَعْنَاهُ أَحمد مَعَكَ.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ
اللَّهُ
(15/435)
عَنْهُمَا: إِنِّي قَائِلٌ قَوْلًا وَهُوَ
إلَيْكَ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: فِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ أَي هُوَ سِرٌّ
أَفْضَيْتُ بِهِ إلَيْكَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: اللَّهُمَّ إلَيْكَ
أَي أَشْكو إِلَيْكَ أَو خُذْني إِلَيْكَ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه رأَى مِنْ قَوْمٍ رِعَةً
سَيِّئَةً فَقَالَ اللَّهُمَّ إلَيْكَ
أَي اقْبِضْني إليْكَ؛ والرِّعَةُ: مَا يَظهر مِنَ الخُلُقِ. وَفِي
الْحَدِيثِ:
والشرُّ لَيْسَ إليكَ
أَي لَيْسَ مِمَّا يُتقرَّب بِهِ إِلَيْكَ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ
لِصَاحِبِهِ: أَنا منكَ وَإِلَيْكَ أَي الْتِجَائِي وانْتمائي
إِلَيْكَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ صاهَرَ فُلَانٌ إِلَى بَنِي
فُلَانٍ وأَصْهَرَ إِلَيْهِمْ؛ وَقَوْلُ عَمْرٍو:
إلَيْكُم يَا بَنِي بَكْرٍ إلَيْكُم، ... أَلَمّا تَعْلَموا مِنَّا
اليَقِينا؟
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: مَعْنَاهُ اذْهَبُوا إليكُم وتَباعَدوا
عَنَّا. وَتَكُونُ إِلَى بِمَعْنَى عِنْدَ؛ قَالَ أَوس:
فهَلْ لكُم فِيهَا إليَّ، فإنَّني ... طَبيبٌ بِمَا أَعْيا
النِّطاسِيِّ حِذْيَما
وَقَالَ الرَّاعِي:
يُقَالُ، إِذَا رادَ النِّساءُ: خَريدةٌ ... صَناعٌ، فَقَدْ سادَتْ
إليَّ الغَوانِيا
أَي عِنْدِي، وَرَادَ النِّسَاءِ: ذَهَبْنَ وجِئن، امرأةٌ رَوادٌ أَي
تدخل وتخرج. أُولَى وَأُلَاءِ: اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْجَمْعِ،
وَيُدْخَلُ عَلَيْهِمَا حَرْفُ التَّنْبِيهِ، تَكُونُ لِمَا يَعْقِلُ
ولِما لَا يَعْقِل، وَالتَّصْغِيرُ أُلَيّا وأُلَيَّاء؛ قَالَ:
يَا مَا أُمَيْلَحَ غِزْلاناً بَرَزْنَ لَنَا ... مِنْ هَؤلَيّائكُنَّ
الضَّالِ والسَّمُرِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: اعْلَمْ أَن أُلاء وَزْنُهُ إِذًا مِثْلُ فُعال
كغُراب، وَكَانَ حُكْمُهُ إِذَا حَقَّرْتَه عَلَى تَحْقِيرِ الأَسماء
الْمُتَمَكِّنَةِ أَن تَقُولَ هَذَا أُلَيِّئٌ ورأَيت أُلَيِّئاً
وَمَرَرْتُ بأُلَيِّئ، فَلَمَّا صَارَ تَقْدِيرُهُ أُلَيِّئا أَرادوا
أَن يَزِيدُوا فِي آخِرِهِ الأَلف الَّتِي تَكُونُ عِوَضًا مِنْ
ضَمَّةِ أَوَّلِهِ، كَمَا قَالُوا فِي ذَا ذَيّا، وَفِي تَا تَيَّا،
وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَوَجَبَ أَن يَقُولُوا أُلَيِّئاً، فَيَصِيرُ
بَعْدَ التَّحْقِيرِ مَقْصُورًا وَقَدْ كَانَ قَبْلَ التَّحْقِيرِ
مَمْدُودًا، أَرادوا أَن يُقِرُّوه بَعْدَ التَّحْقِيرِ عَلَى مَا
كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحْقِيرِ مِنْ مَدِّهِ فَزَادُوا الأَلف
قَبْلَ الْهَمْزَةِ، فالأَلف الَّتِي قَبْلَ الْهَمْزَةِ فِي أُلَيّاء
لَيْسَتْ بِتِلْكَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا فِي الأَصل إِنما هِيَ
الأَلف الَّتِي كَانَ سَبِيلُهَا أَن تَلْحَقَ آخِرًا فَقُدِّمَتْ
لِمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ: وأَما أَلف أُلاء فَقَدْ قُلِبَتْ يَاءً
كَمَا تُقْلَبُ أَلف غُلَامٍ إِذا قُلْتَ غُلَيِّم، وَهِيَ الْيَاءُ
الثَّانِيَةُ وَالْيَاءُ الأُولى هِيَ يَاءُ التَّحْقِيرِ.
الْجَوْهَرِيُّ: وأَما أُلُو فَجَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ
وَاحِدُهُ ذُو، وأُلات للإِناث وَاحِدَتُهَا ذاتٌ، تَقُولُ: جاءَني
أُلُو الأَلْبْاب وأُلات الأَحْمال، قَالَ: وأَما أُلَى فَهُوَ أَيضاً
جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَاحِدُهُ ذَا لِلْمُذَكَّرِ
وَذِهِ لِلْمُؤَنَّثِ، ويُمد ويُقصر، فإِن قَصَرْتَه كَتَبْتَهُ
بِالْيَاءِ، وإِن مَدَدْتَهُ بَنَيْتَهُ عَلَى الْكَسْرِ، وَيَسْتَوِي
فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَتَصْغِيرُهُ أُلَيَّا، بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، يُمَدُّ ويقصَر لأَن تَصْغِيرَ
الْمُبْهَمِ لَا يُغَيَّرُ أَوَّله بَلْ يُتْرَك عَلَى مَا هُوَ
عَلَيْهِ مِنْ فَتْحٍ أَو ضَمٍّ، وَتَدْخُلُ ياءُ التَّصْغِيرِ
ثَانِيَةً إِذا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ، وَثَالِثَةً إِذا كَانَ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَحرف، وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ الهاءُ لِلتَّنْبِيهِ، تَقُولُ:
هؤلاءِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَقُولُ هؤلاءِ
قَوْمُك ورأَيت هَؤُلاءِ، فيُنَوِّن وَيَكْسِرُ الْهَمْزَةَ، قَالَ:
وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عُقَيْل، وتَدخل عَلَيْهِ الْكَافُ لِلْخِطَابِ،
تَقُولُ أُولئك وأُلاك، قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَمَنْ قَالَ أُلاك
فواحِدُه ذَاكَ، وأُلالِك مِثْلَ أُولئك؛ وأَنشد يَعْقُوبُ:
(15/436)
أُلالِكَ قَوْمي لَمْ يَكُونُوا أُشابةً،
... وهَلْ يَعِظُ الضِّلِّيلَ إِلَّا أُلالِكا؟
وَاللَّامُ فِيهِ زيادةٌ، وَلَا يُقَالُ: هؤلاءِ لَكَ، وَزَعَمَ
سِيبَوَيْهِ أَن اللَّامَ لَمْ تُزَدْ إِلَّا فِي عَبْدَل وَفِي ذَلِكَ
وَلَمْ يَذْكُرْ أُلالِك إِلَّا أَن يَكُونَ اسْتَغْنَى عَنْهَا
بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، إِذ أُلالِك فِي التَّقْدِيرِ كأَنه جَمْع ذَلِكَ،
وَرُبَّمَا قَالُوا أُولئك فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
ذُمّ المَنازِلَ، بَعْدَ مَنْزِلة اللِّوَى، ... والعَيْشَ، بَعْدَ
أُولئكَ الأَيّامِ
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ
أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا
؛ قَالَ: وأَما أُلى، بِوَزْنِ العُلا، فَهُوَ أَيضاً جَمْعٌ لَا
وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَاحِدُهُ الَّذِي. التَّهْذِيبُ: الأُلى
بِمَعْنَى الَّذِينَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فإِنَّ الأُلى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشِمٍ ... تآسَوْا، فسَنُّوا
للكِرامِ التَّآسِيا
وأَتى بِهِ زِيَادُ الأَعجم نَكِرَةً بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ فِي
قَوْلِهِ:
فأَنْتُمْ أُلى جِئتمْ مَعَ البَقْلِ والدَّبى ... فَطارَ، وَهَذَا
شَخْصُكُم غَيْرُ طَائِرٍ
قَالَ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي بَابِ الهجاءِ منَ الْحَمَاسَةِ، قَالَ:
وَقَدْ جاءَ مَمْدُودًا؛ قَالَ خَلَف بْنُ حَازِمٍ:
إِلى النَّفَرِ البِيضِ الأُلاءِ كأَنَّهُمْ ... صَفائحُ، يَوْمَ
الرَّوْعِ، أَخْلَصَها الصَّقْلُ
قَالَ: وَالْكَسْرَةُ الَّتِي فِي أُلاءِ كَسْرَةُ بِنَاءٍ لَا
كَسْرَةُ إِعراب؛ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرُ:
فإِنَّ الأُلاءِ يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمُ
قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن أُلا وأُلاء نُقِلَتَا مِنْ أَسماءِ
الإِشارة إِلَى مَعْنَى الَّذِينَ، قَالَ: وَلِهَذَا جاءَ فِيهِمَا
الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وبُنِيَ الْمَمْدُودُ عَلَى الْكَسْرِ، وأَما
قَوْلُهُمْ: ذَهَبَتِ الْعَرَبُ الأُلى، فَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنَ الأُوَل
لأَنه جَمْعُ أَوْلَى مِثْلَ أُخرى وأُخَر، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
رأَيتُ مَواليَّ الأُلى يَخْذُلُونَني ... عَلَى حَدَثانِ الدَّهْرِ،
إِذ يَتَقَلَّبُ
قَالَ: فَقَوْلُهُ يَخْذُلونَني مَفْعُولٌ ثَانٍ أَو حَالٌ وَلَيْسَ
بِصِلَةٍ؛ وَقَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَص:
نَحْنُ الأُلى، فاجْمَعْ جُموعَكَ، ... ثمَّ وجِّهْهُمْ إِلَيْنا
قَالَ: وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي تَمَّام:
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كانَتِ العَرَبُ الأُلى ... يَدْعُونَ هَذَا
سُودَداً مَحْدُودا
رأَيت بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ قَالَ:
وَلِلشَّرِيفِ الرَّضِيِّ يَمْدَحُ الطَّائِعَ:
قَدْ كَانَ جَدُّكَ عِصْمةَ العَرَبِ الأُلى، ... فالْيَوْمَ أَنت
لَهُمْ مِنَ الأَجْذام
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ قَوْلُهُ الأُلى يَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ أَحدهما أَن يَكُونَ اسْمًا ناقصا بِمَعْنَى الَّذِينَ،
أَراد الأُلى سَلَفُوا، فَحَذَفَ الصِّلَةَ لِلْعِلْمِ بِهَا كَمَا
حَذَفَهَا عَبِيدُ بْنُ الأَبرص فِي قَوْلِهِ:
نَحْنُ الأُلى، فَاجْمَعْ جُمُوعَكَ
أَراد: نَحْنُ الأُلى عَرَفْتَهم، وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ أُلى فِي
اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ والياءِ، وَقَالَ: ذَكَرْتُهُ هُنَا لأَن
سِيبَوَيْهِ قَالَ أُلى بِمَنْزِلَةِ هُدى، فمَثَّله بِمَا هُوَ مِنَ
الياءِ، وإِن كَانَ سِيبَوَيْهِ رُبَّمَا عَامَلَ اللَّفْظَ.
أنى
: أَنَّى: مَعْنَاهُ أَيْنَ. تَقُولُ: أَنَّى لك هذا أَي من أَيْن لك
هذا، وَهِيَ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي يُجازى بِهَا، تَقُولُ: أَنَّى
تَأْتِني آتِكَ؛ مَعْنَاهُ مِنْ أَيّ جِهَةٍ تَأْتِني آتِكَ، وَقَدْ
تَكُونُ بِمَعْنَى كيفَ، تَقُولُ:
(15/437)
أَنَّى لكَ أَنْ تَفْتَحَ الحِصْنَ أَي
كَيْفَ لكَ ذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّى أَداةٌ
وَلَهَا مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَن تَكُونَ بِمَعْنَى مَتى؛ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا
؛ أَي مَتى هَذَا وَكَيْفَ هَذَا، وَتَكُونُ أَنَّى بِمَعْنَى مِنْ
أَيْنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ
مَكانٍ بَعِيدٍ
؛ يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ وَقَدْ جَمَعَهُمَا الشَّاعِرُ
تأْكيداً فَقَالَ:
أَنَّى ومِنْ أَيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا
؛ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: قُلْتُمْ مِنْ أَيْنَ هَذَا، وَيَكُونُ
قُلْتُمْ كَيْفَ هَذَا. وَقَالَ تَعَالَى: قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى
لَكِ هذا
؛ أَيْ من أَيْنَ لك هذا. وَقَالَ اللَّيْثُ: أَنَّى مَعْنَاهَا كَيْفَ
ومِنْ أَيْنَ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ عَلْقَمَةَ:
ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَومَ الغُنْمِ مُطْعَمُهُ ... أَنّى تَوَجَّه،
والمَحْرُومُ مَحْرومُ
أَراد: أَينما تَوَجَّهَ وكَيْفَما تَوَجَّه. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري:
قرأَ بَعْضُهُمْ أَنَّى صَبَبْنا الماءَ صَبّاً؛ قَالَ: مَن قرأَ
بِهَذِهِ القراءَة قَالَ الْوَقْفُ عَلَى طَعامه تامٌّ، وَمَعْنَى
أَنَّى أَيْنَ إِلَّا أَن فِيهَا كِناية عَنِ الوُجوه وتأْويلها مِنْ
أَيّ وَجْهٍ صَبَبْنا الْمَاءَ؛ وأَنشد:
أَنَّى وَمِنْ أَينَ آبَكَ الطَّرَبُ
أيا
: إيَّا مِنْ عَلَامَاتِ الْمُضْمَرِ، تَقُولُ: إيَّاك وإيَّاهُ
وإيَّاكَ أَنْ تَفْعَل ذَلِكَ وهِيَّاكَ، الْهَاءُ عَلَى الْبَدَلِ
مِثْلَ أَراقَ وهَراقَ؛ وأَنشد الأَخفش:
فهيّاكَ والأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوسَّعَتْ ... مَوارِدُه، ضاقَتْ
عَلَيْكَ مَصادِرُهْ
وَفِي المُحكم: ضاقَتْ عليكَ المَصادِرُ؛ وَقَالَ آخَرُ:
يَا خالِ، هَلَّا قُلْتَ، إذْ أَعْطَيْتَني، ... هِيَّاكَ هِيَّاكَ
وحَنْواءَ العُنُقْ
وَتَقُولُ: إيَّاكَ وأَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا تَقُلْ إِيَّاك أَنْ
تَفْعَل بِلَا وَاوٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ
النحويين إِياكَ الأَسَدَ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْوَاوِ، فأَمَّا
إِيَّاك أَن تَفْعل فَجَائِزٌ عَلَى أَن تَجْعَلَهُ مَفَعُولًا مِنْ
أَجله أَي مَخافةَ أَنْ تَفْعَل. الْجَوْهَرِيُّ: إِيَّا اسْمٌ
مُبْهَمٌ ويَتَّصِلُ بِهِ جَمِيعُ الْمُضْمَرَاتِ الْمُتَّصِلَةِ
الَّتِي لِلنَّصْبِ، تَقُولُ إِيَّاكَ وإِيَّايَ وإيَّاه وإِيَّانا،
وَجُعِلَتِ الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ بَيَانًا عَنِ
الْمَقْصُودِ ليُعْلَم المخاطَب مِنَ الْغَائِبِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا
مِنَ الإِعراب، فَهِيَ كَالْكَافِ فِي ذَلِكَ وأَ رَأَيْتَكَ، وكالأَلف
وَالنُّونِ الَّتِي فِي أَنت فَتَكُونُ إِيَّا الِاسْمُ وَمَا
بَعْدَهَا لِلْخِطَابِ، وَقَدْ صَارَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لأَن
الأَسماء الْمُبْهَمَةَ وَسَائِرَ المَكْنِيَّات لَا تُضافُ لأَنها
مَعارفُ؛ وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّ إِيَّا مُضاف إِلى مَا
بَعْدَهُ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ إِذا بَلَغَ
الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِياهُ وإِيَّا الشَّوابِّ، فأَضافوها إِلَى
الشَّوابِّ وخَفَضُوها؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْكَافُ وَالْهَاءُ
وَالْيَاءُ وَالنُّونُ هِيَ الأَسماء، وإِيَّا عِمادٌ لَهَا، لأَنها
لَا تَقُومُ بأَنْفُسها كَالْكَافِ وَالْهَاءِ وَالْيَاءِ فِي التأْخير
فِي يَضْرِبُكَ ويَضْرِبُه ويَضْرِبُني، فَلَمَّا قُدِّمت الْكَافُ
وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ عُمِدَتْ بإيَّا، فَصَارَ كُلُّهُ كَالشَّيْءِ
الْوَاحِدِ، وَلَكَ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّايَ لأَنه يَصِحُّ أَن
تَقُولَ ضَرَبْتُني، وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّاك،
لأَنك إِنَّمَا تحتاجُ إِلَى إِيَّاكَ إِذَا لَمْ يُمكِنْكَ اللَّفْظُ
بِالْكَافِ، فإِذا وصَلْتَ إِلَى الْكَافِ ترَكْتَها؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَلَكَ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ
إِيايَ لأَنه يَصِحُّ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني وَلَا يَجُوزُ أَن
تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّاكَ، قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ ضَرَبْتُ
إِيَّايَ، لأَنه لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني، وَيَجُوزُ أَن
تَقُولَ ضَرَبْتُكَ إِيَّاكَ لأَن الْكَافَ اعْتُمِدَ بِهَا عَلَى
الفِعل، فَإِذَا أَعَدْتَها
(15/438)
احْتَجْتَ إِلَى إِيَّا؛ وأَما قولُ ذِي
الإِصْبَعِ العَدْواني:
كأَنَّا يومَ قُرَّى ... إنَّما نَقْتُلُ إِيَّانا
قَتَلْنا منهُم كُلَّ ... فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا
فإِنه إِنَّمَا فَصلَها مِنَ الْفِعْلِ لأَن الْعَرَبَ لَا تُوقع
فِعْلَ الْفَاعِلِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيصَالِ الْكِنَايَةِ، لَا
تَقُولُ قَتَلْتُني، إِنَّمَا تَقُولُ قَتَلْتُ نفسِي، كَمَا تَقُولُ
ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، وَلَمْ تَقُلْ ظَلَمْتُني، فأَجْرى
إِيَّانا مُجْرَى أَنْفُسِنا، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْذِيرِ، تَقُولُ:
إِيَّاك والأَسدَ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فِعْلٍ كأَنك قُلْتَ باعِدْ،
قَالَ ابْنُ حَرِّي: وَرَوَيْنَا عَنْ قُطْرُبٍ أَن بَعْضَهُمْ يَقُولُ
أَيَّاك، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ يُبَدِّلُ الْهَاءَ مِنْهَا
مَفْتُوحَةً أَيضاً، فَيَقُولُ هَيَّاكَ، وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ
فِي إِيَّاكَ، فَذَهَبَ الْخَلِيلُ إِلَى أَنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ
مُضَافٌ إِلَى الْكَافِ، وَحُكِيَ عَنِ الْمَازِنِيُّ مِثْلُ قَوْلِ
الْخَلِيلِ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَحَكَى أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي
الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش وأَبو إسحق عَنْ أَبي
الْعَبَّاسِ عَنْ مَنْسُوبٍ إِلَى الأَخفش أَنه اسْمٌ مُفْرَدٌ مُضْمر،
يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ كَمَا يَتَغَيَّرُ آخَرُ المُضْمَرات لِاخْتِلَافِ
أَعداد المُضْمَرِينَ، وأَنَّ الْكَافَ فِي إِيَّاكَ كَالَّتِي فِي
ذَلِكَ فِي أَنه دلالةٌ عَلَى الْخِطَابِ فَقَطْ مَجَرَّدَةٌ مِنْ
كَوْنِها عَلامةَ الضَّمِيرِ، وَلَا يُجيزُ الأَخفش فِيمَا حُكِيَ
عَنْهُ إِيَّاكَ وإِيّا زَيْدٍ وإِيَّايَ وإِيَّا الباطِل، قَالَ
سِيبَوَيْهِ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه
سَمِعَ أَعرابيّاً يَقُولُ إِذَا بلَغ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه
وإِيَّا الشَّوابِّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَيضاً عَنِ الْخَلِيلِ أَنه
قَالَ: لَوْ أَن قَائِلًا قَالَ إِيَّاك نَفْسِك لَمْ أُعنفه لأَن
هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَجْرُورَةٌ، وَحَكَى ابْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ
بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِيَّاكَ بِكَمَالِهَا اسْمٌ، قَالَ: وَقَالَ
بَعْضُهُمُ الْيَاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ هِيَ أَسماء وإِيَّا عِمادٌ
لَهَا لأَنها لَا تَقُوم بأَنفسها، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِيَّا
اسْمٌ مُبْهَم يُكْنَى بِهِ عَنِ الْمَنْصُوبِ، وجُعِلَت الْكَافُ
وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ بَيَانًا عَنِ الْمَقْصُودِ لِيُعْلَم
المُخاطَبُ مِنَ الْغَائِبِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب
كَالْكَافِ في ذلك وأَ رَأَيْتَك، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبي
الْحَسَنِ الأَخفش؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ اسْمٌ مُبهم يُكْنى
به عن المنصوب يَدُلُّ عَلَى أَنه لَا اشْتِقَاقَ لَهُ؛ وَقَالَ أَبو
إسحق الزَّجاجُ: الكافُ فِي إِيَّاكَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ
إِيَّا إِلَيْهَا، إِلَّا أَنه ظَاهِرٌ يُضاف إِلَى سَائِرِ
المُضْمَرات، وَلَوْ قُلْتَ إِيَّا زَيدٍ حدَّثت لَكَانَ قَبِيحًا
لأَنه خُصَّ بالمُضْمَر، وَحَكَى مَا رَوَاهُ الْخَلِيلُ مِنْ إِيَّاهُ
وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وتأَملنا هَذِهِ الأَقوال
عَلَى اخْتِلَافِهَا والاعْتِلالَ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا فَلَمْ نجِد
فِيهَا مَا يَصِحُّ مَعَ الْفَحْصِ وَالتَّنْقِيرِ غَيرَ قَوْلِ أَبي
الْحَسَنِ الأَخفش، أَما قَوْلُ الْخَلِيلِ إِنَّ إِيَّا اسْمٌ
مُضْمَرٌ مُضَافٌ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أَنه إِذا ثَبَتَ
أَنه مُضْمَرٌ لَمْ تَجُزْ إِضافته عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لأَن
الغَرَض فِي الإِضافة إِنما هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّخْصِيصُ
وَالْمُضْمَرُ عَلَى نِهَايَةِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى
الإِضافة، وأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ إِيَّاك بِكَمَالِهَا اسْمٌ
فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ إِيَّاكَ فِي أَن فَتْحَةَ
الْكَافِ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَكَسْرَةَ الْكَافِ
تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، بِمَنْزِلَةِ أَنت فِي أَنَّ
الِاسْمَ هُوَ الْهَمْزَةُ، وَالنُّونُ وَالتَّاءُ الْمَفْتُوحَةُ
تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَالتَّاءُ الْمَكْسُورَةُ تُفِيدُ
الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، فَكَمَا أَن مَا قَبْلَ التَّاءِ فِي أَنت
هُوَ الِاسْمُ وَالتَّاءُ هُوَ الْخِطَابُ فَكَذَا إِيَّا اسْمٌ
وَالْكَافُ بَعْدَهَا حَرْفُ خِطَابٍ، وأَمّا مَن قَالَ إِنَّ الْكَافَ
وَالْهَاءَ وَالْيَاءَ فِي إِيَّاكَ وإِيّاه وإِيَّايَ هِيَ الأَسماء،
وإِنَّ إِيَّا إِنَّمَا عُمِدَت بِهَا هَذِهِ الأَسماء لِقِلَّتِهَا،
(15/439)
فَغَيْرُ مَرْضِيّ أَيضاً، وَذَلِكَ أَنَّ
إِيَّا فِي أَنها ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ بِمَنْزِلَةِ أَنا وأَنت وَنَحْنُ
وَهُوَ وَهِيَ فِي أَن هَذِهِ مُضْمَرَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ، فَكَمَا أَنَّ
أَنا وأَنت وَنَحْوَهُمَا تُخَالِفُ لَفْظَ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ
نَحْوَ التَّاءِ فِي قُمْتُ وَالنُّونِ والأَلف فِي قُمْنَا والأَلف
فِي قَامَا وَالْوَاوِ فِي قامُوا، بَلْ هِيَ أَلفاظ أُخر غَيْرُ
أَلفاظ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مَعْمُودًا
لَهُ غَيْرُه، وَكَمَا أَنَّ التَّاءَ فِي أَنتَ، وَإِنْ كَانَتْ
بِلَفْظِ التَّاءِ فِي قمتَ، وَلَيْسَتِ اسْمًا مِثْلَهَا بَلِ
الِاسْمُ قَبْلَهَا هُوَ أَن وَالتَّاءُ بَعْدَهُ لِلْمُخَاطَبِ
وَلَيْسَتْ أَنْ عِماداً لِلتَّاءِ، فَكَذَلِكَ إِيَّا هِيَ الِاسْمُ
وَمَا بَعْدَهَا يُفِيدُ الْخِطَابَ تَارَةً وَالْغَيْبَةَ تَارَةً
أُخرى وَالتَّكَلُّمُ أُخرى، وَهُوَ حَرْفُ خِطَابٍ كَمَا أَن التَّاءَ
فِي أَنت حَرْفٌ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْهَمْزَةِ وَالنُّونِ مِنْ
قَبْلِهَا، بَلْ مَا قَبْلَهَا هُوَ الِاسْمُ وَهِيَ حَرْفُ خِطَابٍ،
فَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ الْكَافِ فِي إِيَّاكَ اسْمٌ وَالْكَافُ حَرْفُ
خِطَابٍ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، وأَما قول أَبي إسحق: إِنَّ
إِيَّا اسْمٌ مَظْهَرٌ خَصَّ بالإِضافة إِلَى الْمُضْمَرِ، فَفَاسِدٌ
أَيضاً، وَلَيْسَ إِيَّا بِمَظْهَرٍ، كَمَا زَعَمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى
أَنَّ إِيَّا لَيْسَ بَاسِمٍ مَظْهَرٍ اقْتِصَارُهُمْ بِهِ عَلَى
ضَرْبٍ وَاحِدٍ مِنَ الإِعراب وَهُوَ النَّصْبُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وَلَمْ نَعْلَمِ اسْمًا مُظْهَراً اقْتُصِرَ بِهِ عَلَى النَّصْب
الْبَتَّةَ إِلَّا مَا اقْتُصِرَ بِهِ مِنَ الأَسماء عَلَى
الظَّرْفِيَّة، وَذَلِكَ نَحْوَ ذاتَ مَرَّةٍ وبُعَيْداتِ بَيْنٍ وَذَا
صَباحٍ وَمَا جَرى مَجْراهُنَّ، وَشَيْئًا مِنَ الْمَصَادِرِ نَحْوَ
سُبْحانَ اللهِ ومَعاذَ اللهِ ولَبَّيْكَ، وَلَيْسَ إِيَّا ظَرْفًا
وَلَا مَصْدَرًا فيُلحق بِهَذِهِ الأَسماء، فَقَدْ صَحَّ إِذًا بِهَذَا
الإِيراد سُقُوطُ هَذِهِ الأَقوالِ، وَلَمْ يَبْقَ هُنَا قَوْلٌ يَجِبُ
اعْتِقَادُهُ وَيَلْزَمُ الدُّخُولُ تَحْتَهُ إِلَّا قَوْلُ أَبي
الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ، وأَن الْكَافَ بَعْدَهُ
لَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْخِطَابِ بِمَنْزِلَةِ كَافِ
ذَلِكَ وأَ رَأَيْتَك وأَبْصِرْكَ زَيْدًا ولَيْسَكَ عَمْراً
والنَّجاك. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وسئل أَبو إسحق عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ
، مَا تأْويله؟ فَقَالَ: تأْويله حَقيقَتَكَ نَعْبُد، قَالَ:
وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الآيةِ الَّتِي هِيَ العَلامةُ؛ قَالَ ابْنُ
جِنِّي: وَهَذَا القول من أَبي إِسحق غَيْرُ مَرْضِيّ، وَذَلِكَ أَنَّ
جَمِيعَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ مَبْنِيٌّ غَيْرُ مُشْتَقٍّ نَحْوَ
أَنا وهِيَ وهُوَ، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِهِ اسْمًا
مُضْمَرًا فَيَجِبُ أَن لَا يَكُونَ مُشْتَقًّا. وَقَالَ اللَّيْثُ:
إِيَّا تُجعل مَكَانَ اسْمٍ مَنْصُوبٍ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُكَ،
فَالْكَافُ اسْمُ الْمَضْرُوبِ، فإِذا أَردت تَقْدِيمَ اسْمِهِ
فَقُلْتَ إِيَّاك ضَرَبْت، فَتَكُونُ إِيَّا عِماداً لِلْكَافِ لأَنها
لَا تُفْرَد مِنَ الفِعْل، وَلَا تَكُونُ إِيَّا فِي مَوْضِعِ الرَّفع
وَلَا الْجَرِّ مَعَ كَافٍ وَلَا يَاءٍ وَلَا هَاءٍ، وَلَكِنْ يَقُولُ
المُحَذِّر إِيّاكَ وزَيْداً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجعل التَّحْذِيرَ
وَغَيْرَ التَّحْذِيرِ مَكْسُورًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ فِي
التَّحْذِيرِ وَيَكْسِرُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِلتَّفْرِقَةِ. قَالَ أَبو
إِسحق: مَوْضِع إِيَّاكَ فِي قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ
نَصْبٌ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وموضِعُ الْكَافِ فِي إيَّاكَ
خَفْضٌ بِإِضَافَةِ إِيّا إِلَيْهَا؛ قَالَ وإِيَّا اسْمٌ لِلْمُضْمَرِ
الْمَنْصُوبِ، إِلا أَنه ظَاهِرٌ يُضَافُ إِلَى سَائِرِ الْمُضْمِرَاتِ
نَحْوَ قَوْلِكَ إِيَّاك ضَرَبْت وإِيَّاه ضَرَبْت وإِيَّايَ حدَّثت،
وَالَّذِي رَوَاهُ الْخَلِيلُ عَنِ الْعَرَبِ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ
السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّ
إِيَّاكَ بِكَمَالِهِ الِاسْمُ، قِيلَ لَهُ: لَمْ نَرَ اسْمًا
لِلْمُضْمَرِ وَلَا للمُظْهر، إِنما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ وَيَبْقَى مَا
قَبْلَ آخِرِهِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى
إِضَافَتِهِ قَوْلُ الْعَرَبِ فَإِيَّاهُ وَإِيَّا الشوابِّ يَا هَذَا،
وَإِجْرَاؤُهُمُ الْهَاءَ فِي إِيّاه مُجراها فِي عَصاه، قَالَ
الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ هِيَّاك وزَيْداً إِذَا نَهَوْكَ،
قَالَ: وَلَا يَقُولُونَ هِيَّاكَ ضَرَبْت. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:
إِيَّاه لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُضْمَرِ الْمُتَّصِلِ إِنما
تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُنْفَصِلِ، كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُك لَا يَجُوزُ أَن
(15/440)
يُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ
ضَرَبْتهم «3» لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْت إِيَّاكَ وزَيْداً أَي
وضَرَبْتُك، قَالَ: وأَما التَّحْذِيرُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لِلرَّجُلِ إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الْفِعْلِ كأَنه
يَقُولُ إِيَّاكَ أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ. وَقَالَ ابْنُ
كَيْسانَ: إِذَا قُلْتَ إِيَّاكَ وَزَيْدًا فأَنت مُحَذِّرٌ مَن
تُخاطِبهُ مِن زَيد، وَالْفِعْلُ النَّاصِبُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ،
وَالْمَعْنَى أُحَذِّرُكَ زَيْداً كأَنه قَالَ أُحَذِّرُ إِيَّاكَ
وزَيْداً، فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قَالَ باعِدْ نَفْسَك عَنْ زَيْدٍ
وباعِدْ زَيْداً عَنْكَ، فَقَدْ صَارَ الْفِعْلُ عَامِلًا فِي
المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذِهِ المسأَلة تُبَيِّنُ
لَكَ هَذَا الْمَعْنَى، تَقُولُ: نفسَك وزَيداً، ورأْسَكَ والسَّيْفَ
أَي اتَّقِ رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن
يُصِيبَ رَأْسَك، فرأْسُه مُتَّقٍ لِئَلَّا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف
مُتَّقًى، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا الفِعْل؛ وَقَالَ:
فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه ... إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ،
وللشَّرِّ جالِبُ
يُرِيدُ: إِيَّاكَ والمِراء، فَحَذَفَ الْوَاوَ لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ
وأَنْ تُمارِيَ، فَاسْتُحْسِنَ حَذْفُهَا مَعَ المِراء. وَفِي حَدِيثِ
عَطاء: كَانَ مُعاويةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا رَفَع رأْسَه
مِنَ السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها
؛ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ السَّجْدَةِ، وإِيَّاها الْخَبَرُ أَي كَانَتْ
هِيَ هِيَ أَي كَانَ يَرْفَع مِنْهَا ويَنْهَضُ قَائِمًا إِلَى
الرَّكْعَةِ الأُخرى مِنْ غَيْرِ أَن يَقْعُد قَعْدةَ الاسْتِراحة.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إيايَ وَكَذَا
أَي نَحِّ عنِّي كَذَا ونَحِّني عَنْهُ. قَالَ: إِيّا اسْمٌ مَبْنِيٌّ،
وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَنْصُوبِ، وَالضَّمَائِرُ الَّتِي تُضاف إِلَيْهَا
مِنَ الْهَاءِ وَالْكَافِ وَالْيَاءِ لَا مَواضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب
فِي الْقَوْلِ الْقَوِيِّ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إيَّا بِمَعْنَى
التَّحْذِيرِ. وأَيايا: زَجْرٌ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا قَالَ حادِيهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه ... بِمِثْل الذُّرَا
مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَيْتِ:
إِذَا قَالَ حاديِنا: أَيا، عَجَسَتْ بِنا ... خِفَافُ الخُطى
مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ
وإياةُ الشمسِ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: ضَوْءُها، وَقَدْ تُفْتَحُ؛
وَقَالَ طَرَفةُ:
سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه ... أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ
عَلَيْهِ بإِثْمِدِ
فَإِنْ أَسقطت الْهَاءَ مَدَدْت وَفَتَحْتَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ
لمَعْنِ بْنِ أَوْسٍ:
رَفَّعْنَ رَقْماً علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ، ... لاقَى أَيَاها أَياءَ
الشَّمْسِ فَأْتَلَقا
وَيُقَالُ: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ لِلْقَمَرِ، وَهِيَ
الدَّارَّةُ حولها.
با
: الْبَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وأَكثر مَا تَرِد
بِمَعْنَى الإِلْصاق لِمَا ذُكِر قَبْلها مِنِ اسْمٍ أَو فِعْلٍ بِمَا
انْضَمَّتْ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى المُلابسة والمُخالَطة،
وَبِمَعْنَى مِنْ أَجل، وَبِمَعْنَى فِي وَمِنْ وَعَنْ وَمَعَ،
وَبِمَعْنَى الْحَالِ وَالْعِوَضِ، وَزَائِدَةً، وكلُّ هَذِهِ
الأَقسامِ قَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَتُعْرَفُ بِسِيَاقِ
اللَّفْظِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَالْبَاءُ الَّتِي تأْتي للإِلصاق
كَقَوْلِكَ: أَمْسَكْت بِزَيْدٍ، وَتَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ
كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ بالسيَّف، وَتَكُونُ للإِضافة كَقَوْلِكَ:
مَرَرْتُ بِزَيْدٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما مَا يَحْكِيهِ أَصحاب
الشَّافِعِيِّ مِنْ أَن الباءَ لِلتَّبْعِيضِ فَشَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ
أَصحابنا وَلَا وَرَدَ بِهِ بَيْتٌ، وَتَكُونُ لِلْقَسَمِ كَقَوْلِكَ:
بِاللَّهِ لأَفْعَلَنَّ. وقوله
__________
(3) . قوله [وكذلك ضربتهم إلى قوله قال وأما إلخ] كذا بالأصل.
(15/441)
تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ
بِقادِرٍ؛ إِنَّمَا جاءَت الْبَاءُ فِي حَيِّز لَمْ لأَنها فِي مَعْنَى
مَا وَلَيْسَ، وَدَخَلَتِ الباءُ فِي قَوْلِهِ: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ،
لأَن مَعْنَى أَشرَكَ بِاللَّهِ قَرَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
غَيْرَهُ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ. وَالْبَاءُ للإِلْصاق والقِرانِ،
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَكَّلْت بِفُلَانٍ، مَعْنَاهُ قَرَنْتُ بِهِ
وَكيلًا. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: الجالِبُ لِلْبَاءِ فِي بِسْمِ
اللَّهِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، كأَنه قَالَ أَبتدئ بِاسْمِ اللَّهِ.
وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: رأَيته يَشْتَدُّ بَيْنَ
الهَدَفَيْن فِي قَمِيصٍ فَإِذَا أَصاب خَصْلةً يَقُولُ أَنا بِهَا
أَنا بِهَا
، يَعْنِي إِذا أَصاب الهَدَفَ قَالَ أَنا صاحِبُها ثُمَّ يَرْجِعُ
مُسكِّناً قَوْمَهُ حَتَّى يمُرَّ فِي السُّوقِ؛ قَالَ شَمِرٌ:
قَوْلُهُ أَنا بِهَا يَقُولُ أَنا صاحِبُها. وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ صَخْر: أَنه أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَن رَجُلًا ظاهَرَ امرأَتَه ثُمَّ وقَع
عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَعَلَّكَ بذَلِك يَا سلَمةُ؟ فَقَالَ: نَعَم أَنا بذَلِكَ
؛ يَقُولُ: لَعَلَّكَ صاحِبُ الأَمْر، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ
بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَعَلَّكَ المُبْتَلى بِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه أُتِيَ بامرأَةٍ قَدْ زَنَتْ
فَقَالَ: مَنْ بِكِ؟
أَي مَنِ الفاعِلُ بكِ؛ يَقُولُ: مَن صاحِبُك. وَفِي حَدِيثِ الجُمعة:
مَن تَوَضَّأَ للجُمعة فبِها ونِعْمَتْ
أَي فبالرُّخصة أَخَذَ، لأَن السُّنة فِي الْجُمُعَةِ الغُسلُ، فأَضمر
تَقْدِيرَهُ ونِعْمَت الخَصْلَةُ هِيَ فحذَف الْمَخْصُوصَ بِالْمَدْحِ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فبالسُّنْة أَخذَ، والأَوَّل أَوْلى. وَفِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ*؛ الْبَاءُ
هَاهُنا لِلِالْتِبَاسِ وَالْمُخَالَطَةِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أَي مُخْتَلِطَة ومُلْتَبِسة بِهِ، وَمَعْنَاهُ
اجْعَلْ تَسْبِيحَ اللهِ مُخْتَلِطاً ومُلْتَبِساً بِحَمْدِهِ،
وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا يُقَالُ اذْهَب بِهِ أَي خُذْه
مَعَكَ فِي الذَّهاب كأَنه قَالَ سَبِّحْ رَبَّكَ مَعَ حَمْدِكَ
إِيَّاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
سُبْحَانَ اللَّهِ وبحَمْده
أَي وبحَمْده سَبَّحت، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْبَاءِ الْمُفْرَدَةِ
عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ لمَّا
رَآنِي بالسِّلاح هَرَبَ؛ مَعْنَاهُ لَمَّا رَآنِي أَقْبَلْتُ
بِالسِّلَاحِ وَلَمَّا رَآنِي صاحِبَ سِلاح؛ وَقَالَ حُميد:
رَأَتْني بحَبْلَيْها فرَدَّتْ مَخافةً
أَراد: لَمَّا رأَتْني أَقْبَلْتُ بِحَبْلَيْهَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ؛ أَدخل الْبَاءَ فِي
قَوْلِهِ بإِلْحاد لأَنها حَسُنَت فِي قَوْلِهِ ومَن يُرِدْ بأَن
يُلْحِد فِيهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ؛
قِيلَ: ذهَب بِالْبَاءِ إِلَى الْمَعْنَى لأَن الْمَعْنَى يَرْوى بِهَا
عِبادُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ؛ أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، سأَل عَنْ
عَذَابٍ وَاقِعٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَتُبْصِرُ «4»
وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ دَخَلَتِ
الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ وَكَفى بِاللَّهِ* للمُبالَغة فِي الْمَدْحِ
وَالدَّلَالَةِ عَلَى قَصْدِ سَبِيلِهِ، كَمَا قَالُوا: أَظْرِفْ
بعَبْدِ اللهِ وأَنْبِلْ بعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فأَدخلوا الْبَاءَ عَلَى
صاحبِ الظَّرْف والنُّبْلِ للمُبالغة فِي الْمَدْحِ؛ وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُمْ: ناهِيكَ بأَخِينا وحَسْبُكَ بصدِيقنا، أَدخلوا الْبَاءَ
لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: وَلَوْ أَسقطت الْبَاءَ لَقُلْتَ كَفَى
اللهُ شَهيداً، قَالَ: وَمَوْضِعُ الْبَاءِ رَفْعٌ فِي قَوْلِهِ كَفى
بِاللَّهِ*؛ وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: انْتصابُ قَوْلِهِ شَهِيداً* عَلَى
الْحَالِ مِنَ اللَّهِ أَو عَلَى الْقَطْعِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ
مَنْصُوبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، مَعْنَاهُ كَفَى بِاللَّهِ مِنَ
الشَّاهِدِينَ فيَجْري فِي بَابِ الْمَنْصُوبَاتِ مَجْرى الدِّرْهَمِ
__________
(4) . قوله [وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَتُبْصِرُ إلخ] كتب
بهامش الأَصل كذا أي أن المؤلف من عادته إذا وجد خللًا أو نقصاً كتب
كذا أو كذا وجدت.
(15/442)
فِي قَوْلِهِ عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَماً،
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً؛ أَي سَلْ عَنْهُ
خَبِيراً يُخْبِرْكَ؛ وَقَالَ عَلْقَمَةُ:
فإنْ تَسْأَلوني بالنِّساء، فإِنَّني ... بَصِيرٌ بأَدْواءِ النِّساءِ
طَبيبُ
أَي تَسْأَلُوني عَنِ النِّساء؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؛ أَي مَا خَدَعكَ عَنْ
رَبِّكَ الْكَرِيمِ والإِيمانِ بِهِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ؛ أَي خَدَعَكُم عَنِ
اللَّهِ والإِيمان بِهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ الشَّيْطانُ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجُو بذلِك،
فسأَلتُه فَقَالَ: أَرْجُو ذَاكَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ يُعْجِبُني
بأَنَّك قَائِمٌ، وأُريدُ لأَذْهَب، مَعْنَاهُ أَريد أَذْهَبُ.
الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ «1» ،
قَالَ: وأَما الْمَكْسُورَةُ فَحَرْفُ جَرٍّ وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ
بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بزَيْدٍ، وَجَائِزٌ أَن
يَكُونَ مَعَ اسْتِعَانَةٍ، تَقُولُ: كَتبتُ بِالْقَلَمِ، وَقَدْ
تَجِيءُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛
وحَسْبُكَ بِزَيْدٍ، وَلَيْسَ زيدٌ بِقَائِمٍ. وَالْبَاءُ هِيَ الأَصل
فِي حُروف القَسَم تَشْتَمِلُ عَلَى المُظْهَر والمُضْمَر، تَقُولُ:
بِاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَتَقُولُ فِي المُضْمَر: لأَفْعَلَنَّ؛
قَالَ غُوِيَّةُ بْنُ سُلْمَى:
أَلا نادَتْ أُمامةُ باحْتمالي ... لتَحْزُنَني، فَلا يَكُ مَا أُبالي
الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ، بُنِيَت
عَلَى الكسرِ لاسْتِحالةِ الابْتِداء بالمَوْقُوفِ؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بُنِيت عَلَى حَرَكَةٍ لاستِحالة الِابْتِدَاءِ
بِالسَّاكِنِ، وَخُصَّتْ بِالْكَسْرِ دُونَ الْفَتْحِ تَشْبِيهًا
بِعَمَلِهَا وَفَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَكُونُ اسْمًا
وَحَرْفًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَاءُ مِنْ عَوَامِلِ الْجَرِّ
وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الأَسماء، وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ
بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ كأَنك أَلْصَقْتَ
المُرور بِهِ. وكلُّ فِعْلٍ لَا يَتَعَدَّى فَلَكَ أَن تُعَدِّيه
بالباءِ والأَلف وَالتَّشْدِيدِ، تَقُولُ: طارَ بِهِ، وأَطارَه،
وطَيّره؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الإِطلاق عَلَى
العُموم، لأَنَّ مِنَ الأَفْعال مَا يُعَدَّى بالهَمْزة وَلَا يُعَدَّى
بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ عادَ الشيءُ وأَعَدْتُه، وَلَا تَقُلْ
عَوَّدْته، وَمِنْهَا مَا يُعدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَلَا يعدَّى
بِالْهَمْزَةِ نَحْوَ عَرَف وعَرَّفْتُه، وَلَا يُقَالُ أَعْرَفْتُه،
وَمِنْهَا مَا يُعَدَّى بِالْبَاءِ وَلَا يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَلَا
بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ دفَعَ زَيْدٌ عَمْراً ودَفَعْتُه بعَمرو، وَلَا
يُقَالُ أَدْفَعْتُه وَلَا دَفَّعْتَه. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ
تُزَادُ الْبَاءُ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِمْ بحَسْبِكِ قَوْلُ
السَّوْءِ؛ قَالَ الأَشعر الزَّفَيانُ وَاسْمُهُ عَمرو بْنُ حارِثَةَ
يَهْجُو ابنَ عَمِّهِ رضْوانَ:
بحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَنْ يَعْلَمُوا ... بأَنَّكَ فِيهِمْ غَنِيٌّ
مُضِرّ
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً؛
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
نحنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصحابُ الفَلَجْ، ... نَضْرِبُ بالسيفِ ونرْجُو
بالفَرَجْ
أَي الفَرَجَ؛ وَرُبَّمَا وُضِعَ موضِعَ قَوْلِكَ مِنْ أَجل كَقَوْلِ
لَبِيدٍ:
غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُحُولِ كأَنهمْ ... جِنُّ البَدِيِّ، رَواسِياً
أَقْدامُها
أَي مِنْ أَجل الذُّحُول، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ على
__________
(1) . قوله [الْجَوْهَرِيُّ الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]
كذا بالأصل، وليست هذه العبارة له كما في عدة نسخ من صحاح الجوهري
ولعلها عبارة الأَزهري.
(15/443)
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ؛ أَي عَلَى دِينار، كَمَا تُوضَعُ عَلَى مَوْضِعَ
الْبَاءِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشَيْرٍ، ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني
رِضاها
أَي رَضِيَتْ بِي. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُوقَفُ عَلَى الْمَمْدُودِ
بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ شَرِبْت مَا، قَالَ: وَكَانَ يَجِبُ أَن
يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ أَلفات، قَالَ: وَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ
شَرِبَتْ مِي يَا هَذَا «1» ، قَالَ: وَهَذِهِ بِي يَا هَذَا، وَهَذِهِ
بِ حَسَنَةٌ، فشَبَّهوا الْمَمْدُودَ بِالْمَقْصُورِ وَالْمَقْصُورَ
بِالْمَمْدُودِ، وَالنَّسَبُ إِلى الْبَاءِ بَيَوِيٌّ. وَقَصِيدَةٌ
بَيَوِيَّةٌ: رَوِيُّها الْبَاءُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْبَا وأَخواتها
مِنَ الثُّنَائِيِّ كَالتَّا وَالْحَا وَالطَّا وَالْيَا، إِذا
تُهُجِّيَتْ مَقْصُورَةً لأَنها لَيْسَتْ بأَسماء، وإِنما جَاءَتْ فِي
التَّهَجِّي عَلَى الْوَقْفِ، وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَن الْقَافَ
وَالدَّالَ والصادَ موقوفةُ الأَواخِرِ، فَلَوْلَا أَنها عَلَى
الْوَقْفِ لَحُرِّكَتْ أَواخِرهن، وَنَظِيرُ الْوَقْفِ هُنَا الْحَذْفُ
فِي الْبَاءِ وأَخواتها، وإِذا أَردت أَن تَلْفِظ بِحُرُوفِ
الْمُعْجَمِ قَصَرْتَ وأَسْكَنْت، لأَنك لَسْتَ تُرِيدُ أَن
تَجْعَلَهَا أَسماء، وَلَكِنَّكَ أَردت أَن تُقَطِّع حُرُوفَ الِاسْمِ
فجاءَت كأَنها أَصوات تُصَوِّتُ بِهَا، إِلا أَنك تَقِفُ عِنْدَهَا
لأَنها بِمَنْزِلَةِ عِهْ، وَسَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ أَشياء فِي
مواضعها، والله أَعلم.
تَا
: التَّاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تاءٌ حَسَنَةٌ،
وَتُنْسَبُ الْقَصِيدَةُ الَّتِي قَوافِيها عَلَى التَّاءِ تائيّةٌ،
وَيُقَالُ تاوِيَّةٌ، وَكَانَ أَبو جَعْفَرٍ الرُّؤَاسي يَقُولُ
بَيَوِيَّة وتَيَوِيَّة؛ الْجَوْهَرِيُّ: النَّسَبُ إِلى التَّاءِ
تَيَوِيٌّ. وقصِيدة تَيَوِيَّةٌ: رَوِيُّهَا التَّاءُ، وَقَالَ أَبو
عُبَيْدٍ عَنِ الأَحمر: تاوِيَّةٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَخواتها؛
والتاءُ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَاتِ وَهِيَ تُزَادُ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ إِذا خَاطَبْتَ تَقُولُ: أَنت تَفْعل، وتدخُل فِي أَمر
المُواجَهة للغابرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا؛
قَالَ الشَّاعِرِ:
قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها: ... تِيذَنْ فإِني حَمْؤُها
وجارُها
أَراد: لِتِيذَنْ، فَحَذَفَ اللَّامِ وَكَسْرُ التَّاءِ عَلَى لُغَةِ
مَنْ يَقُولُ أَنت تِعْلَم، وتُدْخِلها أَيضاً فِي أَمر مَا لَمْ يسمَّ
فاعِله فَتَقُولُ مِنْ زُهِيَ الرَّجُلُ: لِتُزْهَ يَا رَجُلُ
ولِتُعْنَ بِحَاجَتِي؛ قَالَ الأَخفش: إِدْخالُ اللَّامِ فِي أَمر
المُخاطَب لُغَةٌ رَدِيئَةٌ لأَن هَذِهِ اللَّامَ إِنما تدخُل فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى افْعَلْ، تَقُولُ:
لِيَقُمْ زَيْدٌ، لأَنك لَا تَقْدِرُ عَلَى افْعَلْ، وإِذا خَاطَبَتْ
قُلْتَ قُمْ لأَنك قَدِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْهَا؛ والتاءُ فِي القَسَم
بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ كَمَا أَبدلوا مِنْهَا فِي تَتْرى وتُراثٍ
وتُخَمةٍ وتُجاه، وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ، تَقُولُ: تَاللَّهِ
لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَلَا تَدْخُلُ فِي غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ
تُزاد التَّاءُ لِلْمُؤَنَّثِ فِي أَول الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي آخِرِ
الْمَاضِي، تَقُولُ: هِيَ تَفْعَلُ وفَعَلَتْ، فإِن تأَخَّرت عَنِ
الِاسْمِ كَانَتْ ضَمِيرًا، وإِن تقَدَّمت كَانَتْ عَلَامَةً؛ قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: تَاءُ التأْنيث لَا تَخْرُجُ عَنْ أَن تَكُونَ حَرْفًا
تأَخَّرت أَو تَقَدَّمَتْ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَكُونُ
ضَمِيرَ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِكَ فَعَلْت، يَسْتَوِي فِيهِ
الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، فإِن خاطبْتَ مُذَكَّرًا فتحتَ، وإِن
خاطبتَ مُؤَنَّثًا كَسَرْتَ؛ وَقَدْ تُزَادُ التَّاءُ فِي أَنت
فَتَصِيرُ مَعَ الِاسْمِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ أَن
تَكُونَ مُضَافَةً إِليه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
بالخيرِ خَيْراتٍ وإِنْ شَرًّا فَآ ... وَلَا أُريدُ الشَّرَّ إِلا
أَنْ تا
__________
(1) . قوله [شَرِبَتْ مِي يَا هَذَا إلخ] كذا ضبط مي بالأصل هنا وتقدم
ضبطه في موه بفتح فسكون وتقدم ضبط الباء من ب حسنة بفتحة واحدة ولم نجد
هذه العبارة في النسخة التي بأيدينا من التهذيب.
(15/444)
قَالَ الأَخفش: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنه
أَراد الْفَاءَ وَالتَّاءَ فرَخَّم، قَالَ: وَهَذَا خطأٌ، أَلا تَرَى
أَنك لَوْ قُلْتَ زَيْدًا وَا تُرِيدُ وَعَمْرًا لَمْ يُستدلَّ أَنك
تُرِيدُ وَعَمْرًا، وَكَيْفَ يُريدون ذَلِكَ وَهُمْ لَا يَعْرِفون
الْحُرُوفَ؟ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يُرِيدُ أَنك لَوْ قُلْتَ زَيْدًا وَا
مِنْ غَيْرِ أَن تَقُولَ وعَمْراً لَمْ يُعلم أَنك تُرِيدُ عَمراً
دُونَ غَيْرِهِ، فَاخْتَصَرَ الأَخفش الْكَلَامَ ثُمَّ زَادَ عَلَى
هَذَا بأَن قَالَ: إِن الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْحُرُوفَ، يَقُولُ
الأَخفش: فإِذا لَمْ تَعْرِفِ الْحُرُوفَ فَكَيْفَ تُرَخِّمُ مَا لَا
تَعْرِفُهُ وَلَا تَلْفِظُ بِهِ؟ وإِنما لَمْ يَجُزْ تَرْخِيمُ
الْفَاءِ وَالتَّاءِ لأَنهما ثُلاثيان سَاكِنَا الأَوسط فَلَا
يُرَخَّمانِ، وأَما الْفَرَّاءُ فَيَرَى تَرْخِيمَ الثُّلَاثِيِّ إِذا
تَحَرَّكَ أَوْسَطُه نَحْوَ حَسَنٍ وحَمَلٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ
يَجْعَلُ السِّينَ تَاءً؛ وأَنشد لِعلْباء بْنِ أَرقم:
يَا قَبَّحَ اللهُ بَني السِّعْلاتِ: ... عَمْرَو بنَ يَرْبوعٍ شِرارَ
الناتِ
لَيْسُوا أَعِفَّاءَ وَلَا أَكْياتِ
يُرِيدُ الناسَ والأَكْياسَ. قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ
التَّاءَ كَافًا؛ وأَنشد لِرَجُلٍ مِنْ حِمْيَر:
يَا ابنَ الزُّبَيْرِ طالَما عَصَيْكا، ... وطالَما عَنَّيْتَنا
إِلَيْكا،
لَنَضْرِبَنْ بسَيْفِنا قَفَيْكا
اللَّيْثُ: تَا وَذِي لغتانِ فِي مَوْضِعِ ذِه، تَقُولُ: هَاتَا
فُلانةُ، فِي مَوْضِعِ هَذِهِ، وَفِي لُغَةٍ تَا فُلَانَةُ، فِي
مَوْضِعِ هَذِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: تَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلى
الْمُؤَنَّثِ مِثْلُ ذَا لِلْمُذَكَّرِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
هَا إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِنْ لَا تَكُنْ نَفَعَتْ، ... فَإِنَّ
صاحِبَها قَدْ تاهَ فِي البَلَدِ «1»
وَعَلَى هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ قَالُوا تِيكَ وتِلْكَ وتالِكَ،
وَهِيَ أَقبح اللُّغَاتِ كُلِّهَا، فإِذا ثَنَّيْت لَمْ تَقُلْ إِلَّا
تانِ وتانِك وتَيْنِ وتَيْنِكَ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ فِي
اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وإِذا صَغَّرت لَمْ تَقُلْ إِلَّا تَيَّا، وَمِنْ
ذَلِكَ اشْتُقَّ اسْمُ تَيَّا؛ قَالَ: وَالَّتِي هِيَ مَعْرِفةُ تَا،
لَا يَقُولونها فِي المَعرفة إِلا عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَجَعَلُوا
إِحْدَى اللَّامَيْنِ تَقْوِيَةً للأُخرى اسْتِقْبَاحًا أَن يَقُولُوا
الَّتِي، وإِنما أَرادوا بِهَا الأَلف وَاللَّامَ المُعَرِّفة،
وَالْجَمْعُ اللَّاتِي، وَجَمْعُ الْجَمْعِ اللَّواتِي، وَقَدْ
تَخْرُجُ التَّاءُ مِنَ الْجَمْعِ فَيُقَالُ اللَّائِي مَمْدُودَةً،
وَقَدْ تَخْرُجُ الْيَاءُ فَيُقَالُ اللَّاءِ، بِكَسْرَةٍ تَدُلُّ
عَلَى الْيَاءِ، وَبِهَذِهِ اللُّغَةِ كَانَ أَبو عَمْرِو بْنُ
الْعَلَاءِ يقرأُ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
مِنَ اللَّاءِ لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبةً، ... ولَكِنْ
لِيَقْتُلْنَ البَرِيءَ المُغَفَّلا
وإِذا صَغَّرْت الَّتِي قُلْتَ اللَّتَيَّا، وإِذا أَردت أَن تَجْمَعَ
اللَّتَيَّا قُلْتَ اللَّتَيَّاتِ. قَالَ اللَّيْثُ: وإِنما صَارَ
تَصْغِيرُ تِهِ وذِه وَمَا فِيهِمَا مِنَ اللُّغَاتِ تَيَّا لأَن
كَلِمَةَ التَّاءِ وَالذَّالِ مِنْ ذِه وتِه كلُّ وَاحِدَةٍ هِيَ
نَفْسٌ وَمَا لَحِقَها مِنْ بَعْدِهَا فإِنها عمادٌ لِلتَّاءِ لِكَيْ
يَنْطَلِقَ بِهِ اللِّسَانُ، فَلَمَّا صُغِّرت لَمْ تَجِد ياءُ
التَّصْغِيرِ حَرْفَيْنِ مِنْ أَصل الْبِنَاءِ تَجِيءُ بعدَهما كَمَا
جَاءَتْ فِي سُعَيْدٍ وعُمَيْرٍ، وَلَكِنَّهَا وَقَعَتْ بعدَ التَّاءِ
فَجَاءَتْ بَعْدَ فَتْحَةٍ، وَالْحَرْفُ الَّذِي قَبْلَ يَاءِ
التَّصْغِيِرِ بجَنْبها لَا يَكُونُ إِلا مَفْتُوحًا، ووقَعت التَّاءُ
إِلى جَنْبِهَا فانْتَصَبَتْ وَصَارَ مَا بَعْدَهَا قوَّة لَهَا،
وَلَمْ يَنْضَمَّ قَبْلَهَا شَيْءٌ لأَنه لَيْسَ قَبْلَهَا حَرْفَانِ،
وجمِيعُ التَّصْغِيرِ صَدْرُه مَضْمومٌ وَالْحَرْفُ الثَّانِي
مَنْصُوبٌ ثُمَّ بَعْدَهُمَا يَاءُ التَّصْغِيرِ، ومنَعَهم أَن
يَرْفَعُوا التَّاءَ الَّتِي فِي التَّصْغِيرِ لأَن هَذِهِ الْحُرُوفَ
دَخَلَتْ عِمَادًا لِلِّسَانِ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ فصارَتِ الْيَاءُ
الَّتِي قَبْلَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، لأَنها قُلِبت لِلِّسَانِ
عِمَادًا، فإِذا وَقَعَتْ فِي الحَشْو لَمْ تَكُنْ عِماداً، وَهِيَ فِي
تَيَّا الأَلف الَّتِي كَانَتْ فِي ذَا؛ وقال
__________
(1) . رواية الديوان: ها إن ذي عِذرة إلخ.
(15/445)
الْمُبَرِّدُ: هَذِهِ الْأَسْمَاءُ
الْمُبْهَمَةُ مُخَالِفَةُ لِغَيْرِهَا فِي مَعْنَاهَا وَكَثِيرٍ مِنْ
لَفْظِهَا، فَمِنْ مُخالفتِها فِي الْمَعْنَى وُقُوعها فِي كُلِّ مَا
أَوْمَأْت، إِلَيْهِ وأَما مُخَالَفَتُهَا فِي اللَّفْظِ فإِنها
يَكُونُ مِنْهَا الِاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ، أَحدهما حرفُ لِين نَحْوُ
ذَا وتاء فَلَمَّا صُغِّرت هَذِهِ الأَسماء خُولِف بِهَا جِهةَ
التَّصْغِيرِ فَلَا يعربُ المُصغَّرُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ عَلَى
تَصْغِيرِهِ دَلِيلٌ، وأُلحقت أَلف فِي أَواخرها تَدُلُّ عَلَى مَا
كَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الضَّمَّةُ فِي غَيْرِ الْمُبْهَمَةِ، أَلا
تَرَى أَنَّ كُلَّ اسْمٍ تُصَغِّره مِنْ غَيْرِ الْمُبْهَمَةِ تَضمُّ
أَوّله نَحْوَ فُلَيْسٍ ودُرَيْهِمٍ؟ وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِ ذَا
ذَيًّا، وَفِي تَا تَيًّا، فإِن قَالَ قَائِلٌ: مَا بالُ يَاءُ
التصغيرِ لَحِقَت ثَانِيَةً وإِنما حَقُّها أَنْ تَلْحَقَ ثَالِثَةً؟
قِيلَ: إِنها لَحِقَتْ ثَالِثَةً وَلَكِنَّكَ حَذَفْتَ يَاءً
لِاجْتِمَاعِ الياءَاتِ فَصَارَتْ ياءُ التَّصْغِيرِ ثَانِيَةً،
وَكَانَ الأَصل ذُيَيَّا، لأَنك إِذَا قُلْتَ ذَا فالأَلف بَدَلٌ مِنْ
يَاءٍ، وَلَا يَكُونُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ فِي الأَصل فَقَدْ
ذهَبَتْ ياءٌ أُخَرَى، فإِن صَغَّرتَ ذِهِ أَوْ ذِي قُلْتَ تَيًّا،
وإِنما مَنَعَكَ أَن تَقُولَ ذَيًّا كَراهيةَ الِالْتِبَاسِ
بالمُذَكَّرِ فَقُلْتَ تَيًّا؛ قَالَ: وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِ الَّذِي
اللَّذَيَّا وَفِي تَصْغِيرِ الَّتِي اللَّتَيَّا كَمَا قَالَ:
بَعْدَ اللَّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتِي، ... إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ
تَرَدَّتِ
قَالَ: وَلَوْ حَقَّرْتَ اللاتِي قُلْتَ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ
اللَّتَيَّاتِ كَتَصْغِيرِ الَّتِي، وَكَانَ الأَخفش يَقُولُ وَحْدَهُ
اللُّوتِيَّا «1» لأَنه لَيْسَ جَمْعُ الَّتِي عَلَى لَفْظِهَا فإِنما
هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، قَالَ المُبرد: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ: تِه مِثْلُ ذِه، وتانِ لِلتَّثْنِيَةِ، وأُولاء
لِلْجَمْعِ، وَتَصْغِيرُ تَا تَيَّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ،
لأَنك قَلَبْتَ الأَلف يَاءً وأَدْغَمْتَها فِي يَاءِ التَّصْغِيرِ؛
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وأَدغمت يَاءَ التَّصْغِيرِ فِيهَا
لأَنّ يَاءَ التَّصْغِيرِ لَا تَتَحَرَّكُ أَبداً، فَالْيَاءُ الأُولى
فِي تَيّا هِيَ يَاءُ التَّصْغِيرِ وَقَدْ حُذِفَتْ مِنْ قَبْلِهَا
يَاءٌ هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وأَما الْيَاءُ الْمُجَاوِرَةُ للأَلف
فَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنه رأَى جَارِيَةً مَهْزُولة فَقَالَ مَنْ يَعْرِف تَيَّا؟
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هِيَ واللهِ إِحدى بَناتِك
؛ تَيًّا: تصغيرُ تَا، وَهِيَ اسْمُ إِشَارَةٍ إِلَى الْمُؤَنَّثِ
بِمَنْزِلَةِ ذَا للمذَكَّر، وإِنما جَاءَ بِهَا مُصَغَّرة تَصْغيراً
لأَمرها، والأَلف فِي آخِرِهَا عَلَامَةُ التَّصْغِيرِ وَلَيْسَتِ
الَّتِي فِي مُكَبَّرِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ: وأَخَذَ
تِبْنةً مِنَ الأَرض فَقَالَ تَيًّا مِنَ التوفيقِ خيرٌ مِنْ كَذَا
وَكَذَا مِنَ العَمَل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَكَ أَن تُدْخِلَ
عَلَيْهَا هَا التنبيهِ فَتَقُولُ هَاتَا هِنْدٌ وَهَاتَانِ
وَهَؤُلَاءِ، وَلِلتَّصْغِيرِ هاتَيًّا، فإِن خاطَبْتَ جئتَ بِالْكَافِ
فَقُلْتَ تِيكَ وتِلْكَ وتاكَ وتَلْكَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، وَهِيَ
لُغَةٌ رديئةٌ، وَلِلتَّثْنِيَةِ تانِكَ وتانِّكَ، بِالتَّشْدِيدِ،
وَالْجَمْعُ أُولَئِكَ وأُولاكَ وأُولالِكَ، فَالْكَافُ لِمَنْ
تُخَاطِبُهُ فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيث وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ،
وَمَا قَبْلَ الكافِ لِمَنْ تُشِيرُ إِليه فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيث
وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فإِن حَفِظْتَ هَذَا الأَصل لَمْ تُخطِئ
فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِهِ؛ وَتَدْخُلُ الْهَاءُ عَلَى تِيكَ وتاكَ
تَقُولُ هاتِيكَ هِندٌ وهاتاكَ هِندٌ؛ قَالَ عَبِيدٌ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
هاتِيكَ تَحْمِلُني وأَبْيَضَ صارِماً، ... ومُذَرَّباً فِي مارِنٍ
مَخْمُوسِ
وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:
جِئْنا نُحَيِّيكَ ونَسْتَجْدِيكا، ... فافْعَلْ بِنا هاتاكَ أَوْ
هاتِيكا
أَي هَذِهِ أَو تِلْك تَحِيَّةً أَو عَطِيَّةً، وَلَا تَدْخُلُ هَا
عَلَى تِلْكَ لأَنهم جَعَلُوا اللَّامَ عِوَضًا عَنْ هَا التَّنْبِيه؛
__________
(1) . قوله [اللوتيا] كذا بالأصل والتهذيب بتقديم المثناة الفوقية على
التحتية، وسيأتي للمؤلف في ترجمة تصغير ذا وتا اللويا.
(15/446)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما امْتَنَعُوا
مِن دُخُولِ هَا التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ وَتِلْكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى بُعْدِ الْمُشَارِ إِليه، وَهَا التَّنْبِيهِ
تدلُّ عَلَى قُرْبه، فَتَنافيا وتَضادَّا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وتالِك لُغَةٌ فِي تِلْك؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ للقُطامِيّ يَصِف
سَفِينَةَ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
وعامَتْ، وهْيَ قاصِدةٌ، بإِذْنٍ، ... ولَوْلا اللهُ جارَ بِهَا
الجَوارُ،
إِلى الجُوديِّ حَتَّى صَارَ حِجْراً ... وحانَ لِتالِك الغُمَرِ
انْحِسارُ
ابْنُ الأَعرابي: التُّوَى الجَوارِي، والتّايَةُ الطَّايَةُ؛ عَنْ
كراع.
حا
: الْحَاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَقَالَ اللَّيْثُ:
هُوَ مَقْصُورٌ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا جَعَلْتَهُ اسْمًا مَدَدْتَهُ
كَقَوْلِكَ هَذِهِ حَاءٌ مَكْتُوبَةٌ ومَدّتها يَاءَانِ، قَالَ:
وَكُلُّ حَرْفٍ عَلَى خِلْقَتِهَا مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فأَلفها
إِذَا مُدَّت صَارَتْ فِي التَّصْرِيفِ يَاءَيْنِ، قَالَ: وَالْحَاءُ
وَمَا أَشبهها تُؤَنَّثُ مَا لَمْ تُسَمَّ حَرْفًا، فإِذا صَغَّرْتَهَا
قُلْتَ حُيَيَّة، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَصْغِيرُهَا إِذَا كَانَتْ
صَغِيرَةً فِي الخَطّ أَو خَفِيَّةً وَإِلَّا فَلَا، وَذَكَرَ ابْنُ
سِيدَهْ الْحَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ فِي الْمُعْتَلِّ وَقَالَ: إنَّ
أَلفها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ أَيضاً حَيْثُ ذَكَرَهُ اللَّيْثُ، وَيَقُولُونَ لِابْنِ
مِائَةٍ: لَا حاءَ وَلَا ساءَ أَي لا مُحْسِنٌ ولا مُسِئٌ، وَيُقَالُ:
لَا رجُل وَلَا امرأةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهُ أَنه لَا
يَسْتَطِيعُ أَن يَقُولَ حَا وَهُوَ زَجْر لِلْكَبْشِ عِنْدَ السِّفاد
وَهُوَ زَجْر لِلْغَنَمِ أَيضاً عِنْدَ السَّقْي، يُقَالُ: حَأْحَأْتُ
بِهِ وحاحَيْتُ، وَقَالَ أَبو خَيرَةَ: حأْحأْ، وَقَالَ أَبو
الدُّقَيْشِ: أُحُو أُحُو، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَن يَقُولَ سَأْ، وَهُوَ
لِلْحِمَارِ، يُقَالُ: سَأْسَأْت بِالْحِمَارِ إِذا قُلْتَ سَأْسَأْ؛
وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
قَوْمٌ يُحاحُونَ بالبِهامِ، و ... نِسْوانٌ قِصارٌ كهَيْئةِ الحَجَلِ
أَبو زَيْدٍ: حاحَيْتُ بالمِعْزَى حِيحاءً ومُحاحاةً صِحْتُ، قَالَ:
وَقَالَ الأَحمر سَأْسَأْت بِالْحِمَارِ. أَبو عَمْرٍو: حاحِ بضَأْنِك
وبغَنَمِكَ أَي ادْعُها؛ وَقَالَ:
أَلجَأَني القُرُّ إِلى سَهْواتِ ... فِيها، وَقَدْ حاحَيْتُ
بالذَّواتِ
قَالَ: والسَّهْوةُ صَخْرةٌ مُقْعَئِلّةٌ لَا أَصل لَهَا فِي الأَرض
كأَنها حَاطَتْ مِنْ جَبَلٍ «2» والذَّواتُ: المَهازِيل، الْوَاحِدَةُ
ذَاتٌ. الْجَوْهَرِيُّ: حاءٍ زَجْرٌ للإِبل، بُني عَلَى الْكَسْرِ
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَقَدْ يُقْصَرُ، فَإِنْ أَردت
التَّنْكِيرَ نَوّنْتَ فَقُلْتَ حاءٍ وعاءٍ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ:
يُقَالُ لِلْمَعْزِ خَاصَّةً حاحَيْتُ بِهَا حِيحاءً وحِيحاءةً إِذَا
دَعَوْتَهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَبدلوا الأَلف بِالْيَاءِ
لِشَبَهِهَا بِهَا لأَن قَوْلَكَ حاحَيْتُ إِنما هُوَ صَوْتٌ بَنَيْتَ
مِنْهُ فِعْلًا، كَمَا أَن رَجُلًا لَوْ أَكثر مِنْ قَوْلِهِ لَا
لَجَازَ أَن يقول لا لَيْتُ، يُرِيدُ قُلتُ لَا، قَالَ: ويَدلُّك عَلَى
أَنها لَيْسَتْ فاعَلْتُ قَوْلُهُمْ الحَيْحاء والعَيْعاء،
بِالْفَتْحِ، كَمَا قَالُوا الْحاحاتُ والهاهاتُ، فأُجْرِيَ حاحَيْتُ
وعاعَيْتُ وهاهَيْتُ مُجْرى دَعْدَعْتُ إذْ كُنَّ للتَّصْويتِ. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ حاحَيْتُ بِهَا حِيحاءً
وحِيحاءةٌ، قَالَ: صَوَابُهُ حَيْحاءً وَحَاحَاةً، وَقَالَ عِنْدَ
قَوْلِهِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَبدلوا الأَلف بِهَا لِشَبَهِهَا بِهَا،
قَالَ: الَّذِي قَالَ سِيبَوَيْهِ إِنما هُوَ أَبدلوا الأَلف
لِشَبَهِهَا بِالْيَاءِ، لأَنَّ أَلف حاحَيْتُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ
فِي حَيْحَيْتُ، وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَيضاً لَجَازَ
أَن تَقُولَ لالَيْتُ قَالَ: حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ فِي لَا وَمَا
لوَّيْتُ ومَوَّيْتُ، قَالَ: وَقَوْلُ
__________
(2) . قوله [كأنها حاطت إلى قوله الجوهري] كذا بالأصل ...
(15/447)
الْجَوْهَرِيِّ كَمَا قَالُوا الحاحاتُ
والهاهاتُ، قَالَ: مَوْضِعُ الشَّاهِدِ مِنَ الحاحاتِ أَنه فَعلَلةٌ
وأَصله حَيْحَيَةٌ وفَعْللَةٌ، لَا يَكُونُ مَصْدَرًا لِفاعَلْتُ
وإِنما يَكُونُ مَصْدَرًا لفَعْلَلْتُ، قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَن
حاحَيْت فَعْلَلْتُ لَا فاعَلْتُ، والأَصل فِيهَا حَيْحَيْتُ. ابْنُ
سِيدَهْ: حاءِ أَمر لِلْكَبْشِ بالسِّفاد. وحاءٌ، مَمْدُودَةٌ:
قَبِيلَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: وَهِيَ فِي الْيَمَنِ حاءٌ وحَكَمٌ.
الْجَوْهَرِيُّ: حاءٌ حَيُّ مِنْ مَذْحِجٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
طلَبْت الثَّأْرَ فِي حَكَمٍ وحاءٍ
قال ابن بَرِّيٍّ: بَنُو حَاءٍ مِنْ جُشَمِ بْنِ مَعَدٍّ. وَفِي
حَدِيثِ
أَنس: شَفَاعَتِي لأَهل الكبائِرِ مِنْ أُمَّتي حَتَّى حَكَمَ وحاءَ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هُمَا حَيَّان مِنَ الْيَمَنِ مِنْ وَرَاءِ
رَمْلِ يَبْرِين. قَالَ أَبو مُوسَى: يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَاءٌ مِنَ
الحُوَّة، وَقَدْ حُذِفت لَامُهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ حَوَى
يَحْوِي، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَقْصُورًا غَيْرَ مَمْدُودٍ. وبئرُ
حاءَ: مَعْرُوفَةٌ.
خا
: الْخَاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ يَكُونُ أَصلًا
لَا غَيْرُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: خَيِّيْتُ خَاءً؛ قَالَ ابْنُ
سِيدَهْ: فإِذا كَانَ هَذَا فَهُوَ مِنْ بَابِ عَيَّيْت، قَالَ:
وَهَذَا عِنْدِي مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ صَنْعة لَا عَرَبِيَّة، وَقَدْ
ذُكِرَ ذَلِكَ فِي عِلَّةِ الْحَاءِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْخَاءُ
وأَخواتُها مِنَ الثُّنائِية كَالْهَاءِ وَالْبَاءِ وَالتَّاءِ
وَالطَّاءِ إِذَا تُهُجِّيَتْ مَقْصورَةٌ، لأَنها لَيْسَتْ بأَسماء،
وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي التَّهَجِّي عَلَى الْوَقْفِ، وَيَدُلُّكَ
عَلَى ذَلِكَ أَن الْقَافَ والدالَ والصادَ موقوفةُ الأَواخِر،
فَلَوْلَا أَنها عَلَى الْوَقْفِ حُرِّكَتْ أَواخِرُهن، وَنَظِيرُ
الوَقْفِ هَاهُنَا الحَذْفُ فِي الْيَاءِ وأَخواتِها، وَإِذَا أَردت
أَن تَلْفِظ بِحُرُوفِ المُعجم قَصَرْتَ وأَسْكَنْتَ، لأَنك لَسْتَ
تُرِيدُ أَن تَجْعَلَهَا أَسماء وَلَكِنَّكَ أَردت أَن تُقَطِّع
حُرُوفَ الِاسْمِ فَجَاءَتْ كأَنها أَصواتٌ تُصوِّت بِهَا، إِلا أَنك
تَقِفُ عِنْدَهَا لأَنها بِمَنْزِلَةِ عِهْ، وَإِذَا أَعربتها لَزِمَكَ
أَن تَمُدَّها، وَذَلِكَ أَنها عَلَى حَرْفَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا
حرفُ لِين، والتَّنْوِينُ يُدْرِك الْكَلِمَةَ، فتَحْذِفُ الأَلف
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَيَلْزَمُكَ أَن تَقُولَ: هَذِهِ حًا يَا
فَتَى، ورأَيت حًا حَسَنَةً، وَنَظَرْتُ إِلَى طًا حَسَنةٍ، فَيَبْقَى
الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فإِن ابْتَدَأْتَه وَجَبَ أَن يَكُونَ
مُتَحَرِّكًا، وَإِنْ وَقَفْتَ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا،
فَإِنِ ابتدأْته وَوَقَفْتَ عَلَيْهِ جَمِيعًا وَجَبَ أَن يَكُونَ
سَاكِنًا مُتَحَرِّكًا فِي حَالٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ الِاسْتِحَالَةِ،
فأَما مَا حَكَاهُ أَحمد بْنُ يَحْيَى مِنْ قَوْلِهِمْ: شربتُ مَا،
بِقَصْرِ ماءٍ فَحِكَايَةٌ شَاذَّةٌ لَا نَظِيرَ لَهَا وَلَا يسُوغُ
قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا. وَخَاءِ بِك: مَعْنَاهُ اعْجَلْ.
غَيْرُهُ: خَاءِ بِكَ عَلَيْنَا وخايِ لُغَتَانِ أَي اعْجَلْ،
وَلَيْسَتِ التَّاءُ للتأْنيث «1» لأَنه صَوْتٌ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْكَسْرِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ،
فخاءِ بِكُمَا وخايِ بِكُمَا وخاءِ بِكُمْ وخايِ بِكُمْ؛ قَالَ
الْكُمَيْتُ:
إِذَا مَا شَحَطْنَ الحادِيَيْنِ سَمِعْتَهم ... بَخايِ بِكَ الحَقْ،
يَهْتِفُون، وحَيَّ هَلْ
وَالْيَاءُ مُتَحَرِّكَةٌ غَيْرُ شَدِيدَةٍ والأَلفُ ساكنةٌ،
وَيُرْوَى: بِخَاءِ بِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: مَعْنَاهُ خِبْت،
وَهُوَ دُعَاءٌ مِنْهُ عَلَيْهِ، تَقُولُ: بِخَائِبِكَ أَي بأَمْرِك
الَّذِي خابَ وخَسِر؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ
أَبي زَيْدٍ كَمَا تَرَى، وَقِيلَ القولُ الأَولُ. قَالَ الأَزهري:
قرأْت فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لِابْنِ هَانِئٍ خايِ بِك عَلَيْنَا
أَي اعْجَلْ عَلَيْنَا، غَيْرَ مَوْصُولٍ، قَالَ: أَسْمَعَنِيه
الإِيادي لِشَمِرٍ
__________
(1) . قوله [وليست التاء للتأْنيث] كذا بالأصل هنا، ولعلها تخريجة من
محل يناسبها وضعها النساخ هنا.
(15/448)
عَنْ أَبي عُبَيْدٍ خايِبِكَ عَلَيْنَا،
وَوَصَلَ الْيَاءَ بِالْبَاءِ فِي الْكِتَابِ، قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا
كُتِب فِي كِتَابِ ابْنِ هَانِئٍ وخايِ بِكِ اعْجَلِي وخايِ بِكُنَّ
اعْجَلْنَ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ إِلَّا الْكَافَ فإِنك
تُثَنِّيها وتجمعُها. وخوو
الخُوّةُ: الأَرضُ الخاليةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَنِي تَمِيمٍ لأَبي
العارِم الكِلابيّ وَكَانَ اسْتَرْشَدَهم فَقَالُوا له: إنّ أَمامَكَ
خوو
خُوَّةً مِنَ الأَرض وَبِهَا ذِئْبٌ قَدْ أَكل إِنْسَانًا أَو
إِنْسَانَيْنِ فِي خَبَرٍ له طويل. وخوو
خَوٌّ: كَثِيبٌ مَعْرُوفٌ بِنَجْدٍ. ويومُ خوو
خَوٍّ: يومٌ قَتل فِيهِ ذُؤابُ بْنُ رَبِيعَةَ عُتَيْبَةَ بْنِ الحَرِث
بْنِ شِهَابِ.
