المزهر في علوم اللغة وأنواعها النوع السابع
معرفة طرق الأخذ والتحمل
هي ستة:
1 - أحدها - السماعُ من لفظ الشيخ أو العَرَبيّ قال ابنُ فارس: تُؤْخَذ
اللغة اعتيادا كالصبي العربي يَسْمَعُ أبَوَيه وغيرَهما فهو يأخذُ
اللغة عنهم على ممر الأوقات وتؤخذ تلقنا من ملقن وتؤخذ سماعا من الرواة
الثقات وللمتحمل بهذه الطرق عند الأداء والرواية صِيَغ: أَعْلاها أن
يقولَ أَمْلَى علي فلانٌ أو أَمَلّ على فلان.
قال أبو علي القالي في أماليه: أَمْلى علينا أبو بكر بن دُريد قال
أنشدنا أبو حاتم عن أبي عبيدة لِخِرْنق بنت هَفَّان تَرْثي زوجَها عمرو
بن مرثد وابنها علقمة بن عمر وأخويه حسانا وشرحبيل: // من الكامل //
(لا يَبْعَدَنْ قومي الذين همُ ... سمُّ العُداة وآفَةُ الجُزر)
(النازلون بكل مُعْتَرَك ... والطيِّبون مَعَاقِد الأُزر)
قال: وأمْلى علينا أبو العهد صاحب الزجاج قال: أنشدنا أبو خليفة الفضل
بن الحُباب الجُمَحي قال: أنشدنا أبو عثمان المازني للفرزدق: // من
البسيط //
(لا خيرَ في حُبّ من تُرْجَى نَوَافِلُه ... فاسْتَمْطِرُوا من قريش
كلَّ مُنْخَدِع)
(تَخَال فيه إذا ما جئته بَلَهاً ... في ماله وهْو وَافي العَقْلِ
والوَرَع)
قال القالي: أولُ كلمة سمعتها من أبي بكر بن دريد دخلتُ عليه وهو يُملي
(1/113)
على الناس: العربُ تقول هذا أَعْلَق من هذا
أي أمر منه وأنشدنا: // من الطويل //
(نَهارُ شَراحيلَ بن طَوْدٍ يَرِيبني ... ولَيْلُ أبي لَيْلَى أَمَرُّ
وأَعْلَقُ)
أي أشدُّ مرارة.
- ويلي ذلك سمعت:
قال ثعلب في أماليه: حدثنا مَسلمة قال سمعت الفرَّاء يحكي عن الكِسَائي
أنه سمع اسْقِني شَرْبَة ما يا هذا يريد شربة ماء فقصر وأخْرجه على لفظ
من التي للاستفهام وهذا إذا مضى فإذا وقف قال: شربة ماء.
وقال أبو حاتم سمع أبا زيد مائة مرة أو أكثر يقول: بَصَّصَ الجِرْ
وبالياء إذا فتح عَيْنَيْه كذا في نوادر أبي زيد.
قال القالي حدثني أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال سمعت أم
الهيثم تقول: شيرة وأنشدت: // من الطويل //
(إذا لم يكن فيكُنَّ ظِلٌّ ولا جَنًى ... فأبْعَدَكُنَّ الله من
شِيرَاتِ)
فقلتُ: يا أمَّ الهيثم صغِّريها.
فقالت: شُيَيْرة.
وقال القالي حدثنا أبو بكر بن دريد حدثنا عبد الرحمن عن عمه الأصمعي
قال: سمعتُ أعرابيا يدعو لرجل فقال جنَّبك الله الأمَرَّين وكفاك شرَّ
الأجوفين وأذاقك البردين.
قال القالي: الأمَرَّان: الفَقْر والعُري والأجوفان: البَطْن والفرج
والبردان: برد الغنى وبرد العافية.
وقال القالي: حدثنا أبو بكر قال حدَّثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال:
(1/114)
سمعتُ أعرابيا من غَنِّيٍ يذكر مطرا صاب
بلادَهم في غِبِّ جَدْب فقال:
تَدَارَكَ رَبُّكَ خَلْقَه وقد كَلِبت الأَمْحَال وَتَقَاصَرَت الآمال
وَعَكَفَ اليَاس وكُظِمَت الأَنفاس وأصبحَ الماشي مُصْرِماً والمُتْرب
مُعْدِماً وجُفِيت الحَلاَئِل وامْتُهنَت العقَائل فأَنْشَأَ سحابا
رُكاماً كَنْهوراً سَجَّاماً بُرُوقُه متألِّقَةٌ ورُعُوده
مُتَقَعْقِعَة فَسَحَّ سَاجياً راكِداً ثلاثا غير ذي فُواق ثم أمَرَ
ربُّكَ الشَّمَالَ فَطَحَرَت رُكامه وفَرَّقَتْ جَهَامه فَانْقَشَع
محمودا وقد أَحْيَا وأَغْنى وجادَ فأَرْوى فالحمدُ لله الذي لا تُكَتُّ
نِعَمه ولا تنفد قِسَمُه ولا يَخِيبُ سَائِلُه ولا يَنْزُر نَائِله.
صاب: جاد.
كَلِبت: اشتدَّت.
كُظِمَتْ: رُدَّتْ إلى الأجواف.
الماشي: صاحبُ الماشية.
مُصْرماً: مُقِلاًّ.
المُتْربُ: الغَنيُّ الذي له مالٌ مثل التراب.
امْتُهِنَتْ: استُخْدِمت.
العقَائل: الكرائم.
الكَنَهْوَر: القِطَع كأنها الجبال واحدتها كَنَهْوَرة.
سجَّام: صبَّاب.
متألقة: لامِعَة.
سحَّ: صبَّ.
ساجيا: ساكنا.
طَحَرَت: اذْهَبَتْ.
الرُّكام: ما تَرَاكم منه.
الجَهَام: السحاب الذي هَرَاق ماءَه.
تكت: تحصى.
ينزز: يَقلُّ.
