اللمحة في شرح الملحة المجلد الأول
مقدمة
...
كتاب اللمحة في شرح الملحة
تأليف: محمد بن الحسن الصايغ (645 - 720هـ)
تحقيق: إبراهيم بن سالم الصاعدي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المحقق
أَحْمَدُ الله - تَعَالَى - حَمْدًا يَليْقُ بِجَلاَلِهِ، عَلَى مَا
أَسْدَاهُ مِنْ دَقَائِقِ نَعْمَائِهِ، وجَلاَئِلِ آلاَئِهِ، وصَلاَةً
وسَلاَمًا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَبَعْدُ؛ فَإِنَّ فِي مَكْتَبَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ تُرَاثًا
غَزِيرًا، حَفَلَتْ بِهِ مُنْذُ أَنْ مَكَّنَ اللَّهُ لِهَذهِ
الأُمَّةِ فِي الأَرْضِ بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا مِنْ إِقَامَةِ
دِيْنِهِ، وَتَحْكِيْمِهِ فِي كُلِّ صُقْعٍ حَلَّتْ فِيهِ.
وَكَانَ لِعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا نَصِيْبٌ مَوْفُورٌ فِي
خَزَائِنِ الكُتُبِ شَرْقًا وَغَرْبًا؛ وَكَانَت تِلْكَ الْخَزَائِنُ
مَرْجِعًا لِطُلاّبِ العِلمِ على مُخْتَلَفِ العصور؛ حتّى عَصْرنَا
هذَا الّذي تَيَسّرتْ فِيهِ أَسْبَابُ الإِفَادَة مِنْ ذَلِكَ
الرَّصِيدِ الضَّخْمِ، حَيْثُ فَتَحَتِ الْجَامِعَاتُ أَبْوَابَهَا،
وَمَدَّتْ يَدَ الْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِطُلاَّبِ الْعِلْمِ
وَالْمَعْنِيِّينَ بِتَحْقِيقِ التُّرَاثِ؛ ليَعُمَّ الانْتِفَاعُ
بِهِ.
وَلَقَدْ وَدِدْتُ أَنْ أُشَارِكَ بِسَهْمٍ فِي هَذَا الْمَجَالِ
الرَّحْبِ؛ فَأَخَذْتُ أَبْحَثُ تَارَةً وَأَسْأَلُ أَهْلَ الشَّأْن
تَارَةً، حَتَّى اهْتَدَيْتُ - بِفَضْلِ اللَّهِ - إِلَى شَرْحٍ
نَفِيْسٍ مِنْ شُرُوحِ (مُلْحَةِ الإِعْرَاب) ، وَهُوَ المُسمّى
(اللَّمْحَةَ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ) لمحمَّد بنِ الحسن الصَّايِغ،
فَاسْتَشَرْتُ
(1/7)
شكر وتقدير:
أَحْمَدُ اللهَ العَليّ العظيمَ الَّذِي سلَكَ بِي سَبِيلَ العِلْمِ،
وَوَفَّقَنِي لإتمام هذا الكِتَاب.
ثُمَّ أَشْكُرُ لِوالِديّ اللّذين كَانَ لَهُمَا الفَضْلُ بَعْد اللهِ
تَعَالى فِي مُوَاصَلَة دِرَاسَتِي العُلْيَا؛ حَيْثُ هَيَّا لِي كُلَّ
السُّبل، وحَثَّانِي عَلَى إِنْجَازِ هَذَا العَمَل، فَأََسْأل اللهَ
أَنْ يَجْزِيَهُمَا عَنِّي خَيْراً، وَيُبَارِكَ فِي عُمْرِهِمَا.
كَمَا أَشْكُرُ الْقَائِمِينَ عَلَى هَذَا الصَّرْحِ الْعِلْمِيِّ
الشَّامِخِ؛ أَعْنِي الْجَامِعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ فِي الْمَدِيْنَةِ
النَّبَوِيَّةِ؛ الَّذِيْنَ مَا فَتِئُوا يُولُونَ أَبْنَاءَ الأُمَّةِ
الإِسْلاَمِيَّةِ جُهُودَهُمْ المُبَارَكَة، وَيُعِدُّونَهُمْ
لِتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَلَى هَدْيٍ مِنَ
كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم.
