اللامات باب لام الملك
لام الملك موصلة لمعنى الملك إلى المالك وهي متصلة بالمالك لا المملوك
كقولك: هذه الدار لزيد وهذا المال لعمرو وهذا ثوب لأخيك، وقد تتقدم مع
المالك قبل المملوك إلا أنه لا بد من تقدير فعل تكون من صلته كقولك:
لزيد مال ولعبد الله ثوب لأن التقدير معنى الملك، قال الشاعر:
لليلى بأعلى ذي معارك منزل ... خلاء تنادى أهله فتحملوا
فإن قال قائل فما الفرق بين قولك هذا غلام زيد وهذا غلام لزيد إذا كنت
قد أضفته في الوجهين إلى زيد قيل له الفرق بينهما أنك إذا قلت هذا غلام
زيد فقد عرفته بزيد وإنما تخاطب بهذا من قد عرف ملك زيد إياه وشهر به
عنده وإذا قلت هذا غلام لزيد، فإن ما تشير إلى غلام منكور ثم عرفت
مخاطبك أن زيدا يملكه في عدة غلمان أو وحده فأفدته من معنى الملك ما لم
يعلمه فهذه مخاطبة من لم يعلم ملك زيد إياه حتى أفدته وغلام في هذا
الوجه نكرة وإن كانت اللام قد أدت عن معنى إضافته إلى زيد لأنها تفصل
بين المضاف والمضاف إليه من أن يتعرف المضاف به أو يكون المضاف إليه
تماما له، وقد تدخل لآم الملك في الاستفهام إذا كان المملوك غير معروف
مالكه كقولك: لمن هذا الثوب ولمن هذه الدار كما قال امرؤ القيس:
(1/62)
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في
عسيب يمان
فجواب مثل هذا أن ترد اللام في الجواب لزيد ولعمرو لتدل بها على معنى
الملك واتصاله بالمخفوض بها واستحقاقه إياه فأما قول الله تعالى: (قُل
لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، فإن ما هو
على جهة التوبيخ لهم والتنبيه لا على أن مالكهما غير معلوم إلا من
جهتهم، تعالى الله عن ذلك ألا تراه قال: سيقولون الله؛ فكأنه قيل لهم
فإذا كنتم مقرين بهذا عالمين به فلم تعبدون غيره وربما أضرب المسؤول عن
مثل هذا فلم يأت بالجواب على اللفظ وعدل إلى المعنى ك قول الشاعر:
وقال القائلون لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم وزير
فرفع وكان سبيله أن يقول لوزير ولكنه حمل الكلام على المعنى فكأنه قال:
المحفور له وزير قال يونس بن حبيب ومثله قول الله عز وجل: (وَإِذَا
قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ
الأَوَّلِينَ) ؛ لأنهم لم يقروا أن الله أنزله فعدلوا عن الجواب عنه
فقالوا أساطير الأولين تقديره هذه أساطير الأولين ألا ترى أن المقربين
نصبوا الجواب فقالوا، (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ
رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً) ؛
(1/63)
حملوا الجواب على اللفظ كأنهم قالوا أنزل
خيرا، وقد يجوز رفع مثل هذا في الكلام وإن ثبتت به قراءة كان وجها جيدا
فجعل ذا بتأويل الذي كأنه قيل ما الذي أنزل ربكم فجوابه خير ومثله قول
الشاعر:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
(1/64)
باب لام الاستحقاق
لام الاستحقاق خافضة لما يتصل بها كما تخفض لام الملك ومعنياهما
متقاربان إلا أنا فصلنا بينهما لأن من الأشياء ما تستحق ولا يقع عليها
الملك، ولام الاستحقاق كقوله عز وجل: (الحمد لله رب العالمين) و
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) ؛ وكقولك: المنة في هذا
لزيد والفضل فيما تسديه إلي لزيد ألا ترى أن المنة والفضل ليس مما يملك