ذا
: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ:
ذَا يَكُونُ بِمَعْنَى هَذَا، وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ
؛ أَي مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْفَع عِنده؛ قَالَا: وَيَكُونُ ذَا
بِمَعْنَى الَّذِي، قَالَا: وَيُقَالُ هَذَا ذُو صَلاحٍ ورأَيتُ هَذَا
ذَا صَلاحٍ وَمَرَرْتُ بِهَذَا ذِي صَلاحٍ، وَمَعْنَاهُ كُلُّهُ صاحِب
صَلاح. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: ذَا اسمُ كلِّ مُشارٍ إِلَيْهِ
مُعايَنٍ يَرَاهُ الْمُتَكَلِّمُ وَالْمُخَاطَبُ، قَالَ: وَالِاسْمُ
فِيهَا الذَّالُ وَحْدَهَا مَفْتُوحَةً، وَقَالُوا الذَّالُ وَحْدَهَا
هِيَ الِاسْمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، وَهُوَ اسْمٌ مُبْهَمٌ لَا يُعرَف
مَا هُوَ حَتَّى يُفَسِّر مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِكَ ذَا الرَّجلُ، ذَا
الفرَسُ، فَهَذَا تَفْسِيرُ ذَا ونَصْبُه وَرَفْعُهُ وخفصه سَوَاءٌ،
قَالَ: وَجَعَلُوا فَتْحَةَ الذَّالِ فَرْقًا بَيْنَ التَّذْكِيرِ
والتأْنيث كَمَا قَالُوا ذَا أَخوك، وَقَالُوا ذِي أُخْتُك فَكَسَرُوا
الذَّالَ فِي الأُنثى وَزَادُوا مَعَ فَتْحَةِ الذَّالِ فِي
الْمُذَكِّرِ أَلفاً وَمَعَ كَسْرَتِهَا للأُنثى يَاءً كَمَا قَالُوا
أَنْتَ وأَنْتِ. قَالَ الأَصمعي: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَا أُكَلِّمُك
فِي ذِي السَّنَةِ وَفِي هَذِي السَّنَةِ، وَلَا يُقَالُ فِي ذَا
السَّنةِ، وَهُوَ خطأٌ، إِنما يُقَالُ فِي هَذِهِ السَّنةِ؛ وَفِي
هَذِي السَّنَةِ وَفِي ذِي السَّنَة، وَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ ادْخُلْ
ذَا الدارَ وَلَا الْبَسْ ذَا الجُبَّة، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ ادْخُل
ذِي الدارَ والْبَس ذِي الجُبَّةَ، وَلَا يَكُونُ ذَا إِلَّا
لِلْمُذَكَّرِ. يُقَالُ: هَذِهِ الدارُ وَذِي المرأَةُ. وَيُقَالُ:
دَخلت تِلْكَ الدَّار وتِيكَ الدَّار، وَلَا يُقَالُ ذِيك الدَّارَ،
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ذِيك البَتَّةَ، والعامَّة تُخْطِئ
فِيهِ فَتَقُولُ كَيْفَ ذِيك المرأَةُ؟ وَالصَّوَابُ كَيْفَ تِيكَ
المرأَةُ؟ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلى
الْمُذَكَّرِ، وَذِي بِكَسْرِ الذَّالِ لِلْمُؤَنَّثِ، تَقُولُ: ذِي
أَمَةُ اللهِ، فإِن وَقَفْتَ عَلَيْهِ قُلْتَ ذِهْ، بِهَاءٍ
مَوْقُوفَةٍ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، وَلَيْسَتْ للتأْنيث،
وَإِنَّمَا هِيَ صِلةٌ كَمَا أَبدلوا فِي هُنَيَّةٍ فَقَالُوا
هُنَيْهة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَلَيْسَتْ للتأْنيث
وَإِنَّمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: فإِن أَدخلت عَلَيْهَا
الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ قُلْتَ هَذَا زيدٌ وَهَذِي أَمَةُ اللهِ
وَهَذِهِ أَيضاً، بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ، وَقَدِ اكْتَفَوْا بِهِ
عَنْهُ، فإِن صَغَّرْت ذَا قُلْتَ ذَيًّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ،
لأَنك تَقْلِب أَلف ذَا يَاءٍ لِمَكَانِ الْيَاءِ قَبْلَهَا فتُدْغِمها
فِي الثَّانِيَةِ وَتَزِيدُ فِي آخِرِهِ أَلفاً لتَفْرُقَ بَيْنَ
المُبْهَم وَالْمُعْرَبِ، وذَيّانِ فِي التَّثْنِيَةِ، وَتَصْغِيرُ
هَذَا هَذَيًّا، وَلَا تُصَغَّر ذِي لِلْمُؤَنَّثِ وَإِنَّمَا تُصَغَّر
تَا، وَقَدِ اكْتَفَوْا بِهِ عَنْهُ، وَإِنْ ثَنَّيْتَ ذَا قُلْتَ ذانِ
لأَنه لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا لِسُكُونِهِمَا فتَسْقُط إِحْدَى
الأَلفين، فَمَنْ أَسقط أَلف ذَا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ
فأَعْرَبَ، وَمَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هذانِ لساحِرانِ
لأَن أَلف ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إِعْرَابٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا
على لغة بَلْحَرِثِ ابن كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ
الْجَوْهَرِيِّ: مَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ
، قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن أَلف التَّثْنِيَةِ
حَرْفٌ زِيدَ لِمَعْنًى، فَلَا يَسْقُطُ وَتَبْقَى الأَلف الأَصلية
كَمَا لَمْ يَسقُط التَّنْوِينُ فِي هَذَا قاضٍ وَتَبْقَى الْيَاءُ
الأَصلية، لأَن التَّنْوِينَ زيدَ لِمَعْنًى فَلَا يَصِحُّ حَذْفُهُ،
قَالَ: وَالْجَمْعُ أُولاء مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، فَإِنْ خاطبْتَ جئْتَ
بِالْكَافِ فَقُلْتَ ذاكَ وَذَلِكَ، فَاللَّامُ
(15/449)
زَائِدَةٌ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ،
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُومأُ إِليه بَعِيدٌ وَلَا مَوْضِعَ
لَهَا مِنَ الإِعراب، وتُدْخِلُ الْهَاءَ عَلَى ذَاكَ فَتَقُولُ
هَذَاكَ زَيدٌ، وَلَا تُدْخِلُها عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى أُولئك
كَمَا لَمْ تَدْخُل عَلَى تلْكَ، وَلَا تَدْخُل الكافُ عَلَى ذِي
لِلْمُؤَنَّثِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى تَا، تَقُولُ تِيكَ وتِلْك،
وَلَا تَقُلْ ذِيك فإِنه خطأٌ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: رأَيت
ذَيْنِكَ الرِّجُلين، وَجَاءَنِي ذانِكَ الرَّجُلانِ، قَالَ:
وَرُبَّمَا قَالُوا ذانِّك، بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ ذانِّك، بِتَشْدِيدِ النُّونِ،
تَثْنِيةَ ذَلِكَ قُلِبَتِ اللَّامُ نُونًا وأُدْغِمَت النُّونُ فِي
النُّونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تشديدُ النُّونِ عِوضٌ مِنَ الأَلف
الْمَحْذُوفَةِ مِنْ ذَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي اللذانِّ إِنَّ
تَشْدِيدَ النُّونِ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الَّذِي،
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا شَدَّدُوا النُّونَ فِي ذَلِكَ
تأْكيداً وَتَكْثِيرًا لِلِاسْمِ لأَنه بَقِيَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ
كَمَا أَدخلوا اللَّامَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ
هَذَا فِي الأَسماء المُبْهَمة لِنُقْصَانِهَا، وَتَقُولُ
لِلْمُؤَنَّثِ تانِكَ وتانِّك أَيضاً، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَمْعُ
أُولئك، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حُكْمِ الْكَافِ فِي تَا، وَتَصْغِيرُ
ذَاكَ ذَيّاك وَتَصْغِيرُ ذَلِكَ ذَيّالِك؛ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ
وقَدِمَ مِنْ سَفَره فَوَجَدَ امرأَته قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا فأَنكره
فَقَالَ لَهَا:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ ... مِنِّي ذِي القاذُورةِ
المَقْلِيِ
أَو تَحْلِفِي برَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبو ذَيّالِكِ الصَّبيِ
قَدْ رابَني بالنَّظَر التُّرْكِيِّ، ... ومُقْلةٍ كمُقْلَةِ
الكُرْكِيِ
فَقَالَتْ:
لَا وَالَّذِي رَدَّكَ يَا صَفِيِّي، ... مَا مَسَّني بَعْدَك مِن
إنْسِيِ
غيرِ غُلامٍ واحدٍ قَيْسِيِّ، ... بَعْدَ امرأَيْنِ مِنْ بَني عَدِيِ
وآخَرَيْنِ مِنْ بَني بَلِيِّ، ... وَخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّوِيِ
وسِتَّةٍ جاؤوا مَعَ العَشِيِّ، ... وغيرِ تُرْكِيٍّ وبَصْرَوِيِ
وَتَصْغِيرُ تِلْك تَيَّاكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ
تَيّالِكَ، فأَما تَيّاك فَتَصْغِيرُ تِيك. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَا إِشارة إِلى الْمُذَكَّرِ، يُقَالُ ذَا وَذَاكَ،
وَقَدْ تُزَادُ اللَّامُ فَيُقَالُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ
الْكِتابُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذا الكتابُ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى
ذَا هَا الَّتِي للتَّنْبِيه فَيُقَالُ هَذا، قَالَ أَبو عَلِيٍّ:
وأَصله ذَيْ فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً،
وَلَمْ يَقُولُوا ذَيْ لِئَلَّا يُشْبِهَ كَيْ وأَيْ، فأَبدلوا يَاءَهُ
أَلفاً لِيلْحَقَ بِبَابِ مَتَى وَإِذْ أَو يَخْرُجَ مِنْ شَبَه
الحَرْفِ بعضَ الخُروج. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد يَاءَ النَّصْبِ ثُمَّ حَذَفَهَا
لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف قَبْلَها، وَلَيْسَ ذَلِكَ
بِالْقَوِيِّ، وذلِك أَن الْيَاءَ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى الأَلف
فَيَجِبُ أَن تُحْذَفَ الأَلف لِمَكَانِهَا، فأَما مَا أَنشده
اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ لِجَمِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ
غَيْرَنا وجَفانا
فإِنه أَراد أَذا الَّذِي، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَدِ
استُعْمِلت ذَا مَكَانَ الَّذِي كَقَوْلِهِ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ
مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
؛ أَي مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ فِيمَنْ رَفَعَ الْجَوَابَ فَرَفْعُ
العَفْوِ يَدُلُّ عَلَى أَن مَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَذَا
خَبَرُهَا ويُنْفِقُون صِلةُ ذَا، وأَنه لَيْسَ مَا وَذَا جَمِيعًا
كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدَ
(15/450)
سِيبَوَيْهِ، وإِن كَانَ قَدْ أَجاز الوجهَ
الْآخَرَ مَعَ الرَّفْعِ. وَذِي، بِكَسْرِ الذَّالِ، لِلْمُؤَنَّثِ
وَفِيهِ لُغاتٌ: ذِي وذِهْ، الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، الدَّلِيلُ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَحْقِيرِ ذَا ذَيّا، وذِي إِنَّمَا هِيَ
تأْنيث ذَا وَمِنْ لَفْظِهِ، فَكَمَا لَا تَجِب الْهَاءُ فِي
الْمُذَكَّرِ أَصلًا فَكَذَلِكَ هِيَ أَيضاً فِي الْمُؤَنَّثِ بَدَلٌ
غيرُ أَصْلٍ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ فِي هَذِه وَإِنِ اسْتُفِيدَ مِنْهَا
التأْنيث بِمَنْزِلَةِ هَاءِ طَلْحَة وحَمْزَة لأَن الْهَاءَ فِي
طَلْحَةَ وَحَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وَالْهَاءُ فِي هَذا لَيْسَتْ
بِزَائِدَةٍ إِنما هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ
الْفِعْلِ فِي هَذِي، وأَيضاً فإِنَّ الْهَاءَ فِي حَمْزَةَ نَجِدُهَا
فِي الْوَصْلِ تَاءً وَالْهَاءُ فِي هَذِهِ ثابِتةٌ فِي الْوَصْلِ
ثَباتَها فِي الْوَقْفِ. وَيُقَالُ: ذِهِي، الْيَاءُ لِبَيَانِ
الْهَاءِ شَبَّهَهَا بِهَاءِ الإِضمار فِي بِهِي وهَذِي وهَذِهِي
وهَذِهْ، الْهَاءُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ساكنةٌ إِذا لَمْ
يَلْقَهَا سَاكِنٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَعْنَى ذِي؛ عَنِ ابْنِ
الأَعرابي؛ وأَنشد:
قُلْتُ لَها: يَا هَذِهي هَذَا إِثِمْ، ... هَلْ لَكِ فِي قاضٍ
إِلَيْهِ نَحْتَكِمْ؟
وَيُوصَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِكَافِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي:
أَسماء الإِشارة هَذا وهذِه لَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا
مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لَا تَلْحَقُ إِلا النَّكِرَةَ، فَمَا
لَا يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ فَهُوَ بأَن لَا تَصِحَّ تَثْنِيَتُهُ
أَجْدَرُ، فأَسْماء الإِشارة لَا يَجُوزُ أَن تُنَكَّر فَلَا يَجُوزُ
أَن يُثَنَّى شَيْءٌ مِنْهَا، أَلا تَرَاهَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ
عَلَى حَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَذَلِكَ
نَحْوَ قَوْلِكَ هَذانِ الزَّيْدانِ قائِمَيْن، فَنَصْبُ قائِمَيْن
بِمَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الإِشارةُ والتنبيهُ،
كَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ هَذَا زَيْدٌ قَائِمًا، فَتَجِدُ
الْحَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ التثنيةِ وَبَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ
ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قَامَا، تَعرَّفا بِالصِّلَةِ كَمَا يَتَعَرَّفُ
بِهَا الْوَاحِدُ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُ الَّذِي قامَ، والأَمر فِي
هَذِهِ الأَشياء بَعْدَ التَّثْنِيَةِ هُوَ الأَمر فِيهَا قَبْلَ
التَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سائرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ
زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنما
هُوَ بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ؟ فإِذا ثَنَّيْتَهُمَا تَنَكَّرَا
فَقُلْتَ عِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ
بالإِضافة أَو بِاللَّامِ فَقُلْتَ الزَّيْدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ
وعَمْراكَ، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
تَعَرُّفِهما قَبْلَهَا ولَحِقا بالأَجْناسِ وفارَقا مَا كَانَا
عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ، فإِذا صَحَّ ذَلِكَ
فَيَنْبَغِي أَن تعلمَ أَنَّ هذانِ وهاتانِ إِنما هِيَ أَسماء
مَوْضُوعَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ مُخْتَرعة لَهَا، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةً
لِلْوَاحِدِ عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وزَيْدانِ، إِلا أَنها صِيغت عَلَى
صُورَةِ مَا هُوَ مُثَنًّى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقِيلَ هذانِ وهاتانِ
لِئَلَّا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ، وَذَلِكَ أَنهم يُحافِظون
عَلَيْهَا مَا لَا يُحافِظون عَلَى الْجَمْعِ، أَلا تَرَى أَنك تَجِدُ
فِي الأَسماء الْمُتَمَكِّنَةِ أَلفاظَ الجُموع مِنْ غَيْرِ أَلفاظِ
الْآحَادِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ ونَفَرٍ وامرأَةٍ ونِسْوة وبَعير
وإِبلٍ وَوَاحِدٍ وجماعةٍ، وَلَا تَجِدُ فِي التَّثْنِيَةِ شَيْئًا
مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هِيَ مِنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ نَحْوَ زَيْدٍ
وَزَيْدَيْنِ وَرَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ
أَيضاً كَثِيرٌ مِنَ الْمَبْنِيَّاتِ عَلَى أَنها أَحق بِذَلِكَ مِنَ
الْمُتَمَكِّنَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ ذَا وأُولَى وأُلات وذُو وأُلُو،
وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهَا نَحْوَ ذَا وذانِ وذُو وذَوانِ،
فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى التَّثْنِيَةِ
وَعِنَايَتِهِمْ بِهَا، أَعني أَن تَخْرُجَ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ
لِئَلَّا تَخْتَلِفَ، وأَنهم بِهَا أَشدُّ عِناية مِنْهُمْ
بِالْجَمْعِ، وَذَلِكَ لَمَّا صِيغَتْ لِلتَّثْنِيَةِ أَسْماء
مُخْتَرَعة غَيْرُ مُثناة عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَتْ عَلَى أَلفاظ
المُثناة تَثْنِيةً حَقِيقَةً، وَذَلِكَ ذانِ وتانِ، وَالْقَوْلُ فِي
اللَّذانِ واللَّتانِ كَالْقَوْلِ فِي ذانِ وتانِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي:
فأَما قَوْلُهُمْ هذانِ وهاتانِ وَفَذَانِكَ فإِنما تُقْلَبُ فِي
هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لأَنهم عَوَّضوا مِنْ حَرْفٍ
(15/451)
مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ
مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ
يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ
كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ
بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي
قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ
فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي
مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَبَّذا قَالَ: الأَصل
حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحدى الباءَين فِي الأُخرى وشُدِّدت، وَذَا إِشارة
إِلى مَا يَقْرُبُ مِنْكَ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
حَبَّذا رَجْعُها إِلَيْكَ يَدَيْها ... فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ
الإِزارا
كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا فَقَالَ: هُوَ
رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدا
دِرْعِها: كُمَّاها. وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: قُرَشِيٌّ يَمانٍ
لَيْسَ مِن ذِي وَلَا ذُو أَي لَيْسَ نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء
الْيَمَنِ، وَهُمْ مُلوكُ حِمْيَرَ، مِنْهُمْ ذُو يَزَنَ وذُو
رُعَيْنٍ؛ وَقَوْلُهُ: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي
المَنْشإ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا وَاوٌ،
وَقِيَاسُ لَامِهَا أَن تَكُونَ يَاءً لأَن بَابَ طَوَى أَكثر مِنْ
بَابِ قَوِيَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَرِيرٍ: يَطْلُع عَلَيْكُمْ رَجل مِنْ ذِي يَمَنٍ عَلَى وجْهِه مَسْحة
مِنْ ذِي مَلَكٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا أَورده أَبو عُمَر الزَّاهِدُ وَقَالَ
ذِي هَاهُنَا صِلة أَي زائدة.
تَفْسِيرُ ذَاكَ وَذَلِكَ
: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ إِذا بَعُدَ المُشارُ إِليه
مِنَ المُخاطَب وَكَانَ المُخاطِبُ بَعِيداً مِمَّنْ يُشِيرُ إِليه
زَادُوا كَافًا فَقَالُوا ذَاكَ أَخُوك، وَهَذِهِ الْكَافُ لَيْسَتْ
فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَا نَصْبٍ، إِنما أَشبهت كافَ قَوْلِكَ أَخاك
وَعَصَاكَ فَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَن قَوْلَ الْقَائِلِ ذَاكَ
أَخوك كأَنها فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لإِشْباهِها كافَ أَخاك، وَلَيْسَ
ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنما تِلْكَ كَافٌ ضُمت إِلى ذَا لبُعْد ذَا مِنَ
الْمُخَاطَبِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا هَذَا اللَّبْسُ زَادُوا فِيهَا
لَامًا فَقَالُوا ذَلِكَ أَخُوك، وَفِي الْجَمَاعَةِ أُولئك إِخْوَتُك،
فإِن اللَّامَ إِذا دَخَلَتْ ذَهَبَتْ بِمَعْنَى الإِضافة، وَيُقَالُ:
هَذَا أَخُوك وَهَذَا أَخٌ لَكَ وَهَذَا لَكَ أَخٌ، فإِذا أَدخلت
اللَّامَ فَلَا إِضافة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ أَعلمتك أَنَّ
الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ فِي قَوْلِهِ ذَا سَوَاءٌ، تَقُولُ:
مَرَرْتُ بِذَا ورأَيت ذَا وَقَامَ ذَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا
عَلَامَةُ رَفْعِ الإِعراب وَلَا خَفْضِهِ وَلَا نَصْبِهِ لأَنه غَيْرُ
مُتَمَكِّنٍ، فَلَمَّا ثنَّوا زَادُوا فِي التَّثْنِيَةِ نُونًا
وأَبْقَوُا الأَلف فَقَالُوا ذانِ أَخَواك وذانِك أَخَواك؛ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ
مَنْ يشدِّد هَذِهِ النُّونَ فَيَقُولُ ذانِّكَ أَخَواكَ، قَالَ:
وَهُمُ الَّذِينَ يَزِيدُونَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ،
فَجَعَلُوا هَذِهِ التَّشْدِيدَةَ بَدَلَ اللَّامِ؛ وأَنشد
الْمُبَرِّدُ فِي بَابِ ذَا الَّذِي قَدْ مَرَّ آنِفاً:
أَمِنْ زَيْنَبَ ذِي النارُ، ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَا تَخْبُو
إِذا مَا خَمَدَتْ يُلقى، ... عَلَيها، المَنْدَلُ الرَّطْبُ
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: ذِي مَعْنَاهُ ذِهْ. يُقَالُ: ذَا عَبْدُ
اللَّهِ وَذِي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ اللَّهِ
وَتَّا أَمَة اللهِ، قَالَ: وَيُقَالُ هَذي هِنْدُ وهاتِه هِندُ
وَهَاتَا هِندُ، عَلَى زِيَادَةِ هَا التَّنْبيه، قَالَ: وإِذا
صَغَّرْت ذِه قُلْتَ تَيّا تَصْغِيرَ تِه أَو تَا، وَلَا تُصَغَّر ذِهِ
عَلَى لَفْظِهَا لأَنك إِذا صغرت ذا قلت ذَيّا، ولو صغرت
__________
(2) . قوله [وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بالتاء إلخ] كذا
بالأَصل.
(15/452)
ذِه لَقُلْتَ ذَيَّا فَالْتَبَسَ
بِالْمُذَكَّرِ، فَصَغَرُوا مَا يُخَالِفُ فِيهِ الْمُؤَنَّثُ
الْمُذَكَّرَ، قَالَ: والمُبْهَماتُ يُخالِف تَصْغِيرُها تَصْغيرَ
سَائِرِ الأَسماء. وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذانِكَ
بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ قَالَ: وقرأَ بَعْضُهُمْ
فذانِّكَ بُرْهَانَانِ
، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ أَدخلوا التَّثْقِيلَ
للتأْكيد كَمَا أَدخلوا اللَّامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
شدَّدوا هَذِهِ النُّونَ ليُفْرَقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النُّونِ
الَّتِي تَسْقُطُ للإِضافة لأَن هَذانِ وهاتانِ لَا تُضَافَانَ؛
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ مِنْ لُغَةِ مَنْ قال هذا آقال ذَلِكَ،
فَزَادُوا عَلَى الأَلف أَلفاً كَمَا زَادُوا عَلَى النُّونِ نُونًا
ليُفْصَل بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الأَسماء الْمُتَمَكِّنَةِ؛ وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: اجْتَمَعَ القُراء عَلَى تَخْفِيفِ النُّونِ مَنْ ذانِكَ
وكثيرٌ مِنَ الْعَرَبِ فَيَقُولُ فذانِك قائمانِ وهذانِ قائمانِ
وَاللَّذَانِ قَالَا ذَلِكَ، وَقَالَ أَبو إِسحاق: فَذَانِكَ
تَثْنِيَةُ ذَاكَ وذانِّك تَثْنِيَةُ ذَلِكَ، يَكُونُ بدلَ اللامِ فِي
ذَلِكَ تشديدُ النُّونِ فِي ذانِّك. وَقَالَ أَبو إِسحاق: الِاسْمُ
مِنْ ذَلِكَ ذَا وَالْكَافُ زِيدَت لِلْمُخَاطَبَةِ فَلَا حَظَّ لَهَا
فِي الإِعراب. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَوْ كَانَ لَهَا حَظٌّ فِي الإِعراب
لَقُلْتَ ذَلِكَ نَفْسِكَ زَيْدُ، وَهَذَا خَطَأٌ. وَلَا يَجُوزُ
إِلَّا ذلكَ نَفْسُه زَيْدٌ، وَكَذَلِكَ ذَانِكَ يَشْهَدُ أَن الْكَافَ
لَا مَوْضِعَ لَهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ لَكَانَ جَرًّا
بالإِضافة، وَالنُّونُ لَا تَدْخُلُ مَعَ الإِضافة واللامُ زِيدَتْ
مَعَ ذَلِكَ لِلتَّوْكِيدِ، تَقُولُ: ذلِك الحَقُّ وهَذاكَ الحَقُّ،
وَيَقْبُحُ هذالِكَ الحَقُّ لأَن اللَّامَ قَدْ أَكَّدَت مَعَ الإِشارة
وكُسِرت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، أَعني الأَلف مِنْ ذَا،
وَاللَّامُ الَّتِي بَعْدَهَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تَكُونَ اللَّامُ
سَاكِنَةً وَلَكِنَّهَا كُسِرَت لِما قُلنا، وَاللَّهُ أَعلم.
تَفْسِيرُ هَذَا
: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: سَمِعْتُ أَبا الْهَيْثَمِ يَقُولُ هَا وأَلا
حَرْفَانِ يُفْتَتَحُ بِهِمَا الْكَلَامُ لَا مَعْنَى لَهُمَا إِلا
افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِهِمَا، تَقُولُ: هَذا أَخوك، فَهَا تَنبيهٌ
وَذَا اسْمُ الْمُشَارِ إِليه وأَخُوك هُوَ الْخَبَرُ، قَالَ: وَقَالَ
بَعْضُهُمْ هَا تَنْبِيهٌ تَفتتح العَرَبُ الكلامَ بِهِ بِلَا مَعْنًى
سِوى الِافْتِتَاحِ: هَا إِنَّ ذَا أَخُوك، وأَلا إِنَّ ذَا أَخُوك،
قَالَ: وإِذا ثَنَّوُا الِاسْمَ الْمُبْهَمَ قَالُوا تانِ أُخْتاك
وهاتانِ أُخْتاك فرجَعوا إِلى تَا، فَلَمَّا جَمَعُوا قَالُوا أُولاءِ
إِخْوَتُك وأُولاءِ أَخَواتُك، وَلَمْ يَفْرُقوا بَيْنَ الأُنثى
وَالذَّكَرِ بِعَلَامَةٍ، قَالَ: وأُولاء، مَمْدُودَةٌ مَقْصُورَةٌ،
اسْمٌ لِجَمَاعَةِ ذَا وَذِهِ، ثُمَّ زَادُوا هَا مَعَ أُولاء
فَقَالُوا هَؤُلَاءِ إِخْوَتُك. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ؛ الْعَرَبُ إِذا
جَاءَتْ إِلى اسْمٍ مَكْنِيٍّ قَدْ وُصِفَ بِهَذَا وهذانِ وَهَؤُلَاءِ
فَرَقُوا بَيْنَ هَا وَبَيْنَ ذَا وجعَلوا المَكْنِيَّ بَيْنَهُمَا،
وَذَلِكَ فِي جِهَةِ التَّقْرِيبِ لَا فِي غَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ:
أَين أَنت؟ فَيَقُولُ الْقَائِلُ: ها أَنا ذا، فَلَا يَكادُون يقُولون
هَا أَنا، وَكَذَلِكَ التَّنْبِيهُ فِي الْجَمْعِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ، وَرُبَّمَا
أَعادوها فَوَصَلُوهَا بِذَا وَهَذَا وَهَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ هَا
أَنتَ ذَا قَائِمًا وَهَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا
؛ قَالَ: فإِذا كَانَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ تَقْرِيبٍ أَو كَانَ
مَعَ اسمٍ ظاهرٍ جَعَلُوهَا مَوْصُولَةً بِذَا فَيَقُولُونَ هَا هُوَ
وَهَذَانِ هُمَا، إِذا كَانَ عَلَى خَبَرٍ يَكْتَفِي كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ بِلَا فِعْلٍ، وَالتَّقْرِيبُ لَا بُدَّ فِيهِ
مِنْ فِعْلٍ لِنُقْصَانِهِ، وأَحبوا أَن يَفرقوا بِذَلِكَ بَيْنَ
التَّقْرِيبِ وَبَيْنَ مَعْنَى الِاسْمِ الصَّحِيحِ. وَقَالَ أَبو
زَيْدٍ: بَنُو عُقَيْلٍ يَقُولُونَ هَؤُلَاءٍ، مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ
مَهْمُوزٌ، قَوْمُكَ، وَذَهَبَ أَمسٌ بِمَا فِيهِ بِتَنْوِينٍ،
وَتَمِيمٌ تَقُولُ: هَؤُلَا قَوْمُك، سَاكِنٌ، وأَهل الْحِجَازِ
يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ قومُك، مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ مَخْفُوضٌ، قَالَ:
وَقَالُوا كِلْتا تَيْنِ وَهَاتَيْنِ بِمَعْنًى
(15/453)
وَاحِدٍ، وأَما تأْنيث هَذَا فإِن أَبا
الْهَيْثَمِ قَالَ: يُقَالُ فِي تأْنيث هَذَا هذِه مُنْطَلِقة
فَيَصِلُونَ يَاءً بِالْهَاءِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِي مُنْطَلِقة
وتِي مُنْطَلِقَةٌ وَتَا مُنْطَلِقة؛ وَقَالَ كَعْبٌ الْغَنَوِيُّ:
وأَنْبَأْتُماني أَنَّما الموتُ بالقُرَى، ... فَكَيْفَ وَهَاتَا
رَوْضةٌ وكَثِيبُ
يُرِيدُ: فَكَيْفَ وَهَذِهِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي هَذَا
وَهَذِهِ:
فهذِي طَواها بُعْدُ هَذِي، وَهَذِهِ ... طَواها لِهذِي وخْدُها
وانْسِلالُها
قَالَ: وَقَالَ بعضهم هَذاتُ [هَذاتِ] «1» مُنْطَلِقةٌ، وَهِيَ
شَاذَّةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا، قَالَ: وَقَالَ تِيكَ وتِلْكَ وتالِكَ
مُنْطَلِقةٌ؛ وَقَالَ الْقَطَامِيُّ:
تَعَلَّمْ أَنَّ بَعْدَ الغَيِّ رُشْداً، ... وأَنَّ لِتالِكَ الغُمَرِ
انْقِشاعا
فَصَيَّرَهَا تالِكَ وَهِيَ مَقُولة، وإِذا ثَنَّيْتَ تَا قُلْتَ
تانِكَ فَعَلَتا ذَلِكَ، وتانِّكَ فَعلتا ذَاكَ، بِالتَّشْدِيدِ،
وَقَالُوا فِي تَثْنِيَةِ الَّذِي اللَّذانِ واللَّذانِّ واللَّتانِ
واللَّتانِّ، وأَما الْجَمْعُ فَيُقَالُ أُولئك فَعَلُوا ذَلِكَ،
بِالْمَدِّ، وأُولاك، بِالْقَصْرِ، وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ فِيهِمَا.
وأَما هَذَا وَهَذَانِ فَالْهَاءُ فِي هَذَا تَنْبِيهٌ وَذَا اسْمُ
إِشارة إِلى شَيْءٍ حَاضِرٍ، والأَصل ذَا ضُمَّ إِليها هَا. أَبو
الدُّقَيْشِ: قَالَ لِرَجُلٍ أَين فلان؟ قال: هو ذا؛ قَالَ الأَزهري:
وَنَحْوَ ذَلِكَ حَفِظْتُهُ عَنِ الْعَرَبِ. ابْنُ الأَنباري: قَالَ
بَعْضُ أَهل الحجاز هُوَ ذا، بِفَتْحِ الْوَاوِ، قَالَ أَبو بَكْرٍ:
وَهُوَ خطأٌ مِنْهُ لأَن الْعُلَمَاءَ الْمَوْثُوقَ بِعِلْمِهِمُ
اتَّفَقُوا عَلَى أَن هَذَا مِنْ تَحْرِيفِ الْعَامَّةِ، وَالْعَرَبُ
إِذا أَرادت معنى هو ذا قَالَتْ هَا أَنا ذَا أَلقى فُلَانًا،
وَيَقُولُ الِاثْنَانِ: هَا نَحْنُ ذانِ نَلْقاه، وَتَقُولُ
الرِّجَالُ: هَا نَحْنُ أُولاءِ نَلْقَاهُ، وَيَقُولُ المُخاطِبُ: هَا
أَنتَ ذَا تَلْقَى فُلَانًا، وَلِلِاثْنَيْنِ: هَا أَنتما ذَانِ،
وَلِلْجَمَاعَةِ: هَا أَنتم أُولاءِ، وَتَقُولُ لِلْغَائِبِ: هَا هُوَ
ذَا يَلْقَاهُ وَهَا هُما ذانِ وَهَا هُمْ أُولاء، وَيُبْنَى التأْنيث
عَلَى التَّذْكِيرِ، وتأُويل قَوْلِهِ هَا أَنا ذَا أَلقاه قَدْ قَرُبَ
لِقائي إِياه. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْعَرَبُ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا
كَافُهُمَا كَافُ التَّنْبِيهِ، وَذَا اسْمٌ يُشار بِهِ، والله أَعلم.
تَصْغِيرُ ذَا وَتَا وَجَمْعُهُمَا
: أَهل الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ ذَا وتا
تا وتا
تلك وَذَلِكَ وَهَذَا وَهَذِهِ وَهَؤُلَاءِ وَالَّذِي وَالَّذِينَ
وَالَّتِي واللَّاتي حُرُوفَ المُثُل، وأَهل الْبَصْرَةِ يُسَمُّونَهَا
حُرُوفَ الإِشارة والأَسماء المُبْهمة، فَقَالُوا فِي تَصْغِيرِ هَذَا:
ذَيّا، مِثْلَ تَصْغِيرِ ذَا، لأَنَّ هَا تنبيهٌ وَذَا إِشارةٌ وصِفةٌ
ومِثالٌ لاسمِ مَنْ تُشِير إِليه، فَقَالُوا: وَتَصْغِيرُ ذلِكَ ذَيّا،
وإِن شِئْت ذَيّالِك، فَمَنْ قَالَ ذَيَّا زَعَمَ أَن اللَّامَ
لَيْسَتْ بأَصلية لأَنَّ مَعْنَى ذلِك ذَاكَ، وَالْكَافُ كافُ
المُخاطَب، وَمَنْ قَالَ ذَيّالِك صَغَّر عَلَى اللَّفْظِ، وتصغير تا
تِلْك تا
تَيَّا وتا
تَيّالِك، وَتَصْغِيرُ هَذِهِ تَيّا، وَتَصْغِيرُ أُولَئِكَ أُولَيّا،
وَتَصْغِيرُ هَؤُلاء هَؤُلَيّا، قَالَ: وَتَصْغِيرُ اللَّاتي مِثْلُ
تَصْغِيرِ الَّتِي وَهِيَ اللَّتيَّا، وَتَصْغِيرُ اللَّاتِي
اللَّوَيّا، وَتَصْغِيرُ الَّذِي اللَّذَيّا، وَالَّذِينَ
اللَّذَيُّون. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: يُقَالُ
لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي وَاحِدَتُهَا مُؤَنَّثَةٌ اللَّاتي واللَّائي،
وَالْجَمَاعَةُ الَّتِي وَاحِدُهَا مُذَكَّرٌ اللَّائي، وَلَا يُقَالُ
اللَّاتي إِلا لِلَّتِي وَاحِدَتُهَا مُؤَنَّثَةٌ، يُقَالُ: هُنَّ
اللَّاتي فَعَلْن كَذَا وَكَذَا واللَّائي فَعَلْن كَذَا، وَهُمُ
الرجال اللائي واللَّاؤُون فَعَلوا كَذَا وَكَذَا، وأَنشد الفراء:
همُ اللَّاؤون فَكُّوا الغُلَّ عَنِّي، ... بمَرْوِ الشاهِجانِ، وهُمْ
جنَاحي
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ
مِنْ نِسائِكُمْ،
__________
(1) . قوله [هذات] كذا في الأَصل بتاء مجرورة كما ترى، وفي القاموس شرح
بدل منطلقة منطلقات.
(15/454)
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَاللَّائِي
لَمْ يَحِضْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
منَ اللَّاءِ لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبةً، ... ولكِنْ
ليَقْتُلْنَ البَرِيءَ المُغَفَّلا
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
بَعْدَ اللَّتَيّا واللَّتَيّا والَّتِي، ... إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ
تَرَدَّتِ «2»
يُقَالُ مِنْهُ: لَقِيَ مِنْهُ اللَّتَيَّا والَّتي إِذا لَقيَ مِنْهُ
الجَهْدَ والشِّدَّة، أَراد بَعْدَ عَقَبةٍ مِنْ عِقاب المَوْتِ
مُنْكَرة إِذا أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا النَّفْسُ تَرَدَّتْ أَي هَلَكَتْ،
وَقَبْلُهُ:
إِلى أَمارٍ وأَمارِ مُدَّتي، ... دافَعَ عَنِّي بنَقِيرٍ مَوْتَتي
بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاللَّتَيَّا وَالَّتِي، ... إِذا عَلَتْهَا
أَنْفُسٌ تردَّتِ
فارْتاحَ رَبِّي وأَرادَ رحَمْتَي، ... ونِعْمةً أَتَمَّها فتَمَّتِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: الَّذِي تَعْريف لَذْ ولَذِي، فَلَمَّا قَصُرَت
قَوَّوا اللامَ بِلَامٍ أُخرى، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِف الْيَاءَ
فَيَقُولُ هَذَا اللَّذْ فَعَلَ، كَذَا بِتَسْكِينِ الذَّالِ، وأَنشد:
كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيةً فاصْطِيدا
وَلِلِاثْنَيْنِ هذانِ اللَّذانِ، وَلِلْجَمْعِ هؤُلاء الَّذِينَ،
قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذانِ اللَّذَا، فأَما الَّذِينَ
أَسكنوا الذَّالَ وَحَذَفُوا الْيَاءَ الَّتِي بَعْدَهَا فإِنهم لَمَّا
أَدخلوا فِي الِاسْمِ لَامَ الْمَعْرِفَةِ طرَحُوا الزِّيَادَةَ
الَّتِي بَعْدَ الذَّالِ وأُسكنت الذَّالُ، فَلَمَّا ثَنَّوا حَذَفُوا
النُّونَ فأَدخلوا عَلَى الِاثْنَيْنِ لحَذْف النُّونِ مَا أَدخلوا
عَلَى الْوَاحِدِ بإِسكان الذَّالِ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ، فإِن قَالَ
قَائِلٌ: أَلا قَالُوا اللَّذُو فِي الْجَمْعِ بِالْوَاوِ؟ فَقُلْ:
الصَّوَابُ فِي الْقِيَاسِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ اجْتَمَعَتْ
عَلَى الَّذِي بِالْيَاءِ وَالْجَرُّ وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ سَوَاءٌ،
وأَنشد:
وإِنّ الَّذي حانَتْ بفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ... هُمُ القَوْمُ كلُّ
القَوْمِ، يَا أُمَّ خالِدِ
وَقَالَ الأَخطل:
أَبَني كُلَيْبٍ! إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذا ... قَتَلا المُلُوكَ،
وفَكَّكا الأَغْلالا
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ اللَّتا وَالَّتِي، وأَنشد:
هُمَا اللَّتا أَقْصَدَني سَهْماهُما
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبو إِسحاق لَهُمَا
إِنهما قَالَا: الَّذِينَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا الإِعراب، تَقُولُ فِي
النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَالْجَرِّ أَتاني الَّذِين فِي الدَّارِ ورأَيت
الَّذين وَمَرَرْتُ بالَّذِين فِي الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي
الدَّارِ، قَالَا: وإِنما مُنِعا الإِعراب لأَنَّ الإِعراب إِنما
يَكُونُ فِي أَواخر الأَسماء، والَّذِي والَّذِينَ مُبْهَمان لَا
يَتِمَّان إِلا بصِلاتِهما فَلِذَلِكَ مُنعا الإِعرابَ، وأَصل الَّذِي
لَذْ، فَاعْلَمْ، عَلَى وَزْنِ عَمْ، فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَمَا
بَالُكَ تَقُولُ أَتاني اللَّذانِ فِي الدَّارِ ورأَيت اللَّذَيْن فِي
الدَّارِ فتُعْرِبُ مَا لَا يُعْرَبُ فِي الْوَاحِدِ فِي تَثْنِيَتِه
نَحْوُ هَذانِ وهَذَيْنِ وأَنت لَا تُعْرِب هَذَا وَلَا هَؤلاء؟
فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ: أَن جَمِيعَ مَا لَا يُعْرَب فِي الْوَاحِدِ
مُشَبَّه بِالْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنًى، فإِن ثَنَّيْته فَقَدْ
بَطَلَ شَبَهُ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنًى لأَنَّ حُرُوفَ
الْمَعَانِي لَا تُثَنَّى، فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ مَنَعْتَهُ
الإِعراب فِي الْجَمْعِ؟ قُلْتُ: لأَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ عَلَى حَدِّ
التَّثْنِيَةِ كَالْوَاحِدِ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جمع هذا
هَؤُلاءِ
__________
(2) . قوله" وَقَالَ الْعَجَّاجُ بَعْدَ اللَّتَيَّا إلخ" تقدم في روح
نسبة ذلك إلى رؤبة لا إلى العجاج.
(15/455)
يَا فَتَى؟ فَجَعَلْتَهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ
فَتَبْنِيه كَمَا بَنَيْتَ الْوَاحِدَ، ومَن جَمَع الَّذِين عَلَى
حَدِّ التَّثْنِيَةِ قَالَ جَاءَنِي اللَّذُون فِي الدَّارِ، ورأَيت
الَّذِين فِي الدَّارِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يَقَعَ لأَن
الْجَمْعَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ حدِّ التثنيةِ، والتثنيةُ لَيْسَ
لَهَا إِلا ضَرْبٌ وَاحِدٌ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأُلى فِي
مَعْنَى الَّذِينَ، وأَنشد:
فإِنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشِم
قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا، مَعْنَاهُ
كمثلِ الَّذِين استَوقَدوا نَارًا، فَالَّذِي قَدْ يأْتي مُؤَدِّيًا
عَنِ الْجَمْعِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:
إِنَّ الَّذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤهم
قَالَ أَبو بَكْرٍ: احْتِجَاجُهُ عَلَى الْآيَةِ بِهَذَا الْبَيْتِ
غَلَطٌ لأَن الَّذِي فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ وَاحِدٌ رُبَّمَا أَدَّى
عَنِ الْجَمْعِ فَلَا وَاحِدَ لَهُ، وَالَّذِي فِي الْبَيْتِ جَمْعٌ
وَاحِدُهُ اللَّذْ، وَتَثْنِيَتُهُ اللَّذا، وَجَمْعُهُ الَّذِي،
وَالْعَرَبُ تَقُولُ جَاءَنِي الذِي تَكَلَّمُوا، وَوَاحِدُ الَّذِي
اللَّذْ، وأَنشد:
يَا رَبَّ عَبس لَا تُبارِكْ فِي أَحدْ، ... فِي قائِمٍ مِنْهُمْ،
وَلَا فيمَن قَعَدْ
إِلا الَّذِي قامُوا بأَطْرافِ المَسَدْ [المِسَدْ]
أَراد الَّذين. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَاحِدٌ
لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ، والَّذي فِي الْبَيْتِ جَمْعٌ لَهُ وَاحِدٌ،
وأَنشد الْفَرَّاءُ:
فكنتُ والأَمْرَ الَّذي قَدْ كِيدا، ... كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً
فاصْطِيدا
وَقَالَ الأَخطل:
أَبَنِي كُلَيْبٍ، إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذا ... قَتَلا المُلوكَ،
وفَكَّكا الأَغْلالا
قَالَ: وَالَّذِي يَكُونُ مُؤَدِّياً عَنِ الْجَمْعِ وَهُوَ وَاحِدٌ
لَا وَاحِدَ لَهُ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّاسِ أُوصِي بمالِي للذِي غَزا
وحَجَّ، مَعْنَاهُ للغازينَ والحُجَّاج. وَقَالَ اللَّه تَعَالَى:
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، قَالَ
الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ تَمَامًا للمُحْسِنينَ أَي تَماماً لِلَّذِينِ
أَحْسَنُوا، يَعْنِي أَنه تَمَّمَ كُتُبهم بِكِتَابِهِ، وَيَجُوزُ أَن
يَكُونَ الْمَعْنَى تَمَامًا عَلَى مَا أَحسن أَي تَماماً لِلَّذِي
أَحْسَنه مِنَ العِلم وكُتُبِ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ، قَالَ: وَمَعْنَى
قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا، أَي مَثَلُ
هَؤلاءِ المُنافِقِين كَمَثَلِ رَجُلٍ كان في ظُلمة لا يُبْصِر مِنْ
أَجْلِها مَا عَنْ يَمِينه وشِماله وَوَرَائِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ،
وأَوقد نَارًا فأَبْصَرَ بِهَا مَا حَوْلَه مِنْ قَذًى وأَذًى،
فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ طَفِئَتْ نارُه فَرَجَعَ إِلَى ظُلْمَتِه
الأُولى، فَكَذَلِكَ المُنافِقُون كَانُوا فِي ظُلمة الشِّرك ثُمَّ
أَسْلَموا فَعَرَفُوا الْخَيْرَ والشرَّ بالإِسلام، كَمَا عَرَفَ
المُسْتَوْقِد لمَّا طَفِئَتْ نَارُهُ وَرَجَعَ إِلى أَمْرِه الأَوَّل.
ذُو وَذَوَاتٌ
: قَالَ اللَّيْثُ: ذُو اسْمٌ نَاقِصٌ وتَفْسيره صاحِبُ ذَلِكَ،
كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ ذُو مالٍ أَي صاحِبُ مالٍ، وَالتَّثْنِيَةُ ذَوان،
وَالْجَمْعُ ذَوُونَ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ شَيْءٌ
يَكُونُ إِعرابه عَلَى حَرْفَيْنِ غَيْرَ سَبْعِ كَلِمَاتٍ وَهُنَّ:
ذُو وفُو وأَخُو وأَبو وحَمُو وامْرُؤٌ وابْنُمٌ، فأَما فُو فَإِنَّكَ
تَقُولُ: رأَيت فَا زَيد، ووضَعْتُ فِي فِي زَيْدٍ، وَهَذَا فُو
زَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ أَلِفًا فِي كُلِّ وَجْهٍ؛ قَالَ
الْعَجَّاجُ يَصِفُ الْخَمْرَ:
خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وفَا
وَقَالَ الأَصمعي: قَالَ بِشْرُ بنُ عُمر قُلْتُ لِذِي الرُّمَّةِ
أَرأَيت قَوْلَهُ:
خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا
(15/456)
قَالَ: إِنا لَنَقُولُهَا فِي كَلَامِنَا
قَبَحَ اللَّهُ ذَا فَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ
هُوَ الأَوَّل، وَذَا نَادِرٌ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الأَسماء
الَّتِي رَفْعُهَا بِالْوَاوِ وَنَصْبُهَا بالأَلف وَخَفْضُهَا
بِالْيَاءِ هِيَ هَذِهِ الأَحرف: يُقَالُ جَاءَ أَبُوك وأَخُوك وفُوك
وهَنُوك وحَمُوكِ وذُو مالٍ، والأَلف نَحْوُ قَوْلِكَ رأَيتُ أَباكَ
وأَخاكَ وفاكَ وحماكِ وهناكَ وَذَا مَالٍ، وَالْيَاءُ نَحْوُ قَوْلِكَ
مَرَرْتُ بأَبِيك وأَخِيك وفِيك وحَميكِ وهَنِيكَ وذِي مالٍ. وَقَالَ
اللَّيْثُ فِي تأْنيث ذُو ذاتُ: تَقُولُ هِيَ ذاتُ مالٍ، فإِذا وقَفْتَ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَدَع التَّاءَ عَلَى حَالِهَا ظَاهِرَةً فِي الوُقُوف
لِكَثْرَةِ مَا جَرَتْ عَلَى اللِّسان، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّ
التَّاءَ إِلى هَاءِ التأْنيث، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَقُولُ: هِيَ
ذاتُ مالٍ وَهُمَا ذَوَاتَا مَالٍ، وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ ذَاتَا
مالٍ، والتَّمامُ أَحسنُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ذَواتا
أَفْنانٍ
؛ وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ: الذَّوُونَ. قَالَ اللَّيْثُ: هُمُ
الأَدْنَوْنَ والأَوْلَوْنَ؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:
وَقَدْ عَرَفَتْ مَوالِيَها الذَّوِينا
أَي الأَخَصِّينَ، وإِنما جَاءَتِ النُّونُ لِذَهَابِ الإِضافة.
وَتَقُولُ فِي جَمْعِ ذُو: هُمْ ذَوُو مالٍ، وهُنَّ ذَواتُ مالٍ،
وَمِثْلُهُ: هُمْ أُلُو مالٍ، وهُنَّ أُلاتُ مالٍ، وَتَقُولُ
الْعَرَبُ: لَقِيتُه ذَا صبَاحٍ، وَلَوْ قِيلَ: ذاتَ صَباحٍ مِثْلَ
ذاتِ يَوْمٍ لَحَسُنَ لأَن ذَا وذاتَ يُرَادُ بِهِمَا وَقْتٌ مُضَافٌ
إِلى الْيَوْمِ وَالصَّبَاحِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ
؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: أَراد الحالةَ الَّتِي
للبَيْن، وَكَذَلِكَ أَتَيْتُكَ ذاتَ العِشاء، أَراد السَّاعَةَ
الَّتِي فِيهَا العِشاء وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى ذاتَ
بَيْنِكُمْ
حَقِيقَةَ وَصْلِكم أَي اتَّقوا اللَّهَ وَكُونُوا مُجْتَمِعين عَلَى
أَمر اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى اللَّهُمَّ أَصْلِح ذاتَ
البَيْن أَي أَصْلِح الحالَ الَّتِي بِهَا يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ.
أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْفَرَّاءِ: يقال لَقِيتُه ذاتَ يَوْمٍ وذاتَ
لَيْلَةٍ وذاتَ العُوَيم وذاتَ الزُّمَيْنِ، وَلَقِيتُهُ ذَا غَبُوقٍ،
بِغَيْرِ تَاءٍ، وَذَا صَبُوحٍ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي:
تَقُولُ أَتيته ذاتَ الصَّبُوحِ وذاتَ الغَبُوقِ إِذا أَتَيْته غُدْوة
وعَشِيَّةً، وأَتيته ذَا صَبَاحٍ وَذَا مَسَاءٍ، قَالَ: وأَتيتهم ذاتَ
الزُّمَيْنِ وَذَاتَ العُوَيْمِ أَي مُذْ ثَلَاثَةِ أَزْمان وأَعْوام.
