اقتطاف الأزاهر والتقاط الجواهر

الباب الثاني

باب الباء
فَصْلُ الصَّحِيح المُتَفِقِ المَعْنَى:
بَتَكَ يَبْتُكُ وَيَبْتِكُ بَتْكاً: إِذَا قَطَعَ.
بَذَلَ الشَّيْءَ يَبْذُلُهُ وَيْبْذِلُهُ: إِذَا سَمَحَ بِهِ.
بَرَضَ لِي مِنْ مَالِهِ يَبْرُضُ وَيَبْرِضُ بَرْضاً أَيْ: أَعْطَانِي مِنْهُ شَيْئاً قَلِيلاً.
بَزَمَ عَلَيْهِ يَبْزُمُ وَيْبْزِمُ أَيْ: عَضَّ بِمَقُدَّمِ أَسْنَانِهِ، وَمِنْهُ الإِبْزِيمُ لِلْحَلَقَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي طَرَفِ الحِزَامِ.
بَطَشَ بِهِ يَبْطُشُ وَيَبْطِشُ بَطْشاً: إِذَا أَخَذَهُ بِعُنْفٍ وَسَطْوَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130]، وَلَمْ يُقْرَأْ فِي السَّبْعِ إِلاَّ بِالكَسْرِ، قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ} [الدخان: 16].

(1/89)


فصلٌ في الأجوف المتفق المعنى:
بَانَهُ يَبِينُهُ وَيَبُونُهُ: إِذَا طَالَهُ فِي الفَضْلِ والمَزِيَّةِ، وَيُقَالُ مِنْهُ: بَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَعِيدٌ، وَبُونٌ بَعِيدٌ، وبَيْنٌ بَعِيدٌ، وَالوَاوُ أَفْصَحُ، وَلاَ يُقَالُ فِي البُعْدِ إِلاَّ: بَيْنَهُمَا بَيْنٌ، لاَ غَيْرُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ} [الأنعام: 94] عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ، فَالمُرَادُ بِهِ الوَصْلُ، أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ، وَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، يُقَالُ: بَانَ: إِذَا بَعُدَ، وَبَانَ: إِذَا قَرُبَ؛ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ صَاحِبِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا:
وكُنَّا على بَيْن يؤلِّف شملَنا ... فأعْقبَه البين الذي شتَّتَ الشملا
فيا عجباً ضدان واللفظ واحد! ... فلله لفظ ما أمرَّ وما أحْلى!

(1/90)


وَمَنْ قَرَأَ: (بَيْنَكُمْ) بِالنَّصْبِ جَعَلَهُ ظَرْفاً، أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرِكَةِ بَيْنَكُمْ، كَمَا يُقَالُ: أَصْبَحْتُ بَيْنَكُمْ: أَيْ: فِيمَا بَيْنَكُمْ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: (بَيْنَ) تَخْرُجُ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَتُرْفَعُ وَتُنْصَبُ عَلَى المَفْعُولِ، وَتُخْفَضُ بِالإِضَافَةِ، فَرَفْعُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ} [الأنعام: 94]، وَنَصْبُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93]، وَخَفْضُهَا: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78].

(1/91)


وَيُقَالُ: بَانَ يَبِينُ: إِذَا أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاد: وَمِنْهُ: البَائِنُ الذِي يَحْلُبُ النَّاقَةَ مِنْ شِقِّهَا الأَيْمَنِ، فَيَدْخُلُ فِي بَابِ المُخْتَلِفِ مَعَ (بَانَهُ يَبُونُهُ): إِذَا طَالَهُ فِي الفَضْلِ.

(1/92)


فَصْلٌ فِي الأَجْوَفِ المُخْتَلِفِ:
بَاعَتِ الإِبِلُ تَبُوعُ: إِذَا مَدَّتْ بَاعَهَا فِي السَّيْرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
دَعَتْهُ بِغَيْرِ اسْمٍ هَلُمَّ إِلَى القِرَى ... فَأَسْرَى يَبُوعُ الأَرْضَ وَالنَّارُ تَزْهَرُ
وَمَعْنَى هَذَا البَيْتِ أَنَّهُ يَقُولُ: دَعَتْهُ النَّارُ بِغَيْرِ كَلاَمٍ، فَلَمْ تَقُلْ لَهُ يَا فُلاَنُ، وَكَانَ الأَوْلَى أَنْ تَقُولَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِغَيْرِ اسْمٍ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِغَيْرِ اسْمِهِ، لَجَازَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا دَعَتْهُ بِاسْمٍ آخَرَ غَيْرِ اسْمِهِ، وَهْيَ لَمْ تَدْعُهُ بِاسْمٍ أَصْلاً، لِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى دَعَتْهُ: أَنَّهُ رَآهَا فَقَصَدَهَا كَمَا يَقْصِدُهَا مَنْ تَسْتَدْعِيهِ بِاسْمِهِ، فَلِذَلِكِ نَكَّرَ الاسْمَ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ لِيَصِحَّ لَهُ هَذَا المَعْنَى فِيهِ، وَبَاعَ يَبِيعُ: مِنَ البَيْعِ.

(1/93)


فَصْلٌ في المُضَاعَفِ:
بَتَّ الشَّيْءَ يَبُتُّهُ وَيَبِتُّهُ: إِذَا قَطَعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صِيَامَ لِمَنْ لاَ يَبُتّ الصِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ"، أَيْ: لاَ يَعْزِمُ وَلاَ يَقْطَعُ بِالنّيَةِ. وَرَجُلٌ مُنْبَتٌّ أَيْ: مُنْقَطِعٌ، وَيُقَالُ مِنْهُ: بَتَّ وَأَبَتَّ، حَكَاهُ الفَرَّاءُ. وَالكَسْرُ فِي مُضَارِعِ (بَتَّ) شَاذٌّ، لأَنَّ بَابَ المُضَاعَفِ إِذَا كَانَ مُتَعَدِّياً جَاءَ المُضَارِعُ مِنْهُ بِالضَّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

(1/94)


فَصْلٌ فِي المعْتلّ المُتَّفِقِ:
بَقَيْتُ الشَّيْءَ أَبْقِيهِ وَأَبْقُوهُ: إِذَا تَرَكْتَ مِنْهُ بَقِيَّةً، وَاليَاءُ أَكْثَرُ. قَالَهُ ابْنُ جِني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.