- ويَلِي ذلك أن يقول: حدَّثني فلان وحدَّثنا فلان ويستحسن حدَّثني إذا
حدث وهو وحدَه وحدَّثنا إذا حدث وهو مع غيره.
وقال ثعلب في أماليه: حدَّثنا ابنُ الأعرابي قال حدِّثني شيخٌ عن محمد
بن سعيد الأموي عن عبد الملك بن عمير قال: كنتُ عند الحجاج بن يوسف
فقال لرجل من أهل الشأم: هل أصابك مطرٌ قال نعم أصابني مطر أسَال
الآكام وأدْحض التلاع وخرق الرَّجْع فجئتك في مثل مَجَرِّ الضَّبع.
ثم سأل رجلا من أهل الحجاز: هل أصابك مطر قال: نعم سقتني
(1/115)
الأَسْمِية فغيبت الشِّفَار وأُطْفئت النار
وتَشَكَّت النساء وتظالمت المِعْزى واحتلبت الدَّرَّة بالجرة.
ثم سأل رجلا من أهل فارس فقال: نعم ولا أحسِنُ كما قال هؤلاء إلا أني
لم أزل في ماءٍ وطين حتى وصلت إليك.
وقال حدثني أبو بكر بن الأنباري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال:
يقال: لَحَن الرجل يَلْحَن لَحْناً فهو لاحِن: إذا أَخْطَأَ.
ولَحِنَ يَلْحَن لَحَناً فهو لَحِن: أصاب وفطن.
وقال ثعلب في أماليه: حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب حدثنا أبو
العالية قال: قلت للغنوي: ما كان لك بنَجْد قال: ساحات فِيح وعين
هُزَاهِز واسعة مُرْتَكَض المحبر.
قلت: فما أَخْرَجَك عنها قال إن بني عامر جعلوني على جنديرة أعينهم
يريدون أن يحفظوا دَمِيَّةْ) .
أي يقتلوني سرا.
وقال حدثنا عمر بن شيبة حدثنا إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت
حدثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أول
مَن قال: (أما بعد) كعب بن لؤي وهو أول مَن سمَّى يوم الجُمُعة الجمعة
وكان يقال له العَرُوبة.
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا الحسن بن
عُلَيل العَنزي قال حدثني مسعود بن بِشْر عن وهب بن جرير عن الوليد بن
يسارٍ
(1/116)
4 - الخزاعي قال: قال عمرو بن معد يكرِب
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أأَبْرَامٌ بنو
مَخْزُوم قال: وما ذاك قال: تضيَّفْتُ خالد بن الوليد فأتى بقَوْسِ
وثَوْرٍ وكَعْبٍ.
قال: إن في ذلك لَشَبْعَة.
قلت: لِيَ أو لَكَ قال: لي ولك.
قال: حِلاًّ يا أمير المؤمنين فيما تَقُول وإني لآكُلُ الجَذَع عن
الإبل أَنْتَقِيه عَظْماً عظما وأشرب التِّبْن من اللبن رثيئة
وصَريفاً.
قال القالي: القَوْس: البقيَّة من التمر تبقى في الجُلَّة والثَّوْر:
القطعة من الأقِط. والكَعْب: القطعة من السمن.
والعرب تقول: حلا في الأمر تَكْرَهُه بمعنى كَلاَّ.
والتِّبْن: أعظمُ الأقداح.
وقال القالي حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد
أنه قال: أحجم المرء عن الأمر إذا كَعَّ وأَحْجَم إذا أقدم.
وقال القالي: حدَّثني أبو عمر الزاهد حدثنا أبو العباس ثعلب عن ابن
الأعرابي: قال: العرب تقول ماء قَرَاح وخبَز قَفَار لا أدم معه وسويق
جاف وهو الذي لم يلَتّ بسمن ولا زيت وحنظل مُبَسَّل وهو أن يُؤكَل
وحدَه.
وقال: حدَّثني غيرُ واحدٍ عن أصحاب أبي العباس ثعلب عنه أنه قال: كلُّ
شيء يعزُّ حين ينزر إلا العلم فإنه يعزُّ حين يغزر.
وقال القالي: حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن
أبي عمرو بن العلاء عن راوية كثير قال: كنت مع جرير وهو يريد الشأم
فقال: أنشدني لأخي مُلَيح - يعني كثيرا - فأنشدتُه حتى انتهيت إلى
قوله: // من الطويل //
(وأَدْنَيْتِني حتى إذا ما اسْتَبَيْتني ... بقولٍ يُحِلُّ العُصْمَ
سَهْلَ الأَباطحِ)
(1/117)
(تولَّيْتِ عني حين لاَ لِيَ مَذْهَبٌ ...
وغادرتِ ما غادَرْتِ بين الجوانِح)
فقال: لولا أنه لا يَحْسن لشيخ مثلي النَّخِير لَنَخَرْتُ حتى يَسْمَع
هشامٌ على سريره.
- ويلي ذلك أخبرني فلان واخبرنا فلان ويُسْتَحْسَن الإفراد حالَة
الأفرد والجمع حالة الجمع كما تقدم.
قال ثعلب في أماليه أخبرنا أبو المنهال قال أخبرنا أبو زيد قال: السانح
الذي يليك مَيَامِنه إذا مرَّ من طير أو ظبيٍ أو غيره والبَارِح الذي
يليك مَيَاسِره إذا مرَّ بك وإن استقبلك فهو ناطِح وإن استدبرك
استدبارا فهو قعيد وإن مر معترضا قريبا فهو الذابح وأنشد للخطيم: // من
الطويل //
(بَرِيحاً وشرُّ الطيْر ما كان بارحا ... بشَؤمِي يديه والشَّواحج
بالفجر)
يريد وشرها الشواحج بالفجر يريد الغِرْبان وقال في مصارد هذه الجواري
وهي تمر به فيزجرها وكلها عندهم طائر في موضع الزجر وإن كان ظبيا أو
غيره: سَنَح يسْنَح سُنوحاً وسَنْحاً وبَرَح يبرُح بروحا وبرحا ونطح
ينطح نَطْحاً وقَعِد الطائر مكسورة العين يقعد قعْداً وذبح يذبح ذبحا
قال أبو زيد: وإنما قال الحظيم: بَرِيحاً على لَفْظِ سنيح وذبيح
وقَعِيد.