ابْنُ سِيدَهْ: ذُو كَلِمَةٌ صِيغت ليُتَوصَّل بِهَا إِلى الْوَصْفِ
بالأَجناس، وَمَعْنَاهَا صَاحِبٌ أَصْلُها ذَواً، وَلِذَلِكَ إِذا
سَمَّى بِهِ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ قَالَا هَذَا ذَواً قَدْ جَاءَ،
والتثنية ذَوانِ، والجمع ذوونَ. والذَّوُون: الأَملاك المُلَقَّبون
بذُو كَذَا، كَقَوْلِكَ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ وَذُو فائشٍ وذُو
جَدَنٍ وذُو نُواسٍ وَذُو أَصْبَح وذُو الكَلاعِ، وَهُمْ مُلوك اليَمن
مِنْ قُضاعَةَ، وَهُمُ التَّبابِعة؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ قَوْلَ
الْكُمَيْتِ:
فَلَا أَعْني بِذلك أَسْفليكُمْ، ... ولكِنِّي أُرِيدُ بِهِ الذَّوِينا
يَعْنِي الأَذْواء، والأُنثى ذَاتُ، وَالتَّثْنِيَةُ ذَواتا،
وَالْجُمَعُ ذَوُون، والإِضافة إِليها ذَوِّيُّ «1» ، وَلَا يَجُوزُ
فِي ذَاتٍ ذاتِيٌّ لأَنَّ يَاءَ النَّسَبِ مُعَاقِبَةٌ لِهَاءِ
التأْنيث. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَرَوَى أَحمد بْنُ إِبراهيم أُستاذ
ثَعْلَبٍ عَنِ الْعَرَبِ هَذَا ذُو زَيْدٍ، وَمَعْنَاهُ هَذَا زيدٌ أَي
هَذَا صاحبُ هَذَا الِاسْمِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
إِليكُم، ذَوِي آلِ النبيِّ، تَطَلَّعَتْ ... نَوازِعُ مِن قَلْبِي
ظِماء وأَلْبُبُ
أَي إِليكم أَصحاب هَذَا الِاسْمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ ذَوُو آلِ
__________
(1) . قوله [والإضافة إليها ذوّيّ] كذا في الأصل، وعبارة الصحاح: ولو
نسبت إليه لقلت ذوويّ مثل عصوي وسينقلها المؤلف.
(15/457)
النَّبِيِّ. وَلَقِيتُهُ أَوَّلَ ذِي
يَدَيْنِ وذاتِ يَدَيْنِ أَي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ
افْعَلْهُ أَوَّلَ ذِي يدَين وذاتِ يَدَيْنِ. وَقَالُوا: أَمّا أَوّلُ
ذاتِ يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللَّهَ، وَقَوْلُهُمْ: رأَيت ذَا مَالٍ،
ضارَعَتْ فِيهِ الإِضافةُ التأْنيث، فَجَاءَ الِاسْمُ الْمُتَمَكِّنُ
عَلَى حَرْفَيْنِ ثَانِيهِمَا حرفُ لِينٍ لَمَّا أُمِنَ عَلَيْهِ
التَّنْوِينُ بالإِضافة، كَمَا قَالُوا: لَيت شِعْري، وإِنما الأَصل
شِعْرَتي. قَالُوا: شَعَرْتُ بِهِ شِعْرَة، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَجل
الإِضافة لَمَّا أُمِنَ التنوينُ، وَتَكُونُ ذُو بِمَعْنَى الَّذِي،
تُصاغ ليُتوصَّل بِهَا إِلى وَصْفِ المعارِف بِالْجُمَلِ، فَتَكُونُ
نَاقِصَةً لَا يَظْهَرُ فِيهَا إِعراب كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي الَّذِي،
وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ فَتَقُولُ: أَتاني ذُو قالَ ذاكَ وذُو
قَالَا ذَاكَ وذُو قَالُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: لَا أَفعل ذاكَ بذِي
تَسْلَمُ وَبِذِي تَسْلَمانِ وبذِي تَسْلَمُون وبذِي تَسْلَمِين،
وَهُوَ كالمثَل أُضِيفت فِيهِ ذُو إِلى الْجُمْلَةِ كَمَا أُضيفت
إِليها أَسماء الزَّمَانِ، وَالْمَعْنَى لَا وسَلامَتِك وَلَا
وَاللَّهِ يُسَلِّمُك «1» . وَيُقَالُ: جَاءَ مِنْ ذِي نَفْسِهِ وَمِنْ
ذَاتِ نَفْسِهِ أَي طَيِّعاً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَمَّا ذُو
الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ فَلَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، وإِنْ
وَصَفْتَ بِهِ نَكِرةً أَضَفْته إِلى نَكِرَةٍ، وإِن وَصَفْتَ بِهِ
مَعْرِفَةً أَضفته إِلى الأَلف وَاللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ أَن تُضيفَه
إِلى مُضْمَرٍ وَلَا إِلى زَيْدٍ وَمَا أَشبهه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِذا خَرَجَتْ ذُو عَنْ أَن تَكُونَ وُصْلةً إِلى الوَصْف بأَسماء
الأَجناس لَمْ يَمْتَنِعْ أَن تَدْخُلَ عَلَى الأَعلام والمُضْمرات
كَقَوْلِهِمْ ذُو الخلَصَةِ، والخَلَصَةُ: اسْمُ عَلَمٍ لصَنَمٍ، وذُو
كنايةٌ عَنْ بَيْتِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ ذُو رُعَيْنٍ وذُو جَدَنٍ
وذُو يَزَنَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَعلام، وَكَذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَى
الْمُضْمَرِ أَيضاً؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
صَبَحْنا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفاتٍ ... أَبارَ ذَوِي أَرُومَتِها
ذَوُوها
وَقَالَ الأَحوص:
ولَكِنْ رَجَوْنا مِنْكَ مِثْلَ الَّذِي بِهِ ... صُرِفْنا قَدِيماً
مِن ذَوِيكَ الأَوائِلِ
وَقَالَ آخر:
إِنما يَصْطَنِعُ المَعْروفَ ... فِي الناسِ ذَوُوهُ
وَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مالٍ، وبامرأَة ذاتِ مالٍ،
وَبِرَجُلَيْنِ ذَوَيْ مالٍ، بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَفِي التَّنْزِيلِ
الْعَزِيزِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ
؛ وَبِرِجَالٍ ذَوِي مَالٍ، بِالْكَسْرِ، وَبِنِسْوَةٍ ذواتِ مَالٍ،
وَيَا ذواتِ الجِمام، فتُكْسَرُ التَّاءُ فِي الْجَمْعِ فِي مَوْضِعِ
النَّصْبِ كَمَا تُكْسَرُ تَاءُ الْمُسْلِمَاتِ، وَتَقُولُ: رأَيت
ذواتِ مَالٍ لأَن أَصلها هَاءٌ، لأَنك إِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا فِي
الْوَاحِدِ قُلْتَ ذاهْ، بِالْهَاءِ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا وُصِلَتْ
بِمَا بَعْدَهَا صَارَتْ تَاءً، وأَصل ذُو ذَوًى مِثْلُ عَصاً، يَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هاتانِ ذَوَاتَا مالٍ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
ذَواتا أَفْنانٍ
، فِي التَّثْنِيَةِ. قَالَ: وَنَرَى أَن الأَلف مُنْقَلِبَةٌ مِنْ
وَاوٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ يَاءٍ،
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ حُذِفت مِنْ ذَوًى عَيْنُ الْفِعْلِ
لِكَرَاهَتِهِمُ اجْتِمَاعَ الْوَاوَيْنِ لأَنه كَانَ يَلْزَمُ فِي
التَّثْنِيَةِ ذَوَوانِ مِثْلَ عَصَوانِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
صَوَابُهُ كَانَ يَلْزَمُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَويانِ، قَالَ: لأَن
عَيْنَهُ وَاوٌ، وَمَا كَانَ عينُه وَاوًا فَلَامُهُ يَاءٌ حَمْلًا
عَلَى الأَكثر، قَالَ: وَالْمَحْذُوفُ مِنْ ذَوًى هُوَ لَامُ
الْكَلِمَةِ لَا عَينُها كَمَا ذَكَرَ، لأَن الْحَذْفَ فِي اللَّامِ
أَكثر مِنَ الْحَذْفِ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مِثْلُ
عَصَوانِ فبَقِي ذًا مُنَوَّن، ثُمَّ ذَهَبَ التَّنْوِينُ للإِضافة
__________
(1) . قوله [ولا والله يسلمك] كذا في الأصل، وكتب بهامشه: صوابه ولا
والذي يسلمك.
(15/458)
فِي قَوْلِكَ ذُو مَالٍ، والإِضافة
لَازِمَةٌ لَهُ كَمَا تَقُولُ فُو زَيْدٍ وَفَا زَيْدٍ، فإِذا أَفردت
قُلْتَ هَذَا فَمٌ، فَلَوْ سَمَّيْتَ رجُلًا ذُو لَقُلْتَ: هَذَا ذَوًى
قَدْ أَقبل، فَتَرُدُّ مَا كَانَ ذَهَبَ، لأَنه لَا يَكُونُ اسْمٌ
عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدهما حَرْفُ لِينٍ لأَن التَّنْوِينَ يُذْهِبُهُ
فَيَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نسَبت إِليه قُلْتَ ذَوَوِيٌّ
مِثَالَ عَصَوِيٍ، وَكَذَلِكَ إِذا نَسَبْتَ إِلى ذَاتٍ لأَن التَّاءَ
تُحْذَفُ فِي النِّسْبَةِ، فكأَنك أَضفت إِلى ذِي فَرَدَدْتَ الْوَاوَ،
وَلَوْ جَمَعْتَ ذُو مَالٍ قُلْتَ هَؤُلَاءِ ذَوُونَ لأَن الإِضافة
قَدْ زَالَتْ؛ وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ:
ولكنِّي أُريد بِهِ الذَّوينا
وأَما ذُو، الَّتِي فِي لغة طَيِء بِمَعْنَى الَّذِي، فَحَقُّهَا أَن
تُوصَف بِهَا المعارِف، تَقُولُ: أَنا ذُو عَرَفْت وذُو سَمِعْت،
وَهَذِهِ امرأَةُ ذُو قالَتْ، كَذَا يَسْتَوِي فِيهِ التَّثْنِيَةُ
وَالْجَمْعُ والتأْنيث؛ قَالَ بُجَيْر بْنُ عَثْمةَ الطَّائِيُّ أَحد
بَنِي بَوْلانَ:
وإِنَّ مَوْلايَ ذُو يُعاتِبُني، ... لَا إِحْنةٌ عِنْدَه وَلَا
جَرِمَهْ
ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني، ... يَرْمي وَرَائِي بامْسَهْمِ
وامْسَلِمَهْ «1»
يُرِيدُ: الَّذِي يُعاتِبُني، وَالْوَاوُ الَّتِي قَبْلَهُ زَائِدَةٌ،
قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِن ذَا وَحْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي
كَقَوْلِهِمْ مَاذَا رأَيت؟ فتقول: مَتاعٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أَلا تَسأَلانِ المَرْء مَاذَا يُحاوِلُ؟ ... أَنَحْبٌ فيُقْضى أَم
ضَلالٌ وباطِلُ؟
قَالَ: وَيَجْرِي مَعَ مَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِمْ
مَاذَا رأَيت؟ فَتَقُولُ: خَيْرًا، بِالنَّصْبِ، كأَنه قَالَ مَا
رأَيْت، فَلَوْ كَانَ ذَا هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَكَانَ
الْجَوَابُ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ، وأَما قَوْلُهُمْ ذاتَ مَرَّةٍ وَذَا
صَباحٍ فَهُوَ مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ،
تَقُولُ: لَقِيته ذاتَ يَوْمٍ وذاتَ ليلةٍ وذاتَ العِشاء وذاتَ مَرَّةٍ
وذاتَ الزُّمَيْنِ وَذَاتَ العُوَيْمِ وَذَا صَباحٍ وَذَا مَساءٍ وَذَا
صَبُوحٍ وَذَا غَبُوقٍ، فَهَذِهِ الأَربعة بِغَيْرِ هَاءٍ، وإِنما
سُمِع فِي هَذِهِ الأَوقات وَلَمْ يَقُولُوا ذاتَ شهرٍ وَلَا ذاتَ
سَنَةٍ. قَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَصْلِحُوا ذاتَ
بَيْنِكُمْ
؛ إِنما أَنثوا لأَن بَعْضَ الأَشياء قَدْ يُوضَعُ لَهُ اسْمٌ
مُؤَنَّثٌ وَلِبَعْضِهَا اسْمٌ مُذَكَّرٌ، كَمَا قَالُوا دارٌ وحائطٌ،
أَنثوا الدَّارَ وذكَّروا الْحَائِطَ. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَيْتَ
وذَيْتَ مِثْلَ كَيْتَ وكَيْتَ، أَصله ذَيْوٌ عَلَى فَعْلٍ سَاكِنَةُ
الْعَيْنِ، فحُذِفت الْوَاوُ فَبَقِيَ عَلَى حَرْفَيْنِ فشُدِّدَ كَمَا
شُدِّد كَيٌّ إِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا، ثُمَّ عُوِّض مِنَ التَّشْدِيدِ
التَّاءُ، فإِن حَذَفْتَ التَّاءَ وجِئْتَ بِالْهَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ
أَن تردَّ التَّشْدِيدَ، تَقُولُ: كَانَ ذَيَّهْ وذَيَّهْ، وإِن
نَسَبْتَ إِليه قُلْتَ ذَيَويٌّ كَمَا تَقُولُ بَنَوِيٌّ فِي النَّسَبِ
إِلى الْبِنْتِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ
فِي أَصل ذَيْت ذَيْوٌ، قَالَ: صَوَابُهُ ذَيٌّ لأَنَّ مَا عَيْنُهُ
يَاءٌ فَلَامُهُ يَاءٌ، وَاللَّهُ أَعلم، قَالَ: وذاتُ الشَّيْءِ
حَقِيقتُه وخاصَّته. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ قَلَّتْ ذاتُ يَدِه؛
قَالَ: وذاتُ هَاهُنَا اسْمٌ لِمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ كأَنها تَقَعُ
عَلَى الأَموال، وَكَذَلِكَ عَرَفه مِنْ ذاتِ نَفْسِه كأَنه يَعْنِي
سَرِيرَته المُضْمرة، قَالَ: وذاتٌ نَاقِصَةٌ تَمَامُهَا ذواتٌ مِثْلُ
نَواةٍ، فَحَذَفُوا مِنْهَا الْوَاوَ، فإِذا ثَنَّوْا أَتَمُّوا
فَقَالُوا ذواتانِ كَقَوْلِكِ نَواتانِ، وإِذا ثَلَّثُوا رَجَعُوا إِلى
ذَاتٍ فَقَالُوا ذَوَاتٌ، وَلَوْ جَمَعُوا عَلَى التَّمَامِ لَقَالُوا
ذَوَياتٌ كَقَوْلِكَ نَوَيَاتٌ، وَتَصْغِيرُهَا ذُوَيّةٌ. وَقَالَ
ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ
الصُّدُورِ*
؛
__________
(1) . قوله [ذو يعاتبني] تقدم في حرم: ذو يعايرني، وقوله [وذو يعاتبني]
في المغني: وذو يواصلني.
(15/459)
مَعْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْقُلُوبِ مِنَ
الْمُضْمَرَاتِ، فتأْنيث ذَاتٍ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَ:
وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ
، فأَنَّث عَلَى مَعْنَى الطَّائِفَةِ كَمَا يُقَالُ لَقِيتُه ذاتَ
يَوْمٍ، فَيُؤَنِّثُونَ لأَن مَقْصِدهم لَقِيتُهُ مَرَّةً فِي يَوْمٍ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ
عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ
الشِّمالِ
؛ أُريد بذاتَ الجِهةُ فَلِذَلِكَ أَنَّثها، أَراد جِهَةَ ذَاتَ
يَمِينِ الكَهف وذاتَ شِماله، وَاللَّهُ أَعلم.
بَابُ ذَوَا وَذَوِي مُضَافَيْنِ إِلى الأَفعال
: قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ
بِالْفَضْلِ ذُو فَضَّلَكم اللهُ بِهِ وَالْكَرَامَةُ ذاتُ أَكْرَمَكمُ
اللهُ بِهَا، فَيَجْعَلُونَ مَكَانَ الَّذِي ذُو، وَمَكَانَ الَّتِي
ذاتُ وَيَرْفَعُونَ التَّاءَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ: وَيَخْلِطُونَ
فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَرُبَّمَا قَالُوا هَذَا ذُو يَعْرِفُ،
وَفِي التَّثْنِيَةِ هَاتَانِ ذَوا يَعْرِفُ، وَهَذَانِ ذَوا تَعْرِفُ؛
وأَنشد الْفَرَّاءُ:
وإِن الْمَاءَ مَاءُ أَبي وجَدِّي، ... وبِئْري ذُو حَفَرْتُ وَذُو
طَوَيْتُ
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُثَنِّي وَيَجْمَعُ وَيُؤَنِّثُ
فَيَقُولُ هذانِ ذَوا قَالَا، وَهَؤُلَاءِ ذَوو قَالُوا ذَلِكَ،
وَهَذِهِ ذاتُ قَالَتْ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ سَوابِقِ ... ذَواتُ يَنْهَضْنَ بغَيْرِ
سائقِ
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَرَبُ تَقُولُ لَا بذِي تَسْلَمُ مَا
كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلِلِاثْنَيْنِ لَا بِذِي تَسْلَمان،
وَلِلْجَمَاعَةِ لَا بِذِي تَسْلَمُون، وَلِلْمُؤَنَّثِ لَا بِذِي
تَسْلَمين، وَلِلْجَمَاعَةِ لَا بِذِي تَسْلَمْنَ، والتأْويل لا ولله
يُسَلِّمُكَ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، لَا وسَلامَتِك مَا كَانَ كَذَا
وَكَذَا. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ: وَمِمَّا يُضَافُ
إِلى الْفِعْلِ ذُو فِي قَوْلِكَ افْعَلْ كَذَا بِذِي تَسْلَم،
وافْعلاه بِذِي تَسْلَمانِ؛ مَعْنَاهُ بِالَّذِي يُسَلِّمك. وَقَالَ
الأَصمعي: تَقُولُ الْعَرَبُ واللهِ مَا أَحسَنْتَ بِذِي تَسْلم؛
قَالَ: مَعْنَاهُ واللهِ الَّذِي يُسَلِّمك مِنَ المرْهُوب، قَالَ:
وَلَا يَقُولُ أَحد بالذِي تَسْلَمُ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِنَّ بَيْتَ تَمِيمٍ ذُو سَمِعْت بِهِ
فإِنَّ ذُو هَاهُنَا بِمَعْنَى الَّذِي وَلَا تَكُونُ فِي الرَّفْعِ
وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ إِلَّا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَتْ
بِالصِّفَةِ الَّتِي تُعْرَبُ نَحْوِ قَوْلِكَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي
مَالٍ، وَهُوَ ذُو مَالٍ، ورأَيت رَجُلًا ذَا مَالٍ، قَالَ: وَتَقُولُ
رأَيت ذُو جاءَك وذُو جاءَاك وَذُو جاؤُوك وَذُو جاءَتْكَ وَذُو
جِئْنَكَ، لَفْظٌ وَاحِدٌ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، قَالَ:
وَمَثَلٌ لِلْعَرَبِ: أَتى عَلَيْهِ ذُو أَتى عَلَى النَّاسِ أَي
الَّذِي أَتى؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهِيَ لغة طيِء، وذُو بِمَعْنَى
الَّذِي. وَقَالَ اللَّيْثُ: تَقُولُ مَاذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ:
خَيْرٌ وخَيْراً، الرَّفْعُ عَلَى مَعْنَى الَّذِي صنَعْتَ خَيْرٌ،
وَكَذَلِكَ رُفِعَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
؛ أَي الَّذِي تُنْفِقونَ هُوَ العَفْوُ مِنْ أَموالكم فَا «2» ...
فأَنفقوا، وَالنَّصْبُ لِلْفِعْلِ. وَقَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَى
قَوْلِهِ مَاذَا يُنْفِقُونَ
فِي اللُّغَتَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما أَن يَكُونَ ذَا فِي
مَعْنَى الَّذِي، وَيَكُونُ يُنْفِقون مِنْ صِلَتِهِ، الْمَعْنَى
يسأَلونك أَيُّ شيء يُنْفِقُون، كأَنه بَيَّنَ وجْهَ الَّذِي يُنْفِقون
لأَنهم يَعْلَمُونَ مَا المُنْفَق، وَلَكِنَّهُمْ أَرادوا عِلمَ
وَجْهِه؛ ومِثْلُ جَعْلِهم ذَا فِي مَعْنَى الَّذِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَدَسْ، مَا لعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمارةٌ ... نَجَوْتِ، وَهَذَا
تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
__________
(2) . كذا بياض بالأَصل
(15/460)
الْمَعْنَى وَالَّذِي تَحْمِلِينَ طَلِيقٌ،
فَيَكُونُ مَا رَفْعاً بِالِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ ذَا خَبَرَهَا،
قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَا مَعَ ذَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ
وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ نَصْبًا بينفقون، المعنى يسأَلونك أَيَّ شيء
يُنْفِقُون، قَالَ: وَهَذَا إِجْمَاعُ النَّحْوِيِّينَ، وَكَذَلِكَ
الأَوَّلُ إِجماعٌ أَيضاً؛ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ مَا وَذَا بِمَنْزِلَةِ
اسْمٍ وَاحِدٍ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
دَعِي مَاذَا عَلِمْتُ سَأَتَّقِيهِ، ... ولكِنْ بالمُغَيَّبِ
نَبِّئِيني
كأَنه بِمَعْنَى: دَعِي الَّذِي عَلِمت. أَبو زَيْدٍ: جَاءَ القومُ
مِنْ ذِي أَنفسِهم وَمِنْ ذَاتِ أَنْفُسِهم، وجاءَت المرأَة مِنْ ذِي
نفْسِها ومِن ذاتِ نفْسِها إِذا جاءَا طائِعَيْن، وَقَالَ غَيْرُهُ:
جَاءَ فُلَانٌ مِنْ أَيَّةِ نفْسِه بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْعَرَبُ
تَقُولُ: لَاهَا اللهِ ذَا بِغَيْرِ أَلف فِي القَسَم، وَالْعَامَّةُ
تَقُولُ: لَاهَا اللهِ إِذا، وإِنما الْمَعْنَى لَا واللهِ هَذَا مَا
أُقْسِمُ بِهِ، فأَدخل اسْمَ اللَّهِ بَيْنَ هَا وَذَا، وَالْعَرَبُ
تَقُولُ: وَضَعَتِ المرأَةُ ذاتَ بَطْنِها إِذا وَلَدَتْ، والذِّئبُ
مَغْبُوطٌ «1» بِذِي بَطْنِه أَي بجَعْوِه، وأَلقى الرَّجُلُ ذَا
بَطْنِه إِذا أَحْدَثَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَلَمَّا خَلا سِنِّي ونَثَرْتُ لَهُ ذَا بَطْني
؛ أَرادت أَنها كَانَتْ شابَّة تَلِدُ الأَولاد عِنْدَهُ. وَيُقَالُ:
أَتَينا ذَا يَمَن أَي أَتينا اليَمَن. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ
غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ كُنَّا بِمَوْضِعِ كَذَا
وَكَذَا مَعَ ذِي عَمْرو، وَكَانَ ذُو عَمْرو بالصَّمَّانِ، أَي كُنَّا
مَعَ عَمْرٍو ومَعَنا عَمْرو، وَذُو كالصِّلة عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ
ذَوِي، قَالَ: وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ قَيْسٍ وَمَنْ جاوَرَهم،
والله أَعلم. ذَا: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَا يُوصَل بِهِ
الْكَلَامُ؛ وَقَالَ:
تَمَنَّى شَبِيبٌ مِيتةً سَفَلَتْ بِهِ، ... وَذَا قَطَرِيٍّ لَفَّهْ
مِنْهُ وائِلُ
يُرِيدُ قَطَرِيّاً وَذَا صِلةٌ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
إِليكُم، ذَوي آلِ النبيِّ، تَطَلَّعَتْ ... نَوازِعُ مِنْ قَلْبِي
ظِماءٌ وأَلْبُبُ
وَقَالَ آخَرُ:
إِذا مَا كُنْتُ مِثْلَ ذَوَي عُوَيْفٍ ... ودِينارٍ فقامَ عَلَيَّ
ناعِي
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ مَا كلمتُ فُلَانًا ذاتَ شَفَةٍ وَلَا
ذاتَ فَمٍ أَي لَمْ أُكَلِّمه كَلِمة. وَيُقَالُ: لَا ذَا جَرَمَ وَلَا
عَنْ ذَا جَرَمَ أَي لَا أَعلم ذاكَ هَاهُنا كَقَوْلِهِمْ لَاهَا اللهِ
ذَا أَي لَا أَفعل ذَلِكَ، وَتَقُولُ: لَا وَالَّذِي لَا إِله إِلا
هُوَ فإِنها تملأُ الفَمَ وتَقْطَعُ الدَّمَ لأَفْعَلَنَّ ذَلِكَ،
وَتَقُولُ: لَا وَعَهْدِ اللَّهِ وعَقْدِه لا أَفعل ذلك.
تَفْسِيرُ إِذْ وإِذا وإِذَنْ مُنَوَّنةً
: قَالَ اللَّيْثُ: تَقُولُ الْعَرَبُ إِذْ لِمَا مضَى وإذا
إِذا لِمَا يُسْتَقْبَل الْوَقْتَيْنِ مِنَ الزمان، قال: وإذا
إِذا جَوَابُ تأْكيد لِلشَّرْطِ يُنوَّن فِي الِاتِّصَالِ وَيُسَكَّنُ
فِي الْوَقْفِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَرَبُ تَضَعُ إِذ
لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا
إِذا لِلْمَاضِي، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ تَرى إِذْ
فَزِعُوا
؛ مَعْنَاهُ وَلَوْ تَرى إِذْ يَفْزَعُونَ يومَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: إِنما جَازَ ذَلِكَ لأَنه كَالْوَاجِبِ إِذْ كَانَ لَا
يُشَكُّ فِي مَجِيئِهِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ إِذا كَمَا قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وإِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ؛ ويأْتي إِذَا
إِذا بِمَعْنَى إِن الشَّرْط كقولك أُكْرِمُك إذا
إِذا أَكْرَمْتَني، مَعْنَاهُ إِن أَكرمتني، وأَما إِذ الموصُولةُ
بالأَوقات فإِن الْعَرَبَ تَصِلُهَا فِي الْكِتَابَةِ بِهَا فِي
أَوْقات مَعْدُودة فِي حِينَئذ ويَومَئِذ ولَيْلَتَئِذ وغَداتَئِذ
وعَشِيَّتَئِذ وساعَتَئِذ وعامَئِذٍ، وَلَمْ يَقُولُوا الآنَئِذٍ لأَن
الْآنَ أَقرب ما يكون في
__________
(1) . قوله [والذئب مغبوط] في شرح القاموس: مضبوط.
(15/461)
الْحَالِ، فَلَمَّا لَمْ يتحوَّل هَذَا
الاسمُ عَنْ وقتِ الحالِ وَلَمْ يتباعدْ عَنْ ساعَتِك الَّتِي أَنت
فِيهَا لَمْ يَتَمَكَّنْ وَلِذَلِكَ نُصِبت فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمَّا
أَرادوا أَن يُباعِدوها ويُحوِّلوها مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ وَلَمْ
تَنْقَدْ كَقَوْلِكَ أَن تَقُولُوا «1» الآنَئِذ، عَكَسُوا ليُعْرَفَ
بِهَا وقتُ مَا تَباعَدَ مِنَ الْحَالِ فَقَالُوا حِينَئِذٍ، وَقَالُوا
الْآنَ لساعَتِك فِي التَّقْرِيبِ، وَفِي الْبُعْدِ حِينَئِذٍ، ونُزِّل
بِمَنْزِلَتِهَا الساعةُ وساعَتَئذ وَصَارَ فِي حَدِّهِمَا الْيَوْمُ
وَيَوْمَئِذٍ، والحروفُ الَّتِي وَصَفْنَا عَلَى مِيزَانِ ذَلِكَ
مخصوصةٌ بِتَوْقِيتٍ لَمْ يُخَصّ بِهِ سَائِرُ أَزْمَانِ الأَزمنة
نَحْوُ لَقِيته سَنةَ خَرَجَ زَيْدٌ، ورأَيتُه شَهْرَ تَقَدَّم
الحَجَّاجُ؛ وَكَقَوْلِهِ:
فِي شَهْرَ يَصْطادُ الغُلامُ الدُّخَّلا
فَمَنْ نَصَبَ شَهْرًا فإِنه يَجْعَلُ الإِضافة إِلى هَذَا الْكَلَامِ
أَجمع كَمَا قَالُوا زَمَنَ الحَجَّاجُ أَميرٌ. قَالَ اللَّيْثُ:
فإِنَّ. «2» .... إِذ بِكَلَامٍ يَكُونُ صِلَةً أَخرجتها مِنْ حَدِّ
الإِضافة وَصَارَتِ الإِضافة إِلى قَوْلِكَ إِذ تَقُولُ، وَلَا تَكُونُ
خَبَرًا كَقَوْلِهِ:
عَشِيَّةَ إِذْ تَقُولُ يُنَوِّلُوني
كَمَا كَانَتْ فِي الأَصل حَيْثُ جَعَلْتَ تَقُولُ صِلةً أَخرجتها مِنْ
حَدِّ الإِضافة «3» وَصَارَتِ الإِضافة إِذ تَقُولُ جُمْلَةً. قَالَ
الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ كَانَ كَذَا وَكَذَا
وَهُوَ إِذْ صَبِيٌّ أَي هُو إِذْ ذَاكَ صَبِيٌّ؛ وَقَالَ أَبو
ذُؤَيْبٍ:
نَهَيْتُك عَنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو ... بِعافِيَةٍ، وأَنْتَ إِذٍ
صَحِيحُ
قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَوانَئِذٍ فِي كَلَامِ هُذَيْلٍ؛ وأَنشد:
دَلَفْتُ لَهَا أَوانَئِذٍ بسَهْمٍ ... نَحِيضٍ لَمْ تُخَوِّنْه
الشُّرُوجُ
قَالَ ابْنُ الأَنباري فِي إِذْ وإذا
إِذا: إِنما جَازَ لِلْمَاضِي أَن يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ
إِذا وَقَعَ الْمَاضِي صِلَةً لِمُبْهَم غَيْرِ مُؤَقت، فجَرى مَجْرى
قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ؛ مَعْنَاهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ ويَصُدُّون عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ؛ مَعْنَاهُ إِلا الَّذِينَ
يَتُوبُونَ، قَالَ: وَيُقَالُ لَا تَضْرِب إِلا الَّذِي ضَرَبَك إِذا
سَلَّمْتَ عَلَيْهِ، فتَجِيء بإِذا لأَنَّ الَّذِي غَيْرُ مُوَقت،
فَلَوْ وَقَّته فَقَالَ اضْرِبْ هَذَا الَّذِي ضَرَبَك إِذ سلَّمْتَ
عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ إِذا فِي هَذَا اللَّفْظِ لأَن تَوْقِيتَ
الَّذِي أَبطل أَن يَكُونَ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ،
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَا هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَه، فإِذا جاؤوا
بإِذا قَالُوا مَا هَلَكَ إِذا عَرَفَ قَدْرَه، لأَن الفِعل حَدَثٌ
عَنْ مَنْكُورٍ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، كأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُرِيدُ
مَا يَهْلِكُ كُلَّ امْرِئٍ إِذا عَرَف قَدْرَه وَمَتَى عَرَف
قَدْرَهُ، وَلَوْ قَالَ إِذْ عَرَفَ قَدْرَهُ لَوَجَبَ تَوْقِيتُ
الْخَبَرِ عَنْهُ وأَن يُقَالَ مَا هَلَك امْرُؤٌ إِذْ عرَف قَدْرَهُ،
وَلِذَلِكَ يُقَالُ قَدْ كنتُ صَابِرًا إِذا ضَرَبْتَ وَقَدْ كنتُ
صَابِرًا إِذ ضَربتَ، تَذهب بإِذا إِلى ترْدِيد الْفِعْلِ، تُريد قَدْ
كنتُ صَابِرًا كلَّما ضَرَبْتَ، وَالَّذِي يَقُولُ إِذْ ضَرَبْتَ
يَذْهَبُ إِلى وَقْتٍ وَاحِدٍ وإِلى ضَرْبٍ مَعْلُومٍ مَعْرُوفٍ؛
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذْ إِذَا وَلِيَ فِعْلًا أَو اسْمًا لَيْسَ فِيهِ
أَلف وَلَامٌ إِن كَانَ الْفِعْلُ مَاضِيًا أَو حَرْفًا مُتَحَرِّكًا
فَالذَّالُ مِنْهَا سَاكِنَةٌ، فإِذا وَلِيَتِ اسْمًا بالأَلف
وَاللَّامِ جُرَّت الذَّالُ كَقَوْلِكَ: إِذِ الْقَوْمُ كَانُوا
نازِلينَ بكاظِمةَ، وإِذِ النَّاسُ مَن عَزَّ بَزَّ، وأَما إذا
إِذا فإِنها إِذا اتَّصَلَتْ
__________
(1) . قوله [كقولك أن تقولوا إلخ] كذا بالأصل، وقوله [أزمان الأزمنة]
كذا به أيضاً.
(2) . كذا بياض بالأصل.
(3) . قوله [أَخْرَجْتَهَا مِنْ حَدِّ الْإِضَافَةِ إِلى قوله قال
الفراء] كذا بالأصل.
(15/462)
بِاسْمٍ مُعرَّف بالأَلف وَاللَّامِ فإِن
ذَالَهَا تُفتح إِذا كَانَ مُسْتَقْبَلًا كَقَوْلِ اللَّهِ عزَّ
وَجَلَّ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ،
لأَنَّ مَعْنَاهَا إِذا. قَالَ ابْنُ الأَنباري: إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ، بِفَتْحِ الذَّالِ، وَمَا أَشبهها أَي تَنْشَقُّ،
وَكَذَلِكَ مَا أَشبهها، وإِذا انْكَسَرَتِ الذَّالُ فَمَعْنَاهَا إِذِ
الَّتِي لِلْمَاضِي غَيْرَ أَنَّ إِذْ تُوقَع مَوْقع إِذا وإِذا
مَوْقِعَ إِذْ. قَالَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى
إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ
؛ مَعْنَاهُ إِذَا
إِذا الظَّالِمُونَ لأَن هَذَا الأَمر مُنْتَظَر لَمْ يَقَع؛ قَالَ
أَوس فِي إِذَا
إِذا بِمَعْنَى إِذْ:
الحافِظُو الناسِ فِي تَحُوطَ إِذا ... لَمْ يُرْسِلُوا، تَحْتَ
عائِذٍ، رُبَعا
أَي إِذْ لَمْ يُرْسِلُوا؛ وَقَالَ عَلَى أَثره:
وهَبَّتِ الشامِلُ البَلِيلُ، وإِذْ ... باتَ كَمِيعُ الفَتاةِ
مُلْتَفِعا
وَقَالَ آخَرُ:
ثُمَّ جَزاه اللهُ عَنَّا، إِذْ جَزى، ... جَنَّاتِ عَدْنٍ والعلالِيَّ
العُلا
أَراد: إِذا جَزَى. وَرَوَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنه
قَالَ: إذا
إِذاً مُنَوَّنَةٌ إِذا خَلت بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي أَوَّله أَحد
حُرُوفِ الِاسْتِقْبَالِ نَصَبْتَهُ، تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: إِذًا
إِذاً أُكْرِمَك، فَإِذَا حُلْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِحَرْفٍ
رَفَعْتَ ونصبت فقلت: إذا
فإِذاً لَا أُكْرِمُك وَلَا أُكْرِمَك، فَمَنْ رَفَعَ فَبِالْحَائِلِ،
وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَن يَكُونَ مُقدَّماً، كأَنك قُلْتَ
فَلَا إِذاً أُكْرِمَك، وَقَدْ خَلَتْ بِالْفِعْلِ بِلَا مَانِعٍ.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: وَهَكَذَا يَجُوزُ أَن
يُقرأَ: فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً، بِالرَّفْعِ
وَالنَّصْبِ، قَالَ: وإِذا حُلت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِعْلِ بِاسْمٍ
فارْفَعه، تَقُولُ إِذًا
إِذاً أَخُوك يُكْرِمُك، فإِن جَعَلَتْ مَكَانَ الِاسْمِ قسَماً
نَصَبْتَ فقلت إذا
إِذاً وَاللَّهِ تَنامَ، فإِن أَدخلت اللَّامَ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ
القَسَم رَفَعْتَ فَقُلْتَ إذا
إِذاً واللهِ لَتَنْدَمُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَكَى بَعْضُ أَصحاب
الْخَلِيلِ عَنْهُ أَنْ هِيَ العامِلةُ فِي بَابِ إِذاً، قَالَ
سِيبَوَيْهِ: وَالَّذِي نَذْهَبُ إِليه وَنَحْكِيهِ عَنْهُ أَن إذا
إِذاً نَفسها الناصِبةُ، وَذَلِكَ لأَن إذا
إِذاً لِمَا يُسْتَقبل لَا غَيْرُ فِي حَالِ النَّصْبِ، فَجَعَلَهَا
بِمَنْزِلَةِ أَنْ فِي الْعَمَلِ كَمَا جُعلت لَكِنَّ نَظِيرَةً إِنَّ
فِي الْعَمَلِ فِي الأَسماء، قَالَ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ
جَمِيل. وَقَالَ الزَّجاج: الْعَامِلُ عِنْدِي النَّصْبُ فِي سَائِرِ
الأَفعال أَنْ، إِما أَن تَقَعَ ظَاهِرَةً أَو مُضْمَرَةً. قَالَ أَبو
الْعَبَّاسِ: يُكْتَبُ كَذَى وكَذَى بِالْيَاءِ مِثْلُ زَكَى وخَسَى،
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: كَذَا وَكَذَا يُكْتَبُ بالأَلف لأَنه إِذا
أُضيف قِيلَ كَذَاكَ، فأُخبر ثَعْلَبٌ بِقَوْلِهِ فَقَالَ: فَتًى
يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَيُضَافُ فَيُقَالُ فَتَاكَ، وَالْقُرَّاءُ
أَجمعوا عَلَى تَفْخِيمِ ذَا وَهَذِهِ وَذَاكَ وَذَلِكَ وَكَذَا
وَكَذَلِكَ، لَمْ يُمِيلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، والله أَعلم.
ذيت وذيت
: التَّهْذِيبُ: أَبو حَاتِمٍ عَنِ اللُّغَةِ الْكَثِيرَةِ كَانَ مِنَ
الأَمر كَيْتَ وكَيْتَ، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وذَيْتَ وذَيْتَ، كَذَلِكَ
بِالتَّخْفِيفِ، قَالَ: وَقَدْ نَقَلَ قَوْمٌ ذَيَّتَ وذَيَّتَ، فإِذا
وَقَفُوا قَالُوا ذَيَّهْ بِالْهَاءِ. وَرَوَى ابْنُ نَجْدةَ عَنْ أَبي
زَيْدٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ قَالَ فُلَانٌ ذَيْتَ وذَيْتَ وعَمِلَ
كَيْتَ وكَيْتَ، لَا يُقَالُ غَيْرُهُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ
كَانَ مِنَ الأَمر ذَيْتَ وذَيْتَ وذَيْتِ وذَيْتِ وذَيَّةَ وذَيَّةَ.
وَرَوَى ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ يُونُسَ: كَانَ مِنَ الأَمر ذَيَّةُ
وذَيَّةُ، مُشَدَّدَةً مَرْفُوعَةً، وَاللَّهُ أَعلم.
ظا
: قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الظَّاءُ حرفٌ مُطْبَقٌ مُسْتَعْلٍ، وَهُوَ
صَوْتُ التَّيْس ونَبِيبُه، والله أَعلم.
(15/463)
فا
: الْفَاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهُوَ حرفٌ مَهْمُوسٌ، يَكُونُ أَصلًا
وبَدلًا وَلَا يَكُونُ زَائِدًا مَصُوغًا فِي الْكَلَامِ إِنما يُزاد
فِي أَوَّله لِلْعَطْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وفَيَّيْتُها: عَمِلتها.
وَالْفَاءُ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ:
يُعطَف بِهَا وتَدلّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ مَعَ
الإِشْراك، تَقُولُ ضَرَبْت زَيْداً فعَمْراً، والموضِع الثَّانِي أَن
يَكُونَ مَا قَبْلَهَا عِلَّةً لِمَا بَعْدَهَا وَيَجْرِي عَلَى
الْعَطْفِ وَالتَّعْقِيبِ دُونَ الإِشراك كَقَوْلِهِ ضَرَبه فَبَكَى
وضَرَبه فأَوْجَعَه إِذا كَانَ الضَّرْبُ عِلَّةَ البُكاء والوَجَع،
وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ
وَذَلِكَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ إِنْ تَزُرْني فأَنْتَ
محسِن، يَكُونُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ كَلَامًا مستأْنَفاً يَعْمَلُ
بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، لأَن قَوْلَكَ أَنتَ ابْتِداء ومُحْسِن خَبَرُهُ،
وَقَدْ صَارَتِ الْجُمْلَةُ جَوَابًا بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ
إِذا أَجبت بِهَا بَعْدَ الأَمْر والنَّهْي وَالِاسْتِفْهَامِ
والنَّفْي والتَّمَنِّي والعَرْض، إِلَّا أَنك تَنْصِبُ مَا بَعْدَ
الْفَاءِ فِي هَذِهِ الأَشياء السِّتَّةِ بِإِضْمَارِ أَن، تَقُولُ
زُرْني فأُحْسِنَ إِليك، لم تجعل الزِّيَارَةَ عِلَّةً للإِحسان،
وَلَكِنْ قُلْتَ ذَلِكَ مِن شأْني أَبداً أَنْ أَفعل وأَن أُحْسِنَ
إِليك عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ
الْجَوْهَرِيِّ، تَقُولُ زُرْني فأُحْسِنَ إِلَيْكَ: لَمْ تَجْعَلِ
الزِّيَارَةَ عِلَّةً للإِحسان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَقُولُ زُرْني
فأُحْسِن إِلَيْكَ، فإِن رَفَعْتَ أُحْسِنُ فَقُلْتَ فأُحْسِنُ إِليك
لَمْ تَجْعَلِ الزِّيَارَةَ علة للإِحسان.
كذا
: كَذَا: اسْمٌ مُبْهَمٌ، تَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا، وَقَدْ يَجري مَجْرى
كَمْ فَتَنْصِب مَا بَعْدَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ، تَقُولُ عِنْدِي
كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لأَنه كَالْكِنَايَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَيضاً
فِي الْمُعْتَلِّ، والله أَعلم.
كلا
: الْجَوْهَرِيُّ: كلَّا كَلِمَةُ زَجْر ورَدْع، وَمَعْنَاهَا انْتَهِ
لَا تَفْعَلْ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا
؛ أَي لَا يَطمَع فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً
بِالنَّاصِيَةِ
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تأْتي كَلَّا بِمَعْنَى لَا كَقَوْلِ
الْجَعْدِيِّ:
فَقُلْنا لَهُمْ: خَلُّوا النِّساءَ لأَهْلِها، ... فَقَالُوا لَنَا:
كَلَّا فَقُلْنَا لَهُمْ: بَلَى
وَقَدْ تقدَّم أَكثر ذَلِكَ في المعتل.
