سر صناعة الإعراب وهذا فصل: لإفراد
الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم
الهمزة: إذا أمرت من "وأى يئي" أي: وعد قلت: يا زيدُ إِ عمرًا، معناه:
عِدْ عمرا، والوأي: الوعد، وتقول في التثنية "إيا" وفي الجماعة
المذكرين "أُوْا" وللمرأة "إي" وللمرأتين "إيا" كالمذكرين، وللنساء
"إين" كقولك: عد، وعدا، وعدوا، وعدي، وعدا، وعدن، فحذف الياء من "إ"
علامة الوقف، وحذف النون من "إيا" و"أؤا" علامة الوقف أيضًا، وكذلك حذف
النون من قولك للمرأة "إي" علامة الوقف، والياء التي في قولك "عدي"،
والأصل فيه "إيي" مثل "عدي" فأسكنت الياء استثقالا للكسرة عليها، وحذفت
لسكونها وسكون ياء الضمير بعدها. والياء في "إيا" لام الفعل بمنزلة دال
"عدا". والياء أيضًا في "إين" لام الفعل بمنزلة دال "عدن" والنون بعدها
علامة الجمع والضمير المؤنث كنون "عدن".
فقد شرحنا حال هذه الأحكام، فأغنى عن إعادة مثله في ما نستقبل.
الباء: يقال: بأي الرجل يبأى إذا فخر، فإذا أمرت منه قلت: ابأ يا رجل،
أي: افخر، فإن خففت الهمزة قلت: ب يا رجل، وذلك أنك حذفت الهمزة،
وألقيت فتحتها على الباء، فلما تحركت الباء استغنيت عن ألف الوصل لتحرك
ما بعدها فقلت: ب يا رجل، فإن ثنيت قلت على التحقيق: ابأيا، وعلى
التخفيف: بيا. وللجماعة على التحقيق: ابأؤا، وعلى التخفيف: بوا.
وللمراة على التحقيق: ابأي بوزن ابعي، وعلى التخفيف: بي، وللمرأتين
كالرجلين، ولجماعة النساء على التحقيق ابأين بوزن ابعين، وعلى التخفيف:
بين، فاعرفه، أنشدنا أبو علي1:
أقول والعيسُ تَبا بِوَهْد2
__________
1 اللسان "بأي" "14/ 64" والتاج "بأو" "10/ 30".
2 العيس: الإبل البيض مع شقرة يسيرة. اللسان "6/ 152" مادة/ عيس.
الوهد: المكان المنخفض كأنه حفرة. اللسان "3/ 470-471" مادة/ وهد.
(2/435)
أي: تبأى، أي تتعالى في السير، وتتسامى
فيه، فخفف الهمزة على ما ذكرنا.
التاء: لغة لبعض العرب تقول في الأمر من أتى يأتي: تِ زيدا، فتحذف
الهمزة تخفيفًا كما حذفت من: خذ، وكل، ومر.
قال شاعرهم1:
تِ لي آلَ زيد فاندُهُم لي جماعةً ... وسل آل زيد أيُّ شيء يضيرها
وتقول على هذه اللغة للاثنين: تيا، وللحماعة: توا، وللمؤنث: تي، وتيا،
وتين.
الثاء: يقال: ثأى الخرز يثأى إذا غلظ الإشْفَى ودَقَّ السير، وأصل
الثأْي الفساد على ما ذكرناه. فإذا أمرت قلت: اثْأَ يا خرز، فإن خفضت
قلت: ثِ يا خرز، وثيا، وثوا، وثين وثيا، وثين على ما قدمناه من حال
التخفيف في باب الباء.
الجيم: يقال: جَئِيَ الفرس يجأى جأى وجؤوة، إذا ضرب لونه إلى لون صدأ
الحديد، قال ذو الرمة، أنشدناه أبو علي:
تنازعها لونان وَرْدٌ وجُؤْوةٌ ... ترى لإياء الشمس فيه تَحَدُّرا2
فإذا أمرت قلت: اجأ يا فرس، فإن خففت قلت: جِ يا فرس، وجيَا وجَوْا،
وجي، وجيا، وجين على ما تقدم في باب الباء والثاء. ولغة لبعض العرب "جا
يجي" بغير همز، فإذا أمرت قلت: جِ يا رجل، وجيا، وجوا، وجي يا امرأة،
وجيا، وجين، فاعرفه.