- ويلي ذلك أن يقول: قال لي فلان قال ثعلب في أماليه: قال لي يعقوب:
قال لي ابنُ الكلبي: بيوتُ العرب ستةٌ: قُبَّة من أَدَمَ ومِظلَّة من
شعر وخباءٌ من صوف وبجَادَ من وَبَر وخَيْمَة من شَجَر وأُقْنة من حجر.
ويلي ذلك أن يقول: قال فلان بدون لي قال ثعلب في أماليه: قال أبو
المنهال قال أبو زيد: لستُ أقولُ: قالت العربُ إلا إذا سمعتُه من
هؤلاء: بكر بن هوازن وبني كلاب وبني هلال أو من عالية السافلة أو سافلة
العالية وإلا لم أقلْ: (قالت العرب) .
قال: وعرضتُ قوله على الأخفش صاحب الخليل وسيبويه في النحو فجعل
(1/118)
يقول: قال يونس: حدثني الثّقَةُ عن العرب
قلت له: مَنِ الثقة قال أبو زيد: فقلتُ له: فما لك لا تسميه قال: هو
حيٌّ بعدُ فأنا لا أسميه.
وقال ثعلب: قال أبو نصر: قال الأصمعي: أشدُّ الناس الأعجف الضَّخم
وأخبثُ الأفاعي أفاعي الجَدْب وأخبث الحيات حيات الرمت وأشد المواطىء
الحصى على الصَّفا وأخبث الذئاب ذِئاب الغَضَى.
وقال القالي: حدثنا أبو محمد قال: قرأت على علي بن المهدي عن الزجاج عن
الليث قال: قال الخليل: الجعسوس: القبيح اللئيم الخُلُق والخَلْق.
ونحو ذلك أو مثله أن يقول زعم فلان:
قال القالي في أماليه: قرأت على أبي عمر المطرز حدثنا أحمد بن يحيى عن
ابن الأعرابي قال: زعم الثقفي عثمان بن حَفْص أن خَلَفاً الأحمرَ أخبره
عن مروان ابن أبي حفصة أن هذا الشعر لابن الدمينة الثقفي: // من الطويل
//
(ما بَالُ من أَسْعَى لأجْبُرَ عَظْمَه ... حِفَاظاً ويَنْوي من
سَفَاهَتِه كَسْرى)
... الأبيات.
وقال ثعلب في أماليه: حدثنا عمر بن شيبة حدثني محمد بن سلاَّم قال زعم
يونس بن حبيب النحوي قال: صنع رجلٌ لأعرابي ثَرِيدة ثم قال له: لا
تسقعها ولا تشرمها ولاتقعرها.
قال: فمن أين آكل لا أبالكقال ثعلب: تصقعها: تأكلُ من أعلاها.
وتَشْرمها: تخرقها وتَقْعرها.
تأكلُ من أسفلها.
قال ثعلب: وفي غير هذا الحديث: فمن أين آكل قال: كلْ من جَوانبها.
قال القالي: أخبرنا الغالبي عن أبي الحسن بن كيسان عن أبي العباس أحمد
(1/119)
ابن يحيى قال: زعم الأصمعي أن الغَرْز لغة
أهل البحرين وأن الغَرَز بالفتح اللغة العليا.
ويلي ذلك أن يقول عن فلان.
قال ثعلب في أماليه: قال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قاتل الله
أَمَّة بني فلان سألتها عن المطر فقالت: غِثْنا ما شئنا.
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دريد حدثنا أبو حاتم عن
الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: لقيتُ أعرابيا بمكة فقلت: مِمَّنْ
أنت قال: أسدي.
قالت: ومِن أيهم قال نمري.
قلت من أيِّ البلاد قال: مِن عمان.
قلت: فأَنَّى لك هذه الفَصاحة قال: إنَّا سكَنَّا أرضا لا نَسْمَعُ
فيها ناجخة التَّيار.
قلت: صِفْ لي أرضَك.
قال: سِيفٌ أفيح وفضاء ضَحْضَحْ وجَبل صَرْدَح ورمل أَصْبَح قلت: فما
مالُك قال: النخل.
قلت: فأين أنت عن الإبل قال: إن النَّخل حِمْلُها غذاء وسَعفها ضياء.
وجِذْعها بناء وكَرَبها صلاء وليفها رِشاء وخوصها وِعاء وقَرْوُها
إناء.
قال القالي: الناجخة: الصوت.
والتيار الموج.
والسيف: شاطىء البحر.
وأفيح: واسع والفضاء الواسع من الأرض.
والضَّحْضَح: الصحراء.
والصَّرْدح: الصلب.
والأصبح: الذي يعلو بياضه حُمرة.
والرشاء: الحبل.
والقَرْو: وعاء من جذع النخل ينبذ فيه.
- ومثل (عن) إن فلانا قال.
قال القالي في أماليه: حدثني أبو عمر (الزاهد) عن أبي العباس - (يعني
ثعلبا) - عن ابن الأعرابي أن غُلَيِّماً من بني دبير أنشده: // من
الرجز //
(يابن الكِرام حَسَباً ونَائلاَ ... حَقّاً ولا أقولُ ذاك باطلا)
(إليك أشكو الدَّهْرَ والزَّلازلا ... وكلَّ عامٍ نقح الحمائلا)
(1/120)
قال القالي: التنقيح: القَشر.
قال: قشروا حمائلَ السيوف فباعوها لشدَّة زمانهم.
