الأصول في النحو

باب كسر ألف إن وفتحها
مدخل
...
باب كسر ألف إن وفتحها 1:
ألف إن تكسر في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والابتداء جميعًا, وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلًا داخلًا على جملة, وتلك الجملة مبتدأ وخبر, والجملة التي بعد "إنَّ" لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف, ألا ترى أنك تقول: إن عمرًا منطلق, فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول: عمرو منطلق, ويصلح أن يقع الفعل موقع المبتدأ, فتقول: انطلق عمرو, وهذه الجملة لا موضع لها من الإِعراب, لأنها غير مبنية على شيء. و"إنَّ" المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام/ 296 مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها2 ولا تدخل اللام في خبر "إن" إذا كانت
__________
1 الذي يجمع بين "إن وأن" هو العمل وحده، وذلك لو تتبعنا المواضع التي تفتح فيها الهمزة والتي تكسر لوجدناها تختلف اختلافا كليا. فإن ما بعد المكسورة كلام تام لفظا ومعنى، وهو يأتي لتحقيق مضمون الجملة بخلاف المفتوحة، لأن ما بعدها مفرد معنى، ولذلك تتعين المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها، قال سيبويه: وأما إن فهي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في "أن" كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء.
وانظر الكتاب 1/ 461، والسيرافي 4/ 18.
2 لا يجوز مع لام الابتداء إلا كسر "إن" لأن لها صدر الكلام، وإنما أخرت إلى موضع الخبر، لئلا يجمع بين حرفي تأكيد، وموضعهما واحد لما في ذلك من إيهام الفساد باختلاف المعنى وإن أحدهما أحق بالتقديم من الآخر فأخرت اللام إلى موضع الخبر ...
وانظر شرح الرماني 2/ 7.

(1/262)


"إن" محمولة على ما قبلها. واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك: قد علمت إن زيدًا لمنطلق, وأظن إن زيدًا لقائم, فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه. ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال, لا تقول: وعدتك إنك لخارج, إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل, ألا ترى أنك تقول: قد علمت أيهم في الدار, وكل موضع تقع فيه "إن" بمعنى اليمين وصلة القسم1 فهي مكسورة, فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى اليمين: أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك, وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم, قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} 2 / 297 "فإن" تدخل صلة "للذي", لأن صلة الذي لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر. فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضًا مكسورة, لأنك تحكي الكلام مبتدأ, والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول: قال عمرو: إن زيدًا خير منك.
قال سيبويه: كان عيسى يقرأ هذا الحرف: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} 3
__________
1 تكسر همزة "إن" في جواب القسم ليفصل بين القسم والمقسم عليه، لأن هذا موقع لا يصلح فيه إلا الكسر كما لا يصلح إذا تقدم كلام دخوله وخروجه واحد في أنه لا يجوز أن يعمل في "إن" لأنه موضع قطع عن الكلام الأول كقولك: قد تكلم الناس في أمور كثيرة إني لأعجب منها، فهذا موضع قطع عن الكلام الأول فهو بمنزلة: إني لأتعجب من أمور كثيرة قد تكلم الناس فيها ...
وانظر شرح الرماني 2/ 183.
2 القصص: 76. وانظر الكتاب 1/ 473. وقال الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} . "فإن" صلة "لما" وتكسر همزة "إن" الواقعة في بدء جملة الصلة.
3 القمر: 10.

(1/263)


أراد أن يحكي كما قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} 1 كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم2, فعلى هذا عندي قراءة: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} أي: دعا ربه فقال: إني مغلوب. وتكسر أيضًا بعد إلا في قولك: ما قدم علينا أمير إلا إنَّهُ مكرم لي, لأنه ليس هنا شيءٌ يعمل في "إن" ولا يجوز أن تكون عليه.
قال سيبويه: ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء3. قال الله تعالى/ 298: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 4, فإن زال ما بعد إلا عن الابتداء وبنيته على شيء فتحت تقول: ما غضبت عليك إلا أنك فاسق, كأنك قلت: إلا لأنك فاسق, وأما قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} 5. فإنما حمله على "منعهم" أي: ما منعهم إلا أنهم كفروا, فموضع: أنهم كفروا, رفع, أي: ما منعهم إلا كفرُهم, فلما صار لها موضع فتحت.
و"حتى":
تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في "إن" وذلك قولك: قد قاله القوم حتى إن زيدًا يقوله: وانطلق الناس حتى إن عمرًا لمنطلق. وأحال6 سيبويه أن تقع المفتوحة ههنا, وكذلك إذا قلت: مررت فإذا إنَّهُ
__________
1 الزمر: 3. وانظر الكتاب 1/ 471: كأنه قال والله أعلم: قالوا: ما نعبدهم، ويزعمون: أنها في قراءة ابن مسعود كذا. ومثل ذلك كثير في القرآن.
2 انظر الكتاب 1/ 471.
3 انظر الكتاب 1/ 472. وشرح الرماني 2/ 184.
4 الفرقان: 20. وفي الكتاب 1/ 472، ودخول اللام ههنا يدلك على أنه موضع ابتداء.
5 التوبة: 54.
6 قال سيبويه: ولو أردت أن تقول: حتى إن في هذا الموضع, أي: موضع الابتداء كنت محيلا، لأن أن وصلتها بمنزلة الانطلاق.
الكتاب 1/ 471، وشرح الرماني 2/ 184.

