المزهر في علوم اللغة وأنواعها

النوع السابع والعشرون

معرفة المترادف

قال الإمام فخرُ الدين: هو الألفاظ المفردةُ الدالة على شيء واحد باعتبارٍ واحد.
قال: واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحدِّ فليسا مُترادفين وبوَحْدة الاعتبار عن المتباينين كالسيف والصارم فإنهما دَلاَّ على شيءٍ واحد لكنْ باعتبارين: أحدُهما على الذَّات والآخر على الصفة والفرقُ بينه وبين التوكيد أنَّ أحد المترادفين يُفيدُ ما أفاده الآخر كالإنسان والبشر وفي التوكيد يفيد الثاني تقوية الأولوالفرق بينه وبين التابع أن التابع وحدَه لا يفيد شيئا كقولنا: عَطْشان نطْشان.
قال: ومن الناس من أنْكره وزعم أن كلَّ ما يظن من المترادفات فهو من المتبايناتإما لأن أحدَهما اسمُ الذات والآخر اسمُ الصفة صفةُ الصفة.
قال: والكلامُ معهم إما في الجواز ولا شك فيهأو في الوقوع إما من لغتين وهو أيضا معلوم بالضرورة أو من لغةٍ واحدة

(1/316)


كالحنطة والبر والقمحوتعسفات الاشتقاقيين لا يشهد لها شُبْهةٌ فضلا عن حُجَّة.
انتهى.
وقال التاج السبكي في شرح المنهاج: ذهب بعضُ الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية وزعم أن كلَّ ما يُظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الإنسان والبشرفإن الأول موضوع له باعتبار النسيان أو باعتبار أنه يُؤْنِس والثاني باعتبار أنه بادي البشرة.
وكذا الخندريس العقارفإن الأول باعتبار العتق والثاني باعتبار عَقْر الدَّنِّ لِشدَّتها.
وتكلَّف لأكثر المترادفات بمثلِ هذا المقال العجيب.
قال التاج: وقد اختارَ هذا المذهبَ أبو الحسين أحمد بن فارس في كتابه الذي ألَّفه في فقه اللغة والعربية وسنن العرب وكلامها ونقلَه عن شيخه أبي العباس ثعلب.
قال: وهذا الكتابُ كَتب منه ابن الصلاح نكتا منها هذه.
وعلقتُ أنا ذلك من خطِّ ابن الصلاح.
انتهى.
قلت: قد رأيتُ نسخة من هذا الكتاب مقروءة على المصنف وعليها خطُّه وقد نقلتُ غالبَ ما فيه في هذا الكتاب.
وعبارتُه في هذه المسألة: يُسَمّى الشيء الواحدُ بالأسماء المختلفة نحو السيف والمُهَنَّد والحُسام.
والذي نقوله في هذا أن الاسم واحدٌ وهو السيفُ وما بعده من الألقاب صفاتٌ ومذهُبنا أن كلَّ صفةٍ منها فمعناها غيرُ معنى الأخْرى.
وقد خالف في ذلك قومفزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظُها فإنها ترجع إلى معنى واحد وذلك قولنا: سيف وغضب وحُسام.
وقال آخرون: ليس منها اسمٌ ولا صفةٌ إلا ومعناه غيرُ معنى الآخر.
قالوا: وكذلك الأفعالُ نحو مضى وذَهب وانْطَلق وقعَد وجلس ورقد ونام وهجعقالوا: ففي قعد معنى ليس في جلس وكذلك القول فيما سواه وبهذا نقولوهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
واحتجَّ أصحابُ المقالة الأولى بأنه لو كان لكل لفظة معنى غير الأخرى لما أمكنَ أن نعبِّر عن شيء بغير عبارة وذلك أنا نقول في {لا ريب فيه} : لا شك فيهفلو كان الريبُ غيرَ الشك لكانت العبارةُ

(1/317)