لا
: اللَّيْثُ: لَا حَرْفٌ يُنْفَى بِهِ ويُجْحَد بِهِ، وَقَدْ تَجِيءُ
زَائِدَةً مَعَ الْيَمِينِ كَقَوْلِكَ لَا أُقْسِمُ بالله. قَالَ أَبو
إِسحق فِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيامَةِ
، وأَشْكالِها فِي الْقُرْآنِ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَن
مَعْنَاهُ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي
تَفْسِيرِ لَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا لَغْوٌ، وإِن كَانَتْ فِي أَوَّل
السُّورة، لأَن الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ لأَنه
مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا ردٌّ لِكَلَامٍ
تقدَّم كأَنه قِيلَ لَيْسَ الأَمر كَمَا ذَكَرْتُمْ؛ قَالَ
الْفَرَّاءُ: وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ لَا
صِلةٌ، قَالَ: وَلَا يبتدأُ بِجَحْدٍ ثُمَّ يُجْعَلُ صِلَةً يُرَادُ
بِهِ الطَّرْحَ، لأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ لَمْ يُعْرف خَبر فِيهِ جَحْد
مِنْ خَبَرٍ لَا جَحْد فِيهِ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ نَزَلَ
بِالرَّدِّ عَلَى الَّذِينَ أَنْكَروا البَعْثَ والجنةَ وَالنَّارَ،
فَجَاءَ الإِقْسامُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ
المُبْتدإ مِنْهُ وَغَيْرِ الْمُبْتَدَأِ كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ
لَا واللهِ لَا أَفعل ذَلِكَ، جَعَلُوا لَا، وإِن رأَيتَها مُبتدأَةً،
رَدًّا لكلامٍ قَدْ مَضَى، فَلَوْ أُلْغِيَتْ لَا مِمّا يُنْوَى بِهِ
الجوابُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ جَوَابًا
وَالْيَمِينِ الَّتِي تستأْنف فَرْقٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْعَرَبُ
تَطرح لَا وَهِيَ مَنْوِيّة كَقَوْلِكَ واللهِ أضْرِبُكَ، تُريد
وَاللَّهِ لَا أَضْرِبُكَ؛ وأَنشد:
(15/464)
وآلَيْتُ آسَى عَلَى هالِكٍ، ... وأَسْأَلُ
نَائِحَةً مَا لَها
أَراد: لَا آسَى وَلَا أَسأَلُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَفادَنِي
المُنْذري عَنِ اليزِيدي عَنْ أَبي زَيْدٍ فِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا؛ قَالَ: مَخافَة أَن
تَضِلُّوا وحِذارَ أَن تَضِلوا، وَلَوْ كَانَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ
أَنْ لَا تَضِلوا لَكَانَ صَوَابًا، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَذَلِكَ
أَنْ لَا تَضِلَّ وأَنْ تَضِلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ: وَمِمَّا
جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مِن هَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا؛ يُرِيدُ
أَن لَا تَزُولَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ؛ أَي أَن لَا تَحْبَطَ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى
طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا؛ مَعْنَاهُ أَن لَا تَقُولُوا، قَالَ:
وَقَوْلُكَ أَسأَلُك بِاللَّهِ أَنْ لَا تقولَه وأَنْ تَقُولَه،
فأَمَّا أَنْ لَا تقولَه فجاءَت لَا لأَنك لَمْ تُرد أَن يَقُوله،
وَقَوْلُكَ أَسأَلك بِاللَّهِ أَن تَقُولَهُ سأَلتك هَذَا فِيهَا
مَعْنَى النَّهْي، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي الْكَلَامِ وَاللَّهِ
أَقول ذَلِكَ أَبداً، وَاللَّهِ لَا أَقول ذَلِكَ أَبداً؟ لَا هَاهُنَا
طَرْحُها وإِدْخالُها سَوَاءٌ وَذَلِكَ أَن الْكَلَامَ لَهُ إِباء
وإِنْعامٌ، فإِذا كَانَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَجِيءُ مِنْ بَابِ
الإِنعام مُوَافِقًا للإٍباء كَانَ سَواء وَمَا لَمْ يَكُنْ لَمْ
يَكُنْ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ آتِيكَ غَداً وأَقومُ مَعَكَ فَلَا
يَكُونُ إِلا عَلَى مَعْنَى الإِنعام؟ فَإِذَا قُلْتَ واللهِ أَقولُ
ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى واللهِ لَا أَقول ذَلِكَ صَلَحَ، وَذَلِكَ لأَنَّ
الإِنْعام واللهِ لأَقُولَنَّه واللهِ لأَذْهَبَنَّ مَعَكَ لَا يَكُونُ
واللهِ أَذهب مَعَكَ وأَنت تُرِيدُ أَن تَفْعَلَ، قَالَ: وَاعْلَمْ
أَنَّ لَا لَا تَكُونُ صِلةً إِلَّا فِي مَعْنَى الإِباء وَلَا تَكُونُ
فِي مَعْنَى الإِنعام. التَّهْذِيبُ: قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْعَرَبُ
تَجْعَلُ لَا صِلَةً إِذا اتَّصَلَتْ بجَحْدٍ قبلَها؛ قَالَ
الشَّاعِرُ:
مَا كانَ يَرْضَى رسولُ اللهِ دِيْنَهُمُ، ... والأَطْيَبانِ أَبو
بَكْرٍ وَلَا عُمَر
أَرادَ: والطَّيِّبانِ أَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى
شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ؛ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ لَا صِلةً فِي
كُلِّ كَلَامٍ دخَل فِي أَوَّله جَحْدٌ أَو فِي آخِرِهِ جَحْدٌ غَيْرُ
مُصرَّح، فَهَذَا مِمَّا دخَل آخِرَه الجَحْدُ فجُعلت لَا فِي أَوَّله
صِلةً، قَالَ: وأَما الجَحْدُ السَّابِقُ الَّذِي لَمْ يصرَّحْ بِهِ
فَقَوْلُكَ مَا مَنَعَكَ أَن لَا تَسْجُد، وَقَوْلُهُ: وَما
يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ
، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها
أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
؛ وَفِي الحَرام مَعْنَى جَحْدٍ ومَنْعٍ، وَفِي قَوْلِهِ وَما
يُشْعِرُكُمْ مِثْلُهُ، فَلِذَلِكَ جُعِلت لَا بَعْدَهُ صِلةً
مَعْنَاهَا السُّقوط مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ بعضُ مَن
لَا يَعرف الْعَرَبِيَّةَ، قَالَ: وأُراه عَرَّضَ بأَبِي عُبيدة، إِن
مَعْنَى غَيْرِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ، مَعْنَى سِوَى وإِنَّ لَا صلةٌ فِي الْكَلَامِ؛ وَاحْتَجَّ
بِقَوْلِهِ:
فِي بئْرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ ... بإِفْكِه، حَتَّى رَأَى
الصُّبْحَ جَشَرْ
قَالَ: وَهَذَا جَائِزٌ لأَن الْمَعْنَى وقَعَ فِيمَا لَا يتبيَّنْ
فِيهِ عَمَلَه، فَهُوَ جَحْدُ مَحْضٌ لأَنه أَراد فِي بئرِ مَا لَا
يُحِيرُ عَلَيْهِ شَيْئًا، كأَنك قُلْتَ إِلى غَيْرِ رُشْد توجَّه
وَمَا يَدْرِي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى غَيْرٍ فِي قَوْلِهِ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ مَعْنَى لَا، وَلِذَلِكَ زِدْتَ عَلَيْهَا لَا
كَمَا تَقُولُ فُلَانٌ غيرُ مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ، فإِذا كَانَتْ
غَيْرٌ بِمَعْنَى سِوَى لَمْ يَجُزْ أَن تَكُرّ عَلَيْهِ، أَلا ترَى
أَنه لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ عِنْدِي سِوَى عبدِ اللَّهِ وَلَا زيدٍ؟
وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنه سَمِعَ ابْنَ الأَعرابي قَالَ فِي
قَوْلِهِ:
(15/465)
فِي بِئْرٍ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَر
أَراد: حُؤُورٍ أَي رُجُوع، الْمَعْنَى أَنه وَقَعَ فِي بئرِ هَلَكةٍ
لَا رُجُوعَ فِيهَا وَمَا شَعَرَ بِذَلِكَ كَقَوْلِكَ وَقع فِي
هَلَكَةٍ وَمَا شَعَرَ بِذَلِكَ، قَالَ: وَيَجِيءُ لَا بِمَعْنَى
غَيْرٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ
مَسْؤُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ
؛ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى مَا لَكَمَ غيرَ
مُتناصِرين؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَنشد
الأَصمعي لِسَاعِدَةَ الْهُذَلِيِّ:
أَفَعَنْك لَا بَرْقٌ كأَنَّ وَمِيضَه ... غابٌ تَسَنَّمه ضِرامٌ
مُثْقَبُ
قَالَ: يُرِيدُ أَمِنك بَرْقٌ، وَلَا صِلَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ:
وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ إِن لَا لَا تَكُونُ صِلَةً
إِلا مَعَ حَرْفِ نَفْيٍ تقدَّمه؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ لِلشَّمَّاخِ:
إِذا مَا أَدْلَجَتْ وضَعَتْ يَداها، ... لَها الإِدْلاج لَيْلَة لَا
هُجُوعِ
أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ الَّتِي لَا يُهْجَعُ فِيهَا،
يَعْنِي النَّاقَةَ ونَفَى بِلَا الهُجُوعَ وَلَمْ يُعْمِلْ، وَتُرِكَ
هُجُوع مَجْرُورًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِضافة؛ قَالَ:
وَمِثْلُهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
لَقَدْ عرَفْتُ حِينَ لَا اعْتِرافِ
نَفى بِلَا وترَكَه مَجْرُورًا؛ وَمِثْلُهُ:
أَمْسَى بِبَلْدَةِ لَا عَمٍّ وَلَا خَالٍ
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
؛ إِنما جَازَ أَن تَقَعَ لَا فِي قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ
لأَن مَعْنَى غَيْرِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى النَّفْي، وَالنَّحْوِيُّونَ
يُجيزون أَنتَ زَيْدًا غَيْرُ ضارِبٍ لأَنه فِي مَعْنَى قَوْلِكَ أَنتَ
زَيْدًا لَا ضارِبٌ، وَلَا يُجِيزُونَ أَنت زَيْدًا مِثْلُ ضارِب لأَن
زَيْدًا مِنْ صِلَةِ ضارِبٍ فَلَا تتقدَّم عَلَيْهِ، قَالَ: فَجَاءَتْ
لَا تُشَدِّد مِنْ هَذَا النَّفْيِ الَّذِي تَضْمَنُهُ غيرُ لأَنها
تُقارِبُ الدَّاخِلَةَ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ جاءَني زَيْدٌ
وَعَمْرٌو، فَيَقُولُ السَّامِعُ مَا جاءَك زَيْدٌ وعَمرو؟ فَجَائِزٌ
أَن يَكُونَ جاءَه أَحدُهما، فإِذا قَالَ مَا جاءَني زَيْدٌ وَلَا
عَمْرٌو فَقَدْ تَبَيَّن أَنه لَمْ يأْت وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
؛ يُقَارِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ وإِن لَمْ يَكُنْه. غَيْرُهُ: لَا حرفُ
جَحْد وأَصل أَلِفِهَا يَاءٌ، عِنْدَ قُطْرُبٍ، حِكَايَةً عَنْ
بَعْضِهِمْ أَنه قَالَ لَا أَفعل ذَلِكَ فأَمال لَا. الْجَوْهَرِيُّ:
لَا حَرْفُ نَفْيٍ لِقَوْلِكَ يَفْعَل وَلَمْ يَقَعِ الْفِعْلُ، إِذا
قَالَ هُوَ يَفْعَلُ غَداً قُلْتُ لَا يَفْعَلُ غَدًا، وَقَدْ يَكُونُ
ضِدًّا لبَلَى ونَعَمْ، وَقَدْ يَكُونُ للنَّهْي كَقَوْلِكَ لَا تَقُمْ
وَلَا يَقُمْ زَيْدٌ، يُنهى بِهِ كلُّ مَنْهِيٍّ مِنْ غَائِبٍ وحاضِر،
وَقَدْ يَكُونُ لَغْواً؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:
فِي بِئرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ؛ أَي مَا
مَنَعَكَ أَن تسْجُد، وَقَدْ يَكُونُ حرفَ عَطْفٍ لإِخراج الثَّانِي
مِمَّا دَخَلَ فِيهِ الأَول كَقَوْلِكَ رأَيت زَيْدًا لَا عَمراً، فإِن
أَدْخَلْتَ عَلَيْهَا الْوَاوَ خَرَجَتْ مِنْ أَن تَكُونَ حَرْفَ عطفٍ
كَقَوْلِكَ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو، لأَن حُروف النَّسَقِ
لَا يَدخل بعضُها عَلَى بَعْضٍ، فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَلَا
إِنما هِيَ لتأْكيد النَّفْيِ؛ وَقَدْ تُزاد فِيهَا التَّاءُ فَيُقَالُ
لاتَ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ
وإِذا اسْتَقْبَلَهَا الأَلف وَاللَّامُ ذَهَبَتْ أَلفه كَمَا قَالَ:
أَبَى جُودُه لَا البُخْلَ، واستَعْجلتْ نَعَمْ ... بهِ مِنْ فَتًى،
لَا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ
قَالَ: وَذَكَرَ يُونُسُ أَن أَبا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَانَ
يَجُرُّ البُخل وَيَجْعَلُ لَا مُضافة إِليه لأَنَّ لَا قَدْ تَكُونُ
للجُود
(15/466)
والبُخْلِ، أَلا تَرَى أَنه لَوْ قِيلَ
لَهُ امْنَعِ الحَقَّ فَقَالَ لَا كَانَ جُوداً مِنْهُ؟ فأَمَّا إِنْ
جَعَلْتَها لَغْوًا نصَبْتَ البُخل بِالْفِعْلِ وإِن شِئْتَ نصَبْتَه
عَلَى الْبَدَلِ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: أَراد أَبَى جُودُه لَا الَّتِي
تُبَخِّلُ الإِنسان كأَنه إِذا قِيلَ لَهُ لَا تُسْرِفْ وَلَا
تُبَذِّرْ أَبَى جُوده قولَ لَا هذه، واسْتَعْجَلَتْ بهِ نَعَمْ
فَقَالَ نَعَمْ أَفْعلُ وَلَا أَترك الجُودَ؛ قَالَ: حَكَى ذَلِكَ
الزَّجَّاجُ لأَبي عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ
عَلَى رِوَايَةِ مَن رَوَى أَبَى جُودُه لَا البُخْل: أَحدهما
مَعْنَاهُ أَبَى جُوده البُخْلَ وتَجعل لَا صِلةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ، وَمَعْنَاهُ مَا منعكَ أَن تسجُدَ،
قَالَ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ حَسَن، قَالَ: أَرَى أَن يَكُونَ
لَا غيرَ لَغْوٍ وأَن يَكُونَ البُخل مَنْصُوبًا بَدَلًا مِنْ لَا،
الْمَعْنَى: أَبَى جُودُه لَا الَّتِي هِيَ للبُخْل، فكأَنك قُلْتَ
أَبَى جُوده البُخْلَ وعَجَّلَتْ بِهِ نَعَمْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ
فِي مَعْنَى الْبَيْتِ: أَي لَا يَمْنَعُ الجُوعَ الطُّعْمَ الَّذِي
يَقْتُله؛ قَالَ: وَمَنْ خَفَضَ البُخْلَ فَعَلَى الإِضافةِ، ومَن
نَصَبَ جَعَله نَعْتًا لِلَا، وَلَا فِي الْبَيْتِ اسمٌ، وَهُوَ
مَفْعُولٌ لأَبَى، وإِنما أَضاف لَا إِلى البُخل لأَنَّ لَا قَدْ
تَكُونُ للجُود كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَتَمْنَعُني مِنْ عَطائك،
فَيَقُولُ الْمَسْؤُولُ: لَا، وَلَا هُنَا جُودٌ. قَالَ: وَقَوْلُهُ
وإِن شِئْتَ نَصَبْتَهُ عَلَى الْبَدَلِ، قَالَ: يَعْنِي الْبُخْلُ
تَنْصِبُهُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ لَا لأَن لَا هِيَ البُخل فِي
الْمَعْنَى، فَلَا يَكُونُ لَغْواً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
لَا الَّتِي تَكُونُ لِلتَّبْرِئَةِ
: النَّحْوِيُّونَ يَجْعَلُونَ لَهَا وُجُوهًا فِي نَصْبِ المُفرد
والمُكَرَّر وَتَنْوِينِ مَا يُنوَّنُ وَمَا لَا يُنوَّن، والاخْتِيارُ
عِنْدَ جَمِيعِهِمْ أَن يُنصَب بِهَا مَا لَا تُعادُ فِيهِ كَقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ
؛ أَجمع الْقُرَّاءُ عَلَى نَصْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ بُزرْج: لَا صلاةَ
لَا رُكُوعَ فِيهَا، جَاءَ بِالتَّبْرِئَةِ مَرَّتَيْنِ، وإِذا
أَعَدْتَ لَا كَقَوْلِهِ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ
فأَنتَ بِالْخِيَارِ، إِن شِئْتَ نَصَبْتَ بِلَا تَنْوِينٍ، وإِن
شِئْتَ رَفَعْتَ ونوَّنْتَ، وَفِيهَا لُغاتٌ كَثِيرَةٌ سِوَى مَا ذكرتُ
جائزةٌ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ اللَّيْثُ: تَقُولُ هَذِهِ لَاءٌ مَكْتوبةٌ
فتَمُدُّها لتَتِمَّ الْكَلِمَةَ اسْمًا، وَلَوْ صَغَّرْتَ لَقُلْتَ
هَذِهِ لُوَيَّةٌ مَكْتُوبَةٌ إِذا كَانَتْ صَغِيرَةَ الكِتْبة غيرَ
جَليلةٍ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: لَوَّيْت لَاءً حَسَنَةً عَمِلْتها، ومدَّ
لَا لأَنه قَدْ صيَّرَها اسْمًا، والاسمُ لَا يَكُونُ عَلَى حَرْفَيْنِ
وَضْعاً، واخْتارَ الأَلف مِنْ بَيْنِ حُرُوفِ المَدِّ وَاللِّينِ
لِمَكَانِ الفَتْحة، قَالَ: وإِذا نَسَبْتَ إِليها قُلْتَ لَوَوِيٌّ
«4» وقصِيدةٌ لَوَوِيَّةٌ: قافِيَتُها لَا. وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
، فَلَا بِمَعْنَى فَلَمْ كأَنه قَالَ فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبةَ،
وَمِثْلُهُ: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى
، إِلَّا أَنَّ لَا بِهَذَا الْمَعْنَى إِذا كُرِّرَتْ أَسْوَغُ
وأَفْصَحُ مِنْهَا إِذا لَمْ تُكَرَّرْ؛ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ تَغْفِرِ اللهمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، ... وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا
أَلَمَّا؟
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
؛ مَعْنَاهَا فَمَا، وَقِيلَ: فَهَلَّا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
الْمَعْنَى فَلَمْ يَقْتَحِم العقبةَ كَمَا قَالَ فَلا صَدَّقَ وَلا
صَلَّى
وَلَمْ يَذْكُرْ لَا هَاهُنَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وقلَّما
تتَكَلَّم الْعَرَبُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ إِلَّا بِلَا
مَرَّتَيْنِ أَو أَكثر، لَا تَكَادُ تَقُولُ لَا جِئْتَني تُريد مَا
جِئْتَني ولا نري صَلُحَ «5» وَالْمَعْنَى فِي فَلَا اقْتَحَمَ
مَوْجُودٌ لأَن لَا ثَابِتَةٌ كُلُّهَا فِي الْكَلَامِ، لأَن
__________
(4) . قوله [لووي إلخ] كذا في الأصل وتأمله مع قول ابن مالك:
وضاعف الثاني من ثنائي، ... ثانيه ذو لين كلا ولائي
(5) . قوله [نري صلح] كذا في الأَصل بلا نقط مرموزاً له في الهامش
بعلامة وقفة.
(15/467)
قَوْلُهُ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ
آمَنُوا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى فَلَا اقْتَحَمَ
وَلَا آمَنَ، قَالَ: ونحوَ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ، قَالَ اللَّيْثُ:
وَقَدْ يُرْدَفُ أَلا بِلا فَيُقَالُ أَلا لَا؛ وأَنشد:
فقامَ يَذُودُ الناسَ عَنْهَا بسَيْفِه ... وَقَالَ: أَلا لَا مِنْ
سَبيلٍ إِلى هِنْدِ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: هَلْ كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيُقَالُ: أَلا لَا؛
جَعَلَ أَلا تَنْبيهاً وَلَا نَفْيًا. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي لِي
قَالَ: هُمَا حَرْفانِ مُتباينان قُرِنا واللامُ لامُ الملكِ
وَالْيَاءُ يَاءُ الإِضافة؛ وأَما قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
كَلا وكَذا تَغْمِيضةً ثمَّ هِجْتُمُ ... لَدى حِينَ أَنْ كانُوا إِلى
النَّوْمِ، أَفْقَرا
فَيَقُولُ: كانَ نَوْمُهم فِي القِلَّةِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَا
وَذَا، وَالْعَرَبُ إِذا أَرادوا تَقْلِيل مُدَّة فِعْلٍ أَو ظُهُورَ
شَيْءٍ خَفِيَ قَالُوا كَانَ فِعْلُه كَلا، وَرُبَّمَا كَرَّروا
فَقَالُوا كَلَا وَلَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
أَصابَ خَصاصةً فبَدا كَليلًا ... كَلَا، وانْغَلَّ سائرُه انْغِلالا
وَقَالَ آخَرُ:
يكونُ نُزولُ القَوْمِ فِيهَا كَلا وَلَا
لَاتَ
: أَبو زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: لاتَ
حِينَ مَناصٍ
، قَالَ: التَّاءُ فِيهَا صِلةٌ وَالْعَرَبُ تَصِلُ هَذِهِ التَّاءَ
فِي كَلَامِهَا وتَنْزِعُها؛ وأَنشد:
طَلَبُوا صُلْحَنا وَلَاتَ أَوانٍ، ... فأَجَبْنا أَنْ لَيسَ حِينَ
بَقاءِ
قَالَ: والأَصل فِيهَا لَا، وَالْمَعْنَى فِيهَا لَيْسَ، وَالْعَرَبُ
تَقُولُ مَا أَسْتَطِيعُ وَمَا أَسْطِيعُ، وَيَقُولُونَ ثُمَّتَ فِي
مَوْضِعِ ثُمَّ، ورُبَّتَ فِي مَوْضِعِ رُبَّ، وَيَا وَيْلَتنا وَيَا
وَيْلَنا. وَذَكَرَ أَبو الْهَيْثَمِ عَنْ نَصْرٍ الرَّازِيِّ أَنه
قَالَ فِي قَوْلِهِمْ لاتَ هَنّا أَيْ ليسَ حِينَ ذلكَ، وَإِنَّمَا هُو
لَا هَنَّا، فأَنَّثَ لَا فَقِيلَ لاةَ ثُمَّ أُضيفَ فتحوَّلت الْهَاءُ
تَاءً، كَمَا أَنَّثوا رُبَّ رُبَّةَ وثُمَّ ثُمَّتَ، قَالَ: وَهَذَا
قَوْلُ الْكِسَائِيِّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى وَلاتَ حِينَ
مَناصٍ
أَي لَيْسَ بِحِينِ فِرارٍ، وتَنْصِبُ بِهَا لأَنها فِي مَعْنَى
لَيْسَ؛ وأَنشد:
تَذَكَّر حُبَّ لَيْلى لاتَ حِينا
قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِض بلاتَ؛ وأَنشد:
طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ
قَالَ شَمِرٌ: أَجمع عُلَمَاءُ النَّحْوِيِّينَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ
وَالْبَصْرِيِّينَ أَن أَصل هَذِهِ التَّاءِ الَّتِي فِي لاتَ هَاءٌ،
وُصِلَت بِلَا فَقَالُوا لاةَ لِغَيْرِ مَعْنًى حَادِثٍ، كَمَا زَادُوا
فِي ثُم وثُمةَ، لَزِمت، فلما وصَلُوها جعلوها تاء.
إمالا
: فِي حَدِيثِ بَيْعِ الثَّمَرِ:
إمالا فَلَا تَبايَعُوا حَتَّى يَبدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَرد فِي المُحاوَرات
كَثِيرًا، وَقَدْ جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ،
وأَصلها إِنْ وَمَا وَلَا، فأدُغمت النُّونُ فِي الْمِيمِ وَمَا
زَائِدَةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكم لَهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
قَوْلُهُمْ إِمَّالا فافْعَلْ كَذَا بالإِمالة، قَالَ: أَصله إنْ لَا
وَمَا صِلةٌ، قال: ومعناه إلَّا يَكُنْ ذَلِكَ الأَمر فَافْعَلْ كَذَا،
قَالَ: وَقَدْ أَمالت الْعَرَبُ لَا إِمَالَةً خَفِيفةً، وَالْعَوَامُّ
يُشْبِعون إِمالَتها فَتَصِيرُ أَلفها يَاءً، وَهُوَ خطأٌ،
وَمَعْنَاهَا إِنْ لمْ تَفْعَلْ هَذَا فليَكُنْ هَذَا، قال الليث:
قولهم إمَّالا فَافْعَلْ كَذَا إِنَّمَا هِيَ عَلَى مَعْنَى إِنْ لَا
تَفْعَلْ ذَلِكَ فافْعَلْ ذَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا جَمَعُوا
هَؤُلَاءِ الأَحْرفَ فَصِرْن فِي مَجْرى اللَّفْظِ مُثقلة فَصَارَ لَا
فِي آخِرِهَا كأَنه عَجُز كَلِمَةٍ فِيهَا ضَمِيرُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ
فِي كَلَامٍ طَلَبْتَ فِيهِ شَيْئًا فرُدَّ عليك أَمْرُكَ فقلت إمَّالا
فافْعَلْ ذَا،
(15/468)
قَالَ: وتقولُ الْقَ زَيْدًا وإلَّا فَلَا،
مَعْنَاهُ وَإِلَّا تَلْقَ زَيْدًا فدَعْ؛ وأَنشد:
فطَلِّقْها فَلَسْتَ لَهَا بكُفْءٍ، ... وإِلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ
الحُسامُ
فأَضمر فِيهِ وإِلَّا تُطلِّقْها يَعْلُ، وَغَيْرُ البيانِ أَحسن.
وَرَوَى
أَبو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأَى جَمَلًا نَادًّا فَقَالَ لِمَنْ هَذَا
الجملُ؟ فإِذا فِتْيةٌ مِنَ الأَنْصارِ قَالُوا اسْتَقَيْنا عَلَيْهِ
عِشْرِينَ سَنَةً وَبِهِ سَخِيمةٌ فأَرَدْنا أَن نَنْحَره فانفَلَتَ
مِنَّا، فَقَالَ: أَتَبِيعُونه؟ قَالُوا: لَا بَلْ هُوَ لَكَ، فقال:
إِمالا فأَحْسِنُوا إِليه حَتَّى يَأْتيَ أَجَلُه
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد إلَّا تَبِيعُوه فأَحْسِنوا إِليه،
وَمَا صِلةٌ، وَالْمَعْنَى إِنْ لَا فوُكِّدَت بِمَا، وإِنْ حَرْفُ
جَزَاءٍ هَاهُنَا، قَالَ أَبو حَاتِمٍ: الْعَامَّةُ رُبَّما قَالُوا
فِي مَوْضِعِ افْعَلْ ذلك إمالا افْعَلْ ذلك...... ارى «6» ، وَهُوَ
فَارِسِيٌّ مَرْدُودٌ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ أَيضاً: أُمَّا لِي
فيَضُمُّون الأَلف وَهُوَ خطأٌ أَيضاً، قال: والصواب إِمالا غَيْرَ
مُمال لأَن الأَدوات لَا تُمالُ. وَيُقَالُ: خُذْ هذا إِمالا،
وَالْمَعْنَى إِن لَمْ تأْخُذْ ذَلِكَ فخُذْ هَذَا، وَهُوَ مِثلُ
المَثَل، وَقَدْ تَجِيءُ لَيْسَ بِمَعْنَى لَا وَلَا بِمَعْنَى لَيْسَ؛
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ لَبِيدٍ:
إِنما يُجْزى الفَتى لَيْسَ الجَمَلْ
أَراد لَا الْجَمَلُ.
وَسُئِلَ سَيِّدُنَا رسولُ الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ
العَزْلِ عَنِ النِّسَاءِ فَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَن لَا تَفْعَلُوا
فإِنما هُوَ القَدَرُ
، مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَن لَا تَفْعَلُوا يَعْنِي العَزْلَ،
كأَنه أَراد ليسَ عَلَيْكُمُ الإِمْساكُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ
التَّحْرِيمِ، وإِنما هُوَ القَدَرُ إِنْ قدَّرَ اللهُ أَن يَكُونَ
وَلدٌ كَانَ.
: ابْنُ الأَعرابي: لاوَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا خالفَه. وقال الفراء:
لاوَيْت أَي قُلت لَا، وَابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لَوْلَيْت بِهَذَا
الْمَعْنَى. ابْنُ سِيدَهْ: لَوْ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِناع
الشَّيْءِ لامْتِناع غَيْرِهِ، فَإِنْ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ
شُدِّدَتْ؛ قَالَ:
وقِدْماً أَهْلَكَتْ لَوٌّ كَثِيراً، ... وقَبْلَ اليَوْمِ عالجَها
قُدارُ
وأَما الْخَلِيلُ فإِنه يَهمز هَذَا النَّحْوَ إِذَا سُمي بِهِ كَمَا
يُهْمَزُ النَّؤُورُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَرْفُ أُمْنِيَّةٍ
كَقَوْلِكَ لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ، لَوْ أَن لَنَا كَرَّةً، فَهَذَا قَدْ
يُكْتَفى بِهِ عَنِ الْجَوَابِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ لَوْ مَوْقُوفةً
بَيْنَ نَفْيٍ وأُمْنِيَّة إِذا وُصِلت بِلَا؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:
لَوْ تُوجِب الشَّيْءَ مِنْ أَجْلِ وُقوع غَيْرِهِ، وَلَوْلَا تَمْنَع
الشيءَ مِنْ أَجْلِ وُقوع غَيْرِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِيمَا رَوى
عَنْهُ سَلمة: تَكُونُ لَوْ سَاكِنَةَ الْوَاوِ إِذَا جَعَلْتَهَا
أَداةً، فإِذا أَخرجتها إِلى الأَسماء شَدَّدْتَ وَاوَهَا وأَعربتها؛
وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
عَلِقَتْ لَوًّا تُكَرِّرُه، ... إنَّ لَوًّا ذاكَ أَعْيانا
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَوْلَا إِذَا كَانَتْ مَعَ الأَسماء فَهِيَ
شَرْط، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ الأَفعال فَهِيَ بِمَعْنَى هَلّا، لَوْمٌ
عَلَى مَا مضَى وتَحْضِيضٌ لِمَا يأْتي، قَالَ: وَلَوْ تَكُونُ جَحداً
وتَمَنِّياً وشَرْطاً، وإِذا كَانَتْ شَرْطًا كَانَتْ تَخْوِيفًا
وتَشْوِيقاً وتمْثيلًا وشَرْطاً لَا يَتِمُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ
يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لامْتِناع غَيْرِهِ، تَقُولُ: لَوْ
جَاءَنِي زَيْدٌ لَجِئْتُهُ، الْمَعْنَى بأَنَّ مَجِيئِي امْتَنَع
لامْتِناع مَجيء زَيْدٍ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ الفراء قال: لاوَيْتُ
أَي قُلْتُ لَوْلا، قَالَ: وَابْنُ الأَعرابي قَالَ لَولَيتُ، قَالَ
أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ أَقيس. وَقَالَ الفرَّاء فِي قَوْلِهِ
__________
(6) . كتب بهامش الأَصل بإزاء السطر: كذا.
(15/469)
تَعَالَى: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ
مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ؛ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ
مِنْكُمْ أَحد كَذَلِكَ إِلا قَلِيلًا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا
يَنْهَوْنَ فَنَجَوْا، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الِانْقِطَاعِ مِمَّا
قَبْلَهُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ؛ وَلَوْ
كَانَ رَفْعًا كَانَ صَوَابًا. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ
قَالَ: لَوْلا ولَوْما إِذا وَلِيَتِ الأَسماء كَانَتْ جَزَاءً
وأُجِيبَتْ، وَإِذَا وَلِيت الأَفعال كَانَتِ اسْتِفْهَامًا. ولَوْلاكَ
ولَوْلايَ بِمَعْنَى لَوْلا أَنتَ وَلَوْلَا أَنا اسْتُعْمِلَتْ؛
وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَيَطْمَعُ فِينا مَنْ أَراقَ دِماءَنا، ... ولَوْلاهُ لَمْ يَعْرِضْ
لأَحْسابِنا حَسَنْ
قَالَ: وَالِاسْتِفْهَامُ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَوْ مَا تَأْتِينا
بِالْمَلائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ؛ الْمَعْنَى هَلَّا أَخَّرْتَني إِلى أَجل قَرِيبٍ، وَقَدِ
استَعْلَمَتِ الْعَرَبُ لَوْلا فِي الْخَبَرِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ؛ وأَنشد:
لَوْ ما هَوَى عِرْسٍ كُمَيْتٍ لَمْ أُبَلْ
قَالَ ابْنُ كَيْسانَ: المَكْنِيُّ بَعْدَ لَوْلا لَهُ وَجْهَانِ: إِنْ
شِئْتَ جِئْتَ بِمَكْني الْمَرْفُوعِ فَقُلْتَ لَوْلا هُو ولولاهُمْ
وَلَوْلَا هِيَ وَلَوْلَا أَنْتَ، وَإِنْ شِئْتَ وَصَلْتَ المَكْنيَّ
بِهَا فَكَانَ كَمَكْنِيِّ الخَفْضِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ هو
خفض، والفراء يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْخَفْضِ فَهُوَ فِي
مَوْضِع رَفْع، قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ الْقَوْلَيْنِ، تَقُولُ:
لَوْلاكَ مَا قُمْتُ ولَولايَ ولولاهُ ولولاهُم وَلَوْلَاهَا، والأَجود
لَوْلَا أَنتَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا
مُؤْمِنِينَ؛ وَقَالَ:
ومَنْزِلةٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى، ... بأَجْرامِه مِنْ قُلَّةِ
النِّيقِ، مُنْهَوي
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
وهْيَ تَرَي لَوْلا تَرى التَّحْرِيما
يَصِفُ الْعَانَةَ يَقُولُ: هِيَ تَرَي رَوْضاً لَوْلَا أَنَّها تَرَى
مَنْ يُحَرِّمُها ذَلِكَ؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
ورامِياً مُبتَرِكاً مَزْكُوما ... فِي القَبْرِ لَوْلا يَفْهَمُ
التَّفْهِيما
قَالَ: مَعْنَاهُ هُوَ فِي الْقَبْرِ لَوْلَا يَفْهم، يَقُولُ: هُوَ
كالمَقْبُورِ إِلا أَنه يَفْهَمُ كأَنه قَالَ لَوْلَا أَنه يَفْهَمُ
التَّفْهيم، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَوْ حَرْفُ تمنٍّ وَهُوَ
لامْتِناعِ الثَّانِي مِن أَجْل امْتِناعِ الأَوَّل، تَقُولُ لَوْ
جِئْتَني لأَكْرَمْتُكَ، وَهُوَ خِلَافُ إِنِ الَّتِي لِلْجَزَاءِ
لأَنها تُوقعُ الثَّانِيَ مِنْ أَجْل وُقُوعِ الأَوَّل، قَالَ: وأَما
لَوْلا فَمُرَكَّبَةٌ مِنْ مَعْنَى إِنْ ولَوْ، وَذَلِكَ أَنَّ لَوْلَا
تَمْنَعُ الثَّانِيَ مِنْ أَجل وُجُودِ الأَوَّل؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ يَقْضِي بأَن لَوْلَا
مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَن الْمَفْتُوحَةِ «1» وَلَوْ، لأَن لَوْ
لِلِامْتِنَاعِ وَأَنْ لِلْوُجُودِ، فَجُعِلَ لَوْلَا حَرْفَ
امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ لَوْلَا زَيْدٌ
لَهَلَكْنَا أَيِ امْتَنَعَ وُقُوعُ الْهَلَاكِ مِنْ أَجل وُجُودِ
زَيْدٍ هُنَاكَ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى هَلَّا كَقَوْلِ
جَرِيرٍ:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم ... بَنِي ضَوْطَرَى،
لَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا
وَإِنْ جَعَلْتَ لَوِ اسْمًا شَدَّدْتَهُ فَقُلْتَ: قَدْ أَكثرت مِنَ
اللَّوِّ، لأَن حُرُوفَ المَعاني والأَسماءَ الناقصةَ إِذَا صُيِّرَتْ
أَسْماء تَامَّةً بِإِدْخَالِ الأَلف وَاللَّامِ عَلَيْهَا أَو
بِإِعْرابِها شُدِّدَ مَا هُوَ مِنْهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، لأَنه
يُزَادُ فِي آخِرِهِ حَرْفٌ مِنْ جِنْسِهِ فَتُدغَمُ وتُصْرَفُ، إلا
__________
(1) . قوله [من أن المفتوحة] كذا بالأصل، ولعل الصواب من إن المكسورة.
(15/470)
الأَلف فإِنك تَزيد عَلَيْهَا مِثْلَهَا
فتمدُّها لأَنها تَنْقَلِبُ عِنْدَ التَّحْرِيكِ لِاجْتِمَاعِ
السَّاكِنَيْنِ هَمْزَةً فَتَقُولُ فِي لَا كَتَبْتُ لَاءً حَسَنةً؛
قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّيَ لَيْت؟ ... إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ
لَوًّا عَناء
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَى ابْنُ جِنِّي عَنِ الْفَارِسِيِّ سأَلتك
حَاجَةً فَلأْيَلْتَ لِي أَي قُلْتَ لِي لَا، اشْتَقُّوا مِنَ
الْحَرْفِ فِعْلًا، وَكَذَلِكَ أَيضاً اشْتَقُّوا مِنْهُ المَصْدَر
وَهُوَ اسْمٌ فَقَالُوا الَّلأْلأَة، وَحُكِيَ أَيضاً عَنْ قُطْرُبٍ
أَن بَعْضَهُمْ قَالَ: لَا أَفْعلُ، فأَمالَ لَا، قَالَ: وَإِنَّمَا
أَمالَها لمَّا كَانَتْ جَوَابًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا وقَوِيَتْ
بِذَلِكَ فلَحِقَتْ باللَّوَّة بالأَسماء والأَفعال فأُمِيلَت كَمَا
أُميلا، فَهَذَا وَجْهُ إِمَالَتِهَا. وَحَكَى أَبو بَكْرٍ فِي لَا
وَمَا مِنْ بَيْنِ أَخواتهما: لَوَّيْتُ لَاءً حَسَنةً، بِالْمَدِّ،
ومَوَّيْتُ مَاءً حَسَنةً، بِالْمَدِّ، لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ مَنْ لَا
وَمَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنهم لَمَّا أَرادوا
اشْتِقاق فَعَّلْتُ مِن لَا وَمَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِيهِمَا
وَهُمَا عَلَى حَرْفَيْنِ، فَزَادُوا عَلَى الأَلف أَلفاً أُخرى ثُمَّ
هَمَزُوا الثانيةَ كَمَا تقدَّم فَصَارَتْ لَاءً وَمَاءً، فَجَرَتْ
بَعْدَ ذَلِكَ مَجْرَى بَاءٍ وَحَاءٍ بَعْدَ الْمَدِّ، وَعَلَى هَذَا
قَالُوا فِي النَّسَبِ إِلى مَا لَمَّا احْتاجُوا إِلَى تَكْمِيلِهَا
اسْمًا مُحْتَمِلًا للإِعراب: قَدْ عَرَفْت مائِيَّةَ الشَّيْءِ،
فالهمزةُ الْآنَ إِنَّمَا هِيَ بدلٌ مِنَ أَلفٍ لَحِقَت أَلِفَ مَا،
وقَضَوْا بأَنَّ أَلف مَا وَلَا مُبْدلةٌ مِنْ وَاوٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ
مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ ومَذْهَبِه فِي بَابِ الرَّاءِ، وأَنَّ
الرَّاء مِنْهَا يَاءٌ حَمْلًا عَلَى طوَيْت ورَوَيْت، قَالَ: وَقَوْلُ
أَبِي بَكْرٍ لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ فِيهِمَا أَي لأَنك لَا تُمِيلُ
مَا وَلَا فَتَقُولُ مَا وَلَا مُمالَتَيْنِ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ
الأَلف فِيهِمَا مِنْ وَاوٍ كَمَا قَدَّمْناه مِنْ قَوْلِ أَبي عَلِيٍّ
وَمَذْهَبِهِ. وَتَكُونُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا
يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ. وقالوا: نا بَلْ، يُريدون لَا بَلْ،
وَهَذَا عَلَى البَدَل. وَلَوْلَا: كَلمة مُرَكَّبةٌ مِنْ لَوْ وَلَا،
وَمَعْنَاهَا امْتناعُ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ كَقَوْلِكَ لَوْلا
زَيْدٌ لَفَعَلْتُ، وسأَلتك حَاجَةً فَلَوْلَيْتَ لِي أَيْ قُلْتَ
لَوْلا كَذَا؛ كأَنه أَراد لَوْلَوْتُ فَقَلَبَ الْوَاوَ الأَخيرة
يَاءً للمُجاورة، وَاشْتَقُّوا أَيضاً مِنَ الْحَرْفِ مَصْدراً كَمَا
اشْتَقُّوا مِنْهُ فِعْلًا فَقَالُوا اللَّوْلاة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
وإِنما ذكرنا هاهنا لايَيْت ولَوْلَيْتُ لأَن هَاتَيْنِ
الْكَلِمَتَيْنِ المُغَيَّرَتَيْنِ بِالتَّرْكِيبِ إِنما مادَّتهما لَا
ولَوْ، ولَوْلا أَن القِياسَ شَيْءٌ بَرِيءٌ مِنَ التُّهَمة لَقُلْتُ
إِنَّهُمَا غَيْرُ عَرَبِيَّتَيْنِ؛ فأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَلَوْلا حُصَيْنٌ عَيْبَهُ أَن أَسُوءَه، ... وأَنَّ بَني سَعدٌ
صَديقٌ ووَالِدُ «1»
فإِنه أَكد الْحَرْفَ بِاللَّامِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
إِيَّاكَ واللَّوَّ فإِنَّ اللَّوَّ مِن الشَّيطانِ
؛ يُرِيدُ قَوْلَ المُتَنَدِّم عَلَى الْفَائِتِ: لَوْ كَانَ كَذَا
لَقلتُ ولَفَعَلْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ المُتَمَنِّي لأَنَّ ذَلِكَ مِن
الاعْتراض عَلَى الأَقدار، والأَصلُ فِيهِ لَوْ ساكِنة الْوَاوِ،
وَهِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المَعاني يَمتنع بِهَا الشَّيْءُ، لامْتناع
غَيْرِهِ، فإِذا سُمِّي بِهَا زِيدَ فِيهَا وَاوٌ أُخرى، ثُمَّ أُدغمت
وشُدِّدت حَملًا عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ حُرُوفِ المعاني، والله
أَعلم:
ما
: مَا حَرْفُ نَفي وَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي، وَتَكُونُ بِمَعْنَى
الشَّرط، وَتَكُونُ عِبارة عَنْ جَمِيعِ أَنواع النَّكِرَةِ، وَتَكُونُ
موضُوعة مَوْضِعَ مَنْ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الاسْتِفهام، وتُبْدَل
مِنَ الأَلف الْهَاءُ فَيُقَالُ مَهْ؛
__________
(1) . قوله [عيبه] كذا في الأصل.