(1/264)


يقول ذاك, قال: وسمعت رجلًا من العرب ينشد هذا البيت1 كما أخبرتك به:
وكُنْتُ أُرى زيدًا -كَما قِيلَ- سِيدًا ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللُّهَازمِ
وإذا/ 299 ذكرت "إن" بعد واو الوقت كسرت, لأنه موضع ابتداء نحو قولك: رأيته شابا وإنه يومئذ يفخر.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 471. على جواز فتح همزة أن وكسرها بعد إذا فالكسر على نية وقوع المبتدأ والخبر بعد إذا، فالتقدير إذا هو عبد القفا، والفتح على تأويل المصدر: فإذا العبودية حاصلة ... والمعنى: كنت أظن زيدا سيدا شريفا كما قيل فيه، فظهر أنه لئيم. ومعنى قوله: عبد القفا واللهازم، أي: إذا نظرت إلى قفاه ولهازمه تبينت عبوديته ولؤمه، لأن القفا موضع الصفع واللهزمة موضع اللكز، وهي بضيعة في أصل الحنك الأسفل.
وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها.
وانظر المقتضب 2/ 351، وشرح الرماني 2/ 183، والخصائص 2/ 269، وابن يعيش 8/ 61.

(1/265)


ذكر أن المفتوحة:
أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام: شأنًا وقصة وحديثًا, ألا ترى أنك إذا قلت: علمت أنك منطلق, فإنما هو: علمت انطلاقك, فكأنك قلت: علمت الحديث, ويقول القائل: ما الخبر؟ فيقول المجيب: الخبر أن الأمير قادم.
فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها, لا تريد بها الابتداء, تقول: بلغني أنك منطلق, "فأن" في موضع اسم مرفوع, كأنك قلت: بلغني انطلاقك, وتقول: قد عرفت أنك قادم, "فأن" في موضع اسم منصوب, كأنك قلت: عرفت قدومك, وتقول: جئتك لأنك1 كريم/ 300 "فأن" في موضع اسم مخفوض, كأنك قلت:
__________
1 وهذا الموقع الذي يدخل فيه حرف الجر على "أن".

(1/265)


جئت لكرمك, و"أن" إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل. وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الاسم, والفعل لا يعمل في الفعل, فلذلك لا يعمل الفعل في "إن" المكسورة, ويعمل في "أن" المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر, والمصدر اسم.
قال سيبويه: يقبح أن تقول: أنك منطلق بلغني, أو عرفت1. وإنما استقبح ذلك -وإن أردت تقديم الفعل لامتناعهم- من الابتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة "أَنْ" الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر. وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه, فلا يجوز أن يتصرف تصرف "أن" الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها. فأما "أَنْ" الخفيفة التي تنصب الفعل, فإنها يبتدأ بها, لأن الفعل صلة لها, وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل, ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و"أَنَّ" الشديدة ليست كذلك, لأنه/ 301 لا يليها إلا الاسم, وهي بعد للتأكيد, كما إن "إن" المكسورة للتأكيد, تقول: إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز: أنْ زيد قائم خير لك, قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} 2, وتقول: ليت أن زيدًا منطلق, فأصل هذا الابتداء والخبر, فينوب عن خبر "ليت" ولا يجوز: أن يقوم زيد, حتى يأتي بخبر, وأنت مع "أن" تلفظ بالفعل ومع "أن" المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل, نحو قولك: قد علمت أن زيدًا أخوك, والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة لا تقع فيها "إن" المكسورة, فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد, فاعلم: أن المعنى والتأويل مختلف. وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها, نحو: جئتك أنك, تريد
__________
1 الكتاب 1/ 463. ونص الكتاب: ألا ترى أنه قبيح أن تقول: إنك منطلق بلغني أو عرفت، لأن الكلام بعد أن وإن غير مستغن كما أن المبتدأ غير مستغن، وإنما كرهوا ابتداء "أن" يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها "إن" ولئلا يشبهوها بأن الخفيفة، لأن أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إن وأن.
2 البقرة: 184.

