الأصول في النحو باب ما يحكى من
الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى
مدخل
...
باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى:
اعلم: أن ما يُحكى من الكلم إذا سمي به على ثلاث جهات, إحداها: أن تكون
جملة والثانية أن يشبه الجملة وهو بعض لها وذلك البعض ليس باسم مفرد
ولا مضاف، ولا فيه ألف ولا مبني مع اسم ولا حرف معنى مفرد، والثالثة:
أن يكون اسمًا مثنى أو مجموعًا على حد التثنية.
الأول: نحو: تأبّط شرًّا وبرق نحره وذَرَّى حيا تقول: هذا تأبّط شرا
ورأيت تأبّط شرا ومررت بتأبّط شرا وهذه الأسماء المحكية لا تثنى ولا
تجمع، إلا أنْ تقول: كلهم تأبّط شرا أو كلاهما تأبّط شرا ولا تحقره ولا
ترخمه، فجميع هذه الجمل التي قد عمل بعضها في بعض وتمت كلامًا لا يجوز
إلا حكايتها, وكذلك كل ما أشبه ما ذكرت من مبتدأ وخبره وفعل وفاعل، وإن
أدخلت عليها إنَّ وأخواتها وكان وأخواتها فجميعه يحكى بلفظه قبل
التسمية وإن سميت رجلًا بوزيد أو وزيدًا أو وزيدٌ حكيت؛ لأن الواو
عاملة تقوم مقام ما عطفت عليه.
الضرب الثاني: الذي يشبه الجملة.
وهو على خمسة أضرب: اسم موصول واسم موصوف وحرف مع اسم وحرف مع حرفٍ
وفعل مع حرف, فجميع هذا تدعه على حاله قبل التسمية من الصرف وغير
الصرف؛ لأنك لم تسم بالموصول دون الصلة، ولا بشيء من هذه دون صاحبه.
(2/104)
الأول: الاسم الموصول: نحو رجل سميته:
خيرًا منك ومأخوذًا بك أو ضاربًا رجلًا، فتقول: رأيت خيرًا منك، وهذا
خير منك, ومررت بخير منك, فإن سميت به امرأة لم تدع التنوين، وحكيته
كما كان قبل التسمية من قبل أنه ليس منتهى الاسم، كما أن بعض الجملة
ليس بمنتهى الاسم.
الثاني: الموصوف: إن سميت رجلًا: زيدٌ العاقلُ, قلت: هذا زيدٌ العاقلُ
ورأيت زيدًا العاقلَ وكذلك لو سميت امرأة، لكان على هذا اللفظ, وإن
سميت رجلًا "بعاقلة" لبيبةٍ قلت: هذا عاقلة لبيبة ورأيت عاقلةً لبيبةً
فصرفته؛ لأنك تحكيه ولو كان الاسم عاقلةً وحدها لم تصرف، فحكاية الشيء
أن تدعه على حكمه ما لم يكن معه عاقل, فإن كان معه عاقل أعملت العامل
ونقلته بحاله.
الثالث: الحرف مع الاسم: وذلك إذا سميت إنسانًا كزيدٍ، وبزيدٍ, وإن
زيدًا حكيته، وحيثما وأنت تحكيهما لأن "حيثما" اسم وحرف, وأنت التاء
للخطاب والألف والنون هما الاسم, وكذلك أما التي في الاستفهام حكاية؛
لأنها مع "ما" دخلت عليهما ألف الاستفهام, ومما يحكى: كذا وكأي و"ذلك"
يحكى لأن الكاف للخطاب, وهذا وهؤلاء يحكيان؛ لأن ها دخلت على ذا
وأولاء, وإن سميت "زيد وعمرو" رجلًا, قلت في النداء: يا زيدًا وعمرًا
فنصبت ونونت لطول الاسم.
الرابع: الحرف مع الحرف: وذلك نحو: إنما وكأنما وأما وإن لا في الجزاء
ولعل؛ لأن اللام عندهم زائدة وكأن1؛ لأنها كاف التشبيه دخلت على "أن"
فجميع هذا وما أشبهه يحكى.
الخامس: الفعل مع الحرف: وذلك هلم: إذا سميت به حكيته وإن أخليته من
الفاعل، وإن سميت بالذي رأيت لم تغيره عما كان عليه قبل أن
__________
1 قال سيبويه 2/ 67: ولعل حكاية؛ لأن اللام ههنا زائدة. ألا ترى أنك
تقول: علك، وكذلك كأن؛ لأن الكاف دخلت للتشبيه.
(2/105)
يكون اسمًا، ولو جاز1 أن تناديه بعد
التسمية، لجاز أن تناديه قبلها، ولكن لو سميته: الرجل منطلق بهذه
الجملة لناديتها؛ لأن كل واحد منهما اسم تام وذلك غير تام، وإنما يتم
بصلته, وهو يقوم مقام اسم مفرد، ولو سميته الرجل والرجلان لم يجز فيه
النداء2.