عن معنى الريب بالشك خطأفلما عُبِّرَ بهذا عن هذا عُلم أن المعنى واحد. قالوا: وإنما يأتي الشاعرُ بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحدتأكيدا ومبالغة كقوله: // من الطويل //
(وهند أتى من دونها النَّأْي والبعد)
قالوا: فالنَّأْيُ هو البعد.
ونحن نقول: إن في قعد معنى ليس في جلسألا ترى أنا نقول: قام ثم قعد وأخذه المقيم والمقعد وقعدت المرأة عن الحيض وتقول لناسٍ من الخوارج قَعَد ثم تقول كان مضطجعا فجلسفيكون القعودُ عن قيام والجلوسُ عن حالة هي دون الجلوسلأن الجلس المرتفع والجلوس ارتفاع عما هو دونهوعلى هذا يجري الباب كلُّه.
وأما قولُهم: أن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبَّر عن بالشيءفإنا نقول: إنما عُبِّر عنه من طريق المُشاكلة ولسنا نقول: إن اللَّفْظَتين مختلفتان فيلزمنا ما قالوهوإنما نقولُ: إن في كل واحدةٍ منها معنى ليس في الأخْرى.
انتهى كلام ابنِ فارس.
وقال العلامة عز الدين بن جماعة في شرح جمع الجوامع: حكى الشيخ القاضي أبو بكر بن العربي بسنده عن أبي علي الفارسي قال: كنتُ بمجلس سيف الدولة بحلَب وبالحضرة جماعة من أهل اللغة وفيهم ابن خالويه فقال ابن خالويه: أحفظ للسيفِ خمسين اسمافتبسم أبو علي وقال: ما احفظ له إلا اسما واحداوهو السيف. قال ابن خالويه: فأين المُهَنَّد والصَّارِم وكذا وكذافقال أبو علي: هذه صفاتوكأن الشيخ لا يفرقُ بين الاسْمِ والصِّفة.
وقال الشيخ عز الدين: والحاصلُ أن من جَعَلها مترادفة انظر إلى اتحادِ دلالتها على الذاتِ ومن يمنع ينظر إلى اختصاص بعضها بمزيدِ معنى فهي تُشْبه المترادفة في الذات والمتباينة في الصفات.
قال بعض المتأخرين: وينبغي أن يكون هذا قسما آخر وسماه المتكافئة.
قال: وأسماءُ الله تعالى وأسماءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا النوعفإنك إذا قلت: إن الله غفور رحيم قديرتطلقها دالة على الموصوف بهذه

(1/318)


الصفات.
قال الأصفهاني: وينبغي أن يُحمل كلامُ من مَنع على مَنْعه في لغةٍ واحدة فأما في لغتين فلا يُنْكِرُه عاقلٌ.
فوائد

الأولى - قال أهلُ الأصول: لِوُقُوعِ الألْفاظ المترادفة سببان.
أحدهما: أن يكون من واضِعَين وهو الأكثر بأن تَضع إحدى القبيلتين أحدَ الاسمين والأخرى الاسمَ الآخر للمُسَمَّى الواحد من غير أن تشعرَ إحداهما بالأخرى ثم يَشتَهر الوَضْعَان ويخفى الواضعان أو يلتبس وَضْع أحدهما بوضع الآخروهذا مبنيٌّ على كون اللغاتِ اصطلاحية.
والثاني: أن يكون من واضع واحد وهو الأقلوله فوائد:
منها: أن تكثر الوسائل - أي الطرق - إلى الإخبار عما في النفسفإنه ربما نسي أحد اللفظين أو عسر عليه النطق بهوقد كان بعضُ الأذكياء في الزمن السالف ألْثَغ فلم يُحْفظ عنه أنه نطَق بحرف الراء ولولا المَترادِفات تعينُه على قَصْده لما قدَر على ذلك.
ومنها: التوسُّع في سلوك طرُقِ الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثروذلك لأن اللفظ الواحدَ قد يتأتَّى باستعماله مع لفظ آخر السَّجْعُ والقافيةُ والتَّجْنِيسُ والتَّرصِيعُ وغير ذلك من أصناف البديع ولا يتأتَّى ذلك باستعمال مُرادفه مع ذلك اللَّفظ.
الثانية: ذهب بعض الناس إلى أن الترادفَ على خِلاف الأصْل والأصلُ هو التباينُ وبه جزَم البيضاوي في مِنهاجه.
الثالثة: قال الإمام: قد يكونُ أحد المترادفين أجلى من الآخرفيكون شرحا للآخر الخفيوقد ينعكس الحالُ بالنسبة إلى قومٍ دون آخرين.
قال: وزعم كثيرٌ من المتكلمين أن التحديداتِ كلها كذلكلأنها تبديل اللفظ الخفيِّ بلفظٍ أجلى منه.
قال: ولعل ذلك يصحُّ في البسائط دون المركبات.
الرابعة: قال ألكِيَا في تعليقه في الأصول: الألفاظُ التي بمعنى واحد تنقسم إلى ألفاظٍ متواردة وألفاظ مترادفة فالمتواردة كما تسمى الخمر عقارا وصهباء وقَهْوَة والسبع أسدا ولَيْثاً وضِرْغاماً.
والمترادفةُ هي التي يقام لفظ مقام لفظ لمعان متقاربة

