سر صناعة الإعراب باب الواو
إبدال الواو
مدخل
...
حرف الواو:
اعلم أن الواو حرف مجهور يكون في الكلام على ثلاثة أضرب1: أصلًا،
وبدلًا، وزائدًا.
فإذا كان أصلًا وقع فاءً وعينًا ولامًا، فالفاء نحو "وَرَلٍ"2
و"وَعَدَ"، والعين نحو "سَوْطٍ"3 و"اسْتَرْوَحَ"4، واللام نحو "دَلْوٍ"
و"سَخُوَ"5.
إبدال الواو:
وإذا كانت بدلا فمن ثلاثة أحرف، وهي الهمزة والألف والياء.
فأما إبدالها من الهمزة فعلى ثلاثة أضرب: أحدها أن تكون الهمزة أصلا،
والآخر أن تكون بدلا، والآخر أن تكون زائدة.
إبدالها منها والهمزة أصل: وذلك أن تكون الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة،
فمتى آثرت تخفيف الهمزة قلبتها واوًا، وذلك قولك في "جُؤَنٍ"6:
"جُوَنٌ" وفي "رجل سُؤَلة: سُوَلة" وفي "بُؤَرً: بُوَرٌ" وفي "لُؤَمٍ:
لُوَمٌ"8، وفي تخفيف "هو يضرب أباك: هو يضرب وَبَاك" وفي تخفيف "يقتلُ
أخاك: يقتل وَخَاك" فالواو هنا مخلصة، وليس فيها من بقية الهمزة. ومثل
ذلك قولك في "هذا أَفْعَلُ من هذا" من "أَمَمْتُ" في قول أبي الحسن9:
"هذا أَوَمُّ من هذا" وفي قول أبي عثمان10 "هذا أَيَمُّ من هذا"
بالياء.
__________
1 أضرب: الواحد "ضَرْبٌ" وهو الصنف أو النوع. القاموس المحيط "1/ 95".
2 الورل: محركة دابةٌ كالضب أو العُظَيم من أشكالِ الوزغ طويل الذنب
صغير الرأس لحمُهُ حارٌّ جدًّا يسمن بقوة، وزبله يجلو الوضح وشحمه يعظم
الذكر دلكًا. القاموس المحيط "4/ 64".
3 سوط: ما يُضرَب به من جلد، والجمع "أسواط".
4 استروح: استراح.
5 سخو: سخاوة صار جَوَادًا كريمًا.
6 الجُؤَن: جمع جُؤْنَة وهي سنط مغشي بجلد ظرف لطيب العطار. القاموس
"4/ 208".
7 بؤر: البؤرة الحفرة وموقد النار والذخيرة.
8 لؤم: لبس اللأمة للدرع وجمعها لأم ولؤم. القاموس المحيط "4/ 174".
9 المصنف "2/ 315".
10 المصنف: "2/ 318".
(2/223)
وكذلك قراءة أبي عمرو: "السُّفَهَاءُ وَلا
إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء" [البقرة: 13] 1 ومن ذلك قولهم في "آخيتُ
زيدًا: وَاخَيْتُهُ" فهذه الواو بدل من الهمزة لا محالة، ولا يجوز أن
يكونا أصلين مثل "أكدت" و"وَكَّدت" و"أَرَّخْتُ"2 و"وَرَّخْتُ" وذلك أن
لام الفعل من "وَاخَيْتُ" في الأصل إنما هي واو لقولك "أخوانِ" و"إخوة"
وإنما قلبت في "واخيتُ" كما انقلبت في "غازيتُ"، فإذا كانت اللام كما
ذكرنا واوًا لم يجُزْ أن تكون الواو في "واخيتُ" أصلا، لأنه ليس في
كلامهم كلمة فاؤها واو ولامها واو غير قولهم "واو" فاعرف ذلك.
وأما إبدال الواو من الهمزة المبدلة فقولك في تخفيف "يملك أحد عشر: وهو
يملك وَحَدَ عَشَرَ" وفي "يضربُ أناةً3: هو يضربُ وناةً" وذلك أن
الهمزة في "أحد" و"أناة" بدل من واو، وأصله "وَحَدٌ" لأنه هو الواحد،
و"امرأة وَناة" من "الوُنِيّ" وهو الفتور، وذلك أن المرأة توصف بأنها
كسول.
ألا ترى إلى قول حسان4:
وتكاد تَكْسَلُ أن تجيء فراشَها ... في جسم خَرْعَبَةٍ وحُسْنِ قوامِ5
__________
1 وقد ذكر سيبويه أن قول أبي عمرو هو تخفيف الأولى وتحقيق الثانية.
"الكتاب 1/ 167".
وجاء في اللسان "حرف الهمزة" "1/ 12": "وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة
الثانية في رواية سيبويه، ويخفف الأولى، فيجعلها بين الواو والهمزة
فيقول السفهاو ألا" ... وأما سيبويه والخليل فيقولان: "السفهاء ولا"
يجعلون الهمزة الثانية واوًا خالصة".
وذكر أبو حيان أنه إذا كانت الأولى مضمومة والثانية مفتوحة وهما كلمتين
فإن تحقيق الأولى وتخفيف الثانية قراءة الحرمين -ابن كثير ونافع- وأبي
عمر. البحر المحيط "1/ 68".
2 أرخت: الكتاب: حدد تاريخه، والأحداث: دونها. القاموس المحيط "1/
256".
3 أناة: الحلم والوقار.
4 البيت في ديوانه "ص107" والمحتسب "2/ 48".
5 الخرعبة: الفتاة الحسنة الجسيمة في قوام الغصن اللين المتثني.
القاموس المحيط "3/ 17".
الشرح: يصف الشاعر فتاته بالكسل على عادة الجاهليين الذين أحبوا تلك
الصفة في الإناث فقال أشعرهم: "نؤوم الضحى" ثم يصف جمالها الحسي فهي
فتاة حسنة جسيمة حسنة القوام.
والشاهد شرحه المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: تكاد: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة يرفع المبتدأ
وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر تقديره هي.
(2/224)
وقال الفرزدق1:
إذا القُنْبُصاتُ السودُ طَوَّفْنَ بالضحى ... رَقَدْنَ عليهن الحِجالُ
المُسَجَّفُ2
وقال الكندي3:
وتُضحي فَتِيتُ المسكِ فوقَ فِراشها ... نَؤُومُ الضحى لم تَنْتَطِقْ
عن تفضُّلِ4
__________
تكسل: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة، وفاعله مستتر تقديره هي.
وجملة "تكسل" في محل نصب خبر تكاد.
1 البيت في ديوانه "ص552" وجمهرة أشعار العرب "ص884".
2 القنصبات: جمع قنبصة وهي القصيرة. لسان العرب "7/ 83" مادة/ قنبص.
رقدن: يعني النساء اللواتي وصفهن في الأبيات السابقة بالنعمة والترف.
الحجال: جمع حجلة وهو ستر يضرب للمرأة في البيت. اللسان "11/ 144"
مادة/ حجل.
المسجف: الذي أُرْخِيَ عليه سجفان وهما سترا باب الحجلة. اللسان "9/
144".
يقول: إن هؤلاء النسوة ينمن بالضحى ويواريهن عن الأعين الحجال المسجف.
الشاهد في معنى البيت حيث استشهد به المؤلف على النساء يوصفن بالكسل.
إعراب الشاهد: إذا: ظرفية شرطية.
القنبصات: مبتدأ مرفوع، والسود: نعت مرفوع، طوفن: فعل ماضٍ مبني على
السكون، ونون النسوة فاعل والجملة في محل رفع خبر لـ "القنبصات".
بالضحى جار ومجرور متعلق بـ "طوفن".
رقدن: فعل ماضٍ مبني على السكون والنون فاعل.
عليهن: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم.
الحجال: مبتدأ مؤخر مرفوع.
المسجف: نعت مرفوع، وجملة "عليهن الحجال" في محل نصب حال.
وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر لـ "إذا".
3 الكندي: هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه "ص17" وهو من معلقته.
4 فتيت: تصغير فتاة.
والمسك: نوع من أفضل العطور يستخرج من دم نوع من الغزلان.
نؤوم الضحى: كناية عن الكسل والترف.
تنتطق: تشد عليها النطاق. تفضل: التفضل: لبس ثوب واحد.
يقول: إن فتاتي جميلة متعطرة كسولة لا تخدم في بيتها.
(2/225)
ونحو من هذا قول الأعشى1:
هِرْكَوْلة فُنُقٌ دُرْمٌ مرافِقُها ... كأنّ أَخْمَصَها بالشوْك
مُنْتَعِلْ2
وقد أبدلت الواو من همزة التأنيث المبدلة من الألف على ما قدمناه في
باب الهمزة في ثلاثة مواضع: وهي: التثنية، والجمع بالتاء، والنسب،
فالتثنية نحو قولك في "حمراء، وصفراء، وخُنْفُساء: حمراوان، وصفراوان،
وخُنْفُساوان" والجمع نحو قولك في: "صحراء: صحراوات" وفي "خَبْراء3:
خَبْراوات" وفي "خنفساء: خنفساوات" والنسب نحو قولك: "صفراويّ"
و"حمراويّ" و"صحراويّ" و"خبراويّ" و"خنفساويّ".
وأما إبدال الواو من الهمزة الزائدة فقولك في تخفيف "هذا غلامُ
أَحْمَدَ": "هذا غلامُ وَحْمَدَ" وفي خفيف "يكرمُ أصرمَ": "هو يكرمُ
وَصْرَمَ".
__________
إعراب الشاهد:
تضحى: فعل مضارع ناسخ مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة منع من ظهورها
التعذر.
فتيت: اسم تضحى مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة.
المسك: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة الظاهرة.
فوق: ظرف مكان منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة. ها: ضمير مبني في
محل جر مضاف إليه عائدٌ على الفتاة.
1 البيت في ديوانه "ص105" وهو من معلقته.
2 الهركولة: الضخمة الوركين، الحسنة الخلق. لسان العرب "11/ 695".
الفنق: الفتية الضخمة. لسان العرب "10/ 313".
درم: جمع أدرم، ودرماء: أي لمرفقيها حجم، وجمع فقال مرافق لأن التثنية
جمع.
الأخمص: باطن القدم، وما رقَّ من أسفلها وتجافى عن الأرض، وقوله كأن
أخمصها بالشوك منتعل/ أي أنها متقاربة الخطو، وقيل لأنها ضخمة، فكأنها
تطأ على شوك لثقل المشي عليها.
إعراب الشاهد:
هركولة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي، فنق: خبر ثان. درم: خبر بعد خبر.
مرافقها: فاعل مرفوع بالضمة، والهاء مضاف إليه.
كأن من أخوات إن. أخمصها: اسم كأن منصوب، والهاء مضاف إليه.
بالشوك: جار ومجرور متعلق ب "منتعل". منتعل: خبر كأن مرفوع.
3 الخبراء: القاع ينبت السدر والأراك. اللسان "4/ 228".
(2/226)
إبدال الواو من الألف:
وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تبدل الواو من الألف والألف أصل.
والآخر: إبدالها منها وهي بدل. والثالث: إبدالها منها وهي زائدة.
فأما إبدال الواو من الألف والألف
أصل فقولك في تثنية "إلى" و"لدى" اسمي رجلين: "إلَوَانِ" و"لَدَوَانِ"
وكذلك "إذا" التي هي ظرف زمان، و"إذ" التي للمفاجأة وهي ظرف مكان، فلو
سميت بها رجلا لقلت في التثنية "إذَوَانِ"، ولو جعلت شيئًا من ذلك اسم
امرأةٌ، فجمعت بالألف والتاء لقلت: "إَلَوَات" و"لَدَوَات"
و"إِذَوَات".
وكذلك "ألا" تقول فيها في التثنية "أَلَوَان" وفي الجمع "أَلَوَات".
وإنما قلبت هذه الألفاتُ واوًا من قبل أنها أصول غير زوائدَ ولا مبدلة
بما قد أوضحناه، ودللنا عليه في كتب المنصف في شرح تصريف أبي عثمان،
ولما لم يكن لهذه الألفات أصل ترد إليه إذا حركت، ولم تكن الإمالة
مسموعة فيها، حكم عليها بالواو، فقلبت إليها عند الحاجة إلى تحريكها.
فإن قلت: فقد سبق من قولك إنها غير مبدلة، فهلا لم يجز قلبها واوًا إذ
ليس لها أصل في ياء ولا واو؟
فالجواب: أن الأمر كذلك إلا أنها لما سمي بها انتقلت إلى حكم الأسماء،
فَحُكِمَ على ألفها بما يحكم على ألفاتِ الأسماء التي لا تحسن إمالتها
مثل "عَصا" و"قَطا"1، فكما تقول: "عَصَوَان" و"قَطَوَات" كذلك قلت
أيضًا "إلوان" و"لدوان" و"إلوات". ونحو ذلك أنك لو سميت رجلا بـ
"ضَرَبَ" لأعربته، فقلت: "هذا ضَرَبٌ" وإن كان قبل التسمية لا يدخله
الإعراب، فكما أن "ضَرَبَ" لما سمي به انتقل إلى حكم الأسماء فأُعْرِبَ
كذلك أيضًا "إلى" و"لدى" و"إذا" و"ألا" إذا سمي بها انتقلت إلى حكم
الأسماء، فقضي على ألفها بأنها من الواو إذ لم تجز فيها الإمالة.
وهذا حصلته عن أبي علي وقت قراءة الكتاب.
__________
1 القطا: طائر واحدته القطاة، والجمع قطوات، وقطيات لغة فيها. القاموس
"4/ 379".
(2/227)
فأما "على" فإن معناها يدل على أنها من
"علوْتُ" فأمرها ظاهرٌ. وكذلك ألف "ما" و"لا" إذا سميتَ بهما زدت
عليهما ألفًا أخرى، فإذا التقى ساكنان همزت الآخرة لما حركتها لالتقاء
الساكنين، فصارت "ماءٌ" و"لاءٌ" فإن بنيت من هذين الاسمين اللذين هما
"ماءٌ" و"لاءٌ" مثل "حَجَرٍ" و"عَمَلٍ" قلت: "مَوَىً" و"لَوَى ً" فقضيت
على الألف الأولى أنها منقلبة من واو، وعلى الألف الآخرة التي كانت
قلبت همزة بأنها منقلبة من ياء، فخرجت اللفظتان إلى باب "شويْتُ"
و"طويْتُ"، ولم تقض على الألف الآخرة أنها من الواو كالألف الأولى من
قبل أن العين قد ثبت أنها واو، واللام بعدها حرف علة، فالوجه أن تكون
مما لامه ياء، ولا تكون مما لامه واو، وذلك أن باب "طويْتُ، ولويْتُ،
وحويْتُ، وشويْتُ، ورويْتُ، ونويْتُ، وخويْتُ، وذويْتُ1، وصويْتُ2،
وغويْتُ، وعويْتُ، وثويْتُ3، وهويْتُ" أكثر من باب "قَوِيتُ4،
وحَوِيتُ، والقوةُ، والحوةُ5، والصوةُ6" مما عينه ولامه واوان.
هذا هو القانون، وبه وصى التصريفيون. وجاز أن يقضى على الألفينِ أنهما
منقلبتان عن حرفي العلة وإن كانتا قبل التسمية غير منقلبتين، لأنك لما
سميت بهما ألحقتهما بما عليه عامة الأسماء، وأخرجتهما من الحرفية التي
كانا عليها للاسمية التي صارا إليها، فاعرفه.
__________
1 ذويت: ذوى العود أي ذبل. القاموس المحيط "4/ 331".
2 صوتِ النخلةُ تصوي: عطشت وضمرت ويبست. القاموس المحيط "4/ 353".
3 غويتُ: من غوى يغوي إذا ضل وانحرف عن الجادة. القاموس المحيط "4/
372".
4 ثويت: أقمت. وفي التنزيل {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ
مَدْيَنَ} [القصص: من الآية45] أي مقيمًا.
5 الحوة: بالضم سواد إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد. القاموس "4/ 321".
6 الصوة: بالضم جماعة السباع، وحجر يكون علامة في الطريق. القاموس "4/
353".
(2/228)
إبدال الواو من الألف المبدلة:
هذه الألف المبدلة التي أبدلت الواو عنها على ثلاثة أضرب: ألف مبدلة من
همزة، وألف مبدلة من واو، وألف مبدلة من ياء.
الأولى نحو قولك في تصغير "آدَمَ" و"آخَرَ" وجمعهما "أُوَيْدِم"
و"أُوَيْخِر" و"أَوَادِم" و"أَوَاخِر" فالألف في "آدم" و"آخر" أصلها
الهمزة، وكانت "أَأْدَم" و"أَأْخَر" لأنهما "أَفْعَل" من الأُدْمَة1
والتأخر، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا، فأبدلت الثانية
ألفًا لسكونها وانفتاح الأولى قبلها، فصار "آدَمَ" و"آخَرَ" ثم جرت
الألف فيهما مجرى ألف "فاعِل" الزائدة، فكما قلت في تحقير "ضاربة"
وجمعها "ضُوَيْرِبة" و"ضَوَارِب" كذلك قلت "أُوَيْدِم" و"أُوَيْخِر"
و"أَوَادِم" و"أَوَاخِر".
فأما إبدال الواو من الألف المبدلة
من واو فقولك في الإضافة إلى نحو "عَصَا" و"قَطَا" و"قَنَا":
"عَصَوِيّ" و"قَطَوِيّ" و"قَنَوِيّ"، فالواو في "عَصَوَيْنِ" بدل من
ألف "عَصَا" والألف في "عَصَا" بدل من الواو في "عصوين". وكذلك الواو
في "قطوي" و"قنوي" لقولك "قطوات" و"قنوات".
وأما إبدال الواو من الألف المبدلة من الياء فقولك في الإضافة إلى
"فَتًى" و"سُرًى" و"رَحًى"3: "فَتَوِيّ" و"سُرَوِيّ" و"رَحَوِيّ"
فالواو هنا إنما هي بدل من ألف"فتى" و"سرى" و"رحى"، والألف هناك بدل من
الياء في "فتيان" وفي "سريت" و"رحيت بالرحى"4.
فإن قلت: فَلِم أبدلت الألف في نحو "عصا" و"فتى" واوًا مع ياء الإضافة؟
فالجواب: أنهم لما احتاجوا إلى حركتها مع ياء الإضافة لسكونها وسكون
الياء الأولى من ياءي الإضافة، قلبوها حرفًا يحتمل الحركة، وهو الواو،
ولم يقلبوها ياء
__________
1 الأدمة: شدة السمرة. لسان العرب "12/ 11".
2 السُّرى: سير عامة الليل. القاموس المحيط "4/ 341".
3 الرحى: أداة الطحن. لسان العرب "14/ 312".
4 رحيت بالرحى: أدرتها. لسان العرب "14/ 312".
(2/229)
فيقولوا "عَصَيِيّ" و"رَحَيِيّ" لئلا تجتمع
ثلاث ياءات وكسرة، فهربوا إلى الواو لتختلف الأحرف.
فإن قلت: فهلا قلبوها همزة كما قلبوا ألف "كساء" و"قضاء"، ألا ترى أن
أصلهما "كساو" و"قضاي" فقلبت الواو والياء ألفين، فصارا "كساا" و"قضاا"
ثم أبدلوا الألف الآخرة منهما همزة، فقالوا "كساء" و"قضاء" فهلا فعلوا
مثل ذلك في "عصا" و"رحى" فقالوا "عصئي" و"رحئي"؟
فالجواب: أنهم إنما احتاجوا إلى حركة الحرف لا غير، ولم يقع طرفًا
فيضعف، فتبدل منه همزة كما أبدلوها في "كساء" و"قضاء" ألا ترى أن الواو
في "عصويّ" و"رحويّ" حشو، وليست بطرف فتضعف، فتبدل الألف في "عصا"
و"رحى" همزة، وإذا كانوا قد احتملوا الواوين في نحو "نوويّ" و"طوويّ"
و"لوويّ" لأنهما لم يتطرفا فيضعفا، فهم باحتمالهم الواحدة في نحو:
"عصوي" و"رحوي" و"فتوي" أجدر.
ورُوِّينا عن قطرب أن بعض أهل اليمن يقول "الصَّلَوْةُ" و"الزَّكَوْةُ"
و"الحَيَوْةُ" بواو قبلها فتحة، فهذه الواو بدل من ألف "صلاة" و"زكاة"
و"حياة" وليست بلام الفعل من "صَلوتُ" و"زَكَوتُ"، ألا ترى أن لام
الفعل من "الحياة" ياء وقد قالوا "الحيوة".
(2/230)
إبدال الواو من
الألف الزائدة:
وذلك نحو ألف "فاعِل" و"فاعَل" و"فاعُول" و"فاعال" نحو "ضارِب"
و"خاتَم" و"عاقُول"1 و"ساباط"2 فمتى أردت تحقير شيء من ذلك أو تكسيره
قلبت ألفه واوًا، وذلك نحو "ضُوَيْرِب" و"خُوَيْتِم" و"عُوِيْقِيل"
و"سُوَيْبِيط" وكذلك "ضَوَارِب" و"خَوَاتِم" و"عَوَاقِيل"
و"سَوَابِيط". فأما قلبها في التحقير فأمره واضح، وذلك أن الضمة لما
وقعت قبل الألف قلبتها واوًا.
__________
1 العاقول: معظم البحر أوموجه، ومعطف الوادي، والنهر، وما التبس من
الأمور، والأرض لا يهتدى لها، ونبت. القاموس المحيط "4/ 19".
2 ساباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب "7/ 311".
(2/230)
وأما التكسير فهو محمول في ذلك على
التحقير، وذلك أنك إذا قلت "خَوَاتِم" و"ضَوَارِب" فلا ضمة في أول
الحرف، ولكنك لما كنت تقول في التحقير "خُوَيْتِم" قلت في التكسير
"خَوَاتِم" قال الأعشى:
................................... ... وتُتْرَكُ أمْوَالٌ عليها
الخَوَاتِمُ1
وإنما حمل التكسير في هذا على التحقير لأنهما من واد واحد، وذلك أن هذا
التكسير جارٍ مجرَى التحقير في كثير من أحكامه من قال أن علم التحقير
ياء ثالثة ساكنة قبلها فتحة، وعلم التكسير ألف ثالثة ساكنة قبلها فتحة،
والياء أخت الألف من الوجوه التي تقدم ذكرها، وما بعدها ياء التحقير
حرف مكسور كما أن ما بعد ألف التكسير حرف مكسور، فلما تناسبا من هذه
الوجوه حمل التكسير على التحقير، فقيل "خَوَالِد" كما قيل "خُوَيْلِد".
وكما حمل التكسير في هذا الموضع على التحقير كذلك أيضًا حمل التحقير في
غير هذا الموضع على التكسير، وذلك في قول من قال في تحقير "أَسْوَدَ"
و"جَدْوَلٍ"2: "أُسَيْوِدٌ" و"جُدَيْوِلٌ" فأظهر الواو ولم يُعلَّها
لوقوع الياء الساكنة قبلها، وذلك أنه لما كان يقال التكسير "أساود"
و"جداول" قال أيضًا في التحقير "أُسَيْوِد" و"جديول" وأجرى الواو في
الصحة بعد ياء التحقير مجراها فيها بعد ألف التكسير، فكما جاز أن يشبه
"ضَوَارِب" بـ "ضُوَيْرِب" وإن لم تكن في ضاد "ضوارب" ضمة كضمة ضاد
"ضويرب".
كذلك أيضًا جاز أن يشبه "أسيود" في تصحيح واوه بعد الياء بـ "أساود" في
تصحيح واوه بعد الألف وإن كان في "أسيود" ما يبعث على القلب، وهو وقوع
الياء ساكنة قبل الواو.
ومن ذلك قولك في "قاتل" و"ضارب" ونحوهما: "قوتل" و"ضورب" انقلبت الألف
الزائدة واوًا للضمة قبلها.
__________
1 قال الأعشى هذا البيت يعاتب يزيد بن مسهر الشيباني.
والشاهد فيه: مجيء جمع خاتم في الكثرة على خواتم.
إعراب الشاهد:
الخواتم: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمة وخبره الجار والمجرور
قبله "عليها".
2 الجدول: النهر الصغير والجمع جداول. لسان العرب "11/ 106".
