الأصول في النحو

باب الأسماء المخفوضة في القسم
مدخل
...
باب الأسماء المخفوضة في القسم:
أدوات القسم والمقسم به خمس: الواو والباء والتاء واللام ومن, فأكثرها الواو ثم الباء وهما يدخلان على محلوف, تقول: والله/ 512 لأفعلن وبالله لأفعلن فالأصل الباء كما ذكرت لك, ألا ترى أنك إذا كنيت عن المقسم به رجعت إلى الأصل فقلت: به آتيكَ ولا يجوزوه لا آتيكَ, ثم التاء وذلك قولك: تالله لأفعلن, ولا تقال مع غير الله, قال الله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 1, وقد تقول: تالله وفيها معنى التعجب, وبعض العربِ يقول في هذا المعنى فتجيء باللامِ ولا يجيء إلا أن يكون فيه معنى التعجب, وقال أُمية بن عائِذ:
للِه يَبْقَى عَلَى اَلأيَّامِ ذُو حَيَدٍ ... بِمُشْمَخِرٍ بهِ الظيَّانُ والآسُ2
يريد والله: لا يبقى, إلا أن هذا مستعمل في حال تعجب. وقد
__________
1 الأنبياء: 57
2 من شواهد سيبويه 2/ 144، على دخول اللام على اسم "الله" في القسم بمعنى التعجب. والحيد -بفتح الحاء- مصدر: وهو إعوجاج يكون في قرن الوعل. ويروى -بكسر الحاء- وفسر بأنه جمع حيدة وهي العقدة في قرن الوعل. وقيل: هو مصدر حاد يحيد حيدا بالسكون فحركه للضرورة، ومعناه الروغان. وروي: ذو جيد بالجيم، وهو جناح مائل من الجبل، وقيل: يريد به الظبي. والمشمخر: الجبل الشامخ العالي، والباء بمعنى "في" والظيان: ياسمين البر. والآس: نقط من العسل يقع من النحل على الحجارة. لا النافية حذفت من "يبقى" وهو حذف قياس، لأن المضارع وقع جوابا للقسم، ونسبه غير سيبويه وابن السراج إلى مالك بن خالد الخزاعي. ولعبد مناة الهذلي، ولأبي زبيد الطائي.
وانظر: المقتضب 2/ 324، وابن يعيش 9/ 98، والمفصل للزمخشري/ 345، وأمالي الشجري 1/ 369، والخزانة 2/ 361، والمخصص لابن سيده 13/ 111، وديوان الهذليين 3/ 2، والصاحبي/ 86.

(1/430)


يقول بعض العرب: للِه لأفعلنَ. ومن العرب من يقول: مِن ربي لأفعلنَ ذاك ومن ربي إنك لا شر كذا حكاه سيبويه وقال: ولا يدخلونها في غير "ربي" ولا تدخل الضمة في "مِنْ" إلا ههنا1.
وقال الخليل: جئتُ بهذه الحروفِ لأنكَ تضيف حلفك/ 513 إلى المحلوف به كما تضيف به بالباء إلا أن الفعلَ يجيء مضمرًا, يعني أنك إذا قلت: واللِه لأفعلنَ وباللِه لأفعلنَ, فقد أضمرتَ: أحلف وأقسم, وما أشبهه, مما لا يتعدى إلا بحرفٍ والقسم في الكلام إنما تجيء به للتوكيد وهو وحده لا معنى له, لو قلت: والله وسكت أو بالله ووقفت لم يكن لذلك معنى حتى تقسم على أمر من الأمور, وكذا إن أظهرتَ الفعل وأنت تريد القسم فقلت: أَشهدُ باللِه وأُقسم بالله, فلفظه لفظ الخبر إلا أنه مَضمر بما يؤكده.
ويعرض في القسم شيئان: أحدهما: حذف حرف الجر والتعويض أو الحذف فيه بغير تعويض. فأما ما حذف منه حرف الجر وعوض منه فقولهم: أي ها اللِه ثبتت ألفَ ها؛ لأن الذي بعدها مدغم, ومن العرب من يقول: أي هَللهِ فيحذف الألف التي بعد الهاء قال سيبويه: فلا يكون في المقسم به ههنا/ 514 إلا الجر لأن قولهم "ها" صار عوضًا من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفًا على اللسان, ألا ترى أن الواو لا تظهر ههنا. ويقولون: أي هَا اللِه ذا, فأما لقولهم: ذا, فذكر الخليل: أنه المحلوف عليه, كأنه قال: أي والله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم وقدم "ها" كما قدم قوم: ها هو ذا وها أنذا قال زهير:
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 145.

