اللامات

كتاب اللامات
عدد اللامات في كلام العرب

بسم الله الرحمن الرحيم
ومن يتوكل على الله فهو حسبه؛
قال: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي رحمة الله عليه:
هذا كتاب مختصر في ذكر اللامات ومواقعها في كلام العرب وكتاب الله عز وجل ومعانيها وتصرفها والاحتجاج لكل موقع من مواقعها وما بين العلماء في بعضها من الخلاف وبالله التوفيق.
فاللامات إحدى وثلاثون لاماً:
1 - لام أصلية
2 - لام التعريف
3 - لام الملك
4 - لام الاستحقاق
5 - لام كي
6 - لام الجحود
7 - لام إن
8 - لام الابتداء
9 - لام التعجب
10 - لام تدخل على المقسم به
11 - لام تكون جواب القسم
12 - لام المستغاث به

(1/31)


13 - لام المستغاث من أجله
14 - لام الأمر
15 - لام المضمر
16 - لام تدخل في النفي بين المضاف والمضاف إليه
17 - لام تدخل في النداء بين المضاف والمضاف إليه
18 - لام تدخل على الفعل المستقبل لازمة في القسم ولا يجوز حذفها
19 - لام تلزم إن المكسورة إذا خففت من الثقيلة
20 - لام العاقبة ويسميها الكوفيون لام الصيرورة
21 - لام التبيين
22 - لام لو
23 - لام لولا
24 - لام التكثير
25 - لام تزاد في عبدل وما أشبهه
26 - لام تزاد في لعل
27 - لام إيضاح المفعول من أجله
28 - لام تعاقب حروفا وتعاقبها
29 - لام تكون بمعنى إلى
30 - لام الشرط
31 - لام توصل الأفعال إلى المفعولين وقد يجوز وصل الفعل بغيرها

(1/32)


باب ذكر اللام الأصلية
اعلم أنها تكون في الأسماء والأفعال والحروف وتكون فاء وعينا، ولاما فكونها فاء قولك لعب ولهو ولجام وما أشبه ذلك كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ؛، وكذلك ما أشبهه وكونها عينا قولك بلد وسلام كما قال تعالى: (السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ) ؛ وكذلك السلم كما قال تعالى: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) ؛ وكونها لام الاسم قولك: خَطل وجبل وإبل ووصل وحبل، وكذلك ما أشبه فهذا كونها في الأسماء وكونها في الأفعال في هذه المواقع كقولك: لعب الرجل، وسَلس الشيء وفلق، ووصل، وعجل فقد بان لك وقوعها في المواقع الثلاث: في الأسماء والأفعال وهي أكثر من تحصى، وأبْيَن من أن تخفى فأما كونها في الحروف، فإن الحروف لا تقدر بأمثلة الأفاعيل ولكنها قد جاءت فيها أولاً ووسطا وآخرا ولا يحكم عليها فيها بالزيادة إلا بدليل فكونها أولا قولهم لم ولن ولكن وكونها آخراً قولهم: هلْ وبلْ، وهي التي تقع للإضراب

(1/33)


كقولك: ما خرج زيد بلْ عمرو قال الله عز وجل: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ؛ أما قولهم: ألم وألما، فإنما هي: لم ولما، ولكن الألف تزاد في أولهما تقريراً وتوبيخاً واستفهاماً فالتقرير قولك: ألم تخرج، ألم تقصد زيداً قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ) ؛ فهذا تقرير؛ والتوبيخ مثل قولك: ألم تذنب ألم تسفه على فلان فاحتملك؛ فأما لَيْسَ ففيها خلاف فالفراء وجميع الكوفيين يقولون هي: حرف والبصريون يقولون هي: فعل ودليل الكوفيين على أنه حرف ليس على وزن شيء من الأفعال لسكون ثانيه، وأنه لم يجيء منها اسم فاعل ولا مفعول ولا لفظ المستقبل فلم يقل منها: يليس ولا يس ومليس، كما قيل باع يبيع فهو بائع ومبيع، وكال يكيل فهو كايل ومكيل، وقال البصريون أما الدليل على أنها فعل فهو اتصال المضمر المرفوع به ولا يتصل إلا بفعل كقولك: لست ولسنا ولستم ولستن ولستما وما اشبه ذلك، فهو كقولك: ضربت وضربنا وضربتم وضربتن وضربتما وما أشبه ذلك وانستار المضمر الفاعل فيه كقولك: زيد ليس ذاهباً، وعبد الله ليس راكباً، فهذا هو الدليل على أنه فعل؛ فأما العلة في امتناعه من التصرف فهو أنه لما وقع بلفظ الماضي نفيا للمستقبل فقيل: ليس زيد خارجاً غدا استغني فيه عن لفظ المستقبل ولما استغني فيه عن المستقبل، لم يبن منه اسم الفاعل ولا المفعول فهذه علة امتناعه من التصرف وعلة أخرى وهي أنه لما نفي بها ضارعت حروف المعاني النافية فمنعت من التصرف لذلك، وقد يكون من الأفعال ما لا يتصرف ولا يحكم عليه بأنه ليس بفعل لامتناعه من التصرف ألا ترى أن العرب قالت: يذر ويدع ولم