(2/231)
واعلم أن حذاق أصحابنا وذوي القياس القوي
منهم يذهبون إلى أن الألف في "كتاب" و"غزال" و"غراب" إذا حقرتَ الاسم
فقلت: "كُتَيِّب" و"غُزَيِّل" و"غُرَيِّب" فإنك لم تبد ألف "كتاب"
و"غزال" و"غراب" في أول أحوالها لياء التحقير ياء، وإنما المذهب عندهم
أنك قلبت الألف واوًا، فصار التقدير "كُتَيْوِبٌ" و"غُزَيْوِلٌ"
و"غُرَيْوِبٌ" فلما اجتمعت الياء والواو، وسبقت الياء بالسكون قلبت
الواو ياء، وأدغمت ياء التحقير فيها، فقلت: "كتيب" و"غزيل" و"غريب"
فالياء إذن في "غزيل" إنما هي بدل من واوٍ بدلٍ من ألف المد، وكذلك ما
أشبه ذلك.
فإن قيل: ما الذي دعاهم إلى اعتقاد هذا الرأي؟ وهلا ذهبوا إلى أن الألف
لما وقعت قبلها ياء التحقير قلبت في أول أحوالها ياء كما تقلب للكسرة
تقع قبلها ياء، وذلك نحو "مِفْتاح" و"مَفاتِيح" و"دَينار" و"دَنانِير"
و"قِرْطاس" و"قَراطِيس" و"حِمْلاق"1 و"حَمالِيق"؟
فالجواب: أنهم إنما حملهم على القول بما قدمناه أنهم رأوا الألف أكثر
انقلابها إنما هو إلى الواو نحو "ضارب" و"ضوارب" و"ضويرب" فكما جاز أن
تقلب في "ضوارب" ولا ضمة قبلها، وفي نحو: "رحوي" و"عصوي" و"فتوي"
و"مغزوي" و"مهلوي" و"مدعوي" وفي قول يونس2 في "مثنوي" و"معلوي" وأبدلت
أيضًا من الألف المتحركة، وهي الهمزة في نحو "صفراوان، وحمراوان،
وخبراوات، وخبراوي، وخنفساوي" وغير ذلك مما يطول ذكره، كذلك حكموا
أيضًا بأنها في نحو "غزال" و"غراب" إنما قلبت في أول أحوالها واوًا،
فصارت "غزيول" و"غريوب" ثم أبدلت الواو ياء على ما قدمناه.
فهذا هو القول الذي لا معدل عنه.
فأما "مُفَيْتِيحٌ" و"مَفَاتِيح" و"دُنَيْنِيرٌ" و"دَنَانِير" فلم يمكن
قلب ألفها واوًا لأن الكسرة تمنع من ذلك، وليست قبل الياء الثانية في
نحو "كُتَيِّب" و"حُسَيِّب" كسرة تمنع وقوع الواو بعدها، إنما قبلها
ياء ساكنة، والياء الساكنة قد رأينا الواو المفردة
__________
1 حملاق العين: باطن أجفانها الذي يسوده الكحل. لسان العرب "10/ 69".
2 الكتاب "2/ 79".
(2/232)
بعدها في نحو: "أُسَيْوِد" و"أُخَيْوِل"
و"جُدَيْوِل" و"خُرَيْوِع"، وقالوا أيضًا: "دِيْوَان"1 و"اجْلِيوَاذ"2
ونحو ذلك، فاعرف هذا فإنه مسفر واضح.
__________
1 الديوان: الدفتر، والكتبة، ومجموع شعر الشاعر.
2 اجليواذ: المضاء والسرعة في السير. قال سيبويه: لا يستعمل إلا
مزيدًا. اللسان "3/ 482".
(2/233)
إبدال الواو من
الياء:
هذه الياء التي أبدلت منها الواو على ثلاثة أضرب: أصل، وبدل، وزائدة.
فالأصل قولك من "أَيْقَنَ" و"أَيْسَرَ" و"أَيْدَيْتُ إليه يدًا"1:
"مُوْقِن" و"مُوْسِر" و"مُودٍ" وهو "يُوقِن" و"يُوسِر" و"يُودِي" و"قد
أَوْسَرَ في هذا المكان" و"أَوقِنَ فيه" و"أُودِيَ إلى زيد فيه" وهو
"مُوسَرٌ فيه" و"مُوقَنٌ فيه" و"مُودًى إلى زيد فيه". وكذلك
"أَيْأَسْتُهُ فأنا مُوئِسُهُ، وهو مُوأَسٌ مما طلبه".
وكذلك كل ياء مفردة ساكنة قبلها ضمة، وإنما قلبت الياء الساكنة واوًا
للضمة قبلها من قبل أن الياء والواو أختان بمنزلة ما تدانت مخارجه من
الحروف نحو الدال والتاء والطاء، والذال والثاء والظاء، وقد رأيناهم
قالوا "وتد"2 فبينوا التاء لقوتها بالحركة، ثم إنهم لما أسكنوا التاء
تخفيفًا ضعفت بالسكون، فاجترؤوا عليها بأن قلبوها إلى لفظ ما بعدها
ليدغموها فيه، فيكون العمل والصوت من وجه واحد وجنس واحد،
فقالوا"ودٌّ"3.
وكذلك الواو والياء في نحو "لَيِّة" و"طَيَّة" وأصلهما "لَوْيَة"4
و"طَوْيَة"5 قلبوا الواو ياء، وأدغموا الياء المنقلبة في الثانية،
فقالوا "لية" و"طية".
وكذلك "سَيِّد" و"مَيِّت" إنما أصلهما "سَيْوِد" و"مَيْوِت" فقلبت
الواو ياء ليكون العمل أيضًا من وجه واحد، وأدغمت الياء، فصار "سيد"
و"ميت".
__________
1 أيدت إليه يدًا: اتخذت عنه يدًا.
2 الوتد: ما ثبت في الأرض أو الحائط من خشب، وأوتاد الأرض: الجبال.
اللسان "3/ 444.
3 الود: الوتد: أدغمت التاء في الدال.
4 لوية: من لوى ليا إذا عطف. لسان العرب "15/ 264".
5 طوية: من طوى طوية، وهو نقيض النشر. لسان العرب "15/ 18".
(2/233)
فإن قلت: فإن "ودًّا" إنما قلبوا فيه الأول
إلى لفظ ما أدغموه فيه وهو الدال، فقالوا "ودٌّ" وأنت في "سَيِّد"
و"مَيِّت" إنما قلبت الثاني إلى لفظ الأول، فكيف هذا؟
فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك بالواو لغلبة الياء عليها، وإنما غلبت
الياء على الواو لخفة الياء وثقل الواو، فهربوا إلى الأخف، فلما وجبت
هذه القضية في الواو والياء أجريت الضمة مجرى الواو، والكسرة مجرى
الياء، لأنهما بعضان ونائبتان في كثير من المواضع عنهما، فقلبت الواو
الساكنة للكسرة قبلها ياء، فقالوا: "ميزان" و"ميقات" والياء الساكنة
للضمة قبلها واوًا، فقالوا "مُوسِرٌ" و"مُوقِنٌ" وقويت الحركتان وإن
كانتا ضعيفتين على قلب الياء والواو من قبل أنهما لما سكنتا قويت
الحركة على إعلالهما وقلبهما.
فكما تقلب الياء الواو المتحركة في نحو "سَيِّد" و"قَيِّم" لأن أصلما
"سَيْوِد" و"قَيْوِم" كذلك قلبت الكسرة الواو الساكنة في نحو "ميقات"
و"ميعاد" والضمة الياء الساكنة في نحو "موسر" و"موقن" وذلك أن الحرف
أقوى من الحركة، فكما قلبت الياء بقوتها الواو المتحركة، كذلك قلبت
الكسرة والضمة الواو والياء الساكنتين دون المتحركتين لضعفهما.
فإن قلت: فما بالهم قالوا "سائلٌ" و"سُيَّلٌ" و"عائلٌ" و"عُيَّلٌ".
قال أبو النجم1:
كأن ريح المسك والقرنفل ... نباته بين التلاع السُيَّلِ2
__________
1 البيتان في ديوانه "ص209" وهما منسوبان إليه في شرح الملوكي "ص495"،
وشرح المفصل "10/ 31" بغير نسبة.
2 التلاع: جمع تلعة وهي مسيل الماء. لسان العرب "8/ 36".
يصف الشاعر واديًا ترعى فيه الإبل فهو كثير القرنفل تفوح منه الروائح
الذكية.
والشاهد في مجيء كلمة السُيَّلِ على هذا الوزن دون قلب الياء الأولى.
إعراب الشاهد:
السيل: نعت مجرور، وعلامة جره الكسرة.
(2/234)
وقال الآخر:
فَتَرَكْنَ نَهْدًا عُيَّلًا أَبْنَاؤها ... وبَنِي فَزارة كاللصوص
المْرَّدِ1
وهلا قلبوا الياء الأولى من "السيل" و"العيل" لسكونهما وضم ما قبلهما؟
وقالوا أيضًا: "اعْلَوَّطَ اعْلِوِّاطًا"2 و"اخْرَوِّطَ اخْرِوَّاطًا"3
فلم يقلبوا الواو الأولى منهما ياء وإن كانت ساكنة مكسورًا ما قبلها!.
فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك من قبل أن الياء والواو إذا أدغمتا بعدتا
عن الاعتلال وعن شبه الألف؛ لأن الألف لا تدغم أبدا، فإذا قويتا
بالإدغام لم تتسلط الحركتان قبلهما على قبلهما، على أن منهم من يقلب
الواو الأولى من هذا للكسرة قبلها ياء، فيقول: "اجْلِوَّذَ
اجْلِيوَذًا" و"اخْرَوَّطَ اخْرِيوَطًا" ولم يقلب الواو الآخرة وإن
كانت قبلها ياء ساكنة ياء فيقول "اجْلِيَّاذًا" و"اخْرِيِّاطًا"، من
قبل أن قلب الأولى منهما عارض ليس بلازم ولا واجب، فجرى ذلك مجرى ياء
"دِيوَان" في أن لم تقلب لها الواو الآخرة فيقولوا: "دِيَّان" إذ لم
تكن الأولى لازمة ولا واجبة، وإنما قلبت لضرب من التخفيف. ومن قال:
"اجْلِيوذا" و"دِيوان" فجعل للكسرة تأثيرا لم يقل في "سُيَّل":
"سُويَلٌ" ولا في "عُيَّل"4: "عُويَلٌ" لأن قلب الواو ياء أخف من قلب
الياء واوًا، ولو كان القلب هنا واجبًا لقيل: "سُويَلٌ" و"عُويَلٌ" كما
قالوا: "موسر" و"موقن".
وكذلك أيضًا إن تحركت الياء والواو قويتا بالحركة، فلم تقلبا للحركتين
قبلهما، وذلك نحو "غُيُرٍ" جمع "غَيُور" و"دجاج بُيُض" جمع "بَيُوض"
وكذلك "حِوَلٌ" و"عِوَض" و"رجل عُيَبة".
__________
1 المرد: المترنين.
يقول: لقد قتلنا آباءهم حتى تركنا أبناءهم عالة كاللصوص.
والشاهد في كلمة "عيل" وهي كسُيَّل في البيت السابق.
إعراب الشاهد: عيلا: نعت سببي منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
2 اعْلَوَّطْتُ البعيرَ: تَعَلَّقْتُ بعنقِهِ وعَلَوْتُهُ. لسان العرب
"7/ 355" مادة/ علط.
3 اخروط السفرُ: طال. لسان العرب "7/ 286".
4 عيل: من عال يعول: إذا اعتمد على غيره في إعالته. لسان العرب "11/
486" مادة/ عول.
(2/235)
فأما قولهم "ثَوْر" و"ثِيرَة" فشاذ،
وكأنهم1 فرقوا بالقلب بين جمع "ثور" من الحيوان وجمع "ثور" من الأقط2،
لأنهم يقولون في "ثور" الأقط: "ثورة" على القياس فأما "حِيَلٌ"
و"قِيَمٌ" فإن الواو فيهما لما انقلبت في الواحدة ضرورة لانكسار ما
قبلها قلبت أيضًا في الجمع، فقيل "قِيَمٌ" و"حِيَلٌ". وأما "حِيَاض"
و"رِيَاض"3 و"ثِيَاب" ونحو ذلك فإنما قلبت واوه ياء لسكونها في الواحد،
ومجيئها في الجمع بعد كسرة، وقبل ألف، ولام الفعل فيها صحيح، لا بد في
هذا الموضع من ذكر هذه الأربعة الأشياء وإلا فسدت العلة ونقصت.
فإن قلت: فأنت تعلم أن أصل "غازية"4 و"مَحْنِية"5: "غازِوة"
و"مَحْنِوة" لأنهما من "غزوتُ" و"حنوتُ" وقد قلبت الواو فيهما للكسرة
قبلها، وهما مع ذلك متحركتان. وكذلك "داعية" و"قاصية" و"عافية"
و"راجية" لأن الأصل "داعوة" و"قاصوة" و"عافوة" و"راجوة" لأنها من
"دعوت" و"قصوت" و"عفوت" و"رجوت".
فالجواب: أنه إنما أعل ذلك وإن كان متحركًا من قبل أنه لام الفعل،
فضعف، وأما الفاء والعين فقويتان، فسلمتا لقوتهما، وإذا كان القلب في
العين قد جاء في نحو "ثِيرة" و"سِياط" فهو في اللام أجوز وأسوغ. فأما
قولهم "الفُتُوّة" و"النُّدُوّة" و"الفُتُوّ"، قال6:
في فُتُوٍّ أنا رابئُهُم ... من كلالِ غَزْوَةٍ ماتُوا
__________
1 هذا قول المبرد كما في المنصف "1/ 346-347".
2 الأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك، والقطعة منه أقطة.
اللسان "7/ 257".
3 رياض: جمع روضة وهي الأرض ذات الخضرة. اللسان "7/ 172".
4 غازية: اسم فاعل من غزا يغزو أي سار إلى قتال العدو. اللسان "15/
123".
5 المحنية: واحدة المحاني وهي معاطف الأودية. لسان العرب "14/ 204".
6 البيت لجذيمة الأبرش كما في طبقات فحول الشعراء "ص38".
7 الرابئ: الذي يعلو جبلا يرقب للقوم لئلا يدهمهم عدو. لسان العرب "1/
82".
والمراد بماتوا هنا: سكنوا وسكنت أعضاؤهم من الإعياء.
الكلال: التعب.
ويروى: "في شباب أنا رابئهم" والشاهد بينه المؤلف في المتن.
الإعراب: فتو: اسم مجرور بـ "في" وعلامة الجر الكسرة.
(2/236)
فأصله "الفُتُوية" و"النُّدُوية"
و"الفُتُوي" ولكنهم أبدلوا الياء واوًا للضمة قبلها، ولم يعتدوا بالواو
الساكنة حاجزًا لضعفها، فلما قلبوا الياء واوًا أدغموا الأولى فيها،
فصحت لأن الأولى حصنتها بإدغامها إياها فيها، ولولا أن الأولى أدغمت في
الآخرة لما جاز أن تقع واوٌ في اسم طرفًا بعد ضمة، وهذا واضح.
ويدل على أن "الندوة" من الياء قولهم: "لفلان تكرم ونَدًى" بالإمالة
فدلت الإمالة على أنه من الياء. فأما قولهم:
"النداوة" فالواو فيه بدل من ياء، وأصله "نداية" لما ذكرنا من الإمالة
في "الندى" ولكن الياء قلبت واوًا لضرب من التوسع، وسنذكر أمثال هذا.
اعلم أنهم قد قلبوا الياء واوًا لا لعلة سوى تعويض الواو قلبها ياء
لكثرة دخول الياء عليها، وذلك قولهم: "جبيتُ الخراجَ جِباوَة" وأصلها
"جِباية"3. وقالوا: "رجاء بن حَيْوَة" وأصلها "حَيَّة"4 فقلت الياء
التي هي لام واوًا.
وقالوا: "هذا أَمْرٌ مَمْضُوٌّ عليه" أي "ممضيٌّ". وقالوا: "هي
المُضواء"5 وأصلها "مضياء". وقالوا: "هو أَمُورٌ بالمعروفِ نَهُوٌّ عن
المنكرِ" وهي من "نَهَيْتُ". وقالوا: "شَرِبتُ مَشُوًّا" وهو من "مشيت"
لأنه الدواء الذي يُمْشَى عنه6، وكأنهم أبدلوا الياء واوًا في
"نَهُوٌّ" و"مَشْوٌّ" ولم يقولوا "نهي" و"مشي" لأنهم أرادوا بناء
"فَعُول" فكرهوا أن يلتبس بـ "فَعِيل".
و"الحَيَوَان" أصله "الحَيَيَان" فقلبت الياء التي هي لام واوًا
استكراها لتوالي الياءين ليختلف الحرفان، هذا مذهب الخليل7 وسيبويه8
وأصحابهما9 إلا أبا عثمان
__________
1 في النسخ كلها "الياء" والصواب ما أثبتناه.
2 في النسخ كلها "واو" والصواب ما أثبتناه.
3 الجباية: الجمع والتحصيل. لسان العرب "14/ 128".
4 حية: نوع من أخبث الحيات.
5 المضواء: التقدم.
6 المشو: الدواء المسهل.
7 المنصف "2/ 285" "ضمن تصريف المازني"، والمسائل البغداديات "ص232".
8 الكتاب "2/ 388، 394"، والمسائل البغداديات "ص232".
9 المسائل البغداديات "ص232".
(2/237)
فإنه ذهب1 إلى أن "الحيوان" غيرُ مبدل
الواو، وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعلٌ، وشبه هذا بقولهم: "فاظَ
الميتُ يفيظُ فَيْظًا وفَوْظًا"2 ولا يستعملون من "فوظ" فعلا، وكذلك
"الحيوان" عنده مصدر لم يشتق منه فعل بمنزلة "فوظ" ألا ترى أنهم لا
يقولون: "فاظ يفوظ" كما قالوا: "فاظ يفيظ". ويدلك على أنهم لم يستعملوا
من "الحيوان" فعلا قول سيبويه3: "ليس في الكلام مثل حيوت" أي: ليس في
كلامهم "حيوت" ولا ما جرى مجراها مما يعنه ياء ولامه واو.
وهذا الذي رآه أبو عثمان وخالف فيه الخليل وسيبويه غير مرضٍ عندنا منه،
قال لي أبو علي وقت قراءتي كتاب أبي عثمان عليه: هذا الذي أجازه أبو
عثمان فاسد من قبل أنه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو وفاؤه
ولامه صحيحتان مثل "فَوْظ" و"صَوْغ" و"قَوْل" و"مَوْت" وأشباه ذلك،
فأما أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا، فحمله
"الحَيَوَان" على "فَوْظ" خطأ، لأنه شبه ما لا يوجد في الكلام بما هو
موجود مطرد.
وبهذا علمنا أن "حَيْوَة" أصلها "حَيَّة" وأن اللام إنما قلبت واوًا
لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء، ولأن الكلمة أيضًا عَلَمٌ،
والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو: "مَوْهَبٍ"
و"مَوْرَقٍ" و"مَوْظَبٍ" و"مَعْدِي كَرِب" و"تَهْلَلٍ" و"مَزْيَدَ"
و"مَكْوَزة وغير ذلك مما يطول تعداده.
وحكى اللحياني: "اشْتَر من الحَيَوَان والحَيَوَاتِ، ولا تَشْتَر من
المَوَتان"4 فالواو أيضًا في "الحيوات" بدل من ياء، وأصلها "حَيَيات"
لأنهما "فَعَلات" من "حَيِيْتُ" و"حَيِيتَ" من مضاعف الياء بلا خلاف،
ويدل على أنه لا خلاف في "حييت" في أن لامه ياء بمنزلة "خَشِيتُ" ,
"وعَيِيتُ" وأنه ليس كـ "شَقِيتُ"
__________
1 المصنف "2/ 284، 285" والبغداديات "ص234".
2 فاظ الميت: خرجت نفسه. لسان العرب "7/ 453".
3 الكتاب "2/ 389".
4 المعنى: اشتر من الرقيق والدواب ولا تشتر الأرضين والدور.
والموتان: ضد الحياة، والموتان من الأرض: الموات الذي ليس ملكا لأحد.
والذي في اللسان "موت" "2/ 398" غير معزو "اشتر الموتان ولا تشتر
الحيوان".
(2/238)
و "غَبِيت" قولُ أبي عثمان إنهم لم يشتقوا
من "الحيوان" فعلا؛ أي: لم يستعملوا منه فعلا عينه ياء ولامه واو
والعلة في قلب "الحيوات" هي العلة في قلب "الحيوان".
ومما قلبت ياؤه واوًا للتصرف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها،
وللفرق أيضًا بين الاسم والصفة قولهم: "الشَّرْوَى"1 و"الفَتْوَى"
و"البَقْوَى"2 و"الرَّعْوَى"3 و"الثَّنْوَى"4 و"التَّقْوَى" قال5:
فما بَقْوى عليَّ تَرَكْتُمَانِي ... ولكنْ خِفْتُمَا صَرَدَ
النِّبالِ6
ويرويه "بُقْيا"
وقال الآخر7:
أُذَكَّرُ بِالْبَقْوَى على مَنْ أَصَابَنِي ... وَبَقْوَايَ أني جاهدٌ
غيرُ مُؤْتَلٍ
وأصل هذا كله "شَرْيا" و"فَتْيا" و"بَقْيا" و"رَعْيا" و"ثَنْيا"
و"وَقْيا" لأن "الشَّرْوَى" من "شريتُ" و"الفَتْوَى" من معنى "الفَتَى"
و"البَقْوَى" من "بَقَيْتُ الشيء" إذا انتظرته، و"الرَّعْوَى" من
"رعيْتُ" و"الثَّنْوَى" من "ثنيْتُ" و"التَّقْوَى" من "وَقَيْتُ". وقد
تقصيتُ الأدلة على صحةِ هذه الدعاوى في كتابي8 في شرح تصريف أبي عثمان.
فإن كانت "فَعْلَى" صفة لم تغير الياء منها إذا وقعت لاما، وذلك نحو
"صَدْيا" و"رَيّا" و"خَزْيَا" وقد ذكرت هذا في صدر هذا الكتاب في باب
الهمزة.
__________
1 شروى الشيء: مثله. القاموس المحيط "4/ 348".
2 البقوى: الإبقاء. القاموس المحيط "4/ 304".
3 الرعوى: للأمر حفظه. القاموس المحيط "4/ 335".
4 الثنوى: الاسم من الاستثناء. القاموس المحيط "4/ 309".
5 البيت للعين المنقري كما في طبقات فحول الشعراء "ص403"، واللسان
"صرد" "4/ 36".
6 صرد النبال: إخطاؤها أو إصابتها. لسان العرب "3/ 249".
لم تتركاني لأنكما تبقيان علي ولكن خفتما من إصابة نبالي لكما.
إعراب الشاهد: بقوى: حال منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة.
7 الشاعر هو أبو القمقام الأسدي كما ذكر اللسان "بقي" "18/ 86".
8 المنصف "157-158".
(2/239)
وما قلبت فيه الياء واوًا ما حكاه أبو علي
أن أبا الحسن حكاه من قولهم: "مَضَى إنْوٌ من الليل"1 أي: إنْيٌ.
وأخبرنا قال2: قال أحمد بن يحيى: قال ابن الأعرابي: يقال: "إنْيٌ"
و"إنًى" و"مِعْيٌ" و"حِسْيٌ"3 و"حِسًى" قال الهذلي4:
حُلْوٌ ومُرٌّ كعطف القِدْح مرَّتُهُ ... بكلِّ إنْيٍ حَذَاهُ الليلُ
ينتعِلُ5
إبدال الواو من الياء المبدلة:
وذلك أنك لو أخرجت مصدر "ضارَبْتُ" و"قاتَلْتُ" على أصلهما لقلت:
"ضِيراب" و"قِيتال" فقلبت ألف "ضاربت" و"قاتلت" ياء لانكسار ما قبلها،
ثم إنك لو سميت بهذين المصدرين، ثم صغرتهما لوجب أن تقول: "ضُوَيْرِيب"
و"قُوَيْتِيل" فتقلب الياء واوًا، وتزيل الياء لزوال الكسرة التي كانت
قبلها.
فإن قلت: فأنت تعلم أن هذه الياء ليس أصلها واوًا، وإنما هي بدل من ألف
"فاعلت" فلم قلبتها واوًا وليست منقلبة عن الواو؟
فالجواب: أنا قد علمنا أن أصل هذه الياء في "فِيعال" ألف في "فاعلت"
وأنها إنما صارت ياء لانكسار ما قبلها، فلما زالت الكسرة من قبلها بضمة
التصغير لم يمكنك ردها إلى الألف لأجل الضمة قبلها، ولم يبق هناك غير
الواو، فقلبت إليها، فقلت: "ضويريب" و"قويتيل" فاعرف ذلك، وقس عليه ما
شاكله.