(1/266)


الخير1, ويقول الرجل للرجل: لم فعلتَ ذلك؟ فيقول: لم2 أنه ظريف, تريد: لأنه.
قال سيبويه: سألت الخليل3 عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 4 / 302 فقال: إنما هو على حذف اللام5, وقال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين} 6: إنما أراد: بأني, وإذا عطفت "إن" على أن, وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحتَ المعطوفَ أيضًا, إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف, وتأتي بجملة نحو قولك: قد عرفتُ أنه ذاهب, ثم إنه معجل فتحت الثانية لأن "عرفت" قد عمل فيها, وتقول قد عرفتُ أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل, لأنك ابتدأت "بأني". وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت, كما أخبرتك وتقع بعد "لو" مفتوحة فتقول: لو أنك في الدار لجئتك.
قال سيبويه: "فأن" مبنية على "لو" كما كانت مبنية على "لولا" تقول:
__________
1 أي: لأنك تريد الخبر.
2 في الأصل "لما". وانظر الكتاب 1/ 463.
3 انظر الكتاب 1/ 464.
4 المؤمنون: 52. قال شعيب: الآية في الأصل: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وكذلك جاءت في نسختين خطيتين من أصول سيبويه كما ذكر عبد السلام هارون، والصواب: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} كما أثبتنا، وهي الآية 52 من سورة المؤمنين، فإنها هي التي اختلف فيها القراء فبعضهم قرأ بكسر همزة إن وبعضهم قرأ بفتحها بخلاف الآية في سورة الأنبياء "92" فإنهم اتفقوا على قراءتها بكسر الهمزة. وفي البحر المحيط 6/ 408-409: قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف والحرميان وأبو عمرو بالفتح والتشديد، أي: ولأن وابن عامر بالفتح والتخفيف. وانظر النشر 2/ 327، والإتحاف/ 319.
5 انظر الكتاب 1/ 464، وفي المقتضب 2/ 247: وزعم قوم من النحويين: أن موضع إن خفض في هذه الآية وما أشبهها. وأن اللام مضمرة وليس هذا بشيء.
6 هود: 25، قال شعيب: قرأ ابن كثير وأبو عمرو، والكسائي: "أنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ" بفتح الألف، وقرأ الباقون بالكسر، "حجة القراءات" ص337.

(1/267)


لولا أني منطلق لفعلت, "فأن" مبنية على "لولا" كما تبنى عليها الأسماء, وقال في لو: كأنك قلت: لو ذاك, وهذا تمثيل, وإن كانوا لا يبنون على "لو", غير أن كما كان "تسلم" في قولك بذي تسلم في1 / 303 موضع اسم.
قال أبو العباس -رحمه الله: إن "لو" إنما تجيء على هيئة الجزاء, فإذا قلت: لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب, لأن معناها: إن الزيارة امتنعت لامتناع الكرامة فلا بد من الجواب, لأنه علة الامتناع2 و"إن" المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء, لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و"أن" المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين: أحدهما أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه. فإن قال قائل إذا قلت: لو أنك جئتني لأكرمتك فلِمَ لا تقول: لو مجيئك لأكرمتك, قيل له: لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة "أن" والمصدر ليس كذلك, ألا ترى أنك تقول: ظننت أنك منطلق فتعديه إلى "أن" وهي وصلتها اسم واحد؛ لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين. وغيرهما من الأسماء/ 304 لا بد معه من مفعول ثان. والوجه الآخر أن الأسماء تقع بعد "لو" على تقديم الفعل الذي بعدها, فقد وليتها على حال وإن كان ذلك من أجل ما بعدها, فلذلك وليتها "أن", لأنها اسم وامتنعت المكسورة, لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد, والحروف لا تلي "لو" فمما وليها من الأسماء قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} 3. وقال جرير:
لَوْ غَيْرُكُم عَلقَ الزُّبيرُ بِحبْلِه ... أدى الجِوَارَ إلى بني العَوَّامِ4
__________
1 انظر الكتاب 1/ 462.
2 انظر المقتضب 3/ 76.
3 الإسراء: 100 وتكملة الآية: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} .
4 الشاهد فيه: أن "لو" لا يليها إلا الفعل ظاهرا، وأما إن وليها مضمر فذلك خاص بالشعر كالبيت، والأصل: لو علق بغيركم فالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده، لأنه لفعل. وكذلك كل شيء للفعل. نحو: الاستفهام والأمر والنهي. والخطاب في البيت للفرزدق وقومه، يعيرهم بقتل ابن جرموز للزبير في جوارهم. قال المبرد: "فغيركم" يختار فيها النصب، لأن سببها في موضع نصب. وانظر المقتضب 3/ 78، والكامل/ 185، والكافية للرضي 2/ 325، والمغني 1/ 296، والديوان 553.

(1/268)