كَمَا أُزْجِي الشُّكْرَ لِفَضِيْلَةِ شَيْخِي وَمُشْرِفِي الدُّكْتُور
مُحَمَّدُ بْنُ عَوَضٍ السِّهْلِيّ؛ الَّذِي تَكَرَّمَ بِالإِشْرَافِ
عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَة، وَأَعْطَانِي مِنْ وَقْتِهِ الثَّمِين مَا
أَعْطَانِي، وَوَاكَبَ خُطُوَاتِ البَحْثَ، وَشَارَكَنِي هُمُومَهُ؛
فَلَقَدْ وَجَدْتُ فِيْهُ خُلُقَ الْعُلَمَاءِ، وَكَرَمَ الْفُضَلاءِ؛
فَجَزُاهُ اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَبَارَكَ فِيْهِ وَفِي
عَقِبِهِ، وَجَعَلَ مَا قَدَّمَهُ لِي فِي مِيْزَانِ حَسَنَاتِهِ.
(1/10)
مَشَايِخِي الأَجِلاَّءَ فِيهِ،
فَامْتَدَحُوا الْكِتَابَ، وَأَشَارُوا عَلَيَّ بِتَحْقِيقِه؛ لِذَا
عَقَدْتُ الْعَزْمَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَدِرَاسَتِهِ - مُسْتَعِيْنًا
بِاللَّهِ تَعَالَى-، لِيَكُونَ مَوْضُوعَ رِسَالَتِي العالمِيّة
(المَاجستير) ؛ وَكَانَ مِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْنِي
إِلَى ذَلِكَ مَا يَلِي:
1-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ شَرْحٌ لِمَنْظُومَةِ (مُلْحَةِ الإِعْرَابِ)
الَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَوَائِلِ الْمَنْظُومَاتِ النَّحوِيَّةِ الَّتِي
وَصَلَتْ إِلَيْنَا كَامِلَةً؛ وَلَقَدْ طَبَّقَتْ شُهْرَتُهَا
الآفَاقَ، إِذْ تَنَاوَلَهَا جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ شَرْحًا
وَاخْتِصَارًا وَإِعْرَابًا.
2-أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ يُعَدُّ مِنْ أَوْسَعِ الْكُتُبِ الَّتِي
شَرَحَتِ (الْمُلْحَة) ؛ فَقَدْ تَمَيَّزَ بِكَثْرَةِ عَرْضِهِ
لِلْمَسَائِلِ النَّحوِيَّةِ، وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ،
وَمُنَاقَشَتِهَا، وَكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ، وَتَنَوُّعِهَا.
3-أَنَّ مُؤَلِّفَ هَذَا الْكِتَاب عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّامِن،
وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي نَشِطَتْ فِيهِ الدِّرَاسَاتُ
الإِسْلاَمِيَّةُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمُؤَلَّفَاتُ، وَتَمَيَّزَ
فِيهِ كَوْكَبَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الأَعْلاَمِ، كَأَبِي حَيَّان،
وَالْمُرَادِي، وَابْنِ هِشَام، وَابْنِ عَقِيلٍ، مِمَّا كَانَ لَهُ
أَبْلَغُ الأَثَرِ فِي إِيْجَادِ مُجْتَمَعٍ عِلْمِيّ مُتَمَيِّزٍ
ظَهَرَتْ آثَارُهُ فِي تِلْكِ الدِّرَاسَاتِ.
4-الْكَشْفُ عَنْ مَعَالِمِ شَخْصِيَّةِ الصَّائِغِ؛ لأنّه لَمْ
يُحَقَّقْ لَهُ
(1/11)
أَيُّ كِتَابٍ قَبْلَ هَذَا - على حدِّ
عِلْمِي، وَلَمْ تُدْرَسْ شَخْصِيَّتُهُ.
5- أَنَّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتَاب مُشَارَكَةً فِي إِحْيَاءِ
كُتُبِ التُّرَاثِ الَّتِي ظَلَّتْ قَابِعَةً فِي رُفُوفِ
الْمَكْتَبَاتِ زَمَنًا طَوِيلاً. فَكَانَتْ هَذِهِ الأَسْبَابُ
مُجْتَمِعَةً مِنْ أَهَمَّ مَا دَفَعَنِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا
الْكِتَابِ.