__________
1 معاني القرآن للأخفش "ص213"، ومضى إنو من الليل: أي وقت.
2 المنصف "2/ 107".
3 الحسي: سهل من الأرض يستنقع فيه الماء. القاموس المحيط "4/ 317".
4 هو المنتخل الهذلي يرثي أثيلة ابنه، والبيت في ديوان الهذليين، وهو
بغير نسبة في معاني القرآن للأخفش "ص214" وصدره فيه مخالف لما أنشده
ابن جني، والمنصف "2/ 107".
5 عطف القدح: يريد طوى كما يطوى القدح.
القدح: العود قبل أن يراش وينصل ويصير سهما.
والإني: الوهن أو الساعة من الليل.
والشاهد في قوله: "إني" كما أوضح المؤلف.
إعراب الشاهد: إني: مضاف إليه مجرور.
(2/240)
وأما قولك في تصغير "قِيمَة" و"دِيمَة":
"قُوَيْمَة" و"دُوَيْمَة" فليست الضمة هي التي اجتلبت الواو، وإنما أصل
الياء فيهما واو من "الدوام" و"قَوَّمْتُ"، فلما فقدت الكسرة من القاف
والدال رجعت الواو التي كانت قلبت للكسرة، ألا ترى أنك تقول في
"فَعْلَة" منهما: "قَوْمَة" و"دَوْمَة" فتجد الواو فيهما ثابتة وإن لم
تكن هناك ضمة، وهذا مُنْجَلٌ.
إبدال الواو من الياء الزائدة:
وذلك قولك في "بَيْطَرَ" و"سَيْطَرَ" و"هَيْنَمَ"1 و"بَيْقَرَ"2 إذا لم
تسم الفاعل وجعلت الفاعل مسندًا إلى المفعول "بُوطِرَ" و"هُونِمَ"
و"بُوقِرَ" فتقلب الياء الزائدة في "فَيْعَلَ" واوًا لسكونها وانضمام
ما قبلها.
__________
1 هينم: دعا الله. اللسان "12/ 624".
2 بيقر: أعيا، وهلك. اللسان "4/ 75".
(2/241)
زيادة الواو:
قد زيدت الواو ثانية في نحو: "كَوْثَرَ" و"جَوْهَرَ" و"تَوْرَابَ"3
و"طُومَار"4 و"دُواسِر"5 و"حَوْقَلَ"6 و"صَوْمَعَ"7، وثالثة في نحو
"جَدْوَلَ" و"قَسْوَرَ"8 و"خَرْوَعَ"9 و"بَرْوَعَ"10 و"قِرْواش"11
و"دِرْوَاس"12 و"عَمُود" و"عَجُوز" و"جَهْوَرَ"13 و"رَهْوَكَ"14 ورابعة
في نحو "كَنَهْوَرَ"15 و"بَلَهْوَرَ"16 و"جَرَمْوَقَ"17
و"زَرَنْوَقَ"18
__________
1 هينم: دعا الله. اللسان "12/ 624".
2 بيقر: أعيا، وهلك. اللسان "4/ 75".
3 التوراب: التراب. اللسان "1/ 227".
4 الطومار: الصحيفة.
5 الدواسر: الشديد الضخم.
6 حوقل: كبر، وأعيا، وفتر عن الجماع.
7 صومع البناء: علاه. اللسان "8/ 208".
8 القسور: الأسد. والصياد.
9 الخروع: نبت. اللسان "8/ 67".
10 بروع: اسم امرأة، وهي بروع بنت واشق.
11 القرواش من الرجال: الطفيلي.
12 الدرواس: الأسد الغليظ، وعظيم الرأس.
13 جهور بكلامه: أعلن به وأظهره. لسان العرب "4/ 151".
14 الرهوكة: استرخاء المفاصل في المشي. لسان العرب "10/ 435".
15 الكنهور: من السحاب المتراكم الثخين. لسان العرب "5/ 153".
16 البلهور: كل عظيم من ملوك الهند. لسان العرب "4/ 81".
17 الجرموق: الخف القصير يلبس فوق خف. لسان العرب "10/ 35-36".
18 الزرنوق: النهر الصغير. لسان العرب "10/ 141".
(2/241)
و "عَطْوَّدٍ"1 و"سَنَوَّرٍ"2
و"اخْرَوَّطَ"3 و"اعْلَوَّطَ"4. وخامسة نحو "قِنْدَأو"5 و"سِنْدَأْوٍ"6
و"كِنْثَأْوٍ"7 و"عَضْرَفُوط"8 و"مَنْجَنُون"9 و"حَيْزَبُون"10 قال
القطامي11:
إذا حَيْزَبُونٌ تُوقِدُ النارَ بعدما ... تَلَفَّعَتِ الظلماءُ من
كلِّ جانبِ12
ولم تزد الواو أولا البتة، وذلك أنها لو زيدت لم تخل من أن تكون مفتوحة
أو مكسورة أو مضمومة، فلو زيدت أولا لاطرد فيها الهمز كما همز نحو
{أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11] و"أُعِدَ زيدٌ" ولو زيدت مكسورة لكان قلبها
أيضًا جائزًا وإن لم يكن في كثرة همز المضمومة، وذلك نحو "إسادة"
و"إعادة" و"إفادة"13 في "وِسادة" و"وعاء" و"وِفَادَة". وكذلك قولهم
"إِشاح" في "وِشاح"14. ولو زيدت أولا مفتوحة لم تخل من أن تزاد في أول
اسم أو فعل إذ الحروف ليست من محتمل الزيادة، فلو زيدت في أول الاسم
مفتوحة لكنت متى صغرت ذلك الاسم فضممتها ممكنا من همزها، كما تقول في
"وْجَيْه" تضغير "وجه":
__________
1 العطود: الشديد الشاق من كل شيء. اللسان "3/ 295".
2 السنور: جملة السلاح.
3 اخروط: بهم الطريق والسفر امتد. لسان العرب "7/ 286".
4 اعلوط: ركوب الفرس، والتقحم على الشيء من فوق. اللسان "7/ 355".
5 القندأو: السيء الخلق والغذاء. اللسان "3/ 369".
6 السندأو: الحديد الشديد.
7 الكنثأو: الوافر اللحية. اللسان "1/ 137".
8 العضرفوط: ذكر العظاءة.
9 المنجنون: الدولاب. اللسان "13/ 423".
10 الحيزبون: العجوز من النساء.
11 البيت من ديوانه "ص46"، والشعر والشعراء "ص725"، وهو من قصيدة
يقولها في إمرأة من محارب قيس بات عندها ليلة ولم تقره.
12 الحيزبون: المرأة العجوز.
تلفعت الظلماء: شملتنا. اللسان "8/ 320".
الشرح: لقد شملتني ظلمة الليل فرأيت امرأة عجوزًا توقد نارًا.
والشاهد فيه كما شرحه المؤلف.
إعراب الشاهد: حيزبون مبتدأ مؤخر وخبره إذا الفجائية السابق عليه.
وجمله "توقد النار" نعت لـ "حيزبون".
13 إفادة: هي الوفادة وهي القدوم على الملوك، أو الأمراء. اللسان "3/
464".
14 الوشاح: رداء أو نسيج عريض تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها.
(2/242)
"أُجَيْه" وفي "وَعِيد" تصغير"وَعْد":
"أُعَيْد". ولو كانت في أول فعل لكنت متى بنيته للمفعول ولم تسم فاعله
وجب أن تضمها، ولو ضممتها لجاز أيضًا همزها. على أن منهم من همز
المفتوحة وإن كان قليلا، وذلك قولهم: "أَحَدٌ" و"أَنَاةٌ"1 و"أَجَم"
وأصله "وَحَد" و"وَنَاة" و"وَجَم". وقالوا في الفعل أيضًا "أَقَّتَ" في
"وَقَّتَ" فلما كانت زيادتهم الواو أولا تدعو إلى همزها وزوال لفظها
والإشكال هل هي همزة غير مبدلة من واو، رفض ذلك فيها، فلم تزد أولا
البتة.
فأما الواو في "وَرَنْتَلٍ"2 فأصل، والكلمة رباعية، ولا نون زائدة كنون
"عَقَنْقَل"3 و"جَحَنْفَل"4 و"عَبَنْقَس"5. ولا تجعلها زائدة لما
قدمناه من أن الواو لا تزاد أولا البتة.
واعلم أن الواو لم تأت في كلام العرب فاء ولاما، وليست في كلامهم لفظة
فاؤها واو ولامها واو حرف واحد، وهو قولنا "واو" ولذلك قال سيبويه:
"ليس في الكلام وَعَوْتُ"6. واعلم أن سيبويه ذكر أنهم إنما امتنعوا من
أن يكون في كلامهم مثل "وَعَوْت" استثقالا للواوين، ولم يزد في
الاعتلال لهذا أكثر من هذا الظاهر، وقد أوجز في هذا القول، وأشار إلى
العلة الصريحة اللطيفة، ولم يصرح بها، وأنا أذكر الموضع قفوًا له،
وكشفًا لغرضه، وزيادة في البيان، وتقوية للعلة. اعلم أنه لم يأت عنهم
مثل "وَعَوْت" من قبل أنهم لو فعلوا ذلك لاكتنف7 الحال أمران ضدان،
فتركوا ذلك لذلك، وذلك أن ما ماضيه "فَعَلَ" وفاؤه واو فعين مستقبله
مكسورة، وفاؤه محذوفة، وذلك نحو "وَعَدَ" و"وَزَنَ" و"وَرَدَ" تقول
"يَعِدُ" و"يَزِنُ" و"يَرِدُ" فهذا أصل مستمر.
__________
1 الأناة من النساء: التي فيها فتور عند القيام لنعمتها وترفها. اللسان
"14/ 50".
2 الورنتل: الشر والأمر العظيم. لسان العرب "11/ 724".
3 العقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل. لسان العرب "11/ 464".
4 الجحنفل: الغليظ وهو أيضًا الغليظ الشفتين. لسان العرب "11/ 103".
5 العبنقس: السيء الخلق، والناعم الطويل من الرجال. لسان العرب"6/
130".
6 الكتاب "2/ 390".
7 اكتنف: أحاط به. لسان العرب "9/ 308".
(2/243)
فأما قول بعضهم1:
لو شئت قد نَقَعَ الفؤادُ بشربةٍ ... تدعُ الحوائمَ لا يجُدن غليلا2
بضم الجيم فلغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها لما
عليه الكافة مما هو بخلاف وضعها ورأيناهم مع ذلك إذا كان الماضي على
"فَعَلَ" ولامه واو فعين مضارعه أبدًا مضمومة، وذلك نحو "غَزَوْتُ
أَغْزُو" و"دَعَوْتُ أَدْعُو". وهذا أيضًا أصل مستمر غير منكسر، فلو
صاغوا مثل "وَعَوْتُ" لوجب عليهم في المضارع أن يكسروا العين كما كسروا
عين "يعد" وأن يضموها أيضًا كما يضمون عين "يغزو" فلما كان بناؤهم مثل
"وعوت" يدعوهم إلى أن تكون العين في المضارع مضمومة مكسورة في حال واحد
رفضوه البتة فلم يبنوه مخافة أن يصيروا إلى التزام جمع بين حركتين ضدين
في حرف واحد.
فإن قلت: فهلا بنوه على "فعُلت" بضم العين، فقالوا: "وَعُوتُ أَوْعُو"
وأجروه في ضم عينه بعد الفاء التي هي واو مجرى "وَضُؤَتْ تَوْضُؤُ"
و"وَطُؤَ الدابةَ يَوْطُؤُ"؟
فالجواب: أن "فعَلت" أكثر في الكلام من "فعُلت" ألا ترى أن "فعُلت" لا
يكون إلا لتنقل الهيئة والحال نحو: ما كان كريمًا ولقد كَرُمَ، وما كان
ظريفًا ولقد ظَرُفَ، وما كان جميلا ولقد جَمُلَ، وما كان صبيحا ولقد
صَبُحَ، وهي أيضًا غير
__________
1 البيت لجرير في ديوانه "ص453" وهو ثاني بيت في قصيدة يهجو فيها
الفرزدق وعدتها عشرون بيتا وفيه "يجِدن" بكسر الجيم على القياس، ولا
شاهد فيه حينئذ.
2 نفع: روى. لسان العرب "8/ 361".
الحوائم: جمع حائم وهو الإبل العطاش جدًّا لسان العرب 12/ 162.
الغليل: حر الجوف. لسان العرب "11/ 499".
والشاهد فيه مجيء "يجُدن" مضموم الجيم وقد حكم عليه ابن جني بالشذوذ.
إعراب الشاهد:
يجدن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة.
ونون النسوة: ضمير مبني في محل رفع فاعل.
غليلا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة.
وجملة "لا يجدن غليلا" في محل نصب حال وصاحبه الحوائم قبلها.
(2/244)
متعدية، و"فَعَلت" تكون متعدية وغير
متعدية، وهي أخف وأسير في الكلام من "فَعُلت" فلما وجب رفض ذلك في
الأكثر الشائع حمل الأقل -وهو "فَعُلْتُ"- عليه. هذا مع ما كان يلزمهم
من اكتناف الواوين والضمة للكلمة، وهو الثقل الذي أومأ إليه سيبويه،
أعني قولهم لو قالوا: "وَعَوْتَ تَوْعُو"، فلما وجب اطراح هذا التركيب
في "فَعَلت" وتبعه "فَعُلت" حملوا أيضًا عليه "فَعِلْتُ" فلم يقولوا
مثل "وَعِيت تَوْعَى" كما قالوا: "وَجِيت تَوْجَى"1 وأتبعوا "فَعِلْتُ"
في الامتناع "فَعَلْتُ" و"فَعُلْتُ" فاعرف ذلك، فإنه لطيف حسن.
فأما الألف من "واو" فحملها أبو الحسن على أنها منقلبة من واو، واستدل
على ذلك بتفخيم العرب إياها وأنه لم تسمع منهم الإمالة فيها، فقضى لذلك
بأنها من الواو، وجعل أحرف الكلمة كلها واوات. ورأيت أبا علي ينكر هذا
القول، ويذهب إلى أن الألف فيها منقلبة عن ياء، واعتمد في ذلك على أنه
إذا جعلها من الواو كانت الفاء والعين واللام كلها لفظًا واحدًا، قال:
وهذا غير موجود، فعدل عنه إلى القضاء بأنها من ياء.
ولست أرى بما أنكره أبو علي على أبي الحسن بأسًا، وذلك أن أبا علي إن
كان كره ذلك لئلا تصير حروف الكلمة كلها واوات فإنه إذا قضى بأن الألف
منقلبة من ياء لتختلف الحروف فقد حصل معه بعد ذلك لفظ لا نظير له.
ألا ترى أنه ليس في الكلام حرف فاؤه واو ولامه واو إلا قولنا "واو"
فإذا كان قضاؤه بأن الألف من الياء لا يخرجه من أن يكون الحرف بكون
فائه واوين فذا لا نظير له، فقضاؤه بأن العين واو أيضًا ليس بمنكر،
ويعضد ذلك أيضًا شيئان:
أحدهما: ما قضى به سيبويه2 من أن الألف إذا كانت في موضع العين فأن
تكون منقلبة عن الواو أكثر من أن تكون منقلبة عن الياء.
والآخر: ماحكاه أبو الحسن من أنه لم تسمع عنهم فيها الإمالة. وهذا
أيضًا يؤكد أنها من الواو.
__________
1 وجيت: الوجا: الحفا، وإنه ليتوجى في مشيته وهو وجٍ، وقيل: الوجا قبل
الحفا ثم الحفا ثم النقب، وقيل هو أشد من الحفا. لسان العرب "15/ 378".
2 الكتاب "2/ 127".
(2/245)
ولأبي علي أن يقول منتصرًا لكون الألف
منقلبة عن ياء: إن الذي ذهبت أنا إليه أسوغ وأقل فحشًا مما ذهب إليه
أبو الحسن، وذلك أني وإن قضيت بأن الفاء واللام واوان وكان هذا أيضًا
لا نظير له، فإني قد رأيت العرب جعلت الفاء واللام من لفظ واحد كثيرًا،
نحو "سَلِسَ"1 و"قَلِقَ" و"حَرْحٍ"2 و"دَعْدٍ" و"فَيْفٍ"3 فهذا وإن لم
يكن فيه واو فإنا قد وجدنا فاءه ولامه من لفظ واحد.
وقالوا أيضًا في الياء التي هي أخت الواو "يَدَيْتُ إليه يدًا" ولم
نرهم جعلوا الفاء والعين واللام جميعًا من موضع واحد لا من واو ولا من
غيرها، فقد دخل أبو الحسن معي في أن اعترف بأن الفاء واللام واوان إذ
لم يجد بُدًّا من الاعتراف بذلك، كما لم أجده أنا، ثم إنه زاد على ما
ذهبنا إليه جميعًا شيئًا لا نظير له في حرف من الكلام البتة، وهو جعله
الفاء والعين واللام من لفظ واحد. فأما ما أنشَدَناه أبو علي من قول
هند بنت أبي سفيان لابنها عبد الله بن الحارث4:
لأنكحن بَبَّهْ ... جارية خِدَبَّهْ
مُكْرَمًة محبَّهْ ... تَجُبُّ أهلَ الكعْبَة5
فإنما "بَبَّه" حكاية الصوت الذي كانت ترقصه عليه، وليس باسم، وإنما هو
كـ "قَبْ" لصوت وقع السيف، و"طِيخ" للضحك، ومثله صوت الشيء إذا
__________
1 سلس: سهل ولين، وسلس بول الرجل إذا لم يتهيأ له أن يمسكه. اللسان "6/
106".
2 الحرح: فرج المرأة، والجمع أحراح. لسان العرب "2/ 432".
3 الفيف: المفازة التي لا ماء فيها مع الاستواء والسعة. والفيفاء:
الصحراء الملساء.
4 الأبيات لهند بنت أبي سفيان كما نسبه إليها صاحب اللسان في مادة
"بيب" "1/ 221"، وهذه الأبيات وردت في المنصف "2/ 182" والخصائص "2/
217" وجمهرة اللغة "1/ 24" غير منسوبة.
5 ببة: حكاية الصوت التي كانت الشاعرة ترقص ولدها عليه كما قال ابن جني
في المتن.
خدبّه: ضخمة.
تجب: تغلب بحسنها. اللسان "1/ 251".
أهل الكعبة: أي نساء قريش.
تخاطب ابنها وتقول إنها ستنكحه فتاة سمينة جميلة تفوق نساء قريش حسنًا
وجمالا.
والشاهد: في قولها "ببه" فقد أورده أبو علي كدليل على ورود كلمة فاؤها
وعينها ولامها على حرف واحد هو الباء.
ورد ابن جني ذلك بأنها ليست اسمًا وإنما حكاية لصوت كانت الشاعرة ترقص
ابنها عليه.
(2/246)
تدحرج "دَدَدْ" فإنما هذه أصوات ليست
تُوزَنُ، ولا تمثل بالفعل، بمنزلة "صه"1 و"مه" ونحوهما. فلما ذكرناه من
الاحتجاج لمذهب أبي علي ما تعادل عندنا المذهبان أو قربا من التعادل.
وقد جاءت الفاء والعين واوين، وذلك قولهم "أوَّل" ووزنه "أَفْعَل" ويدل
على ذلك اتصال "من" به على حد اتصالها بـ "أَفْعَل" الذي للتفضيل، وذلك
قولهم: "ما لقيتك مذ أول من أمس" فجرى هذا مجرى قولك: "هو أفضل من زيد
وأكرم من عمرو". ولقولهم في مؤنثه "الأولى" فجرى ذلك مجرى قولك
"الأفضل" و"الفضلى". فأما قولهم: "أوائل" بالهمز فأصله "أَوَاوِل" لكن
لما اكتنفت الألف واوان، وليست الآخرة منهما الطرف، فضعفت، وكانت
الكلمة جمعًا، والجمع مستثقل، قلبت الآخرة منهما همزة، وقد أشبعنا
القول في الرد على من خالفنا3 من البغداديين في هذا الموضع في كتابنا4
في شرح "التصريف"5، وهذا الكتاب كأنه لاحق بذلك ومتصل به لاشتراكهما
واشتباه أجزائهما، فلذلك تركنا إعادة القول هنا، وأحلنا على ذلك الكتاب
في عدة مواضع من هذا.
وقد زيدت الواو أيضًا في جماعة المذكرين ممن يعقل، وذلك قولهم
"الزيدون" و"البكرون".
فإن قلت: فما تقول في قولهم في جماع "ثُبة" و"ظُبة"6 و"مائة" و"رِئة"
و"سَنة": "ثُبُون" و"ظُبُون" و"مِئُون" و"رِئُون" و"سِنُون".
أنشد أبو زيد، وأنشدَناه أبو علي7:
__________
1 صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت.
2 مه: اسم فعل أمر بمعنى اكفف.
2 هو الفراء: فقد أجاز أن يكون من "وألت" ومن "ألت".
4 يريد المصنف "2/ ص202-204"، والمسائل الشيرازيات لأبي علي المسألة
الأولى.
5 هو كتاب "التصريف" لأبي عثمان المازني.
6 الظبة: حد السيف والسنان، والخنجر، والجمع "الظباة والظبين". اللسان
"1/ 568".
7 البيت للأسود بن يعفر وهو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن
نهشل بن دارم ويكنى أبا الجراح، وكان رؤبة يقول: "يعفر" بضم الياء
والفاء، وكان الأسود شاعرا فحلا وكان يكثر التنقل بين العرب ويجاورهم
فيذم ويحمد وله في ذلك أشعار.
(2/247)
فغِظناهُمُ حتى أَتَى الغيظُ منهمُ ...
قلوبًا وأكبادًا لهم ورِئينا1
وكل واحد من هذه الأسماء مؤنث، وليس واقعا على ذي عقل.
وكذلك "بُرة"2 و"بُرُون" و"عِضة"3 و"عِضُون" و"قُلة"4 و"قُلُون" فكيف
جاز جمع هذا بالواو؟
فالجواب: أن هذه أسماء مجهودة منتقصة، وذلك أن لامها قد حذفت، وأنا
أذكر أصولها:
أما "ثبة" فالمحذوف منها اللام دون الفاء والعين، يدل على ذلك أن
الثبة: الجماعة من الناس وغيرهم، قال الله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ
أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء: 71] فـ "ثبات" كقولك: جماعات
متفرقة، أو اجتمعوا كلكم.
أنشد أبو علي للهذلي5:
فلما جلاها بالإيام تَحَيَّزَتْ ... ثُبات عليها ذُلُّها واكتئابُها6
ورأيناهم يقولون: "ثَبَّيْتُ الشيءَ" إذا جمعته.
__________
1 أتى الغيظ منهم: نال منهم.
يقول: لقد غظناهم حتى حطم الغيظ قلوبهم وأكبادهم ورئيهم.
والشاهد في قوله "رئين" فقد جمع كلمة "رئة" على رئون، ورئين إلحاقًا
بجمع المذكر السالم.
إعراب الشاهد: رئين: معطوف منصوب علامة النصب الياء.
2 البرة: الحلقة تجعل في أنف البعير. لسان العرب "14/ 71".
3 العضة: واحدة العضاة، والعضاة شجر له شوك، والعضة: الفرقة، والكذب.
4 القلة: الخشبة الصغيرة وهي قدر ذراع تنصب للتعريش. لسان العرب "11/
566".
5 هو أبو ذؤيب الهذلي يصف مشتار العسل، والبيت في شرح أشعار الهذليين
"ص53".
6 الاكتئاب: تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. لسان العرب "1/
695".
وثبات: جماعات من الناس متفرقة. لسان العرب "15/ 107".
يقول: لما طردهم بالدخان تجمعوا إلى بعضهم يكسوهم الحزن والذلة.
والشاهد في قوله "ثبات" فهي جمع لـ "ثبة" كما أورد المؤلف.
إعراب الشاهد:
ثبات: حال منصوبة وعلامة النصب الكسرة لأنها ملحقةُ بجمع المؤنث
السالم.
(2/248)
قال لبيد1:
يُثَبِّي ثناء من كريم وقوله ... ألا انعمْ على حسن التحية واشربِ2
وقال الآخر3:
كَمْ لِيَ مِن ذِي تُدْرَأٍ مِذَبِّ ... أشْوَسَ أَبّاءٍ على
المُثَبِّي4
أي: الذي يعذله، ويكثر لومه، ويجمع له العذل من هنا ومن هنا.