(1/34)


يستعملوا منه الماضي ولا اسم الفاعل والمفعول، وكذلك عسى في قولهم: عسى زيد أن يركب، وفي قول الله تعالى: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) ؛ و {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} هو فعل غير متصرف ولم يستعمل منه يفعل ولا فاعل، وكذلك نعم وبئس هما فعلان غير متصرفين فكذلك ليس هي بهذه المنزلة في امتناعها من التصرف؛ وأما سكون ثانيه، فإن من العرب من يفر من الضم والكسر إلى السكون تخفيفا فيقول في: عَضُدٌ عَضْدٌ وفي: فَخِذ فَخْذ، ولا يفرون من الفتح إلى السكون قال: سيبويه قلت للخليل ما الدليل على أن الفتحة أخف الحركات قال: قول العرب في عَضُد عَضْد وفي كَبِد كَبْد ولم يقولوا فيك جَمَل جَمْل، ولا في قَمَر قَمْر، فدل ذلك على أن الفتحة أخف الحركات ومع ذلك، فإن الضمة والكسرة تخرجان بتكلف واستعمال للشفتين والفتحة تخرج مع النفس بلا علاج، ومن كان هذا من لغته في الأسماء، فإنه يقول أيضا في الأفعال ضُرب زيد وهو يريد ضَرب زيد وعُصر الثوب وهو يريد عَصر، قال الشاعر:

(1/35)


لو عصر منه البان والمسك انعصر
وكان أصل ليس لَيَسَ على وزن فَعَل فأسكن من هذه اللغة ولزمها السكون لما لم تصرف ولم تستعمل على الأصل كما لم يستعمل قام وباع وما أشبه ذلك على الأصل؛ وأما كون اللام وسطا في موقع عين الفعل في حروف المعاني فقولهم فقولهم: ألا وهي التي تقع افتتاحا لكلام كقوله تعالى: (أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، وكقول الشاعر وهو الشماخ:
ألا ناديا أظعان ليلى تعرج ... يهيجن شوقا ليته لم يهيج؛
وكقول الآخر:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدهر

(1/36)


وكقول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ومن ذلك قوله تعالى: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) ؛ معناه والله اعلم ألا يا هؤلاء اسجدوا فالمنادي مضمر في النية ويا حرف النداء وألا تنبيه وافتتاح كلام وموقع اللام منها موقع عين الفعل ومما أضمر فيه المنادي قول الشاعر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار
قال سيبويه: يا لغير اللعنة ولو كان واقعا عليها لنصبها لأنه نداء مضاف ومن قرأ ألا يسجدوا لله بفتح أوله والتشديد فهي مركبة من حرفين أن ولا تقديره أن لا يسجدوا ثم أدغمت النون في اللام التي بعدها فاللام على هذا التقدير أول كلمة ويسجدوا في موضع نصب بأن وعلامة

(1/37)


