الحدود في علم النحو

نسخ التحقيق:
عثرتُ بفضلِ اللهِ على ثلاثِ نسخٍ لهذا المخطوط:
النسخة الأولى:
حصلتُ عليها من جامعةِ الملكِ سعود بالرياض، واعتمدتُها أصلاً لتحقيقِ الكتابِ، ورمزتُ لها بالرمز (أ) ، وهي واضحةٌ وخطُّها جيِّدٌ ووقعتْ في أربعةِ ألواحٍ، في كل لوحٍ صفحتان، وفي كلِّ صفحةٍ واحدٌ وعشرون سطراً.
النسخة الثانية:
وهي من جامعةِ الإمامِ محمد بن سعود الإسلاميةِ بالرياض، مصوَّرة عن الظاهريةِ 1845- الفهرس 201 بخطٍّ معتادٍ، ضمن مجموع 19-24، ووقعتْ في عشرِ صفحات، وتراوحت السطورُ بينَ اثني عشر سطراً وثلاثة عشر سطراً، وخمسة عشر وسبعة عشر. ورمزتُ لها بالرمز (ب) . وهي واضحةٌ، ولكن بها رطوبة.
__________
1 هو محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن إسحاق...... الأموي المحلي المولد ثم السنباطي ثم القاهري المالكي ويعرف بقاضي سنباط ولد سنة 787? في المحلة الكبرى ونشأ بها وتولي قضاء الإسكندرية ثم القاهرة غير مرة، واستمر فيها، حتى توفي بها يوم الخميس، تاسع رجب سنة 861?، انظر: الضوء اللامع 9: 113 - 114.
2 انظر الضوء اللامع 2: 181.

(1/420)


النسخة الثالثة:
وهي من جامعةِ الإمامِ محمد بن سعود الإسلاميةِ بالرياضِ أيضاً. ومصوَّرة عن دارِ الكتبِ المصريةِ، وكتبها عبد العال بن منصور البحيريّ الأزهريّ سنة 1094?، بخطٍ نسخيٍّ، ووقعتْ في ثلاثةِ ألواحٍ، وفي كل صفحةٍ خمسةٌ وعشرونَ سطراً، وتصويُرها رديء، فصَعُبَ قراءةُ بعضِها، ورمزتُ لها بالرمز (ج) .
توثيق نسبة الكتاب إلى الأبذي:
جاءَ في نسخةِ (أ) : "كتاب الحدود في علمِ النحوِ: تأليف الشيخ الإمام أبي العباس أحمد الأبذي رحمه اللهُ ونفع به".
وجاءَ في نسخة (ج) : "هذه حدود النحو: للعلامة الأبذي".
وجاء في الضوءِ اللامعِ في أخبار القرن التاسع للسخاوي في ترجمة أحمد الأبذي: "له فيها" يعني في العربية " حدود نافعة"1.
وجاء في إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: "حدود النحو: لشهاب الدين الأبدي، مختصر، أوله: حد النحو في اللغة: القصد"2.
جهدي في التحقيق:
- قابلتُ بينَ نسخِ الكتابِ الثلاثِ، وقارنتُها ببعضٍ، ونبَّهتُ على ما بينها من أوجهِ الاتفاقِ والاختلاف.
__________
1 الضوء اللامع في أخبار القرن التاسع: للسخاوي 2: 180.
2 إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: لإسماعيل باشا 3: 396 وانظر أيضاً ص 391.

(1/421)


- تناولتُ ماندَّ عنِ الأفهامِ، وآستعصى على الإدراكِ من العباراتِ والأساليبِ والمصطلحاتِ بالشرحِ والتبيان، فوضحتُ ما غمضَ من عبارةِ الكتابِ وما اقتضب من جملتهِ.
- قمتُ بالتعقيبِ والتعليقِ على ما وجدتهُ مثارَ جدلٍ، وموضعَ خلافٍ بينَ النحاةِ، من المدارسِ المختلفةِ.
- عزوتُ النصوصَ إلى قائليها، وأرجعتُها إلى مصادرِها الأصلية.
- عرَّفتُ الأعلامَ الواردةَ في الكتابِ، وهي قليلة.
- عملتُ فهرساً للمراجعِ والمصادر وآخر لموضوعات ومحتويات الكتاب.
وهذا جهدُ المقلِّ، فما كان فيه من صوابٍ فمن الله، وما كان من خلافه فنسألُ اللهَ التجاوزَ عن الزللِ والتقصيرِ.. إنه نِعمَ المولى ونِعم النصير.