وذهب أبو إسحاق5 في "ثُبة الحوض" -وهي وسطه- إلى أنها من "ثابَ الماءُ
إليها" وأن الكلمة محذوفة العين، وقال: "تقول في تصغيرها ثُوَيْبَة".
وهذا غير لازم، لأنه يجوز أن تكون من "ثَبَّيْتُ" أي: جمعت، وذلك أن
الماء إنما مجتمعه من الحوض في وسطه. وقال الآخر6:
هلْ يصلحُ السيفُ بغيرِ غَمْدِ ... فَثَبِّ ما سَلَّفْتَه مِن شُكْدِ7
__________
1 البيتان في التمام ص202، واللسان "ثبا" "18/ 116".
2 يثني: يجمع
الثناء: المدح.
يمدح الشاعر رجلا ويقول إنه يجمع الحمد والثناء على كرمه وجوده
ومعاملته الحسنة.
والشاهد في قوله "يثبي" كما أورد المؤلف في المتن.
الإعراب: يثبي: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة.
3 البيت لم أعثر على قائله وقد ذكره اللسان في مادة "ثبا".
4 ذو تدرأ: ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه، يكون ذلك في الحرب
والخصومة.
مذب: من الذب وهو الدفع والمنع.
أشوس: جريء على القتال الشديد.
أباء: أشد الامتناع. اللسان "14/ 4".
المثبي: اللائم الشاكي.
يقول: إن لي الكثير من الأقوياء المدافعين الأشداء الذين يرفضون اللوم.
والشاهد في مجيء كلمة "المثبي" بمعنى اللائم كما أورد المؤلف في المتن،
وإعرابها ظاهر,
5 معاني القرآن للزجاج "2/ 79".
6 البيتان في اللسان "ثبا" "18/ 116"، ولم أعثر على قائله فيما بيدي من
مصادر.
7 الغمد: ما يوضع فيه السيف.
وثب: أجمع. لسان العرب "14/ 108".
الشكد: العطاء. لسان العرب "3/ 238".
يقول: كما أنه لا ينفع السيف بلا غمد فكذلك الإنسان لا ينفع بلا مال
فاجمع ما سلفته للناس من عطاء.
(2/249)
أي: فأضف إليه غيره، واجمعه مع سواه. فـ
"يثبي" أي: يجمع، وقولهم "يثبي" يدل على أن اللام معتلة، وأن الثاء
والباء فاء وعين، وقولهم "ثَبَّيْتُ" لا يدل على أن اللام ياء دون
الواو، لقولهم "عَدَّيْتُ" و"خَلَّيْتُ" كما قالوا "قَضَيْتُ"
و"سَقَيْتُ"، فالقبيلان إذا صارا إلى هذا متساويان، ولكن الذي ينبغي أن
يقضى به في ذلك أن تكون من الواو، وأن يكون أصلها "ثُبْوة" وذلك أن
أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو، نحو "أبٍ" و"أخٍ" و"غدٍ" و"هَنٍ"
و"حَمٍ" و"سَنَةٍ" فيمن قال "سَنَوَات" و"عِضةٍ" فيمن قال "عَضَوَات"
و"ضَعة"1 لقولهم "ضَعَوَات" و"ابن" لقولهم "بِنْتٌ" و"بُنُوَّةٌ"
و"قُلةٍ" لقولهم "قَلَوْتُ بالقُلة"2.
فهذا أكثر مما حذفت لامه ياء، فعليه ينبغي أن يكون العمل، وبه أيضًا
وصى أبو الحسن3، فقد ثبت أن أصل "ثبة" "ثبوة".
والقول في "ظُبة" أيضًا كالقول في "ثُبة" ولا يجوز أن يكون المحذوف
منها فاء ولا عينًا، أما امتناع الفاء فلأن الفاء لم يطرد حذفها إلا في
مصادر بنات الواو، نحو "عِدة" و"زِنة" و"جِدة" وليست "ظُبة" من ذلك،
وأوائل تلك المصادر أيضًا مكسورة، وأول "ظُبة" كما ترى مضموم، ولم تحذف
الواو فاء من "فُعْلة" إلا في حرف شاذ حكاه أبو الحسن، ولا نظير له،
وهو قولهم في "الصِّلة": "صُلة" ولولا المعنى وأنا قد وجدناهم يقولون
في معناه "صلة" وهي محذوفة الفاء بلا محالة لأنها من "وَصَلْتُ" لما
أجزنا أن تكون "صُلة" محذوفة الفاء، فقد بطل إذن أن تكون "ظبة" محذوفة
الفاء، ولا تكون أيضًا محذوفة العين، لأن ذلك لم يأت إلا في "سَهٍ"
و"مُذْ" وهما حرفان نادران لا يقاس عليهما غيرهما.
__________
والشاهد: مجيء كلمة "ثب" في صيغة الأمر بمعنى "اجمع".
إعراب الشاهد: ثب" فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر تقديره
أنت.
وما: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به.
سلفته: سلف: فعل ماضٍ مبني والتاء فاعل، والهاء مفعول به.
من: حرف جر.
وشكد: اسم مجرور. و"من شكد" متعلق بـ "سلف" وجملة "سلفته من شكد" لا
محل لها من الإعراب صلة الموصول.
1 الضعة: شجر بالبادية.
2 قلوت بالقلة: ضربت. اللسان "15/ 199".
3 الممتع "ص623".
(2/250)
ودليل آخر يدل على أن "ظُبة" ليست محذوفة
العين، وهو جمعهم إياها بالواو والنون نحو "ظُبُون" و"ظُبِين" ولم نرهم
جمعوا شيئًا مما حذفت عينه بالواو والنون، إنما ذلك فيما حذفت لامه،
نحو "سِنُون" و"عِضُون" أو فاؤه نحو "لِدُون"1.
ولا يجوز أيضًا أن تكون الفاء محذوفة لما قدمناه، فثبت أن اللام هي
المحذوفة دون غيرها. ومن أقوى دليل على حذف لامها قولهم في جمعها
"ظُبًا" فاللام كما ترى هي المعتلة، ونظيرها "لُغَة ولُغًى" و"بُرَة
وبُرًا" وأصلها "ظُبْوة" بالواو لما ذكرناه في "ثُبة".
وأما "مائة" فيدل على أنها محذوفة اللام قولهم: "أَمْأَيْتُ الدراهمَ"2
وليس في قولهم "أَمْأَيْتُ" ما يدل على أن اللام ياء دون الواو لقولهم
"أَدْنَيْتُ" و"أَعْطَيْتُ" وهما "دَنَوْتُ" و"عَطَوْتُ" كقولك:
"أَرْمَيْتُهُ" و"أَسْقَيْتُهُ" وهما من "رَمَيْتُ" و"سَقَيْتُ" ولكن
الذي يدل على أن اللام من "مائة" ياء ما حكاه أبو الحسن من قولهم:
"رأيت مِئْيًا" في معنى "مائة" فهذه دلالة قاطعة على كون اللام ياء.
ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك أيضًا، فقال في بعض أماليه: إن أصل
"مائة": "مئية". فذكرت ذلك لأبي علي، فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي
ينظر من هذه الصناعة في مثله؛ لأن علمه كان أكثف من هذا، ولم ينظر من
اللطيف الدقيق في هذه الأماكن، وإن كان بحمد الله والاعتراف بموضعه
جبلا في الرواية وقدوة في الثقة، ولعله أن يكون وصل ذلك منها إلى أبي
الحسن.
وأما "رئة" فمن الياء لا محالة، لأن أبا زيد حكى عنهم "رَأَيْتُ
الرجلَ" إذا أصبتَ رئتَهُ. فهذه أيضًا دلالة قاطعة، وأصلها "رَئْية"
كما ترى.
وأما "سنة" فقد تقدمت الدلالة على حذف لامها في عدة مواضع من هذا
الكتاب، وأنه يجوز أن تكون واوًا، وأن تكون هاء.
__________
1 لدون: لد: موضع، اسم رملة بضم اللام في الشام. اللسان "3/ 391".
2 أمأيت الدراهم: جعلتها مائة. لسان العرب "15/ 271" مادة/ مأي.
(2/251)
وأما "بُرة" فحالها أيضًا حال "ثُبة"
و"ظُبة" والمحذوف منها اللام، وهو حرف علة لقولهم: "أَبْرَيْتُ
الناقةَ"1 و"هي مُبْراة" ولا دليل في "أَبْرَيْتُ" على أن اللام ياء
كما لم يكن ذلك في "ثَبَّيْتُ" ولا في "أَدْنَيْتُ" والوجه أن تكون
واوًا لما قدمناه، فيكون الأصل "بُرْوة" وقد حكيت أيضًا في بعض نسخ
الكتاب "بَرْوة" في معنى "بُرة". وأيضًا فقد قالوا: "بَرَوْتُ الناقةَ"
في معنى "أَبْرَيْتُها". ويؤكد أن المحذوف منها اللام دون غيرها قولهم
في الجمع "البُرا" قال2:
ذَكرتُ والأهواءُ تدعو للصِّبا ... والعِيسُ بالركبِ يُجاذبنَ البُرا3
وأما "عِضة" فمن الواو أيضًا، وأصلها "عضوة" ألا ترى أنهم فسروا قوله
تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] أي:
فرقوه، وجعلوه أعضاء، قال ابن عباس -رحمه الله- أي: آمنوا ببعضه وكفروا
ببعضه، فهو لفظ العضو ومعناه، وقال الكسائي: "العضة" و"العضون" من
"العضيهة" وهي الكذب. واللام على هذا هاء بمنزلة "است"4 و"سنة"5 فيمن
قال "سنهاء".
وأما قولهم: "قلة" فأمرها بينٌ لقولهم "قلوت بالقلة" إذا ضربت بها،
وأصلها لما ذكرناه "قُلْوة".
وكذلك "عِزة" و"عِزُون" قياسها أن تكون في الأصل "عزوة" لأنها الجماعة،
فهي من معنى "عزوت الرجل إلى أبيه" إذا نسبته إليه، وألحقته به، فهذا
هو معنى الجماعة.
__________
1 أبريت الناقة: جعلت أنفها برة. لسان العرب "14/ 71" مادة بري.
2 لم أعثر على قائله، وقد ورد البيت في كتاب "القوافي" للأخفش "ص70".
3 الأهواء: جمع هوى وهو ميل النفس.
والعيس: الإبل.
البرا: جمع بروه وهي حلقة تكون في أنف الناقة. اللسان "14/ 71" مادة
بري.
يقول: لقد تذكرت الأيام الماضية حين استعدت الإبل للرحيل.
والشاهد مجيء جمع "برة" على "برا" مما يؤكد أن المحذوف هو اللام دون
غيرها.
إعراب الشاهد:
البرا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة منع من ظهورها
التعذر.
4 أصلها "سته" لقولهم في تصغيرها "ستيهة" وفي تكسيرها "أستاء".
5 سنة سنهاء: شديدة لا نبات فيها ولا مطر. اللسان "14/ 405" مادة/ سنا.
(2/252)
ألا ترى أن بعضها مضموم إلى بعض ملحق به،
أنشدنا أبو علي1:
اطلب أبا نخلة مَن يأبوكا ... فقد سألنا عنك مَن يعزوكا
إلى أبٍ فكُلُّهُمْ ينفِيكا2
على أنهم قد قالوا أيضًا: "عَزَيْتُهُ إلى أبيه" فالأصل في "عِزة" على
هذا "عِزْية". وإن وجدت فسحة، وأمكن الوقت عملت بإذن الله تعالى كتابًا
أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب، وأميز ذوات الهمز من ذوات الواو
ومن ذوات الياء، وأعطي كل جزء منها حظه من القول مستقصًى إن شاء الله
تعالى.
وذكر شيخنا أبو علي أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك، فأملَّ
منه صدرًا كبيرًا، وتقصى3 القول فيه، وأنه هلك في جملة ما فقده وأصيب
به من كتبه، وحدثني أبو علي أنه وقع حريق بمدينة السلام، فذهب له جميع
علم البصريين، قال: وكنت كتبت ذلك كله بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم
أجد في الصندوق الذي احترق شيئًا البتة إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن
الحسن، فسألته عن سلوته وعزائه عن ذلك، فنظر إلى متعجبًا، ثم قال: بقيت
شهرين لا أكلم أحدًا حزنًا وهمًّا، وانحدرت إلى البصرة لغلبة الفكر
علي، وأقمت مدة ذاهلا متحيرًا.
__________
1 نسبت الأبيات لبخدج وإلى شريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة كما في
اللسان مادة "أبي" "18 ص8"، وهي بغير نسبه في التمام "ص198".
2 أبا نخلة: الشخص المهجو.
يأبوكا: يكون لك أبا.
يعزوكا: ينسبك إليه.
ينفيك: يرفض نسبتك له.
يقول: اطلب أبا نخلة أبا ينسبك إليه فالكل قد تبرأ منك.
الشاهد في قوله "يعزوكا" فهو دليل على أن أصل "عزه" عزوة بالواو
لورودها في الفعل.
إعراب الشاهد:
يعزو: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة، والفاعل: ضمير
مستتر تقديره هو يعود على الموصول قبلها، والكاف: ضمير مبني في محل نصب
مفعول به.
والجملة من الفعل "يعزو" والفاعل "المستتر" لا محل لها من الإعراب صلة
الموصول.
3 تقصى: تتبع. لسان العرب "15/ 186" مادة/ قصا.
(2/253)
فإذا ثبت بما قدمناه أن هذه الأسماء محذوفة
اللامات فكأنهم إنما عوضوها الجمع بالواو والنون مما لحقها من الجهد
والحذف ليكون ذلك عوضًا لها، وذلك أن التكسير ضرب من التوهين1 والتبديل
والإشكال يلحق الكلمة، والجمع بالواو والنون إنما هو للأسماء الأعلام
التي هم ببيانها معنيون، ولتصحيح ألفاظها لفرط اهتمامهم بها مؤثرون،
فقد علمت بذلك غلبتها على غيرها من الأجناس التي تأتي مكسرة نحو: "رجل
ورجال" و"كلب وأكلب" فإذا ألحقوا غيرها فذلك تقوية منهم له ورفع منه.
ومعنى الإشكال في التكسير أنك تجد المثال المكسر عليه تخرج آحاد كثيرة
إليه، ألا ترى أن "أَفْعَالا" قد خرج إليه "فَعَلٌ" نحو "جَمَل
وأَجْمال" وخرج إليه "فِعْل" و"فُعْل" و"فِعِلٌ" و"فُعُلٌ" و"فَعِلٌ"
و"فُعَلٌ" و"فِعَلٌ" و"فَعُلٌ" وذلك نحو "ضِرْس وأَضْراس" و"بُرْد
وأَبْراد" و"إِبِل وآبال" و"عُنُق وأَعْناق" و"كَبِد وأَكْباد" و"رُبَع
وأَرْباع" و"ضِلَع وأَضْلاع" و"عَضْد وأَعْضاد"2.
وخرج إليه أيضًا "فَعْلٌ" وإن لم يكن في كثرة ما قبله، قالوا: "زَنْدٌ3
وأَزُناد" و"فَرْخٌ وأَفُراخ".
وخرج إليه أيضًا ما لحقته الزيادة من ذوات الثلاثة، وذلك نحو "شاهد
وأشهاد" و"شريف4 وأشراف". كذلك أيضًا "أَفْعُل" يخرج إليه أمثلة جماعة
نحو: "كَعُبٌ وأَكْعُب" و"زَمَنٌ وأَزْمُن" و"قُفْل وأَقْفُل" قرأ
بعضهم: "أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفُلُها" [محمد: 24] و"ضِرْس وأَضْرُس"
قال5:
................................. ... وقَرَعْنَ نَابَكَ قَرْعَةً
بِالأَضْرُسِ6
__________
1 توهين: من وهن أي ضعف. لسان العرب "13/ 453" مادة/ وهن.
2 العضد: ما بين المرفق والكتف. لسان العرب "3/ 292" مادة/ عضد.
3 الزند: العود الأعلى الذي تقدح به النار والأسفل هو الزندة. اللسان
"3/ 195" مادة/ زند.
4 الشريف: الغني أو الرفيع القدر.
5 هذا الشطر في الخصائص "2/ 223، 3/ 209".
6 قرع: ضرب.
الناب: السن خلف الرباعية والجمع أنياب ونيوب.
والشاهد مجيء كلمة "أضرس" على وزن "أفعل" جمعًا لـ "ضرس".
إعراب الشاهد ظاهر.
(2/254)
و "ضِلْع وأضَلْع" و"ضَبُع وأَضْبُع" قال1:
يا أضْبُعًا أَكَلَتْ آيارَ أَحْمِرَةٍ ... ففي البطونِ وقدْ راحتْ
قَراقِيرُ2
و"كَبِد وأَكْبُد" وقد خرج إليه أيضًا ما لحقته الزوائد من ذوات
الثلاثة، وقالوا: "عُقاب وأَعْقُب" و"أتان وآتُن" و"ذِراع وأَذْرُع".
وكذلك غير هذين المثالين من أمثلة الجموع. وقد تخرج إليه آحاد مختلفة
الصيغ والأبنية، فقد يجوز أن يعرض الإشكال في الواحد منها، فلا يدرى ما
مثاله، ولهذا ما يتفق العلماء في مثال الجمع، وتراهم مختلفين في
الواحد، ألا ترى إلى قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}
[الأحقاف: 15] فمذهب سيبويه3 فيه أنه جمع "شدة" قال: "ومثاله نعمة
وأنعم". وحدثنا أبو علي أن أبا عبيدة ذهب إلى أنه جمع "أشد" على حذف
الزيادة. قال: وقال أبو عبيدة: وربما استكرهوا في الشعر على حذف
الزيادة.
وأنشد لعنترة4:
عهدي به شَدَّ النهار كأنما ... خُضِبَ اللُّبانُ ورأسه بالعظلم5
__________
1 البيت لرجل ضبي أدرك الإسلام كما في النوادر لأبي زيد "ص295" ونسبه
صاحب اللسان لجرير الضبي. لسان العرب "4/ 36" مادة/ أير.
2 أضبعا: جمع ضبع وهو أنثي حيوان من جنس السباع كبيرة الرأس قوية
الفكين.
آيار: جمع أير وهو عضو التذكير عند الحيوان "القضيب". اللسان "4/ 36"
مادة/ أير.
أحمرة: جمع حمار وهو معروف.
قراقير: من قرقرت البطن إذا صوتت.
يخاطب الشاعر قومًا واصفًا لهن بأنهن كالأضبع التي أكلت آيار الحمير
فصوتت بطونهن.
والشاهد مجيء كلمة "أضبع" جمعًا "لضبع".
إعراب الشاهد: أضبعًا: منادى منصوب لأنه نكرة غير مقصودة، وعلامة نصبه
الفتحة الظاهرة.
3 الكتاب "2/ 183".
4 البيت في ديوانه "ص213" وهو من المعلقة.
5 شد النهار: ارتفاعه.
خضب: طلى. اللسان "1/ 357" مادة/ خضب.
اللبان: شجيرة شوك لا تسمو أكثر من ذراعين، له حرارة في الفم. اللسان
"13/ 377".
العظلم: صبغ أحمر، وقيل: هو الوسعة. اللسان "12/ 412".
يقول: لقد طعنته بالرمح وشججت رأسه وقطعت أصابعه حتى تركت أصابعه ورأسه
وكأنهما قد طليا بالصبغ الأحمر.
(2/255)
وكذلك "أبابيل"1 ذهب بعضهم إلى أنها جمع
"إبّالة"2. وذهب آخرون إلى أن واحدها "إبِّيل"3 ز وأجاز آخرون4 أن يكون
واحدها "إبَّوْل" مثل "عِجَّوْل". وذهب أبو الحسن5 إلى أنه جمع لا واحد
له بمنزلة "عَبَادِيد" و"شَعَالِيل"6.
وكذلك "أَسَاطِير" قال قوم7: واحدها "أُسْطُورة". وقال آخرون8:
"إِسْطَارة". وقال آخرون" أَسَاطِير" جمع "أَسْطَار" و"أسطار" جمع
"سَطْر" وقيل: "إِسْطِير". وقال أبو عبيدة \10: جمع "سطر" على
"أَسْطُر" ثم جمعت "أَسْطُر" على "أساطِير". وقال أبو الحسن11: "لا
واحد لها". وقرأت على أبي علي عن أبي بكر عن بعض أصحاب يعقوب عنه، قال:
قال الأصمعي: قال الحارث بن مُصَرِّف: سابَّ جَحْلُ12 بن نَضْلة
معاويةَ بن شَكْلٍ عند المنذرِ أو النعمانِ -شك فيه الأصمعي- فقال جحل:
إنه قتالُ ظِباء، تَبّاعُ إماء، مشَّاءٌ بأقْراء،
__________
1 الشاهد في قوله "شد" فقد جاءت مفردًا "أشد" ولكنها قد حذف منها
الزيادة، كما أورد المؤلف.
الإعراب: شد: ظرف منصوب وعلامة النصب الفتحة.
والنهار: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
1 أبابيل: الجماعات، ويجيء في موضع التكثير، وفي التنزيل العزيز
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل: 3] . لسان العرب
"11/ 6" مادة/ أبل.
2 هذا قول الرؤاسي كما في معاني القرآن للفراء "3/ 292".
3، 4 معاني القرآن للأخفش "ص272".
5 معاني القرآن للأخفش "ص272" وهو قول الفراء أيضًا كما في كتابه
"معاني القرآن" "3/ 292" وقول أبي عبيدة كذلك كما في مجاز القرآن "2/
312".
6 "العباديد والشعاليل" بمعنًى واحد وهو الفرق المتفرقة من الناس
وغيرهم.
7، 8 معاني القرآن للأخفش "ص272".
9 السطر: الصف من كل شيء. لسان العرب "4/ 363" مادة/ سطر.
10 الذي في مجاز القرآن "1/ 189" هو واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة.
11 معاني القرآن للأخفش "ص272".
12 كذا في النسخ كلها، والذي في كتاب الإبدال واللسان "قرآ" "2/ 339"
"حجل" بتقديم الحاء على الجيم.
(2/256)
قَعُوّ الألْيَتَيْنِ1، أفحَج
الفَخِذَيْن2، مُفَجّ الساقَيْنِ3، وفي غير هذه الرواية "مُقْبَل
النَّعْلَيْن. فقال: أردت أن تُذِيمَه فَمَدَهْتَهُ. قال يعقوب: واحد
الأقراء: قَرِيٌّ، وهو مَسِيلُ الماء إلى الرِّياض4. وقال أبو جعفر
الرستمي: الأقراء: جمع القَرْو، وهو الذي يُتَّخَذُ من أصولِ النخل
يُنْبَذُ فيه.
قال أبو علي: القول ما قاله يعقوب، وليس ما أنكره عليه أبو جعفر
بمنكرٍ. قال: ونظير ما ذهب إليه يعقوب في أنه وصفه بالتغريب ولزوم
الأماكن الموحشة المقفرة قول الهذلي5:
السالكُ الثغرةَ اليقظانَ كالئُها ... مَشْيَ الهلوكِ عليها الخَيْعَلُ
الفُضُلُ6
__________
1 قعو الأليتين: قال يعقوب: قعو الأليتين ناتئهما غير منبسطهما. اللسان
"15/ 192".
2 أفحج الفخذين: واسع بينهما. لسان العرب "2/ 340" مادة/ فحج.
3 فجَّ الساقين: باعد بينهما. لسان العرب "2/ 339" مادة فجج.
4 القصة في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص90" واللسان "2/ 339".
5 هو المنتخل الهذلي يرثي ابنه أثيلة، والبيت في ديوان الهذليين "2/
34" واللسان "خعل" "13/ 223".
6 الثغرة: موضع المخافة من فروج البلدان. اللسان "4/ 103".
كالئها: حافظها.
الهلوك: الغنجة المتكسرة تهالك وتغزل وتساقط.
الخيعل: درع يخاط أحد شقيه ويترك الآخر تلبسه المرأة كالقميص. اللسان
"11/ 210".
يرثي الشاعر ابنه ويقول إنه يسلك أرض الأعداء وهم يقظى في سهولة ويسر
أو إنه لفرط شجاعته يجتاز الأماكن الموحشة المقفرة دون خوف.
والشاهد فى قوله: أنه مدح ابنه بحب السير في الفلوات الموحشة وهذا
تأكيد لما قاله يعقوب من قبل.
إعراب الشاهد: السالك: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.
الثغرة: مفعول به لاسم الفاعل: السالك، وفاعله ضمير مستتر يعود على
أثيلة.
اليقظان نعت سببي للثغرة منصوب.
كالئها: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والهاء مضاف إليه مجرور.