النصب سقوط النون وهي نظير قوله تعالى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ؛ في الفتح والتشديد والعمل، وقد تكون اللام ثانية في حروف المعاني مشددة في قولهم إلا في الاستثناء كقولك: جاء القوم إلا زيدا ومررت بأصحابك إلا بكرا قال الله تعالى: (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً منهم) ؛ و (ما فعلوه إلا قليل منهم) ؛ وقرأ عبد الله بن عامر؛ (ما فعلوه إلا قليلا منهم) ؛ بالنصب وذلك أن إلا إذا كان ما قبلها من الكلام موجبا كان ما بعدها منصوبا منفيا عنه ما أثبت لما قبلها وإذا كان ما قبلها منفيا جاز فيما بعدها البدل مما قبلها والنصب على أصل الاستثناء هذا مذهب البصريين ولا يجوزون غيره قال: سيبويه إلا في الاستثناء بمنزلة دفلى، فإن سميت بها لم تصرف المسمى به في معرفة ولا نكرة؛ يعني أن إلا كلمة واحدة مؤنثة فالألف التي في آخرها ألف التأنيث بمنزلة الألف التي في دفلى فلذلك لم تصرف المسمى بها؛ وأما الفراء فعنده أن اللام في إلا في الاستثناء أول الكلمة وموقعها موقع فاء الفعل وهي عنده أعني إلا مركبة من حرفين من إن ولا فإذا نصب بها فقال جاء القوم إلا زيدا فالناصب عنده إن ولا ملغاة كأنه قال: قام القوم إن زيدا لا،

(1/38)


أي لم يقم فقيل له فأين الخبر فقال اكتفي بالخلاف من الخبر وذلك أن ما بعد إلا مخالف أبدا لما قبلها وإذا رفع بها، فقال قام القوم إلا زيدا فالرافع عنده لا وإن ملغاة كأنه قال: قام القوم لا زيد وهذا تحكم منه وإلغاء إن، وقد بدء بها مالا يعقل في كلام العرب ولا يعرف له نظير وذلك أن العرب قد أجمعوا على أن الملغى لا ويبتدأ به ولا يجوز أن تقول ظننت زيد منطلق على إلغاء الظن، وقد بدأت به، وكذلك موقع إن في إلا إن كانت كما زعم مركبة من حرفين فإلغاؤها غير جائز والرفع بها خطأ لتقدم إن وإجماع العرب والنحويين على إجازة: ما قام القوم إلا زيد، وقول الله تعالى: (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) ، فالرفع يدل على فساد ما ذهب إليه الفراء، وقد أجاز الفراء أيضا الرفع بعد إلا في الموجب

(1/39)


فأجاز: قام القوم إلا زيدٌ، وانطلق أصحابك إلا بكرا قال: أرفعه على إلغاء إن والعطف بلا، وقد بينت لك فساد هذا الوجه وهو لحن عند البصريين، وقد استعمله كثير من الشعراء المحدثين وكثيرا ما نراه في شعر أبي نواس ومن هو في طبقته وأحسبهم تأولوا هذا المذهب.
وأما كلا فهي أيضا حرف واحد واللام فيها مكررة مشددة وهي ردع وزجر، فهذه مواقع اللامات الأصلية في الأسماء والأفعال والحروف ومهما ورد منها مما لم نذكره فلن يخرج عن قياس ما أصَّلناه فتدبره، فإنه راجع إليه إن شاء الله

(1/40)


لام التعريف
اعلم أن الألف واللام اللتين للتعريف وكذلك قولك: الرجل والغلام والثوب والفرس وما أشبه ذلك، للعلماء فيها مذهبان: أما الخليل فيذهب إلى أن الألف واللام كلمة واحدة مبنية من حرفين بمنزلة من ولم وإن وما أشبه ذلك، فيجعل الألف أصلية من بناء الكلمة بمنزلة الألف في إن وأن واستدل على ذلك بقول الشاعر:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل
قال: أراد أن يقول ألحقنا بالشحم فلم تستقم له القافية فأتى باللام ثم ذكر الألف مع اللام في ابتداء البيت الثاني فقال الشحم فدل ذلك على أن الألف من بناء الكلمة قال: وهو بمنزلة قول الرجل إذا تذكر شيئا قدي ثم يقول قد كان كذا وكذا فيرد قد عند ذكر ما نسيه فهذا مذهب الخليل واحتجاجه؛ وأما غيره من علماء البصريين والكوفيين فيذهبون إلى أن اللام للتعريف وحدها وأن الألف زيدت قبلها ليوصل إلى النطق باللام لما سكنت لأن الابتداء بالساكن ممتنع في الفطرة كما أن الوقف على متحرك ممتنع،

(1/41)