الضرب الثالث:
من القسمة الأولى، وهو التسمية بالتثنية والجمع الذي على حد التثنية,
وذلك إذا سميت رجلًا بسلمانِ وزيدانِ حكيت التثنية، فقلت: هو زيدان,
ومررت بزيدين, ورأيت زيدين, فتحكي التثنية ولفظها وإن أردت الواحد، وقد
أجازوا أن تقول: هذا زيدان وتجعله كفعلان، وإن سميت بجميع على هذا الحد
حكيت فقلت: هذا زيدونَ ورأيت زيدين ومررت بزيدين, ومنهم من يجعله
كقنسرين فيقول: هذا زيدون، ومسلمون وقد ذكرت ذا فيما تقدم وإن بجمع
مؤنث قلت: هذا مسلمات، ورأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، تحكي: تقول
العرب: هذه عرفات مباركًا فيها، فعرفات بمنزلة آبانين3، ومثل ذلك
أذرعات, قال امرؤ القيس:
تَنَوَّرْتُها مِنْ أَذْرِعَاتٍ وأهلُها ... بِيَثْرِبَ أَدْنى
دَارِهَا نَظَرٌ عالي4
__________
1 في الأصل "ولا يجوز" ولا يستقيم المعنى.
2 لأن ذا يجري مجراه قبل أن يكون اسمًا في الجر والنصب والرفع. انظر
الكتاب: 2/ 68.
3 أبان: جبل أبانان، أبان الأسود، وأبان الأبيض، وانظر معجم البلدان
واللسان، والاشتقاق 77, والمغني 2/ 10, والسيوطي 247.
4 من شواهد سيبويه 2/ 18، على تنوين أذرعات، والمتنور: الناظر إلى
النار من بعد, أراد قصدها أو لم يرد، وقد نظر امرؤ القيس بقلبه تشوقًا
إليها، أذرعات: بلد من أطراف الشام، ويثرب: مدينة الرسول, صلى الله
عليه وسلم.
انظر المقتضب 3/ 333, والخزانة 1/ 26, ومعجم البلدان 1/ 130، وجـ5/
430, والديوان 105.
(2/106)
ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول: هذه
قريشياتُ، كما ترى، شبهوها بهاء التأنيث في المعرفة؛ لأنها لا تلحق
بنات الثلاثة بالأربعة, ولا الأربعة بالخمسة. قال أبو العباس: أنشدني
أبو عثمان للأعشى:
تَخَيَّرَهَا أخو عَانَاتِ شَهرا1
فلم يصرف ذلك، قال أبو بكر: قد ذكرت ما ينصرف وبقي ذكر المبني المضارع
للمعرف، ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات, إن شاء الله تعالى.
__________
1 صدر بيت وعجزه:
ورجى خيرها عامًا فعاما
ورواه المبرد في المقتضب: تخيرها أخو عانات دهرا، وفي الخزانة: فخيرها
أخو عانات شهرا, وفي اللسان: برها عامًا فعاما، والشاهد حذف التنوين من
عانات، ويجوز أن تكسر التاء وأن تفتح فيكون ممنوعًا من الصرف.
وعانات: موضع بالجزيرة تنسب إليها الخمرة العانية، وفي معجم البلدان:
قرى عانات، سميت بثلاثة إخوة من قوم عاد خرجوا هرابًا فنزلوا تلك
الجزيرة، فلما نظرت العرب إليها قالت: كأنها عانات، أي: قطع من الظباء
وهي بالشام.
وانظر المقتضب 3/ 333, والخزانة 1/ 27, واللسان "عون", ومعجم البلدان
4/ 72, والديوان 197.
(2/107)
باب ما لا يجوز أن
يحكى:
هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام: وهو كل اسم مبني، أو مضاف ملازم للإِضافة
وأفردته أو فعل فارغ، أو حرف قصدت التسمية به فقط, فجميع هذه إذا سميت
بشيء منها أعربته إعراب الأسماء الأول، وإن نقص عما كانت عليه الأسماء.
الأول: إن سميت بكم أو بمن، قلت: هذا كم قد جاء؛ لأن في الأسماء مثل دم
ويد, وإن سميت بهو قلت: هذا هو, فاعلم, وإن سميت به مؤنثًا لم تصرفه؛
لأنه ضمير مذكر, وإنما ثقلت "هو" لأنه ليس في كلامهم اسم على حرفين
أحدهما ياء أو واو أو ألف, وسمع منهم إذا أعربوا شيئًا من هذا الضرب
التثقيل, فإن سميت بذو قلت ذوًّا؛ لأنك تقول: هاتان ذواتا مال, فلما
علمت الأصل رددته إلى أصله, كما تكلموا به ولو لم يقولوا: ذوا ثم سمينا
بذو لما قلت إلا ذو، وكان الخليل1 يقول: ذو أصل، الذال على كل قول
الفتح، وإن سميت "بفو" قلت: فم, ولو لم يكن قبل فم لقلت: فوه2 مؤنثان
وأين, ومتى، وثم، وهنا، وحيث، وإذا، وعند وعن فيمن
__________
1 في الكتاب 2/ 33 وكان الخليل يقول: هذا ذو، بفتح الذال لأن أصلها
الفتح، تقول: ذوا وتقول: ذوو.