هَذَا، وَقَدْ اقْتَضَت طَبِيعَةُ الْبَحْث أَنْ أُقَسِّمَهُ
قِسْمَيْنِ رَئِيسَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الدِّرَاسَةُ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى تَمْهِيد،
وَفَصْلَيْن:
التَّمْهِيدُ: وَفِيهِ تَعْرِيفٌ مُوجَزٌ بِالْحَرِيرِيّ صَاحَبِ
الْمَنْظُومَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَحْقِيْقِ شَرْحِهَا.
الفَصْلُ الأَوَّلُ: الصَّايِغ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِث:
المَبحَثُ الأَوَّلُ: اسْمُهُ، وَنَسَبُهُ، وَكُنْيَتُه، وَلَقَبُهُ.
المبَحَثُ الثَّانِي: مَوْلِدُهُ، وَنَشْأَتُهُ، وَوَفَاتُهُ.
المَبحَثُ الثَّالِث: شُيُوخُهُ، وَتَلاَمِيذُهُ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: مُصَنَّفَاتُهُ.
الفَصْلُ الثَّانِي: (اللَّمْحَةُ فِي شَرْحِ المُلْحَةِ) ، وَفِيه
سِتَّةُ مَبَاحِث:
المَبحَثُ الأَوَّلُ: تَوْثِيقُ اسْمِ الْكِتَابِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى
مُؤَلِّفِهِ.
المَبحَثُ الثَّانِي: مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْكِتَابِ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: مَصَادِرُهُ.
(1/12)
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: شَوَاهِدُهُ.
المَبْحَثُ الخَامِسُ: مُوَازَنَةٌ بَيْنَ (اللَّمْحَةِ) وَ (شَرْحِ
الْحَرِيرِيِّ عَلَى المُلْحَة) .
المَبْحَثُ السَّادِسُ: تَقْوِيمُ الْكِتَاب.
الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّحْقِيقُ، وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَلِي:
1- وَصْفُ النُّسَخِ الْخَطِّيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي التَّحْقِيق.
2- مَنْهَجِي فِي التَّحْقِيقِ.
3- النَّصُّ الْمُحَقَّق.
ثُمَّ ذَيَّلْتُ الكِتَابَ بِالْفَهَارِسِ الْفَنِّيَّةِ اللاَّزِمَة.
(1/13)
كَمَا أَشْكُرُ جَمِيعَ أَسَاتِذَتِي
الَّذِينَ سَاعَدُونِي فِي إِنْجَازِ هَذَا الْكِتَاب؛ وَعَلَى رَأسِهم
فَضِيلَة الأُستاذ الدّكتور/ عليّ بن سُلْطَان الحكميّ؛ رئيس قسم
اللّغويات بالكلّية.
كَمَا أَشْكُرُ زَوْجَتِي المُخْلِصَة؛ لِمَا بَذَلَتْه مِنْ صَبْرٍ
ومُسَاعَدةٍ، كَانَ لَهُمَا الأَثَرُ الكَبِيرُ فِي مُوَاصَلةِ
الدِّرَاسَةِ وَالتَّحْصِيلِ. كَمَا أَشْكُرُ إخوَاني الأوفِيَاء؛
وأَخُصُّ منْهُم بالذّكر أَخي الشّيخ عبد الله الّذي قَدَّم لِي يدَ
العَوْنِ والمُسَاعَدةِ في سَبِيلِ إِنْجَازِ هذا العَمَل.
وَبَعْدُ؛ فَلَقَدْ بَذَلْتُ فِي هَذَا الْكتاب كُلَّ مَا فِي وُسْعِي،
وَلَكِنَّنِي - مَعَ ذَلِكَ - لاَ أَدَّعِي فِيهِ الْوُصُولَ إَلَى
الْكَمَال؛ فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ صَوَابٍ فَهُوَ مِنَ فَضْلِ اللَّهِ
- تَعَالَى - وَكَرَمِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأ
أَوْ زَلَلٍ أَوْ تَقْصِير فَهُوَ مِنِّي، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ،
وَحَسْبِي أَنِّي تَحَرَّيْتُ الصَّوَابَ جُهْدِي، وَبَحَثْتُ عَنْهُ
مَا اسْتَطَعْتُ.
وَخِتَامًا أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَ هَذَا
الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيم، وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِمَا
يُحِبُّ وَيَرْضَى، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وكتب إبراهيم بن سالم الصّاعديّ 27/4/1419هـ.
(1/14)
|