العدد في اللغة

الْمَقَادِير والألفاظ الدَّالَّة على الْأَعْدَاد من غير مَا تقدم

الشيع: مِقْدَار من الْعدَد، تَقول: أَقمت شهرا، أَو شيع شهر.
وَمَعَهُ مائَة رجل، أَو شيع ذَلِك.
وآتيك غَدا، أَو شيعه: أَي بعده لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْوَاحِد.

(1/75)


بَاب الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْعُمُوم وَالْخُصُوص

وَهِي: كل، وأجمعون، أكتعون، أبصعون، وَبَعض، وَأي.
وَمَا أبين هَذِه بقسطها من الْإِعْرَاب واللغة حَتَّى آتِي على جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَأول ذَلِك كل: وَهِي لَفْظَة صيغت للدلالة على الْإِحَاطَة وَالْجمع، كَمَا أَن كلا لَفْظَة صيغت للدلالة على التَّثْنِيَة، وَلَيْسَ كلا من لفظ كل، وسأريك ذَلِك كُله إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَبَعض: لَفْظَة صيغت للدلالة على الطَّائِفَة لَا على الْكل، فهاتان اللفظتان دالتان على معنى الْعُمُوم وَالْخُصُوص.
وكل نِهَايَة فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم.
وَبَعض لَيست نِهَايَة فِي الدّلَالَة على الْخُصُوص.
أَلا ترى أَنَّهَا قد تقع على نصف الْكل، وعَلى ثَلَاثَة أَرْبَاعه، وعَلى معظمه وَأَكْثَره، وبالعموم فَإِنَّهَا تقع على الشَّيْء كُله مَا عدا أقل جُزْء مِنْهُ.
وَقد بعضت الشَّيْء: فرقت أجزاءه، وتبعض هُوَ.
وَيكون بعض بِمَعْنى كل، كَقَوْلِه:
(أَو يعتلق بعض النُّفُوس حمامها ... )
فالموت لَا يَأْخُذ بَعْضًا ويدع بَعْضًا.
وَمن الْعَرَب من يزِيد بَعْضًا، كَمَا يزِيد مَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم} ، حَكَاهُ صَاحب الْعين، وَهَذَا خطأ لِأَن بَعْضًا

(1/76)


اسْم، والأسماء لَا تزاد: فَأَما هُوَ وَأَخَوَاتهَا الَّتِي للفصل، فَإِنَّمَا زيدت لمضارعة الضَّمِير الْحَرْف، وَقد أَنْعَمت شرح هَذَا عِنْد الرَّد على أبي إِسْحَاق فِي قَوْله عز وَجل: {مثل الْجنَّة} .
وَنحن آخذون فِي تَبْيِين كل ومقدمون لَهَا على بعض لفضل الْأَعَمّ على الْأَخَص فَأَقُول:
إِن كلا لفظ وَاحِد، وَمَعْنَاهُ جَمِيع، وَلِهَذَا يحمل مرّة على اللَّفْظ، وَمرَّة على الْمَعْنى فَيُقَال: كلهم ذَاهِب، وَكلهمْ ذاهبون، وكل ذَلِك قد جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالشعر، ويحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال: كل ذَاهِب، وَهُوَ بَاقٍ على مَعْرفَته.
وَبَعض يجْرِي هَذَا المجرى، وإليها أَوْمَأ سِيبَوَيْهٍ حِين قَالَ: هَذَا بَاب مَا ينْتَصب خَبره لِأَنَّهُ قَبِيح أَن يكون صفة، وَهِي معرفَة لَا تُوصَف، وَلَا تكون وَصفا، وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِكُل قَائِما، وببعض جَالِسا، وَإِنَّمَا خروجهما من أَن يكون وَصفا أَو موصوفين لِأَنَّهُ لَا يحسن لَك أَن تَقول: مَرَرْت بِكُل الصَّالِحين، وَلَا بِبَعْض الصَّالِحين، قبح الْوَصْف حِين حذفوا مَا أضافوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخَالف لما يُضَاف إِلَيْهِ شَاذ مِنْهُ فَلم يجر فِي الْوَصْف مجْرَاه.
كَمَا أَنهم حِين قَالُوا: يَا ألله، فخالفوا مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام لم يصلوا أَلفه وأثبتوها، وَصَارَ معرفَة لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة، كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بكلهم، وببعضهم.
وَلَكِنَّك حذفت ذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ، فَجَاز ذَلِك، كَمَا جَازَ: لاه أَبوك [تُرِيدُ: لله أَبوك] ، فحذفوا الْألف واللامين.
وَلَيْسَ هَذَا طَريقَة الْكَلَام، وَلَا سَبيله لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَلَامهم أَن يضمروا الْجَار.
وَجُمْلَة هَذَا وتحليله أَنَّك لَا تَقول: مَرَرْت بِكُل قَائِما، وَلَا بِبَعْض جَالِسا مبتدئا.
وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ إِذا جرى ذكر قوم فَتَقول: مَرَرْت بِكُل، أَي مَرَرْت بكلهم.
ومررت بِبَعْض، أَي مَرَرْت ببعضهم، فيستغني بِمَا جرى من الْكَلَام وَمَعْرِفَة الْمُخَاطب بِمَا يعْنى عَن إِظْهَار الضَّمِير، وَصَارَ مَا يعرف الْمُخَاطب مِمَّا يعْنى بِهِ مغنيا عَن وَصفه، وَلم يُوصف بِهِ أَيْضا لأَنهم لما أقاموه مقَام الضَّمِير، وَالضَّمِير لَا يُوصف بِهِ إِذْ لم يكن تحلية، وَلَا فِيهِ معنى تحلية، وَلم يصفوا بِهِ