عليها: جار ومجرور خبر مقدم.
الخيعل: مبتدأ مؤخر. الفضل: نعت مرفوع.
وجملة "عليها الخيعل" في محل نصب حال وصاحبها "الهلوك".
(2/257)
وهذا الخلاف بين العلماء في آحاد الجموع
سائر عنهم مطرد من مذاهبهم، وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع
التكسير تفقد فيه صيغة الواحد فيحتمل الأمرين والثلاثة ونحو ذلك، وليس
كذلك مثال جمع التصحيح.
ألا ترى أنك إذا سمعت "زَيُدُون" و"عَمْرُون" و"خالِدُون" و"محمدُون"
لم يعرض لك شك في الواحد من هذه الأسماء، فهذا يدلك على أنهم بتصحيح
هذه الأسماء في الجموع معنيون، ولبقاء ألفاظ آحادها فيها لإدارة
الإيضاح والبيان مؤثرون، وأنهم بجمع التكسير غير حافلين، ولصحة واحده
غير مراعين، فإذا أدخل في جمع الواو والنون شيء مما ليس مذكرًا عاقلا
فهو حظ ناله، وفضيلة خص بها، فلهذا صار جمع "قلة" و"ثبة" و"مائة"
و"سنة" ونحو ذلك بالواو والنون تعويضًا لها من الجهد والحذف اللاحقها.
ويؤكد عندك أن العناية بواحد جمع التكسير غير واقعة منهم وجودك جموعًا
كسرت الآحاد عليها واللفظ فيهما جميعًا واحد، وذلك نحو ما حكاه سيبويه1
من قولهم: "ناقةٌ هِجان2، ونوقٌ هِجان" و"دِرْعٌ دلاص3، وأدرعٌ دلاص"
وقالوا أيضًا في جمع "شِمال" وهي الخليقة والطبع: "شِمالٌ".
قال عبد يغوث4:
.............................. ... وما لَوْمي أخي من شِمالِيا5
أي: من شَمائلي.
__________
1 الكتاب: "2/ 209".
2 ناقة هجان: البيضاء الكريمة.
3 درع دلاص: لينة، براقة، ملساء. اللسان "7/ 37" مادة/ دلص.
4 هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي. شاعر يمني أسره بنو عبد شمس لعداوة
كانت بينهم فأرادوا قتله فطلب منهم الرفق به وإحسان قتلته فسقوه حتى
ثمل ثم قطعوا شريان يده فنزف حتى مات.
وقال هذه القصيدة يرثي بها نفسه قبل أن يموت، ومنها:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم تر أسيرًا يمانيًا
5 شِماليا: جمع شِمال وهي الطبع، والجمع شمائل. اللسان "11/ 365" مادة/
شمل.
يقول: لا تلوماني فاللوم قليل النفع وليس الملام من أخلاقي.
والشاهد ذكره المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: شماليا: اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة.
(2/258)
وقالوا أيضًا في تكسير "الفُلْكِ":
"الفُلْكُ" فكسروا "فُعْلا" على "فُعْلٍ" وله نظائر، فمجيء الجمع على
لفظ الواحد يدل على قلة حفلهم بالفرق بينهما من طريق اللفظ، وأنهم
اعتمدوا في الفرق على دلالة الحال ومتقدم ومتأخر الكلام.
فإن قلت: فهلا اقتصروا في تصحيح جمع "برة" و"ظبة" ونحوهما على الألف
والتاء، فقالوا: "برات" و"ظبات" و"قلات" فأوضحوا عن الواحد بوجود لفظه
في الجمع، ولم يقدموا على الجمع ذلك بالواو والنون وإدخال المؤنث غير
العاقل على جمع المذكر العاقل؟
فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك وهم يريدون به التعويض من المحذوف لم تكن
فيه دلالة على ما أرادوه، ولا شاهد لما قصدوه، وذلك أن كل مؤنث بالهاء
فَلَكَ أن تجمعه بالتاء، نحو "ثمرة وثمرات" و"سفرجلة وسفرجلات" محذوفة
كانت أو تامة، فلو اقتصروا في تعويض "ثبة" و"قلة" ونحوهما على أن
يقولوا "ثبات" و"قلات" لما علم أن ذلك للتعويض، ولظن أنه كغيره من
الجمع بالألف والتاء مما لم يحذف منه شيء، ولكن لما أرادوا إعلام
التعويض أخرجوه عن بابه، وألحقوه بجمع المذكر العاقل ليعلم أن الذي عرض
له وتجدد من حاله، إنما هو لأمر أرادوه فيه ليس في غيره مما لم يجمع
بالواو والنون من المؤنث، وهو ما لم يحذف منه شيء، نحو "جوزة" و"رطبة".
ويؤكد ذلك عندك أنهم إذا جمعوا بالتاء قالوا في جمع "سنة": "سنوات"
وإذا حذفوا قالوا: "سنون" فكانت الواو في "سنون" عوضًا منها في
"سنوات"، وهذا واضح، وذلك عادة منهم متى أرادوا أن يعلموا اهتمامهم
بأمر وعنايتهم به أخرجوه عن بابه، وأزالوه عما عليه نظائره.
من ذلك منعهم فعل التعجب و"حبذا" و"نعم" و"بئس" و"عسى" من التصرف،
وتذكيرهم نحو "نِعْمَ المرأةُ هند" وإن كانوا لا يقولون: "قام ذا
المرأة" وقد حملهم اعتمادهم هذا الباب وعنايتهم به أن سموا ما فاق في
جنسه وفارق نظائره خارجيًّا، قال طفيل1:
__________
1 هو طفيل الغنوي شاعر مجيد عرف بالفصاحة والبيت في ديوانه ص26.
(2/259)
وعارضْتُها رَهْوًا على متتابعٍ ... شديدِ
القُصَيْرَى خارجيٍّ محنَّبِ1
فسّرُوه أنه الفرس الفائق في جنسه.
فإن قلت: فإذا كان جمعهم المؤنث بالواو والنون إنما هو تعويض منهم لما
حذف منه، فما بالهم قالوا في "أرض": "أَرْضُون" ولم يحذف من "أرض" شيء،
فيعوضوها منه الجمع بالواو والنون؟
فالجواب عن ذلك: أن "أرضًا" اسم مؤنث، وقد كان من القياس في كل اسم
مؤنث أن يقع فيه الفرق بين المذكر بالتاء نحو "قائم وقائمة" و"ظريف
وظريفة" و"رجل ورجلة" و"ثور وثورة" و"كوكب وكوكبة" و"بياض وبياضة" و"دم
ودمة" و"ريح وريحة" و"ماء وماءة" وغير ذلك مما يطول ذكره، فأما ما
تُرِكَتْ فيه العلامة من المؤنث فإنما ذلك اختصارٌ لَحِقَهُ لاعتمادهم
في الدلالة على تأنيثه على ما يليه من الكلام قبله وبعده، نحو "هذه ريح
طَيِّبَة" و"كانت لهم عُرُسٌ مُبَارَكَة" و"لم أَرَ قوسًا أحسنَ من هذه
الأقواس" ونحو ذلك.
فإذا كان القياسُ في المؤنث والمذكر الفرق بينهما كما يفرق بين التصغير
والتكبير، والواحد والاثنين والجماعة، وكانت "أرض" مؤنثة، فكأن فيها
هاء مرادة، وكأن تقديرها "أرْضَةٌ" فلما حذفت الهاء التي كان القياس
يوجبها عوضوا منها الجمع بالواو والنون، فقالوا: "أرضون"، وفتحوا الراء
في الجمع ليدخل الكلمة ضرب من التكسير استيحاشًا من أن يوفوه لفظ
التصحيح البتة، وليعلموا أيضًا أن "أرضًا" مما كان سبيله لو جمع بالتاء
أن تفتح راؤه، فيقال: "أرَضات".
فإن قلت: فأقصى أحوال "أرض" على ما توصلت إليه أن تكون الهاء قد حذفت
منها والهاء فيها بعد زائدة، وأنت إنما تعوض من المحذوف إذا كان أصلا
لاما أو فاء، فكيف جاز التعويض من الزائد؟
__________
1 رهوًا: عدوًا سهلا. لسان العرب "14/ 343".
متتابع: شديد الخلق مشتبهه.
القصيري: ضلع الخلف. لسان العرب "5/ 103" مادة/ قصر.
محنب: في الخيل ما بين الرجلين، وقيل هو اعوجاج الساقين. اللسان "1/
335".
والشاهد قول الشاعر "خارجي" وهو نعت تنعت به العرب كل من فاق جنسه.
إعراب الشاهد: خارجي: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(2/260)
فالجواب: أن العرب قد أجرت هاء التأنيث
مجرى لام الفعل في أماكن:
منها: أنهم حقروا ما كان من المؤنث على أربعة حروف، نحو: "عَقْرَب"
و"عَناق" و"سُعاد" و"زَيْنَب" بلا هاء، وذلك قولهم: "عُقَيْرِب"
و"عُنَيِّق" و"سُعَيِّد" و"زُيَيْنِب". إنما فعلوا، ذلك ولم يلحقوا
الهاء كما ألحقوا الثلاثي، نحو "قِدْر وقُدَيْرَة" و"شَمْس وشُمَيْسَة"
و"هِنْد وهُنَيْدَة" من أن قبل أنهم شبهوا باء "عقرب" وقاف "عناق" ودال
"سعاد" وباء "زينب" وإن كنّ لامات أصولا بهاء التأنيث في نحو "طلحة"
و"حمزة" إذ كانت الباء والقاف والدال متجاوزة للثلاثة التي هي أول
الأصول وأعدلها وأخفها وأعمها تصرفًا كتجاوز الهاء في "طلحة" و"حمزة"
للثلاثة.
فكما أن هاء التأنيث لا تدخل عليها هاء أخرى كذلك منعوا الباء في
"عقرب" ونحوها أن يقولوا "عقيربة" كما امتنعوا أن يقولوا في "حمزة":
"حميزتة" فيدخلوا تأنيثًا على تأنيث، فلولا أنهم قد أحلوا الباء من
"عقرب" وهي أصل محل الهاء الزائدة في نحو "طلحة" و"بيضة" و"تمرة" لما
امتنعوا أن يقولوا "عقيربة". فهذا حد ما ضارعت فيه هاء التأنيث لام
الفعل.
ومنها: أنهم قد عاقبوا بين هاء التأنيث وبين اللام، وذلك نحو قولهم
"بُرة وبرًا" و"لُغة ولُغًى" و"ظُبة وظبًى" و"لِثة ولِثًى" أفلا تراهم
كيف عاقبوا بينهما، حتى إنهم إذا فقدوا اللام جاءوا بالهاء، فقالوا
"برة" و"ظبة" وقالوا: "رأيت مئيا" في معنى "مائة" فلما حذفوا اللام
جاءوا بالهاء، ولما جاءوا باللام لم يأتوا بالهاء، وهذا أيضًا مما يقرب
ما بينهما، ويشهد بتضارعهما.
ومنها: أن الهاء وإن كانت أبدًا في تقدير الانفصال فإن العرب قد أحلتها
أيضًا محل اللام وما هو من الأصل أو جار مجرى الأصل، وذلك نحو قولهم
"تَرْقُوة"1 و"عَرْقُوة"2 و"قَمَحْدُوة"3 فلولا أن الهاء في هذه الحال
في تقدير الاتصال لوجب أن تقلب الواو ياء لأنها كانت تقدر طرفًا، فتقلب
ياء كما تقلب في نحو "أحْقٍ"
__________
1 الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان. اللسان
"10/ 32" مادة ترق.
2 العرقوة: واحد العرقوتين. وهما خشبتان تعترضان على فوهة الدلو.
اللسان "10/ 249".
3 القمحدوة: عظمة بارزة في مؤخر الرأس فوق القفا، والجمع قماحد. اللسان
"3/ 343".
(2/261)
جمع "حَقْو"1 و"أدْلٍ" جمع "دلو" فيقال:
"عَرْقِية" و"تَرْقِية" و"قَمَحْدِية" كما قالوا: "أحقٍ" و"أدلٍ"
و"أجرٍ" فلولا أنهم قد أجروا الهاء في "ترقوة" و"قمحدوة" مجرى الراء في
"منصور" والطاء في "عضرفوط" فصحت الواو قبلها كما صحت قبل الراء
والطاء، لوجب أن تقلب ياء على ما قدمناه من أمرهما، فكما جاز أن تشبه
هاء التأنيث في هذا كله وغيره باللام الأصلية كذلك أيضًا أن تجرى الهاء
المقدرة في "أرض" مجرى اللام الأصلية، فيعوض من حذفها من "أرض" أن يجمع
الاسم بالواو والنون في "أرْضُون" كما عوِّض من حذف لام
"برة" و"مائة" و"سنة" أن تجمع بالواو والنون في "برون" و"مئون"
و"سنون"، كما كسرت سين "سنة" في قولك "سِنون" كذلك فتحت راء "أرض" في
قولهم "أرَضون" ليدخل الكلمة ضرب من التغيير، ولذلك أجازوا أيضًا في
نحو "قلة" و"برة" أن يكسروا أوائلها في "بِرون" و"قِلون" ليدخل المثال
أيضًا جزء من التغيير.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم قالوا في جمع "حَرَّة"2
"حَرُّون" وفي "إِحَرَّة": "إِحَرُّون"، وفي "إِوَزَّة": "إِوَزُّون".
وقال الراجز3:
لا خَمْسَ إلا جَنْدَلُ الإحَرِّين4
__________
1 الحقو: الخصر، ومشد الإزار من الجنب، اللسان "14 / 189" مادة/ حقا.
2 الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار. اللسان "4/ 179".
3 الشاعر هو زيد بن عتاهية كما ذكره اللسان في مادة "حرر" "4 / 180".
4 المعنى: ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة. وكان زيد لما عظم البلاء
بصفين قد انهزم ولحق بالكوفة، وكان علي رضي الله عنه قد أعطى أصحابة
يوم الجمل خمسمائة من بيت مال البصرة، فلما قدم زيد على أهله قالت له
ابنته: أين خمس المائة؟ فقال أبياتًا منها البيت الشاهد هذا.
إعراب الشاهد:
لا: نافية للجنس تعمل عمل إن.
خمس: اسم لا منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة.
إلا: أداة استثناء ملغاة لأن الأسلوب ناقص منفي.
جندل: خبر لا مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة.
الإحرين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع المذكر
السالم.
(2/262)
وقال الآخر1:
فما حَوَتْ نُقْدةُ ذاتُ الحرين ... إلى كَرِيبٍ فنخيل يَبْرِين2
وليست "حرة" ولا "إحرة" ولا "إوزة" مما حذف شيء من أصوله، ولا هو
بمنزلة "أرض" في أنه مؤنث بغير هاء.
فالجواب: أن الأصل في "إحرة: إحررة" وفي "إوزة: إوززة" وكلتاهما
"إفعلة" ثم إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد، فأسكنوا
الأول منهما، ونقلوا حركته إلى ما قبله، وأدغموه في الذي بعده، فلما
دخل الكلمة هذا الإعلال والتوهين عوضوها منه أن جمعوها بالواو والنون،
فقالوا: "إحَرُّون" و"إوَزُّون" ولما فعلوا ذلك في "إحرة" أجروا عليها
"حرّة" فقالوا: "حرُّون وإن لم يكن لحقها تغيير ولا حذف، لأنها أخت
"إحرة" من لفظها ومعناها، وإن شئت فقل: لأنهم قد أدغموا عين "حرة" في
لامها، وذلك ضرب من الإعلال لحقها.
فإن قلت: فما بالهم قالوا3:
قد رَوِيَتْ إلا دُهَيْدِهِينا ... قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينا4
فجمعوا تصغير "دَهْداهٍ" وهو الحاشية من الإبل و"أبيكرا" تصغير "أبكر"
بالواو والنون، وليسا من جنس ما ذكرت؟
__________
1 البيت لم أعثر على قائله، وقد ورد بمعجم البلدان "2/ ص246".
2 كريب: اسم موضع. اللسان "1/ 715".
يبرين: اسم بلد.
نقدة: اسم حرة. اللسان "3/ 427".
وحوت: ضمت.
يقول إن الأرض الواقعة بين كريب ونخيل يبرين حوت أرضًا ذات حجارة سود
هي المسماة نقدة، والشاهد في قوله "الحرين حيث جاءت جمعًا لـ "حرة".
إعراب الشاهد: الحرين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنها ملحقة
بجمع المذكر السالم.
3 البيت لم أعثر على قائله -قد ذكره ابن منظور مادة "بكر" "4/ 80".
4 دهيدهيا: جمعٌ مفرده دهيده وهو تصغير دهداه، والدهداه صغار الإبل.
اللسان "13/ 490".
والقليصات: جمع القلوص وهي الفتية من الإبل. لسان العرب "7/ 81" مادة/
قلص.
والأبيكرين: جمع بكر وهو الفتي من الإبل. لسان العرب "4/ 79" مادة/
بكر.
والشاهد فيه قد شرحه المؤلف بالمتن.
(2/263)
فالجواب: أن "أبْكُرًا" جمع "بَكْر"، وكل
جمع فتأنيثه سائغ مستمر لأنه جماعة في المعنى، فكأنه قد كان ينبغي أن
يكون في "أبْكُر" و"أكْلُب" و"أعْبُد" هاء فيكون تقديره "أكلبه"
و"أبكرة" و"أعبدة" كما قالوا في غير هذا "فِحالة" جمع "فَحْل"
و"ذِكارة" جمع "ذَكَر" و"عُيُورة" و"سُيُورة" و"خُيُوطة" جمع "عَيْر"
و"سَيْر" و"خَيْط" و"أعْمِدة" و"أحْمِرة" و"أرْدِية" و"أجْرِبة"1 جمع
"عمُود" و"حِمار" و"رِداء" و"جَرِيب".
وقالوا "صَيَاقِلة"2 و"مَلائِكَة" جمع "صَيْقَل" و"مَلَك" فكما جاز أن
تأتي الهاءُ في هذه الجموع وغيرها، كذلك جاز أيضًا أن تقدر في "أبْكُر"
الهاء، فيصير كأنه "أبْكُرة" وقد جاءت الهاء في "أَفْعُلٍ" نفسها.
قال الشاعر3:
بأَجْرِيةٍ بُقْعٍ عِظامٍ رؤوسها ... لَهُنّ إذا حركن في البطن
أَزْمَلُ4
فهذا جمع "جرو" و"أجرية" أفْعُلَة فألحق الهاء في "أَفْعُلٍ".
ويدلك على أنه أراد "أفعل" قول الآخر5:
وتَجُرُّ مُجْرِية لها ... لَحْمي إلى أجْرٍ حواشب6
__________
1 الجريب: مكيال قدرة أربعة أقفزة.
2 الصيقل: من صناعته الصقل.
3 لم أعثر على قائله، وقد ذكر البيت في الخزانة "3/ 490".
4 أجرية: جمع جرو وهو صغير الكلب، والأسد والسباع. اللسان "14/ 139".
بقع: جمع أبقع وهو الأبيض، وقيل: ما خالط بياضه لون آخر.
الأزمل: الصوت.
يصف الشاعر صغار الكلاب فهي بيضاء عظام الرؤوس يصدرن أصواتًا.
والشاهد فيه شرحه المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: أجرية: اسم مجرور بالياء وعلامة الجر الكسرة.
5 هو الأعلم الهذلي: والبيت في شرح أشعار الهذليين "ص314".
6 أجْرٍ: جمع جرو وهو صغير الكلب.
حواشب: عظيمات البطون.
لقد خطفت أم هذه الكلاب الصغيرة لحمي لتطعمه لهم.
والشاهد شرحه المؤلف في المتن.
إعرابه: أجر: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(2/264)
وجاز أن تجمع "فِعْلا" على "أفعُل"
و"أفعُل" على "فَعْل" مفتوحة الفاء، من حيث كان "فَعْل" و"فِعْل"
ثلاثيين ساكني العينين. وقد اعتقبا أيضًا على المعنى الواحد نحو "حَجَّ
وحِجٍّ" و"فَضّ وفِضّ" و"نَفْط ونِفْط" و"بَرْز وبِرز" و"جَصّ وجِصّ"
كما قال الآخر1:
................................... ... وقَرَعْنَ نابَكَ قَرْعَةً
بالأَضْرُس2
يريد جمع "ضِرْس". وقال أبو ذؤيب3:
.................................. ... في كفه جَشْءٌ أَجَشُّ
وأَقْطُعُ4
يريد جمع "قِطْع" وقالوا أيضًا "ذِئْبٌ وأَذْؤُب" على أن بعضهم قد
قال5: إن "أجْرِية" جمع "جِرَاء" و"جِرَاء" جمع "جِرْو". وإنما حمله
على هذا المذهب -فيما أحسب- لطف ما ذكرناه عنه. وإذا كان ما ذهبنا إليه
في ذلك -وهو مذهب أصحابنا كافة- سائغًا مطردًا جاز أن يكون قول مُرَّة
بن مَحْكَان6:
في ليلةٍ من جُمادى ذاتِ أنديةٍ ... لا يُبصرُ الكلبُ من ظَلمائها
الطُّنُبا7
__________
1 البيت لرجل ضبي أدرك الإسلام كما في النوادر "ص595".
2 سبق شرحه.
3 هو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت في شرح أشعار الهذليين "ص21".
4 نميمة: وسواس همس الكلام. لسان العرب "12/ 592" مادة/ نمم.
متلبب: الذي تخرم بثوبه عند صدره. اللسان "1/ 734".
الجشء: القضيب الخفيف. اللسان "1/ 49".
أجش: شديد الصوت. لسان العرب "6/ 274" مادة/ جشش.
أقطع: نصال عراض قصار. لسان العرب "8/ 277" مادة/ قطع.
يقول: لقد وشي عن ذلك الرجل همهمة صوته فرأيته يحمل نصالا عِراضًا
وقضيبًا.
الشاهد في قوله: أقطع فهي جمع قطع.
إعراب الشاهد: أقطع: معطوف على جشء مرفوع.
5 هو الجوهري كما في الصحاح "جري".
6 البيت للمرزوقي كما في الخصائص "3/ 52".
7 أندية: جمع ندًى وهو ما يتساقط بالليل. لسان العرب "15 / 313" مادة/
ندى.
الطنب: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. لسان العرب "1/ 560" مادة/ طنب.
(2/265)
لا يريد به "أفعِلة" نحو "أحمزة" و"أقفزة"1
كما ذهبتْ إليه الكافة، ولكن يجوز أن يريد به "أفعُلة" بضم العين تأنيث
"أفعُل" وجمع "فَعَلٍ" وهو "ندى" على "أفعُل" كما قال ذو الرمة2:
........................................... ... هل الأزْمُنُ اللائي
مَضَيْنَ رَوَاجِعُ3
وكما قالوا: "رَسَنٌ4 وأَرْسُنٌ" و"جَبَلٌ وأَجْبُلٌ". والناس في
"أندية" إذا أريد بها "أفعِلة" مكسورة العين على ثلاثة أضرب:
منهم من قال5: إنه جَمَعَ "فَعَلا" على "أفعِلة" قالوا: وهو شاذ.
وذهب أبو الحسن6 إلى أنه جمع "نَدًى" على "نِداء" ليصير مثل "جَمَلٍ
وجِمَال" ثم جمع "نِداء" على "أندِية" ليكون كـ "رِشاء7 وأرْشِية"
و"رِداء وأردِية".
وقال أبو العباس8: زعم بعضهم أنه جمع "نَدِيّ" وذلك أنهم يجتمعون في
مجالسهم لِقرى الأضياف.
__________
يقول: لقد كانت تلك الليلة في شهر جُمادى شديدة البرد والظلمة، وكنى عن
شدة البرد بتساقط الندى وكنى عن شدة الظلمة بقوله "لا يبصر الكلب من
ظلمائها الطنب".
إعراب الشاهد: أندية: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
1 أقفزة: جمع قفيز وهو مكيال.
2 البيت لذي الرمة، ومطلع القصيدة التي بها الشاهد: "أمنزلتي مي سلام
عليكما".
3 أمنزلتي: مثنى منزل وهو مكان النزول. اللسان "11/ 658"، ويعني بهما
الصيف والشتاء.
مي: اسم محبوبته.
الأزمن: جمع زمن.
مضين: ذهبن وانتهين.
يتمنى الشاعر الماضي الجميل بينه وبين الحبيب.
والشاهد في قوله "الأزمن" فقد جاءت جمعًا لزمن على وزن أفعُل.
إعراب الشاهد: الأزمن: مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
4 رسن: الرسن: الزمام على الأنف والجمع أرسان. اللسان "13/ 180" مادة/
رسن.