وفي المثل: لو ذات سوارٍ لطمتني1.. وكذلك: لو أنك جئت, أي: لو وقع مجيئك, لأن المعنى عليه, قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- عن قول العرب: ما رأيته مذ أنّ الله خلقني. فقال: إن في موضع اسم كأنك قلت: مذ ذاك2, فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره, لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى وذلك نحو قوله/ 305 تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} 3 أي: ولأن المساجد, وإنما جاز ذلك لأن اللام مقدرة قبل "أن" وهي العاملة في "أن" لا الفعل, وكل موضع تقع فيه "أن" تقع فيه "إنما" وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ولا تكون هي عاملة فيما بعدها, كما لا يكون الذي عاملًا فيما بعده, فمن ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
__________
1 معناه: لو ظلمني من كان كفؤا لها عليّ، ولكن ظلمني من هو دوني، وقيل: أراد: لو لطمتني حرة فجعل السوار علامة للحرة، ولأن العرب قلما تلبس الإماء السوار. وفي حاشية الأمير على المغني 1/ 212. أصله لحاتم الطائي أسر في حي من العرب، فقالت له امرأة رب المنزل: أقصد ناقة، وكان من عادة العرب أكل دم الفصاد في المجاعة فنحرها، وقال: هذا فصدي. فطلمته جارية فقال ذلك ... وانظر مقدمة ديوان حاتم/ 26، ومجمع الأمثال 2/ 174، قال المبرد والصحيح من روايتهم: لو غير ذات سوار لطمتني، وفيه خبر لحاتم، وانظر المقتضب 3/ 77، وفي الكامل/ 185: لو ذات سوار لطمتني كرواية ابن السراج.
2 أجاز الأخفش الكسر ومنعه بعضهم، لأن الجملة بعدها بتأويل مصدر. أما سيبويه وابن السراج فقد جوزا الفتح ساكتين عن إجازته وامتناعه، ولم يقل أحد بتعيين الكسر وامتناع الفتح.
وانظر الكتاب 1/ 462، وشرح السيرافي 3/ 138 ورقة.
3 الجن: 18، وانظر الكتاب 1/ 464.

(1/269)


وَاحِدٌ} 1, فلو قلت: يوحي إليّ أن إلهكم إله واحد, كان حسنًا, فأما إنما مكسورة فلا تكون اسمًا وإنما هي -فيما زعم الخليل: بمنزلة فعل ملغى, مثل: أشهد لزيد خير منك2. والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه "أن" لا تكون "إنما" إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك: وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت: وجدتك أنك صاحب كل خنيِّ لم يجز.
"وإنما وأن" يُصيّران الكلام: شأنًا وقصةً وحديثًا, ولا يكون الحديث الرجل/ 306 ولا زيدًا ولا ما أشبه ذلك من الأسماء. ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثًا وقصةً, تقول: بلغتني قصتك أنك فاعل, وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك: "أنهم منطلقون" هو الحديث. وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لاشتمال المعنى عليه نحو قوله عز وجل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} 3. "فأن" مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها, كأنك قلت: وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم, وهذا يَتَّضِح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله.
__________
1 الأنبياء: 108.
2 انظر الكتاب 1/ 466.
3 الأنفال: 7.

(1/270)


ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن: المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف.
تقول: إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق. فتفتح وتكسر, قال سيبويه: وسألت الخليل عن ذاك فقال: إذا فتحت فإنك تجعله كقولك: حقا أنه منطلق, وإذا كسرت فكأنه قال: إلا/ 307 أنه ذاهب. وتقول: أمَا والله إنه ذاهب, كأنك قلت: قد علمت والله إنه ذاهب. وأمَا والله أنه ذاهب, كقولك: إلا أنه والله ذاهب. قال: وسألته عن قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ

(1/270)


أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} 1, ما يمنعه أن يكون كقولك: ما يدريك أنه يفعل, فقال: لا يحسن ذا في هذا الموضع, إنما قال: وما يشعركم, ثم ابتدأ فأوجب, فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال: ولو كان: "وما يشعركم أنها" كان ذلك عذرًا لهم, وأهل المدينة يقرءون: أنَّها, فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: إئت السوق أنك تشتري لنا شيئًا, أي: لعلك. فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وتقول: إن لك هذا على وأنك لا تؤذي, فكأنه قال: وإن لك أنك لا تؤذي, وإن شاء ابتدأ2. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 3. وتقول: / 308 إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم, أي: إني نَجْدٌ إذا ابتدأت, كما تقول: أنا نَجْدٌ وإذا شئت قلت, أي: أني نَجْدٌ. كأنك قلت: أي: لأني نَجْدٌ. وتقول: ذاك وإن لك عندي ما أحببت4, قال الله تعالى: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} 5. كأنه قال: يعني الأمر ذلك, وإن لك. قال سيبويه: ولو جاءت مبتدأة لجاز.
قال: وسألت الخليل عن قوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 6. فقال: إنما هو على حذف اللام قال: ولو قرأها قارئ:
__________
1 الأنعام: 109، وانظر الكتاب 100/ 462.
2 انظر الكتاب 1/ 462-463.
3 طه: 118-119 في سيبويه 1/ 463. وقد قرئ هذا الحرف على وجهين: قال بعضهم: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} وقال بعضهم: {وإِنَّكَ} . القراءتان بفتح همزة "إنك" وكسرها سبعيتان، الفتح بالعطف على: "ألا تجوع" والكسر بالعطف على جملة أن الأولى أو على الاستئناف. انظر النشر 2/ 322، الكشاف 2/ 449، البحر المحيط 6/ 284.
4 انظر الكتاب 1/ 463.
5 الأنفال: 14.
6 المؤمنون: 52، فاعبدون والصواب ما أثبتناه، انظر ص324 ق4 والآية من سورة المؤمنين "52".