وقال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري أن أبا عثمان أنشدهم عن التَّوَّزيَّ
عن أبي عبيدة لأِعرابيٍّ طلَّق امرأته ثم ندم فقال: // من الطويل //
(نَدِمْتُ وما تُغْنِي الندامةُ بَعْدَما ... خرجنَ ثلاثٌ ما لهن رجوع)
(ثلاث يحرمن الحلال على الفتى ... ويصدعن شَمْلَ الدار وهو جَمِيعُ)
ومن غريب الرواية ما ذكره أبو العباس ثعلب في اماليه قال الذي أحقه عن
عبد الله بن شبيب أكثر وهمي قال أخبرنا الزبير بن بكار عن يعقوب بن
محمد عن إسحاق بن عبد الله قال: بينما امرأةٌ تَرْمي حَصَى الجِمار إذ
جاءت حصاة فصكَّت يدها فَوَلْوَلَتْ وأَلْقَت: الحصى فقال لها عمر بن
أبي ربيعة تَعُودين صاغرة فتأخذين الحصى فقالت أنا والله يا عمر: // من
الطويل //
(من اللاءِ لم يحججنَ يبْغِين حِسْبة ... ولكن ليقتبن البريءَ
المغَفَّلاَ)
فقال: صانَ الله هذا الوجه عن النار.
ويقال في الشعر أنشدنا وأنشدني على ما تقدم.
قال القالي في أماليه: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال:
أنشدنا أبو العباس بن مروان الخطيب لخالد الكاتب قال: وسمعت شعر خالد
من خالد: // من البسيط //
(رَاعَى النجومَ فقد كادت تُكَلِّمُه ... وانْهَلَّ بَعْدَ دُموعٍ
يَالَهَا دَمُهُ)
(أَشْفَى عَلَى سَقَمٍ يُشْفَي الرَّقيبُ به ... لو كان أَسْقَمَه مَنْ
كان يَرْحَمُهُ)
يَا مَنْ تَجَاهَلَ عَمَّا كَانَ يَعْلَمُهُ ... عَمْداً وباحَ بِسِرٍّ
كان يَكْتُمُهُ)
(هذا خَلِيلُك نِضْواً لا حراكَ بهِ ... لم يَبْقَ من جسمه إلا
تَوَهُّمُه)
(1/121)
قال القالي: أنشدنا أبو بكر بن دريد قال
أنشدني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال أنشدتني عشرقة المحاربية - وهي
عجوز حيزبون زولة: // من الطويل //
(فما لَبسَ العُشَّاق من حُلَل الهَوَى ... ولا خَلَعُوا إلاَّ
الثِّيَابَ التي أُبْلي)
(ولا شربوا كأْساً من الحبِّ مُرَّةً ... ولا حُلْوَةً إلا شَرَابُهُم
فَضْلِي)
(جَرَيْتُ مع العُشَّاقِ في حَلْبَةِ الهَوَى ... فَفُقْتُهُمُ سَبْقاً
وجئتُ على رِسْلِي)
وقال القالي وأنشدني أبو عمرو عن أبي العباس عن ابن الأعرابي: // من
الطويل //
(لقد عَلِمَتْ سَمْراءُ أنَّ حديثَهَا ... نَجِيعٌ كما ماءُ السماءِ
نَجِيعُ)
(إذا أمَرَتْني العَاذِلات بَصَرْمها ... أَبَتْ كَبِدٌ عما يَقُلْنَ
صَدِيع)
(وكيف أُطِيعُ العاذِلاتِ وحُبُّها ... يُؤرِّقني والعاذِلاتُ هُجوع)
قال القالي: أنشد ابنُ الأعرابي البيتين الأولين وأنشدنا أبو بكر
بالإسناد الذي تقدم عن الأصمعي عن عشرقة البيت الثاني والثالث.
وقال ثعلب في أماليه أنشدنا عبد الله بن شبيب قال: أنشدني ابن عائشة
لأبي عبيد الله بن زياد الحارثي: // من البسيط //
(لا يَبْلُغُ المجدَ أقوامٌ وإن كَرُموا ... حتى يَذِلُّوا وإن عَزُّوا
لأقوام)
(ويُشْتَمُوا فَترَى الألْوَانَ مُسْفِرَةً ... لا عَفْوَ ذلٍّ ولكن
عَفْوَ أَحْلامَ)
وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب أنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا
(1/122)
عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
أنشدني أعرابي من بني تميم ثم من بني حنظلة لنفسه: // من مجزء الرمل //
(مَنْ تصدَّى لأخيه ... بالغِنى فهو أخُوه)
(فهو إنْ يَنْظُر إليه ... رأى ما لا يَسوه)
(يكرم المرء وإن أملق ... أقْصَاه بَنُوه)
(لو رأى الناسُ نبيا ... سائلا ما وصَلُوه)
(وهم لو طمعوا في ... زَادِ كَلْب أكلوه)
(لا تراني آخرَ الدَّهْرِ ... بتسآل أفُوه)
(إن من يَسأل سوى الرحمن ... يكْثر حارموه)
(والذي قام بأرزاق ... الورى طرا سلُوه)
(وعن الناس بفضل الله ... فاغنوا واحْمَدوه)
(تلْبَسوا أثوابَ عز ... فاسْمَعُوا قولي وعوه)
(أنت ما استغنيت عن صاحبك ... الدَّهْرَ أخوه)
(فإذا احتجتَ إليه ... ساعة مجَّك فُوه)
(أهْنأ المعروف ما لم ... تُبْتَذَلْ فيه الوجوه)
(إنما يصطنع المعروف ... في الناس ذَوُوه) وقد يُستعمل في الشعر حدثنا
وسمعت ونحوهما
قال القالي حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي المعروف
بنفْطَويه قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن شبيب عن ابن
(1/123)
مِقَمَّة عن أمه قالت: سمعتُ مَعْبداً
بالأخْشَبَيْن وهو يغني: // من الخفيف //
(ليس بين الحياةِ والموتِ إلا ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فَتُزَمّا)
(ولقد قلتُ مُخْفِياً لِغَرِيضٍ: ... هَلْ ترى ذلك الغَزالَ الأجَمَّا)
(هل تَرى فوقَه من الناس شَخْصاً ... أحسنَ اليومَ صورة وأتَمّا)
(إن تنيلي أعش بخير وإن لم ... تبدلي الود مت بالهم غما)
(القراءة على الشيخ)
ثانيها - القراءة على الشيخ ويقول
عند الرواية: قرأت على فلان.