(1/431)


تَعْلَمَنْ هَا لَعَمْرِ اللِه ذا قَسَمًا ... فاقْصِدْ بذَرْعِكَ واْنُظْر أينَ تَنْسِلِكُ1
ومن ذلك ألف الاستفهام قالوا: اللِه ليفعلنَ فالألف عوض من الواو ألا ترى أنك لا تقول: أو اللِه.
وقال سيبويه: ومن ذلك ألف اللام وذلك قولهم: أفاللِه لتفعلنَ: وقال: ألا ترى أنك إن قلت: أفوالله لم تثبت هذا قول سيبويه2, وللمحتج لسيبويه أن يقول: إن الألف كما جعلت عوضًا قطعت وهي لا تقطع مع الواو/ 515.
الثاني: ما يعرض في القسم وهو حذف حرف الجر بغير تعويض. اعلم: أن هذا يجيء على ضربين: فربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الفعل في المقسم فنصبوه. وربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الحرف في الاسمِ مضمرًا. فالضربُ الأول قولك: اللِه لأفعلنّ وقال ذو الرمة:
ألا رَُبَّ مِنْ قَلْبِي لَه اللَّه نَاصِحٌ ... ومَنْ قَلْبُه لي في الظِّبَاءِ السَّوانِحِ3
__________
1 استشهد به سيبويه 2/ 145 على الفصل بين "ها" التنبيه و"ذا" بالقسم واستشهد به 2/ 150 على التوكيد بالنون الخفيفة.
والبيت روي بروايتين: أقدر من بابي ضرب وقتل بمعنى: قدر. واقصد بذرعك الباء بمعنى "في" وقسما: مصدر مؤكد لما قبله لأن معناه: أقسم. تعلمن: بمعنى ملازم للأمر.
وذرع الإنسان: طاقته -واقصد بذرعك- مثل أورده الميداني، وقال عنه: يضرب لمن يتوعد، أي: كلف نفسك ما تطيق، والذرع: عبارة عن الاستطاعة، كأنه قال: اقصد الأمر بما تملكه أنت لا بما يملكه غيرك، أي: توعد بما تسعه قدرتك.
وانظر: المقتضب 2/ 323، ومجمع الأمثال 2/ 92، والخزانة 4/ 208 و2/ 475، والديوان/ 175.
2 انظر: الكتاب 2/ 145.
3 من شواهد الكتاب 2/ 144 على نصب اسم الله عز وجل لما حذف حرف الجر وأوصل إليه الفعل المقدر والتقدير: أحلف بالله، ثم حذف الجار فعمل الفعل فنصب.
والسوانح من الظباء: ما أخذ عن ميامن الرامي فلم يتمكنه رميه حتى ينحرف له فيتشاءم به. ومن العرب من يتيمن به لأخذه عن الميامن فيجعله مشوما، وضرب به المثل في انحراف مية عنه ومخالفة قلبها وهواها لقلبه وهواه. ويروى: ومن هو عندي في الظباء السوانح.
وانظر: ابن يعيش 9/ 102، وشرح السيرافي 4/ 232، والمفصل للزمخشري/ 347، وانظر ديوان ذي الرمة/ 664، مما نسب إليه.

(1/432)