(1/271)


"وإِنَّ" كان جيدًا1. وتقول: لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك, وإن شئت قلت: أنَّ الحمد, قال ابن الأطنابة:
أَبْلِغِ الحارِثَ بنَ ظَالم المو ... عِدِ والناذرَ النذورِ عليّا
إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا تقتُل ... يقظانَ ذا سلاحٍ كميا2
وإن شئتَ قلت: إنما تقتل النيامَ على الابتداء زعم ذلك3 الخليل.
وقال الخليل4 / 309: في قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} 5, قال: ولو قال: فإن كانت عربية جيدة6. وتقول: أول ما أقول أني أحمد الله, كأنك قلت: أول ما أقول الحمدُ لله. و"إن" في موضعه فإن أردت أن تحكي قلت: أول ما أقول: إني أحمد الله, وتقول: مررت فإذا إنه عبد, وإذا أنه عبد, تريد: مررت فإذا العبودية به واللؤم,
__________
1 قرأ الكوفيون بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف. انظر البحر المحيط 6/ 409.
2 من شواهد الكتاب 1/ 465-466 على فتح همزة "إن" حملا على "أبلغ" وجريها مجرى "أن" لأن ما فيها صلة فلا تغيرها عن جواز الفتح والكسر.
يقول هذا للحارث بن ظالم المري، وكان قد توعده بالقتل ونذر دمه إن ظفر به، وإنما قال: تقتل النيام لأنه قتل خالد بن جعفر بن كلاب غيلة وهو نائم في قبته، ولما سمع الحارث هذا أقبل في سلاحه واستصرخ عمرو بن الأطنابة، فلما بعد عن الحي قال له: ألست يقظان ذا سلاح، قال: أجل، قال: فإني الحارث بن ظالم فاستخذي له، ومنّ عليه الحارث بن ظالم وخلى سبيله. والكمي: الشجاع. وانظر شرح السيرافي 4/ 23، والاشتقاق 2/ 453، والمفصل للزمخشري/ 465، وابن يعيش 8/ 56.
3 أضفت كلمة "ذلك" لأن المعنى يقتضيها.
4 انظر الكتاب 1/ 466.
5 التوبة: 63.
والقراءة بكسر الهمزة من "فأن" من الشواذ، انظر البحر 5/ 65، وانظر الكتاب 1/ 467.
6 انظر: الكتاب 1/ 467.
والكسر على جعلها مبتدأة بعد الفاء، لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء.

(1/272)


وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق, كأنه قال: حتى حمقكم, وهذا قول الخليل1.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 473.

(1/273)


مسائل في فتح ألف "أن" وكسرها:
تقول: قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط, ويجوز أن تكسر, تريد معنى الفاء وتقول: أحقا أنك ذاهب والحق أنك ذاهب, وأكبر1 ظنك أنك ذاهب, وأجهد رأيك أنك ذاهب, وكذلك هما إذا كانا خبرًا غير استفهام, حملوه على: أفي حق أنك ذاهب, قال العبدي2 / 310:
أَحَقًَّا أن جِيرَتَنا استَقَلُّوا ... فنِيَّتُنا ونِيَّتُهُم فَرِيقٌ3
قال: فريق ولم يقل فريقان, كما يقال للجماعة: هم صديق. وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} 4 ولم يقل: قعيدان, والرفع في
__________
1 في الكتاب 1/ 468: وكذلك: أأكبر ظنك.
2 انظر: الكتاب 1/ 468.
3 من شواهد سيبويه 1/ 468، على أن "حقا" منصوب على الظرفية ولذا تفتح بعدها همزة "إن".
ويروى: ألم تر أن جيرتنا.. ولا شاهد فيه حينئذ. والمعنى: أحقا أنهم ارتحلوا، فإن وجهتنا ووجهتهم مفترقان. ومعنى استقلوا: نهضوا مرتفعين مرتحلين، والنية: الجهة التي ينوونها، والفريق: يقع للواحد والمذكر وغيره: كصديق، والبيت نسبه المصنف للعبدي، وقد نسب إلى المفضل السكري من عبد القيس واسمه عياض بن معشر بن سمي.
وانظر: المغني 1/ 56، تحقيق د. مازن المبارك، والهمع 2/ 71، والتصريح 1/ 221، والأشموني 1/ 484، وابن سلام/ 233، والدرر اللوامع 2/ 87، والعيني 2/ 235، ونسبه إلى رجل من عبد القيس.
4 سورة ق: 17.

(1/273)