(1/422)


منهج الكتاب:
- ذكرَ المؤلفُ في المقدمةِ خطةَ الكتابِ، حيثُ أجملَها في قوله: "هذه نبذةٌ لطيفةٌ في النحوِ جمعتُها لمنْ أراد ذلك"1. فبيَّن أنه سيميلُ للاختصار.
- وقد وَفَى بما ذكرَه، فجاءَ الكتابُ موجزاً مختصراً، لأنَّه ألَّفه للمبتدئينَ مِنْ طلبةِ العلمِ، كما يقولُ السخاويُّ2 ولا غروَ فالأبذيُّ متخصِّصٌ ومشهورٌ في إرشادِ المبتدئينَ كما مرَّ بنا.
- يخلو الكتابُ من الشواهِد من أيِّ نوعٍ، وهذا يتفقُ مع خطةِ المؤلِّفِ في طلبِه الإيجازَ.
- يحتوي الكتابُ على سردِ القواعدِ فقط، دونَ ذكرِ الأمثلةِ إلا قليلاً، مثالُ ذلك قولهُ: "مثالُ كلمةٍ: زَيْدٌ، مثالُ الكلمِ: إنْ قامَ زيدٌ، مثالُ الكلامِ: زيدٌ قائمٌ مثال ما اجتمعَ فيه الكلامُ والكَلِمُ: زيدٌ أبوه قائمٌ"3
ومثلهُ أيضاً ذكرهُ العُمَرَان والقَمَران4.
ومثلُه أيضاً ذكرُه "سواء" ثم قولُه: "فإنهم استغنوا عن تثنيتِةِ بتثنيةِ "سي"، فقالوا: "سيّان" "5.
- وانطلاقاً من مبدئِه في الإيجازِ، فقد جاءَ التعليلُ في موضعٍ واحدٍ فقط،
__________
1 انظر ص 30 من هذا الكتاب.
2 الضوء اللامع 2: 180.
3 انظر ص 31 - 32 من هذا الكتاب.
4 انظر ص 56، 57 من هذا الكتاب.
5 انظر ص 56 من هذا الكتاب.

(1/429)


حيثُ قال في معرِضِ حديثهِ عنِ الأسبابِ الخمسةِ للبناءٍ على حركةٍ: "الخامسُ: كونُ ما هي فيه شبيهاً بالمعربِ كالفعلِ الماضي، لأنه شبيهٌ بالمضارعِ في وقوعِه صفةً أو صلةً أو حالاً أو خبراً"1.
- لا يحتوي الكتابُ على مذاهبَ أو آراء أو خلافاتٍ للنحاةِ، إلا فيما ندرَ، وذلك كقولهِ: "السادسُ: اتفاقُ المعنى، فلا يُثَنَّى المشترك، خلافاً للحريريّ"2.
- وقوله بعد عرضِ أسبابِ البناءِ الأربعة: "وزادَ ابنُ مالكٍ خامساً، وهو الشبهُ الإهماليُّ"3.
- وقوله بعدَ سردِ المبنيّاتِ الستةِ منَ الأسماءِ: "وزادَ ابنُ مالكٍ سابعاً وهي الأسماءُ قبلَ التركيب"4.
- يُرَجِّحُ ما يراه صواباً، ومِنْ ذلك قولهُ: "أن يكونَ لَهُ ثَانٍ في الوجودِ، وأما نحو القمرانِ فمن بابِ المجاز"5.
وقوله: "وأما نحو العُمَرَان فمن بابِ التغليب"6.
__________
1 انظر ص 50 من هذا الكتاب.
2 انظر ص 55 من هذا الكتاب.
3 انظر ص 51 من هذا الكتاب.
4 انظر ص 47 من هذا الكتاب.
5 انظر ص 57 من هذا الكتاب.
6 انظر ص 56 من هذا الكتاب.

(1/430)