والقول ما ذهب إليه العلماء ومذهب الخليل فيما ذكره ضعيف والدليل على صحة قول الجماعة وفساد قول الخليل هو أن اللام قد وجدت في غير هذا الموضع وحدها تدل على المعاني نحو لام الملك، ولام القسم، ولام الاستحقاق، ولام الأمر وسائر اللامات التي عددناها في أول الكتاب، ولم توجد ألف الوصل في شيء من كلام العرب تدل على معنى ولا وجدت ألف الوصل في شيء من كلام العرب تكون من أصل الكلمة في اسم ولا فعل ولا حرف فيكون هذا ملحقا به، وكيف تكون ألف الوصل من أصل الكلمة، وقد سميت وصلا؟ ومع ذلك، فإن الخليل نفسه قال: إنما سميت ألف الوصل بهذا الاسم لأنها وصلة للسان إلى النطق بالساكن، وقال غيره إنما سميت ألف الوصل لاتصال ما قبلها بما بعدها في وصل الكلام وسقوطها منه فقد بان لك مذهب الخليل واحتجاجه ومذهب العلماء واحتجاجهم، ونقول في هذا الفصل ما قاله المازني قال: إذا قال العالم المتقدم قولا فسبيل من بعده أن يحكيه وإن رأى فيه خللا أبان عنه ودل على الصواب ويكون الناظر في ذلك مخيرا في اعتقاد أي المذهبين بان له فيه الحق، فإن قال قائل: فلم وجب سكون لام المعرفة عندكم، وقد زعمتم أنها حرف دال على معنى بنفسه؟ قيل له أما دلالته على المعنى بنفسه مفردا من غير الألف التي قبلها فليست زعما بل هي حقيقة، توجد ضرورة لأنا إذا قلنا: قام القوم وخرج الغلام وما أشبه ذلك، في جميع الكلام سقطت الألف من اللفظ لوصول الكلام ودلت اللام على التعريف ولو كانت الألف من بناء الكلمة لأخل معناها بسقوطها؛ وأما سكونها فإن ما وجب ذلك لأن اللامات التي تقع أوائل الكلم غيرها ذهبت بالحركات فذهبت لام الابتداء، ولام المضمر

(1/42)


بالفتح، ولام الأمر، ولام كي بالكسر ولم يبق غير الضم أو السكون فاستثقل في لام التعريف الضم لأنها كثيرة الدور في كلام العرب داخلة على كل اسم منكور يراد تعريفه وليس كذلك سائر اللامات لأن لكل واحد منها موقعا معروفا ومع ذلك، فإنها قد تدخل على مثل إبل وإطل فلو كانت مضمومة لثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسرتين، وقد تدخل على مثل حلم وعنق فكان يثقل عليهم الجمع بين ثلاث ضمات لو كانت مضمومة ولو كانت مكسورة لثقل عليهم الخروج من كسر إلى ضمتين ألا ترى أنه ليس في كلامهم مثل فعل بكسر الفاء وضم العين استثقالا للخروج من الكسر إلى الضم ولو كانت مفتوحة أشبهت لام التوكيد والابتداء والقسم فلما لم يكن تحريكها بإحدى هذه الحركات لما ذكرنا ألزمت السكون وأدخلت عليها ألف الوصل كما فعل ذلك في الأسماء والأفعال إذا سكنت أوائلها وهذا بين واضح.
واعلم أن هذه الألف واللام التي للتعريف قد تدخل في الكلام على ضروب: فمنها أن تعرف الاسم على معنى العهد كقولك: جاءني الرجل، فإن ما تخاطب بهذا من بينك وبينه عهد برجل تشير إليه لولا ذلك لم تقل جاءني الرجل ولكنت تقول جاءني رجل، وكذلك قولك: مر بي الغلام وركبت الفرس واشتريت الثوب وما أشبه ذلك إنما صار معرفة لإشارتك بهذه الألف واللام إلى العهد الذي بينك وبين مخاطبك فيما دخلت عليه هذه الألف واللام، وقد تدخل لتعريف الجنس وذلك أن تدخل على اسم واحد من جنس فتكون تعريفا لجميعه لا لواحد منه بعينه وذلك قولهم قد كثر الدرهم

(1/43)