5 ممن قال ذلك الجوهرى كما في الصحاح "ندا".
6 الخصائص "3/ 237".
7 الرشاء: الحبل. لسان العرب "14/ 322".
8 يعني المبرد.
(2/266)
كما قال سلامة بن جَنْدَل1:
يومان: يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سيرٍ إلى الأعداءِ تأويب2
وكل هذه الأقوال ليست "أندية" فيها لفظ جمع اسم ثلاثي، إنما هو جمع ما
كان على "فِعال" أو "فَعِيل" أو نحوهما. والذي ذهبنا نحن إليه من كون
"أندية" "أفعُل" بضم العين أمْثَلُ؛ لأن "أفعُلَة" إنما هي تأنيث
"أفعُلٍ" و"أفعُلُ" جمع كثير من الثلاثي، وإن كان في "فَعْلٍ" أكثر.
وإذا ثبت بما قدمناه أن "أفعُلا" من أمثلة الجموع يجوز في الاستعمال
والقياس تأنيثه لم ينكر أن يعتقد أن "أبْكُرًا" قد كان ينبغي أن يكون
فيها هاء تأنيث الجماعة، فصار إذن جمعهم إياها بالواو والنون في قوله
"وأْبَيْكِرِينا" إنما هو عوض من الهاء المقدرة في "أَبْكُر" فجرى ذلك
مجرى "أرض" في جمعهم إياها بالواو والنون في قولهم "أرْضُون".
فأما "دْهَيْدِهِينا" فإن واحده "دَهْدَاهٌ" وهو القطعة من حاشية
الإبل، فهو نظير "الصِّرْمَة"3 و"الهَجْمَة"4 و"العَكَرة"5 فكأن الهاء
فيها لتأنيث الفِرقة والقِطعة، كما أن الهاء في "عُصْبة" و"طائفة"
لتأنيث الجماعة، فكأنه كان في التقدير "دَهْداهة" فلما حذفت الهاء وصار
"دَهْداهًا" جمع تصغيره بالواو والنون تعويضًا من الهاء المقدرة
المرادة في "دهداهة" فقصته أيضًا قصة "أرض" فلذلك قيل "دُهَيْدِهِينا".
__________
1 ابن جندل، والبيت في ديوانه "ص94".
2 المقامات: جمع مقامة والمقامة: المجلس. لسان العرب "12/ 498" مادة/
قوم.
الأندية: المجالس جمع ندى، ولا يسمى ناديًا حتى يكون فيه أهله. اللسان
"15/ 317".
التأويب: أن يسير النهار أجمع وينزل الليل، أو تباري الركاب في السير.
اللسان "1/ 220".
يماثل هذا البيت كلمة امرئ القيس: اليوم خمر وغدًا أمر.
فالشاعر قد جعل حياة قومه ما بين الفخر والشعر في المنتديات والسير إلى
الأعداء.
والشاهد شرحه المؤلف في المتن، وهو في كلمة "أندية".
إعراب الشاهد: أندية: معطوف على مقامات مجرور.
3 الصرمة من الإبل: هي القطيع من الإبل والغنم. لسان العرب "12/ 338".
4 الهجمة: القطعة الضخمة من الإبل وهي ما بين الثلاثين والمائة. اللسان
12/ 602".
5 العكرة من الإبل: القطعة من الإبل، وقيل العكرة الستون منها. اللسان
"4/ 600".
(2/267)
قال أبو علي: وحسّن أيضًا جمعه بالواو
والنون أنه قد حُذفت ألف "دَهْداهٍ" في التحقير، ولو جاء على أصله لقيل
"دُهَيْدِهة" بوزن "صَلْصال"1 و"صُلَيْصِيل" فواحد "دُهَيْدِهِينا"
إنما هو "دُهَيْدِيهٌ" وقد حذفت الألف من مكبّره، فكان ذلك أيضًا مسهلا
للواو والنون، وداعيًا إلى التعويض بهما.
وعلى هذا قولهم في أسماء الدواهي: "البِرَحُون"2 و"الفِتَكَرُون"3
و"الأقْوَرْون" فكأن واحد "الفِتَكْرِين" "فِتَكْرٌ" وواحد
"البِرَحِين" "بِرَحٌ" وواحد "الأقْوَرين" "أقْوَرٌ" وإن لم ينطق بذلك
إلا أنه مقدر، وكان سبيله أن يكون الواحد "فِتَكْرة" و"بِرَحة"
و"أقْوَرة" بالتأنيث كله، كما قالوا: "داهية" و"مُنْكَرة" و"أم
أدْرَاص"4 و"الفَلِيقة" 5 و"أم الرُّبَيْق"6، فلما لم تظهر الهاء في
الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون عوضًا من الهاء المقدرة، وجرى ذلك
مجرى "أرض" و"أرضين". وإنما لم يستعملوا في هذه الأسماء الأفراد
فيقولوا "بَرِح" و"أَقْوَر" و"فِتَكْرٌ" واقتصروا فيه على الجمعية دون
الإفراد من حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال
والغلبة. ألا ترى أن الكسائي ذهب في قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئًا إِمْراً} [الكهف: 71] إلى أن معناه "شيئًا داهيًا منكرًا
عجبًا" واشتق له من قولهم: "أَمِرَ القومُ" إذا كثروا. وكذلك ما حكاه
لنا أبو علي عن الأصمعي من قولهم في الداهية والأمر المنكر: "جئت بها
زباء وذات وبر7" فهذا يدل على أنهم قد أرادوا فيها معنى الكثرة
والاشتمال، ويشهد بصحة ما ذهب إليه الكسائي. ومثله أيضًا عن الأصمعي
"داهية شعراء" فهذا أيضًا من معنى العموم والكثرة، فمعنى الاشتمال
والعموم غير مباين لمعنى الجمع، فلذلك اجتمعوا في بعض أسماء الدواهي
على الجمع دون الإفراد، لأنه أليق بما قصدوه وأدنى لما أرادوه.
__________
1 الصلصال: الطين الحر خلط بالرمل، ويتصلصل إذا جف فإذا طبخ بالناء فهو
الفخار.
2 البرحون: جمع برح وهو الداهية والشدة، وبنات برح: الدواهي والشدائد.
3 الفكترون: جمع الفتكر وهي الدواهي والشدائد. لسان العرب "5/ 44".
4 يقال وقع في أم أدراص مضللة: يضرب ذلك في موضع الشدة والبلاء. اللسان
"7/ 35".
5 الفليقة: الداهية، والأمر العجب. لسان العرب "10/ 311" مادة/ فلق.
6 أم الربيق: من أسماء الداهية، ومن أسماء الحرب والشدائد. اللسان "10/
114".
7 قال الفيروزآبادي: الأزبيّ: الأمر والشر العظيم. اللسان "4/ 338"
مادة/ زباه.
(2/268)
وهذا الذي ذهبت إليه، وأقمت الأدلة عليه
أحد ما أخذته عن شيخنا أبي علي وهو معنى قوله وجمل مذهبه الذي حصله عن
جلة أصحابه، وقد أوردت ألفاظه فيه، وفتقت كلامه، وأوضحت معانيه،
فاعرفه، فإنه من غامض هذه الصناعة ولطيفها، وقس عليه ما جرى مجراه،
فهذا كله يؤكد عندك أنهم إنما جمعوا بالواو والنون ما ليس مذكرا عاقلا،
لأنهم عوضوه ذلك من الحذف أو الإعلال العارض له.
فإن قلت: فيلزمك على هذا أن تقول في "قِدْرٍ": "قِدْرُون" لأنها مؤنثة
بغير هاء، وكذلك في "نَعْلٍ": "نَعْلُون" وفي "عَناقٍ": "عناقُون" وفي
"يدٍ": "يدُون" لأنها محذوفة، وفي "شابّة"1: "شابُّون" لأنها مسكنة
الحرف الأول مدغمتُهُ.
فالجواب: أن ذلك لا يجوز شيء منه كما جاز غيره مما قدمنا ذكره، وذلك
أنه قد كان القياس في: "ثُبُون" و"ظُبُون" و"أرضُون" و"إِحَرُّون"
و"إِوَزُّون" و"أُبَيْكِرِين" و"الدُّهَيْدِهِين" و"الفِتَكْرِين"
و"البِرَحِين" ألا يجوز شيء منه إذ كانت الواو للمذكر العاقل، وهذه
مؤنثة غير ذات عقل، ولكنهم فعلوا ما فعلوه توسعًا وعلى ضرب من التأول،
فإ جاء له نظير فقد عرفت طريقه، وإن لم تسمع له نظيرًا لم تقس عليه
غيره لأنه لم يَنْقَدْ في بابه.
ومثل ما تقدم قولهم في اسم البلد: "قِنَّسْرُون" و"فِلَسْطُونَ"
و"يَبْرُونَ"، "نَصِيبْونَ" و"صَرِيفُونَ" و"عانِدُونَ".
ووجه الجمع في هذه الأشياء أنهم جعلوا كل ناحية من "فِلَسْطِين"
و"قِنَّسْرِينَ" كأنه "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ" وكأن واحد "يِبْرِينَ":
"يَبْرٌ"2 وواحد "نَصِيبِينَ": "نَصِيبٌ" وواحد "صَرِيفِينَ"
و"عانِدينَ": "صَرِيفٌ" و"عانِدٌ". وكذلك "السَّيْلَحُون"3 كأن واحدها
"سَيْلَحٌ" وإن لم ينطق به مفردا، و"الناحية" و"الجهة" مؤنثتان، فكأنه
قد كان ينبغي أن تكون في الواحد هاء، فصار "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ"
__________
1 الشابة: المرأة الفتية. لسان العرب "1/ 480" مادة/ شبب.
2 يبر: واحدة يبرين، ويبرين اسم موضع يقال له رمل يبرين. لسان "5/
293".
3 سيلح: واحدة السيلحون وهو اسم موضع. لسان العرب "2/ 488" مادة/ سلح.
(2/269)
المقدر كأنه كان يبنغي أن يكون "فِلَسْطة"
و"قِنَّسْرة" و"يَبرة" و"نَصِيبة" و"صَرِيفة" و"عانِدة" و"سَيْلَحة"
فلما لم تظهر الهاء وقد كان "قِنَّسْر" في القياس في نية الملفوظ به
عوضوه الجمع بالواو والنون، وأجري في ذلك مجرى "أرْضٍ" في قولهم
"أرْضُون".
وكذلك قوله عزَّ اسمه: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 18-19] كأنه
جمع "عِلِّيّ" وهو "فِعِّيل" من العُلُّوّ، كأنه مما كان سبيله أن يكون
"عِلِّيَّة" فيذهب بتأنيثه إلى الرفعة والنباوة، على أنهم أيضًا قد
قالوا للغرفة "عِلِّيَّة": لأنها من العلو، فجرى ذلك مجرى "فلسطينَ"
و"يبرينَ" و"قنسرينَ" و"صريفينَ" و"نصيبينَ". وأما من قال "فلسطينُ"
و"يبرينُ" و"قنسرينُ" و"صريفينُ" و"نصيبينُ" فجعل النون حرف الإعراب،
ورفعها، فأمره واضح، لأنه واحد لا جمع له، أو جمع لا واحد له مستعمل.
ومثله قوله تعالى: {مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] 2 فهو "فِعْلِين" من
الغُسالة3. وكذلك "اليَاسِمُون"4 وكأنه جمع "ياسِم" وكأنه في التقدير
"ياسِمة" بالهاء؛ لأنهم ذهبوا إلى تأنيث الريحانة والزهرة. فأما
"الماطرون" فليست النون فيه زائدة، لأنها تعرب، قال الشاعر5:
ولها بالماطِرونِ إذا ... أكلَ النمل الذي جمعا6
بكسر النون، فالكلمة إذن رباعية. ومن قال: "ياسِمِينٌ" فأمره واضح.
__________
1 الأبرار: المحسنون. لسان العرب "4/ 52" مادة/ برر. والشاهد أوضحه
المؤلف.
2 الغسلين: صديد أهل النار. لسان العرب "11/ 495"، والشاهد أوضحه
المؤلف في المتن.
3 غسالة الثوب: ما خرج منه بالغسيل. لسان العرب "11/ 494" مادة/ غسل.
4 الياسمون: تكسر سينه وتفتح، والكسر المشهور، وهو فارسي معرب. اللسان
"12/ 647".
5 غزاه ابن منظور للأخطل. لسان العرب "13/ 409" مادة/ مطرن.
6 الماطرون: موضع. لسان العرب "13/ 409" مادة/ مطرن.
والشاهد في البيت في كلمة "الماطرونِ" حيث كسر الشاعر النون بحرف الجر
مما يدل على أنها أصلية وليست زائدة للإلحاق بجمع المذكر السالم.
إعراب الشاهد: الماطرونِ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة.
(2/270)
ونظيرُ "عِلِّيُّون" و"فِلَسْطُونَ" العقود
من "عشرينَ" إلى "تسعينَ" فكأن "عِشْرُون" جمع "عِشْرٍ" و"ثلاثونَ" جمع
"ثَلاثٌ" و"أرْبعونَ" جمع "أرْبَعٍ" وليس الأمر كذلك، لأن "العِشْرَ"
غير معروف إلا في أظماء الإبل، ولو كان "ثلاثون" جمع "ثلاث" لوجب أن
يستعمل في "تسعة" وفي "اثني عشر" وفي "خمسة عشر" وكذلك إلى "سبعة"،
ولجاز أن يتجاوز به إلى ما فوق الثلاثين من الأعداد التي الواحد من
تثليثها فوق العشرة، نحو "ثلاثة وثلاثين" لأن الواحد من تثليث هذه
"أَحَدَ عَشَرَ" وكذلك "ستة وثلاثون" لأن الواحد من تثليثها "اثنا عشر"
وكذلك ما فوق ذلك من الأعداد. وكذلك أيضًا القول في "أربعين" و"خمسين"
إلي "التسْعِين" كالقول في "ثلاثين" فندعه هربًا من الإطالة بذكره. فقد
ثبت أن "ثلاثين" ليس جمع "ثلاث" وأن "أربعين" ليس جمع "أربع" ولكنه جرى
مجرى "فلسطين" في أن اعتُقِدَ له واحد مقدر وإن لم يجر به استعمال،
فكأن "ثلاثين" جمع "ثلاث"، و"ثلاثٌ" جماعة، فكأنه قد كان ينبغي أن تكون
فيه الهاء، فعوض من ذلك الجمع بالواو والنون، وعاد الأمر فيه إلى قصة
"أرض" و"أرضون" وهو في ذلك أشبه حالا من "فلسطُون" لأنه جمع في الحقيقة
و"فلسطون" وأخواتها إنما هي جمع على ضرب من التأول، ولأجل ما ذكرناه من
أن مذهب الجمعية في "يَبْرُون" إنما هو على التأول ما جازت فيه اللغتان
"يَبْرُون" و"يَبْرِين" و"فلسطُون" و"فلسطِين" ولم تجز في "أربعون"
"أربعين" ولا في "عشرون" "عشرين" لأن مذهب الجمع فيه أغلب وأقوى منه في
"فلسطين" وبابها.
فأما قول سُحَيْم بنِ وَثِيل1:
وماذا يَدَّرِي الشعراءُ منّي ... وقد جاوزتُ حدَّ الأربعينِ2
__________
1 ابن وثيل: البيت في الأصمعيات "ص19" والخزانة "3/ 414"، واللسان
"دري" "14/ 255" والعيني "1/ 191" وذكر العيني أن الأصمعي قال: "وهذا
الشاهد لأبي زبيد الطائي".
2 يدري: يختل.
جاوزت حد الأربعين: كناية عن الخبرة والحنكة.
يقول: ماذا يبغي الشعراء من مشاغبتي وعنادي وقد كبرت وتحنكت.
والشاهد في كلمة "الأربعين" كما ذكر المؤلف.
الإعراب: الأربعين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع
المذكر السالم.
(2/271)
فلسيت النون في "الأربعين" حرف إعراب، ولا
الكسرة فيها علامة جر الاسم، وإنما هي حركة التقاء الساكنين، وهما
الياء والنون، وكسرت على أصل حركة الساكنين إذا التقيا، فلم تفتح كما
تفتح نون الجمع لأن الشاعر اضطر إلى ذلك لئلا تختلف حركة حرف الرويّ في
سائر الأبيات، ألا ترى أن فيها1:
أخو خمسينَ مجتمِعٌ أشُدّي ... ونجَّذَني مداورة الشُّؤونِ2
ويدلك على أن الكسرة في نون "الأربعينِ" ليست جرًّا، وأنها كسر التقاء
الساكنين قول ذي الإصبع3:
إنِّي أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظةٍ ... وابنُ أبيٍّ أبيٍّ منْ أبيِّين4
فـ "أبيُّون" جمعُ "أبيٍّ" مثل "ظريفِين" من "ظريفٍ" فكما لا يشك في أن
كسرة نون "أبيينِ" إنما هي لالتقاء الساكنين لأنه جمع تصحيح مثل:
"الزيدينَ" و"العمرينَ" كذلك ينبغي أن تكون كسرة نون "الأربعين".
وكذلك قول الآخر 5:
__________
1 البيت في الأصمعيات "ص19" وهو يلي الشاهد السابق. اللسان "3/ 513"
مادة/ نجذ.
2 نجذني: حنكني وعرفني الأشياء. لسان العرب "3/ 513" مادة/ نجذ.
مداورة: معالجة. لسان العرب "4/ 297" مادة/ دور.
الشؤون: الأمور.
ومجتمع الأشد: كناية عن كمال قوى البدن والعقل.
لقد بلغت الخمسين وتحنكت وما حنكني إلا كثرة التجارب في حياتي من
معالجتي لشئوني.
والشاهد في قوله: الشؤون: فقد جاءت مكسورة مما يؤكد أن كسر نون
الأربعين في البيت السابق كان ضرورة شعرية كي يتوافق مع حركة حرف
الروي.
إعراب الشاهد: الشؤون: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
3 البيت لذي الإصبع العدواني كما نسبه صاحب المفضليات، وابن منظور.
اللسان "14/ 5".
4 أبيّ: أرفض الذل. لسان العرب "14/ 5" مادة/ أبي.
ذو محافظة: صاحب دفاع عن أهلي وعشيرتي. وكذلك ذو حفيظة. اللسان "7/
442".
إنني كريم عزيز أرفض الذل وهذه الصفة ورثتها عن آبائي.
والشاهد: بينه المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: أبيين: اسم مجرور بـ "من" وعلامة الجر الياء.
5 البيت للفرزدق كما في الكامل للمبرد "2/ 107".
(2/272)
......................................
... إلا الخلائفَ من بعد النَّبِيِّينِ1
وهذه أيضًا جمع "نبيّ" على الصحة لا محالة، فكُسِرتْ نون الجمع في هذه
الأشياء ضرورة، وأجريت في ذلك مجرى نون التثنية، فلم يوقعوا بينهما
فصلا لما ذكرت لك.
فاعرف هذا من حال واو الجمع، فقد تَقَصَّيْتُهُ، وقسمت وجوهه، واغترقت
طرق الكلام فيه.
وتزاد الواو في الفعل علامة للجمع والضمير نحو "الرجال يقومون
ويقعدون". وتزاد علامة للجمع مجردة من الضمير في قول بعض العرب2:
"أكلوني البراغيث"3 وعلى هذا أحدُ ما تُؤُوِّلَتْ عليه الآية
{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: من الآية 3] 4
فيمن لم يجعل في {وَأَسَرُّوا} ضميرًا.
ومثل ذلك سواء قوله تعالى {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}
[المائدة: من الآية 71] 5
وقال الشاعر6:
__________
1 الخلائف: جمع خليفة وهو من ينوب مكانك في الأمر. لسان العرب "9/ 83"
مادة/ خلف.
لم يقم أحد مكان أحد بحق إلا الخلفاء الذين قاموا مقام الأنبياء في
حراسة الدين وسياسة الدنيا.
والشاهد: مجيء كلمة "النبيينِ" مكسورة النون مع أنها زائدة مع الياء
للدلالة على جمع المذكر السالم، وذلك لكي تتناسب مع حركة الروي في باقي
أبيات القصيدة.
2 قد حكى هذه اللغة البصريون عن طيء وحكاها بعضهم عن أزد شنوءة كما في
"أوضح المسالك" "2/ 98"، وانظر الكتاب "2/ 40، 41".
3 الكتاب "10/ 20".
4 النجوى: ما ينفرد به الجماعة والاثنان سرًّا كان أو ظاهرًا. اللسان
"15/ 309" مادة/ نجا.
والشاهد في الآية قوله تعالى: {أَسَرُّوا} قالوا وهنا علامة على الجمع،
وفاعل أسروا: الذين ظلموا على رأي.
5 عمُوا: تعاموا.
صمُوا: لم يسمعوا.
والشاهد في هذه الآية كسابقتها.
6 اختلاف في نسب البيت فقال بعضهم إنه لأمية بن أبي الصلت، وقال آخرون
إنه لأصبحة بن الجلاح.
(2/273)
يلومونني في اشتراء النخيل ... أهلي وكلهم
أَلْوَمُ1
فاعرفه.
وتزاد أيضًا بعد هاء الإضمار نحو "ضَرَبْتُهُو" و"كَلَّمْتُهُو" فهذه
الواو في المذكر نظيره الألف في المؤنث نحو "ضَرَبْتُها"
و"كَلَّمْتُها" وربما حذفت في الشعر في الوصل، قال2:
وما له من مجدٍ تليدٍ وما لَهُ ... من الريح حظٌّ لا الجنوب ولا الصبا3
وتزاد بعد ميم الإضمار نحو "ضربْتُهُمُو" و"هُمُو قَامُوا" وتحذف
تخفيفًا. واعلم أن العرب قد تشبع الضمة، فتحدث بعدها واو، أنشدنا أبو
علي4:
وأنني حوْثُ ما يشري الهوى بصري ... من حوث ما سلكوا أدنُو فأنْظُورُ5
يريد: "فأنْظُر" فأشبع ضمة الظاء، فتولد بعدها واو.
__________
1 يلومنني: يعاتبني.
يقول: إن أهلي يعاتبونني على اشترائي النخيل مع أنهم هم الذين يستحقون
اللوم والعتاب.
والشاهد فيه قوله "يلومونني" قالوا وفي الفعل على رأي بعض النحاة ليست
ضمير إنما هي علامة جمع وعلى قولهم يصبح الفاعل في الجملة قوله "أهلي".
2 البيت للأعشى من قصيدة هجا فيها عمرو بن منذر.
3 التليد: القديم. لسان العرب "3/ 99" مادة/ تلد.
والجنوب: ريح تخالف الشمال تأتي عن يمين القبلة، محملة بالخير والمطر.
اللسان "1/ 281".
يقول: إنه ليس له من مجد يعتز به ولا غنى حيث أن أرضه مقفرة قاحلة لا
تأتيها رياح الجنوب ولا رياح الصبا المحملتان بالماء.
والشاهد في قوله "له" حيث حذف الواو والأصل "لهو" وذلك للضرورة.
إعراب الشاهد: له: جار ومجرور خبر مقدم.
4 سبق تخريجه.
5 حوث: حيث، وهي رواية عن العرب لبني تميم. اللسان "2/ 140".
سلكوا: ساروا.
أدنو: أقترب.
يقول: إن الهوى يسوقني إلى الطريق الذي سلكوه كي أنظر إليهم.
والشاهد في قوله "أنظور" فقد اراد "أنظر".
إعراب الشاهد: أنظر: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
(2/274)
ولقد يتوجه على هذا عندي قول الشاعر1:
هجوتَ زبّانَ ثم جئتَ معتذرًا ... من هجوِ زبانَ لم تهجُو ولم تَدَعِ2
فكأنه أراد "لم تهجُ" بحذف الواو للجزم، ثم أشبع ضمة الجيم، فنشأت
بعدها الواو، ويجوز أيضًا أن يكون ممن يقول في الرفع "هو يهجو" فيضم
الواو، ويجريها مجرى الصحيح. فإذا جزم سكنها، فتكون علامة الجزم على
هذا القول سكون الواو من "تهجو" كما أسكن الآخر ياء "يأتي" في موضع
الجزم، فقال3:
ألم يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بما لاقت لَبُونُ بَنِي زِيادِ4
فكأنه ممن يقول: "هو يأتيُك" وسنذكر ذلك في حرف الياء بإذن الله تعالى.