(1/319)


يجمعها معنى واحدكما يقال: أصلح الفاسد ولم الشعث ورتق الفتق وشَعَبَ الصَّدع.
انتهى.
وهذا تقسيم غريب.
الخامسة: ممن ألف في المترادف العلامة مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس ألف فيه كتابا سمّاهُ الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف.
وأرفد خلْقٌ من الأئمة كتبا في أسماء أشياء مخصوصة فألف ابن خالويه كتاب في أسماء الأسد وكتابا في أسماء الحيَّة.
ذكر أمثلة من ذلك

العَسل له ثمانون اسما أوردها صاحب القاموس في كتابه الذي سماه ترقيق الأسل لتصفيق العسل.
وهي هذه: العَسَل والضَّرْب والضَّرَبَة والضَّرِيب والشَّوْب والذَّوْب والحَمِيت والتَّحْمُوت والجلْس والوَرْس والأرْيُ والإذوَاب واللّوْمَة واللِّئْم والنَّسِيل والنَّسِيلَة والطَّرْم والطِّرم والطرام والطِّرْيَم والدستفشار والمُسْتَفْشَار والشَّهْد والشُّهْد والمِحْرَان والعُفَافَة والعُنْفُوان والماذِيّ والماذِية والطُّن والطَّنّ والبِلِّة والبَلَّة والسَّنُّوت والسِّنَّوْت والسنوة والشَّراب والغَرَب والأَسُّ والصَّبِيب والمَزْجُ والمِزْج ولُعَابُ النَّحْلِ والرُّضَاب ورُضاب النَّحْل وجَنى النحل ورِيْقُ النحل وقَيءُ الزنابير والشَّوْر والسَّلْوى ومُجاج النَّحْل والثَّوَابُ والحافِظُ والأمين والضَّحْل والشِّفاء واليمانيَّة واللَّوَاص والسَّلِيق والكُرْسُفِي واليَعْقِيد والسُّلْوانة والسُّلْوَان والرَّخْفُ والجَنَى والسُّلاف والسُّلافَة والسَّرو والشرو والصميم والجُثُّ والصَّهْباء والخِيم والخُوُّ والضج والسَّدَى والرَّحِيق والرُّحَاق والصَّمُوت والمَجُّ والمجلب والحَلَب والعِكْبِرُ والنَّحل والأصبهانية.
قلت: ما استوفى أحد مثل هذا الاستيفاءومع ذلك فقد فاتَه بعضُ الألفاظ:
أنشد القالي في أماليه: // من الطويل //
(ولَذٍّ كطَعْمِ الصرْخَدِيِّ تَرَكْتُه)

(1/320)


وقال: الصرخدي: العسل كذا قال أبو المياس وقال ابن دُريد:
الصَّرْخَدِي: الخمر.
وفي أمالي الزَّجاج من أسامي العسل: السّعَابِيب.
ومن أسماء السيف كما ذكر ابن خالويه في شرح الدريدية: الصَّارِم والرِّدَاء والخليل والقَضِيب والصَّفِيحة والمُفَقَّر والصَّمْصَامة والمَأْثُور والمِقْضَب والكَهام والأنِيث والمِعْضَد والجُرَازُ واللَّدْن والفُطَار وذُو الكَريهة والمَشْرَفيّ والقُسَاسِيّ والعَضْب والحُسام والمُذَكَّر والهُذام والهَذُوم والمُنْصَل والهَذَّاذ والهَذْهَاذِ والهُذَاهِذ والمِخْصَل والمِهْذَم والقاضِب والمُصَمِّم والمطببق والضَّرِيبة والهِنْدُوَاني والمُهَنَّد والصَّقيل والأبْيض والغَمْر والعَقِيقة والمتين وهو الذي لا يقطعو والهندكي أيضافي شعر كثير.
وفي امالي القالي: الكِركِرَة والكَلْكَل والبَرْك والبِرْكة والجَوشن والجَوش والجُؤْشوش والمِحْزَم والحَيزُوم والحزِيم: الصدر.
قال: ويقال أخذه بأجْمَعِه وأجْمُعه وبحذَافِيره وجَذَاميره وجَزامِيره وجَرَامِيزه وبرَبَّانِه وبرُبَّانه وبِصنَايَتِه وبسَنايَتِه وبِجَلْمَتِه وبِزَغْبَرهِ وبزِغْبِرِه وبِزَوْبَرِه وبزَأبرَه وبصُبْرَتِه وبأصْبَاره وبزَأْبِجِه وبزَأْمَجه وبأصِيلته وبِظَلِيفته وبأزْمَله كله أخذه جميعا.
وفي أمالي الزَّجاجي قال أخبرنا نفْطويه عن ابنِ الأعرابي قال يقال: للعَمامة في العَمامة والمشْوَذ والسِّبّ والمقعطة والعِصَابة والعِصَاب والتاج والمِكْوَرة.
وذكر أيضا أنه يقال: جاء الرجل مُتَخَتّماً أي مُتعمِّماً احسن تختيمة أي تعميمة هذا حرف حكاه ابنُ الأعرابي.
وقال ابن السكيت: العرب تقول: لأُقيمنَّ مَيلك وجَنَفَك ودَرْأك وصغاك وصدعك وقذلك وضلعك وكله بمعنى واحد.