الحاء: يقال: وحى إليه يحيى، وأوحى إليه يوحي، قال العجاج3:
وحى لها القرار، فاستقرت ... ومدها بالراسيات الثبت4
__________
1 لم نجده.
2 سبق شرحه.
3 البيتان في ديوانه "ص266".
4 تم تخرجيه.
(2/436)
وقال الله عز وجل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] وهو كثير. فإذا أمرت من "وحى" قلت: حِ
يارجل، وحيا، وحوا، وللمؤنث "حي، وحيا، وحين" على ما قدمناه في باب
الهمزة.
الخاء: يقال: وخيت الشيء أخيه، أي: قصدته وتعمدته، ومنه: توخيت كذا
قال1:
...................... ... أنَّى وَخَى
فإذا أمرت قلت: خِ يا رجل، وخيا، وخوا، وخي يا امرأة، وخيا، وخين، على
ما تقدم.
الدال: يقال: وَدَى العرق يدي إذا سال، ومنه قيل "الوادي" لأنه مسيل
الماء، أنشدنا أبو علي2:
كأن عِرْق أيْره إذا ودى ... حبل عجوز ضَفَرَت سبع قُوى3
فإن أمرت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي يا امرأة، وديا، ودين، على
ما سلف.
ويقال أيضًا: دأيت للشئ أدأى، إذا ختلته، قال4:
كالذئب يدأى للغزال يخْتِلُه5
فإن أمرت قلت: ادْأَ يا رجل، فإن خففت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي
يا امرأة، وديا، ودين، على ما سلف من التصريف.
الذال: يقال: ذأى الفرس يذأى ذأيا إذا كان كثير الجري سريعه خفيفه،
وفرس مذأى، قال العجاج6:
__________
1 لم نعثر على قائله.
2 سبق تعريفه.
3 البيت جاء في اللسان ونسبه صاحبه إلى الأغلب "15/ 384".
4 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 517" واللسان "دأى" "14/ 248".
5 البيت للعجاج حيث جاء في ديوانه "ص385" والشاهد في قوله "يدأى"
6 ديوانه "ص385".
(2/437)
بَعيد نضْحِ الماء مذْأى مِهْرَجا1
فإذا أمرت قلت: اذْأَ يا فرس. فإن خففت قلت: ذَهْ، وذيا، وذوا، وذي يا
امرأة، وذيا، وذين، على ما تقدم عليه القول.
الراء: يقال: رأيت الرجل إذا أبصرته، ورأيته إذا ضربتَ رئته، إلا أن
العرب اجتمعت على تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقالوا: أرى،
والأصل: أرأى، فخففوا الهمزة بأن حذفوها وألقوا فتحتها على الراء، ولم
يأت التحقيق في المضارع إلا شاذا، أنشدنا أبو علي لسراقة البارقي2:
أُري عينيَّ ما لم تَرأَيَاهُ ... كلانا عالمٌ بالترَّهات3
وقرأت عليه في الهمز عن أبي زيد4:
ثم استمر بها شيحانُ مُبْتَجِحٌ ... بالبَين عنك بما يرآك شَنآنا
فإن أمرت على شائع اللغة فيها -وهو التخفيف- قلت: رِ يا زيد، وريا،
وروا، وري يا هند، وريا، ورين. وإن أمرت من رأيت الصيد على التحقيق
-وهو المعروف فيه- قلت: ارْأَ.
فإن خففت جرى مجرى تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقلت: رَهْ،
ورَيا، ورَوا، ورَيْ، وريا، ورين.
ويقال أيضًا: وَرَتْ بك زنادي، ووراه الله، أي: أدوى جوفه.