وقال الآخر:
إِذَا ما الخُبْزُ تَأدُمهُ بِلَحْمٍ ... فَذَاكَ أَمَانةَ اللِه الثَرِيدُ1
أراد: وأمانة الله. ووالله, فلما حذف أعمل الفعل المضمر, ولكنه لا يضمر ما يتعدى بحرف جر. وتقول: أي اللَه لأفعلنّ, ومنهم مَن يقول: أي اللَه لأفعلنَ فيحرك أي بالفتح لالتقاء الساكنين, ومنهم من يدعها على سكونها, ولا يحذفونها لأن الساكن الذي بعدها/ 516 مدغم. والضرب الثاني: وهو إضمار حرفِ الجر وهو قول بعضِ العرب: الله لأفعلن.
قال سيبويه: جازَ حيثُ كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفًا كما حذف رُبَّ قال: وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم: لاه أبوك, حذفوا لام الإِضافة واللام الأخرى ليخفوا الحرف على اللسان وذلك ينوون قال: وقال بعضهم: لهي أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذا صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحًا كما تركوا آخر "أين" مفتوحًا وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم, فغيروا إعرابه كما غيروه2.
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 144، على نصب أمانة بإضمار فعل، ويقال: وضعه النحويون. تأدمه: تخلطه. ولم يعرف قائل هذا البيت، وقد روى رفع الأمانة على الابتداء محذوف الخبر، وانظر: شرح السيرافي 3/ 225، والمفصل للزمخشري/ 348، وابن يعيش 9/ 102.
2 انظر: الكتاب 2/ 144-145.

(1/433)


واعلم: أنه يجيء كلام عامل بعضه في بعض: إما مبتدأ وخبر وإما فعل وفاعل, ومعنى ذلك القسم فالمبتدأ والخبر قولك: لعَمَر الله لأفعلن/ 516 وبعض العرب يقول: وأيمُن الكعبة وأيمُ الله فقولك: لعَمَرَ الله اللام: لام الابتداء وعمر الله: مرفوع بالابتداء. والخبر محذوف كأنه قال: لعَمَر الله المقسم به وكذلك: أيم الله. وأيمن. وتقول: العرب: عليّ عهد الله لأفعلن. فعهد مرتفعة وعليّ مستقر لها, وفيها معنى اليمين وزعم يونس: أن ألف أيم موصولة وحكوا: أيم وإيم وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل وكذلك أيمن قال الشاعر:
فَقَالَ فَرِيقُ اَلْقومِ لمَّا نَشَدتُهم ... نَعَمْ وفريقٌ ليَمنُ اللِه ما نَدري1
وأما الفعل والفاعل فقولهم: يعلمُ الله لأفعلن وعلمَ الله لأفعلنَ فإعرابه كإعراب: يذهبُ زيد والمعنى: واللِه لأفعلن. قال سيبويه: وسمعنا فصحاءَ العربِ يقولون في بيت امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللِه أبرح قَاعِدًَا ... ولو قَطَّعُوا رَأسي لَدَيْكِ وأوصالي2
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 147، و2/ 273، على حذف الوصل من "أيمن". ونشدتهم: سألتهم. وصف أنه تعرض لزيارة من يحب فجعل ينشد ذودا من الإبل ضلت له مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه.
وبين البصريين والكوفيين خلاف في كلمة "أيمن" وهل هي مفردة أو جمع؟ وقد عقد ابن الأنباري في الإنصاف مسألة لهذا الخلاف/ 246-249. والبيت كما نسبه الأعلم لنصيب.
وانظر: المقتضب 1/ 228 و2/ 90، وشرح السيرافي 4/ 234، وشرح ابن يعيش 9/ 92، والهمع 2/ 40، والدرر اللوامع 2/ 44.
2 من شواهد سيبويه 2/ 147 على رفع "يمين الله" بالابتداء وحذف الخبر. وروى: يمين الله مرفوعا كذلك. فالرفع على الابتداء والخبر محذوف. وأما النصب فعلى أن أصله: أحلف بيمين الله، فلما حذف الباء وصل فعل القسم إليه بنفسه، ثم حذف فعل القسم وبقي منصوبا. والأوصال: المفاصل. وقيل مجتمع العظام. المفرد مفصل -بكسر الواو وضمها- كل عظم لا ينكسر ولا يختلط بغيره.
وانظر: معاني القرآن 2/ 54، والمقتضب 2/ 326، ورواه المبرد: ولو ضربوا رأسي. والخصائص 2/ 284. وشرح السيرافي 4/ 234، والديوان وفيه القصيدة 105.