2 قال سيبويه 2/ 33: ولو لم يكونوا قالوا: فم لقلت: فوه؛ لأنه من
الهاء.
(2/108)
قال, من عن يمينه1، ومنذ في لغة من رفع،
تصرف الجميع، تحمله على التذكير حتى يتبين غيره، وإن سميت كلمة بتحت أو
خلف أو فوق لم تصرفها؛ لأنها مذكرات، يدل على تذكيرها تحت, وخليف ذاك،
ودوين، ولو كان مؤنثًا دخلت الهاء كما دخلت في قديديمةٍ، ووريئةٍ.
الثاني: التسمية بالفعل الفارغ من الفاعل والمفعول: إن سميت رجلًا
بضرب، أو ضُرِبَ أو يضرِب أعربته، وقد عرفتك ما ينصرف من ذلك وما لا
ينصرف, وحكم نعم وبئس حكم الفعل إذا سميت به، تقولُ: هذا نعم وبئس، وإن
سميته أزمة قلت: أزمٍ, ورأيت أزمى، وبيغزو2، قلت: يغز ورأيت يغزى، وإن
سميته بعهْ قلت: وعٍ وإن سميت برَه: قلت إرْأً.
__________
1 قال سيبويه 2/ 309: وأما "عن" فاسم إذا قلت: من عن يمينك؛ لأن من لا
تعمل إلا في الأسماء.
2 قال سيبويه 2/ 60: وسألته عن رجل يغزو فقال: رأيت يغزى قبل، وهذا
يغزو هذا يغزي زيد وقال: لا ينبغي له أن يكون في قول يونس إلا يغزى
وثبات الواو خطأ؛ لأنه ليس في الأسماء واو قبلها مضموم.
(2/109)
باب التسمية بالحروف:
وذلك نحو إن, إذا سميت بها قلت: هذا إن، وكذلك أن، وكذلك ليت، وإن سميت
بأن المفتوحة لم تكسر، وإن سميت بلو واو زدت واوًا فقلت: لو واو وكان
بعض العرب يهمز فيقول: لؤ1، وإن سميت "بلا" زدت ألفًا ثم همزت فقلتَ:
لاء؛ لأن الألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان, وإذا سميت بحرف التهجي نحو:
باء وتاء وثاء وحاء مددت فقلت: هذه باء وتاء, وإذا تهجيت قصرت ووقفت
ولم تعرب, وفي "زاي" لغتان2: منهم من يجعلها "ككي" ومنهم من يقول: زاي,
فإن سميته بزي على لغة من يجعلها ككي قلت: زي فاعلم, وإن سميت بها على
لغة من يقول: زايٌ قلت: زاءٌ وكذا واوٌ وآءٌ, وسنبين هذا في التصريف
وجميع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنى حرف فهو مذكر, وإن أردت
به معنى كلمةٍ فهو مؤنث, وإن سميت بحرف متحرك أشبعت الحركة إن كانت
فتحةً جعلتها ألفًا وضممت إليها ألفًا أخرى، وإن كانت كسرة أشبعتها حتى
تصير ياء وتضم إليها أخرى وكذلك المضموم إذا وجدته كذلك وذلك أن تسمي
رجلًا بالكاف
__________
1 انظر الكتاب 2/ 33 قال سيبويه: وكان بعض العرب يهمز كما يهمز النئور
فيقول: لوء.
2 قال سيبويه 2/ 34: وأما زاي، ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي
ككي, ومنهم من يقول: زاي، فيجعلها بزنة واو وهي أكثر.
(2/110)
من قولك: كزيدٍ، تقول: هذا "كا" وإن سميته
بالباء من بزيد, قلت: بي, فإن سميته بحرف ساكن فإن الحرف الساكن لا
يجوز من غير كلمة فترده إلى ما أخذ منه.
واعلم: أن كل اسم مفرد لا تجوز حكايته, وكذلك كل مضاف, وإن سميت رجلًا
عم, فأردت أن تحكي به في الاستفهام تركته على حاله، وإن جعلته اسمًا
قلت: عن ما تمد "ما" لأنك جعلته اسمًا كما تركت تنوين سبعة إذا سميت
فقلت: سبعةُ. والمضاف بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية, قال
أبو بكر: قد ذكرنا ما لا ينصرف، وقد مضى ذكر المبني المضارع للمعرب،
ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله.
(2/111)
|