وقد استعمل أبو تمام -وإن كان محدثا- ما ذكرناه من إشباع الضمة حتى
نشأت بعدها واو، وذلك قوله5:
يقول فيسمعُ، ويمشي فيسرعُ ... ويضرب في ذات الإله فيوجعُ6
فالواو في اللفظ بعد العين في "يسمعُ" إنما هي إشباع ضمة العين، وذلك
أن البيت لا يُقَفَّى ولا يصرع في وسط المصراع الأول، وأما الواو بعد
عين "يسرعُ" فواو
__________
1 البيت لأبي عمرو بن العلاء يخاطب الفرزدق عندما جاء معتذرًا من أجل
هجو بلغه عنه.
2 هجوت: أي شتمه بالشعر، وهو خلاف المدح. اللسان "15/ 353".
زبان: اسم أبي عمرو بن العلاء قائل البيت.
يقول: لقد هجوتني ثم أتيت تعتذر إليَّ فكأنك لم تهجني ولم تترك هجائي.
والشاهد مجيء الفعل "تهجو" بالواو مع أنه في محل جزم وهذه الواو ليست
واو الفعل وإنما هي إشباع لضمة الجيم.
إعراب الشاهد: تهجو: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة على
رأي، وقد أوضح المؤلف بالمتن الوجه الآخر.
3 سبق تخريجه.
4 سبق بيان البيت والشاهد فيه وإعرابه.
5 البيت من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري.
6 يقول فيسمع: كناية عن قوة الصوت.
ويمشي فيسرع: كناية عن النشاط والقوة.
والشاهد شرحه المؤلف بالمتن.
(2/275)
الإطلاق، وذلك أن البيت مُقَفًّى، والبيت
إذا كان مُقَفًّى أو مَصَرَّعًا جرى على عروضه ما يجري على ضربه، وهذا
بين حال التصريع والتقفية.
وكما تزاد هذه الواو لإشباع الضمة فكذلك قد تحذف تخفيفًا.
قال الأخطل1:
كَلَمْعِ أيدي مَثاكيلٍ مُسَلَّبةٍ ... يَنْدُبْنَ ضَرْسَ بَناتِ
الدهرِ والخُطُبِ2
يريد: الخطوب. وقال الآخر3:
حتى إذا بَلَّتْ حَلاقيمَ الحُلُقْ
يريد: الحُلُوق. وقال الآخر5:
أن تَرِدَ الماء إذا غاب النُّجُمْ6
يريد: النجوم. ويجوز أن يكون جمع "فَعْلا" على "فُعْل" ثم ثَقَّل. فهذه
حال الواو المزيدة المصوغة في أنفس الكلم.
__________
1 البيت في شعره "251". انظر/ لسان العرب "11/ 89" مادة/ ثكل.
2 المثاكيل: النساء اللواتي يبكين فقيدهم والواحدة ثكلى. لسان العرب
"11/ 89" مادة/ ثكل.
مسلبة: محدة على زوجها. لسان العرب "1/ 473" مادة/ سلب.
ويقال ضرسته الخطوب ضرسًا: عجمته، وضرس السبع فريسته: مضغها ولم
يبلعها.
الشرح: شبه الشاعر سرعة أيدي هذه الإبل في المشي بسرعة لطم النسوة
المثاكيل.
والشاهد: حذف الواو في "الخطب" فالأصل "الخطوب" وذلك للضرورة.
إعراب الشاهد: الخطب: معطوف على الدهر مجرور وعلامة الجر الكسرة.
3 نسبه ابن منظور للفارسي. لسان العرب "10/ 58" مادة/ حلق.
4 الحلاقيم: جمع حلقوم وهو مجرى النفس والسعال من الجوف. اللسان "12/
150".
الحلق: الحلوق واحدها الحلق وهو مساغ الطعام والشراب إلى المرئ. اللسان
"10/ 58".
والشاهد في "الحلق" فقد حذف الشاعر الواو للضرورة والأصل "الحلوق".
إعراب الشاهد: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
5 البيت للأخطل "ص251"، والمنصف "1/ 394".
6 النجم: أراد النجوم وهي موضع الشاهد حيث حذف الواو لمناسبة الروي
والقافية.
إعراب الشاهد: النجم: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
(2/276)
فأما إذا لم تكن الحاجة ممزوجة بأنفس
الأمثلة فتأتي على أربعة أضرب، وهي: واو العطف، والواو التي بمعنى مع،
وواو الحال، وواو القسم.
فأما واو العطف فنحو قولك: "قام زيد وعمرو" وليس فيها دليل على المبدوء
به في المعنى، لأنها ليست مُرَتِّبة، قال لبيد1:
أُغْلي السباءَ بكلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ ... أو جَوْنةٍ قُدِحَتْ، وفُضَّ
خِتامُها2
فقوله: "قدحت" أي "غرفت" ومنه سميت المغرفة مقدحة، وفض ختامها: فتح
رأسها، وإنما تغرف بعد أن تفتح، فقد علمت أن "قدحت"، مقدم في اللفظ
مؤخر في المعنى. وعلى هذا يتوجه قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [مريم: 43] 3
فبدأ بالسجود قبل الركوع لفظًا، وهو مؤخر معنى، ولذلك لم يلزم عند أبي
حنيفة4 وأصحابه من قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ} [المائدة: 6] 5 الآية تقديم بعض الأعضاء على بعض في الغسل،
وذلك أنها معطوفة بالواو، ولا ترتيب فيها.
__________
1 البيت من معلقته وهو في ديوانه "ص314" وشرح القصائد العشر "ص242".
2 السباء: شراء الخمر.
الأدكن: لون الأدكن كلون الخز الذي يضرب إلى الغبرة.
العاتق: الخمر القديمة. اللسان "10/ 237".
الجونة: الخابية المطلية بالقار.
قدحت: أي فضه.
وفض خاتمها: إذا كسره وفتحه. اللسان "7/ 207".
أفضل الخمر التي قد وضعت بالزق الأغبر أو الجونة المطلية بالقار.
والشاهد في قوله: "قدحت وفض خاتمها" كما أوضح المؤلف.
إعراب الشاهد: قدحت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء للتأنيث، والواو
للعطف.
وفض: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، وخاتمها: نائب فاعل مرفوع،
والهاء مضاف إليه، وجملة قدحت: في محل جر نعت ل "جونة".
اقنتي: من القنوت وهو الطاعة والدعاء.
والآية شاهد على أن الواو لمجرد الجمع ولا تفيد ترتيبًا إذ أن الركوع
قبل السجود، وفي الآية قدم السجود على الركوع.
4 انظر/ المغني لابن قدامة "1/ 136".
5 المقصود من الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ} . [المائدة: من الآية6]
(2/277)
وكلمني بعضهم، فقال: أنا أوجدك في الآية
ترتيبًا، وهو قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ} [المائدة: من الآية6] قال: والفاء للترتيب بلا خلاف، وحكى
ذلك عن بعض متأخريهم -وأحسبه ابن القطان رحمه الله- فقلت له: قد ذهب
عليك ما في الحال، وذلك أن معنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ} أي: إذا عزمتم على الصلاة، وأردتموها، وليس الغرض -والله
أعلم- في {قمتم} النهوض والانتصاب، لأنهم قد أجمعوا أنه لو غسل أعضاءه
قبل الصلاة قائمًا أو قاعدًا لكان قد أدى فرض هذه الآية، فالفاء إذن
إنما رتبت الغسل والمسح عقيب الإرادة والعزم، ولم تجعل للغسل مزية في
التقدم على المسح، لأن المسح معطوف على الغسل بالواو في قوله:
{وَامْسَحُوا} فجرى هذا مجرى قولك: "إذا قمت فاضرب زيدًا واشتم بكرًا"
فلو بدأ بالشتم قبل الضرب كان جائزًا، فالفاء لم ترتب الغسل قبل المسح،
ولا الضرب قبل الشتم، ولم ترتب أيضًا نفس المغسول به، لأن المغسول
معطوف بعضه على بعض بحرف لا يوجب الترتيب، وهو الواو، وهذا واضح،
فَفَهِمَهُ، وعرف الحقيقة فيه.
ونظير "قمتم" في هذا الموضع قوله عَزَّ اسْمُهُ: {الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] 1 وليس يراد هنا -والله
أعلم- القيام الذي هو المثول والتنصيب وضد القعود، وإنما هو من قولهم:
"قمت بأمرك" و"عليَّ القيامُ بهذا الشأن" فكأنه -والله أعلم- الرجال
متكلفون لأمور النساء معنيون بشؤونهن.
فكذلك قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: إذا هممتم
بالصلاة، وتوجهتم إليها بالعناية، وكنتم غير متطهرين، فافعلوا كذا
وكذا، لابد من هذا الشرط، لأن من كان على طهر وأراد الصلاة لم يلزمه
غسل شيء من أعضائه لا مرتبًا ولا مُخَيَّرًا فيه، فيصير هذا كقوله عز
وجل {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وهذا، أعني
قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} فافعلوا كذا، وهو يريد:
إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف ذلك للدلالة عليه أحد الاختصارات التي
في القرآن،
__________
1 قَوَّامُون: جمع قوام صيغة مبالغة على وزن فعال، والقوامة هنا
المقصود بها ما جاء بالمتن وهو تكليف الرجال بأمور النساء والاعتناء
بهن. اللسان "12/ 499" مادة/ قوم.
(2/278)
ومنه قول طرفة1:
فإن مِتُ فانْعِينِي بما أنا أهْلُهُ ... وشُقِّي على الجيبَ يا ابنةَ
مَعْبَدِ2
فتأويله: فإن مِتُ قَبْلَكِ، لا بد من أن يكون الكلام معقودا على هذا،
لأنه معلوم أنه لا يكلفها نعيه والبكاء عليه بعد موتها إذ التكليف لا
يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه، بل لا حياة عنده، وهذا واضح،
وهو شيء اعترض الكلام، فقلنا فيه، ثم نعود إلى أمر الواو.
واعلم أن حرف العطف هذا قد حذف في بعض الكلام، إلا أنه من الشاذ لا
ينبغي لأحد أن يقيس عليه غيره، حدثنا أبو علي، قال: حكى أبو عثمان3:
أكلت لحمًا، سمكًا، تمرًا، يريد: لحمًا، وسمكًا، وتمرًا، وقال4:
ما ليَ لا أبكِي على عِلاتي ... صَبائحي غَبائقي قَيلاتي5
__________
1 البيت من معلقته وهو في ديوانه "ص41" وشرح القصائد العشر "ص54".
2 انعيني: من النعي؛ وهو إذاعة خبر الميت. اللسان "15/ 334" مادة/ نعا.
شق الجيب: من العادات الجاهلية في الحزن على الميت والجيب فتحة تكون
عند الصدر.
يا ابنة معبد: ابنة أخي الشاعر.
يقول: إذا مت فأذيعي خبر موتي بالتصويت واللطم وشق الجيب.
والبيت شاهد على الإيجاز بالحذف كما أورد ابن جني فالأصل "فإن مت قبلك"
وحذف قبلك لأنها مفهومة من السياق.
إعراب الشاهد: الفاء على حسب ما قبلها. إن: أداة شرط جازمة.
مت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل في محل جزم فعل
الشرط، والتاء: ضمير مبني في محل رفع فاعل.
فانعيني: الفاء واقعة في جواب الشرط، انعيني: فعل أمر مبني على حذف
النون لاتصاله بياء المفردة المخاطبة وياء المخاطبة ضمير مبني في محل
رفع فاعل والنون للوقاية وياء المتكلم: ضمير مبني في محل نصب مفعول به.
وجملة "فانعيني" في محل جزم جواب الشرط.
3 الخصائص "2/ 280".
4 البيتان في اللسان "صبح" "3/ 334".
5 الصبائح: جمع صبوح وهو ما شرب بالغداة فما دون القائلة. اللسان "2/
503" مادة/ صبح.
(2/279)
أراد: وغبائقي، وقيلاتي فحذف حرف العطف.
وهذا عندنا ضعيف في القياس، معدوم في الاستعمال. ووجه ضعفه أن حرف
العطف فيه ضرب من الاختصار، وذلك أنه قد أقيم مقام العامل؛ ألا ترى أن
قولك: قام زيد وعمرو، أصله: قام زيد وقام عمرو، فحذفت "قام" الثانية،
وبقيت الواو كأنها عوض منها، فإذا ذهبت تحذف الواو النائبة عن الفعل
تجاوزت حد الاختصار إلى مذهب الانتهاك1 والإجحاف2، فلذلك رفض ذلك، وقد
تقدم من القول في هذا المعنى ما هو مغنٍ بإذن الله تعالى.
وشيء آخر، وهو أنك لو حذفت حرف العطف لتجاوزت قبح الإجحاف إلى كلفة
الإشكال، وذلك أنك لو حذفت الواو في نحو قولك: ضربت زيدًا وأبا عمرو،
فقلت: ضربت زيدًا أبا عمرو، لأوهمت أن زيدًا هو أبو عمرو، ولم يعلم من
هذا أن "زيدا" غير "أبي عمرو" فلما اجتمع إلى الإجحاف الإشكال قبح
الحذف جدًّا. وكما أنابوا حرف العطف عن العامل فيما ذكرنا وما يجري
مجراه، نحو: ضربت زيدًا فبكرًا، وكلمت محمدًا ثم سعيدًا، وجاءني محمد
لا صالح، كذلك أيضًا قد أنابوا الواو مناب "رب" في نحو قوله3:
__________
الغبائق: جمع غبوق وهو الشرب بالعشي. لسان العرب "10/ 281" مادة/ غبق.
القيلات: جمع قيلة وهي اللبن الذي يشرب وقت الظهيرة. اللسان "10/ 503"
مادة/ صبح.
ويختلف معنى البيت باختلاف تأويل تلك الكلمات.
فعلى حسب التأويل الأول: يقول الشاعر لماذا لا أبكي أي أبكي على علاتي
في وقت اللهو وقت الشراب إذن هو لا يحس بمتعة إذا كانت متعته مختلطة
بالبكاء.
وعلى حسب التأويل الثاني: يقول إنني أبكي ضياع جميع إبلي فلم يعد لي
مال فلذلك اعتللت.
والشاهد في البيت أورده ابن جني في المتن.
إعراب الشاهد: صبائحي: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة منع
من ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
غبائقي: معطوف على صبائحي منصوب، والياء مضاف إليه.
وكذا قيلاتي.
1 الانتهاك: المبالغة في خرق محارم الشرع وإتيانها. اللسان "10/ 501"
مادة/ نهك.
2 الإجحاف: مقاربة الإخلال بالأمر. اللسان "9/ 22" مادة/ جحف.
3 سبق تخريجه.
(2/280)
وقاتمٍ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَق1
وفي قوله2:
وبلدٍ عاميةٍ أعماؤُهُ ... كأنَّ لو أرضِهِ سماؤُهُ3
وقوله4:
وليلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ5
وفي قوله6:
ومَنْهِلٍ مِن الأنيسِ نائي7
تقديره: ورُبَّ كَذَا، وهذه الواو حرف عطف.
__________
1 الأعماق: أطراق المفاوز البعيدة، وقيل الأطراف.
الخاوي: الخالي.
والشاهد في البيت إقامة الواو مكان "رب" في "وقاتم".
إعراب الشاهد:
الواو: حرف قام مقام رب.
قائم: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة الظاهرة.
2 البيتان لرؤبة بن العجاج.
3 الأعماء: أراد متناهية في العمى. لسان العرب "15/ 98" مادة/ عمى.
يصف الشاعر في بيته مفازة فيقول إنها شديدة الإضلال فلا يهتدى فيها.
والشاهد في قوله "وبلد" فقد قامت الواو مقام رب.
إعراب الشاهد كما سبق في "وقاتم".
4 البيت لرؤبة بن العجاج كما في مجاز القرآن "2/ 221، 232".
5 الندى: ما يسقط بالليل والجمع أنداء وأندية. اللسان "15 / 313" مادة/
ندى.
سريت: من السرى وهو السير عامة الليل.
الشرح: ورب ليلة طيبة الهواء ذات ندى سرت بها.
والشاهد في قوله "وليلة" فقد قامت الواو مقام رب.
إعراب الشاهد كما في "وقاتم".
6 هذا البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في اللسان "ملث" "2 / 192".
7 المنهل: مكان النهل وهو أول الشرب.
الأنيس: الحبيب، والنائي: البعيد.
والشاهد في قوله "ومنهل" فقد قامت الواو فيه كما في الذي قبله مقام رب.
إعرابه كما سبق في "وقاتم".
(2/281)
فإن قلت: فإنا نجدها مبتدأة في أوائل
القصائد، فعلى أي شيء عطفت؟
فالجواب: أن القصيدة تجري مجرى الرسالة، وإنما يؤتى بالشعر بعد خطب
يجري أو خطاب يتصل، فيأتي بالقصيدة معطوفة بالواو على ما تقدمها من
الكلام. ويدل على ذلك أيضًا قولهم في أوائل الرسائل: أما بعد فقد كان
كذا وكذا، فكأنه قال: أما بعد ما نحن فيه، أو بعد ما كنا بسبيله فقد
كان كذا وكذا، فاستعمالهم هنا لفظ "بعد" يدل على ما ذكرناه عنهم من
أنهم يعطفون القصيدة على ما قبلها من الحال والكلام، وكما أن "بل" من
قول الآخر:
بَلْ جَوْزِ تِيْهَاءَ كَظَهر الحَجَفتْ1
في أنها وإن كانت بدلا من "رب" فهي حرف عطف لا محالة، فكذلك الواو في:
وبلدٍ عاميةٍ أعماؤه2
واو عطف وإن كانت نائبة عن "رب".
فإن قيل: فبم الجر فيما بعد واو "رُبَّ" أبِ "رُبَّ" المحذوفة أم
بالواو النائبة عنها؟
فالجواب: أن الجر بعد هذه الواو إنما هو بـ "رُبَّ" المرادة المحذوفة
تخفيفًا لا بالواو، ويدل على ذلك أنها في غير هذه الحال من العطف إنما
هي نائبة عن العامل دالة عليه، وليست بمتولية للعمل دونه، وذلك قولك:
قام عمرو، ورأيت زيدا وبكرا، ومررت بسعيد وخالد، فلو كانت ناصبة لم تكن
جارة وهي بلفظ واحد، وكذلك لو كانت الواو رافعة لم تكن جارة.
ويدلك على أن العمل فيما بعد حرف العطف إنما هو لما ناب الحرف عنه، ودل
عليه من العوامل، إظهارهم العامل بعده في نحو: ضربت زيدا وضربت بكرا،
ونظرت إلى جعفر وإلى خالد، فالعمل إذن إنما هو للعامل المراد لا الحرف
العاطف.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 سبق تخريجه.
(2/282)
فإن قلت: فما بالك تقول: والله لأقومن،
فتبدل الواو من الباء في قولك: بالله لأقومن، وأنت تزعم أن الجر بعد
واو القسم إنما هو للواو نفسها لأنها نائبة عن الباء وبدل منها، فهلا
زعمت مثل ذلك في الواو إذا كانت عاطفة؟
فالجواب: أن بين الموضعين فرقًا، وذلك أن الواو في القسم إنما هي بدل
من الباء وواقعة موقعها، وليست الباء مقدرة بعد الواو كما يقدر العامل
بعد حرف العطف، ألا ترى أن من قال: قام زيد وقام عمرو، فأظهر العامل
بعد حرف العطف لم يجز على وجه من الوجوه أن يقول: وبالله لأقومن، على
أن تكون الواو للقسم، وإنما هي ههنا عطف، وحرف القسم الموصل له إنما هو
الباء بعد الواو، وليست الواو ههنا للقسم، وأما حرف العطف فهو مع إظهار
العامل بعده وحذفه جميعًا حرف عطف.
ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد وعمرو فالواو حرف عطف، وإذا قلت: قام زيد
وقام عمرو فالواو أيضًا حرف عطف أظهرت العامل أو حذفته، وليست الواو في
قولك: والله لأقومن هي الواو في قولك: وبالله لأقومن، فلما كانت الواو
في القسم إنما هي بدل من بائه البتة حتى لا تظهر معها، جرت في العمل
مجراها، وحسن إقامتها في العمل مقامها أن الواو ضارعت الباء لفظًا
ومعنًى، أما اللفظ فلأن الباء شفهية، والواو أيضًا كذلك، وأما المعنى
فلأن الباء للإلصاق والواو للاجتماع، والشيء إذا لاصق الشيء فقد جامعه،
وليست كذلك واو العطف، لأنها لا تضارع العامل الذي دلت عليه وقامت
مقامه لفظًا ولا معنًى، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيدا وبكرا فإن
أصله: ضربت زيدا وضربت بكرا، فالواو لا تضارع العامل الذي دلت عليه
وقامت مقامه لفظا ولا معنى، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيدا وبكرا فإن
أصله: ضربت زيدا وضربت بكرا، فالواو لا تضارع "ضَرَبَ" لفظا ولا معنى،
ألا ترى أن "ضَرَبَ" ثلاثة أحرف والواو حرف واحد، وهذه حرف، وذلك فعل،
فهما جنسان متباينان، فلذلك جاز أن تكون الواو في القسم عاملة، ولم يجز
أن يكون حرف العطف عاملا، فتفهَّمْه.
واعلم أن هذه الواو إذا كانت عاطفة فإنها دالة على شيئين:
أحدهما الجمع، والآخر العطف، إلا أن دلالتها على الجمع أعم فيها من
دلالتها على العطف، يدل على ذلك أنا لا نجدها إذا لم تكن بدلا من باء
القسم مجردة من معنى الجمع، وقد نجدها معراة من معنى العطف، ألا ترى أن
الواو التي بمعنى "مع" في قولك: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد
والطيالسة، قد تجدها
(2/283)
مفيدة للجمع لأنها نائبة عن "مع" الموضوعة
لإفادة الجمع، ولا تجد فيها في هذه الحال معنى العطف، وكذلك إذا كانت
للحال نحو قوله تعالى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ
أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: من الآية 154] 1 أي: يغشى
طائفة منكم إذ طائفة في هذه الحال. وهذه الواو أيضًا الدالة على معنى
الحال غير معراة من معنى الجمع، ألا ترى أن الحال مصاحبة لذي الحال،
فقد أفادت إذن معنى الاجتماع. وهذا كله تلخيص أبي علي، وعنه أخذته.
وأما الواو التي بمعنى "مع" فقولهم: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد
والطيالسة2 ومازلت أسير والنيل، أي: مع النيل، وكيف تكون وقصعة من
ثريد، أي: مع قصعة، ولو خليت والأسد لأكلك، أي: مع الأسد، ولو تركت
الناقة وفصيلها3 لرضعها، أي: مع فصيلها، وكيف تصنع وزيدًا، أي: مع زيد،
واجتمع زيد وأبا محمد على حفظ المال، ومن أبيات الكتاب:
فكونوا أنتم وبنِي أبيكم ... مكانَ الكُليتين من الطحال4
__________
1 يغشى: يغطي. لسان العرب "15/ 126" مادة/ غشا.
الطائفة: الجماعة.
أهمتهم: شغلتهم.
الشرح: لقد كان من الله وقت انهزامكم أن أنزل النعاس على طائفة منكم
وطائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم وشغلتهم بكيفية الهرب من مواقع القتال.
والشاهد أوضحه المؤلف بالمتن.
إعراب الشاهد:
طائفة: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
قد: حرف تحقيق وتأكيد.
أهمتهم: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والهاء ضمير مبني في
محل نصب مفعول به.
أنفسهم: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. وهم ضمير مبني في محل جر مضاف
إليه.
2 الطيالسة: جمع الطيلسان وهو ضرب من الأكسية، وحكي عن الأصمعي أنه
قال: الطيلسان ليس بعربي، قال: وأصله فارسى. لسان العرب "6/ 125" مادة/
طلس.
3 الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه، والجمع فصلان وفصال. "11/ 522"
مادة/ فصل.
4 الكليتين: تثنية كُلية بضم الكاف، وهي في الإنسان وغيره من الحيوان.
اللسان "15/ 229".
الطِّحال: بكسر الطاء: عضو من أعضاء بدن الإنسان. لسان الميزان "11/
399" مادة/ طحل.
بني أبيكم: الأخوة وأبناء العم.
(2/284)
أي: مع بني أبيكم، فلما حذف "مع" وأقام
الواو مقامها أفضى الفعل الذي قبل الواو إلى الاسم الذي بعدها. فنصبه
بواسطة الواو، وذلك أن الواو قوته، فأوصلته إليه، وقد استقصيت هذا
الفصل في حرف الباء من كتابنا هذا.