(1/77)


لَا يُقَال: مَرَرْت بالزيدين كل، كَمَا لَا يُقَال: مَرَرْت بِكُل الصَّالِحين.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يبن كل حِين حذفوا الْمُضَاف إِلَيْهِ
قيل: لَيْسَ فِي كل من الْمعَانِي الَّتِي توجب الْبناء شَيْء.
وأصل الْأَسْمَاء الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا يحدث الْبناء لعَارض معنى، فَكَانَ اتِّبَاع الأَصْل أولى.
وَمن هَهُنَا قَالُوا: إِنَّهَا لَا يجوز بناؤها لِأَنَّهَا جُزْء، فأتبعنا الْجُزْء الْكل إِذْ كَانَ كل معربا لِأَنَّهُ أسبق لعمومه من اتِّبَاع الْكل الْبَعْض.
فَلَمَّا أجري مجْرى خِلَافه لم يضمن مَعْنَاهُ لم يجب فِيهِ الْبناء، وَجرى على أصل الْإِعْرَاب، ككل، وَهَذَا من أقرب مَا سمعناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَقد ذكر فِيهَا غير الَّذِي قُلْنَا فتركناه لِأَنَّهُ لم يَصح عندنَا.
وَهَذَا كُله تَعْلِيل الْفَارِسِي.
وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي كل التَّأْنِيث، فَقَالَ: كلتهن منطلقة، وَلم يحك ذَلِك فِي بعض.
فَأَما كلا، فَلَيْسَ من لفظ كل.
كل مضاعف، وكلا معتل كمعا، أَلفه منقلبه عَن وَاو بِدلَالَة قَوْلهم: كلتا، إِذْ بدل التَّاء من الْوَاو أَكثر من بدلهَا من الْيَاء، وَقد أبنت ذَلِك فِي بَاب بنت وَأُخْت بنهاية الْبَيَان.
وَأجْمع معرفَة.
تَقول: رَأَيْت المَال أجمع، وَرَأَيْت الْمَالَيْنِ أَجْمَعِينَ.
وَقَالُوا: رَأَيْت الْقَوْم أَجْمَعِينَ.
وَلَيْسَ أَجْمَعُونَ وَمَا جرى مجْرَاه بِصفة عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وَكَذَلِكَ واحده ومذكره ومؤنثه.
وَإِنَّمَا هُوَ اسْم يجْرِي على مَا قبله على إعرابه فَيعم بِهِ ويؤكد، فَلذَلِك قَالَ النحويون: إِنَّه صفة.
وَلَو كَانَ صفة لما جرى على الْمُضمر لِأَن الْمُضمر لَا يُوصف، وَمِمَّا يدلك على أَنه لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنى إِشَارَة وَلَا نسب، وَلَا حلية، وَقد غلط قوم فتوهموه صفة، وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَنه لَيْسَ بِصفة.
وَقَالَ فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف: إِذا سميته بأجمع صرفته فِي النكرَة

(1/78)