(15/471)
قَالَ الرَّاجِزُ:
قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، ... مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ،
إِنْ لَمْ أُرَوِّها فَمَهْ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ مَهْ هُنَا وَجْهَيْنِ أَحدهما أَن
تَكُونَ فَمَهْ زَجْراً مِنْهُ أَي فاكْفُفْ عَنِّي ولستَ أَهلًا
للعِتاب، أَو فَمَهْ يَا إنسانُ يُخاطب نفسَه ويَزْجُرها، وتكونُ
للتعجُّب، وَتَكُونُ زَائِدَةً كافَّةً وَغَيْرَ كَافَّةٍ،
وَالْكَافَّةُ قَوْلُهُمْ إِنما زيدٌ مُنْطَلِقٌ، وَغَيْرُ الكافَّة
إِنما زَيْداً مُنطلق، تُرِيدُ إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ. وَفِي
التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ*
، وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ
، ومِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا
؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنْ ذُكِّرَت جَازَ؛
فأَما قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
اللهُ نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ، ... مِنْ بَعْدِ ما وبَعْدِ ما
وبَعْدِ مَتْ
صارَتْ نُفُوسُ القَومِ عِنْد الغَلْصَمَتْ، ... وكادتِ الحُرَّةُ أَن
تُدْعَى أَمَتْ
فإِنه أَراد وبَعْدِ ما فأَبدلَ الأَلف هَاءً كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ
فَلَمَّا صَارَتْ في التقدير وبعد مَهْ أَشبهت الْهَاءُ هَاهُنَا هَاءَ
التأْنيث فِي نَحْوِ مَسْلمةَ وطَلْحة، وأَصلُ تِلْكَ إِنما هُوَ
التَّاءُ، فشبَّه الْهَاءَ في وبَعْدِ مَهْ بَهَاءِ التأَنيث فوَقَفَ
عَلَيْهَا بِالتَّاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى مَا أَصله التَّاءُ
بِالتَّاءِ فِي مَسْلَمَتْ والغَلْصَمَتْ، فَهَذَا قِياسُه كَمَا قَالَ
أَبو وَجْزَة:
العاطِفُونَتَ، حِينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُفْضِلونَ يَداً، إِذَا
مَا أَنْعَمُوا «1»
أَراد: العاطِفُونَهْ، ثُمَّ شبَّه هَاءَ الْوَقْفِ بِهَاءِ التأْنيث
الَّتِي أَصلها التَّاءُ فَوَقَفَ بِالتَّاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى هَاءِ
التأْنيث بِالتَّاءِ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ: مَوَّيْتُ مَاءً
حَسَنةً، بالمدِّ، لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ مِن مَا، وَكَذَلِكَ لَا أَي
عَمِلْتها، وَزَادَ الأَلف فِي مَا لأَنه قَدْ جَعَلَهَا اسْمًا،
وَالِاسْمُ لَا يَكُونُ عَلَى حَرْفَيْنِ وَضْعاً، وَاخْتَارَ الأَلف
مِنْ حُرُوفِ المدِّ واللِّين لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ، قَالَ: وَإِذَا
نُسِبَتْ إِلى مَا قُلْتَ مَوَوِيٌّ. وَقَصِيدَةٌ ماويَّةٌ
ومَوَوِيَّةٌ: قَافِيَتُهَا مَا. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنِ
الرُّؤاسي: هَذِهِ قَصِيدَةٌ مائِيةٌ وماوِيَّةٌ ولائِيَّةٌ ولاوِيَّةٌ
ويائِيَّةٌ وياوِيَّةٌ، قَالَ: وَهَذَا أَقْيسُ. الْجَوْهَرِيُّ: مَا
حَرْفٌ يَتَصَرَّف عَلَى تِسْعَةِ أَوجه: الاستفهامُ نَحْوَ مَا
عِنْدَك، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَا يُسأَلُ بِهَا عَمَّا لَا يَعْقِل
وَعَنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْقِل، يَقُولُ: مَا عَبْدُ اللهِ؟ فَتَقُولُ:
أَحْمَقُ أَو عاقلٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والخَبَر نَحْوَ رَأَيْتُ
مَا عِنْدَك وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْجَزَاءُ نَحْوَ مَا
يَفْعَلْ أَفْعَلْ، وَتَكُونُ تَعَجُّبًا نَحْوَ مَا أَحْسَنَ زَيْدًا،
وَتَكُونُ مَعَ الفِعل فِي تأْويل المَصدر نَحْوَ بَلَغَني مَا
صَنَعْتَ أَي صَنِيعُك، وَتَكُونُ نَكِرَةً يَلْزَمُها النعتُ نَحْوَ
مَرَرْتُ بِمَا مُعْجِبٍ لَكَ أَي بشيءٍ مُعْجِبٍ لَكَ، وَتَكُونُ
زَائِدَةً كَافَّةً عَنِ الْعَمَلِ نَحْوَ إِنَّمَا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ،
وَغَيْرَ كافَّة نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
؛ وَتَكُونُ نَفْيًا نَحْوَ مَا خَرَجَ زَيْدٌ وَمَا زَيْدٌ خارِجاً،
فَإِنْ جعلْتَها حرفَ نفيٍ لَمْ تُعْمِلْها فِي لُغَةِ أَهل نَجدٍ
لأَنها دَوَّارةٌ، وَهُوَ القِياس، وأَعْمَلْتَها فِي لغةِ أَهل
الحِجاز تَشْبِيهًا بِلَيْسَ، تَقُولُ: مَا زيدٌ خارِجاً وَمَا هَذَا
بَشراً، وَتَجِيءُ مَحْذُوفَةً مِنْهَا الأَلفُ إِذا ضَمَمتَ إِليها
حَرْفًا نَحْوَ لِمَ وبِمَ وعَمَّ يَتَساءلُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
صَوَابُهُ أَن يَقُولَ: وَتَجِيءُ مَا الاستفهاميةُ مَحذُوفةً إِذا
ضَمَمْتَ إِليها حَرْفًا جارًّا. التهذيب: إِنما
__________
(1) . قوله [والمفضلون] في مادة ع ط ف: والمنعمون.
(15/472)
قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلُها مَا
مَنَعَتْ إِنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّما إثباتٌ لِمَا
يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونَفْيٌ لِمَا سِواه كَقَوْلِهِ: وإِنَّما يُدافِعُ
عَنْ أَحْسابِهم أَنا أَو مِثْلي؛ الْمَعْنَى مَا يُدافعُ عَنْ
أَحسابهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وَاللَّهُ أَعلم.
التَّهْذِيبِ: قَالَ أَهل الْعَرَبِيَّةِ مَا إِذا كَانَتِ اسْمًا
فَهِيَ لِغَيْرِ المُمَيِّزِين مِنَ الإِنس والجِنِّ، ومَن تَكُونُ
للمُمَيِّزِين، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَسْتَعْمِلُ مَا فِي مَوْضِعِ
مَنْ، مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
؛ التَّقْدِيرُ لَا تَنْكِحُوا مَنْ نَكَحَ آبَاؤُكُمْ، وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ
؛ مَعْنَاهُ مَنْ طابَ لَكُمْ. وَرَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ:
قَالَ الْكِسَائِيُّ تَكُونُ مَا اسْمًا وَتَكُونُ جَحْداً وَتَكُونُ
اسْتِفْهَامًا وَتَكُونُ شَرْطًا وَتَكُونُ تَعَجُّباً وَتَكُونُ صِلةً
وَتَكُونُ مَصْدَراً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: وَقَدْ تأْتي
مَا تَمْنَع العامِلَ عَملَه، وَهُوَ كَقَوْلِكَ: كأَنَّما وَجْهُكَ
القمرُ، وإِنما زيدٌ صَدِيقُنا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْهُ
قَوْلِهِ تَعَالَى:
رُبَّما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
؛ رُبَّ وُضِعَت للأَسماء فَلَمَّا أُدْخِل فِيهَا مَا جُعلت
لِلْفِعْلِ؛ وَقَدْ تُوصَلُ مَا بِرُبَّ ورُبَّتَ فَتَكُونُ صِلةً
كَقَوْلِهِ:
ماوِيَّ، يَا رُبَّتَما غارةٍ ... شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ
يُرِيدُ يَا رُبَّتَ غَارَةٍ، وتجيءُ مَا صِلَةً يُريد بِهَا
التَّوْكِيدَ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ*
؛ الْمَعْنَى فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم، وَتَجِيءُ مَصْدَرًا كَقَوْلِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ
؛ أَي فاصْدَعْ بالأَمر، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَغْنى
عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ
؛ أَي وكَسْبُه، وَمَا التَّعَجُّبِ كَقَوْلِهِ: فَما أَصْبَرَهُمْ
عَلَى النَّارِ
، وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَا كَقَوْلِكَ: مَا قولُك فِي كَذَا؟
والاسْتِفهامُ بِمَا مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ على وجهين: هل للمؤمنِ
تَقْريرٌ، وَلِلْكَافِرِ تَقْرِيعٌ وتَوْبيخٌ، فَالتَّقْرِيرُ
كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى
قالَ هِيَ عَصايَ
، قَرَّره اللهُ أَنها عَصاً كراهةَ أَن يَخافَها إِذا حوَّلها
حَيَّةً، والشَّرْطِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ
لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا
مُرْسِلَ لَهُ
، والجَحْدُ كَقَوْلِهِ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
، وَتَجِيءُ مَا بِمَعْنَى أَيّ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ادْعُ
لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها
؛ الْمَعْنَى يُبَيِّن لَنَا أَيُّ شَيْءٍ لَوْنُها، وَمَا فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ رَفْعٌ لأَنها ابْتداء ومُرافِعُها قَوْلُهُ لَوْنُها،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى
؛ وُصِلَ الجَزاءُ بِمَا، فإِذا كَانَ اسْتِفْهاماً لَمْ يُوصَلْ بِمَا
وإِنما يُوصَلُ إِذا كَانَ جَزَاءً؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي قَوْلَ
حَسَّانَ:
إِنْ يَكُنْ غَثَّ مِنْ رَقاشِ حَديثٌ، ... فَبِمَا يأْكُلُ الحَدِيثُ
السَّمِينا
قَالَ: فَبِمَا أَي رُبَّما. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ مَعْروف فِي
كَلَامِهِمْ قَدْ جاءَ فِي شِعْرِ الأَعشى وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ
الأَنباري فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ
نادِمِينَ
. قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ عَنْ قَليل وَمَا تَوْكِيدٌ،
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى عَنْ شيءٍ قَلِيلٍ وَعَنْ وَقْتٍ
قَلِيلٍ فَيَصِيرُ مَا اسْمًا غَيْرَ تَوكيد، قَالَ: وَمِثْلُهُ مِمَّا
خَطاياهُمْ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ إِساءَة خَطاياهم وَمِنْ أَعْمال
خَطاياهم، فنَحْكُمُ عَلَى مَا مِنْ هَذِهِ الجِهة بالخَفْض، ونَحْمِلُ
الخَطايا عَلَى إِعرابها، وجَعْلُنا مَا مَعْرِفةً لإِتْباعِنا
المَعْرِفةَ إِياها أَوْلى وأَشْبَهُ، وَكَذَلِكَ فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ*
، مَعْنَاهُ
(15/473)
فبِنَقْضِهم مِيثاقَهم وَمَا تَوْكِيدٌ،
وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ التأْويل فَبِإِساءَتِهم نَقْضِهم ميثاقَهم.
وَالْمَاءُ، المِيمُ مُمالةٌ والأَلف مَمْدُودةٌ: حِكَايَةُ أَصْواتِ
الشاءِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا مَا تَخَوَّنَهُ ... داعٍ يُناديه، باسْم
الْمَاءِ، مَبْغُومُ
وماءِ: حكايةُ صوتِ الشاةِ مَبْنِيُّ عَلَى الْكَسْرِ. وَحَكَى
الْكِسَائِيُّ: باتَتِ الشاءُ ليلَتَها مَا مَا وماهْ وماهْ «2» ،
وَهُوَ حِكَايَةُ صَوْتِهَا. وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَن مَهْما مَا
ضُمَّت إِليها مَا لَغْواً، وأَبدلوا الأَلف هَاءً. وَقَالَ
سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كإِذْ ضُمَّ إِليها مَا؛ وَقَوْلُ
حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِمَّا تَرَيْ رَأْسي تَغَيَّرَ لَوْنُه ... شَمَطاً، فأَصْبَحَ
كالنَّغامِ المُخْلِس «3»
يَعْنِي إِن تَرَيْ رأْسي، ويدخُل بَعْدَهَا النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ
كَقَوْلِكَ: إِما تَقُومَنَّ أَقُمْ وتَقُوماً، وَلَوْ حَذَفْتَ مَا
لَمْ تَقُلْ إِلَّا إِنْ لَمْ تَقُمْ أَقُمْ وَلَمْ تُنَوِّنْ،
وَتَكُونُ إِمّا فِي مَعْنَى المُجازاة لأَنه إِنْ قَدْ زِيدَ
عَلَيْهَا مَا، وَكَذَلِكَ مَهْما فِيهَا مَعْنَى الْجَزَاءِ. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا مُكَرَّرٌ يَعْنِي قَوْلَهُ إِما فِي مَعْنَى
المُجازاة وَمَهْمَا. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ لَمَّا فَعَلْتَ كَذَا
أَي إِلَّا فَعَلْته، وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ وَتَكُونُ مَا زَائِدَةً،
وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا
عَلَيْها حافِظٌ
؛ أَي مَا كلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا حَافِظٌ وإِنْ كلُّ نَفْسٍ
لعَلَيْها حافِظٌ.
متى
: متَى: كَلِمَةُ استفهامٍ عَنْ وَقْتِ أَمر، وَهُوَ اسْمٌ مُغْنٍ عَنِ
الْكَلَامِ الْكَثِيرِ المُتناهي فِي البُعْدِ وَالطُّولِ، وَذَلِكَ
أَنك إِذا قُلْتَ مَتَى تقومُ أَغْناكَ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الأَزْمِنة
عَلَى بُعْدها، ومَتى بِمَعْنَى فِي، يُقَالُ: وَضَعْتُهُ مَتى كُمِّي
أَي فِي كُمِّي؛ ومَتى بِمَعْنَى مِنْ؛ قَالَ ساعدةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
أَخْيَلَ بَرْقاً مَتى حابٍ لَهُ زَجَلٌ، ... إِذا تَفَتَّرَ مِنْ
تَوماضِه حَلَجا «4»
وَقَضَى ابْنُ سَيِّدِهِ عَلَيْهَا بِالْيَاءِ، قَالَ: لأَن بَعْضَهُمْ
حَكَى الإِمالة فِيهِ مَعَ أَن أَلفها لَامٌ، قَالَ: وَانْقِلَابُ
الأَلف عَنِ الْيَاءِ لَامًا أَكثر. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَتَى
ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّن وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زَمَانٍ ويُجازى بِهِ.
الأَصمعي: مَتَى فِي لُغَةِ هذيل قد يكون بِمَعْنَى مِن؛ وأَنشد لأَبي
ذُؤَيْبٍ:
شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ،
لَهُنَّ نَئِيجُ
أَي مِنْ لُجَجٍ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى وسَط. وَسَمِعَ أَبو
زَيْدٍ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: وَضَعْتُه مَتَى كُمِّي أَي فِي وَسَط
كُمِّي، وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ أَيضاً، وَقَالَ: أَراد وسَطَ
لُجَجٍ. التَّهْذِيبِ: مَتَى مِن حروفِ الْمَعَانِي وَلَهَا وُجُوه
شَتَّى: أَحدها أَنه سُؤَالٌ عَنْ وقتِ فِعْل فُعِلَ أَو يُفْعَلُ
كَقَوْلِكَ مَتَى فَعَلْتَ وَمَتَى تَفْعَلُ أَي فِي أَي وَقْتٍ،
والعربُ تُجَازِي بِهَا كَمَا تُجازي بأَيّ فتَجْزِمُ الفِعْلين
تَقُولُ مَتى تأْتِني آتِك، وَكَذَلِكَ إِذا أَدخلت عَلَيْهَا مَا
كَقَوْلِكَ
__________
(2) . قوله [ما ما وماه ماه] يعني بالإمالة فيها.
(3) . قوله [المخلس] أي المختلط صفرته بخضرته، يريد اختلاط الشعر
الأَبيض بالأَسود، وتقدم إنشاد بيت حسان في ثغم الممحل بدل المخلس، وفي
الصحاح هنا المحول.
(4) . قوله [أخيل برقاً إلخ] كذا في الأصل مضبوطاً، فما وقع في حلج
وومض: أخيل، مضارع أخال، ليس على ما ينبغي. ووقع ضبط حلجا بفتح اللام،
والذي في المحكم كسرها حلج يحلج حلجاً بوزن تعب فيقال حلج السحاب
بالكسر يحلج بالفتح حلجاً بفتحتين.
(15/474)
مَتَى مَا يأْتِني أَخوك أُرْضِه،
وَتَجِيءُ مَتَى بِمَعْنَى الاسْتِنكارِ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا حَكَى
عَنْكَ فِعْلًا تُنْكِرُه مَتَى كَانَ هَذَا عَلَى مَعْنَى الإِنكار
وَالنَّفْيِ أَي مَا كَانَ هَذَا؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
مَتى كَانَ حُكْمُ اللهِ فِي كَرَبِ النَّخْلِ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَتَى يقَعُ عَلَى الوَقت إِذا قلْتَ مَتَى
دَخَلْتِ الدَّارَ فأَنت طَالِقٌ أَي أَيَّ وَقْتٍ دَخَلْتِ الدَّارَ،
وكُلَّما تَقَعُ عَلَى الْفِعْلِ إِذا قُلْتَ كُلَّمَا دخلتِ الدَّارَ
فَمَعْنَاهُ كلَّ دَخْلَةٍ دَخَلْتِها، هَذَا فِي كِتَابِ الجَزاء؛
قَالَ الأَزهري: وَهُوَ صَحِيحٌ. ومَتى يَقَعُ لِلْوَقْتِ المُبْهَم.
وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: مَتَى حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يُكْتَب
بِالْيَاءِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَجُوزُ أَن تُكْتَب بالأَلف لأَنها
لَا تُعْرَفُ فعْلًا، قَالَ: ومَتى بِمَعْنَى مِنْ؛ وَأَنْشَدَ:
إِذا أقولُ صَحا قَلْبي أُتِيحَ لَه ... سُكْرٌ مَتى قَهْوةٍ سارَت
إِلى الرَّاسِ
أَي مِنْ قَهْوةٍ؛ وأَنشد:
مَتى مَا تُنْكِروها تَعْرِفُوها ... مَتَى أَقْطارِها علق نفيت «1»
أَراد من أَقطارها نفيت أَي مُنْفَرِجٌ؛ وأَما قَوْلُ امْرِئِ
الْقَيْسِ:
مَتى عَهْدُنا بِطِعانِ الكُماةِ ... والمَجْدِ والحَمدِ والسُّودَدِ
يَقُولُ: مَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، يَقُولُ: تَرَوْنَ أَنَّا لَا
نُحْسِنُ طَعْنَ الكُماةِ وعَهْدُنا بِهِ قَرِيبٌ؛ ثُمَّ قَالَ:
وبَنْيِ القِبابِ ومَلْءِ الجفانِ، ... والنارِ والحَطَبِ المُوقَدِ
ها
: الْهَاءُ: بِفَخَامَةِ الأَلف: تنبيهٌ، وَبِإِمَالَةِ الأَلف حرفُ
هِجاء. الْجَوْهَرِيُّ: الْهَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المُعْجَمِ،
وَهِيَ مِنْ حُروف الزِّيادات، قَالَ: وها حرفُ تَنْبِيهٍ. قَالَ
الأَزهري: وأَما هَذَا إِذا كَانَ تنْبيهاً فإِن أَبا الْهَيْثَمِ
قَالَ: هَا تَنْبِيهٌ تَفْتَتِحُ الْعَرَبُ بِهَا الْكَلَامَ بِلَا
مَعْنًى سِوَى الِافْتِتَاحِ، تقولُ: هَذَا أَخوك، هَا إِنَّ ذَا
أَخُوكَ؛ وأَنشد النَّابِغَةُ:
هَا إِنَّ تَا عِذْرةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ، ... فإِنَّ صاحِبَها
قَدْ تَاهَ فِي البَلَدِ «2»
وَتَقُولُ: هَا أَنتم هَؤلاء تَجْمَعُ بَيْنَ التَّنْبِيهَيْنِ
لِلتَّوْكِيدِ، وَكَذَلِكَ أَلا يَا هَؤُلَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُفارق
لأَيّ، تَقُولُ: يَا أَيُّها الرَّجُل، وَهَا: قَدْ تَكُونُ
تَلْبِيَةً؛ قَالَ الأَزهري: يَكُونُ جَوَابَ النِّدَاءِ، يُمَدُّ
وَيُقْصَرُ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
لَا بَلْ يُجِيبُك حينَ تَدْعو باسمِه، ... فيقولُ: هاءَ، وطالَما
لَبَّى
قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَيضاً هَا إِذا أَجابوا داعِياً،
يَصِلُون الْهَاءَ بأَلف تَطْوِيلًا لِلصَّوْتِ. قَالَ: وأَهل
الْحِجَازِ يَقُولُونَ فِي مَوْضِعِ لَبَّى فِي الإِجابة لَبَى
خَفِيفَةً، وَيَقُولُونَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَعْنَى هَبَى،
وَيَقُولُونَ هَا إِنَّك زَيْدٌ، مَعْنَاهُ أَإِنك زَيْدٌ فِي
الْاسْتِفْهَامِ، ويَقْصُرُونَ فَيَقُولُونَ: هإِنَّك زَيْدٌ، فِي
مَوْضِعِ أَإِنك زَيْدٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الْهَاءُ حَرف هِجاءٍ، وَهُوَ
حَرْفٌ مَهْمُوس يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا، فالأَصل نَحْوَ
هِنْدَ وفَهْدٍ
وشِبْهٍ، وَيُبْدَلُ مِنْ خَمْسَةِ أَحرف وَهِيَ: الْهَمْزَةُ والأَلف
وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ، وَقَضَى عَلَيْهَا ابْنُ سِيدَهْ
أَنها من هـ وي، وَذَكَرَ عِلَّةَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ حَوِيَ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْهَاءُ وأَخواتها مِنَ الثُّنَائِيِّ
كَالْبَاءِ وَالْحَاءِ وَالطَّاءِ وَالْيَاءِ إِذا تُهجِّيت
مَقْصُورةٌ، لأَنها لَيْسَتْ بأَسماء وإِنما جاءَت فِي التَّهَجِّي
عَلَى الْوَقْفِ، قال: ويَدُلُّك
__________
(1) . قوله [علق نفيت] كذا في الأَصل وشرح القاموس.
(2) . رواية الديوان، وهي الصحيحة:
ها إن ذي عِذْرَةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ، ... فَإِنَّ صَاحِبَهَا
مشاركُ النّكَدِ
(15/475)
عَلَى ذَلِكَ أَن القافَ وَالدَّالَ
وَالصَّادَ موقوفةُ الأَواخِر، فَلَوْلَا أَنها عَلَى الْوَقْفِ
لحُرِّكَتْ أَواخِرُهُنَّ، وَنَظِيرُ الْوَقْفِ هُنَا الحذفُ فِي
الْهَاءِ وَالْحَاءِ وأَخواتها، وإِذا أَردت أَن تَلْفِظَ بِحُرُوفِ
الْمُعْجَمِ قَصَرْتَ وأَسْكَنْتَ، لأَنك لَسْتَ تُرِيدُ أَن
تَجْعَلَهَا أَسماء، وَلَكِنَّكَ أَردت أَن تُقَطِّع حُروف الِاسْمِ
فجاءَت كأَنها أَصوات تصَوِّتُ بِهَا، إِلا أَنك تَقِفُ عِنْدَهَا
بِمَنْزِلَةِ عِهْ، قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظَةُ هُوَ،
قَالَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ؛ قَالَ
الْكِسَائِيُّ: هُوَ أَصله أَن يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحرف مِثْلَ
أَنت فَيُقَالُ هُوَّ فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ
يُخَفِّفه فَيَقُولُ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ:
وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَنِي أَسَد وَتَمِيمٍ وقيسٍ هُو فَعَلَ
ذَلِكَ، بِإِسْكَانِ الْوَاوِ؛ وأَنشد لعَبيد:
ورَكْضُكَ لوْلا هُو لَقِيتَ الَّذِي لَقُوا، ... فأَصْبَحْتَ قَدْ
جاوَزْتَ قَوْماً أَعادِيا
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: بَعْضُهُمْ يُلقي الْوَاوَ مِنْ هُو إِذا كَانَ
قَبْلَهَا أَلف سَاكِنَةٌ فَيَقُولُ حتَّاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وإِنَّماهُ
فَعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ: وأَنشد أَبو خَالِدٍ الأَسدي:
إِذاهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَمْ يَنْبِس
قَالَ: وأَنشدني خَشَّافٌ:
إِذاهُ سامَ الخَسْفَ آلَى بقَسَمْ ... باللهِ لَا يَأْخُذُ إِلَّا مَا
احْتَكَمْ «1»
قَالَ: وأَنشدنا أَبو مُجالِدٍ للعُجَير السَّلولي:
فبَيْناهُ يَشْري رَحْلَه قَالَ قائلٌ: ... لِمَنْ جَمَلٌ رَثُّ
المَتاعِ نَجِيبُ؟
قَالَ ابْنُ السِّيرَافِيِّ: الَّذِي وُجِدَ فِي شِعْرِهِ رِخْوُ
المِلاطِ طَوِيلُ؛ وَقَبْلَهُ:
فباتتْ هُمُومُ الصَّدْرِ شَتَّى يَعُدْنَه، ... كَمَا عِيدَ شلْوٌ
بالعَراءِ قَتِيلُ
وَبَعْدَهُ:
مُحَلًّى بأَطْواقٍ عِتاقٍ كأَنَّها ... بَقايا لُجَيْنٍ، جَرْسُهنَّ
صَلِيلُ
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنما ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فِي الشِّعْرِ
وَلِلتَّشْبِيهِ لِلضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ بِالضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ
فِي عَصاه وقَناه، وَلَمْ يُقَيِّدِ الْجَوْهَرِيُّ حذفَ الْوَاوِ مِنْ
هُوَ بِقَوْلِهِ إِذا كَانَ قَبْلَهَا أَلف سَاكِنَةٌ بَلْ قَالَ
وَرُبَّمَا حُذِفت مِنْ هُوَ الْوَاوُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وأَورد
قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ؛ قَالَ: وَقَالَ
آخَرُ:
إِنَّه لَا يُبْرِئُ داءَ الهُدَبِدْ ... مِثْلُ القَلايا مِنْ سَنامٍ
وكَبِدْ
وَكَذَلِكَ الْيَاءُ مِنْ هِيَ؛ وأَنشد:
دارٌ لِسُعْدَى إِذْ هِ مِنْ هَواكا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن قُلْتَ فَقَدْ قَالَ الْآخَرُ:
أَعِنِّي عَلَى بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُو
فَوَقَفَ بِالْوَاوِ وَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ قَافِيَةً، وَهَذِهِ
المَدَّة مُسْتَهْلَكَةٌ فِي حَالِ الْوَقْفِ؟ قِيلَ: هَذِهِ
اللَّفْظَةُ وإِن لَمْ تَكُنْ قَافِيَةً فَيَكُونُ البيتُ بِهَا
مُقَفًّى ومُصَرَّعاً، فإِن الْعَرَبَ قَدْ تَقِفُ عَلَى العَروض
نَحْوًا مِنْ وُقوفِها عَلَى الضَّرْب، وَذَلِكَ لوقُوفِ الْكَلَامِ
الْمَنْثُورِ عَنِ المَوْزُون؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ أَيضاً:
فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفةٍ
فَوَقَفَ بِالتَّنْوِينِ خِلَافًا للوُقوف فِي غَيْرِ الشِّعْرِ. فإِن
قُلْتَ: فإِنَّ أَقْصَى حالِ كُتَيْفةٍ إِذ لَيْسَ قافيةً أَن يُجْرى
__________
(1) . قوله [سام الخسف] كذا في الأَصل، والذي في المحكم: سيم، بالبناء
لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
(15/476)
مُجْرى الْقَافِيَةِ فِي الْوُقُوفِ
عَلَيْهَا، وأَنت تَرَى الرُّواةَ أَكثرَهم عَلَى إِطلاقِ هَذِهِ
الْقَصِيدَةِ وَنَحْوِهَا بِحَرْفِ اللِّين نَحْوَ قَوْلِهِ فحَوْمَلي
ومَنْزِلي، فَقَوْلُهُ كُتَيْفة لَيْسَ عَلَى وَقْفِ الْكَلَامِ وَلَا
وَقْفِ القافيةِ؟ قِيلَ: الأَمرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ خلافِه له،
غير أَنَّ هذا الأَمر أَيضاً يَخْتَصُّ الْمَنْظُومَ دُونَ المَنْثُور
لِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ:
أَنَّى اهْتَدَيْتَ لتَسْلِيمٍ عَلَى دِمَنٍ، ... بالغَمْرِ،
غَيَّرَهُنَّ الأَعْصُرُ الأُوَلُ
وَقَوْلِهِ:
كأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ، غُدْوةً، ... خَلايا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ
مِنْ دَدِ
وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، كلُّ ذَلِكَ الوُقوفُ عَلَى عَرُوضِه مُخَالِفٌ
للوُقوف عَلَى ضَرْبه، ومخالفٌ أَيضاً لِوُقُوفِ الْكَلَامِ غَيْرِ
الشِّعْرِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ أَسمعهم يُلْقُونَ الْوَاوَ
وَالْيَاءَ عِنْدَ غَيْرِ الأَلف، وتَثْنِيَتُه هُمَا وجمعُه هُمُو،
فأَما قَوْلُهُ هُم فَمَحْذُوفَةٌ مِنْ هُمُو كَمَا أَن مُذْ
مَحْذُوفَةٌ مِنْ مُنْذُ، فأَما قولُك رأَيْتُهو فإِنَّ الْاسْمَ إِنما
هُوَ الْهَاءُ وَجِيءَ بِالْوَاوِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ، وَكَذَلِكَ
لَهُو مالٌ إِنما الْاسْمُ مِنْهَا الْهَاءُ وَالْوَاوُ لِمَا قدَّمنا،
ودَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّك إِذا وَقَفْتَ حَذَفْتَ الْوَاوَ فَقُلْتَ
رأَيته والمالُ لَهْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهَا فِي الْوَصْلِ مَعَ
الْحَرَكَةِ الَّتِي عَلَى الْهَاءِ وَيُسَكِّنُ الْهَاءَ؛ حَكَى
اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: لَهْ مالٌ أَي لَهُو مالٌ؛
الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْوَاوَ مَعَ الْحَرَكَةُ. قَالَ
ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ لَهْ مَالٌ بِسُكُونِ
الْهَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشبهه؛ قَالَ يَعْلَى بْنُ الأَحْوَلِ:
أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونَه شَرَوانِ ... يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ
كُلَّ يَمانِ
فظَلْتُ لَدَى البَيْتِ العَتِيقِ أُخِيلُهو، ... ومِطْوايَ مُشْتاقانِ
لَهْ أَرِقانِ
فَلَيْتَ لَنا، مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، شَرْبةً ... مُبَرَّدةً باتَتْ
عَلَى طَهَيانِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ يَعْنِي إِثْبات
الْوَاوِ فِي أُخِيلُهو وإِسكان الْهَاءِ فِي لَهْ، وَلَيْسَ إِسكان
الْهَاءِ فِي لَهْ عَنْ حَذْف لَحِقَ الْكَلِمَةَ بِالصَّنْعَةِ،
وَهَذَا فِي لُغَةِ أَزْد السَّراة كَثِيرٌ؛ وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ
عَنْ قُطْرُبٍ مِنْ قَوْلِ الْآخَرِ:
وأَشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُو عَطَشٌ ... إِلَّا لأَنَّ
عُيُونَهْ سَيْلُ وادِيها
فَقَالَ: نَحْوَهُو عَطَشٌ بِالْوَاوِ، وَقَالَ عُيُونَهْ بإِسكان
الْوَاوِ؛ وأَما قَوْلِ الشَّمَّاخِ:
لَهُ زَجَلٌ كأَنَّهُو صَوْتُ حادٍ، ... إِذا طَلَبَ الوَسِيقةَ، أَوْ
زَمِيرُ
فَلَيْسَ هَذَا لُغَتَيْنِ لأَنا لَا نَعْلَمُ رِوايةً حَذْفَ هَذِهِ
الواوِ وإِبقاء الضمةِ قَبْلَهَا لُغةً، فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ
ذَلِكَ ضَرُورةً وصَنْعةً لَا مَذْهَبًا وَلَا لُغَةً، وَمِثْلُهُ
الْهَاءُ مِنْ قَوْلِكَ بِهِي هِيَ الْاسْمُ وَالْيَاءُ لِبَيَانِ
الْحَرَكَةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنك إِذا وَقَفْتَ قُلْتَ بِهْ، وَمِنَ
الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ بِهِي وبِهْ فِي الْوَصْلِ. قَالَ
اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ سَمِعْتُ أَعراب عُقَيْل
وَكِلَابٍ يَتَكَلَّمُونَ فِي حَالِ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَمَا
قَبْلَ الْهَاءِ مُتَحَرِّكٌ، فَيَجْزِمُونَ الْهَاءَ فِي الرَّفْعِ
وَيَرْفَعُونَ بِغَيْرِ تَمَامٍ، وَيَجْزِمُونَ فِي الْخَفْضِ
وَيَخْفِضُونَ بِغَيْرِ تَمَامٍ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِنْسانَ
لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، بِالْجَزْمِ، ولِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، بِغَيْرِ
تَمَامٍ، ولَهُ مالٌ ولَهْ مالٌ، وَقَالَ: التَّمَامُ أَحب إِليَّ
وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إِلى جَزْمٍ وَلَا غَيْرِهِ لأَنَّ الإِعراب
إِنما
(15/477)
يَقَعُ فِيمَا قَبْلَ الْهَاءِ؛ وَقَالَ:
كَانَ أَبو جَعْفَرٍ قَارِئُ أَهل الْمَدِينَةِ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ
لِغَيْرِ تَمَامٍ؛ وَقَالَ أَنشدني أَبو حِزَامٍ العُكْلِي:
لِي والِدٌ شَيْخٌ تَهُضُّهْ غَيْبَتِي، ... وأَظُنُّ أَنَّ نَفادَ
عُمْرِهْ عاجِلُ
فَخَفَّفَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَكَانَ حَمزةُ وأَبو عَمْرٍو يَجْزِمَانِ
الْهَاءَ فِي مِثْلِ
يُؤدِّهْ إِليك
ونُؤْتِهْ مِنها
ونُصْلِهْ جَهَنَّمَ
، وَسَمِعَ شَيْخًا مِنْ هَوازِنَ يَقُولُ: عَلَيْهُ مالٌ، وَكَانَ
يَقُولُ: عَلَيْهُم وفِيهُمْ وبِهُمْ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ
هِيَ لُغَاتٌ يُقَالُ فيهِ وفِيهِي وفيهُ وفِيهُو، بِتَمَامٍ وَغَيْرِ
تَمَامٍ، قَالَ: وَقَالَ لَا يَكُونُ الْجَزْمُ فِي الْهَاءِ إِذا
كَانَ مَا قَبْلَهَا سَاكِنًا. التَّهْذِيبُ: اللِّيْثُ هُوَ كِنَايَةُ
تذكيرٍ، وَهِيَ كنايةُ تأْنيثٍ، وَهُمَا لِلْاثْنَيْنِ، وَهُمْ
للجَماعة مِنَ الرِّجَالِ، وهُنَّ لِلنِّسَاءِ، فإِذا وقَفْتَ عَلَى
هُوَ وَصَلْتَ الْوَاوَ فَقُلْتَ هُوَهْ، وإِذا أَدْرَجْتَ طَرَحْتَ
هَاءَ الصِّلةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: مَرَرْتُ
بِهْ وَمَرَرْتُ بِهِ وَمَرَرْتُ بِهِي، قَالَ: وإِن شِئْتَ مَرَرْتُ
بِهْ وبِهُ وبِهُو، وَكَذَلِكَ ضَرَبه فِيهِ هَذِهِ اللُّغَاتُ،
وَكَذَلِكَ يَضْرِبُهْ ويَضْرِبُهُ ويَضْرِبُهُو، فإِذا أَفردت
الْهَاءَ مِنَ الْاتِّصَالِ بِالْاسْمِ أَو بِالْفِعْلِ أَو بالأَداة
وابتدأْت بِهَا كَلَامَكَ قُلْتُ هُوَ لِكُلِّ مذكَّر غَائِبٍ، وَهِيَ
لِكُلِّ مُؤَنَّثَةٍ غَائِبَةٍ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُما فزِدْتَ
وَاوًا أَو يَاءً اسْتِثْقَالًا لِلْاسْمِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، لأَن
الِاسْمَ لَا يَكُونُ أَقلَّ مِنْ حَرْفَيْنِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَن
يَقُولُ الِاسْمَ إِذا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ ناقِصٌ قَدْ
ذَهَبَ مِنْهُ حَرْفٌ، فإِن عُرف تَثْنِيَتُه وجَمْعُه وتَصْغِيرُه
وتَصْريفه عُرِفَ النَّاقِصُ مِنْهُ، وإِن لَمْ يُصَغَّر وَلَمْ
يُصَرَّفْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ اشتِقاقٌ زيدَ فِيهِ مَثْلُ آخِرِهِ
فَتَقُولُ هُوَّ أَخوك، فَزَادُوا مَعَ الْوَاوِ وَاوًا؛ وأَنشد:
وإِنَّ لِسانِي شُهْدةٌ يُشْتَفَى بِها، ... وهُوَّ علَى مَنْ صَبَّه
اللهُ عَلْقَمُ
كَمَا قَالُوا فِي مِن وعَن وَلَا تَصْرِيفَ لَهُما فَقَالُوا مِنِّي
أَحْسَنُ مِن مِنِّكَ، فَزَادُوا نُونًا مَعَ النُّونِ. أَبو
الْهَيْثَمِ: بَنُو أَسد تُسَكِّن هِي وهُو فَيَقُولُونَ هُو زيدٌ وهِي
هِنْد، كأَنهم حَذَفُوا الْمُتَحَرِّكَ، وَهِي قَالَتْهُ وهُو قَالَهُ؛
وأَنشد:
وكُنَّا إِذا مَا كانَ يَوْمُ كَرِيهةٍ، ... فَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي
وهُو فَتَيانِ
فأَسكن. وَيُقَالُ: ماهُ قالَه وماهِ قالَتْه، يُرِيدُونَ: مَا هُو
وَمَا هِيَ؛ وأَنشد:
دارٌ لسَلْمَى إِذْهِ مِنْ هَواكا
فَحَذَفَ يَاءَ هِيَ. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إِنَّه لَهْوَ أَو الحِذْلُ
«2» عَنَى اثْنَيْنِ، وإِنَّهُمْ لَهُمْ أَو الحُرَّةُ دَبِيباً،
يُقَالُ هَذَا إِذا أَشكل عَلَيْكَ الشَّيْءُ فَظَنَنْتَ الشَّخْصَ
شَخْصَيْنِ. الأَزهري: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُشَدِّدُ الْوَاوَ مِنْ
هُوّ وَالْيَاءَ مِنْ هِيَّ؛ قَالَ:
أَلا هِيَّ أَلا هِي فَدَعْها، فَإِنَّما ... تَمَنِّيكَ مَا لَا
تَسْتَطِيعُ غُرورُ
الأَزهري: سِيبَوَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ إِذا قُلْتَ يَا
أَيُّها الرَّجُلُ فأَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ
لأَنه مُنَادَى مُفْرَدٌ، وَالرَّجُلُ صِفة لأَيّ، تَقُولُ يَا أَيُّها
الرَّجلُ أَقْبِلْ، وَلَا يَجُوزُ يَا الرجلُ لأَنَّ يَا تَنْبيهٌ
بِمَنْزِلَةِ التَّعْرِيفِ فِي الرَّجُلِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ يَا
وَبَيْنَ الأَلف وَاللَّامِ،
__________
(2) . قوله [أو الحذل] رسم في الأَصل تحت الحاء حاء أخرى إشارة إلى عدم
نقطها وهو بالكسر والضم الأَصل، ووقع في الميداني بالجيم وفسره بأصل
الشجرة.
(15/478)
فتَصِلُ إِلى الأَلف وَاللَّامِ بأَيٍّ،
وَهَا لازِمةٌ لأَيٍّ لِلتَّنْبِيهِ، وَهِيَ عِوَضٌ مِنَ الإِضافة فِي
أَيٍّ لأَن أَصل أَيٍّ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلى الِاسْتِفْهَامِ
وَالْخَبَرِ. وَتَقُولُ للمرأَةِ: يَا أَيَّتُها المرأَةُ، والقرّاء
كلهم قَرَؤُوا: أَيُّها وَيَا أَيُّها الناسُ وأَيُّها الْمُؤْمِنُونَ،
إِلا ابنَ عَامِرٍ فإِنه قرأَ أَيُّهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَيْسَتْ
بجَيِّدةٍ، وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: هِيَ لُغَةٌ؛ وأَما قَوْلُ جَرير:
يقولُ لِي الأَصْحابُ: هَلْ أَنتَ لاحِقٌ ... بأَهْلِكَ؟ إِنَّ
الزَّاهِرِيَّةَ لَا هِيا
فَمَعْنَى لَا هِيا أَي لَا سَبِيلَ إِليها، وَكَذَلِكَ إِذا ذكَر
الرَّجُلُ شَيْئًا لَا سَبِيلَ إِليه قَالَ لَهُ المُجِيبُ: لَا هُوَ
أَي لَا سَبِيلَ إِليه فَلَا تَذْكُرْهُ. وَيُقَالُ: هُوَ هُوَ أَي
هُوَ مَن قَدْ عرَفْتُهُ. وَيُقَالُ: هِيَ هِيَ أَي هِيَ الداهِيةُ
الَّتِي قَدْ عَرَفْتُها، وَهُمُ هُمْ أَي هُمُ الَّذِينَ عَرَفْتُهم؛
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
رَفَوْني وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ لَم تُرَعْ؟ ... فقُلتُ
وأَنْكَرْتُ الوجوهَ: هُمُ هُمُ
وَقَوْلُ الشَّنْفَرَى:
فإِنْ يكُ مِن جِنٍّ لأَبْرَحُ طارِقاً، ... وإِنْ يَكُ إِنْساً مَا
كَها الإِنْسُ تَفْعَلُ
أَي مَا هَكَذَا الإِنْسُ تَفْعَل؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
لَنا الغَوْرُ والأَعْراضُ فِي كلِّ صَيْفةٍ، ... فذَلِكَ عَصْرٌ قَدْ
خَلا هَا وَذا عَصْرُ
أَدخلَ هَا التَّنْبِيهِ؛ وَقَالَ كَعْبٌ:
عادَ السَّوادُ بَياضاً فِي مَفارقِهِ، ... لَا مَرْحَباً هَا بِذَا
اللَّوْنِ الَّذِي رَدَفا
كأَنه أَراد لَا مَرْحَباً بِهَذَا اللَّوْنِ، فَفَرَقَ بَيْنَ هَا
وَذَا بالصِّفة كَمَا يفْرُقون بَيْنَهُمَا بِالْاسْمِ: هَا أَنا وَهَا
هُوَ ذَا. الْجَوْهَرِيُّ: وَالْهَاءُ قَدْ تَكُونُ كِنايةً عَنِ
الغائبِ والغائِبة، تَقُولُ: ضَرَبَه وضَرَبها، وَهُوَ للمُذكَّر،
وهِيَ للمُؤنثِ، وإِنما بَنَوا الواوَ فِي هُوَ وَالْيَاءَ فِي هِيَ
عَلَى الْفَتْحِ ليَفْرُقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ
الَّتِي هِيَ مِن نَفْسِ الْاسْمِ المَكْنِيِّ وَبَيْنَ الْوَاوِ
وَالْيَاءِ اللَّتَيْنِ تَكُونَانِ صِلَةً فِي نَحْوِ قَوْلِكَ
رأَيْتُهو ومَرَرْتُ بِهِي، لأَن كُلَّ مَبْنِيّ فَحَقُّهُ أَن يُبْنى
عَلَى السُّكُونِ، إِلا أَن تَعْرِضَ عِلَّة تُوجِبُ الحَركة،
وَالَّذِي يَعْرِضُ ثلاثةُ أَشياء: أَحَدُها اجتماعُ الساكِنَيْنِ
مِثْلُ كَيْفَ وأَيْن، وَالثَّانِي كَوْنُهُ عَلَى حَرْف وَاحِدٍ
مِثْلَ الْبَاءِ الزَّائِدَةِ، والثالثُ الفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
غَيْرِهِ مِثْلَ الفِعل الماضِي يُبْنى عَلَى الْفَتْحِ، لأَنه ضارَعَ
بعضَ المُضارعةِ فَفُرِقَ بالحَركة بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ
يُضارِعْ، وَهُوَ فِعْلُ الأَمْرِ المُواجَهِ بِهِ نَحْوَ افْعَلْ؛
وأَما قولُ الشَّاعِرُ:
مَا هِيَ إِلا شَرْبةٌ بالحَوْأَبِ، ... فَصَعِّدِي مِنْ بَعْدِها أَو
صَوِّبي
وَقَوْلُ بِنْتِ الحُمارِس:
هَلْ هِيَ إِلَّا حِظةٌ أَو تَطْلِيقْ، ... أَو صَلَفٌ مِنْ بَينِ ذاكَ
تَعْلِيقْ؟
فإِنَّ أَهل الْكُوفَةِ قَالُوا هِيَ كِنايةٌ عَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ،
وأَهل البَصرة يَتأَوَّلُونها القِصَّة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
وَضَمِيرُ الْقِصَّةِ والشأْن عِنْدَ أَهل الْبَصْرَةِ لَا يُفَسِّره
إِلا الجماعةُ دُونَ المُفْرَد. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقِفُ
عَلَى كُلِّ هاءِ مؤنَّث بِالْهَاءِ إِلا طَيِّئاً فإِنهم يَقِفون
عَلَيْهَا بِالتَّاءِ فَيَقُولُونَ هَذِهِ أَمَتْ وجاريَتْ وطَلْحَتْ،
وإِذا أَدْخَلْتَ الْهَاءَ فِي النُّدْبة أَثْبَتَّها فِي الوقْف
وحذفْتها فِي الْوَصْلِ، ورُبما ثَبَتَتْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ
فتُضَمُّ كالحَرْف الأَصليّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فتُضَمُّ
كَهَاءِ الضَّمِيرِ فِي عَصاهُ ورَحاهُ، قَالَ: وَيَجُوزُ
(15/479)
كَسْرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ،
هَذَا عَلَى قَوْلِ أَهل الْكُوفَةِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
يَا ربِّ يَا رَبَّاهُ إِيَّاكَ أَسَلْ ... عَفْراء، يَا رَبَّاهُ مِنْ
قَبْلِ الأَجلْ
وَقَالَ قَيْسِ بنُ مُعاذ الْعَامِرِيُّ، وَكَانَ لمَّا دخلَ مَكَّةَ
وأَحْرَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ جَعَلَ يَسْأَلُ رَبَّه
فِي لَيْلى، فَقَالَ لَهُ أَصحابه: هَلَّا سأَلتَ اللَّهَ فِي أَن
يُريحَكَ مِنْ لَيْلى وسأَلْتَه المَغْفرةَ فَقَالَ:
دَعا المُحْرمُونَ اللهَ يَسْتَغْفِرُونَه، ... بِمكَّةَ، شُعْثاً كَيْ
تُمحَّى ذُنُوبُها
فَنادَيْتُ: يَا رَبَّاهُ أَوَّلَ سَأْلَتي ... لِنَفْسِيَ لَيْلى،
ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُها
فإِنْ أُعْطَ لَيْلى فِي حَياتِيَ لَا يَتُبْ، ... إِلى اللهِ، عَبْدٌ
تَوْبةً لَا أَتُوبُها
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشِّعْرِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ بحُجة عِنْدَ
أَهل الْبَصْرَةِ، وَهُوَ خارجٌ عَنِ الأَصل، وَقَدْ تُزَادُ الْهَاءُ
فِي الْوَقْفِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ نَحْوَ لِمَهْ وسُلْطانِيَهْ
ومالِيَهْ وثُمَّ مَهْ، يَعْنِي ثُمَّ مَاذَا، وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ
الْهَاءُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا قَالَ:
هُمُ القائلونَ الخَيرَ والآمِرُونَهُ، ... إِذا مَا خَشَوْا مِن
مُعْظَمِ الأَمرِ مُفْظِعا «1»
فأَجْراها مُجْرَى هَاءِ الإِضمار، وَقَدْ تَكُونُ الْهَاءُ بَدَلًا
مِنَ الْهَمْزَةِ مَثْلَ هَراقَ وأَراقَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
ثَلَاثَةُ أَفعال أَبْدَلوا مِنْ هَمْزَتِهَا هَاءً، وَهِيَ: هَرَقْت
الْمَاءَ، وهَنَرْتُ الثَّوْبَ «2» وهَرَحْتُ الدابَّةَ، وَالْعَرَبُ
يُبْدِلون أَلف الْاسْتِفْهَامِ هَاءً؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ
غَيْرَنا وجَفانا
يَعْنِي أَذا الَّذِي، وَهَا كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ، وَقَدْ كَثُرَ
دُخُولُهَا فِي قَوْلِكَ ذَا وذِي فَقَالُوا هَذَا وهَذِي وهَذاك
وهَذِيك حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَا لِمَا بَعُدَ وَهَذَا
لِمَا قَرُبَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَا إِنَّ هَاهُنا عِلْماً، وأَوْمَأَ
بِيَدِه إِلى صَدْرِه، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلةً
؛ هَا، مَقْصورةً: كلمةُ تَنبيه للمُخاطَب يُنَبَّه بِهَا عَلَى مَا
يُساقُ إِليهِ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَالُوا: هَا السَّلامُ عَلَيْكُمْ،
فَهَا مُنَبِّهَةٌ مؤَكِّدةٌ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
وقَفْنا فقُلنا: هَا السَّلامُ عليكُمُ ... فأَنْكَرَها ضَيقُ
المَجَمِّ غَيُورُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
هَا إِنَّها إِنْ تَضِقِ الصُّدُورُ، ... لَا يَنْفَعُ القُلُّ وَلَا
الكَثِيرُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَا اللهِ، يُجْرَى مُجْرى دابَّةٍ فِي
الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَقَالُوا: هَا أَنْتَ تَفْعَلُ كَذَا.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ*
وهأَنْتَ، مَقْصُورٌ. وَهَا، مَقْصُورٌ: للتَّقْريب، إِذا قِيلَ لَكَ
أَيْنَ أَنْتَ فَقُلْ هَا أَنا ذَا، والمرأَةُ تَقُولُ هَا أَنا ذِهْ،
فإِن قِيلَ لَكَ: أَيْنَ فُلَانٌ؟ قلتَ إِذا كَانَ قَرِيبًا: هَا هُو
ذَا، وإِن كَانَ بَعِيداً قُلْتَ: هَا هُوَ ذَاكَ، وللمرأَةِ إِذا
كَانَتْ قَريبة: هَا هِيَ ذِهْ، وإِذا كَانَتْ بَعِيدَةً: هَا هِيَ
تِلْكَ، والهاءُ تُزادُ فِي كلامِ الْعَرَبِ عَلَى سَبْعة أَضْرُب:
أَحدها للفَرْقِ بَيْنَ الْفَاعِلِ والفاعِلة مثل
__________
(1) . قوله [من معظم الأمر إلخ] تبع المؤلف الجوهري، وقال الصاغاني
والرواية: مِنْ مُحْدَثِ الأَمر مُعْظَمَا، قال: وهكذا أنشده سيبويه.