وأما الواو التي للحال فنحو قولك: مررت بزيد وعلى يده بازٍ، أي: مررت
به وهذه حاله، ولقيت محمدًا وأبوه يتلو، أي: لقيته وهذه حاله. ولا يقع
بعد هذه الواو إلا جملة مركبة من مبتدأ وخبر، لو قلت: كلمت محمدًا وقام
أخوه، وأنت تريد معنى الحال لم يجز إلا أن تريد معنى "قد" فكأنك قلت:
كلمت محمدًا وقد قام أخوه، وذلك أن "قد" تقرب الماضي من الحال حتى
تلحقه بحكمه أو تكاد.
ألا تراهم يقولون: "قد قامت الصلاة" قبل حال قيامها، وإنما جاز ذلك
لمكان "قد" وعلى قول الشاعر1:
أُمَّ صَبِيّ قد حَبا أو دارِجِ2
فكأنه قال: أم صبي حابٍ أو دارجٍ.
__________
الشاهد في "كونوا أنتم وبني أبيكم" إذ يطلب ممن يخاطبهم فقط أن يكونوا
مع أبناء أبيهم متماسكين متصلين تماسك الكليتين من الطحال، وهذا المعنى
يناسبه أن تكون الواو بمعنى "مع" ولو جعلت الواو للعطف لكان مقتضى
الكلام أنه يطلب ممن يخاطبهم ومن بني أبيهم أيضًا التماسك والاتصال،
وهذا المعنى لا يريده الشاعر بل يريد المعنى الأول، ولذلك ترجح أن تكون
"بني أبيكم" منصوبة على أنها مفعول معه.
1 البيت لجندب بن عمرو كما في ديوان الشماخ "ص363" وهو بغير نسبة في
معاني القرآن للفراء "1/ 214".
2 حبا: الحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه أو إسته. لسان العرب "14/ 161"
مادة/ حبا.
والدارج من مشا مشيًا ضعيفًا ودبا. لسان العرب "2/ 266" مادة/ درج.
والشاهد في قوله "قد حبا" فقد تقرب الماضي من الحال حتى تلحق بحكمه أو
تكاد. لسان العرب "2/ 266".
إعراب الشاهد: قد: حرف تحقيق وتأكيد.
حبا: فعل ماضٍ مبني على الفتح لعدم اتصاله بشيء وفاعله ضمير مستتر
تقديره هو يعود على صبي. وجملة "قد حبا" في محل جر نعت لـ "صبي".
(2/285)
وتأولوا قوله عَزَّ اسْمُهُ: {أَوْ
جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: من الآية90] على معنى: قد
حصرت صدورهم1. وذهب آخرون إلى أن تقديره: أو جاءوكم رجالا أو قومًا
حصرت صدورهم، فـ {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} الآن في موضع نصب لأنها صفة
حلت محل موصوف منصوب على الحال، على أن في هذا بعض الضعف لإقامتك الصفة
مقام الموصوف، وهذا مما الشعرُ وموضعُ الاضطرارِ أولى به من النثر وحال
الاختيار, وإذا وقعت هذه الجملة بعد هذه الواو كنت في تضمينها إياه
مخيرًا، فالتضمين كقولك: جاء زيد وتحته فرس، وترك التضمين كقولك: جاء
زيد وعمرو يقرأ. وإنما جاز استغناء هذه الجملة عن ضمير يعود منها إلى
صاحب الحال من قبل أن الواو ربطت ما بعدها بما قبلها، فلم تحتج إلى أن
يعود منها ضمير على الأول ليرتبط به آخر الكلام بأوله، وإن جئت به فيها
فحسنٌ جميلٌ؛ لأن فيه تأكيدًا لارتباط الجملة بما قبلها. فأما إذا لم
يكن هناك واو فلا بد من تضمّن الجملة ضميرًا من الأول، وذلك نحو قولك:
أقبل محمد على رأسه قلنسوة2، ولو قلت: أقبل محمد على جعفر قلنسوة، وأنت
تريد: أقبل محمد وهذه حاله لم يجز؛ لأنك لم تأت بالواو التي هي رابطة
ما بعدها بما قبلها، ولا بضمير يعود من آخر الكلام فيدل على أنه معقود
بأوله. وإذا فقدت جملة الحال هاتين الحالتين انقطعت مما قبله، ولم يكن
هناك ما يربط الآخر بالأول.
وعلى هذا قول الشاعر3:
نَصَفَ النهارُ الماءُ غامِرُهُ ... ورفيقه بالغيب لا يدري4
__________
1 هذا قول الفراء. معاني القرآن "1/ 282".
2 القلنسوة: من ملابس الرءوس معروف. لسان العرب "6/ 181" مادة/ قلس.
3 هو المسيب بن علس كما في جمهرة اللغة "3/ 83"، ولسان العرب "9/ 331"
مادة/ نصف.
4 نصف: أراد انتصف النهار، والماء غامره فانتصف النهار ولم يخرج من
الماء. اللسان "9/ 331".
غامره: من غمره المال إذا دخل في معظمه.
ورفيقه: صاحبه.
الشرح: يصف الشاعر غائصًا غاص في الماء حتى انتصف النهار وصديقه واقف
على الشاطئ لا يدري ما كان منه.
والشاهد في "الماء غامره" فقد جاءت حالا لـ "الغائص" دون واو الحال كما
في المتن.
(2/286)
يصف غائصًا غاص في الماء من أول النهار إلى
انتصافه ورفيقه على شاطئ الماء ينتظره ولا يدري ما كان منه، فيقول:
انتصف النهار وهذه حاله، فالهاء من "غامره" ربطت الجملة بما قبلها حتى
جرت حالا على ما قبلها، فكأنك قلت: انتصف النهار على الغائص غامرًا له
الماء، كما أنك إذا قلت: جاء زيد حسنًا وجهه.
فأما قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}
[الكهف: من الآية 22] فلا يجوز أن يكون {رَابِعُهُمْ} وصفًا لـ
{ثَلَاثَةٌ} على أن يكون {كَلْبُهُمْ} رفعًا لغلام، وترفع زيدًا بفعله،
وهو الضرب، من قبل أن "رابعهم" في هذا الموضع وإن كان اسم فاعل، فإنه
يراد به الماضي، وإذا كان اسم الفاعل ماضيا في المعنى لم يجز أن يعمل
عمل الأفعال، لا رفعا ولا نصبا، ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل قائم أمس
أخوه على أن ترفع الأخ بفعله، وهو القيام، كما لا يجوز أن تقول: هذا
رجل غلام أخوه، فترفع الأخ بفعله، وتجعل الغلام فعلا له، لأن اسم
الفاعل إذا أريد به الماضي جرى مجرى غلام وفرس ورجل وما لا معنى فعل
فيه، فقد بطل إذن أن يرفع "كلبهم" بما في {رَابِعُهُمْ} من معنى الفعل
إذ كان "رابعهم" يراد به هنا المضي. ولا يجوز أيضًا أن يرتفع "رابعهم"
بالابتداء، ويجعل {كَلْبُهُمْ} خبرا عنه على أن تكون الجملة حالا لـ
"ثلاثة" لأنك لو فعلت ذلك لم تجد للحال ما ينصبها، ألا ترى أن التقدير:
سيقولون هم ثلاثة، وليس في قولك هم ثلاثة ما يجوز أن ينصب على الحال.
فإن قلت: فهلا جعلت تقديره: هؤلاء ثلاثة، فنصبت الحال بعدها بما في
هؤلاء من معنى التنبيه، كما تقول: هؤلاء إخوتك قياما؟
فذلك محال هنا لأنهم يكونوا مشاهدين، ولو كانوا مشاهدين لما وقع التشكك
في عدتهم، أولا ترى أن في الآية {رَجْماً بِالْغَيْبِ} وإنما وقع
الإخبار عنهم وهم غير مشاهدين، فإذا لم يجز أن يكون في الكلام ما ينصب
حالا لم يجز على شيء منه، ولأن "ثلاثة" أيضًا نكرة، وسبيل الحال أن
تأتي بعد المعرفة، هذا هو الغالب من أمرها والأسير في أحكامها، إلا أن
يجيء ذلك شاذًا أو على ضرورة أو قلة من الكلام، وليست هنا ضرورة ولا
ظهور نصب يحتمل له إجراء الحال على النكرة.
(2/287)
فإن قلت: فاجعل {رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}
مبتدأ وخبرًا، واجعل الجملة المنعقدة منها وصفا لـ "ثلاثة" كما تقول:
هم ثلاثة غلامهم أبوهم؟
فذلك عندنا في هذا الموضع غير سائغ ولا مختار، وإن كان في غير هذا
الموضع جائزًا، والذي منع من إجازته هنا وضعفها أن الجملة التي في آخر
الكلام فيها واو العطف، وهو قوله عز وجل: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ
وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فكما ظهرت الواو في آخر الكلام، فكذلك
-والله أعلم- هي مرادة في أوله لتتجنس الجمل في أحوالها والمراد بها،
فكأنه -والله أعلم- سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة وسادسهم
كلبهم رجمًا بالغيب، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، إلا أن الواو حذفت من
الجملتين المتقدمتين لأن الذي فيهما من الضمير يعقدهما بما قبلهما لا
عقد الوصف ولا عقد الحال لما ذكرناه، ولكن عقد الإتباع، لاسيما وقد
ظهرت الواو في الجملة الثالثة، فدل ذلك على أنها مرادة في الجملتين
المتقدمتين.
واعلم أن هذه الواو وما بعدها إذا أريد بالجميع الحال في موضع نصب بما
قبلها من العوامل التي يجوز لمثلها نصب الحال، فقولك: أقبل أخوك وثوبه
نظيف، في موضع: أقبل أخوك نظيفًا ثوبه، فكما تنصب "نظيفًا" بـ "أقبل"
كذلك تنصب موضع قولك: وثوبه نظيف بـ "أقبل".
وإذا كان ذلك فقوله عَزَّ اسْمُهُ: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ} [آل عمران: من الآية 154] في تقدير:
يغشى طائفة منكم مهمّةً طائفة منكم أخرى أنفسُهم في وقت غشيانه تلك
الطائفة الأولى، ولا بد من هذا التقدير، كما أن قولك: جاءت هند وعمرو
ضاحك في تقدير: جاءت هند ضاحكًا عمرو في وقت مجيئها، حتى يعود من
الجملة التي هي حالٌ ضميرٌ على صاحب الحال، ولهذا شبهها سيبويه بـ "إذ"
قال أبو علي: إنما فعل ذلك من حيث كانت "إذ" لا يكون إلا جملة، كما أن
ما بعد واو الحال لا يكون إلا جملة، ولهذا قال سيبويه: "واو الابتداء"
يعني هذه الواو إذ كان ما بعدها سبيله أن يكون جملة من مبتدأ وخبر،
ولأجل أن بين الحال والظرف هذه المصاقبة1 ما ذهب الكسائي إلى أن نصب
الحال إنما
__________
1 المصاقبة: القرب والدنو. لسان العرب "1/ 525" مادة/ صقب.
(2/288)
هو لشبهها بالظرف. ويؤكد الشبه أيضًا أنك
قد تعبر عن الحال بلفظ الظرف، ألا ترى أن قولك: جاء زيدًا ضاحكًا فى
معنى: جاء زيد في حال ضحكه، وعلى حال ضحكه، فاستعمالك هنا لفظ "في"
و"على" يؤنسك بالوقت والظرفية، فاعرفه.
وأما واو القسم فنحو قولك: والله لأقومن، والله لأقعدن، وقد تقدم القول
عليها، وأنها بدل من باء الجر، والعلة في جواز إبدالها منها في حرف
الباء.
واعلم أن البغداديين1 قد أجازوا في الواو أن تكون زائدة في مواضع:
منها قوله جَلَّ اسْمُهُ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ،
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: 103-104] 2 قالوا:
معناه ناديناه، والواو زائدة.
ومنها قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ
لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الإنشقاق: 1-3]
قالوا: معناه إذا السماء انشقت إذا الأرض مدت، فتكون "إذا" الثانية
خبرًا عن "إذا" الأولى، كما تقول: وقت يقوم زيد وقت يقعد عمرو. وأجازوا
أيضًا في هذه الآية أن يكون التقدير: إذا السماء انشقت أذنت لربها.
ومنها قوله عَزَّ اسْمُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: من الآية73] تقديره
عندهم: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها.
واحتجوا لجواز ذلك بقول الشاعر3:
حتى إذا امتلأتْ بُطُونُكم ... ورأيتُم أبناءكُم شَبُّوا
وقلبتم ظهرَ المِجَنّ لنا ... إنَّ الغَدُور الفاحش الخب4
__________
1 يعني الكوفيين. انظر مذهبهم هذا "معاني القرآن" للفراء "1/ 107-108،
238".
2 أسلما: استسلما لأمر الله، والضمير عائد على سيدنا إبراهيم وسيدنا
إسماعيل صلاة الله وسلامه عليهما.
تَلَّهُ: ألقاه على عنقه وخده. اللسان "11/ 77".
حين استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله نادى رَبُّنا سيدَنا إبراهيمَ.
والشاهد في الآية "وناديناه" فقد أراد "ناديناه" زادت الواو على رأي
الكوفيين.
3 هو الأسود بن يعفر يهجو بني نجيح من بني مجاشع بن دارم، والبيتان في
ديوانه "ص19".
4 قلب ظهر المجن: كناية عن إظهار العداوة والفحش.
الخب: المخادع الغشاش. لسان العرب "1/ 341" مادة/ خبب.
(2/289)
معناه عندهم: قلبتم ظهر المجن لنا. فأما
أصحابنا فيدفعون هذا التأويل البتة، ولا يجيزون زيادة هذه الواو ويرون
أن أجوبة هذه الأشياء محذوفة للعلم بها والاعتياد في مثلها، وتأويل ذلك
عندنا على معنى: فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد
صدَّقْتَ الرؤيا أدركَ ثوابَنا، ونال المنزلةَ الرفيعةَ عندنا.
وكذلك: إذا السماء انشقت وكان كذا وكذا عرف كل واحد ما صار إليه من
ثواب وعقاب1. ودليل ذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] 2 وكان كذا وكذا {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] 3.
وكقوله تعالى فى موضع آخر: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:
1] 4 {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] ،
وكذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} تقديره:
صادفوا الثواب الذي وُعِدُوه.
وكذلك قول الشاعر:
حتى إذا قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ ... ورأيتُم أبناءكُم شَبُّوا
وقَلَبْتُم ظهرَ المِجَنّ لنا ... إنَّ الغَدُور الفاحشُ الخبّ5
تقديره: لما كان هذا كله منكم عرف الناس غدرَكُم، واستحقَقْتُم صرف
اللائمة إليكم/ أو نحو ذلك مما يصح لمثله أن يكونَ جوابًا عن هذا، وصار
أيضًا قوله: "إن الغدور الفاحش الخب" بدلا من الجواب ودليلا عليه.
__________
يقول الشاعر هاجيًا هؤلاء القوم أحين شَبِعْتُم وشبَّ أبناؤكم أظهرتم
لنا العداوة والغدر.
والشاهِدُ في "وقلبتم ظهرَ المجنِّ لنا" فقد جاءت الواو زائدة فيه على
رأي الكوفيين.
1 وقد قال بحذف الجواب في هذه الآية من الكوفيين الفراء، كما في كتابه
"معاني القرآن" "3/ 250".
2 كُوِّرَتْ: جُمِعَ ضَوْءُها وَلُفَّ كما تلف العمامة. اللسان" "5/
156" مادة/ كور.
3 "علمت نفس ما أحضرت" أي ما أحضرت من عمل.
4 "إذا السماء انفطرت" انفطرت أي انشقت. لسان العرب "5/ 55" مادة/ فطر.
5 قمل الرجل: سمن بعد الهزال. لسان العرب "11/ 568" مادة/ قمل.
البيتان سبق تخريجهما وشرحهما.
(2/290)
ويؤكد هذا عندك قوله عَزَّ اسْمُهُ:
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ
جَمِيعًا} [الرعد: 31] 1 ولم يقل: لكان هذا القرآن.
وكذلك قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام:
27] ولم يقل: لرأيت سوء منقلبهم.
وعلى هذا قول امرئ القيس2:
فلو أنها نفسٌ تموتُ جَمِيعَةً ... ولكنها نفسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسا3
ولم يقل: لفنيت، ولا: لاستراحت.
وكذلك قول جرير4:
كَذَبَ العَوَاذِلُ لو رأين مُناخَنا ... بحزيز رامةَ والمطيُّ
سَوَامي5
ولم يقل: لرأينَ ما يُشجِيهُن ويُسْخِنُ أعينَهُنّ.
__________
1 قطعت به الأرض: عُبِرَتْ وَاجْتِيزَتْ. اللسان "8/ 278" مادة/ قطع.
2 ديوانه "ص107" يعني أنه مريض، فنفسه لا تخرج مرة ولكنها تموت شيئًا
بعد شيء.
3 جميعة: إنما أراد جميعًا فبالغ بإلحاق الهاء وحذف الجواب للعلم به
كأنه قال لفنيت واسترحت. لسان العرب "8/ 54" مادة/ جمع.
تساقط أنفسا: صور النفس في ذهابها شيئًا فشيئا بقطرات الماء المتساقط.
يقول الشاعر: إنني مريض ومع ذلك فإنني لم أسترح بالموت ولكني من شدة
آلام نفسي أشعر وكأني أموت في كل لحظة.
والبيت شاهد على حذف الجواب، والأصل لو أن نفسي تموت جميعًا لاسترحت.
4 ديوانه "ص991".
5 العواذل: اللائمات والمفرد عاذلة.
الحزيز: موضع كثرت حجارته وغلظت كأنها سكاكين. اللسان "5/ 335" مادة/
حزز,
سوام: رافعة أبصارها وأعناقها.
يقول: كذبت اللائمات في لومهن فلو أنهن شاهدن ما بنا وقت الرحيل
لاغرورقت أعينهن بالمدامع.
والشاهد فيه حذف الجواب كما في المتن.
(2/291)
وقال الآخر1:
لو قد حداهُنّ أبو الجوديِّ ... برجز مسحَنْفِرِ الرَّوِيِّ
مستوياتٍ كَنَوى الرنيِّ2
ولم يقل: لأسرعن، ولا لقطعن، ونحو ذلك. وعلى هذا قول حاتم: "لو غيرُ
ذاتِ سوارٍ لَطَمْتني"3 ولم يقل: لانتصفت منها.
وزعم سيبويه4 أن الشماخ لم يأت لقوله5:
ودَوِّيةٍ قَفْرٍ تَمَشَّى نَعامُها ... كمَشْي النَّصارَى في خِفاف
اليَرَنْدَجِ6
بجواب في القصيدة علمًا بأن المعنى: قَطَعْتُ، أو جُزْتُ، أو نحو ذلك.
__________
1 الأبيات لرجل يكنى أبا الجودي كما في الخزانة "3/ 171".
2 حداهن: زَجَرَ الإبل وساقها.
أبو الجودي: اسمُ الشاعر.
والرجز: بحر من بحور الشعر تفعيلته: مستفعلن ست مرات.
مسحنفر: الماضي السريع.
البرني: ضرب من التمر أصفر مدور وهو أجود التمر.
الشرح: لو قاد أبو الجودي تلك الإبل وأنشد لها الرجز لأسرعت في مشيها.
والشاهد كما أوضحه ابن جني في المتن هو حذف الجواب.
3 المعنى "لو لطمني رجل لانتصفت منه".
وقيل: أراد: "لو لطمتنى مرة" فجعل السوار كناية عن الحرية.
انظر/ هذا المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد "ص268".
4 الكتاب "1/ 453-454".
5 البيت في ديوانه "ص83"، والكتاب "3/ 104".
قلت: هذا البيت ليس في ديوان الشماخ.
6 الدوية: الفلاة الواسعة المترامية الأطراف. اللسان "14/ 276".
القفر: الخلاء من الأرض، وقيل: مفازة لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ ويقال
دار قفر: خالية، والجمع "أقفار". اللسان "5/ 110" مادة/ قفر.
نعامها: الواحد نعامة نوع من الطيور كبيرة الحجم طويلة العنق.
اليرندج: الجلد الأسود:
والبيت شاهد على حذف الجواب: وهو "ودوية قفر قطعتها أو جزتها".
وزعم سيبويه أن الشاعر لم يأت بالجواب مع أنه مقدر كما قلنا على رأي
ابن جني كما في المتن.
(2/292)
وذهب أصحابنا إلى أن حذف الجواب في هذه
الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، وأنه لذلك ما حذفت هذه الأجوبة،
قالوا: ألا ترى أنك إذا قلت لغلامك: والله لئن قمت إليك، وسكت عن
الجواب، ذهب بفكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وغير ذلك،
فتمثلت في فكره أنواع العقوبات، فتكاثرت عليه، وعظمت الحال في نفسه،
ولم يدر أيها يتقي، ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك، فأتيت
بالجواب لم يتق شيئًا غير الضرب، ولا خطر بباله نوع من المكروه سواه،
فكان ذلك دون حذف الجواب في نفسه.
قال أبو علي: ومثل معناه قول كثير1:
فَقلْتُ لها: ياعَزُّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفسُ
ذَلَّتِ2
وكذلك الحال في الجميل من الفعل نحو قولك: والله لئن زرتني، إذا حذفت
الجواب تصورَتْ له أنواع الجميل وضروبه من الإحسان إليه والإنعام عليه.
ولو قلت: والله لئن زرتني لأعطينك دينارًا، رمى بفكره نحو الدينار، ولم
يجُل في خلده شيء من الجميل سواه، ولعله أيضًا أن يكون مستغنيًا عنه
غيرَ راغبٍ فيه، فلا يدعوه ذلك إلى الزيارة، وإذا حذفتَ الجوابَ تطلعت
نفسُه إلى علم ما توليه إياه، فكان ذلك
__________
إعراب الشاهد:
الواو: للعطف قامت مقام رب.
دوية: اسم مجرور بـ "رب" المحذوفة وعلامة الجر الكسرة.
قفر: نعت مجرور.
تمشى: فعل مضارع مرفوع، ونعامها فاعل، والهاء مضاف إليه.
والجملة في محل جر نعت ثان.
كمشي: جار ومجرور، النصارى: مضاف إليه.
في: حرف جر، خفاف: اسم مجرور، اليرندج: مضاف إليه.
1 ديوانه "ص97"، ولسان العرب "13/ 451-452" مادة/ وطن.
2 عز: اسم محبوبته.
المصيبة: الداهية.
وطنت: حملها عليه فتحملت وذلت له. اللسان "13/ 451".
ذلت: هانت.
الشرح: يخاطب الشاعر معشوقته ويقول لها إن أي مصيبة مهما عظمت ممكن أن
تهون لو دربت النفس على الصبر عليها.
والشاهد: في قوله "ذلت" فقد حدد الجواب وذكره.
(2/293)
أدعى له إلى الزيارة، كما كان الباب الأول
أدعى له إلى الترك، فهذا بيان هذا الفصل وتلخيص ما فيه، وذكر السبب
الداعي إلى حذف الأجوبة منه.
وقد زيدت الواو على الحرف المضموم إذا وقفت عليه مستذكرًا لما بعده من
الكلام فتقول: الرجل يقومو، أي: يقوم غدًا أو نحوه، والرجل ينطلقو، أي:
ينطلق إلينا، ونحو ذلك، فمدوا بالواو لأنهم لا ينوون القطعَ. ويزيدون
أيضًا على الواو واوًا أخرى عند التذكر، فيقولون: زيدٌ يغزُوو، ومحمد
يدعُوو، جعلوا ذلك علامة الاستذكار، وأنه قد بقيت بقية من الكلام،
وتكلفوا الجمع بين الساكنين لذلك.
وقد حذفت الواو فاء، نحو "يَعِد" و"عِدَة" و"تَقَيْتُ زيدًا" وهو كثير.
وعينًا في حرف واحد، وهو "حَبْ" في زجر الإبل، و"سَفْ" في معنى "سوف"
ولامًا في "أخٍ" و"غدٍ" و"هنٍ" و"كُرة" و"لُغة" ونحو ذلك.
وقد زيدت الواو في نحو قولهم: كنتَ ولا مالَ لكَ، أي: كنت لا مال لك،
وكان زيدٌ ولا أحد فوقه. وكأنهم إنما استجازوا زيادتها هنا لمشابهة خبر
كان للحال؛ ألا ترى أن قولك: كان زيد قائمًا، مشبه من طريق اللفظ
بقولهم: جاء زيدٌ راكبًا، وكما جاز أن يشبه خبر كان بالمفعول فينصب،
فغير منكر أيضًا أن يشبه بالحال في نحو قولهم: جاء زيد وعلى يده بازٍ،
فتزاد فيه الواو.
(2/294)
|