قال القالي في أماليه قرأت على أبي بكر محمد بن أبي الأزهر قال حدثني
حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني أبي قال: قيل لعَقِيل بن
عُلّفة وأراد سفرا أين غَيْرتك على مَنْ تُخَلِّف مِنْ أهلك قال:
أُخَلِّف معهم الحافِظِين: الجوعَ والعُرْيَ أُجيعُهنَّ فلا يَمْرَحْن
وأُعْرِيهن فلا يبْرَحن.
وقال قرأت على أبي بكر محمد بن أبي الأزهر وقال حدثنا الشونيزي قال:
حدثنا محمد بن الحسن المخزومي عن رجل من الأنصار نسي اسمَه قال: جاء
حسان بن ثابت إلى النابغة فوجدَ الخنساء حين قامت من عنده فأنشده قوله:
// من الكامل //
(أولاد جَفْنَةَ حَوْلَ قبرِ أبيهم ... قبر ابن مَارية الكَرِيمِ
المُفْضِل)
(يَسْقُونَ مَنْ ورَدَ البَريصَ عليهم ... بَرَدَى يُصَفَّقُ
بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ)
(يُغْشَوْن حتى لا تَهِرُّ كِلابهم ... لا يسألون عن السَّواد
المُقْبلِ)
... الأبيات فقال: إنك لشاعر وإن أُختَ بني سليم لَبَكَّاءَةٌ.
وقال القالي قرأت على أبي عمر الزاهد قال: حدثنا أبو العباس ثعلب عن
ابن
(1/124)
الأعرابي قال: الطاية والتاية والغاية
والرََّاية والآية فالطايةُ: السَّطْحُ الذي ينام عليه.
والتَّاية: أن تَجْمَعَ بين رؤوس ثلاث شجرات أو شجرتين فَتُلْقى عليها
ثوبا فيستظلُّ به.
والغاية: أقصى الشيء وتكون من الطير التي تُغَيي على رأسك أي ترفرف.
والآية: العلامة.
وقال القالي: قرأت على أبي عمر الزاهد قال حدثنا أبو العباس أحمد بن
يحيى عن ابن الأعرابي قال يقال: علَّ في المرض يَعِلُّ أي اعتلَّ وعلَّ
في الشراب يَعِلُّ وَيعُلّ عَلاًّ.
وقال القالي قرأت على ابي بكر بن دريد قال: قرأت على أبي حاتم والرياشي
عن أبي زيد قال راجز من قيس: // من الرجز //
(بئس الغِدَاءُ للغلام الشاحبِ ... كَبْدَاء حُطَّتْ من صَفاَ
الكَواكبِ)
(أدارها النَّقَّاش كلَّ جانبِ ... حتى اسْتَوَتْ مُشْرِقة المَناكب)
يعني رحى.
قال: وقرأت على أبي عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي في صفة البعوض:
// من الرجز //
(مِثْلُ السَّفاةِ دائمٌ طَنِينها ... رُكِّبَ في خُرْطُومها
سِكِّينها)
ويستعمل في ذلك أخبرنا.
رأيت القالي في أماليه يذكر في الرواية عن ابن دريد حدثنا لأنه أخذ عنه
إملاء ويذكر عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش تارة أمْلى عليَّ فيما
سمعه إملاء عليه وتارة أخبرنا فيما قرأه عليه وتارة قرىء عليه وأنا
أسمع وقد يستعمل فيه حدثنا.
قال الترميسي في نكت الحماسة: حدثنا أبو العباس محمد بن العباس بن
(1/125)
أحمد بن الفرات قراءة عليه قال قرأت على
أبي الخطاب العباس بن أحمد حدثنا أبو أحمد محمد بن موسى بن حماد
اليزيدي أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة أنبأنا عمر بن محمد بن عبد
الرزاق بن الأقيصر قال: كان هريم بن مِرْداس أخو عباس بن مِرْداس يجاور
إلى خراعة فذكر قصة وشعرا.
فرع - ويجوز في القراءة والتَّحْديث تقديمُ المَتْن أو بعضِه على
السَّند.
قال القالي في أماليه: قرأت على أبي عبد الله نِفْطَوَيه قال عثمان بن
إبراهيم الخاطبي - فقال لي بعد أن قرأتُ قطعة من الخبر فتبينه: حدثنا
بهذا الخبر أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب بن عبد
الله عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي قال: أتيت عمر بن أبي ربيعة فذَكر
قِصَّةً طويلة وشعرا واْشعاراً وقد كانت الأئمةُ قديما يتصدَّوْن
لقراءة أشعار العربِ عليهم وروايتها.
أخرج الخطيب البغدادي عن ابن عبد الحكم قال: كان أصحابُ الأدَب يأتون
الشافعي فيقرؤون عليه الشعرَ فيفسره وكان يحفظُ عشرةَ آلاف بيت من شعرِ
هُذَيل بإعرابها وغَرِيبها ومَعَانيها.
وقال السَّاجي: سمعتُ جعفر بن محمد الخوارزمي يحدِّث عن أبي عثمان
المازني عن الأصمعي قال: قرأتُ شعرَ الشَّنفَرى عن الشافعي بمكة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدَّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال: قلت
لعمِّي: عَلَى مَنْ قرأتَ شِعْرَ هُذَيل قال: على رَجُلٍ من آلِ المطلب
يقال له ابنُ إدْريس.
وقال ابن دريد في أماليه: أخبرنا أبو حاتم قال: جئت أبا عُبَيدة يوما
ومعي شعرُ عُرْوة بن الوَرْد فقال لي: ما مَعَك فقلت: شعر عروة.
فقال: فارغٌ حَملَ شِعْر فقير ليقرأه على فَقِير.