جميع هذا قويّ, إن شئت قلت: أحق أنك ذاهب, وأكبر ظني أنك ذاهب, تجعل الآخر هو الأول.
قال أبو العباس: سألت أبا عثمان1 لِمَ لا تقول: يوم الجمعة أنك منطلق قال: هذا يجيزه قوم -وهم قليل- على التقديم والتأخير, يجيزون: أنك منطلق يوم الجمعة, وإنما كان الوجه: يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون: في يوم الجمعة انطلاقك قلت: فلِمَ أجازوا: أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال: لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب "يومَ الجمعة" بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال: مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك: زيد في الدار "اليوم" نصبت اليوم بمعنى الاستقرار في قولك: في الدار, قلت: أتجيز كيف إنك صانع على قولك: كيف أنت صانع؟ قال: من أجازه/ 311 في يوم الجمعة أجازه ههنا.
قال أبو العباس: لا يجوز هذا في "كيف" لأن كيف لا ناصب لها قال: قال أبو عثمان: قرأ سعيد بن جبير: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 2, ففتح إن وجعل اللام زائدة, كما زيدت في قوله: أُم الحُلَيسِ لعجوزٌ شهربهْ3 ...
__________
1 هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني أستاذ المبرد، عالما بالنحو متسعا في الرواية. مات سنة: 249هـ، وقيل: سنة "236هـ" ترجمته في أخبار النحويين/ 57، وفهرست ابن النديم/ 67، وتاريخ بغداد 7/ 93، ووفيات الأعيان 1/ 254، وطبقات النحويين للزبيدي/ 92، ونزهة الألباء/ 124، ومعجم الأدباء 7/ 107، وإنباه الرواة 1/ 246.
2 الفرقان: 20 وانظر الخزانة 4/ 328، وقال ابن السراج في الأصول: قال أبو عثمان: وقرأ سعيد ابن جبير: {إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} فتح "إن" وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله: أم الحليس لعجوز شهربه.
3 الشاهد فيه زيادة اللام في "لعجوز" على توهم "إن" لكثرة دخولها على المبتدأ.
والحليس: بضم الحاء وفتح اللام -وهو تصغير "حلس" بكسر الحاء وسكون اللام- وهو كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وأصل هذه كنية الأتان، شهربه: العجوز لكبير الطاعنة في السن وأراد من رضاها بعظم الرقبة بدل اللحم أنها خرفت فهي لا تميز بين الحسن والقبيح، وذلك لأن لحم الرقبة مرذول مستقذر عندهم. ونسب هذا الشاهد لرؤبة بن العجاج، وانظر الاشتقاق/ 544، ابن يعيش 3/ 130، واللسان 1/ 492، مادة "حلس".

(1/274)


وتقول: قد علمت أن زيدًا لينطلقن, فتفتح لأن هذه لام القسم وليست لام "إن" التي في قولك: قد علمت إن زيدًا ليقوم لأن هذه لام الابتداء, والأولى لام اليمين فليست من "إن" في شيء.
قال أبو عثمان: في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 1 إن "مِثْلَ" و"ما" جُعِلا اسمًا واحدًا مثل: خمسة عشر وإن كانت ما زائدة, وأنشد:
وتَدَاعى مَنخرَاهُ بِدَم ... مثلَ ما أثمرَ حُماضُ الجبَل2
قال سيبويه والنحويون يقولون: إنما بناه -يعني مثل- لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله: إنكم وإن شاء أعربَ "مثلًا" لأنها كانت معربة قبل الإِضافة فترفع فتقول: مثل ما أنكم كما تقول في "يومئذ" من النباء والإِعراب/ 312 فتعربه كما كان قبل الإِضافة ويبينه. لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهمًا. فإنما حصر بالثاني. وكذلك:
__________
1 الذاريات: 23. قرأ حمزة والكسائي "مثل" بالرفع على الصفة "لحق" والباقون على النصب. انظر ابن يعيش 8/ 135، والكتاب 1/ 270.
2 لم أعثر على قائل هذا البيت، قال ابن يعيش: أنشد أبو عثمان البيت: وتداعى منخراه ... قال: أبو عثمان: سيبويه والنحويون يقولون: إنما بني "مثل" لأنه أضيف إلى غير معرب، وهو: أنكم. وقال أبو عمر الجرمي: هو حال من النكرة وهو "حق" والمذهب الأول وهو رأي سيبويه، وما ذهب إليه الجرمي صحيح، إلا أنه لا ينفك من ضعف لأن الحال من النكرة ضعيف، وفي اللسان: وأنشد ابن بري: فتداعى منخراه ... والحماض: بقلة برية تنبت أيام الربيع في مسائل الماء ولها ثمرة حمراء وهي من ذكور البقول. وانظر ابن يعيش 8/ 135، واللسان "حمض" وأمالي ابن الشجري 2/ 266.

(1/275)


عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبا1
وكذلك:
لم يَمْنَعِ الشّربَ منها غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ2
وكل المبهمات كذلك, ولا يدخل في هذا: ضربني غلام خمسة عشر رجلًا لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك, وأبو عمرو يختار أن يكون نصب: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} على أنه حال للنكرة "لحقٌ" ولا اختلاف في جوازه على ما قال. وتقول: إن زيدًا إنه منطلق,
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 269. على إضافة "حين" إلى الفعل وبناؤها معه على الفتح، وإعرابها على الأصل جائز.
وهذا صدر بيت للنابغة الذبياني، وعجزه:
وقلت ألما أصح والشيب وازع
والوازع: الناهي. وأوقع الفعل على المشيب اتساعا. وصف أنه بكى على الديار في حين مشيبه ومعاتبته لنفسه على صباه وطربه.
وانظر معاني القرآن 1/ 327، والكامل/ 105، وشرح السيرافي 1/ 48، والجمهرة 3/ 492، وأمالي ابن الشجري 2/ 264، والارتشاف/ 278، وابن يعيش 8/ 136، والديوان 110.
2 من شواهد سيبويه 1/ 69 على بناء "غير" على الفتح لإضافتها إلى غير متمكن وإن كانت في موضع رفع وذلك إن "أن" حرف توصل بالفعل، وإنما تأولت اسما مع ما بعدها من صلتها لأنها دلت على المصدر ونابت منابه في المعنى، فلما أضفت "غير" إليها مع لزومها للإضافة بنيت معها، وإعرابها على الأصل جائز.
والأوقال: الأعالي، ومنه التوقل في الجبل وهو الصعود فيه. والمعنى: لم يمنع الناقة من الشرب إلا سماعها صوت حمامة على أغصان ذات ثمرات.
والبيت لرجل من كنانة، وقيل: لأبي قيس بن الأسلت -صفي بن عامر- وينسب للشماخ معقل بن ضرار وليس موجودا في ديوانه. وانظر معاني القرآن 1/ 383، وشرح السيرافي 3/ 116، والمفصل للزمخشري/ 125، وأمالي الشجري 1/ 46، والارتشاف/ 228، والإنصاف/ 130، وابن يعيش 8/ 134، والمغني 1/ 171، والعيني 1/ 233.