قال سيحم5:
ورَاهُنَّ ربي مثل ما قد وَرَيتَني ... وأحمَى على أكبادهن المكاويا6
فإن أمرت منهما جميعًا قلت: رِ يا رجل، ورِيا، ورُوا، وري يا امرأة،
وريا، ورين، على ما تقدم.
__________
1 سبق شرحه.
2 سبق تخريجه.
3 سبق شرحه.
4 سبق تخريجه.
5 هو سحيم عبد بني الحسحاس. ديوانه "ص24".
6 الشاهد في قوله "ورينني".
(2/438)
الزاي: يقال: وَزَى الشيء يزي إذا اجتمع
وتقبض. فإن أمرت قلت: زِ يا رجل، وزيا، وزوا، وزي يا امرأة، وزيا،
وزين، على التفسير الفارط.
السين: يقول بعض العرب "سا يسو" بحذف الهمزة البتة تخفيفًا، فتقول على
هذا الأمر: س يا رجل، وسوا، وسوا، وسي يا امرأة، وسوا، وسون. والأصل في
"سي" لملؤنث: "سُوِي" ووزنه "فُعِي" لأن لامه محذوفة البتة على غير
قياس، فثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى السين، وحذفت الواو لسكونها
وسكون الياء بعدها، فصار "سي".
الشين: يقال: وشيت الثوب أشيه إذا نقشته وحسنته، ووشيت الحديث أشيه،
أي: نمقته وزينته، فإذا أمرت قلت: ش يا رجل، وشيا وشوا، وشي يا امرأة،
وشيا، وشين.
ويقال: شأوت الرجل، أي: سبقته، وشأوته: حَزَنته، ومضارعهما: يشأى، فإذا
أمرت قلت: اشْأَ. فإن خففت قلت: شِ يا رجل، وشيا، وشوا، وشي يا امرأة،
وشيا، وشين.
الصاد: يقال: وصى الشيء يصي فهو واص، أي: متصل.
قال ذو الرمة1:
بين الرجا والرجا من جَيْبِ واصيةٍ ... يهماءُ خابطها بالخوف معكوم
وقال الآخر2:
يأكلن من قُرَّاص ... وحمصيصٍ واص3
فإن أمرت قلت: صِ يا رجل، وصيا، وصوا، وصي يا امرأة، وصيا، وصين.
__________
1 البيت ينسب لذي الرمة. وهو في ديوانه "ص407".
2 لم نعثر على قائله.
3 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "حمص" "7/ 17"، وكذا صاحب المنصف "3/
89". والشاهد في قوله "واص".
(2/439)
ويقال أيضًا: صأى الفرخ1 يصئي صئيا. فإذا
أمرت قلت: اصء. فإن خففت قلت: ص، وصيا، وصوا، وصي، وصيا، وصين، فوزن
"ص" من هذا المهموز "فل" لأن العين محذوفة للتخفيف، ووزنه من الأول وهو
وصى يصي "عل" لأن الفاء محذوفة كما تحذف من وعد يعد، فاللفظان على هذا
متفقان من أصلين مختلفين.
الضاد: غفل لم يأت فيها شيء.
الطاء: مثله.
الظاء: مثله.
العين: يقال: وعيت العلم إذا حفظته، ووعيت الكلام، أي: حفظته، قال الله
تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: من الآية 12] فإذا
أمرت قلت: ع يا رجل، وعيا، وعوا، وعي يا امرأة، وعيا، وعين.
الغين: غفل.
الفاء: يقال: وفى بالعهد يفي، وأوفى يوفي، قال2:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها3
فجمع بين اللغتين. فإن أمرت من "وفيت" قلت: فِ يا رجل، وفيا، وفوا، وفي
يا امرأة، وفيا، وفين، على قياس ما مضى.
القاف: يقال: وقيت الرجل أقيه.
فإذا أمرت قلت: قِ يا رجل، وقيا، وقوا، وقي يا امرأة، وقيا، وقين، قال
الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: من
الآية 6] 4 وقياسه ما سبق ذكره.