والدينار في أيدي الناس لا يراد به تعريف درهم بعينه ولا دينار بعينه وإنما يراد به الجنس، ومن ذلك قولك المؤمن أفضل من الكافر لست تريد مؤمنا بعينه وإنما تريد تفضيل جنس المؤمنين على الكافرين، ومن ذلك قولهم الرجل أفضل من المرأة ومنه قولهم قد أيسر فلان فصار يشتري الفرس العتيق والغلام الفاره والخادمة الحسناء ولا يراد به الواحد من الجنس وإنما يراد ما كان من هذا الجنس، ومن ذلك قولهم هذا الصياد شقيا وهذا الأسد مخوفا لا يراد أسد بعينه ولا صائد بعينه وإنما يراد ما كان من هذا الجنس، وقد تدخل لضرب ثالث من التعريف وذلك أن تدخل عل نعت مخصوص مقرون بمنعوت ثم لا يطرد إدخالها على من كان بتلك الصفة مطلقا إلا معلقا بما يخرجه عن العموم والأشكال وذلك قولهم المؤمن والكافر والفاسق والمنافق والفاجر وما أشبه ذلك من الصفات الشرعية ألا ترى أن اشتقاق المؤمن من التصديق ولا تقع هذه الصفة معرفة بالألف واللام إلا على المؤمنين بالله عز وجل والنبي وشرائعه ولا تقول لمن صدق بخبر من الأخبار أو بشيء من الأشياء وهو مخالف لهذه الشريعة المؤمن مطلقا حتى تقول مؤمن بكذا وكذا، وكذلك الكافر أصله من الستر كل من ستر شيئا فقد كفره ثم صار صفة تقع معرفة بالألف والام على من خالف الإسلام فلا تقول لمن ستر شيئا بعينه قد جاء الكافر أو رأيت الكافر حتى تقرنه بما يخرجه من الأشكال فتقول قد جاءنا الكافر للثوب وما أشبه ذلك فأما منكورا أو موصولا بما يبينه فجائز استعماله ألا ترى أنالله عز وجل، لما ذكره معرفا بالألف واللام وصله بصفة توضحه وتبينه، فقال عز وجل: (كَمَثَلِ غَيْثٍ

(1/44)


أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) ؛ يعني الزراع فبان ذلك بذكر الزرع والنبات ولذلك تعلق بهذه الآية بعض أغبياء الملحدين ممن لا علم له بالعربية فقال وكيف يعجب الزرع الكفار دون المؤمنين وذهب عليه أن المعنى بهم هم الزراع لأنهم به عند استحكامه وجودته أشد فرحا من غيرهم لطول معاناتهم له وكدهم فيه وتأميلهم إياه، وكذلك الفاسق أصله عند جميع أهل العربية من قولهم فسقت الرطبة من قشرها إذا خرجت منه ولا تطلق هذه الصفة معرفة بالألف واللام على كل خارج من غشاء وغطاء وستر كان فيه وكان قطرب وحده يذهب إلى أن اشتقاق الفاسق من الاتساع وذكر أن العرب تقول تفسق الرجل في أمره إذا اتسع فيه قال: فكأن الفاسق قد وسع على نفسه من مذاهب الدين ما يحرج فيه غيره فيضيقه على نفسه توقيا للمآثم ولا يجوز على هذا التأويل أيضا إطلاقه معرفا بالألف واللام على كل من توسع في حال من الأحوال، ومن هذا النوع الطبيب والفقيه والشاعر لأنها وإن كانت صفات مشتقات فلا تطلق معرفة بالألف واللام إلا مخصوصة لمن وضعت له اتفاقا،

(1/45)


وقد تدخل الألف واللام للتعريف في ضرب رابع وهو أن تدخل على صفات شهر بها قوم حتى صارت تنوب عن أسمائهم ثم غلبت عليهم فعرفوا بها دون أسمائهم كقوله: م الفضل والحارث والعباس والقاسم وما أشبه ذلك هكذا كانت في الأصل نعوتا غلبت فعرف بها أصحابها ثم نقلت فسمي بها بعد ذلك قال سيبويه فمن قال: حارث وعباس وفضل فهن عنده بمنزلة زيد وجعفر ومحمد وبكر أسماء أعلام لا يجوز إدخال الألف واللام عليها ومن قال: الحارث والعباس والفضل، فإن ما نقلها من النعوت المشهورة فسمى بها، فإن نادى مناد الحارث والعباس والفضل أسقط منها الألف واللام ورجع إلى اللغة الأخرى فقال: يا حارث ويا عباس وأهل الكوفة يسمون الألف واللام في الحارث والعباس والفضل تبجيلا لأنها الألف واللام الداخلة للتعريف والتبجيل، وقد تدخل الألف واللام للتعريف على ضرب خامس وذلك أن تدخلا على نعت مخصوص وقع لواحد بعينه مشتقا ثم لم يستعمل في جنسه
ولا فيما شاركه في تلك الصفة ولا نقل إلى غيره فسمي به وذلك نحو قولهم:

(1/46)


الدبران للنجم إنما سمي بذلك لأنه دبر أي صار في دبر الكوكب التالي له، وكذلك السماك للنجم المعروف وإنما سمي بذلك لسموكه أي ارتفاعه، وكذلك قال سيبويه: ولا يجوز ان يقال لغيره من الأشياء المرتفعة السماك كائنا ما كان، وكذلك قولهم ابن الصعق إنما هي صفة لرجل بعينه أصابه ذلك ثم لم تنقل ولم يسم بها كما فعل بالحارث والعباس والفضل فسمي بها فهذا الفرق بين ما ذكرناه من هذا الباب وبين الحارث والعباس والفرق بينه وبين الفاسق وما ذكر معهما أن ذلك يطرد منكورا في جنسه وهذا لا يطرد ومن قولهم في هذا الباب الثريا للكواكب المجتمعة المعروفة بعينها وإنما هي تصغير ثروى وهي فعلى من الثروة وهي الكثرة ولا يطلق هذا اللفظ مصغرا معرفا بالألف واللام لما كثر من الأشياء غيرها، ومن ذلك قول العرب النجم إذا ذكروه هكذا معرفا بالألف واللام غير متصل بشيء، فإن ما

(1/47)


يريدون به الثريا بعينها فيقولون غاب النجم وطلع النجم هكذا يقول أكثر أهل اللغة، وقد استعمل النجم معرفا لغير الثريا، وقد قال الله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) ؛ وأراه والله أعلم إشارة إلى ما هوى من النجوم إلى الغروب أيها كانت ويجوز أن يكون إشارة إلى ما هوى من الكواكب التي ترجم بها الشياطين، وقد دخلت الألف واللام للتعريف على ضرب سادس وذلك دخولها على بعض الأسماء ثابتة غير منفصلة ولم تسمع قط معراة منها كدخولها على التي والذي واللذين واللتين والذين واللاتي واللائي وما أشبه ذلك، فإن إجماع النحويين كلهم على أن الألف واللام في أوائل هذه الأسماء للتعريف ولم تعر قط منها فسيبويه يقول: أصل الذي لذ مثل عم وشج ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف والفراء يقول أصل الذي ذا وهو إشارة إلى ما بحضرتك ثم نقل من الحضرة إلى الغيبة ودخلت عليه الألف واللام للتعريف وحطت ألفها إلى الياء ليفرق بين الإشارة إلى الحاضر والغائب، وكذلك قولنا الله عز وجل إنما أصله إله ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف وحذفت الهمزة، وقال سيبويه أصله لاه ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف

(1/48)


ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللام للتعريف قولهم الآن في الإشارة إلى الوقت الحاضر ونحن نذكره وعلته في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله.

(1/49)


باب ذكر ما يمتنع اجتماعه مع الألف واللام اللتين للتعريف وما يمتنع إدخاله على هذه الألف واللام وذكر معاني الآن وعلة بنائه
اعلم أنه لا يجوز اجتماع الألف واللام والتنوين على حال من الأحوال نحو قولك رجل وفرس وغلام ثم تقول الرجل والغلام والفرس فيسقط التنوين وخطأ الجمع بينهما والعلة في ذلك عند البصريين أن التنوين دخل في الأسماء فرقا بين المنصرف منها المتمكن وبين الممتنع من الانصراف بثقله مضارعا للفعل فإذا دخلت الألف واللام عليه مكنته فردته إلى الأصل، فإن صرف كله فاستغنى عن دلالة التنوين لأنه لا معنى للجمع بين دليلين على معنى واحد لا فضل لأحدهما على الآخر وعلة امتناع الجمع بين التنوين والألف واللام عند الفراء والكسائي وأصحابهما هي أن التنوين لازم الأسماء فرقا بينها وبين الأفعال لأن من الأسماء ما جاء بوزن الأفعال نحو جعفر لأنه بوزن دحرج ونحو جبل وجمل لأنه بوزن خرج وذهب، وكذلك ما أشبهه فجعل التنوين فرقا بين الأسماء والأفعال وألزم الأسماء لأنها أخف من الأفعال والألف واللام لا تدخل