وقال القالي: حدَّثنا أبو بكر بن دريد قال: جلس كاملٌ الموصلي في
المسجد الجامع يقرىء الشعر فصعد مخلد الموصلي المنارة وصاح: // من
السريع //
(تأهبوا للحَدَثِ النَّازلِ ... قد قُرِئ الشِّعْرُ على كامل)
(1/126)
.. في أبيات أخر.
(السماع على الشيخ)
ثالثها - السماع على الشيخ بقراءةِ
غيره ويقول عند الرواية قرىء على فلان وأنا أسمَع.
قال القالي: (قرأتُ على أبي بكر بن الأنباري في كتابه وقرىء عليه في
المعاني الكبير ليعقوب بن السكيت وأنا أسمع فذكر أبياتا) وقال أنشدني
أبو بكر بن الأنباري قال: قرىء على أبي العباس (أحمد بن يحيى) لأبي حية
النميري وأنا أسمع: // من الطويل //
(وخَبَّرَكِ الوَاشُون أن لَنْ أُحبَّكم ... بَلَى وسُتُورِ الله ذات
المحارم)
... الأبيات.
وقال القالي: قرىء علي أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وأنا أسمع وذكر
أنه قرأ جميعَ ما جاء عن أبي مُحَلِّم عن أبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين فذكر أبو جعفر أنه سَمِع ذلك مع أبيه من أبي محلم قال أنشدني
أبو محلم لخِنَّوْص أحد بني سعد: // من الطويل //
(ألا عائذٌ بالله من سَرَفِ الغِنَى ... ومن رَغبْة يوما إلى غير
مَرْغَب)
... الأبيات
(1/127)
وبهذا الإسناد عن أبي محلم قال: أنشدني
مَكْوَزَة وأبو مَحْضَة وجماعة من ربيعة لسَيَّار بن هُبَيرة (يُعَاتب
خالدا أو زيادا أخويه ويمدح أخاه منخلا) : // من الطويل //
(تناس هَوى أسماء إما نَأيْتَها ... وكيف تَناسِيك الذي لَسْت نَاسِيا)
... القصيدة بطولها.
ويستعمل في ذلك أيضا أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع وأخبرني فيما قرىء
عليه وأنا أسمع وقد يسْتعمل في ذلك حدثنا.
رأيت الترميسي في شرح نكت الحماسة يقول: حدثنا فلان فيما قرىء عليه
وأنا أسمع والترميسي هذا متقدمٌ أخذَ عن أبي سعيد السِّيرافي وأبي أحمد
العسكري وظبقتهما.
(الإجازة)
رابعا - الإجازة وذلك في رواية
الكتب والأشعار المدوَّنة.
قال ابن الأنباري: الصحيحُ جوازُها لأن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كتب
كُتُباً إلى الملوك وأخبرت بها رسله ونُزِّل ذلك مَنْزلة قوله وخِطابه
وكتب صحيفة الزكاة والدِّيات ثم صار الناسُ يُخْبرون بها عنه ولم يكن
هذا إلا بطريق المناولة والإجازة فدلَّ على جوازها وذهب قومٌ إلى أنها
غيرُ جائزة لأنه يقول: أخبرني ولم يوجد ذلك.
وهذا ليس بصحيح فإنه يجوزُ لمَنْ كتب إليه إنسان كتابا وذكر له فيه
أشياء أن يقول أخبرني فلان في كتابه بكذا وكذا ولا يكون كاذبا فكذلك
المرء ههنا.
انتهى.
وقال ثعلب في أماليه: قال زبير: ارْوِ عنِّي ما أخذته من حديثي فهذه
إجازة.
وقال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني: أخبرني محمد بن خلف بن
(1/128)
المرزبان قال أخبرنا الزبير بن بكار إجازة
عن هارون بن عبد الله الزبيري عن شيخ من (الخُضْر بالسُّغْد) قال:
جاءنا نُصَيب إلى مسجدنا فاستنشدناه فأنشدنا: // من الطويل //
(ألا يا عُقاَب الوَكْرِ وَكْرِ ضَرِيَّةٍ ... سُقيت الغَوَادي من
عُقاَبٍ ومن وَكْرِ)
... القصيدة بتمامها.
وقال ابنُ دريد في أماليه: أجاز لي عمي في سنة ستين ومائتين قال
حدَّثني أبي عن هشام بن محمد بن السائب قال حدَّثني ثابت بن الوليد
الزهري عن أبيه عن ثابت بن عبد الله بن سباع قال حدثني قيس بن مخرمة
قال: أوصى قصي بن كلاب بنيه وهم يومئذ جماعة فقال: يا بني إنكم أصبحتم
من قومكم موضع الخَرَزَةِ من القِلادة يا بني فأكرموا أنفسكم تُكْرمكم
قومُكم ولا تَبْغُوا عليهم فتبوروا وإيَّاكم والغَدْر فإنه حُوَب عند
الله عظيم وعارٌ في الدنيا لازمٌ مقيم وإياكم وشُرْبَ الخمر فإنها إن
أصلَحَتْ بدَناً أفسدَتْ ذِهْناً. وذكر الوصية بطولها.
قال ابن دريد وأجاز لي عمي عن أبيه عن ابن الكَلْبي قال أخبرني الشرفي
وأبو يزيد الأودي قالا: أوْصى الأفْوَه بن مالك الأودي فقال: يا معشر
مَذْحج عليكم بتقْوَى الله وصلةِ أرحامكم وحُسْنِ التعزِّي عن الدنيا
بالصّبْر تَعِزُّوا والنظر في ما حوْلكم تُفلحوا ثم قال: // من البسيط
//
(إنا مَعَاشِرُ لم يَبْنُوا لقومِهمُ ... وإنْ بَني قومُهم ما أفْسدوا
عادُوا)
... القصيدة بطولها.