وإن كان المملوك والمستحق حاصلين للمستحق والمالك، ولام الملك
والاستحقاق جميعا من صلة فعل أو معناه لا بد من ذلك، وكذلك سائر حروف
الخفض كلها صلات لأفعال تتقدمها وتتأخر عنها كقولك: الحمد لله رب
العالمين؛ والمال لزيد يقدر سيبويه فيهما معنى الاستقرار تقديره عنده
المال مستقر لزيد والحمد مستقر لله تعالى، وكذلك يقدر في الظروف كلها
معنى الاستقرار والفراء يقدر معنى الحلول كقولك: زيد في الدار تقديره
عنده زيد حل في الدار؛ وأما الكسائي فلم يحفظ عنه في ذلك تقدير ولكن
يسمى الحروف الخافضة والظروف كلها الصفات وينصبها لمخالفتها الأسماء
(1/65)
باب لام كي
اعلم أن لام كي تتصل بالأفعال المستقبلة وينتصب الفعل بعدها عند
البصريين بإضمار أن وعند الكوفيين اللام بنفسها ناصبة للفعل وهي في كلا
المذهبيين متضمنة معنى كي وذلك قولك زرتك لتحسن إلي المعنى كي تحسن إلي
وتقديره لأن تحسن إلي فالناصب للفعل أن المقدرة بعد اللام وهذه اللام
عند البصريين هي الخافضة للأسماء فتكون أن والفعل بتقدير مصدر مخفوض
باللام كقولك: جئتك لتحسن إلي أي للإحسان إلي هكذا تقديره عندهم
واستدلوا على صحة هذا المذهب بأن حرفا واجدا لا يكون خافضا للاسم ناصبا
للفعل فجميع الحروف سوى التي تنصب الأفعال المستقبلة سوى أن ولن وإذن
إنما تنصبها بإضمار أن والكوفيون يرون أن هذه الحروف أنفسها ناصبة
للأفعال، ولام كي نحو قول الله عز وجل: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا
وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا
(1/66)
ما علوا تتبيرا) ونحو قول الفرزدق:
دعوت الذي سوى السموات أيده ... واله أدنى من وريدي وألطف
ليشغل عني بعلها بزمانة ... فتذهله عني وعنها فنسعف
يريد دعوت ربي لكي يشغل بعلها بزمانة وإنما تجيء هذه اللام مبينة سبب
الفعل الذي قبلها.
(1/67)
باب لام الجحود
لام الجحود سبيلها في نصب الأفعال بعدها بإضمار أن سبيل لام كي عند
البصريين إلا أن الفرق بينهما هو أن لام الجحود لا يجوز إظهار أن بعدها
كقولك: ما كان زيد ليخرج تقديره لأن يخرج وإظهار أن غير جائز ويجوز
إظهار أن بعد لام كي كقولك: جئتك لتحسن إلي ولو أظهرت أن فقلت جئتك لأن
تحسن إلي كان ذلك جائزا ولا يجوز في لام الجحود، وكذلك لا يجوز إظهار
أن بعد الفاء والواو وأو وكي وحتى إذا نصبت بعدها الأفعال وكذلك قولك:
متى تخرج فأخرج معك وسألزمك أو تقضي حقي كما قال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وكذلك قولك: لا تقصد زيدا فأغضب عليك كما قال الله تعالى: (قَالَ لَهُم
مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) وكذلك قولك: سرت حتى أدخل
(1/68)
المدينة وفي قول الله تعالى:
(وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) ؛ لا يجوز إظهار أن في شيء
من هذه المواضع، ولام الجحود إنما تعرف من لام كي بأن يسبقها جحد
كقولك: ما كان زيد ليخرج ولست لأقصد زيدا ونحو قول الله تعالى: (وما
كان الله ليضيع إيمانكم) و (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم
عليه) و (ما كان الله ليطلعكم على الغيب) وما أشبه ذلك، فإن قال قائل
فقد زعمتم أن إظهارها غير جائز فكيف يضمر مالا يجوز إظهاره وكيف نعرف