(1/276)


كأنك قلت: إن زيدًا هو منطلق. والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1, وقال عبد الله بن وهب الفزاري الأسدي جاهلي/ 313:
زَعَمَتْ هُنَيْدَةُ أنها صَرَمَتْ ... حَبْلي وَوَصْلُ الغَانِيَاتِ غُرُورُ
إني وحالِك إنَّني لمشيّعٌ ... صُلْبُ القَناةِ بصرحكن جَدَير
قال سيبويه2: وسألته -يعني الخليل- عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة: حقا أنك ذاهب؟ فقال: هذا بمنزلة حقا إنك ذاهب كما تقول: أما إنك ذاهب بمنزلة: حقا إنك وكما كانت "لو" بمنزلة "لولا" ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى "إن" نحو: لو أنك ذاهب ولولا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة "لولا" وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها, وإن شئت جعلت: شد ما كنِعْمَ ما كأنك قلت: نعم العملُ أنك تقول الحق قال: وسألته عن قوله. كما أنَّه لا يعلم ذلك فتجاوزَ الله عنه, وذلك حق كما أنك ههنا فزعم أنَّ العاملة في "أنَّ" الكاف وما لغوٌ, إلا أن "ما" لا تحذف من ههنا3 كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ "كأن" التي للتشبيه كما ألزموا النون "لأفعلن" واللام في قولهم: إن كان ليفعل: كراهية أن يلتبس اللفظان, ويدلك4 على/ 314 أن الكاف هي5 العاملة قولهم: هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا "أن" وبعض العرب يرفع "مثل" حدثنا به يونس6 فما أيضًا لَغْو لأنك تقول:
__________
1 النحل: 119.
2 لم أعثر لهما على مرجع نحوي أو لغوي.
3 انظر الكتاب 1/ 470.
4 انظر الكتاب 1/ 470.
5 أضفت كلمة "هي".
6 انظر الكتاب 1/ 470.

(1/277)


مثل ما أنك ههنا, ولو جاءت "ما" مسقطة من الكاف في الشعر جاز. قال النابغة الجعدي:
قُرُومٌ تَسَامَى عِنْدَ بَابِ دِفَاعِه ... كَأَنْ يُؤْخَذَ المرءُ الكريمُ فيقتلا1
يريد: كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان: أنا لا أنشده إلا "كأن" يؤخذ المرء. فأَنصُب يؤخذ لأنها "أن" التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه "يقتل" فنصبه لذلك.
قال سيبويه: سألته -يعني الخليل- هل يجوز: إنه لحق كما أنك ههنا على حد قولك: كما أنت ههنا؟ فقال: لا, لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع, ألا ترى أنك لا تقول: يوم الجمعة أنك ذاهب ولا: كيف أنك صانع "فكما" بتلك المنزلة2 قال: وسألتُ الخليل عن قوله: أحقا أنه لذاهب فقال: لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب3 / 315. وقال: يجوز في الشعر: أشهد أَنهُ ذاهب, يشبهه بقوله والله أنه ذاهب4, لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال: أشهد أَنتَ ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام, ومثل ذلك في الضعف: علمت أن
__________
1 من شواهد الكتاب جـ1/ 470، حذف "ما" ضرورة من قوله "كأن" يؤخذ، والتقدير عنده كما أنه يؤخذ. وقد خولف في هذا التقدير، وجعلت أن الناصبة للفعل، ونصب يؤخذ بعدها، واستدل صاحب هذا القول على ذلك بقوله. فيقتلا بالنصب، وجعلت الكاف جارة لأن على تقدير: دفاعه كأخذ المرء وقتله، قال الأعلم وكلا القولين منهما خارج. والآخر منهما أقرب وأسهل. القروم: السادة وأصل القرم الفحل من الإبل.
ومعنى. تسامى، يفخر بعضهم على بعض ويسمو بنسبه وعشيرته.
وانظر: الأشباه والنظائر 2/ 300 والرواية "قروم تسامى عند باب رفاعة".
2 الكتاب 1/ 472.
3 الكتاب 1/ 474.
4 في الكتاب 1/ 474 وقد يجوز في الشعر: أشهد أن زيدا ذاهب، يشبهها بقوله: والله أنه لذاهب "أدخل اللام على ذاهب".