ومن جملتها:
(لا يَصْلحُ الناسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لهم ... ولا سَرَاةً إذا
جُهَّالُهمْ سادُوا)
(1/129)
وقال ابن دُرَيد: أجاز لي عمي عن أبيه عن
ابن الكَلْبي عن أبيه قال: حدَّثني عبادة بن حصين الهمداني قال: كانت
مُرَاد تعبدُ نَسْراً يأتيها في كل عام فيضربون له خِباءً ويُقْرِعون
بين فَتياتهم فأيتُهنّ أصابَتْها القرعةُ أخرجوها إلى النسر فأدخلوها
الخِباء معه فيمزِّقُها ويأكلُها ويُؤْتَى بخمر فَيَشْرَبه ثم يخبرهم
بما يصنعون في عامهم ويطير ثم يأتيهم في عام قاَبل فيصنعون به مثلَ ذلك
وإن النسر أتاهم لعادته فأقْرعوا بين فَتياتهم فأصابت القُرعْة فتاة من
مُراد وكانت فيهم امرأةٌ من همدان قد وَلَدت لرجل منهم جارية جميلة
ومات المُرَاديّ وتيتَّمت الجارية فقال بعض المراديين لبعض: لو فديتم
هذه الفتاة بابنةِ الهمدانية.
فأجْمَع رأيُهم على ذلك. وعَلِمت الفتاةُ ما يُرَاد بها ووافَقَ ذلك
قدومُ خالها عمرو بن خالد بن الحصين أو عمرو بن الحصين بن خالد فلما
قدم على أخته رأى انكسارَ ابنتها فسألها عن ذلك فَكَتَمتْه ودخلت
الفتاة بعضَ بيوت أهلِها فجعلتْ تبكي على نفسها بهذه الأبيات لكي يسمع
خالها: // من الطويل //
(أتثني مراد عامها عن فتاتها ... وتُهْدي إلى نَسْرٍ كريمة حَاشِد)
(تُزَفُّ إليه كالعَرُوس وخالها ... فتى حي همدان عمير بن خالد)
(فإن تنم الخَوْدُ التي فُدِيت بنا ... فما ليلُ مَنْ تُهْدَى لَنسْر
بَرَاقِد)
(مع أني قد أرجو من الله قَتْله ... بكفِّ فَتًى حامِي الحقيقة حارد)
ففطن الهمداني فقال لأخته: مابال ابنتك فقصَّت عليه القصَّة.
فلما أمسى الهمداني أخذ قَوْسَه وهيَّأ أسْهُمَه فلما اسوَدَّ الليلُ
دخل الخِباء فكَمن في ناحِية وقال لأخته: إذا جاؤوك فادْفَعي ابنتَك
إليهم.
فأقبلتْ مُراد إلى الهمدانية فدفعت ابنَتها إليهم.
فأقبلوا بالفتاة حتى أدخلوها الخِباء ثم انصرفوا.
فحجَل النَّسْر نحوها فرماه الهمداني فانتظَم قلبه ثم أخذ ابنةَ أخته
وترك النَّسْر قتيلا وأخذ أختَه وارْتَحل في ليلته وذلك بوادي حُراض ثم
سرَى ليلته حتى قطع بلاد مراد وأشرف على بلاد همدان فأغذَّت مراد السير
فلم تُدركْه فعظُمت
(1/130)
المصيبة عليها بقَتْل النسر فكان هذا أولَ
ما هاج الحرب بين همدان ومراد حتى حجر الإسلام بينهم فقال الهمداني: //
من الطويل //
(وما كان من نَسْرٍ هِجَفّ قتلته ... بوادي حُراض ما تغذ مراد)
(أرَحْتُهم منه وأطفأت سُنَّة ... فإنْ باعَدُونا فالقلوب بعاد)
(له كل عام من نِساء مخاير ... فتاة أناس كالبنية زاد)
(تزف إليه كالعروس وما له ... إليها سوى أكل الفتاة معاد)
(فلما شكته حرة حاشدية ... أبوها أبى والأم - بَعْدَ سُهاد)
(سددت له قَوْسِي وفي الكف أسهم ... مَرَاعِيس حرات النِّصال حِداد)
(فأرميه متن تحت الدُّجَى فاختللته ... ودوني عن وجه الصباح سواد)
وأنشأت الفتاة تقول: // من المتقارب //
(جزى الله خالي خير الجزا ... بمتركه النَّسر زهفا صَرِيعا)
(زُفِفْتُ إليه زفاف العروس ... وكان بمثلي قديما بلوعا)
(فيرميه خالي عن رقبة ... بسهم فأنفذ منه الدَّسِيعا)
(وأضْحت مراد لها مأتم ... على النَّسْرِ تَذْرى عليه الدُّمُوعا)
وقال الترميسي في نكت الحماسة: أجاز لي أبو المنيب محمد بن أحمد الطبري
قال أنشدنا اليزيدي لابن مخزوم: // من البسيط //
(إنا لَنُرْخِص يَوْم الرَّوْع أنفُسَنا ... ولو نُسَامُ بها في الأمن
أغلينا)
خامسها - المكاتبة قال ثعلب في أماليه: بعث بهذه الأبيات إلي المازني
وقال أنشدنا الأصمعي: // من الطويل //
(وقائلة ما بالُ دَوْسَر بعدنا ... صحا قلبه عن آل لَيْلَى وعن هِنْد)
... الأبيات.
(1/131)
وقال الترميسي في نكت الحماسة: أخبرنا أبو
أحمد الحسن بن سعيد العسكري فيما كتب به إلي وحدثنا المرزباني فيما
قرىء عليه وأنا حاضر أسمع قالا: أخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي
قال: حدثنا إبراهيم بن عمر قال: سأل الرشيدُ أهلَ مجلسه عن صدر هذا
البيت: // من الطويل //
(ومن يسألُ الصَّعْلوك أين مذاهبُه)
فلم يعرفه أحد فقال إسحاق المَوْصلي: الأصمعي مريض وأنا أمضي إليه
فأسأله عنه فقال الرشيد: احملوا إليه ألفَ دينار لنفقته واكتبُوا في
هذا إليه. قال: فجاء جواب الأصمعي: أنشدنا خلف لأبي النَّشْناش
والنهشلي:
(وسائلةٍ اينَ الرَّحيل وسائِل ومَن يسألُ الصعلوكَ أين مذاهبُه)
(ودَاوِيَّة تَيْهاء يُخْشى بها الرَّدى ... سَرت بأبي النَّشْناش فيها
رَكائبُه)
(لِيُدرك ثارا أو ليكسب مَغْنَماً ... جزيلا وهذا الدَّهرُ جَمٌّ
عَجائبه)
قال: وذكر القصيدة كلها.