(1/50)


على الأفعال لأنه لا تعتوِرها المعاني التي من أجلها تدخل الألف واللام على الأسماء التي قدمنا شرحها فلما دخلت الألف واللام على الأسماء فارقت شبه الأفعال فاستغني عن التنوين ودلالته فأسقطوا لا يجوز الجمع بين الإضافة والألف واللام نحو قولك هذا غلام زيد وثوب عمرو ودار بكر لو قلت هذا الغلام زيد والثوب عمرو كان خطأ والعلة في امتناع اجتماع الألف واللام والإضافة هي أن الألف واللام يعر، فإن الاسم بالعهد والإضافة تعرف الاسم بالملك والاستحقاق ومحال جمع تعريفين مختلفين على اسم واحد وليس في العربية شيء يجمع فيه بين الألف واللام والإضافة إلا قولهم هذا الحسن الوجه والفاره العبد والكثير المال وما يجري هذا المجرى وإنما جاز هاهنا الجمع بينهما لزوال العلة التي من أجلها امتنع الجمع بينهما وذلك أن الإضافة في هذا الباب لم تعرف المضاف لأنها إضافة غير محضة وتقديرها الانفصال وشرح ذلك أنك إذا قلت هذا غلام وثوب ودار فهو نكرة وإذا أضفته إلى معرفة تعرف به كقولك: هذا ثوب زيد وغلام عمرو وأنت إذا قلت مررت برجل حسن الوجه فحسن نكرة ولم يتعرف بإضافتك إياه إلى الوجه لأن الحسن في الحقيقة للوجه ثم نقل إلى الرجل فذلك جاز إدخال الألف واللام عليه للتعريف إذ كان غير متعرف بالإضافة فقيل مررت بالرجل الحسن الوجه والكثير المال وما أشبه ذلك ولا نظير له في العربية واعلم أنه جائز إدخال جميع العوامل على الاسم المعرف بالألف واللام من رافع وناصب وخافض إلا حرف النداء، فإنه لا يجوز إدخاله عليه لو قلت يالرجل ويالغلام لم يجز والعلة في امتناع الجمع بينهما هي أن حرف النداء

(1/51)


يعرف المنادى بالإشارة والتخصيص والألف واللام يعر، فإنه بالعهد فلم يجز الجمع بين تعريفين مختلفين كما ذكرت في هذا الباب، فإن أردت نداء ما فيه الألف واللام ناديته فقلت يا أيها الرجل ويا أيها الغلام كما قال الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) و (يا أيها النبي اتق الله) وليس في العربية اسم في أوله الألف واللام دخل عليه حرف النداء إلا قولهم يا الله اغفر لنا، فإنهم أدخلوا الألف واللام وحرف النداء وإنما جاز ذلك لأن أصله إله ثم دخلت الألف واللام وحذفت الهمزة فصارت الألف واللام لازمتين كالعوض من الهمزة المحذوفة فصارت كأنهما من نفس الكلمة فلذلك دخل عليه حرف النداء، فإن قال قائل، فإن الذي والتي وتثنيتهما وجمعها لا تفارقه الألف واللام ولا تنفصل منه فهل يجوز على هذا أن نناديه فنقول يا الذي في الدار ويا الذي قام قلنا ذلك غير جائز والفرق بينهما هو أن الألف واللام في الله عز وجل عوض من الهمزة المحذوفة كما ذكرنا وليستا في الذي وبابه عوضا من محذوف فصارتا في الله عز وجل: كأنهما من نفس الكلمة إذ كانتا عوضا من حرف أصلي، وقد غلط بعض الشعراء فأدخلها على الذي لما رأى الألف واللام لا تفارقانه فقال:

(1/52)


فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا
وقال آخر:
من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني
وكان المبرد يرد هذا ويقول هو غلط من قائله أو ناقله لأنه لو قيل فيا غلامان اللذان فرا لاستقام البيت وصح اللفظ به ولم تدع ضرورة إلى إدخال الألف واللام وهذه الأبيات من رواية الكوفيين ولم يروها البصريون وسبيلها في الشذوذ سبيل إدخال بعضهم الألف واللام على الفعل كما أنشد أبو زيد وغيره من البصريين والكوفيين يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع؛

(1/53)


أراد الذي يجدع فأدخل الألف واللام على الفعل وهو في الشذوذ شبيه أيضا بقول من جمع بين الألف واللام والإضافة فقالوا بالقوم الرسول الله منهم لهم ذل القبائل من معد ومثل هذا غلط وخطأ لا يعبأ به وإنما حكيناه ليتجنب ولئلا يتوهم متوهم أنه أصل يعمل عليه أو أنا لم نعرفه أو أغفلناه ليكون هذا الكتاب مستوعبا لأحكام اللامات كلها إن شاء الله.
ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللام للتعريف قولهم: الآن وذلك أنه مبني وفيه الألف واللام وسبيل المبني إذا أضيف أو دخلته الألف واللام أن يتمكن ويرجع إلى التعريف كما قالوا خرجت أمس وما رأيتك منذ أمس فبنوه على الكسر فإذا أدخلوا الألف واللام أو أضافوه عرفوه وليس في العربية مبني تدخل عليه الألف واللام إلا عرف إلا المبني في حال التنكير، فإن المبني في حال التنكير لم تمكنه الألف واللام لأن التنكير يخفف الأسماء

(1/54)


ويمكنها فإذا وجب لها البناء فيه لم يمكنها غيره وذلك نحو العدد ما بين أحد عشر إلى التسعة عشر، فإنه مبني إلا اثني عشر، فإن أدخلت عليه الألف واللام لم يتعرف أيضا فقلت جاءني الخمسة عشر رجلا ومررت بالخمسة عشر رجلا لهذه العلة التي ذكرتها لك فأما الآن، فإن ك تقول أنت من الآن تفعل كذا وكذا وأنت إلى الآن مقيم فتبنيه على الفتح كما ذكرت لك وللنحويين في بنائه ثلاثة أقوال قال أبو العباس المبرد: إنما بني لأنه كان من شأن الأسماء أن يعرفها كونها أعلاما نحو زيد وعمرو أو مشارا بها مبهمات فتعرفها الإشارة نحو هذا وذاك وبابه أو مضمرات أو مضافات إلى معارف أو نكرات نحو رجل وفرس ثم تعرف بالألف واللام فلما وقع الآن في أول أحواله معرفا بالألف واللام فارق بابه فبني، وقال آخرون من البصريين إنما بني الآن لأنه أشير به إلى الوقت الحاضر لا إلى عهد متقدم فضارع هذا فبني لمضارعته مالا يعرف لأنك

(1/55)


اذا قلت أنت الآن تفعل، فإن ما تريد أنت في هذا الوقت، وقال الفراء والكسائي إنما هو محكي وأصله من آن الشيء يئين بمعنى حان يحين وفيه ثلاث لغات يقال آن لك أن تفعل كذا وكذا وأنى لك أن تفعل كذا وكذا يأني لك كما قال الله عز وجل: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) ؛ والثالثة أن تقول أنال لك أن تفعل كذا وكذا بزيادة اللام قالوا فدخلت الألف واللام على اللغة الأولى فقيل الآن فاعلم فترك على فتحه كما روي في الأثر أنه نهى عن قيل، وقال يحكى مفتوحا على لفظ الفعل الماضي وبعضهم يورده على قيل، وقال فيجعلهما اسمين ويعربهما وللفراء فيه قول انفرد به قال: يجوز أن يكون محلى ترك على فتحه وهذا ليس بشيء لأنه لا يمتنع من تأثير العوامل فيه إلا أن يكون مبنيا فيرجع إلى ما قال القوم وأصل الآن عند جماعة البصريين وعند الفراء في أحد قوليه أوان حذفت الألف التي بعد الواو، فإن قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فقيل آن ويجمع أوان على آونة كما قيل زمان وأزمنة

(1/56)