(1/278)


زيدًا ذاهب, كما أنه ضعيف: قد علمت عمرو خير منك, ولكنه على إرادة اللام, كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 1 ... وهو على اليمين, وكان في هذا حسن حين طال الكلام, يعني أن التأويل: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} 2, لقد أفلح.
قال أبو العباس -رحمه الله: والبغداديون يقولون: والله إن زيدًا منطلق, فيفتحون "إن" وهو عندي القياس لأنه قسم فكأنه قال: أحلف بالله على ذاك, أشهد أنك منطلق. قال: والقول عندي في قوله تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} 3 -والله أعلم- أن "لا" زائدة للتوكيد, وجرم فعل ماض فكأنه قال -والله أعلم: جرم أن لهم النار وزيادة "لا" في/ 316 هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} 4 وإنما تقول: لا يستوي عبد الله وزيد, وكقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} 5 ونحوه من الفواتح.
__________
1 الشمس: 9، في إعراب ثلاثين سورة/ 100، وقد أفلح، ههنا لام مضمرة هي جواب القسم. والأصل: لقد أفلح. وانظر التبيان لابن القيم/ 18.
2 الشمس: 1.
3 النحل: 62، في سيبويه جـ1/ 469، وأما قوله عز وجل: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} ، فإن جرم عملت فيها لأنها فعل ومعناها: لقد حق عليهم أن لهم النار، لقد استحق أن لهم النار.
وقول المفسرين: معناها: حقا أن لهم النار يدلك على أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت. فجرم قد عملت في أن سيبويه وابن السراج على أن فتح همزة أن واجب بعد "لا جرم" وهو ما جاء في القرآن الكريم في الآيات الخمس في القراءات السبعية وغيرها يجيز كسر الهمزة بعد "لا جرم" وقد قرئ في الشواذ بالكسر في قوله: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون: شواذ ابن خالويه/ 72، البحر المحيط جـ5/ 484، 506.
4 فصلت: 34.
5 البلد: 1.

(1/279)


وتقول: أما جهد رأيي فإنك راحل, وأما يوم الجمعة فإنك سائر, لأن معنى "أما" مهما يكن1 من شيء فإنك سائر يوم الجمعة, فما بعد الفاء يقع مبتدأ, ألا ترى أنك تقول: أما زيدًا فضربت, على التقديم, لأن المعنى: مهما يكن من2 شيء فزيدًا ضربت. وفضربت.
قال أبو العباس: فيلزم سيبويه أن يقول على هذا: أما زيدًا فإنك ضارب3.
قال سيبويه وإذا قلت: أما حقا فإنك قائم وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف, لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفًا إذا كانت "أما" إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير: مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقا4, وفيما قال نظر/ 317 وشغب: ولا يجوز عندي على هذا أن يقول: أما هندًا فإن عمرًا ضارب لأن تقدير الاسم الذي يلي "أما" أن يلي الفاء ملاصقًا لهما. فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي "أما" وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي "أما" فلا يجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن هندًا عمرًا ضارب فتنصب هندًا بضارب ويجوز أن تقول: مهما يكن من شيء فإن أكبر ظني عمرًا ذاهب فيكون: أكبر ظني ظرفًا "لذاهب" وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد "أن" في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك: أما حقا فإنك قائم: أن تعمل معنى "أما" في "حقا" كأنك قلت: مهما يكن من شيء حقا فإنك قائم وأحسبه قول/ 318 المازني.
__________
1 في الأصل "في".
2 في الأصل "في".
3 انظر: المقتضب 2/ 354-355.
4 انظر: الكتاب 1/ 468-469.

(1/280)


وتقول: أيقول: إنَّ عمرًا منطلق, إذا أردت معنى: أتظن, كأنك قلت: أتظن أن عمرًا منطلق, فإن أردت الحكاية قلت: أتقول: إنَّ, وتقول: ظننت زيدًا أنه منطلق, لأن المعنى: ظننت زيدًا هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح؛ لأنه يصير معناه: ظننت زيدًا الانطلاق ولو قلت: ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت: ظننت أمرك الانطلاق, والأخفش يقول: إذا حسن في موضع "إن" وما عملت فيه "ذاك" فافتحها نحو قولك: بلغني أنه ظريف لأنك تقول: بلغني ذاك قال: وما لم يحسن فيه "ذاك" فاكسرها قال: وتقول: أما أنه منطلق؛ لأنه لا يحسن ههنا أما ذاك, ثم أجازه بعد على معنى: حقا أنه منطلق وقال: لأن أما في المعنى: "حقا", لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقا فجعلها ظرفًا قال: وقد قال ناس: حقا إنك ذاهب على قولهم: إنك/ 319 منطلق حقا فتنصب "حقا" على المصدر كأنه قال: أحِقُّ ذاك حقا قال: وهذا قبيح وهو من كلام العرب.

(1/281)