المزهر في علوم اللغة وأنواعها

النوع الرابع

معرفة المرسل والمنقطع

قال الكمال بن الأنباري في لمع الأدلة: المُرْسل هو الذي انقطع سنَدُه نحو أن يَرْويَ ابنُ دريد عن أبي زيد وهو غيرُ مقبول لأن العَدالة شرطٌ في قبول النَّقْل

(1/96)


وانقطاعُ سَنَد النَّقْل يوجب الجَهْل بالعَدَالة فإن من لم يُذْكَر لا يُعرف عدالته.
وذهب بعضُهم إلى قَبُول المُرَسل لإن الإرسال صدَر ممن لو أُسند لقُبِل ولم يُتّهم في إسناده فكذلك في إرساله لأن التهمة لو تطرَّقت إلى إرساله لتطَرَّقت إلى إسناده وإذا لم يتهم في إسناده فكذلك في إرساله.
قلنا: هذا اعتبار فاسد لأن المسند قد صُرِّح فيه باسم الناقل فأمكن الوقوف على حقيقة حاله بخلاف المرسل فبانَ بهذا أنه لا يلزم من قبول المُسْند قبولُ المرسل.
انتهى ما ذكره ابن الأنباري.
ومن أمثلة ذلك ما في الجمهرة لابن دُريد: يقال فَسَأْتُ الثوبَ أفسؤه فسْأً إذا مَدَدتُه حتى يتفزَّر.
وأخبر الأصمعي عن يونس قال: رآني أعرابيٌّ محتبيا بطيلسان فقال: علام تفسؤه - ابن دريد لم يُدْرِك الأصمعي.
وقال ابنُ دريد في أماليه: أخبرنا الأشْنانْدَاني عن التَّوزي عن أبي عُبيدة قال: اجتمع عند يزيد بن معاوية أبو زُبَيد الطائي وجَميل بن مَعْمر العذري والأخطل التغلبي فقال: أيكم يصف الأسد في غير شِعْر فقال أبو زُبَيد: أنا يا أمير المؤمنين لونه وَرْد وزئير رَعْد وقال مرة أخرى زَغْد ووثْبُه شَدّ وأَخْذه جِدّ وهَوْلُه شَدِيد وشرُّه عَتِيد ونَابُه حَدِيد وأنفُه أَخْثَم وخده أَدْرم ومِشْفَرُه أَدْلَم وكفَّاه عراضتان ووجنتاه ناتئتان وعيناه وقادتان كأنهما لَمْحٌ بارق أو نجمٌ طارق إذا استقبلتَه قلتَ أَفْدَع وإذا استعرضتَه قلت أَكْوَع وإذا

(1/97)


استدبرتَه قلت أَصْمَع بَصِير إذا استغْضَى هَمُوس إذا مَشَى إذا قَفَّى كَمَشَ وإذا جَرى طَمَش بَرَاثِينُه شَثنَة ومَفَاصِله مُتْرَصَة مُصْعِقٌ لقَلْبِ الجَبَان مُرَوِّع لماضي الجَنَان إذا قاسَمَ ظَلَم وإن كابَر دَهَمَ وإن نازل غَشَم ثم أنشأ يقول: // من الرجز //
(خُبَعْثِنٌ أَشْوَسُ ذو تَهَكُّمِ ... مُشْتَبِك الأنياب ذو تَبَرْطُمِ)
(وذُو أَهَاويلَ وذو تَجَهُّم ... ساطٍ على اللَّيث الهِزَبْر الضَّيْغَم)
(وعَيْنُهُ مثل الشِّهاب المُضْرَم ... وهامُهُ كالحَجرِ المُلَمْلَم)
فقال: حسبك يا أبا زُبيد
ثم قال: قُلْ يا جميل.
فقال: يا أميرَ المؤمنين: وجهُه فَدْغم وشَدْقُه شَدْقَم ولُغْدُه مُعْرَنْزِم مُقَدَّمَه كثيف ومُؤَخَّرُه لطيف ووثْبُه خفيف وأخْذه عنيف عَبْل الذراع شديد النُّخَاع مُرْدٍ للسباع مُصْعِق الزَّئير شديد المَرِير أَهْرَت الشِّدْقين مُتْرَص الحَصِيرين يركب الأهوال ويَهتِصر الأبطال

(1/98)


ويمنع الأشبال ما إن يزال جاثما في خِيس أو رابضا على فَرِيس أو ذَا ولغ ونهيس ثم قال: // من الرجز //
(ليْثُ عَرِينٍ صَيْغَمٌ غَضَنْفَرُ ... مُداخَلٌ في خَلْقِه مُضَبَّر)
(يُخَافُ من أنْيابه ويُذْعَرُ ... ما إن يزالُ قائما يُزَمْجِر)
(له على كلِّ السباع مفخر ... قضاقض شثن البنان قسور)
فقال: حسبك يابن مَعْمر.
ثم قال: قلْ يا أخطل.
فقال: ضَيْغَمٌ ضِرغام غَشَمْشَم هَمْهَام على الأهوَال مِقْدَام وللأقران هَضَّام رِئْبال عَنْبس جَريء دلَهْمَس ذو صَدْر مُفَرْدَس ظلوم أَهْوَس لَيْث كَرَوَّس ثم قال: // من الرجز //
(شرنبث الكَفَّيْن حامي أشْبُل ... إذا لَقَاه بَطَلٌ لم يَنْكَل)
(قُضَاقِضٌ جَهْمٌ شديد المَفْصِلَ ... مُضَبَّر الساعد ذو تَعَثْكُلِ)
(مُلَمْلَم الهامةِ كَمْشُ الأرجُل ... ذو لِبَدٍ يَغْتَالُ في تمهّلِ)

(1/99)


(أنيابُه في فِيه مثلُ الأَنْصُل ... وَعَيْنُهُ مثل الشِّهابِ المُشْعَل)
فقال له: حسبُك.
وأَمَرَ لهم بجوائز.
هذا منقطع أبو عبيدة لم يدرك يزيد.