وَقد غلط الزّجاج فِي كِتَابه فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف، ورد عَلَيْهِ الْفَارِسِي بعد أَن حكى قَوْله فَقَالَ: وَقد أغفل أَبُو إِسْحَاق فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جمع فِي كِتَابه فِيمَا لَا ينْصَرف وَهَذَا لَفظه: قَالَ: الأَصْل فِي جمع جَمْعَاء جمع، مثل حَمْرَاء وحمر، وَلَكِن حمر نكرَة فأرادوا أَن يعدل إِلَى لفظ الْمعرفَة فَعدل فعل إِلَى فعل.
قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَ جَمْعَاء مثل حَمْرَاء فَيلْزم أَن يجمع على حمر، كَمَا أَن أجمع لَيْسَ مثل أَحْمَر، وَإِنَّمَا جَمْعَاء، كطرفاء، وصحراء، كَمَا أَن أجمع كأحمد بِدلَالَة جمعهم لَهُ على حد التَّثْنِيَة، فقد ذهب فِي هَذَا القَوْل عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال وَعَن نَص سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْجِنْس أَنه لَا يجمع هَذَا الضَّرْب من الْجمع، وَعَما نَص على هَذَا الْحَرْف بِعَيْنِه حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا، يَعْنِي من قَوْلك: أجمع وأكتع، إِنَّمَا وصف بهما معرفَة فَلم ينصرفا لِأَنَّهُمَا معرفَة، وَأجْمع هُنَا معرفَة بِمَنْزِلَة كلهم.
انْقَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ
وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى مِمَّا يتبع أَجْمَعُونَ كَقَوْلِك أكتعون وأبصعون وأبتعون، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث والاثنان والجميع فِي ذَلِك حكمه سَوَاء.
وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي أَجْمَعِينَ.
وَكله تَابع لأجمعين لَا يتَكَلَّم بِوَاحِد مِنْهُنَّ مُفردا.
وَكلهَا تَقْتَضِي معنى الْإِحَاطَة.
وَمِمَّا يدل على معنى الْإِحَاطَة: قاطبة، وطرا، والجماء الْغَفِير، وَنحن آخذون فِي تبين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
اعْلَم أَن الْجَمَّاء هِيَ اسْم، والغفير نعت لَهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْمَعْنى: الجم الْكثير: لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة.
والغفير يُرَاد بِهِ أَنهم قد غطوا الأَرْض من كثرتهم يُقَال: غفرت الشَّيْء إِذا غطيته وَمِنْه المغفر الَّذِي يوضع على الرَّأْس لِأَنَّهُ يغظيه.
ونصبه فِي قَوْلك: مَرَرْت بهم الْجَمَّاء الْغَفِير عل الْحَال.
وَقد علمنَا أَن الْحَال إِذا كَانَ اسْما غير مصدر لم يكن بِالْألف وَاللَّام، فَأخْرج ذَلِك سِيبَوَيْهٍ والخليل أَن جعلا الْغَفِير فِي مَوضِع العراك، كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بهم الجموم الغفر، على معنى مَرَرْت بهم جامين غافرين أَي مغطين لَهَا.

(1/79)


وَلم يذكر البصريون أَنَّهُمَا يستعملان فِي غير الْحَال.
وَذكر غَيرهم شعرًا فِيهِ الْجَمَّاء الْغَفِير مَرْفُوع، وَهُوَ قَول الشَّاعِر:
(صَغِيرهمْ وشيخهم سَوَاء ... هم الْجَمَّاء فِي اللؤم الْغَفِير)
وَأما قَوْلهم: مَرَرْت بهم قاطبة، ومررت بهم طرا، فعلى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل هما فِي مَوضِع مصدرين، وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ، وَذَلِكَ أَن قاطبة، وَإِن كَانَ لَفظهَا لفظ الصِّفَات، كَقَوْلِنَا: ذَاهِبَة وقائمة، وَمَا أشبه ذَلِك.
وطرا وَإِن كَانَ لَفظهَا لفظ صفرا وشهبا، وَمَا أشبه ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يجوز حملهَا إِلَّا على الْمصدر.
وَقَالَ: إِنَّا رَأينَا المصادر قد يخْرجن عَن التَّمَكُّن حَتَّى يستعملن فِي مَوضِع لَا تتجاوزه، كَقَوْلِنَا: سُبْحَانَ الله، وَلَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا مصدرا فِي التَّقْدِير، ولبيك وحنانيك، وَمَا جرى مجراهما مصَادر لَا يستعملن إِلَّا منصوبات، وَلم نر الصِّفَات يخْرجن عَن التَّمَكُّن، فَلذَلِك حمل سِيبَوَيْهٍ قاطبة وطرا على الْمصدر، وصارا بِمَنْزِلَة مصدر اسْتعْمل فِي مَوضِع الْحَال، وَلم يتجاوزوا ذَلِك الْموضع، كَمَا لم يتجاوزوا مَا ذَكرْنَاهُ من المصادر إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

(1/80)