حقيقة هذه الدعوى فالجواب في ذلك أن إعراب الأفعال محمول على إعراب
الأسماء لأن الأسماء هي الأولى وأشد تمكنا؛
(1/69)
وإنما أعربت الأفعال لمضارعتها الأسماء
فلما كانت الأسماء قد تنصب بمضمرات لا يجوز إظهارها كقولك: إياك والشر
لا يجوز إظهار ما نصب إياك بإجماع من النحويين، وكقول الشاعر:
إياك إياك المراء، ... فإنه إلى الشر دعاء
وللشر جالب وكقوله: م في التحذير الأسد الأسد ولا يجوز إظهار الفعل
الناصب هاهنا مع تكرير الأسد، فإن أظهرته وحدت فقلت احذر الأسد ولا
يجوز أن تقول احذر الأسد الأسد ومثل ذلك قولهم الليل الليل، ومن ذلك
قولهم أزيدا ضربته وقام القوم إلا زيدا ويا عبد الله أقبل لا يجوز
إظهار الناصب هاهنا فأما في الاستثناء والنداء فقد ناب الحرفان عن
الفعل فنصبا وليس معهما إضمار غيرهما؛ وأما سوى ذلك فمعه مضمر لا يجوز
إظهاره، وقد يضمر ما يجوز إظهاره كرجل رأيته يضرب آخر فقلت الرأس يا
هذا لو أظهرت الفعل فقلت اضرب الرأس لجاز وكقوم رأيتهم يتوقعون الهلال
فكبروا فقلت الهلال تخبر أنهم رأوه ولو قلت أبصروا الهلال لجاز، وكذلك
هذه الحروف الناصبة للأفعال بإضمار أن لا يجوز إظهار أن بعدها كما لم
يجز إظهار الأفعال الناصبة للأسماء التي تقدم ذكرها وجاز بعد لام كي
كما جاز
(1/70)
إظهار المضمر في قولهم الرأس والهلال وما
أشبه ذلك لتجري الأفعال في إضمار عواملها مجرى الأسماء إذ كانت هي
الأصول.
(1/71)
باب لام إن
اعلم أن لام إن تدخل مؤكدة للخبر كما تدخل إن مؤكدة للجملة وكذلك قولك:
إن زيدا قائم وإن زيدا لقائم دخلت اللام في الخبر مؤكدة له كما دخلت إن
مؤكدة للجملة كما قال الله تعالى: (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) ؛
وإن هؤلاء لشرذمة قليلون؛ وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون هذا
مذهب سيبويه، وقال الفراء هذا كلام يقع جوابا تحقيقا بعد نفي كأن قائلا
قال: ما زيد قائم فقلت إن زيدا قائم فأدخلت إن في كلامك تحقيقا بإزاء
ما النافية في كلامه، فإن قال: ما زيد بقائم قلت إن زيدا لقائم فجعلت
إن بإزاء ما واللام بإزاء الباء، وقد اعترض في هذا الموضع فقيل وأي
فائدة في إدخال الباء في خبر ما وليس وكذلك قولك: ما زيد بقائم وما عبد
الله بقائم ونحو قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ؛
(1/72)
وما أنت بمؤمن لنا؛ وما أنا بمصرخكم وما
أنتم بمصرخي؛ وما الفائدة في إدخال الباء هاهنا فكان جواب النحويين
كلهم في ذلك أن قالوا أدخلت الباء في الخبر مشددة للنفي مؤكدة له، وقال
الزجاج هذا قول جيد والذي عندي فيه أن الباء تؤذن بالنفي وتعلم أن أول
الكلام منفي لأنه يجوز أن يسمع السامع إذا قيل له ما زيد قائما آخر
الكلام دون أوله لإغفاله عنه وشغل قلبه فيجوز أن يظنه محققا من قولهم
كان زيد قائما وأمسى زيد قائما وما أشبه ذلك فإذا قيل ما زيد بقائم
فسمع بقائم علم أن الكلام منفي لا محالة فهذه فائدة الباء وجعلت اللام
بإزائها في التحقيق وفي هذا الباب ضروب: من السؤال أحدها أن يقال فلم
أدخلت اللام في خبر إن وحدها دون سائر أخواتها فلم يجز أن يقال لعل
زيدا لقائم وكأن عبد الله لشاخص وما أشبه ذلك كما قيل إن زيدا لقائم
والآخر أن يقال فإذا كانت اللام مؤكدة فلم جعلت في الخبر دون الاسم
وكيف كان تقدير ذلك.