(1/434)


قال: جعلوه بمنزلة أيمن الكعبةِ, وأَيم الله1, وقالوا: / 518 تتلقى اليمين بأربعة أحرف من جوابات الأيمان في القرآن وفي الكلام, مَا ولا وإن واللامُ فأما: ما فتقول: واللِه ما قامَ. وما يقوم وما زيد قائمًا. ولا تدخل اللام على "ما" لأن اللامَ تحقيق وما نفي فلا يجتمعان. قال وقول الشاعر:
لما أغفلت شُكركَ فاصْطَنِعْنِي ... فَكَيْفَ ومِنْ عَطائِكَ جُلُّ مالي2
فإنه توهم الذي والصلة. وأما: لا, فتقول: والله لا يقوم. وتلغي "لا" من بين أخواتها جوابات الأيمان فتقول: واللِه أقوم إليكَ أبدًا تريد: لا أقوم إليكم أبدًا. فإذا قلت: واللِه لا قمت إليك أبدًا تريد: أقوم جاز وإن أردت: المضي كان خطأ فأما "إن" فقولك: واللِه إن زيدًا في الدار, وإنكَ لقائم وقوله عز وجل: {حم?, وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ, إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} 3 قال الكسائي: إنا أنزلنا استئناف/ 519 وحم والكتابُ كأنه قال: حق والله. وقال الفراء: قد يكون جوابًا.
وأما اللام فتدخل على المبتدأ والخبر. فتقول: واللِه لزيد في الدارِ, هذه
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 147.
2 الشاهد فيه: دخول لام الابتداء على "ما" النافية حملا لها في اللفظ على "ما" الموصولة الواقعة مبتدأ. فهو محمول في اللفظ على نحو قولك: لم تصنعه حسن. ولم يعرف قائل هذا البيت. وانظر: المغني 2/ 857، وكتاب منازل الحروف للرماني/ 51، تحقيق الدكتور مصطفى جواد.
3 الدخان: 1-3.

(1/435)


التي تدخل على المبتدأ والخبر. وأما التي تدخل على الأفعال: فإن كان الفعل ماضيًا قلت: والله لقد فعلَ وكذلك: واللِه لفيكَ رغبت.
وأما اللام التي تدخلُ على المستقبلِ فإن النونينِ: الخفيفةَ والثقيلةَ يجيئان معها نحو: والله ليقومنَّ ولتقومَنْ يا هذا ولهما باب يذكران فيه.

(1/436)


مسائل من هذا الباب:
تقول: وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ فثم: بمنزلة الواو وتقول: واللِه ثم اللِه لأفعلن وبالله ثُم اللِه لأفعلن. وإن شئت قلتَ: واللَه لآتينكَ ثم الله لأضربنكَ, وإن شئت قلت: واللِه لآتينكَ لأضربنكَ.
قال سيبويه: وهذه الواو بمنزلة الواو التي في/ 520 قولك: مررتُ بزيدٍ وعمروٍ خارج1, يعني أن الواو في قولك: وعمرو خارج عطفتَ جملةً على جملة كأنك قلت: باللِه لآتينكَ. الله لأضربنكَ مبتدأ ثم عطفت هذا الكلام على هذا الكلام, فإذا لم تقطع جررت قلت: وإلا لآتينكَ, ثم واللِه لأضربنكَ صارت بمنزلة قولك: مررت بزيدٍ ثم بعمروٍ وإن قلت: واللِه لآتينكَ ثم لأضربنك الله, لم يكن إلا النصبُ لأنه ضم الفعل إلى الفعل, ثم جاء بالقسم على حدته2. وإذا قلت: واللِه لآتينكَ ثم اللِه, فإنما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر وإن كان قد أخر أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجر لأن الآخر معلق بالأول لأنه ليس بعده محلوف عليه.
قال سيبويه: ولو قالَ: وحقِّكَ وحقِّ زيدٍ, على وجهِ الغلطِ والنسيانِ جازَ3, يريدُ بذلكَ أنهُ لا يجوز لغير4 كساه/ 512 من عري5 وسقاه من
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 146.
2 في الكتاب 2/ 146: ثم جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأول.
3 انظر: الكتاب 2/ 146.
4 هنا: ساقط من الكتاب.
5 ساقط قبل هذا الكلام. وانظر: الكتاب 2/ 308.