مذهبُ المؤلِّفِ النحويّ:
غَلَبَتْ على المؤلِّفِ النزعةُ البصريةُ، والدليلُ الأمثلةُ الآتية:
1- يرى أنَّ الفعلَ ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ حيثُ قالَ: "وأقسامُ الفعلِ ثلاثةٌ: - ماضٍ ومضارعٌ وأمرٌ"1 وهذا رأيُ البصريين. أما الكوفيون والأخفشُ فيرَوْنَ أنَّ الفعلَ قسمان، وأنَّ الأمرَ مقتطعٌ من المضارع2
2- عبَّر عن حروفِ الجرِ بهذا المسمَّى3، وهو مذهبُ البصريين. ويعبّرُ الكوفيون عنها بحروفِ الخفضِ وحروفِ الصفات4
3- يرى أنَّ مِنْ شروطِ جمعِ الكلمةِ جمعاً مذكراً سالماً أن تكونَ مذكرةً5.
وهو ما ذهبَ إليه البصريون، وأجازَ الكوفيون جمعَ ذيِ التاءِ بالواوِ والنونِ مطلقاً6.
4- ذهبَ مذهبَ البصريين في إطلاقِ مصطلحِ المضمر7 أما الكوفيون فيسمُّونه الكناية والمكنى8.
__________
1 انظر هذا الكتاب ص 33.
2 انظر الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري 2: 524 - 525 وهمع الهوامع شرح جمع الجوامع: للسيوطي 1: 7، وشرح الحدود في النحو: للفاكهي، ص 97.
3 انظر ص 34، 42 من هذا الكتاب.
4 انظر شرح المفصل: لابن يعيش 4: 74 و 8: 7، وهمع الهوامع: للسيوطي 2: 19، وشرح الحدود في النحو: للفاكهي ص 277، والمصطلح النحوي: عوض القوزي ص 118.
5 انظر ص 52 من هذا الكتاب.
6 انظر الإنصاف: لابن الأنباري 1: 40 - 44 وشرح الألفية: لابن الناظم ص46، والهمع 1:45.
7 انظر ص 33، 36 من هذا الكتاب.
8 انظر همع الهوامع: للسيوطي 1: 56: والمصطلح النحوي: عوض القوزي ص 174.

(1/431)


5- ذهب مذهب البصريين أن فعل الأمر مبني1 والكوفيون يرون أنه معرب مجزوم بلام مقدرة2.
6- استخدم مصطلحَ "البدل"3، وبه قال البصريّون. والكوفيون يسمُّونه الترجمة والتبيين والتكرير4.
7- وافق البصريين في أن أعرفَ المعارفِ المضمرُ5، والكوفيون يرون أنه الاسم المبهم6.
8- ذهب مذهب البصريين في التمييزِ بينَ ألقابِ الإعرابِ وألقابِ البناءِ7، ولم يفرِّق الكوفيون بين ما هو للإعراب وما هو للبناء8.
وهناك بعض المواضع التي ذهب فيها مذهب الكوفيين وهي:
1- ذكر أن "كي" تنصب بنفسها9، وهو مذهبٌ كوفيٌّ. ومذهب سيبويه والأكثرين أن "كي" يجوز أن تكونَ هي الناصبة بنفسها، ويجوزُ أن تقدَّر بعدها أن، لأن كي عندهم حرف مشترك، فتارةً تكونُ حرفَ نصبٍ.
فتنصب المضارع. وتارةً تكونُ حرفَ جرٍ بمعنى اللام10.
__________
1 انظر ص 48، 49 من هذا الكتاب.
2 انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف: لابن الأنباريّ 2: 524.
3 انظر ص 67 من هذا الكتاب.
4 انظر الهمع 2: 125.
5 انظر ص 70 من هذا الكتاب.
6 انظر الإنصاف في مسائل الخلاف: لابَن الأنباريِّ 2: 707.
7 انظر ص 45 من هذا الكتاب.
8 انظر شرح الكافية: للرضي 2: 3، والمصطلح النحوي: للقوزي ص 185.
9 انظر ص ص 59 من هذا الكتاب.
10انظر شرح ألفية ابن معطٍ: لابن القوَّاس 1: 340 - 341، وهمع الهوامع: للسيوطي2: 4 - 5.

(1/432)


2- استخدمَ مصطلَح "النعت"1، والتعبيرُ به اصطلاحُ الكوفيين، والبصريون يسمَّونه الوصفَ والصفة2..
3- سارَ مع الكوفيين فيِ استعمالهِم مصطلحَ "عطف النسقً"3 والبصريون يقولون العطفَ بالحروفِ، والشركة4.
4- لم يذكرْ حدَّ "عطف البيان". وقد نقلَ السيوطيُّ قولَ الأعلمِ في شرحِ الجمل:
"هذا البابُ يترجمُ له البصريون، ولا يترجم له الكوفيون"5.
5- استخدم في موضعين مصطلح "الخفض"6. وهو كما تقدم طريقةُ الكوفيين7.
__________
1 انظر ص 63 من هذا الكتاب.
2 انظر همع الهوامع 2: 116.
3 انظر ص 64 من هذا الكتاب.
4 انظر شرح المفصل: لابن يعيش 3: 74، وهمع الهوامع 2: 128.
5 انظر الأشباه والنظائر: للسيوطيّ 2: 96، والمصطلح النحويّ: عوض القوزيّ ص 184.
6 انظر ص 39 وص 45 من هذا الكتاب.
7 انظر ص 27 من هذا الكتاب.

(1/433)