(1/73)
والثالث أن يقال فإذا كانت مؤكدة للخبر فلم
جاز دخولها وخروجها وهلا كانت لازمة؛ والرابع أن يقال فهلا اكتفى
بتوكيد إن وتحقيقها لأنها أيضا إنما تؤكد الخبر لا الاسم ألا ترى أنك
إذا قلت إن زيدا قائم، فإن ما أكدت القيام لا زيدا؛ والخامس أن يقال
فلم تكسر إن إذا دخلت هذه اللام في خبرها ولا يجوز فتحها البتة مثل ذلك
ظننت أن زيدا قائم وحسبت أن أباك شاخص فإذا أدخلت اللام كسرت إن فقلت
ظننت إن زيدا لقائم وحسبت إن أخاك لشاخص وعلمت إن بكرا لقائم كما قال
الله تعالى: (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) فكسر إن
لوقوع اللام في الخبر الخبر والسادس أن يقال إذا كانت هذه اللام إنما
تدخل في الأخبار كما ذكرتم فلم نراها منتقلة عن ذلك داخلة على الأسماء
وهذا نقض لما أصلتموه ألا ترى أنا نقول إن في الدار لزيدا أو إن عندك
لعمرا فندخل اللام على الاسم لا على الخبر كما قال الله تعالى: (إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) ؛ وما أشبهه وكقوله: (إن في ذلك
لآيات أولي النهى) .
(1/74)
الجواب عن هذه
المسائل
أما إدخال اللام في خبر إن دون سائر أخواتها فلأن إن داخلة على المبتدأ
والخبر محققة له غير مزيلة لمعناه وهذه اللام وهي لام الابتداء الداخلة
للتوكيد فجاز دخولها على خبر إن وحدها لما لم تغير معنى الابتداء ولم
تدخل على سائر أخواتها لأنها تغير معنى الابتداء لما تدخل عليه من
المعاني نحو دخول كأن للتشبيه والاستفهام والتقريب وليت للتمني ولعل
للترجي والتوقع واستدراك لكن بعد الجحد؛ وأما لزوم اللام في الخبر دون
الاسم، فإن أصلها كان قبل أن يقال إن زيدا لقائم كان لأن زيدا قائم
فاستقبحوا الجمع بين حرفين مؤكدين فجعلوا إن في الابتداء واللام في
الخبر ليحسن الكلام ويعتدل، فإن قال قائل فهلا جعلت اللام في الاسم وإن
في الخبر قلنا ذلك غير جائز لعلتين إحداهما أن إن عاملة فلو جعلت إن في
الخبر كان يلزم أن يتقدم اسمها عليها منصوبا وذلك غير جائز فيها لضعفها
وامتناعها من التصرف والأخرى أنه لو نصب بها ما يليها ورفع ما قبلها
كان قد تقدمها مرفوعها وجعل منكورا وخبرها معروفا وكل ذلك غير جائز
فيها فجعلت إن في الاسم لتنصبه ولا يبطل عملها وجعلت اللام في الخبر
لأنه موضع قد يقع فيه ما لا تؤثر فيه إن نحو الفعل الماضي والمستقبل
وحروف الخفض والجمل؛
(1/75)
وأما جواز دخول هذه اللام في الخبر
وخروجها، فإن ذلك على مذهب سيبويه والبصريين إنما جاز لأنها زيادة في
التوكيد ومشددة تحقيق إن والزيادة في التوكيد جائز أن يؤتى بها وجائز
