المزهر في علوم اللغة وأنواعها (تصدير)
وقبل الشروع في الكتاب نصدر بمقالة ذكرها أبو الحسين أحمد بن فارس في
أول كتابه فقه اللغة:
قال: اعلم أن لعلم العرب أصلا وفرعا أما الفرع فمعرفة الأسماء والصفات
كقولنا: رجل وفرس وطويل وقصير وهذا هو الذي يبدأ به عند التعلم.
وأما الأصل فالقول على وضع اللغة وأوليتها ومنشئها ثم على رسوم العرب
في مخاطباتها وما لها من الافتنان تحقيقا ومجازا.
والناس في ذلك رجلان: رجل شغل بالفرع فلا يعرف غيره وآخر جمع الأمرين
معا وهذه هي الرتبة العليا لأن بها يعلم خطاب القرآن والسنة وعليها
يعول أهل النظر والفتيا وذلك أن طالب العلم اللغوي يكتفي من أسماء
الطويل باسم
(1/9)
الطويل ولا يضيره ألا يعرف الأشق والأمق
وإن كان في علم ذلك زيادة فضل.
وإنما لم يضره خفاء ذلك عليه لأنه لا يكاد يجد منه في كتاب الله تعالى
شيئا فيحوج إلى علمه ويقل مثله أيضا في ألفاظ رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذ كانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم هي السهلة العذبة.
ولو أنه لم يعلم توسع العرب في مخاطباتها لعي بكثير من علم محكم الكتاب
والسنة ألا ترى قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة} إلى
آخر الآية.
فسر هذه الآية في نظمها لا يكون بمعرفة غريب اللغة والوحشي من الكلام.
(وإنما معرفته بغير ذلك مما لعل كتابنا هذا يأتي على أكثره بعون الله)
.
والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول أن متوسما بالأدب لو سئل عن
الجزم والتسويد في علاج النوق فتوقف أو عي به أو لم يعرفه لم ينقصه ذلك
عند أهل المعرفة نقصا شائنا لأن كلام العرب أكثر من أن يحصى ولو قيل
له: هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات ثم لم يعلمه
لنقصه ذلك (في شريعة الأدب) عند أهل الأدب (لا أن ذلك يرده عن دينه أو
يجره لمأثم) كما أن متوسما بالنحو لو سئل عن قول القائل // من الطويل
//:
(لهنك من عبسية لوسيمة ... على هنوات كاذب من يقولها)
(1/10)
فتوقف أو فكر أو استمهل لكان أمره في ذلك عند أهل الفضل هينا لكن لو
قيل له مكان (لهنك) : ما أصل القسم وكم حروفه (وما الحروف المشبهة
بالأفعال التي يكون الاسم بعدها منصوبا وخبره مرفوعا) فلم يجب لحكم
عليه بأنه لم يشام صناعة النحو قط.
فهذا الفصل بين الأمرين.
ثم قال: والذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرق في أصناف كتب العلماء
المتقدمين (رضي الله عنهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء) وإنما لنا فيه
اختصار مبسوط أو بسط مختصر أو شرح مشكل أو جمع متفرق.
انتهى.
وبمثل قوله أقول في هذا الكتاب وهذا حين الشروع في المقصود بعون الله
المعبود. |