__________
1 صأى الفرخ: صاح. اللسان "14/ 449" مادة/ صأى.
2 قيل هو طفيل الغنوي وهو في ديوانه "ص113".
3 والشاهد في قوله "أوفى".
4 الشاهد في قوله "قوا".
(2/440)
الكاف: يقال: أوكيت السقاء ووكيته إذا
شددته بالوكاء. فإن أمرت من "وكيته أكيه" قلت: كِ يا رجل، وكيا، وكوا،
وكي يا امرأة، وكيا، وكين، وشرحه على ما تقدم في وفيت ووقيت.
اللام: يقال: وليت الأمر أليه. فإذا أمرت قلت: لِ يا رجل، وليا، ولوا،
ولي يا امرأة، وليا، ولين.
قال ذو الرمة1:
لني ولية تمرع جنابي فإنني ... لو سمي ما أوليت من ذاك شاكر2
الميم: يقال: مأت الهرة تمؤو، فإن أمرت قلت: امؤ يا هر. فإن خففت ألقيت
ضمة الهمزة على الميم، وحذفت الهمزة، ثم حذفت همزة الوصل من أول الكلمة
لتحرك ما بعدها، فقلت: م يا هر، وموا، وموا، ومي يا هرة، وموا،
كالمذكرين، ومون. وهذا حف غريب، وقياسه ما ذكرت.
النون: يقال: ونيت في الأمر أني ونيا.
فإن أمرت قلت: نِ يا رجل، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين، قال
الله سبحانه: {تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: من الآية 42] 3.
قال العجاج4:
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر5
ويقال أيضًا: نأيت حول البيت نؤيا6، وأنانيت، وأنايت، وأنايت أيضًا
حوله نؤيا، حكاهما جميعًا أبو زيد في كتاب همزه. فإن أمرت من "نأيت
أنأى" قلت: انأ يا زيد نؤيا مثل انع نعيا.
فإن خففت قلت: نِ نؤيا، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين.
__________
1 سبق تعريفه.
2 سبق تخريجه.
3 الشاهد في قوله تعالى "تنيا".
4 ديوانه "ص8".
5 الشاهد في قوله "ونى".
6 نؤيا: نأيت نؤيا: عملته، والنؤى: مجرى يحفر حول الخيمة أو الخباء
يقيها السيل.
(2/441)
وحكى أبو زيد في كتاب همزه المقيس أن من
العرب من يقول: يا زيد نِ نؤيك، أخرجه على التخفيف الذي قدمنا ذكره.
الهاء: يقال: وَهَى الأمر يهيي، فهو واه.
قال زهير1:
.................................. ... فأصبح الحبل منها واهيًا خلقا2
فإن أمرت قلت: هِ يا رجل3، وهيا، وهوا يا رجال، وهي، وهيا، وهين.
الواو: غفل.
المدة: غفل.
الياء: غفل.
__________
1 سبق تعريفه.
2 سبق تخريجه.
3 هِ يا رجل: أي افعل.
(2/442)
هذا آخر كتابنا الموسوم بسر الصناعة.
ونرجو أن يكون الله تعالى قد وفقنا فيه للصواب.
ولم يذهب بنا وبه عن طريق الرشاد.
وعند الله نحتسب ما أودعناه.
وإياه نسترعي من محاسنه وبدائعه ما تسمحنا به فضمناه.
إنه كافينا، وعليه توكلنا، وهو حسبنا.
وصلى الله على خيرته من خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهى الكتاب والحمد لله أولا وآخرًا1.
__________
1 تنبيه: لقد استعنا في تحقيق الجزء الثاني في كتاب سر صناعة الإعراب
بلسان العرب لابن منظور طبعة دار صادر "1/ 15"، وكنا قد حققنا الجزء
الأول من سر صناعة الإعراب من نسخة المعارف المرتبة "1/ 6".
طلب العلم/ محمد فارس. في 7/ رمضان/ 1419 هـ.
(2/443)
|