ألا يؤتى بها فإذا أتى بها كان أشد للتوكيد وأبلغ وإذا لم يؤت بها كان
في إن كفاية؛ وأما على مذهب الفراء وهو مولد من هذا المذهب فليس دخولها
وخروجها سواء لأن الكلام عنده يقع جوابا للنفي فقولك إن زيدا قائم جواب
من قال: ما زيد قائما وقولك: إن زيدا لقائم جواب من قال: ما زيد بقائم،
وقد مضى شرح هذا فيما مضى من الباب وإنما قلنا إن هذا المذهب مأخوذ من
مذهب سيبويه لأن قولك ما زيد بقائم أشد توكيدا للنفي من قولك ما زيد
قائما فكذلك دخول اللام في الجواب وخروجها؛ وأما سؤال من قال: هلا
اكتفى بتوكيد إن وحدها فقد مضى الجواب عنه وهو أنها أعني اللام زيادة
في التوكيد وتشديد له فلذلك جاز الإتيان بها وحدها ولهذا نظائر في
العربية كقولك: قام القوم كلهم أجمعون وأحد التوكيدين يغني عن الآخر،
وكذلك مررت بزيد نفسه عينه ورأيت الرجلين أنفسهما أعينهما كل ذلك تشديد
للتوكيد وفي واحد منه كفاية، وقد قال البصريون لما كانت إن مؤكدة
للجملة واللام مؤكدة للخبر جاز الجمع بينهما لأن إن توكيد للخبر عن
زيد، وقد أكدت الجملة واللام تؤكد الخبر فجاز الجمع بينهما لذلك؛ وأما
كسر إن إذا دخلت اللام في خبرها وكذلك قولك: ظننت إن زيدا لقائم وعلمت
إن أخاك لمنطلق، فإن ما كسرت ولم يجز فتحها لأن أن المفتوحة مع ما تعمل
فيه اسم بتأويل المصدر يحكم عليه بالرفع والنصب
(1/76)
والخفض وإن المكسورة حرف معنى لا موضع له
من الإعراب واللام التي هي خبر إن قد قلنا إنها لام الابتداء وكانت
مقدرة قبل إن، ولام الابتداء تمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها فلم يجز
لما قبل إن أن يعمل فيها واللام بينهما لأن لام الابتداء حاجز يمنع ما
قبله من التخطي إلى ما بعده ألا ترى أنك تقول علمت لزيد منطلق وحلفت
لأخوك قائم ولا يكون لعلمت تسلط على ما بعد اللام فكذلك كان الأصل
وكذلك قولك: علمت إن زيدا لقائم علمت لأن زيدا قائم فمنعت اللام الفعل
إن يعمل في إن فبقيت مكسورة على حالها ثم أخرت اللام إلى الخبر لفظا
وهي في المعنى مقدرة في موضعها كما أنك إذا قلت غلامه ضرب زيد فالغلام
مقدر بعد زيد وإن كان قد وضع في غير موضعه؛ وأما دخول هذه اللام على
الأسماء في بعض المواضع كقولك: إن في الدار لزيدا وفي قول الله عز وجل:
إن في ذلك لعبرة لمن يخشى؛ وما أشبه ذلك فقد قلنا إن أصل دخولها كان في
أول الكلام كما شرحنا فلما تقدم الخبر وقع اسم إن موقع خبرها مؤخرا جاز
دخول اللام عليه لزوال العلة التي من أجلها لم تدخل عليه وهي الجمع بين
حرفين مؤكدين في مكان واحد فاعلم ذلك وقس عليه إن شاء الله.