(1/436)


العيمة, فهذا يبن أنها في هذا الموضع حرف لأنهم أجمعوا على أن "من" حرف وعن أيضًا لفظة مشتركة للاسم والحرف.
قال أبو العباس: إذا قال قائل: على زيدٍ نزلت وعن زيدٍ أخذت1, فهما حرفان يعرف ذلك ضرورة لأنهما أوصلا الفعل إلى زيد كما تقول: بزيدٍ مررت. وفي الدار نزلت وإليكَ جئت, فهذا مذهب الحروف وإذا قلت: جئت من عن يمينهِ, فعن اسم ومعناها ناحية, وبنيت لمضارعتها الحروف. وأما الموضع الذي هي فيه اسم فقولهم: مَن عن يمينكَ لأن "من" لا تعمل إلا في الأسماء. قال الشاعر:
فَقُلْتُ اجْعَلِي ضَوْءَ الفَرَاقِدِ كُلَّها ... يَمِينًا ومهوى النَّجْمِ مِن عَن شِمَالِكَ2
وأما كاف التشبيه فقولك: أنت كزيدٍ ومعناها معنى/ 522: مثل, وسيبويه يذهب إلى أنها حرف3. وكذلك البصريون, ويستدلون على أنه حرف بقولك: جاءني الذي كزيدٍ كما تقول: جاءني الذي في الدارِ ولو قلتَ: جاءني الذي مثل زيدٍ لم يصلح إلا أن تقول: الذي هو مثل زيدٍ, حتى يكون لهذا الخبر ابتداء ويكون راجعًا في الصلة إلى الذي فإن أضمرته: جاز على قبح وإذا قلت: جاءني الذي كزيدٍ لم تحتج إلى هو, ومما يدلك على أنها حرف مجيئها زائدة. والأسماء لا تقعَ موقعَ الزوائدِ, إنما تزاد الحروف, قالَ
__________
1 قال المبرد في المقتضب 1/ 46. وقد يكون اللفظ واحدا ويدل على اسم وفعل، نحو قولك: زيد على الجبل يا فتى، وزيد علا الجبل، فيكون "على" فعلا ويكون حرفا خافضا والمعنى قريب.
2 الشاهد فيه: أن "عن" اسم لدخول حرف الجر عليها إذ إن حرف الجر لا يدخل على مثله. والبيت لذي الرمة بن غيلان. وانظر: أسرار العربية لابن الأنباري/ 102، وشروح سقط الزند 2/ 539، والديوان/ 429.
3 انظر: الكتاب 2/ 304، قال: وكاف الجر التي تجيء للتشبيه وذلك قولك: أنت كزيد، بينما يرى المبرد: أنها بمعنى مثل، قال في المقتضب 4/ 140: وأما الكاف الزائدة فمعناها: التشبيه، نحو: عبد الله كزيد، وإنما معناه مثل زيد.

(1/437)


الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1. فالكاف زائدة لأنه لم يثبت له مثلًا تبارك وتعالى عن ذلك والمعنى: ليس مثله شيء. وقد جاءت في الشعر واقعةً موقع مثل موضوعةً موضعها قال الشاعر:
وَصَالِيَاتٍ كَكَما يُؤْثَفَيْن1 ... أراد كمثل ما
وقال الآخر:
فصيروا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأكُول3
__________
1 الشورى: 11 "وفي البحر المحيط 7/ 510" تقول العرب: مثلك لا يفعل كذا يريدون به المخاطب، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص وهو من باب المبالغة.. فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء. وانظر المغني 1/ 153 وسر صناعة الإعراب: 1/ 291-292.
2 من شواهد الكتاب 1/ 13 في باب ما يحتمل الشعر. وفي 1/ 203 على أن الكاف اسم بمعنى مثل. و2/ 331 على بقاء الهمزة في المضارع للضرورة.
والصاليات: أراد بها الأثافي. لأنها صليت بالنار، أي: أحرقت حتى اسودت، والأثافي: جمع أثفية وهي الحجارة التي ينصب عليها القدر.
والمعنى: لم يبق من هذه الديار التي خلت من أهلها غير رماد القدر، وغير حجارة القدر. وقال البغدادي: هو من بحر السريع. وربما حسب من لا يعرف العروض أنه من الرجز وهو لخصام المجاشعي.
وانظر: المقتضب 4/ 97، وشرح السيرافي 1/ 260، والخصائص 2/ 368 والموجز لابن السراج/ 58، والمحتسب 1/ 186، والتصريف للمازني 2/ 184.
3 من شواهد سيبويه 1/ 203، على أن الكاف بمعنى "مثل" قال الأعلم: وجاز الجمع بين "مثل" والكاف جوازا حسنا لاختلاف لفظهما مع ما قصده من المبالغة في التشبيه ولو كرر المثل لم يحسن. وقيل: إن الكاف فيه زائدة، فكأنه قال: فصيروا مثل عصف مأكول. والعصف: بقل الزرع أو الزرع الذي أكل حبه وبقي نبته.
ونسب إلى حميد الأرقط وإلى رؤبة بن العجاج وهو في ديوانه مما نسب إليه، وقبله:
ولعبت طير بهم أبابيل ... فصيروا مثل كعصف مأكول
وانظر: المقتضب 4/ 141، وسر صناعة الإعراب 1/ 296، وشرح الكافية للرضي 2/ 319، وديوان رؤبة/ 181.