(2) . قوله [وهنرت الثوب] صوابه النار كما في مادة هرق.
(15/480)
ضارِبٍ وضارِبةٍ، وكَريمٍ وكَرِيمةٍ،
وَالثَّانِي لِلْفَرْقِ بَيْنَ المُذَكَّر والمُؤَنث فِي الْجِنْسِ
نَحْوَ امْرئٍ وامرأَةٍ، وَالثَّالِثُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاحِدِ
وَالْجَمْعِ مِثْلَ تَمْرة وتَمْر وبَقَرةٍ وبَقَر، وَالرَّابِعُ
لتأْنيث اللَّفْظَةِ وإِن لَمْ يَكُنْ تحتَها حَقيقةُ تَأْنيث نَحْوَ
قِرْبةٍ وغُرْفةٍ، وَالْخَامِسُ للمُبالَغةِ مِثْلُ عَلَّامةٍ ونسّابةٍ
فِي المَدْح وهِلْباجةٍ وفَقاقةٍ فِي الذَّمِّ، فَمَا كَانَ مِنْهُ
مَدْحاً يَذْهَبُونَ بتأْنيثه إِلى تأْنيث الْغَايَةِ والنِّهاية
والداهِية، وَمَا كَانَ ذَمّاً يَذْهَبُونَ فِيهِ إِلى تأْنيث
البَهِيمةِ، وَمِنْهُ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ
نَحْوَ رَجُل مَلُولةٌ وامرأَةٌ مَلُولةٌ، وَالسَّادِسُ مَا كَانَ
وَاحِدًا مِنْ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ والأُنثى نَحْوَ
بَطَّة وحَيَّة، وَالسَّابِعُ تَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ لِثَلَاثَةِ
أَوجه: أَحدها أَن تَدُلَّ عَلَى النَّسب نَحْوَ المَهالِبة،
وَالثَّانِي أَن تَدُلَّ عَلَى العُجْمةِ نَحْوَ المَوازِجةِ
والجَوارِبةِ وَرُبَّمَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْهَاءُ كَقَوْلِهِمْ
كَيالِج، وَالثَّالِثُ أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ
نَحْوَ المَرازِبة والزَّنادِقة والعَبادِلةِ، وَهُمْ عبدُ اللهِ بْنِ
عَبَّاسٍ وعبدُ اللَّهِ بنُ عُمَر وعبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْر. قَالَ
ابْنُ بَرِّيٍّ: أَسقط الْجَوْهَرِيُّ مِنَ العَبادِلة عبدَ اللهِ بنَ
عَمْرو بْنَ الْعَاصِ، وَهُوَ الرَّابِعُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وَقَدْ تَكُونُ الْهَاءُ عِوضاً مِنَ الْوَاوِ الذاهِبة مِنْ فَاءِ
الْفِعْلِ نَحْوَ عِدةٍ وصِفةٍ، وَقَدْ تَكُونُ عِوَضًا مِنَ الْوَاوِ
وَالْيَاءِ الذَّاهِبَةِ مِنْ عَيْن الْفِعْلِ نَحْوَ ثُبةِ الحَوْضِ،
أَصله مِنْ ثابَ الماءُ يَثُوبُ ثَوْباً، وَقَوْلُهُمْ أَقام إِقامةً
وأَصله إِقْواماً، وَقَدْ تَكُونُ عِوَضًا مِنَ الْيَاءِ الذَّاهِبَةِ
مِنْ لَامِ الْفِعْلِ نَحْوَ مِائةٍ ورِئةٍ وبُرةٍ، وَهَا التَّنبيهِ
قَدْ يُقْسَمُ بها فيقال: لا ها اللهِ مَا فَعَلتُ أَي لَا واللهِ،
أُبْدِلَتِ الْهَاءُ مِنَ الْوَاوِ، وإِن شِئْتَ حَذَفْتَ الأَلف
الَّتِي بعدَ الْهَاءِ، وإِن شِئْتَ أَثْبَتَّ، وقولهم: لا ها اللهِ
ذَا، بِغَيْرِ أَلفٍ، أَصلُه لَا واللهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ،
ففَرقْتَ بَيْنَ هَا وَذَا وجَعَلْتَ اسْمَ اللَّهِ بَيْنَهُمَا
وجَرَرْته بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا واللهِ مَا
فعَلْتُ هَذَا، فحُذِفَ واخْتُصِر لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذَا
فِي كَلَامِهِمْ وقُدِّم هَا كَمَا قُدِّم فِي قَوْلِهِمْ هَا هُو ذَا
وهأَنَذا؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
تَعَلَّماً هَا لَعَمْرُ اللهِ ذَا قَسَماً، ... فاقْصِدْ بذَرْعِكَ
وانْظُرْ أَينَ تَنْسَلِكُ «1»
وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتادةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يومَ حُنَينٍ: قَالَ أَبو
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا ها اللهِ إِذاً لَا يَعْمِدُ إِلى
أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقاتِلُ عَنِ اللهِ ورسولِه فيُعْطِيكَ
سَلَبَه
؛ هَكَذَا جاء الحديث لا ها اللهِ إِذاً، «2» ، والصواب لا ها اللهِ
ذَا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَمَعْنَاهُ لَا واللهِ لَا يكونُ ذَا وَلَا
واللهِ الأَمرُ ذَا، فحُذِفَ تَخْفِيفًا، وَلَكَ فِي أَلف هَا
مَذْهبان: أَحدهما تُثْبِتُ أَلِفَها لأَن الَّذِي بَعْدَهَا مُدْغَمٌ
مثلُ دابةٍ، وَالثَّانِي أَن تَحْذِفَها لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وهاءِ: زَجْرٌ للإِبل ودُعاء لَهَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ
إِذا مدَدْتَ، وَقَدْ يُقْصَرُ، تَقُولُ هاهَيْتُ بالإِبل إِذا
دَعَوْتَها كَمَا قُلْنَاهُ فِي حاحَيْتُ، وَمَنْ قَالَ هَا فَحَكَى
ذَلِكَ قَالَ هاهَيْتُ. وهاءَ أَيضاً: كَلِمَةُ إِجابة وتَلْبِيةٍ،
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. الأَزهري: قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي
كَلَامِ الْعَرَبِ هاءَ وهاكَ بِمَنْزِلَةِ حَيَّهَلَ وحَيَّهلَك،
وَكَقَوْلِهِمُ النَّجاكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْكَافُ لَمْ تَجِئْ
عَلَماً للمأْمورين والمَنْهِيِّينَ والمُضْمَرِين، وَلَوْ كَانَتْ
عَلَمًا لمُضْمَرِين لَكَانَتْ خَطَأً لأَن المُضْمَرَ هُنَا فاعِلون،
وعلامةُ الْفَاعِلِينَ الْوَاوُ كَقَوْلِكَ افْعَلُوا، وإِنما هَذِهِ
الْكَافُ تَخْصِيصًا وَتَوْكِيدًا وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَلَوْ كَانَتِ
اسْمًا لكان
__________
(1) . في ديوان النابغة: تعلَّمَنْ بدل تعلَّماً
(2) . قوله [لا ها الله إِذاً] ضبط في نسخة النهاية بالتنوين كما ترى.
(15/481)
النَّجاكُ مُحالًا لأَنك لَا تُضِيفُ فِيهِ
أَلفاً وَلَامًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَافُ ذلكَ لَيْسَ بِاسْمٍ. ابْنُ
الْمُظَفَّرِ: الْهَاءُ حَرْفٌ هَشٌّ لَيِّنٌ قَدْ يَجِيءُ خَلَفاً
مِنَ الأَلف الَّتِي تُبْنَى لِلْقَطْعِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الرَّجُلَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعْطى كِتابه بيَمِينه، فإِذا قرأَه رأَى فِيهِ
تَبْشِيرَه بِالْجَنَّةِ فيُعْطِيه أَصْحابَهُ فَيَقُولُ هاؤُمُ
اقْرَؤوا كِتابي أَي خُذُوه واقْرؤوا مَا فِيه لِتَعْلَمُوا فَوْزي
بِالْجَنَّةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنِّي ظَنَنْتُ، أَي
عَلِمْتُ، أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ.
وَفِي هَاءٍ بِمَعْنَى خُذْ لغاتٌ مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ ابْنُ
السِّكِّيتِ: يُقَالُ هاءَ يَا رَجُل، وهاؤُما يَا رجلانِ، وهاؤُمْ يَا
رِجالُ. وَيُقَالُ: هاءِ يَا امرأَةُ، مَكْسُورَةً بِلَا يَاءٍ،
وهائِيا يَا امرأَتانِ، وهاؤُنَّ يَا نِسْوةُ؛ وَلُغَةٌ ثَانِيَةٌ:
هَأْ يَا رَجُلُ، وهاءَا بِمَنْزِلَةِ هَاعَا، وللجمع هاؤُوا، وللمرأَة
هَائِي، وَلِلتَّثْنِيَةِ هاءَا، وَلِلْجَمْعِ هَأْنَ، بِمَنْزِلَةِ
هَعْنَ؛ وَلُغَةٌ أُخرى: هاءِ يَا رَجُلُ، بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ،
وَلِلْاثْنَيْنِ هائِيا، وللجمع هاؤُوا، وللمرأَة هَائِي،
وَلِلثِّنْتَيْنِ هائِيا، وَلِلْجَمْعِ هائِينَ، قَالَ: وإِذا قلتُ
لَكَ هاءَ قلتَ مَا أَهاءُ يَا هَذَا، وَمَا أَهاءُ أَي مَا آخُذُ
وَمَا أُعْطِي، قَالَ: ونحوَ ذَلِكَ قَالَ الْكِسَائِيُّ، قَالَ:
وَيُقَالُ هاتِ وهاءِ أَي أَعْطِ وَخُذْ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَفِي أَيامِ هاتِ بهاءِ نُلْفَى، ... إِذا زَرِمَ النَّدَى،
مُتَحَلِّبِينا
قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هاكَ هَذَا يَا رَجُلُ،
وَهَاكُمَا هَذَا يَا رجُلان، وهاكُمْ هَذَا يَا رجالُ، وهاكِ هَذَا
يَا امرأَةُ، وهاكُما هَذَا يَا امْرأَتان، وهاكُنَّ يَا نِسْوةُ. أَبو
زَيْدٍ: يُقَالُ هاءَ يَا رَجُلُ، بِالْفَتْحِ، وهاءِ يَا رَجُلُ
بِالْكَسْرِ، وهاءَا لِلْاثْنَيْنِ فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا
بِالْفَتْحِ، وَلَمْ يَكْسِروا في الاثنين، وهاؤُوا فِي الْجَمْعِ؛
وأَنشد:
قُومُوا فَهاؤُوا الحَقَّ نَنْزِلْ عِنْدَه، ... إِذْ لَمْ يَكُنْ
لَكُمْ عَليْنا مَفْخَرُ
وَيُقَالُ هاءٍ، بِالتَّنْوِينِ؛ وَقَالَ:
ومُرْبِحٍ قالَ لِي: هاءٍ فَقُلْتُ لَهُ: ... حَيَّاكَ رَبِّي لَقدْ
أَحْسَنْتَ بِي هَائِي «3»
قَالَ الأَزهري: فَهَذَا جَمِيعُ مَا جَازَ مِنَ اللُّغَاتِ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ. وأَما الْحَدِيثِ الَّذِي جاءَ فِي الرِّبا:
لَا تَبيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهبِ إِلَّا هاءَ وَهَاءَ
، فَقَدِ اختُلف فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَن يَقُولَ
كلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَبايِعَيْن هاءَ أَي خُذْ فيُعْطِيه مَا فِي
يَدِهِ ثُمَّ يَفْترقان، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هاكَ وهاتِ أَي خُذْ
وأَعْطِ، قَالَ: وَالْقَوْلُ هُوَ الأَولُ. وَقَالَ الأَزهري فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ:
لَا تَشْتَرُوا الذَّهب بالذَّهب إِلَّا هاءَ وَهَاءَ
أَي إِلَّا يَداً بيدٍ، كما جاء في حديث الْآخَرِ يَعْنِي مُقابَضةً
فِي الْمَجْلِسِ، والأَصلُ فِيهِ هاكَ وهاتِ كَمَا قَالَ:
وجَدْتُ الناسَ نائِلُهُمْ قُرُوضٌ ... كنَقْدِ السُّوقِ: خُذْ مِنِّي
وهاتِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصحاب الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ هَا وَهَا،
ساكنةَ الأَلف، وَالصَّوَابُ مَدُّها وفَتْحُها لأَن أَصلها هاكَ أَي
خُذْ، فحُذفَت الْكَافُ وعُوِّضت مِنْهَا الْمُدَّةُ وَالْهَمْزَةُ،
وَغَيْرُ الْخَطَّابِيِّ يُجِيزُ فِيهَا السُّكُونَ عَلَى حَذْفِ
العِوَضِ وتَتَنزَّلُ مَنْزِلةَ هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ؛ وَمِنْهُ
حَدِيثُ
عُمَرَ لأَبي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَا وإِلَّا
جَعَلْتُكَ عِظةً
أَي هاتِ منْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى قَوْلِكَ. الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ
فِي الْاسْتِفْهَامِ إِذا كَانَ بِهَمْزَتَيْنِ أَو بِهَمْزَةٍ
مُطَوَّلَةٍ بِجَعْلِ الْهَمْزَةِ الأُولى هاء، فيقال
__________
(3) . قوله [ومربح] كذا في الأَصل بحاء مهملة.
(15/482)
هأَلرجُل فَعلَ ذَلِكَ، يُريدون آلرَّجُلُ
فَعل ذَلِكَ، وهأَنت فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرَيْنِ
هالذَّكَرَيْن، فإِن كَانَتْ لِلْاسْتِفْهَامِ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ
وَاحِدَةٍ فإِن أَهل اللُّغَةِ لَا يَجْعَلُونَ الْهَمْزَةَ هَاءً
مِثْلَ قَوْلِهِ: أَتَّخَذْتُم، أَصْطفى، أَفْتَرى، لَا يَقُولُونَ
هاتَّخَذْتم، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلت لكانتْ. وطيِءٌ تَقُولُ:
هَزَيْدٌ فَعَلَ ذَلِكَ، يُريدون أَزيدٌ فَعَلَ ذَلِكَ. وَيُقَالُ:
أَيا فلانُ وهَيا فلانُ؛ وأَما قَوْلُ شَبيب بْنِ البَرْصاء:
نُفَلِّقُ، هَا مَنْ لَمْ تَنَلْه رِماحُنا، ... بأَسْيافِنا هامَ
المُلوكِ القَماقِمِ
فإِنَّ أَبا سَعِيدٍ قَالَ: فِي هَذَا تَقْدِيمٌ مَعْنَاهُ التأُخر
إِنما هُوَ نُفَلِّقُ بأَسيافنا هامَ المُلوك القَماقِمِ، ثُمَّ قَالَ:
هَا مَنْ لَمْ تَنَلْه رِماحُنا، فَهَا تَنْبِيه.
هلا
: هَلا: زجر للخيل أَي تَوَسَّعي وتَنحَّيْ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي
الْمُعْتَلِّ لأَن هَذَا بَابٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَلِفات غَيْرِ
مُنْقَلِبات مِنْ شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَلا لامُه يَاءٌ
فَذَكَرْنَاهُ في المعتل.
هنا
: هُنا: ظَرْفُ مَكَانٍ، تَقُولُ جَعَلْتُه هُنا أَي فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ. وهَنَّا بِمَعْنَى هُنا: ظَرْفٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: إِنَّ هَاهُنا عِلْماً، وأَوْمَأَ بيَدِه
إِلى صَدْرِه، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلةً
؛ هَا، مَقصورة: كلمة تَنْبِيه للمُخاطَب يُنَبَّه بِهَا عَلَى مَا
يُساقُ إِليه مِنَ الْكَلَامِ. ابن السكيت: هُنا هَاهُنا موضعٌ
بِعَيْنِهِ. أَبو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ: هُنا اسْمُ مَوْضِعٍ فِي
الْبَيْتِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَوْمَ هُنا أَي يَوْمَ الأَوَّل؛ قَالَ:
إِنَّ ابْنَ عاتِكَة المَقْتُولَ، يَوْمَ هُنا، ... خَلَّى عَليَّ
فِجاجاً كانَ يَحْمِيها
قَوْلُهُ: يَوْمَ هُنا هُوَ كَقَوْلِكَ يَوْمَ الأَوَّلِ؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وحَديثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا
قَالَ: هُنا اسْمُ مَوْضِعٍ غيرُ مَصْرُوف لأَنه لَيْسَ فِي الأَجْناس
مَعْرُوفًا، فَهُوَ كجُحَى، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي بَابِ
الْمُعْتَلِّ. غَيْرُهُ: هُنا وهُناك لِلْمَكَانِ وهُناك أَبْعَدُ مِنْ
هاهُنا. الْجَوْهَرِيُّ: هُنا وهَاهُنا لِلتَّقْرِيبِ إِذا أَشرتَ إِلى
مَكَانٍ، وهُناك وهُنالِكَ للتَّبْعِيدِ، وَاللَّامِ زَائِدَةٌ
وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى التَّبْعِيدِ،
تُفْتَحُ للمذَكَّرِ وَتُكْسَرُ للمُؤَنَّثِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يقال
اجْلِسْ هاهُنا أَي قريباً، وتَنَحَّ هاهُنا أَي تَباعَدْ أَو ابْعُدْ
قليلًا، قال: وهَاهِنَّا أَيضاً تَقَوَّلَهُ قَيْسٌ وتَمِيمٌ. قَالَ
الأَزهري: وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ قَيْسٍ يَقُولُونَ اذْهَبْ
هَاهَنَّا بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَلَمْ أَسْمَعْها بِالْكَسْرِ مِنْ
أَحد. ابْنُ سِيدَهْ: وَجَاءَ مِنْ هَني أَي مِنْ هُنا، قَالَ: وجِئتُ
مِنْ هَنَّا وَمِنْ هِنَّا. وهَنَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ: معناه
هَاهُنا. وهَنَّاك أَي هُناك؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
لَمَّا رأَيت مَحْمِلَيْها هَنَّا
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَجَمَّعُوا مِنْ هَنَّا ومِنْ هَنَّا أَي من
هَاهُنا ومن هَاهُنا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
حَنَّت نَوارُ، ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ، ... وبَدا الَّذِي كانَتْ نَوارُ
أَجَنَّتِ
يَقُولُ: لَيْسَ ذَا مَوْضِعَ حَنِينٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ
لجَحْل بْنِ نَضْلَة وَكَانَ سَبى النَّوارَ بنتَ عمْرو بْنِ كُلْثوم؛
وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:
أَفِي أَثَرِ الأَظْعانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ؟ ... نَعَمْ لاتَ هَنَّا،
إنَّ قَلْبَكَ مِتْيَحُ
(15/483)
يَعْنِي لَيْسَ الأَمر حَيْثُمَا ذَهَبْتَ؛
وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي:
قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، ... مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ
إِنما أَراد: وَمِنْ هُنا فأَبدل الأَلف هَاءً، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ
وها هُنَهْ لأَن قَبْلَهُ أَمْكِنَهْ، فَمِنَ المُحال أَن تَكُونَ
إِحْدَى الْقَافِيَتَيْنِ مُؤَسَّسَةً والأُخرى غَيْرَ مؤسسة.
وهَاهِنَّا أَيضاً تَقَوَّلَهُ قَيْسٌ وَتَمِيمٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ
إِذَا أَرادت البُعْد: هَنَّا وهَاهَنَّا وهَنَّاكَ وهَاهَنَّاك،
وَإِذَا أَرادت الْقُرْبَ قَالَتْ: هُنا وهَاهُنا. وتقول للحبيب:
هَاهُنا وهُنا أَي تَقَرَّبْ وادْنُ، وفي ضدّه للبَغِيض: هَاهَنَّا
وهَنَّا أَي تَنَحَّ بَعِيداً؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ يَهْجُو أُمه:
فهَاهَنَّا اقْعُدِي مِني بَعِيداً، ... أَراحَ اللهُ مِنْكِ
العالَمِينا «1»
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ فَلَاةً بَعِيدةَ الأَطْراف بعيدةَ
الأَرجاء كَثِيرَةَ الخَيرِ:
هَنَّا وهَنَّا ومِنْ هَنَّا لَهُنَّ بِهَا، ... ذاتَ الشَّمائلِ
والأَيْمانِ، هَيْنُومُ
الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم:
هَنَّا وهَنَّا عَنْ جِمالِ وَعْوَعَهْ «2»
كَمَا تَقُولُ: كلُّ شَيْءٍ وَلَا وَجَع الرأْسِ، وكلُّ شَيْءٍ وَلَا
سَيْف فَراشةَ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إِذَا سَلِمْتُ وسَلِمَ
فُلَانٌ فَلَمْ أَكْتَرِثْ لغَيرِه؛ وَقَالَ شَمِرٌ: أَنشدنا ابْنُ
الأَعرابي لِلْعَجَّاجِ:
وكانتِ الحَياةُ حِينَ حَيَّتِ، ... وذِكْرُها هَنَّتْ فلاتَ هَنَّتِ
أَراد هَنَّا وهَنَّهْ فَصَيَّرَهُ هَاءً لِلْوَقْفِ. فلاتَ هَنَّتْ
أَي لَيْسَ ذَا موضعَ ذَلِكَ وَلَا حِينَه، فَقَالَ هَنَّت بِالتَّاءِ
لَمَّا أَجرى الْقَافِيَةَ لأَن الْهَاءَ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ؛
وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرةَ أَمَّنْ ... جَاءَ مِنْها بطائفِ
الأَهوالِ «3»
قَالَ الأَزهري: وَقَدْ مَضَى مِنْ تَفْسِيرِ لاتَ هَنَّا فِي
الْمُعْتَلِّ مَا ذُكِرَ هُناك لأَن الأَقرب عِنْدِي أَنه مِنَ
المُعْتَلَّاتِ؛ وتقَدّم فِيهِ:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ، ... وأَنَّى لكِ مَقْروعُ
رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ:
وكانتِ الحَياةُ حِينَ حُبَّتِ
يَقُولُ: وَكَانَتِ الحياةُ حِينَ تُحَبُّ. وذِكْرُها هَنَّتْ،
يَقُولُ: وذِكرُ الحَياةِ هُناكَ وَلَا هُنَاكَ أَي لِليأْس مِنَ
الْحَيَاةِ؛ قَالَ وَمَدَحَ رَجُلًا بِالْعَطَاءِ:
هَنَّا وهَنَّا وَعَلَى المَسْجوحِ
أَي يُعْطِي عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَعَلَى المَسْجُوح أَي عَلَى
القَصْد؛ أَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
حَنَّتْ نَوارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ، ... وبَدا الَّذِي كانتْ نَوارُ
أَجَنَّتِ
أَي لَيْسَ هَذَا موضعَ حَنِينٍ وَلَا فِي موضِع الحَنِينِ حَنَّتْ؛
وأَنشد لبَعضِ الرُّجَّازِ
__________
(1) . في ديوان الحطيئة: تَنَحّي، فاجلسي مني بعيداً، إلخ.
(2) . قوله [هنا وهنا إلخ] ضبط في التهذيب بالفتح والتشديد في الكلمات
الثلاث، وقال في شرح الأشموني: يروى الأول بالفتح والثاني بالكسر
والثالث بالضم، وقال الصبان عن الروداني: يروى الفتح في الثلاث.
(3) . قوله [جبيرة] ضبط في الأصل بما ترى وضبط في نسخة التهذيب بفتح
فكسر، وبكل سمت العرب
(15/484)
:
لمَّا رأَيتُ مَحْمِلَيْها هَنَّا ... مُخَدَّرَيْنِ، كِدْتُ أَنْ
أُجَنَّا
قوله هَنَّا أَي هَاهَنَّا، يُغَلِّطُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَوْلُهُمْ فِي النِّدَاءِ: يَا هَنَّاه بزيادة هاء فِي آخِرِهِ،
وتصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا مَا
انْتَقَدَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ فِي
تَرْجَمَةِ هُنَا فِي المُعْتَلّ. وهُنا: اللَّهْوُ واللَّعِبُ، وَهُوَ
مَعْرِفةٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
وحَدِيثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا، ... وحَدِيثٌ مَّا عَلَى قِصَرِهْ
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: هَنا وهَنْتَ بِمَعْنَى أَنا وأَنتَ،
يَقْلِبون الْهَمْزَةَ هَاءً وَيُنْشِدُونَ بَيْتَ الأَعشى:
يَا ليتَ شِعْرِي هَلْ أَعُودنْ ناشِئاً ... مِثْلي، زُمَيْنَ هَنا
بِبُرْقةِ أَنْقَدا؟
ابْنُ الأَعرابي: الهُنا الحَسَبُ الدَّقِيقُ الخَسِيسُ؛ وأَنشد:
حاشَى لفرْعَيْكَ مِن هُنا وهُنا، ... حاشَى لأَعْراقِكَ الَّتِي
تَشبحُ
هيا
: هَيا: مِنْ حروفِ النَّداء، وأَصلها أَيا مِثْلُ هَراقَ وأَراقَ؛
قَالَ الشَّاعِرُ:
فأَصاخَ يَرْجُو أَن يَكُونَ حَيّاً، ... ويقولُ مِنْ طَرَبٍ: هَيا
رَبَّا
وا
: الْوَاوُ: مِنْ حُرُوفِ المُعْجم، وَوَوٌ حرفُ هِجَاءٍ «1» واوٌ:
حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ وواو، وهي حرف
مهجور يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا، فالأَصل نَحْوُ وَرَلٍ
وسَوْطٍ ودَلْوٍ، وَتُبْدَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحرف وَهِيَ الْهَمْزَةُ
والأَلف وَالْيَاءُ، فأَما إِبْدَالُهَا مِنَ الْهَمْزَةِ فَعَلَى
ثَلَاثَةِ أَضرب: أَحدها أَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَصلًا، وَالْآخَرُ
أَن تَكُونَ بَدَلًا، وَالْآخَرُ أَن تَكُونَ زَائِدًا، أَمَّا
إِبْدَالُهَا مِنْهَا وَهِيَ أَصل فأَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ
مَفْتُوحَةً وَقَبْلَهَا ضَمَّةٌ، فَمَتَى آثَرْتَ تَخْفِيفَ
الْهَمْزَةِ قَلَبْتَهَا وَاوًا، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِكِ فِي جُؤَنٍ
جُوَن، وَفِي تَخْفِيفِ هُوَ يَضْرِبُ أَباكَ يَضْرِبُ وَباك،
فَالْوَاوُ هُنَا مُخَلَّصةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ
الْهَمْزَةِ المُبْدَلةِ، فَقَوْلُهُمْ فِي يَمْلِكُ أَحَدَ عَشَرَ
هُوَ يَمْلِكُ وَحَدَ عَشَرَ، وَفِي يَضْرِبُ أَباهُ يَضْرِبُ وَباه،
وَذَلِكَ أَن الْهَمْزَةَ فِي أَحدَ وأَباهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ، وَقَدْ
أُبْدِلت الْوَاوُ مِنْ هَمْزَةِ التأْنيث المُبْدَلة مِنَ الأَلف فِي
نَحْوِ حَمْراوانِ وَصَحْراواتٍ وصَفْراوِيٍّ، وأَما إبدالُها مِنَ
الْهَمْزَةِ الزَّائِدَةِ فَقَوْلُكُ فِي تَخْفِيفِ هَذَا غلامُ
أَحْمَدَ: هَذَا غلامُ وَحْمَدَ، وَهُوَ مُكْرِمُ أَصْرَمَ: هُوَ
مُكْرِمُ وَصْرَمَ، وأَما إِبْدَالُ الْوَاوِ مِنَ الأَلف أَصليةً
فَقَوْلُكُ فِي تَثْنِيَةِ إِلَى وَلَدَى وَإِذَا أَسماء رِجَالٍ:
إلَوانِ ولَدَوانِ وإذَوانِ؛ وَتَحْقِيرُهَا وُوَيَّةٌ. وَيُقَالُ:
وَاوٌ مُوَأْوَأَةٌ، وَهَمَزُوهَا كراهَةَ اتِّصالِ الواواتِ
والياءَات، وَقَدْ قَالُوا مُواواةٌ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ صَاحِبِ
الْعَيْنِ، وَقَدْ خَرَجَتْ واوٌ بِدَلِيلِ التَّصْرِيفِ إِلَى أَنَّ
في الكلام مثل وَعَوْتُ الَّذِي نَفَاهُ سِيبَوَيْهِ، لأَن أَلف وَاوٍ
لَا تَكُونُ إِلَّا مُنْقَلِبَةً كَمَا أَنّ كُلَّ أَلف عَلَى هَذِهِ
الصُّورة لَا تَكُونُ إِلَّا كذلك، وإذا كَانَتْ مُنْقَلِبة فَلَا
تَخْلُو مِنْ أَن تَكُونَ عَنِ الْوَاوِ أَو عَنِ الْيَاءِ إِذْ
لَوْلَا هَمْزُهَا فَلَا تَكُونُ «2» عَنِ الْوَاوِ، لأَنه إِنْ كَانَ
كَذَلِكَ كَانَتْ حُرُوفُ الْكَلِمَةِ وَاحِدَةً وَلَا نعلم ذلك
__________
(1) . قوله [ووو حرف هجاء] ليست الواو للعطف كما زعم المجد بل لغة
أَيضاً فيقال ووو ويقال واو، انظر شرح القاموس.
(2) . قوله [إِذْ لَوْلَا هَمْزُهَا فَلَا تكون إلخ] كذا بالأصل ورمز
له في هامشه بعلامة وقفة.
(15/485)
فِي الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بَبَّة
وَمَا عُرِّب كالكَكّ، فَإِذَا بَطلَ انْقِلابها عَنِ الْوَاوِ ثَبَتَ
أَنه عَنِ الْيَاءِ فَخَرَجَ إِلَى بَابِ وعَوْت عَلَى الشُّذُوذِ.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ: وَوَّيْت وَاوًا حَسَنة عَمِلتها، فإِن صَحَّ هَذَا
جَازَ أَن تَكُونَ الْكَلِمَةُ مِنْ وَاوٍ وَوَاوٍ وَيَاءٍ، وَجَازَ
أَن تَكُونَ مِنْ وَاوٍ وَوَاوٍ وَوَاوٍ، فَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى
هَذَا وَوَّوْتُ، غَيْرَ أَن مُجاوزةَ الثَّلَاثَةِ قُلِبَتِ الواوَ
الأَخيرة يَاءً وَحَمَلَهَا أَبو الْحَسَنِ الأَخفش عَلَى أَنها
مُنْقَلِبةٌ مِنْ وَاوٌ، واستدلَّ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْخِيمِ الْعَرَبِ
إِيَّاها وأَنه لَمْ تُسْمَع الإِمالةُ فِيهَا، فقَضَى لِذَلِكَ بأَنها
مِنَ الْوَاوِ وَجَعَلَ حُرُوفَ الْكَلِمَةِ كُلِّهَا وَاوَاتٍ، قَالَ
ابْنُ جِنِّي: ورأَيت أَبا عَلِيٍّ يُنكر هَذَا الْقَوْلَ ويَذْهب
إِلَى أَنَّ الأَلف فِيهَا مُنْقَلِبَةً عَنِ يَاءٍ، وَاعْتَمَدَ
ذَلِكَ عَلَى أَنه إِنْ جَعَلَها مِنَ الْوَاوِ كَانَتِ الْعَيْنُ
وَالْفَاءُ واللامُ كُلُّهَا لَفْظًا وَاحِدًا؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ:
وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَعَدَلَ إِلَى القَضاء
بأَنها مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وَلَسْتُ أَرَى بِمَا أَنْكَره أَبو
عَلِيٍّ عَلَى أَبي الْحَسَنِ بأْساً، وَذَلِكَ أَنَّ أَبا عَلِيٍّ،
وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَصِيرَ حُروفُه كلُّها واواتٍ،
فإِنه إِذا قَضَى بأَنَّ الأَلف مِنْ يَاءٍ لتَخْتَلِف الْحُرُوفُ
فَقَدْ حَصَل بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ لَفْظٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، أَلا
تَرَى أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ حَرْفٌ فَاؤُهُ وَاوٌ وَلَامُهُ
وَاوٌ إلَّا قَوْلَنَا وَاوٌ؟ فإِذا كَانَ قَضَاؤُهُ بأَنَّ الأَلف
مِنْ يَاءٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَن يَكُونَ الْحَرْفُ فَذًّا لَا
نظيرَ لَهُ، فَقَضَاؤُهُ بأَنَّ العينَ واوٌ أَيضاً لَيْسَ بمُنْكَر،
ويُعَضِّدُ ذَلِكَ أَيضاً شَيْئَانِ: أَحدهما مَا وصَّى بِهِ
سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّ الأَلف إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ
فأَنْ تكونَ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْوَاوِ أَكثرُ مِنِ أَن تَكُونَ
مُنْقَلِبَةً عَنْ الْيَاءِ، وَالْآخَرُ مَا حَكَاهُ أَبو الْحَسَنِ
مِنْ أَنه لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ فِيهَا الإِمالةُ، وَهَذَا أَيضاً
يؤكِّدُ أَنها مِنَ الْوَاوِ، قَالَ: ولأَبي عَلِيٍّ أَن يقولَ
مُنْتَصِراً لكَوْنِ الأَلف عَنْ يَاءٍ إنَّ الَّذِي ذَهَبْتُ أَنَا
إِلَيْهِ أَسْوَغُ وأَقَلُّ فُحْشاً ممَّا ذهَبَ إِلَيْهِ أَبو الحسنِ،
وَذَلِكَ أَنِّي وإنْ قَضَيْتُ بأَنَّ الْفَاءَ وَاللَّامَ وَاوَانِ،
وَكَانَ هَذَا مِمَّا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَإِنِّي قَدْ رأَيت الْعَرَبَ
جعَلَتِ الْفَاءَ وَاللَّامَ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ كَثِيرًا، وَذَلِكَ
نَحْوُ سَلَسٍ وقَلَقٍ وحِرْحٍ ودَعْدٍ وفَيْفٍ، فَهَذَا وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ وَاوٌ فإِنا وَجَدْنَا فَاءَهُ وَلَامَهُ مِنْ لَفْظٍ
وَاحِدٍ. وَقَالُوا أَيضاً فِي الْيَاءِ الَّتِي هِيَ أُخت الْوَاوِ:
يَدَيْتُ إِليه يَدًا، وَلَمْ نَرَهم جَعَلُوا الْفَاءَ وَاللَّامَ
جَمِيعًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ وَاوٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا،
قَالَ: فَقَدْ دَخَلَ أَبو الْحَسَنِ مَعِي فِي أَن أَعترف بأَنَّ
الْفَاءَ وَاللَّامَ وَاوَانِ، إِذْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ
الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ، كَمَا أَجده أَنا، ثُمَّ إِنه زَادَ عَمَّا
ذَهَبْنا إِليه جَمِيعًا شَيْئًا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي حَرْف مِنَ
الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ جَعْلُه الْفَاءَ وَالْعَيْنَ
وَاللَّامَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ فأَمَّا مَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ
مِنْ قَوْلِ هِنْدُ بِنْتُ أَبي سُفْيَانَ تُرَقِّصُ ابنَها عبدَ
اللَّهِ بنَ الحَرث:
لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ ... جارِيةً خِدَبَّهْ
فإِنما بَبَّهْ حِكَايَةُ الصَّوْتِ الَّذِي كَانَتْ تُرَقِّصُه
عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِاسْمٍ، وإِنما هُوَ لَقَبٌ كقَبْ لِصَوْتِ وَقْع
السَّيْف، وطِيخِ للضَّحِك، ودَدِدْ «3» لِصَوْتِ الشَّيْءِ
يَتَدَحْرَجُ، فإِنما هَذِهِ أَصواتٌ لَيْسَتْ تُوزَنُ وَلَا تُمَثَّلُ
بِالْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ صَه ومَهْ وَنَحْوِهِمَا؛ قَالَ ابْنُ
جِنِّي: فلأَجْل مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَذْهَبِ أَبي
عَلِيٍّ تَعادَلَ عِنْدَنَا المَذْهبان أَو قَرُبا مِنَ التَّعادُلِ،
وَلَوْ جَمَعْتَ وَاوًا عَلَى أَفعالٍ لقلتَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ
أَلِفَها مُنْقَلِبَةً مِنْ وَاوٍ أَوَّاءٌ، وأَصلها أَوَّاوٌ،
فَلَمَّا وَقَعَتِ الواو طَرَفاً
__________
(3) . قوله [وددد] كذا في الأصل مضبوطاً.