(1/77)
باب لام الابتداء
لام الابتداء تدخل على الابتداء والخبر مؤكدة ومانعة ما قبلها من
تخطيها إلى ما بعدها كقولك: لأخوك شاخص ولزيد قائم وكقوله تعالى:
(لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) ؛
(وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) ؛ و (لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ
أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) ؛ وكقول امرئ القيس:
ليوم بذات الطلح عند محجر ... أحب إلينا من ليال على وقر
وهذه اللام لشدة توكيدها وتحقيقها ما تدخل عليه يقدر بعض الناس قبلها
قسما فيقول هي لام القسم كأن تقدير قوله لزيد قائم والله لزيد قائم
فأضمر
(1/78)
القسم ودلت عليه اللام وغير منكر أن يكون
مثل هذا قسما لأن هذه اللام مفتوحة كما أن لام القسم مفتوحة ولأنها
تدخل على الجمل كما تدخل لام القسم ولأنها مؤكدة محققة كتحقيق لام
القسم ولكنها ربما كانت لام قسم وربما كانت لام ابتداء واللفظ بهما
سواء ولكن بالمعنى يستدل على القصد ألا ترى أن من قال: لزيد قائم محققا
لخبره لم يقل له حنثت إن كان زيد غير قائم ولكن إذا وقع بعدها المستقبل
ومعه النون الثقيلة أو الخفيفة فهي لام القسم ذكر القسم قبلها أو لم
يذكر كقولك: لأخرجن ولتنطلقن يا زيد وكقوله تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ) ؛ وكقوله تعالى: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ
عَنِ النَّعِيمِ) ؛ اللام في هذا كله للقسم وليس قبله قسم ظاهر إلا في
النية وإنما حكمنا عليها بذلك لأن القسم لو ظهر لم يجز أن يقع الفعل
المستقبل محققا إلا باللام والنون كما ذكرنا فأما قوله تعالى: (وَإِذْ
أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) فهذا يؤيد ما ذكرنا لأنه قد ذكر
أخذ الميثاق ثم أتى باللام والنون مع الفعل فدل على أنها لام القسم،
وكذلك كل ما كان عليه دليل من هذا النوع حمل على القسم وما لم يكن فيه
دليل فاللام فيه لام الابتداء والمعنى بينهما قريب لاجتماعهما في
التوكيد والتحقيق.
(1/79)
باب لام التعجب
لام التعجب تدخل على المتعجب منه صلة لفعل مقدر قبله كقولك: لزيد ما
أعقله والتقدير اعجبوا لزيد ما أعقله، وكذلك قال: بعض العلماء في قول
الله عز وجل: (لإيلاف قريش) ؛ قال: تقديره اعجبوا لإيلاف قريش لأن حروف
الخفض صلات للأفعال، وقال بعضهم هي متصلة بسورة الفيل تقديره فجعلهم
كعصف مأكول لإيلاف قريش؛، وقال آخرون هي صلة لقوله (فليعبدوا رب هذا
البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) لأن صلات الأفعال تتقدم
وتتأخر وربما سبق لام التعجب حرف النداء كقوله: م يا لزيد فارسا أي
اعجبوا لزيد فارسا ويالك راكبا، وكذلك ما أشبهه، ومن هذا الباب أيضا
لام القسم الخافضة كقوله: م لله ما تأتي
(1/80)
به ولا تكون هذه اللام خافضة للمقسم به إلا
متضمنة معنى التعجب في الله وحده كما، قال الشاعر:
لله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
وقد كشف بعض المحدثين معنى هذه اللام وتضمتها للتعجب بأن كرر عليها
التعجب وإن كان ليس بحجة ولكنه مما يبين هذا المعنى وهو قوله لله آنسة
فجعت بها ما كان أبعدها من الدنس، وقال العلماء في قوله لله درك إن هذه
لام التعجب وإن كان دعاء للمخاطب به أو المخبر عنه في قولهم لله دره،
وقالوا معناه كثر الله خيره.
(1/81)
والدر اللبن وكان أكثر ما يشربون فدعي
بتكثيره لهم لأنه لا يكثر إلا بكثرة غنمهم ومواشيهم ومخرجه مخرج
التعجب، وقال بعضهم لله درك أي لله ما تأتي به.
(1/82)
|