(1/321)


وفي أمالي ثعلب: يقال: ثوب خَلَق وأخْلاَق وسَمَل وأسْمال ومَزِق وشَبَارِق وطرائق وطرائد ومَشْق وهِبَب وأهباب ومُشَبْرَق وشمارق وخِبَب وأخْباب وخَبَائِب وقَبائل وَرعابِيل وَذَعالِيب وشماطيط وشَرَاذِم ورُدُم وهِدْم وأهْدَام وأطْمَار بمعنى.
وفي أمالي ثعلب يقال: أزَم فلان وأطْرق وأسكت وألْزم وقَرْسَم وبَلدَم وأسْبَط بمعنى أزم.
يقال: قُطِعت يده وجُذِمت وبُتِرت وبُتِكت وبُصِكت وصُرمت وتُرَّت وجُذّت.
قال ثعلب وأغرب ما فيه بضكت.
يقال: فعلت ذلك من أجْلِك وإجْلك وأجْلكَ وإجْلالك وجَلالِك وجَلَلك وجَرَّاك بمعنى.
يقال: وقع ذلك في روعي وخَلَدي ووَهْمي بمعنى واحد.
وفي أمالي القالي: النَّفْنَف واللوح والسُّكاك والسُّكاكة والسَّحاح والكبد والسَّهى: الهواءُ بين السماءِ والأرض.
قال: والشَّرْخُ والسنح والنجار والنجار والنجر والسنخ بالخاءوالسنج بالجيم والأروم والأرومة والبنك والعنصر والضئضىء والبُؤْبُؤُ والعِرْق والنُّحاسُ والنَّحاس والعِيصُ والأُسُّ والإسُّ والأص الجذم والإرْثُ والسِّرُّ والمرَكَّبُ والمنْبِت والكِرْس والقَنْسُ والجِنْثُ والحنج البنج والعِكْر والمِزرُ والجذْر والجَذْر والجُرْثُومة والنِّصَاب والمَنْصِب والمَحْتِد والمَحْكد والمَحْفِد والطِّخْس والإرْسُ والقِرْقُ والضَّنْء هذه الألفاظ كلها معناها الأصل.
وزاد ثعلب في أماليه: الأُسْطُمّة والصُّيَّابة والصوَّابة والرَّباوة والرَّبا.

(1/322)


وفي أمالي ثعلب يقال: سُويداء قلبه وحبَّة قلبه وسواد قَلْبه وسَوَادة قَلْبهِ وجُلْجُلان قلبه وسَوْداء قلبه بمعنى.
يقال: ضربه فهوَّره وجَوّره وقطله وقَعْطَله وجَرْعَبه وبَرْكَعه وجَعْفَلَه وبَرْتَعه إذا صَرَعه.
يقال: نزلت بسَحْسحه وعَقْوته وعَرْصَته وعَذِرَته وساحَتِه وعَقاتِه وعُقاره وعِرَاقه وعِرْقاته وحَرَاه وقَصاه.
وقال القالي في أماليه: حدثني أبو بكر بن دريد (رحمه الله) قال حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسين قال حدثنا المازني قال: سمعتُ أبا سِرَار الغنَوي يقرأ: وإذا قَتَلْتُم (نَسَمَةً فادَّارَأْتُم فيها) .
فقلت (له) : إنما هي نفسا فقال: النَّسمة والنَّفْس واحد.
وفي الجمهرة: قال أبو زيد قلت لأعرابيٍّ ما المحبنطئقال: المتكاكئ.
قلت: ما المتكاكئقال: المتآزف.
قلت: ما المتآزفقال: أنت أحْمق.