(15/486)
بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ قُلبت أَلِفًا،
ثُمَّ قُلِبَتْ تِلْكَ الأَلفُ هَمْزةً كَمَا قُلْنَا فِي أَبْنَاء
وأَسْماء وأَعْداء، وإِنْ جَمَعها عَلَى أَفْعُلٍ قَالَ فِي جَمْعِهَا
أَوٍّ، وأَصلها أَوْوُوٌ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الواوُ طرَفاً مَضْمُومًا
مَا قَبْلَها أَبْدَلَ مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرةً وَمِنَ الْوَاوِ يَاءً،
وَقَالَ أَوٍّ كأَدْلٍ وأَحْقٍ، وَمَنْ كَانَتْ أَلفُ وَاوٍ عِنْدَهُ
مِن يَاءٍ قَالَ إِذا جمَعَها عَلَى أَفْعال أَيَّاءً، وأَصلها
عِنْدَهُ أَوْياءٌ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ
وسَبَقَتِ الواوُ بِالسُّكُونِ قُلبت الواوُ يَاءً وأُدْغِمت فِي
الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَصَارَتْ أَيَّاء كَمَا تَرَى، وَإِنْ
جمعَها عَلَى أَفْعُل قَالَ أَيٍّ وأَصلها أَوْيُوٌ، فَلَمَّا
اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وسَبَقت الواوُ بِالسُّكُونِ قُلِبت
الْوَاوُ يَاءً وأُدغمت الأُولى فِي الثَّانِيَةِ فَصَارَتْ أَيُّوٌ،
فَلَمَّا وَقَعَتِ الْوَاوُ طرَفاً مَضْمُومًا مَا قَبْلَهَا أُبْدِلت
مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرَةً وَمِنَ الْوَاوِ يَاءً، عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ الآنَ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ أَيْيِيٌ فَلَمَّا اجتمعَت
ثَلاثُ ياءَاتٍ، والوُسْطَى مِنْهُنَّ مَكْسُورَةٌ، حُذفت الْيَاءُ
الأَخيرة كَمَا حُذِفَتْ فِي تَحْقِير أَحْوَى أُحَيٍّ وأَعْيا
أُعَيٍّ، فَكَذَلِكَ قُلْتَ أَنت أَيضاً أَيٍّ كأَدْلٍ. وَحَكَى
ثَعْلَبٌ أَن بَعْضَهُمْ يَقُولُ: أَوَّيْتُ وَاوًا حَسَنةً، يَجْعَلُ
الْوَاوَ الأُولى هَمزةً لِاجْتِمَاعِ الْوَاوَاتِ. قَالَ ابْنُ
جِنِّي: وتُبْدَلُ الْوَاوُ مِنَ الْبَاءِ فِي القَسَم لأَمْرَيْنِ:
أَحدهما مُضارَعَتُها إِياها لَفْظًا، وَالْآخَرُ مُضارَعَتُها
إِيَّاها مَعْنًى، أَما اللَّفْظُ فلأَنّ الْبَاءَ مِنَ الشَّفَةِ
كَمَا أَنَّ الْوَاوَ كَذَلِكَ، وأَما الْمَعْنَى فلأَنَّ الْبَاءَ
للإِلصاق والواوَ لِلِاجْتِمَاعِ، والشيءُ إِذا لاصَقَ الشيءَ فَقَدِ
اجْتَمَعَ مَعَهُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا كَانَ مِنْ الحُرُوف عَلَى
ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ وسَطُه أَلف فَفِي فِعْلِه لُغَتَانِ الْوَاوُ
وَالْيَاءُ كَقَوْلِكَ دَوَّلْت دَالًا وقَوَّفْتُ قَافًا أَي
كَتَبْتها، إِلا الْوَاوَ فإِنها بِالْيَاءِ لَا غَيْرَ لِكَثْرَةِ
الْوَاوَاتِ، تَقُولُ فِيهَا وَيَّيْتُ وَاوًا حَسَنةً، وَغَيْرُ
الْكِسَائِيِّ يَقُولُ: أَوَّيْتُ أَوْ وَوَّيْتُ، وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ: تقول العرب كلِمةٌ مُؤَوَّاةٌ مِثْلُ مُعَوّاةٍ أَي
مَبْنِيَّةٌ مِنْ بناتِ الْوَاوِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَلِمَةٌ
مُوَيَّاةٌ مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ، وَكَلِمَةُ مُيَوّاةٌ مِنْ بَنَاتِ
الْيَاءِ، وإِذا صَغَّرْتَ الْوَاوَ قُلتَ أُوَيَّةٌ. وَيُقَالُ:
هَذِهِ قَصِيدَةٌ واوِيَّةٌ إِذا كَانَتْ عَلَى الْوَاوِ، قَالَ
الْخَلِيلُ: وجدْتُ كلَّ وَاوٍ وَيَاءٍ فِي الْهِجَاءِ لَا تَعْتَمِدُ
عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا تَرْجِعُ فِي التَّصْرِيفِ إِلى الْيَاءِ
نَحْوَ يَا وفَا وطَا وَنَحْوَهُ، وَاللَّهُ أَعلم. التَّهْذِيبُ:
الْوَاوُ «1» مَعْنَاهَا فِي العَطْفِ وغَيْرِه فِعْلُ الأَلف
مَهْمُوزَةً وَسَاكِنَةً فِعْلُ الْيَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: الْوَاوُ
مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ تَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ وَلَا تدلُّ عَلَى
التَّرْتِيبِ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا أَلف الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى
رَجُلٍ*
؛ كَمَا تَقُولُ أَفَعَجِبْتُم؛ وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى مَعْ لِمَا
بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لأَن مَع لِلْمُصَاحَبَةِ كَقَوْلِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا
والساعةَ كهاتَيْنِ، وأَشار إِلى السَّبَّابةِ والإِبْهام
، أَي مَع الساعةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وأَشار إِلى
السبَّابةِ والوُسْطَى، قَالَ: وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛
وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِمْ: قُمْتُ وأَصُكُّ
وجْهَه أَي قمتُ صَاكًّا وجْهَه، وَكَقَوْلِكَ: قُمتُ والناسُ قُعودٌ،
وَقَدْ يُقْسَمُ بِهَا تَقُولُ: واللهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَهُوَ
بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ وإِنما أُبْدِل مِنْهُ لقُربه مِنْهُ فِي المَخرج
إِذ كَانَ مِنْ حُرُوفِ الشَّفة، وَلَا يَتجاوَزُ الأَسماءَ
المُظْهَرةَ نَحْوَ وَاللَّهِ وحَياتِك وأَبيك؛ وَقَدْ تَكُونُ
الْوَاوُ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ المذكَّر فِي قَوْلِكَ فعَلُوا ويَفْعَلُون
وافْعَلُوا؛ وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ زَائِدَةً؛ قَالَ الأَصمعي:
قُلْتُ لأَبي عَمْرٍو قَوْلُهُمْ رَبَّنا ولكَ الحمدُ فَقَالَ: يَقُولُ
الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْني هَذَا الثوبَ فَيَقُولُ وَهُوَ لَكَ
وأَظنه أَراد هُوَ لَكَ؛
__________
(1) . قوله [التهذيب الواو إلخ] كذا بالأَصل.
(15/487)
وأَنشد الأَخفش:
فإِذا وذلِك، يَا كُبَيْشةُ، لَمْ يَكُنْ ... إِلَّا كَلَمَّةِ حالِمٍ
بخَيالِ
كأَنه قَالَ: فإِذا ذَلِكَ لَمْ يكنْ؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي
سُلْمى:
قِفْ بالدِّيارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها القِدَمُ ... بَلى، وغَيَّرَها
الأَرْواحُ والدِّيَمُ
يُرِيدُ: بَلَى غَيَّرَها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاؤُها
وَفُتِحَتْ أَبْوابُها
؛ فَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْوَاوُ هُنَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ
بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ هَذَا لأَبي كَبير الهُذلي عَنِ الأَخفش أَيضاً:
فإِذا وذلِكَ ليسَ إِلَّا ذِكْرَه، ... وإِذا مَضى شيءٌ كأَنْ لَمْ
يُفْعَلِ
قَالَ: وَقَدْ ذَكر بعضُ أَهلِ الْعِلْمِ أَنَّ الواوَ زائدةٌ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ
بِأَمْرِهِمْ هَذَا
؛ لأَنه جَوَابٌ لَمَّا فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ
وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ. التَّهْذِيبُ:
الواواتُ لَهَا مَعانٍ مُخْتَلِفَةٌ لِكُلِّ مَعْنًى مِنْهَا اسْمٌ
يُعْرَفُ بِهِ: فَمِنْهَا واوُ الْجَمْعِ كَقَوْلِكَ ضَرَبُوا
ويَضْرِبُون وَفِي الأَسماء المُسْلِمون وَالصَّالِحُونَ؛ وَمِنْهَا
وَاوُ الْعَطْفِ والفرقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الفاءِ في المعطوف أَو
الْوَاوَ يُعْطَفُ بِهَا جُمْلَةٌ عَلَى جملةٍ، لَا تدلُّ عَلَى
التَّرْتِيبِ فِي تَقْديم المُقَدَّمِ ذِكْرُه عَلَى المؤخَّر
ذِكْرُهُ، وأَما الْفَرَّاءُ فإِنه يُوَصِّلُ بِهَا مَا بَعْدَها
بِالَّذِي قَبْلَهَا والمُقَدَّمُ هُوَ الأَوَّل، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
إِذا قلتَ زُرْتُ عبدَ اللهِ وزيْداً فأَيَّهُما شِئْتَ كَانَ هُوَ
المبتدأَ بِالزِّيَارَةِ، وإِن قلتَ زُرْتُ عبدَ اللَّهِ فزَيْداً
كَانَ الأَولُ هُوَ الأَولَ والآخِرُ هُوَ الآخِر؛ وَمِنْهَا وَاوُ
القَسم تَخْفِضُ مَا بَعْدَها، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
؛ فالواو التي في الطُّور هِيَ وَاوُ القَسَمِ، والواوُ الَّتِي هِيَ
فِي وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
هِيَ واوُ العَطف، أَلا تَرَى أَنه لَوْ عُطِف بِالْفَاءُ كَانَ
جَائِزًا وَالْفَاءُ لَا يُقْسَم بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً
؛ غَيْرَ أَنه إِذا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالْيَمِينِ
الأُولى، وإِن كَانَ بِالْوَاوِ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ أُقْسِمَ بِهِ؛
وَمِنْهَا واوُ الاسْتِنْكارِ، إِذا قُلْتَ: جاءَني الحَسَنُ، قَالَ
المُسْتَنْكِرُ أَلحَسَنُوهْ، وإِذا قُلْتَ: جاءَني عَمرو، قَالَ:
أَعَمْرُوهْ، يَمُدُّ بِوَاوٍ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفَةِ؛ وَمِنْهَا
وَاوُ الصِّلة فِي القَوافي كَقَوْلِهِ:
قِفْ بالدِّيار الَّتِي لَمْ يَعْفُها القِدَمُو
فَوُصِلَتْ ضَمَّةُ المِيمِ بِوَاوٍ تَمَّ بِهَا وَزْنُ الْبَيْتِ؛
وَمِنْهَا واوُ الإِشْباع مِثْلَ قَوْلِهِمْ البُرْقُوعُ والمُعْلُوقُ،
وَالْعَرَبُ تَصِلُ الضَّمَّةَ بِالْوَاوِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ:
أَنْظُور، فِي مَوْضِعِ أَنْظُر؛ وأَنشد:
لَوْ أَنَّ عَمْراً هَمَّ أَن يَرْقُودا ... فانْهَضْ، فشُدَّ
المِئْزَرَ المَعْقُودا
أَراد: أَن يَرْقُدَ فأَشْبَعَ الضمةَ ووصَلَها بِالْوَاوِ ونَصَب
يَرْقُود عَلَى مَا يُنْصَبُ بِهِ الفعلُ؛ وأَنشد:
اللهُ يَعْلَم أَنَّا، فِي تَلفُّتِنا، ... يومَ الفِراقِ، إِلى
إِخوانِنا، صُورُ
وأَنَّني حَيْثُما يَثْني الهَوَى بَصَري، ... مِنْ حَيْثُما سَلَكُوا،
أَدْنُو فأَنْظُورُ
أَراد: فأَنْظُر؛ وَمِنْهَا وَاوُ التَّعايي كَقَوْلِكَ: هَذَا عمْرُو،
فيَسْتَمِدُّ ثُمَّ يقولُ مُنْطَلِقٌ، وَقَدْ مَضى بعضُ أَخواتِها فِي
تَرْجَمَةِ آفي الأَلِفات، وستأْتي بَقِيَّةُ
(15/488)
أَخَواتها فِي تَرْجَمَةِ يَا؛ وَمِنْهَا
مَدُّ الِاسْمِ بالنِّداء كَقَوْلِكَ أَيا قُورْط، يُرِيدُ قُرْطاً،
فَمَدُّوا ضَمَّةَ الْقَافِ بِالْوَاوِ ليَمْتَدَّ الصَّوتُ
بِالنِّدَاءِ؛ وَمِنْهَا الْوَاوُ المُحَوَّلةُ نَحْوُ طُوبى أَصلها
طُيْبى فقُلِبت الْيَاءُ وَاوًا لِانْضِمَامِ الطاءِ قَبْلَهَا، وَهِيَ
مِنْ طَابَ يَطيبُ؛ وَمِنْهَا وَاوُ المُوقنين والمُوسِرين أَصلها
المُيْقِنين مِنْ أَيْقَنْتُ والمُيْسِرين مِنْ أَيْسَرْتُ؛ وَمِنْهَا
واوُ الجَزْمِ المُرْسَلِ مثلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيراً؛ فأُسْقِطَ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ
لأَن قبْلَها ضَمَّةً تَخْلُفها؛ وَمِنْهَا جَزْمُ الْوَاوِ «1»
الْمُنْبَسِطُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ؛
فَلَمْ يُسْقِطِ الْوَاوَ وحَرّكها لأَن قَبْلَهَا فَتْحَةً لَا
تَكُونُ عِوضاً مِنْهَا؛ هَكَذَا رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي
طَالِبٍ النَّحْوِيِّ، وَقَالَ: إِنما يَسْقُط أَحَدُ السَّاكِنَيْنِ
إِذا كَانَ الأَوّل مِنَ الجَزم المُرْسَل وَاوًا قَبْلَهَا ضَمَّةٌ
أَو يَاءٌ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ أَو أَلفاً قَبْلَهَا فَتْحَةٌ، فالأَلف
كَقَوْلِكَ لِلِاثْنَيْنِ اضْرِبا الرَّجُلَ، سَقَطَتِ الأَلف عَنْهُ
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن قَبْلَهَا فَتْحَةً، فَهِيَ خَلَفٌ
مِنْهَا، وَسَنَذْكُرُ الْيَاءَ فِي تَرْجَمَتِهَا؛ وَمِنْهَا واواتُ
الأَبْنِية مِثْلُ الجَوْرَبِ والتَّوْرَبِ لِلتُّرَابِ والجَدْوَلِ
والحَشْوَرِ وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا وَاوُ الْهَمْزِ فِي الْخَطِّ
وَاللَّفْظِ، فأَما الْخَطُّ فَقَوْلُكَ: هذِه شاؤُك ونِساؤُك،
صُوِّرَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا لِضَمَّتِهَا، وأَما اللَّفْظُ
فَقَوْلُكَ: حَمْراوانِ وسَوْداوان، وَمِثْلُ قَوْلِكِ أُعِيذُ
بأَسْماوات اللَّهِ وأَبْناواتِ سَعْدٍ ومثل السَّمَواتِ وَمَا
أَشْبهها؛ وَمِنْهَا وَاوُ النِّداء وَواوُ النُّدْبة، فأَما النِّداء
فَقَوْلُكَ: وَا زَيْد، وأَما النُّدبة فَكَقَوْلِكَ أَو كَقَوْلِ
النَّادِبة: وَا زَيْداهْ وَا لَهْفاهْ وَا غُرْبَتاهْ وَيَا زَيداه
وَمِنْهَا واواتُ الْحَالِ كَقَوْلِكَ: أَتَيْتُه والشمسُ طالِعةٌ أَي
فِي حَالِ طُلُوعها، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ نَادَى وَهُوَ
مَكْظُومٌ
؛ وَمِنْهَا واوُ الوَقْتِ كَقَوْلِكَ: اعْمَل وأَنتَ صَحِيحٌ أَي فِي
وقْتِ صِحَّتِك، والآنَ وأَنت فارِغٌ، فَهَذِهِ واوُ الْوَقْتِ وَهِيَ
قَريبة مِنْ وَاوِ الْحَالِ؛ وَمِنْهَا واوُ الصَّرْفِ، قَالَ
الْفَرَّاءُ: الصَّرْفُ أَنْ تأْتي الواوُ مَعْطُوفةً عَلَى كَلَامٍ
فِي أَوّله حادِثةٌ لَا تَسْتَقِيمُ إِعادَتُها عَلَى مَا عُطِفَ
عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلْقٍ وتَأْتيَ مِثْلَه، ... عارٌ عَلَيْكَ، إِذا
فَعَلْتَ، عَظِيمُ
أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ إِعادة لَا عَلَى وتَأْتيَ مِثْلَه،
فَلِذَلِكَ سُميَ صَرْفاً إِذْ كَانَ مَعْطُوفًا وَلَمْ يَسْتَقِم أَن
يُعادَ فِيهِ الحادثُ الَّذِي فِيمَا قَبْلَه؛ وَمِنْهَا الواواتُ
الَّتِي تدخلُ فِي الأَجْوِبةِ فَتَكُونُ جَوَابًا مَعَ الجَوابِ،
وَلَوْ حُذِفت كَانَ الجوابُ مُكْتَفِياً بِنَفْسِهِ؛ أَنشد
الْفَرَّاءُ:
حَتَّى إِذا قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ، ... ورَأَيْتُمُ أَبْناءَكُمْ
شَبُّوا
وقَلَبْتُمُ ظَهْرَ المِجَنِّ لَنَا، ... إِنَّ اللَّئِيمَ العاجِزُ
الخَبُ
أَراد قَلَبْتُم. وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: لمَّا أَتاني وأَثِبُ
عَلَيْهِ، كأَنه قَالَ: وَثَبْتُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا
مَعَ لَمَّا حَتَّى إِذا «2» . قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَ
الأَصمعي قُلْتُ لأَبي عَمْرو بْنِ العَلاء رَبَّنا ولكَ الحَمْدُ مَا
هَذِهِ الواوُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ الرَّجُل للرَّجُل بِعْني هَذَا
الثَّوْبَ، فَيَقُولُ: وَهُوَ لَكَ، أَظُنُّه أَراد هُوَ لكَ؛ وَقَالَ
أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
فإِذا وذلِكَ ليْسَ إِلَّا حِينَه، ... وإِذا مَضَى شيءٌ كأَنْ لَمْ
يُفْعَلِ
__________
(1) . قوله [جزم الواو] وعبارة التكملة واو الجزم وهي أنسب.
(2) . قوله [حتى إذا] كذا هو في الأصل بدون حرف العطف.
(15/489)
أَراد: فإِذا ذلكَ يَعْنِي شَبابَه وَمَا
مَضَى مِن أَيّام تَمَتُّعه؛ وَمِنْهَا وَاوُ النِّسبة، رُوِيَ عَنْ
أَبي عَمرو بْنِ العَلاء أَنه كَانَ يَقُولُ: يُنْسَبُ إِلى أَخٍ
أَخَويٌّ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، وإِلى
الرِّبا رِبَوِيٌّ، وإِلى أُخْتٍ أُخَويٌّ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وإِلى
ابْن بَنَوِيٌّ، وإِلى عالِيةِ الحِجاز عُلْوِيٌّ، وإِلى عَشِيَّة
عَشَوِيٌّ، وإِلى أَبٍ أَبَوِيٌّ؛ وَمِنْهَا الواوُ الدَّائمةُ، وَهِيَ
كُلُّ واوٍ تُلابِسُ الجَزاء وَمَعْنَاهَا الدَّوامُ، كَقَوْلِكَ:
زُرْني وأَزُورَكَ وأَزُورُكَ، بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، فالنَّصْبُ
عَلَى المُجازاةِ، ومَن رَفَعَ فَمَعْنَاهُ زيارَتَكَ عليَّ واجبةٌ
أُدِيمُها لَكَ عَلَى كلِّ حالٍ؛ وَمِنْهَا الْوَاوُ الفارِقةُ، وَهِيَ
كلُّ واوٍ دَخَلت فِي أَحَدِ الحَرْفين المُشْتَبِهين ليُفْرَقَ بينَه
وَبَيْنَ المُشْبهِ لَهُ فِي الخَطِّ مِثْلُ واوِ أُولئِك وَوَاوِ
أُولو. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وغَيْرِ
أُولِي الْإِرْبَةِ؛ زِيدَتْ فِيهَا الْوَاوُ فِي الْخَطِّ لتَفْرُق
بينَها وبينَ مَا شاكَلَها فِي الصُّورةِ مِثْل إِلى وإِلَيْك؛
وَمِنْهَا وَاوُ عَمْرو، فإِنها زيدَتْ لِتَفْرُقَ بينَ عَمْروٍ
وعُمَرَ، وزيدتْ فِي عَمْرٍو دونَ عُمَرَ لأَن عُمَرَ أَثقَلُ مِنْ
عَمْرٍو؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
ثمَّ تَنادَوْا، بينَ تِلْكَ الضَّوْضَى ... مِنْهُمْ: بِهابٍ وهَلا
ويا يا
نادَى مُنادٍ مِنْهُمُ: أَلا تَا، ... صَوْتَ امْرِئٍ للجُلَّياتِ
عَيّا
قالُوا جَمِيعاً كُلُّهُم: بَلا فَا
أَي بَلَى فإِنَّا نَفْعَلُ، أَلا تَا: يُريد تَفْعَلُ، وَاللَّهُ
أَعلم. الْجَوْهَرِيُّ: الْوَاوَا صَوْتُ ابْن آوَى. وَوَيْكَ: كلمةٌ
مِثل وَيْبَ ووَيْحَ، والكافُ للخِطاب؛ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمرو بْنِ
نُفَيْل وَيُقَالُ هُوَ لِنُبَيْهِ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِي:
وَيْكَ أَنَّ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْبَبْ، ... ومَنْ يَفْتَقِرْ
يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ وَيْكَ، أُدْخِلَ عَلَيْهِ أَنَّ
وَمَعْنَاهُ أَلم تَرَ؛ وَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ وَيْ مَفْصُولة ثُمَّ
تَبتدِئُ فَتَقُولُ كأَنَّ، والله أَعلم.
يَا
: حَرْفُ نِداء، وَهِيَ عامِلةٌ فِي الِاسْمِ الصَّحِيح وإِن كَانَتْ
حَرْفًا، والقولُ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِيا فِي قيامِها مَقامَ الْفِعْلِ
خَاصَّةً لَيْسَتْ لِلْحُرُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الحروفَ قَدْ تَنُوبُ
عَنِ الأَفعال كهَلْ فإِنها تَنُوبُ عَنْ أَسْتَفْهِمُ، وَكَمَا وَلَا
فإِنهما يَنْوبانِ عَنْ أَنْفِي، وإِلَّا تَنُوبُ عَنْ أَسْتَثْني،
وَتِلْكَ الأَفعال النائبةُ عَنْهَا هَذِهِ الحروفُ هِيَ الناصِبة فِي
الأَصل، فَلَمَّا انصَرَفَتْ عَنْهَا إِلى الحَرْف طَلَباً للإِيجاز
ورَغْبةً عَنِ الإِكثار أَسْقَطْتَ عَمَلَ تِلْكَ الأَفعال ليَتِمَّ
لَكَ مَا انْتَحَيْتَه مِنَ الِاخْتِصَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا،
وَذَلِكَ أَنَّ يَا نفسَها هِيَ العامِلُ الواقِعُ عَلَى زَيْدٍ،
وحالُها فِي ذَلِكَ حَالُ أَدْعُو وأُنادي، فَيَكُونُ كلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا هُوَ العامِل فِي الْمَفْعُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ضَرَبْتُ
وقَتَلْتُ وَنَحْوَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَولَكَ ضَرَبْتُ زَيْدًا
وقتَلْتُ بِشْراً العامِلُ الواصِلُ إِليهما المُعَبَّرُ بِقَوْلِكَ
ضَرَبْتُ عَنْهُ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ ضَ رَ بْ تُ، إِنما ثَمَّ أَحْداثٌ
هَذِهِ الْحُرُوفِ دِلالةٌ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ القَتْلُ والشَّتْمُ
والإِكْرامُ ونحوُ ذَلِكَ، وقولُك أُنادي عبدَ اللهِ وأُكْرِمُ عَبْدَ
اللَّهِ لَيْسَ هُنَا فعلٌ واقعٌ عَلَى عبدِ اللَّهِ غَيْرَ هَذَا
اللفظِ، وَيَا نفسُها فِي الْمَعْنَى كأَدْعُو، أَلا تَرَى أَنك إِنما
تَذْكُرُ بَعْدَ يَا اسْمًا وَاحِدًا، كَمَا تذكُره بَعْدَ الفِعْلِ
المُسْتَقِلِّ بفاعِلِه، إِذا كَانَ مُتَعَدِّياً إِلى وَاحِدٍ
كَضَرَبْتُ زَيْدًا؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حرفُ الِاسْتِفْهَامِ
(15/490)
وحرفُ النَّفْي، وإِنما تُدْخِلُها عَلَى
الْجُمْلَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، فَتَقُولُ: مَا قامَ زَيْدٌ وَهَلْ زيدٌ
أَخوك، فَلَمَّا قَوِيَت يَا فِي نَفْسِهَا وأَوْغَلَتْ فِي شَبَهِ
الْفِعْلِ تَوَلَّتْ بِنَفْسِهَا الْعَمَلَ؛ وقولُه أَنشده أَبو
زَيْدٍ:
فخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ الناسِ مِنْكُم، ... إِذا الدَّاعِي المُثَوِّبُ
قالَ: يا لا
قَالَ ابْنُ جِنِّي: سأَلني أَبو عَلِيٍّ عَنْ أَلف يَا مِنْ قَوْلِهِ
فِي قافِيةِ هذا البيت يا لا فَقَالَ: أَمُنْقَلِبةٌ هِيَ؟ قلتُ: لَا
لأَنها فِي حَرْفٍ أَعني يَا، فَقَالَ: بَلْ هِيَ مُنْقَلِبَةٌ،
فَاسْتَدْلَلْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَصَمَ بأَنها قَدْ خُلِطَتْ
بِاللَّامِ بعدَها ووُقِفَ عَلَيْهَا فَصَارَتِ اللَّامُ كأَنها جُزْءٌ
مِنْهَا فَصَارَتْ يَالَ بِمَنْزِلَةِ قَالَ، والأَلف فِي مَوْضِعِ
الْعَيْنِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيَنْبَغِي أَن يُحكم عَلَيْهَا
بِالِانْقِلَابِ عَنْ واوٍ، وأَرادَ يالَ بَني فُلانٍ وَنَحْوَهُ.
التَّهْذِيبُ: تَقُولُ إِذا نادَيْتَ الرجلَ آفُلانُ وأَ فلان وَآيَا
فُلانُ، بالمدِّ، وَفِي يَاءِ النِّداء لُغَاتٌ، تَقُولُ: يَا فلانُ
أَيا فلانُ آيَا فلانُ أَفلانُ هَيا فلانُ، الْهَاءُ مُبَدَلَةٌ مِنَ
الْهَمْزِ فِي أَيا فُلَانُ، وَرُبَّمَا قَالُوا فلانُ بِلَا حَرْفِ
النِّدَاءِ أَي يَا فلانُ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فِي حُرُوفِ
النِّدَاءِ ثَمَانِيَةُ أَوجه: يا زَيْدُ ووا زَيْدُ وأَ زَيْدُ وأَيا
زَيْدُ وهَيا زَيْدُ وأَيْ زَيْدُ وَآيَا زَيْدُ وزَيْدُ؛ وأَنشد:
أَلم تَسْمَعي، أَيْ عَبْدُ، فِي رَوْنَقِ الضُّحى ... غِناءَ حَماماتٍ
لَهُنَّ هَدِيلُ؟
وَقَالَ:
هَيا أُمَّ عَمْرٍو، هَلْ ليَ اليومَ عِنْدَكُمْ، ... بَغَيْبَةِ
أَبْصارِ الوُشاةِ، رَسُولُ؟
وَقَالَ:
أَخالِدُ، مَأْواكُمْ لِمَنْ حَلَّ واسِع
وَقَالَ:
أَيا ظَبْيةَ الوَعْساءِ بَيْنَ حُلاحِلٍ
التَّهْذِيبُ: ولِلْياءَاتِ أَلْقابٌ تُعْرَفُ بِهَا كأَلقابِ
الأَلِفات: فَمِنْهَا يَاءُ التأْنيث فِي مِثْلِ اضْرِبي وتَضْرِبِين
وَلَمْ تَضْرِبي، وَفِي الأَسْماء يَاءُ حُبْلى وعَطْشى، يُقَالُ هُمَا
حُبْلَيانِ وعَطْشَيانِ وجُمادَيانِ وَمَا أَشبهها، وَيَاءُ ذِكْرى
وسِيما؛ وَمِنْهَا يَاءُ التَّثنية وَالْجَمْعُ كَقَوْلِكَ رأَيتُ
الزَّيْدَيْنِ وَفِي الْجَمْعِ رأَيتُ الزَّيْدِينَ، وَكَذَلِكَ رأَيت
الصَّالِحَيْن والصَّالِحِينَ والمُسْلِمَيْن والمُسْلِمِينَ؛
وَمِنْهَا يَاءُ الصِّلة فِي الْقَوَافِي كَقَوْلِهِ:
يَا دارَ مَيَّة بالعَلْياء فالسَّنَدِي
فَوَصَلَ كَسْرَةَ الدَّالِ بِالْيَاءِ، وَالْخَلِيلُ يُسميها يَاءَ
التَّرنُّم، يَمُدُّ بِهَا القَوافي، وَالْعَرَبُ تَصِلُ الكَسرة
بِالْيَاءِ؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:
لَا عَهْدَ لِي بِنِيضالِ، ... أَصْبَحْتُ كالشَّنِّ الْبَالِي
أَراد: بنِضال؛ وَقَالَ:
عَلَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِيمالي
أَراد: شِمالي فَوَصَلَ الْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ؛ وَمِنْهَا يَاءُ
الإِشْباع فِي المَصادِر وَالنُّعُوتِ كَقَوْلِكَ: كاذَبْتُه كِيذَابًا
وضارَبْته ضِيراباً أَراد كِذاباً وضِراباً، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
أَرادوا أَن يُظْهِروا الأَلف الَّتِي فِي ضارَبْتُه فِي الْمَصْدَرِ
فَجَعَلُوهَا يَاءً لكَسْرةِ مَا قَبْلها؛ وَمِنْهَا ياءُ مِسْكِينٍ
وعَجِيب، أَرادوا بِنَاءَ مِفْعِلٍ وَبِنَاءَ فَعِلٍ فأَشْبَعُوا
بِالْيَاءِ، وَمِنْهَا الياءُ المُحَوَّلةُ مِثْلَ يَاءِ الْمِيزَانِ
والمِيعاد وقِيلَ ودُعِيَ ومُحِيَ، وَهِيَ فِي الأَصل وَاوٌ فَقُلِبَتْ
يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا؛ وَمِنْهَا ياءُ النِّدَاءِ كَقَوْلِكَ
يَا زَيْدُ، وَيَقُولُونَ أَزَيْدُ؛ وَمِنْهَا يَاءُ الاسْتِنْكار
كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بالحَسَن، فَيَقُولُ المُجِيبُ مُسْتَنْكِراً
لِقَوْلِهِ: أَلحَسَنِيهْ، مدَّ النُّونَ بِيَاءٍ وأَلْحَقَ بِهَا
هَاءَ الْوَقْفَةِ؛ وَمِنْهَا يَاءُ
(15/491)
التَّعايي كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بالحَسَني
ثُمَّ تَقُولُ أَخي بَني فُلانٍ، وَقَدْ فُسِّرت فِي الأَلِفات فِي
تَرْجَمَةِ آ، وَمِنْ بَابِ الإِشباع ياءُ مِسْكِينٍ وعَجِيبٍ وَمَا
أَشبهها أَرادوا بِنَاءَ مِفْعِلٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ،
وَبِنَاءِ فَعِلٍ فأَشبعوا كَسْرَةَ الْعَيْنِ بِالْيَاءِ فَقَالُوا
مِفْعِيل وعَجِيب؛ وَمِنْهَا يَاءُ مدِّ المُنادي كنِدائهم: يَا
بِّشْر، يَمُدُّون أَلف يَا ويُشَدِّدون بَاءَ بِشْر ويَمُدُّونها
بِيَاءٍ يَا بِيشْرُ «3» ، يَمُدُّون كَسْرَةَ الْبَاءِ بِالْيَاءِ
فيَجْمعُون بَيْنَ سَاكِنِينَ وَيَقُولُونَ: يَا مُنْذِير، يُرِيدُونَ
يَا مُنْذِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا بِشير فيَكْسِرون الشِّينَ
ويُتبعُونها الْيَاءَ يَمُدُّونَهَا بِهَا يُريدون يَا بِشْرُ؛
وَمِنْهَا الياءُ الفاصِلةُ فِي الأَبْنية مِثْلَ يَاءِ صَيْقَلٍ
وَيَاءِ بَيْطارٍ وعَيْهرةٍ وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا يَاءُ
الْهَمْزَةِ فِي الخَطِّ مَرَّةً وَفِي اللَّفْظ أُخرى: فأَما الخَطُّ
فمِثْلُ يَاءِ قائمٍ وَسَائِلٍ وَشَائِلٍ صُوِّرَتِ الهَمزةُ يَاءً
وَكَذَلِكَ مِنْ شُرَكائهم وأُولئك وَمَا أَشْبَهها، وأَما اللَّفْظُ
فَقَوْلُهُمْ فِي جَمْعِ الخَطِيئة خَطايا وَفِي جَمْعِ المِرآة
مَرايا، اجْتَمَعَتْ لَهُمْ هَمْزَتَانِ فَكَتَبُوهما وجَعَلُوا
إِحداهما أَلفاً؛ وَمِنْهَا ياءُ التَّصْغِير كَقَوْلِكَ فِي تَصغير
عَمْرو عُمَيْر، وَفِي تَصْغِيرِ رَجُلِ رُجَيْل، وَفِي تَصْغِيرِ ذَا
ذَيَّا، وَفِي تَصْغِيرِ شَيْخ شُوَيْخ؛ وَمِنْهَا الْيَاءُ المُبدلةُ
مِنْ لَامِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمُ الْخَامِّي والسَّادي لِلْخَامِسِ
والسَّادِس، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي القَوافي وغيرِ القَوافي؛
وَمِنْهَا يَاءٌ الثَّعالي، يُرِيدُونَ الثَّعالِبَ؛ وأَنشد:
ولِضَفادِي جَمِّه نَقانِقُ
يُرِيدُ: ولِضَفادِعِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
إِذا مَا عُدَّ أَربعةٌ فِسالٌ، ... فزَوْجُكِ خامِسٌ وأَبُوك سادِي
وَمِنْهَا الْيَاءُ السَّاكِنَةُ تُترك عَلَى حَالِهَا فِي مَوْضِعِ
الْجَزْمِ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَلم يأْتِيكَ، والأَنْباء تَنْمي، ... بِمَا لاقَتْ لَبُونُ بَني
زِيادِ؟
فأَثْبَتَ الْيَاءَ فِي يأْتِيكَ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ جَزْم؛
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ:
هُزِّي إِليكِ الجِذْعَ يَجْنِيكِ الجَنى
كَانَ الوجْه أَن يَقُولَ يَجْنِكِ بِلَا يَاءٍ، وَقَدْ فَعَلُوا
مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْوَاوِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
هَجَوْتَ زَبَّانَ، ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً ... مِن هَجْو زَبَّانَ،
لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ
وَمِنْهَا يَاءُ النِّدَاءِ وحذفُ المُنادى وإضمارهُ كَقَوْلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ:
أَلا يَسْجُدوا لِلَّهِ
؛ بِالتَّخْفِيفِ، الْمَعْنَى أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدوا لِلَّهِ؛
وأَنشد:
يَا قاتَلَ اللهُ صِبْياناً تجِيءُ بِهِمْ ... أُمُّ الهُنَيْنَيْنِ
مِن زَنْدٍ لَهَا وَارِي
كأَنه أَراد: يَا قومِ قاتَلَ اللهُ صِبْياناً؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
يَا مَن رَأَى بارِقاً أُكَفْكِفُه ... بَيْنَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ
الأَسَد
كأَنه دَعا: يَا قَوْمِ يَا إخْوتي، فَلَمَّا أَقْبَلُوا عَلَيْهِ
قَالَ مَنْ رأَى؛ وَمِنْهَا يَاءُ نِدَاءِ مَا لَا يُجيب تَنْبيهاً
لِمَنْ يَعْقِلُ، مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا حَسْرَةً
عَلَى الْعِبادِ
، ويا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ
؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ اسْتِهْزَاءَ الْعِبَادِ بالرُّسُل صارَ حَسْرةً
عَلَيْهِمْ فنُودِيَتْ تِلْكَ الحَسْرةُ تَنْبيهاً للمُتَحَسِّرين،
الْمَعْنَى يَا حَسْرَةً عَلَى العبادِ أَين أَنْتِ فَهَذَا أَوانُك،
وَكَذَلِكَ مَا أَشبهه؛ وَمِنْهَا ياءَاتٌ تَدُّلُ عَلَى أَفْعال
بَعْدَهَا فِي أَوائلها ياءَاتٌ؛
__________
(3) . قوله [وَيَمُدُّونَهَا بِيَاءٍ يَا بِيشْرُ] كذا بالأصل، وعبارة
شرح القاموس: ومنهم من يمد الكسرة حتى تصير ياء فيقول يا بيشر فيجمعون
إلخ.
(15/492)
وأَنشد بَعْضُهُمْ:
مَا للظَّلِيم عاكَ كَيْفَ لَا يَا ... يَنْقَدُّ عَنْهُ جِلْدُه إِذا
يَا
يُذْرى الترابُ خَلْفَه إِذْ رَايَا
أَراد: كَيْفَ لَا يَنْقَدُّ جِلْدُه إِذا يُذْرى الترابُ خَلْفَهُ؛
وَمِنْهَا يَاءُ الجزْمِ المُنْبَسِط، فأَمّا يَاءُ الجزْم المُرْسَل
فَكَقَوْلِكَ أَقْضي الأَمْرَ، وتُحْذَفُ لأَن قبْلَ الْيَاءِ كَسْرَةً
تخلُف مِنْهَا، وأَما يَاءُ الجَزْم المُنْبَسِط فَكَقَوْلِكَ رأَيتُ
عبدَيِ اللَّهِ وَمَرَرْتُ بعبدَيِ اللهِ، لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْيَاءِ
كَسْرَةً فَتَكُونُ عِوَضاً مِنْهَا فَلَمْ تَسْقُط، وكُسِرت
لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ تَسْقُط لأَنه لَيْسَ مِنْهَا
خَلف. ابْنُ السِّكِّيتِ: إِذَا كَانَتِ الْيَاءُ زَائِدَةً فِي حَرف
رُباعيّ أَو خُماسِيٍّ أَو ثُلاثِيٍّ فالرُّباعِيُّ كالقَهْقَرى
والخَوْزَلى وبعيرٌ جَلْعَبى، فإِذا ثَنَّتْه العربُ أَسْقَطَتِ
الْيَاءَ فَقَالُوا الخَوْزلانِ والقَهْقَرانِ، وَلَمْ يُثْبِتوا
الْيَاءَ فَيَقُولُوا الخَوْزَليانِ وَلَا القَهْقَريانِ لأَن الحرفَ
كُرّرَ حُروفه، فَاسْتَثْقَلُوا مَعَ ذَلِكَ جَمْعَ الْيَاءِ مَعَ
الأَلف، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي نَصْبِه لَوْ ثُنِّي عَلَى
هَذَا الخَوْزَلَيَيْن فَثَقُلَ وَسَقَطَتِ الْيَاءُ الأُولى، وَفِي
الثُّلَاثِيِّ إِذا حُرِّكَتْ حُرُوفُهُ كُلُّهَا مِثْلَ الجَمَزَى
والوَثَبى، ثُمَّ ثَنَّوْه فَقَالُوا الجَمَزانِ والوَثَبانِ ورأَيت
الجَمَزَيْن والوَثَبَيْنِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا لَمْ يَجْتَمِعْ
فِيهِ ياءَانِ كتَبْتَه بِالْيَاءِ للتأْنِيث، فَإِذَا اجْتَمَع
الياءَانِ كتَبْت إِحْدَاهُمَا أَلفاً لِثقلِهما. الْجَوْهَرِيُّ: يَا
حَرْفٌ مِن حُروف الْمُعْجَمِ، وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيادات ومِن
حُرُوفِ المدِّ واللِّين، وَقَدْ يُكْنَى بِهَا عَنِ المُتَكَلِّم
المَجْرورِ، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى، نَحْوَ قَوْلِكَ ثَوْبي وغُلامي،
وَإِنْ شئتَ فَتَحْتَها، وَإِنْ شِئْتَ سَكَّنْت، وَلَكَ أَن
تَحْذِفَها فِي النِّداء خَاصَّةً، تَقُولُ: يَا قوْمِ وَيَا عِبادِ،
بِالْكَسْرِ، فإِن جاءتْ بعدَ الأَلف فَتَحْتَ لَا غيرُ نَحْوِ عَصايَ
ورَحايَ، وَكَذَلِكَ إنْ جاءتْ بَعْدَ يَاءِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ؛ وأَصله بمُصْرخِيني، سَقَطَتِ
النونُ للإِضافةِ، فَاجْتَمَعَ الساكِنانِ فحُرِّكَت الثانيةُ
بِالْفَتْحِ لأَنها يَاءُ المُتكلم رُدَّت إِلى أَصْلِها، وكَسَرَها
بعضُ القراءِ تَوَهُّماً أَنّ السَّاكِنَ إِذا حُرِّكَ حُرِّكَ إِلى
الْكَسْرِ، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، وَقَدْ يُكْنَى بِهَا عَنِ المُتكلم
الْمَنْصُوبِ إِلا أَنه لَا بُدَّ لَهُ مِنَ أَن تُزاد قَبْلَهَا نُونُ
وِقَايَةٍ لِلْفِعْلِ ليَسْلَم مِنَ الجَرِّ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبَني،
وَقَدْ زِيدَتْ فِي الْمَجْرُورِ فِي أَسماء مَخْصُوصةٍ لَا يُقاسُ
عَلَيْهَا نَحْوَ مِنِّي وعَنِّي ولَدُنِّي وقَطنْي، وَإِنَّمَا
فَعَلُوا ذَلِكَ ليَسلم السُّكون الَّذِي بُنيَ الاسمُ عَلَيْهِ،
وَقَدْ تَكُونُ الْيَاءُ عَلَامَةً للتأْنيث كَقَوْلِكَ: إِفْعَلي
وأَنتِ تَفْعَلِينَ، قَالَ: ويا حَرْفٌ يُنادى بِهِ القَريبُ
والبَعِيدُ، تَقُولُ: يَا زَيْدُ أَقْبِلْ؛ وقولُ كُلَيْبِ بْنِ
ربِيعةَ التَّغْلَبي:
يَا لَكِ منْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ، ... خَلا لَكِ الجوُّ فَبِيضِي
واصْفِري
فَهِيَ كَلِمَةُ تَعْجُّبٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْيَاءُ حرفُ
هِجَاءٍ وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُور يَكُونُ أَصْلًا وبَدلًا وَزَائِدًا،
وتَصْغيرها يُوَيَّةٌ. وَقَصِيدَةٌ واوِيَّةٌ إِذا كَانَتْ عَلَى
الْوَاوِ، وياوِيَّةٌ عَلَى الْيَاءِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: ياوِيَّةٌ
ويائِيةٌ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ أَخَواتُها، فأَما قَوْلُهُمْ يَيَّيْتُ
يَاءً فَكَانَ حُكْمُهُ يَوَّيْت وَلَكِنَّهُ شَذَّ. وَكَلِمَةٌ
مُيَوّاةٌ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَوَيَّاةٌ أَي
مَبْنية مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ؛ قَالَ: فإِذا صَغَّرْتَ الْيَاءَ
قُلْتَ أُيَيَّةٌ. وَيُقَالُ: أَشْبَهَتْ ياؤكَ يَائِي وأَشْبهت
يَاءَكَ بِوَزْنِ ياعَكَ، فإِذا ثَنَيْتَ قُلْتَ ياءَىَّ بِوَزْنِ
ياعَيَّ.
(15/493)
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جَائِزٌ أَن
تَقُولَ يَيَّيْتُ يَاءً حَسَنةً. قَالَ الْخَلِيلُ: وجدْتُ كلَّ وَاوٍ
أَو يَاءٍ فِي الْهِجَاءِ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَها
تَرْجِعُ فِي التَّصْرِيفِ إِلَى الْيَاءِ نَحْوَ يَا وَفَا وَطَا
وَنَحْوَهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما قولُه تَعَالَى أَلا يَا
اسْجدُوا، بِالتَّخْفِيفِ، فالمَعْنى يَا هَؤُلاء اسْجُدوا، فحُذِفَ
المُنادى اكْتِفاء بحَرف النِّداء كَمَا حُذِفَ حَرْفُ النِّداء
اكْتِفاء بالمُنادى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
هَذَا؛ إذْ كَانَ المُراد مَعْلوماً؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ يَا
فِي هَذَا المَوْضِع إِنَّمَا هُوَ للتَّنْبِيه كأَنه قَالَ: أَلا
اسْجُدُوا، فَلَمَّا أُدْخل عَلَيْهِ يَا التَّنْبِيه سَقَطَتِ
الأَلِفُ الَّتِي فِي اسْجُدوا لأَنها أَلفُ وَصْلٍ، وذهَبَت الأَلف
الَّتِي فِي يَا لاجْتماع السَّاكِنَيْنِ لأَنها وَالسِّينَ
سَاكِنَتَانِ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ هَذَا الْبَيْتَ
وَخُتِمَ بِهِ كِتَابَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنه قَصد بِذَلِكَ تفاؤُلًا
بِهِ، وَقَدْ خَتَمْنا نَحْنُ أَيضاً بِهِ كِتَابَنَا، وَهُوَ:
أَلا يَا اسْلَمِي، يَا دارَمَيَّ، عَلى البِلى، ... وَلَا زالَ
مُنْهلًّا بِجَرْعائكِ القَطْرُ
(15/494)
|