(1/438)


فإضافته مثل إلى الكاف يدل على أنه قدرها اسمًا. وهذا إنما جاءَ على ضرورة الشاعر.
وذكر سيبويه: أنه لا يجوز الإِضمار معها إذا قلت: أنت كزيدٍ, لم يجز أن تكني عن زيدٍ. استغنوا بمثل وشبه فتقول: أنتَ مثلُ زيدٍ وقال: مثل ذلك في حتى ومذ.
وقال أبو العباس: فأما الكاف وحتى فقد خولف فيهما قال: وهذا حَسن والكاف أشد تمكنًا فأما امتناعهم من الكاف ومذ وحتى فلعلةٍ واحدة. يقولون: كل شيء من هذه الحروف غير متمكن في بابه لأن الكاف تكون اسمًا وتكون حرفًا فلا تضيفها إلى المضمر مع قلة تمكنها وضعف المضمر إلا أن يضطر شاعر. ومنذ تكون اسمًا/ 524 وتكون حرفًا. وحتى تكون عاطفة وتكون جارة, فلم تعط نصيبها كاملًا في أحد البابين وقال: الكاف معناها معنى مثل, فبذلك حكم أنها اسم لأن الأسماء إنما عرفت بمعانيها, وأنت إذا قلت: زيد كعمروٍ أو زيد مثل عمروٍ فالمعنى واحد فهذا باب المعنى. قال: وأما اللفظ فقد قيل في الكلام والأشعار ما يوجب لها أنها اسم. قال الأعشى:
أَتَنْتَهُونَ ولَنْ يَنهَى ذَوِي شَططٍ ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فيه الزَّيْتُ والفتل2
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 203.
2 من شواهد الكتاب 1/ 203 وهو مخصوص بالضرورة قال: إلا أن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة: مثل، والكاف يجيء اسما في الاختيار عند ابن جني قال في سر صناعة الإعراب: فأما قوله: ولن ينهى ذوي شطط كالطعن، فلو حملته على إقامة الصفة مقام الموصوف لكان أقبح. لأن الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى. والفاعل لا يكون إلا اسما صريحا محضا وهم على إمحاضه اسما محافظة من جميع الأسماء. والشطط. الجور والظلم. والفتل: جمع فتيلة، أراد: الحراجة. والمعنى: لا ينهى أصحاب الجور مثل طعن نافذ إلى الجوف يغيب فيه الزيت والفتل.
وانظر: المقتضب 4/ 141، وسر صناعة الإعراب 1/ 185، وشرح السيرافي 1/ 72، والحيوان للجاحظ 3/ 466، وروايته: لا تنتهون. والكامل/ 44، وأمالي ابن الشجري 2/ 229، والخصائص 2/ 386، والغيث المنسجم 1/ 52، والديوان/ 58.

(1/439)


فالكاف هي الفاعلة, فإن قال قائل: إنما هي نعتُ, قيل له: إنما يخلف الاسم ويقوم مقامه ما كان اسمًا مثله نحو: جاءني عاقل ومررت بظريف, وليس بالحسن1.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني -إن شاء الله-.
__________
1 هنا ينتهي الجزء الأول: ويلاحظ أن سقطا لا يعرف مقداره بعدد الصفحات.

(1/440)