سادسها - الوجادة.
قال القالي في أماليه قال أبو بكر بن أبي الأزهر: وجَدْت في كتاب أبي
حدَّثنا الزبير بن عباد ولا أدري عمَّن هو قال: حدَّثنا عبد الملك بن
عبد العزيز عن المغيرة بن عبد الرحمن قال: خرجتُ في سفر فصَحِبني رجلٌ
فلما أصبحْنا نزَلنا منزلا فقال ألا أنشدك أبياتا قلت: أنشدني فأنشدني:
// من الكامل //
(إنَّ المُؤَمِّل هاجَه أحزانه ... لما تَحَمَّل غُدوةً جِيرانهُ)
(بانوا فَمُلْتَمِسٌ سوى أوْطانه ... وطَناً وآخرُ همُّه أوطانهُ)
(قد زادني كلَفاً إلى ما كان بي ... رِئْمٌ عصى فأذابني عِصْيانُه)
(إنْ كان شيءٌ كان منه ببابل ... فَلِسَانهُ قد كان أو إنسانه)
(1/132)
(قال) قلت: إنك لأنت المؤمل (قال: أن
المؤمل) بن طالوت.
وقال أبو عبيدة في كتاب أيام العرب: وجدتُ في كتابٍ لبعِض ولد أبي عمرو
بن العلاء: أخذ عن سليط بن سعد اليربوعي أن الحَوْفزان أغار على بني
يَرْبوع فنَذِروا به فذكر قصة.
وقال القالي في أماليه قال أبو بكر بن الأنباري: وجدتُ في كتاب أبي عن
أحمد بن عبيد عن أبي نصر: كان الأصمعي يقول: الجَلَل: الصغير اليسير
ولا يقول: الجلَل: العظيم.
وقال الترميسي في نكت الحماسة: وجدت بخط أبي رياش قال أخبرنا ابن مقسم
عن ثَعْلب إجازة بقصيدة أبي كبِير الهُذَلي وهي من مشهور الشعر
ومذكوره: // من الكامل //
(أزهير هَلْ عن شيبة من معدل)
قال: وقرأتها من طريق آخر على الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى النحوي وكان
يرويها عن ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي.
وقال ابنُ ولاد في المقصور والممدود: عُشُورا بضم العين والشين زعم
سيبويه أنه لم يعلم في الكلام شيءٌ على وزنه ولم يذكر تفسيره.
وقرأت بخط أهل العلم أنه اسم موضع ولم أسمع تفسيره من أحد.
قلت: ذكر القالي في كتاب المقصور والممدود أن العشورا: العاشوراء. قال:
وهي معروفة.
وفي الصحاح: أحْقَد القومُ: إذا طَلَبوا من المَعْدِن شيئا فلم يجدوا.
هذا الحرف نقلتُه من كتابٍ ولم أسمْعه.
(1/133)
وفيه حكى السجستاني: ماءٌ رَمِدٌ إذا كان
آجنا.
نقلتُه من كتاب.
وفيه: لَجِذ الكلب الإناء بالكسر لَجْذا ولَجَذا أي لحسَه حكاه أبو
حاتم نقلتُه من كتاب الأبواب من غير سماع.
وفيه: الكُظْر في سِيَة القوس وهو الفَرْض الذي فيه الوتر.
والكُظْر أيضا: ما بين الترقوتين وهذا الحرفُ نقلته من كتابٍ من غير
سماع.
وفيه: هَرْهَرْتُ الشيء لغة في فَرْفَرْته إذا حركته وهذا الحرفُ
نقلتُه من كتاب الاعتقاب لأبي تراب من غير سماع.
وقال أبو زيد في نوادره: سمِعتُ أعرابيَّاً من بني تميم يقول: فلان
كِبْرَة ولد أبيه أي أكبرهم.
وقال أبو حاتم: وقع في كتابي إكْبِرَّة ولد أبيه أي أكبرهم فلا أدري
أغلط هو أم صواب.
وفي الصحاح: تقول العرب: فلان ساقطُ بنُ ماقِط بن لاقطِ تَتسابُّ بذلك
فالساقط: عبد الماقط والماقط: عبد اللاقط واللاقط: عبد معتق نقلته من
كتابٍ من غير سماع.
وفيه: قول الراجز: // من الرجز //
(تُبْدِي نَقِيّاً زانَهاَ خِمارُها ... وقُسْطَة ما شانَها غُفَارُها)
يقال: القُسْطَة: هي السَّاق نقلته من كتاب.
وفيه: الطَّقْطَقَة: صوتُ حوافر الدواب مثل الدَّقْدَقَة وربما قالوا:
حَبَطِقْطِقْ
(1/134)
كأنهم حكَوا به صوت الجرى وأنشد المازني: // من مجزوء الرمل //
(جَرت الخَيْلُ فَقالتْ ... حَبَطِقْطِقْ حَبَطِقْطِق)
ولم أرَ هذا الحرف إلا في كتابه.
وفي المجمل لابن فارس: (وجدت بخط سلمة) : أُمَّات البهائم وأُمَّهات
الناس.
وفيه: ذكر بعضهم أن النَّشحة: القليل من اللبن.
يقال: ما بقي في الإناء نشحة ولم أسمعها وفيها نظر.
وفيه: إذا ضَرب الفحلُ الناقة ولم يكن أعدَّ لها قيل لذلك الولد:
الحلس.
كذا وجدته ولم أسمعه سماعا. |